إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٨١

أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات ما هو شر من ذلك وهو الحسد ، وتحسدوننا عطف على سيقولون وهو فعل مضارع مرفوع وفاعل ومفعول به وبل إضراب ثان عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى ما أطمّ منه وهو الجهل وقلة الفقه ، وسيأتي مزيد منه في باب البلاغة ، وكان واسمها وجملة لا يفقهون خبرها وإلا أداة حصر وقليلا نعت لمصدر محذوف أي إلا فهما قليلا فلا معنى لقول الجلال «إلا قليلا منهم» لأنهم جميعا مشتركون في الوصف بالغباء والبلادة (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وللمخلفين متعلقان بقل ومن الأعراب حال وجملة ستدعون مقول القول ، وسيأتي سرّ التكرير ، وإلى قوم متعلقان بتدعون وأولي بأس شديد نعت لقوم وجملة تقاتلونهم نعت ثان أو حال ولك أن تجعلها مستأنفة وأو حرف عطف ويسلمون عطف على تقاتلونهم ولك أن ترفع الفعل المضارع على الاستئناف والتقدير أو هم يسلمون أي ينقادون. (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) الفاء عاطفة وإن شرطية وتطيعوا فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل ويؤتكم جواب الشرط والكاف مفعول به أول والله فاعل وأجرا مفعول به ثان وحسنا نعت لأجرا (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) الواو عاطفة وإن شرطية وتتولوا فعل الشرط وكما نعت لمصدر محذوف وما مصدرية وقد تقدم هذا الإعراب كثيرا وإن جنح سيبويه إلى إعراب الكاف في مثل هذا التركيب حالا ، ومن قبل متعلقان بتوليتم وبنى قبل على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى ويعذبكم جواب الشرط والكاف مفعوله وعذابا مفعول مطلق وأليما نعت لعذابا.

٢٤١

البلاغة :

١ ـ المبالغة : في قوله تعالى «فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا» فالإضراب الأول معروف وهو ديدنهم ودليل لجاجهم وتماديهم في التعنّت والإصرار على السفه ، أما الإضراب الثاني فهو الذي تتجسد فيه بلادتهم وغباؤهم لأن الإضراب الأول فيه نسبة إلى جهل في شيء مخصوص وهو نسبتهم الحسد إلى المؤمنين والثاني فيه نسبة إلى جهل عام على الإطلاق.

٢ ـ التكرير : وكرر ذكر القبائل الذين تخلفوا بهذا الاسم مبالغة في الذم وإظهارا لبشاعة التخلف كأن الذم يتوالى عليهم كلما تكرر ذكرهم به ووسمهم بميسمه ، واختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين دعوا إلى محاربتهم والموصوفين بالبأس الشديد ، فقيل هم هوازن ومن حارب الرسول في حنين ، وقيل هم الروم الذين خرج إليهم عام تبوك ، وقيل هم أهل الردّة الذين حاربهم أبو بكر. والتفاصيل يرجع إليها في مظانها.

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩)

٢٤٢

وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١))

الإعراب :

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) كلام مستأنف مسوق لبيان حكم الزمنى وذوي العاهات بالنسبة للجهاد ونفي الحرج عنهم في التخلّف عنه. وليس فعل ماض ناقص وعلى الأعرج خبر ليس المقدم وحرج اسمها المؤخر وما بعده عطف عليه وقد روعي في الترتيب أي هؤلاء أولى برفع الحرج عنه فقدّم الأعمى لأن عذره واضح مستمر والانتفاع منه معدوم البتة وقدّم الأعرج على المريض لأن عاهة العرج قد يمكن الانتفاع منها في حالات معينة كالحراسة ونحوها أما المريض فإن إمكان زوال المرض عنه متوقع في كل وقت (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الواو حرف عطف ومن شرطية في محل رفع مبتدأ ويطع الله ورسوله فعل الشرط ويدخله جوابه وجنات مفعول به ثان على السعة وجملة تجري من تحتها الأنهار صفة لجنات (وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) عطف على ما تقدم (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) كلام مستأنف لتقرير الرضا عن المبايعين ولذلك سمّيت بيعة الرضوان وتفاصيلها في كتب السير والتاريخ ، واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق ورضي الله فعل وفاعل وعن المؤمنين متعلقان برضي

٢٤٣

وإذ ظرف ماض متعلق برضي وجملة يبايعونك مضاف إليها الظرف ، وكان مقتضى المقام أن يأتي بالماضي ولكنه عدل عنه لسر يأتي في باب البلاغة ، وتحت الشجرة ظرف متعلق بيبايعونك (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفاء عاطفة وعلم فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى والجملة معطوفة على يبايعونك لما تقدم من أنه بمعنى الماضي وما موصول مفعول به وفي قلوبهم متعلقان بمحذوف صلة ما ، فأنزل عطف على فعلم والسكينة مفعول به وأثابهم عطف أيضا والهاء مفعول به أول وفتحا مفعول به ثان وقريبا نعت (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) الواو حرف عطف ومغانم عطف على فتحا قريبا وجملة يأخذونها صفة لمغانم وكان واسمها وخبرها (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) كلام مستأنف على طريق الالتفات ووعدكم الله فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ومغانم مفعول به ثان وكثيرة صفة وجملة تأخذونها صفة ثانية (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) الفاء عاطفة وعجّل فعل ماض والفاعل مستتر يعود على الله ولكم متعلقان بعجل وهذه مفعول به وكفّ أيدي الناس عنكم عطف على ما سبق (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) الواو عاطفة على مقدّر أي لتشكروه وهي مقحمة عند الكوفيين واسم تكون ضمير مستتر تقديره هي وآية خبرها وللمؤمنين نعت لآية ويهديكم عطف على ولتكون والكاف مفعول به أول وصراطا مستقيما مفعول به ثان (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) وأخرى الواو حرف عطف وأخرى معطوفة على هذه أي فعجّل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى وأجازوا أن تكون أخرى مبتدأ وجملة لم تقدروا عليها صفتها وجملة قد أحاط الله بها خبرها وقال الزمخشري : «ويجوز في أخرى النصب بفعل مضمر يفسره قد أحاط الله بها تقديره وقضى الله أخرى قد أحاط بها» وأجازوا أيضا أن تكون

٢٤٤

مجرورة بربّ مقدرة وتكون الواو واو ربّ وفي المجرور بعد واو ربّ خلاف مشهور أهو بربّ مقدرة أو بنفس الواو ، وقال أبو حيان في معرض ردّه على هذا الإعراب : «وهذا فيه غرابة لأن رب لم تأت في القرآن جارّة مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف يؤتى بها مضمرة» واقتصر القرطبي على الوجه الأول وعبارة أبي البقاء : «وأخرى أي ووعدكم أخرى أو أثابكم أخرى ويجوز أن تكون مبتدأ ولم تقدروا صفة وقد أحاط الخبر» وكان واسمها وخبرها وعلى كل شيء متعلقان بقديرا.

البلاغة :

في قوله «إذ يبايعونك» عدول عن المضارع إلى الماضي والسرّ فيه استحضار صورة المبايعة لأنها جديرة بالتجسيد لتكون عبرة الأجداد للأحفاد ، وخلاصة قصتها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل الحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي لما رأى إخفاق سفراء قريش في مساعيهم وضياع نصائحهم إلى قومهم رسولا إلى مكة فانبعث أشقى قريش وقتئذ عكرمة بن أبي جهل فعقر ناقة السفير وهمّ بقتله لو لا أن تداركه بعضهم فأنقذوه وردّوه إلى قومه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم دعا بعمر رضي الله عنه ليبعثه فقال : إني أخافهم على نفسي لما عرف من عذوتي إياهم ولكني أدلك على رجل هو أعزّ بها منّي وأحبّ إليهم عثمان بن عفان فبعثه وزوده بكتاب من لدنه يشرح فيه الغرض من مجيئه وأوصاه أن يزور مسلمي مكة المستضعفين معزيا ومصبّرا حتى يأتي نصر الله والفتح ، لم تثن سفارة عثمان رضي الله عنه من عزم قريش فأصرّت على عنادها مقررة منع الرسول وأصحابه من الطواف مهما كانت النتيجة ، وغاية ما سمحت به أنها أذنت لعثمان وحده أن يطوف بالبيت فأبى عثمان إلا أن يكون في صحبته رسول الله صلى الله

٢٤٥

عليه وسلم فغاظ هذا القول قريشا وهاج حفيظتها فأمرت بسجن عثمان ثلاثة أيام حتى تنظر في أمره فتناقل الناس الخبر مكبّرا حتى وصل معسكر الرسول أن عثمان قد قتل ، هنا قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا قائلا : ان كان حقا ما سمعنا فلن نبرح حتى نناجز القوم ، البيعة البيعة أيّها الناس ، فتوافد الناس يبايعون رسول الله تحت الشجرة وكانت سمرة وكان أول من بايعه سنان الأسدي فقال له وهو يبايعه : أبايعك على ما في نفسي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : وما في نفسك؟

قال سنان : أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو اقتل وبايعه الناس على ما بايعه سنان وكان عدد المبايعين ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين إلى آخر تلك القصة الممتعة التي يرجع إليها من شاء في كتب السير.

الفوائد :

روى ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة يصلّون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت والحكمة في ذلك أن لا يحصل الافتتان بها.

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ

٢٤٦

عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦))

اللغة :

(الْهَدْيَ) تقدم تفسيره وفيه ثلاث لغات حكاها ابن خالويه :الهدي وهي الشهيرة ، والهدي بتشديد الياء ، والهداء وهو ما يهدى إلى الكعبة.

(مَعْكُوفاً) محبوسا يقال عكفت الرجل عن حاجته إذا حبسته عنها ، وأنكر الفارسي تعدية عكف بنفسه وهو محجوج كما يقول الأزهري وابن سيده ببناء اسم المفعول منه.

(مَعَرَّةٌ) مفعلة من عره بمعنى عراه إذا داهاه ما يكره وفي القاموس واللسان : المعرة المساءة والإثم والأذى والجناية والعيب والأمر القبيح والشدّة والمسبة وتلوّن الوجه غضبا وكوكب دون المجرة وبلد معروف.

٢٤٧

الإعراب :

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) الواو استئنافية ولو شرطية وقاتلكم فعل ومفعول به مقدّم والذين فاعل وجملة كفروا صلة ، ولولّوا اللام واقعة في جواب لو وولّوا فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب لو والأدبار مفعول به وثم حرف عطف ولا نافية ويجدون فعل مضارع مرفوع وفاعل ووليّا مفعول به ولا نصيرا عطف عليه (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) سنّة مفعول مطلق لأنه مصدر مؤكد أي سنّ الله غلبة أنبيائه سنّة ، والتي صفة لسنّة الله وجملة قد خلت صلة التي ومن قبل متعلقان بخلت والواو عاطفة ولن حرف نفي ونصب واستقبال وتجد فعل مضارع منصوب بلن ولسنّة الله متعلقان بتجد وتبديلا مفعول به (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) كلام مستأنف وهو مبتدأ والذي خبره وجملة كفّ صلة وأيديهم مفعول به وعنكم متعلقان بكفّ وأيديكم عنهم عطف على أيديهم عنكم وببطن مكة بيان للموقع وهو الحديبية فهو متعلق بمحذوف حال أي كائنين ببطن مكة والحديبية ملاصقة للحرم ومن بعد متعلقان بكف أيضا وأن وما في حيزها في محل جر بالإضافة إلى الظرف وعليهم متعلقان بأظفركم (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) كان واسمها وبصيرا خبرها وبما تعملون متعلقان ببصيرا (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) كلام مستأنف لبيان الذين صدّوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ، وهم مبتدأ والذين خبره وجملة كفروا صلة وصدّوكم عطف على الصلة وعن المسجد متعلقان بصدّوكم والحرام نعت والهدي عطف على الضمير المنصوب في صدّوكم وهو الكاف ويجوز أن تكون مفعولا معه والواو للمعية ومعكوفا

٢٤٨

حال ، وأن يبلغ أن وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي عن أن يبلغ أو من أن يبلغ وحينئذ يجوز في هذا الجار المقدّر أن يتعلق بصدّوكم وأن يتعلق بمعكوفا أي محبوسا عن بلوغ محله ويجوز أن يكون المصدر المؤول في موضع نصب على أنه مفعول من أجله لأنه علة الصدّ والتقدير صدّوا الهدي كراهة أن يبلغ محله أو هو علة لمعكوفا أي لأجل أن يبلغ محله ، وأعربه بعضهم بدل اشتمال من الهدي أي مسددا بلوغ الهدي محله (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ) الواو عاطفة ولو لا حرف امتناع لوجود ورجال مبتدأ خبره محذوف تقديره موجودون بمكة ومؤمنون نعت رجال ونساء مؤمنات عطف على رجال مؤمنون وجملة لم تعلموهم صفة للرجال والنساء جميعا وأن وما في حيزها في تأويل مصدر بدل اشتمال منهم أو من الضمير المنصوب في تعلموهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الفاء سببية وتصيبكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية والكاف مفعول به ومنهم متعلقان بتصيبكم ومعرّة فاعل تصيبكم وبغير علم متعلقان بمحذوف حال من الكاف أو بمحذوف صفة لمعرّة وسيأتي الكلام في جواب لو لا (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) اللام للتعليل ويدخل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بمقدر أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة وانتفاء العذاب ليدخل الله فهو علّة لما دلّ عليه كفّ الأيدي المفهوم من السياق عن أهل مكة صونا لمن فيها من المؤمنين وفي رحمته متعلقان بيدخل ومن يشاء مفعول به وجملة يشاء صلة ولو شرطية وتزيلوا فعل ماض وفاعل أي لو تميز بعضهم من بعض واللام رابطة وجملة عذبنا لا محل لها لأنها جواب لو وقد دلّ على جواب لو لا وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب البلاغة وعذبنا فعل وفاعل والذين كفروا مفعول به ومنهم حال وعذابا مفعول

٢٤٩

مطلق وأليما صفة (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بعذبنا أو بصدّوهم عن المسجد الحرام ولك أن تنصبه بإضمار اذكر وجملة جعل في محل جر بإضافة الظرف إليها والذين فاعل وجملة كفروا صلة وفي قلوبهم متعلقان بجعل إذا كانت بمعنى ألقى أو بمحذوف مفعول به ثان لجعل إن كانت بمعنى صيّر والحمية مفعول به أول وحمية الجاهلية بدل والحمية الأنفة يقال حميت عن كذا حمية إذا أنفت عنه وداخلك عار وأنفة لفعله ، قال المتلمس :

ألا إنني منهم وعرضي عرضهم

كذا الرأس يحمي أنفه أن يهشما

(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) الفاء عاطفة على مقدّر لا بدّ منه يفهم من السياق أي فهمّ المسلمون أن يخالفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح ودخلوا من ذلك في أمر موبق أو يساور قلوبهم الشك فأنزل. والله فاعله وسكينته مفعول به وعلى رسوله متعلقان بأنزل وعلى المؤمنين عطف على ما تقدم وألزمهم عطف أيضا والهاء مفعول أول وكلمة التقوى مفعول به ثان وسيأتي المراد بها في باب الفوائد وكانوا عطف على ما تقدم وأحقّ خبر كانوا وبها متعلقان بأحق وأهلها عطف على أحق عطف تفسير (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) كان واسمها وبكل شيء متعلقان بعليما وعليما خبرها.

البلاغة :

في هذه الآية لطائف معنوية وهو أنه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن ، باين بين الفاعلين إذ فاعل جعل هو الكفار وفاعل أنزل هو الله تعالى ، وبين المفعولين إذ تلك حمية وهذه سكينة ، وبين

٢٥٠

الإضافتين أضاف الحمية إلى الجاهلية وأضاف السكينة إلى الله تعالى ، وبين الفعل جعل وأنزل فالحمية مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها والحمية قبيحة مذمومة في نفسها وازدادت قبحا بالإضافة إلى الجاهلية والسكينة حسنة في نفسها وازدادت حسنا بإضافتها إلى الله تعالى والعطف في فأنزل بالفاء لا بالواو يدل على المقابلة تقول أكرمني زيد فأكرمته فدلّت على المجازاة للمقابلة ولذلك جعل فأنزل ، ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أجاب أولا إلى الصلح وكان المؤمنون عازمين على القتال لا يرجعوا إلى أهلهم إلا بعد فتح مكة أو النحر في المنحر وأبوا إلا أن يكتبوا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وباسم الله قال تعالى «على رسوله» ولما سكن هو صلى الله عليه وسلم للصلح سكن المؤمنون فقال «وعلى المؤمنين» ولما كان المؤمنون عند الله تعالى ألزموا تلك الكلمة قال تعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ

٢٥١

ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))

اللغة :

(شَطْأَهُ) بسكون الطاء وفتحها وهما قراءتان سبعيتان وفي المختار «شطء الزرع والنبات فراخه وقال الأخفش طرفه وأشطأ الزرع خرج شطؤه» وفي القاموس : الشطء فراخ النخل والزرع أو ورقه وشطأ كمنع شطئا وشطوءا أخرجها ومن الشجرة ما خرج حول أصله والجمع أشطاء وأشطأ أخرجها والرجل بلغ ولده فصار مثله.

الإعراب :

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ) اللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وصدق الله فعل وفاعل ورسوله مفعول به والرؤيا منصوب بنزع الخافض أي في رؤياه وقيل كذب يتعدى إلى مفعولين يقال كذبني الحديث وكذا صدق كما في الآية لكنه غريب لأنه لم يعهد تعدّي المخفف إلى مفعولين والمشدد إلى واحد وعبارة أبي حيان «وصدق يتعدى إلى اثنين الثاني بنفسه وبحرف الجر تقول صدقت زيدا الحديث وصدقته في الحديث» وهذا ما جرى عليه في القاموس وعبارة الزمخشري «صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوّا كبيرا فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله تعالى : صدقوا ما عاهدوا الله عليه» وبالحق متعلق بصدق أو حال من الرؤيا (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ

٢٥٢

الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) اللام جواب لقسم محذوف وتدخلن فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال لأنه من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون نون التوكيد الثقيلة والمسجد مفعول به على السعة والحرام صفة وإن شرطية وشاء الله فعل الشرط والجواب محذوف لدلالة ما قبله ، وفي تعليق بالوعد بالمشيئة مع أنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها أقوال نلخصها فيما يلي : ١ ـ أنه حكاية قول الملك للرسول صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن كيسان.

٢ ـ هذا التعليق تأدب بآداب الله تعالى وإن كان الموعود به محقق الوقوع حيث قال تعالى «ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله». ٣ ـ وقال ثعلب استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون. ٤ ـ وزعم الكوفيون أن إن هنا بمعنى إذ التي تذكر لتعليل ما قبلها ، قالوا وليست شرطية لأن الشرط مستقبل وهذه القصة قد مضت ، وأصح ما يقال ما أورده الزمخشري ونصه : «فإن قلت ما وجه دخول إن شاء الله في إخبار الله عزّ وجلّ قلت فيه وجوه : أن يعلق عدّته بالمشيئة تعليما لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بأدب الله ومقتدين بسنّته» وآمنين حال من الواو المحذوفة من لتدخلن لالتقاء الساكنين أي حال مقارنة للدخول والشرط معترض والمعنى آمنين في حال الدخول ومحلقين حال ثانية متداخلة ورؤوسكم مفعول به ولا نافية وتخافون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والجملة مستأنفة أو حالية من فاعل لتدخلن أو من الضمير في آمنين أو في محلقين (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) الفاء عاطفة على جملة صدق الله وعلم فعل ماض وفاعل مستتر تقديره هو وما مفعول به وجملة لم تعلموه صلة ما ، فجعل : الفاء عاطفة ومن دون ذلك متعلقان بجعل وفتحا مفعول به وقريبا نعت (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى

٢٥٣

الدِّينِ كُلِّهِ) هو مبتدأ والذي خبره وجملة أرسل رسوله صلة الموصول وبالهدى متعلقان بمحذوف حال من المفعول به أي ملتبسا بالهدى ودين الحق عطف على الهدى واللام للتعليل ويظهره فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بأرسل أي ليعليه على الدين كله ، وكله تأكيد للدين وأل في الدين للجنس يريد الأديان المختلفة (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) كفى فعل ماض والباء حرف جر زائد ولفظ الجلالة مجرور لفظا فاعل كفى محلا وشهيدا تمييز (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) محمد مبتدأ ورسول الله خبره والذين مبتدأ ومعه ظرف متعلق بمحذوف هو الصلة وأشداء خبر وعلى الكفار متعلقان بأشداء ورحماء خبر ثان وبينهم ظرف متعلق برحماء جمع رحيم (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) الجملة خبر ثالث ولك أن تجعلها مستأنفة وتراهم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به وركّعا سجّدا حالان وجملة يبتغون مستأنفة كأنها جواب لسؤال نشأ عن مواظبتهم على الركوع والسجود كأنه قيل ماذا يريدون بذلك فقيل يبتغون أو حال ثالثة وفضلا مفعول به ومن الله متعلقان بيبتغون ورضوانا عطف على فضلا (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) سيماهم مبتدأ وفيها ثلاث لغات السيما والسيماء والسيمياء وهي العلامة وفي وجوههم خبر ومن أثر السجود حال (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) ذلك مبتدأ والإشارة إلى الوصف الآنف وهو كونهم أشدّاء رحماء وسيماهم في وجوههم ، ومثلهم خبره وفي التوراة حال (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) ومثلهم مبتدأ وفي الإنجيل حال وكزرع خبر مثلهم وجملة أخرج شطأه صفة لزرع وهناك أعاريب أخرى ستأتي الإشارة إليها في باب الفوائد ، فآزره عطف على أخرج وكذلك فاستغلط وقوله فاستوى وعلى سوقه متعلقان باستوى أو بمحذوف حال أي كائنا على

٢٥٤

سوقه قائما عليها والسوق جمع ساق (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) الجملة حالية أي حال كونه معجبا والزراع مفعول يعجب ، وليغيظ : اللام للتعليل والفعل المضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بفعل دلّ عليه السياق أي شبّهوا بذلك فالتعليل للتشبيه ، قال الزمخشري : «فإن قلت قوله ليغيظ بهم الكفار تعليل لما ذا؟ قلت لما دلّ عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوة ويجوز أن يعلل به وعد الله الذين آمنوا» فهو متعلق بوعد (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) وعد فعل ماض والله فاعل والذين مفعوله وجملة آمنوا صلة وجملة وعملوا الصالحات عطف على الصلة ومنهم حال ومغفرة مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض يقال : وعده الأمر وبه ، وأجرا عطف على مغفرة وعظيما نعت.

٢٥٥

سورة الحجرات

مدنية وآياتها ثمانى عشرة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))

اللغة :

(تَحْبَطَ) في المختار : «حبط عمله بطل ثوابه وبابه فهم وحبوطا أيضا». وقال الزمخشري : «والحبوط من حبطت الإبل إذا أكلت الخضر فنفخ بطونها وربما هلكت ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا» وفي القاموس : «الحبط محركة آثار الجرح

٢٥٦

أو السياط بالبدن بعد البرء أو الآثار الوارمة التي لم تشقّق فإن تقطعت ودميت فعلوب ووجع ببطن البعير من كلأ يستوبله أو من كلأ يكثر منه فينتفخ منه» إلى أن يقول : «وحبط عمله كسمع وضرب حبطا وحبوطا بطل ودم القتل هدرا».

(امْتَحَنَ) في القاموس «محنه كمنعه اختبره كامتحنه والاسم المحنة بالكسر» وفي الكشاف : والامتحان افتعال من محنه وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد قال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته وأنشد :

أتت رذايا باديا كلالها

قد محنت واضطربت آطالها

نقول : والرذايا : جمع رذية وهي الناقة المهزولة والآطال جمع أطل وهو الخاصرة كأسباب وسبب ، يقول الشاعر :

أتت المطايا مهازيل ظاهرا ملالها

وتعبها من السير قد أجهدت

تلك النون بالمسير أو قد تدلت واضطربت خواصرها من شدة الجوع وفي الصحاح «الأيطل الخاصرة وجمعه أياطل وكذلك الأطل وجمعه آطال».

(الْحُجُراتِ) جمع حجرة وهي فعلة بمعنى مفعولة كالغرفة وجمعها الحجرات بضمتين والحجرات بفتح الجيم والحجرات بتسكينها وقرئ بهنّ جميعا والحجرة القطعة من الأرض المحجورة بحائط أو نحوه.

الإعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) يا حرف نداء للمتوسط وأيّها منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه والذين بدل من أيّها وجملة آمنوا صلة الموصول ولا ناهية

٢٥٧

وتقدموا فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل وفيه وجهان أحدهما أنه متعدّ حذف مفعوله لقصد التعميم أو ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل كقولهم : هو يعطي ويمنع والثاني أنه لازم نحو وجه وتوجه ويؤيده قراءة ابن عباس والضحاك ويعقوب : تقدموا بفتح التاء والقاف والدال. وبين مفعول فيه ظرف مكان متعلق بتقدموا ويدي الله مضاف إليه وعلامة جرّه الياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى ولفظ الجلالة مضاف إليه ورسوله عطف على لفظ الجلالة (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الواو حرف عطف واتقوا فعل أمر وفاعل ولفظ الجلالة مفعول به وإن واسمها وخبراها والجملة تعليلية لا محل لها من الإعراب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) لا ناهية وترفعوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وأصواتكم مفعول به وفوق ظرف متعلق بترفعوا وصوت النبي مضاف إليه (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الواو عاطفة ولا ناهية وتجهروا فعل مضارع مجزوم بلا وله متعلقان بتجهروا وبالقول متعلقان بتجهروا أيضا والكاف في محل نصب صفة لمصدر محذوف أي لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض ، ولبعض متعلقان بجهر لأنه مصدر وأن وما في حيزها في موضع نصب على أنه مفعول لأجله على حذف مضاف أي خشية الحبوط والخشية منهم وقد تنازعه لا ترفعوا ولا تجهروا وعبارة أبي السعود : «وقوله أن تحبط أعمالكم إما علّة للنهي أي لا تجهروا خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط كما في قوله تعالى : يبيّن الله لكم أن تضلّوا وإما علّة للمنهي أي لا تجهروا لأجل الحبوط فإن الجهر حيث كان بصدد الأداء إلى الحبوط فكأنه فعل لأجله على طريقة التمثيل كقوله تعالى : ليكون لهم عدوا وحزنا» وقد فرّق الزمخشري بين الوجهين تفريقا تراه في باب الفوائد.

وأعمالكم فاعل تحبط والواو حالية وأنتم مبتدأ وجملة لا تشعرون خبر

٢٥٨

أنتم والجملة في موضع نصب على الحال (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) إن واسمها وجملة يغضون صلة الذين وأصواتهم مفعول يغضون وعند رسول الله الظرف متعلق بيغضون وأولئك مبتدأ والذين خبره والجملة خبر إن.

وامتحن الله قلوبهم فعل وفاعل ومفعول به وللتقوى متعلقان بامتحن على أنها علّة الامتحان لأن الاختبار بالمحن سبب لظهور التقوى لا سبب للتقوى نفسها فهو من إطلاق السبب على المسبّب وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب البلاغة ، وقال الواحدي : «تقدير الكلام امتحن الله قلوبهم فأخلصها للتقوى فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه ولهذا قال قتادة أخلص الله قلوبهم». وعبارة الزمخشري «والمعنى أنهم صبر على التقوى أقوياء على احتمال مشاقها أو وضع الامتحان موضع المعرفة لأن تحقيق الشيء باختباره كما يوضع الخبر موضعها فكأنه قيل عرف الله قلوبهم للتقوى وتكون اللام متعلقة بمحذوف واللام هي التي في قولك أنت لهذا الأمر أي كائن له ومختص به وهي ومعمولها منصوبة على الحال أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل بالتقوى أي لتثبت وتظهر تقواها ويعلم أنهم متقون لأن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند المحن والشدائد والاصطبار عليها وقيل أخلصها للتقوى من قولهم امتحن الذهب وفتله إذا أذابه فخلص إبريزه من خبثه ونقاه».

وهذا يجوز أن يكون الذين امتحن بدلا من أولئك أو صفة له كما سيأتي (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) لهم خبر مقدم ومغفرة مبتدأ مؤخرا وجر عظيم عطف على مغفرة الجملة مستأنفة على الوجه الأول وخبر أولئك على الوجه الثاني (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) إن واسمها وجملة ينادونك صلة الموصول ومن وراء الحجرات متعلقان بينادونك أي من خارجها خلفها أو قدّامها لأن وراء من الأضداد كما تقدم وأكثرهم مبتدأ وجملة لا يعقلون خبر أكثرهم والجملة الاسمية خبر

٢٥٩

إن (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الواو عاطفة وأن واسمها وجملة صبروا خبرها وأن وما في خيرها في تأويل مصدر فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت على رأي المبرد والزجّاج والكوفيين أو مبتدأ لا يحتاج إلى خبر لأن الخبر يحذف وجوبا بعد لو ولو لا على رأي سيبويه وجمهرة البصريين ، وحتى حرف غاية وجر وتخرج فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وإليهم متعلقان بتخرج واللام واقعة في جواب لو وكان فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على المصدر المفهوم من صبروا أي لكان صبرهم وخيرا خبرها ولهم متعلقان بخير والله مبتدأ وغفور خبر أول ورحيم خبر ثان.

البلاغة :

١ ـ في قوله تعالى «بين يدي الله ورسوله» استعارة تمثيلية ، شبّه تعجّل الصحابة في إقدامهم على البتّ في الحكم على أمر من أمور الدين بحالة من تقدم بين يدي متبوعه أثناء سيره في الطريق ثم استعمل في جانب الهجنة للمبالغة في تجسيد الهجنة وتقبيح الأمر ، وقال الزمخشري وأبداع : «حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسمّيت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه في غير موضع وقد جرت هذه العبارة هاهنا على سنن ضرب من المجاز وهو الذي يسمّيه أهل البيان تمثيلا ، ولجريها هكذا فائدة جليلة ليست في الكلام العريان وهي تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنّة والمعنى أن لا تقطعوا أمرا إلا بعد ما يحكمان به ويأذنان فيه».

٢٦٠