إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٨١

أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))

اللغة :

(فَفِرُّوا) في المصباح : «فرّ من عدوه يفرّ من باب ضرب فرارا هرب وفرّ الفارس فرّا أوسع الجولان للانعطاف وفرّ إلى الشيء ذهب إليه».

(أَتَواصَوْا) التواصي : أن يوصي القوم بعضهم إلى بعض والوصية المتقدمة في الأمر بالأشياء المهمة مع النهي عن المخالفة.

(ذَنُوباً) : الذنوب بفتح الذال الدلو العظيمة وقال الراغب :«الذنوب الدلو الذي له ذنب» وهو يؤنث ويذكّر قال :

لنا ذنوب ولكم ذنوب

فإن أبيتم فلنا القليب

وقال علقمة :

وفي كل حيّ قد ضبطت بنعمة

فحقّ لشاس من نداك ذنوب

٣٢١

الإعراب :

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الواو عاطفة ومن كل شيء يجوز أن يتعلق بخلقنا أي خلقنا من كل زوجين ويجوز أن يتعلق بمحذوف حال من زوجين لأنه في الأصل صفة له والتقدير خلقنا زوجين كائنين من كل شيء ، وخلقنا فعل وفاعل وزوجين مفعول به ولعل واسمها وجملة تذكرون خبرها والأصل تتذكرون حذفت إحدى التاءين من الأصل (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الفاء الفصيحة أي إذا علمتم أن الله تعالى فرد لا نظير له ولا نديد ففروا إليه ووحدوه ولا تشركوا به شيئا ولا بدّ من تقدير مضاف محذوف أي إلى ثوابه ، وفرّوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وإلى الله متعلقان بفرّوا وإن واسمها ولكم متعلقان بنذير وكذلك يتعلق منه ولك أن تعلقه بمحذوف على أنه حال من نذير لأنه في الأصل صفة له ونذير خبر إني ومبين نعت نذير (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الواو عاطفة ولا ناهية وتجعلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعله ومع الله ظرف مكان متعلق بمحذوف في موضع المفعول الثاني وإلها مفعول تجعلوا الأول وآخر نعت إلها وإني لكم منه نذير مبين تقدم إعرابها وهذه الجملة تكرير للتأكيد فالأولى مرتبة على ترك الإيمان والطاعة والثانية مرتبة على الإشراك (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الكاف خبر مبتدأ محذوف أي الأمر والشأن وما نافية وأتى فعل ماض والذين مفعوله المقدم ومن قبلهم متعلقان بمحذوف صلة الذين ومن حرف جر زائد ورسول مجرور بمن لفظا مرفوع محلا لأنه فاعل والجملة لا محل لها لأنها مفسرة وإلا أداة حصر وقالوا فعل وفاعل وساحر خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنت وأو حرف عطف ومجنون عطف على ساحر وقد تقدم معنى العطف وجملة

٣٢٢

إلا قالوا في محل نصب على الحال من الذين من قبلهم كأنه قيل ما أتى الذين من قبلهم رسول إلا في حال قولهم هو ساحر أو مجنون (أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي التعجبي وتواصوا فعل ماض وفاعل والواو فاعل تواصوا وبه متعلقان بتواصوا وبل حرف إضراب وعطف وهم مبتدأ وقوم خبر وطاغون نعت قوم (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) الفاء الفصيحة أي إن كان هذا شأنهم وقد بلوته وخبرته بنفسك فتولّ عنهم ، فتولّ فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت وعنهم متعلقان بتول والفاء تعليلية للأمر وما نافية حجازية وأنت اسمها والباء حرف جر زائد وملوم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر ما (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الواو عاطفة وذكر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت والفاء تعليل للأمر وإن واسمها وجملة تنفع المؤمنين خبرها (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الواو عاطفة وما نافية وخلقت فعل وفاعل والجن مفعول به والإنس عطف على الجن وإلا أداة حصر واللام للتعليل أو للعاقة ويعبدون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون والنون المذكورة للوقاية والواو فاعل وياء المتكلم المحذوفة في محل نصب مفعول به ولام التعليل ومدخولها متعلقان بخلقت وسيأتي مزيد بحث لهذه الآية التي شجر الخلاف حولها (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) ما نافية وأريد فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره أنا ومنهم متعلقان بأريد ومن حرف جر زائد ورزق مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول أريد والواو حرف عطف وما أريد عطف على مثيلتها وأن حرف مصدري ونصب ويطعمون فعل مضارع منصوب بأن وياء المتكلم المحذوفة مفعول به وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مفعول به أي وما أريد إطعامهم إياي (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) إن واسمها وهو ضمير فصل لا محل له والرزاق

٣٢٣

خبر إن الأول وذو القوة خبر ثان والمتين خبر ثالث وقيل نعت للرزاق أو لذو (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) الفاء الفصيحة أي إذا عرفت حال الكفرة الآنف ذكرهم مثل عاد وثمود وقوم نوح فإن لهؤلاء المكذبين نصيبا مثل نصيبهم وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب البلاغة ، وإن حرف مشبه بالفعل وللذين جار ومجرور في محل نصب خبر مقدم لإن وجملة ظلموا صلة الموصول وذنوبا اسم إن المؤخر ومثل ذنوب أصحابهم صفة لذنوبا والفاء عاطفة لترتيب النهي عن الاستعجال ولا ناهية ويستعجلون فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والنون المذكورة المكسورة للوقاية والياء المحذوفة مفعول به (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) الفاء عاطفة لترتيب ثبوت الويل أي العذاب الشديد لهم وويل مبتدأ ساغ الابتداء به لما تضمنه من معنى الدعاء وللذين خبره وجملة كفروا صلة الموصول ومن يومهم صفة لويل وقرر الجلال أنها بمعنى في وهو أحد معاني من التي أنهاها صاحب المغني إلى خمسة عشر معنى ومثّل لذلك بقوله تعالى «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة» أي في يوم الجمعة ، والذي صفة ليومهم ويوعدون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وجملة يوعدون صلة الذي.

البلاغة :

١ ـ في قوله الجن والإنس طباق ومعنى إلا ليعبدون أي إلا مهيئين ومستعدين للعبادة ، ذلك أنني خلقت فيهم العقل وركزت فيهم الحواس والقدرة التي تمكّنهم من العبادة وهذا لا ينافي تخلّف العبادة بالفعل من بعضهم لأن هذا البعض المتخلّف وإن لم يعبد الله مركوز فيه الاستعداد والتهيؤ الذي هو الغاية في الحقيقة ، وقد شجر خلاف

٣٢٤

بين أهل السنّة والاعتزال حول هذه الآية والواقع أنه لا خلاف لأن الآية إنما سيقت لبيان عظمته سبحانه وإن شأنه مع عبيده لا يقاس به شأن عبيد الخلق معهم فإن عبيدهم مطلوبون بالخدمة والتكسب للسادة وبواسطة مكاسب عبيدهم قدر أرزاقهم والله تعالى لم يطلب من عباده رزقا ولا إطعاما وإنما يطلب منهم عبادته ليس غير وزيادة على كونه لا يطلب منهم رزقا إنه هو الذي يرزقهم وهناك حجج يضيق عنها صدر هذا الكتاب فلتطلب في مظانها.

٢ ـ الاستعارة التمثيلية التصريحية : وفي قوله «فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون» استعارة تمثيلية تصريحية لأن الأصل فيه السقاة الذين يتقسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب قال :

لنا ذنوب ولكم ذنوب

فإن أبيتم فلنا القليب

ولما قال عمرو بن شاس :

وفي كل حيّ قد خبطت بنعمة

فحقّ لشأس بعد ذاك ذنوب

قال الملك نعم وأذنبة :

وعبارة المبرد في الكامل : «وأصل الذنوب الدلو كما ذكرت لك وقال علقمة بن عبدة للحارث بن أبي شمر الغساني (وبعضهم يقول شمر وبعضهم يقول شمر) وكان أخوه أسيرا عنده وهو شأس بن عبدة أسره في وقعة عين أباغ (وبعضهم يقول إباغ) في الوقعة التي كانت بينه وبين المنذر بن ماء السماء في كلمة له مدحه فيها :

وفي كل حيّ قد خبطت بنعمة

فحقّ لشأس من نداك ذنوب

فقال الملك : نعم وأذنبة.

٣٢٥

سورة الطور

مكيّة وآياتها تسع وأربعون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤))

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦))

اللغة :

(الطُّورِ) جبل معروف وقيل إن الطور كل جبل ينبت الشجر المثمر وما لا ينبت فليس بطور ، وقال المبرد : «يقال لكل جبل طور فإذا دخلت الألف واللام للمعرفة فهو لشيء بعينه».

٣٢٦

(مَسْطُورٍ) متفق الكتابة بسطور مصفوفة في حروف مرتبة وفي المختار : «السطر الصف من الشيء يقال بنى سطرا والسطر أيضا الخط والكتابة وهو في الأصل مصدر وبابه نصر وسطر أيضا بفتحتين والجمع أسطار كسبب وأسباب وجمع الجمع أساطير وجمع السطر أسطر وسطور كأفلس وفلوس».

(رَقٍّ) الرق بالفتح والكسر جلد رقيق يكتب فيه وجمعه رقوق والرق بالكسر المملوك وعبارة الراغب «الرق كل ما يكتب فيه جلدا كان أو غيره وهو بفتح الراء على الأشهر ويجوز كسرها كما قرئ شاذا وأما الرق الذي هو ملك الأرقاء فهو بالكسر لا غير» وقال الزمخشري :

«والرق : الصحيفة وقيل الجلد الذي يكتب فيه الكتاب الذي يكتب فيه الأعمال».

(الْمَسْجُورِ) المملوء بالماء.

(تَمُورُ) تضطرب وتجيء وتذهب وفي المختار : «مار من باب قال تحرك وذهب ومنه قوله تعالى : يوم تمور السماء مورا قال الضحاك :

تموج موجا وقال أبو عبيدة والأخفش تكفّأ».

(اصْلَوْها) في المصباح صلي بالنار وصليها صلى من باب تعب وجد حرها والصلاء وزان كتاب حر النار وصليت اللحم أصليه من باب رمى شويته.

(يُدَعُّونَ) الدع هو الدفع وقيل هو أن تغل الأيدي إلى الأعناق وتجمع النواحي إلى الأقدام ثم يدفعون دفعا عنيفا على وجوههم ، وفي المختار : «دعه دفعه وبابه ردّ ومنه قوله تعالى «فذلك الذي يدع اليتيم».

٣٢٧

الإعراب :

(وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) الواو حرف قسم وجر وهي أقسام خمسة جوابها إن عذاب ربك لواقع والواو الأولى للقسم والواوات بعدها للعطف أو كل واحدة منها للقسم وفي رق متعلقان بمسطور أو نعت آخر لكتاب (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) عطف على قوله والطور أو كل منها قسم مستقل بنفسه وجوابها جميعا قوله : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) إن واسمها واللام المزحلقة وواقع خبر إن (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) ما نافية وله خبر مقدم ومن حرف جر زائد ودافع مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر ، وهذه الجملة خبر ثان لإن أو صفة لواقع (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) الظرف متعلق بواقع أي يقع العذاب في ذلك اليوم وتكون جملة النفي معترضة بين العامل ومعموله وقيل الظرف متعلق بدافع وجملة تمور السماء في محل جر بإضافة الظرف إليها ومورا مفعول مطلق (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) الجملة عطف على جملة تمور السماء مورا (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) الفاء الفصيحة لأن في الكلام معنى المجازاة والتقدير إذا كان ما ذكر فويل لمن يكذب الله ورسوله ، وويل مبتدأ ساغ الابتداء به لتضمنه معنى الدعاء ويومئذ ظرف منصوب بويل وإذ ظرف مضاف إلى ظرف مثله والتنوين عوض عن جملة وللمكذبين هو الخبر لويل (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) الذين نعت للمكذبين وهم مبتدأ وفي خوض متعلقان بيلعبون وجملة يلعبون خبرهم والجملة لا محل لها لأنها صلة الذين (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) الظرف بدل من يوم تمور السماء مورا أو من يومئذ قبله وجملة يدعون في محل جر بإضافة الظرف إليها ويدعون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وإلى نار جهنم متعلقان بيدعون ودعا مفعول مطلق (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) الجملة

٣٢٨

منصوبة بقول محذوف أي يقال لهم ذلك وهذه مبتدأ والنار خبر والتي صفة وجملة كنتم صلة التي كان واسمها وبها متعلقان بتكذبون وجملة تكذبون خبر كنتم (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف تقديره كنتم تقولون للوحي هذا سحر أفسحر هذا يريد أهذا المصداق أيضا سحر وقد أفادت الفاء هذا المعنى ، وسحر خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر وأم يجوز أن تكون منقطعة بمعنى بل لأن الكلام تم عند قوله أفسحر هذا ثم قال أم أنتم أي بل أنتم لا تبصرون ويجوز أن تكون متصلة أي ليس شيء منهما ثابتا فثبت أنكم قد بعثتم وأن الذي ترونه حق فهو تقريع شديد وتهكم فظيع ، وأنتم مبتدأ وجملة لا تبصرون خبر (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) فعل أمر وفاعل ومفعول به والفاء عاطفة واصبروا فعل أمر وفاعل وأو حرف عطف ولا ناهية وتصبروا فعل مضارع مجزوم بلا وسواء خبر لمبتدأ محذوف أي صبركم وتركه سواء وعليكم متعلقان بسواء ونحا الزمخشري إلى إعرابها مبتدأ خبره محذوف أي سواء عليكم الأمران وتبعه أبو حيان ولا مانع من ذلك لأن ما في سواء من معنى التسوية أفادها فائدة سوّغت إعرابها مبتدأ (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إنما كافّة ومكفوفة وتجزون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وما اسم موصول مفعول به ثان وجملة كنتم تعملون صلة وكان واسمها وجملة تعملون خبرها وجملة إنما تجزون تعليلية للاستواء.

البلاغة :

١ ـ الاستعارة التصريحية في قوله «الذين هم في خوض يلعبون» :

الأصل في الخوض أن يكون في الماء يقال خاض الماء : دخله ثم غلب على الخوض في الباطل وغيره ، شبّه الكذب والاندفاع في الباطل

٣٢٩

بلجة يخوضها اللاعب ، يقال خاض الغمرات أي اقتحمها وخاض في الحديث أفاض فيه وخاض الجواد في الميدان مرح ويقال أنه يخوض المنايا أي يلقي نفسه في المهالك وهو يخوض الليل أي يتخبط فيه غير مكترث بالأهوال ، وفي اللغة أسماء غلبت عليها معان خاصة كالإحضار فإنه عام في كل شيء ثم غلب على الاستعمال في الإحضار للعذاب قال تعالى : لكنت من المحضرين ونظيره في الأسماء الغالبة دابة فإنها غلبت في ذوات الأربع والقوم غلب في الرجال والاستعارة هنا تصريحية.

٢ ـ التنكير : ونكر كتاب في قوله «وكتاب مسطور» لأنه كتاب مخصوص من بين جنس الكتب كقوله : «ونفس وما سواها».

٣ ـ الالتزام : وفي قوله «والطور وكتاب مسطور» فن الالتزام وقد تقدمت الإشارة إليه فقد جاءت الطاء قبل واو الردف لازمة.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ

٣٣٠

عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨))

اللغة :

(فاكِهِينَ) ناعمين متلذذين وقال الزجّاج والفرّاء : فاكهين معجبين بما آتاهم ربهم وفي المختار : «فكه الرجل من باب سلم فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاجا والفكه أيضا البطر الأشر وقرئ ونعمة كانوا فيها فكهين أي أشرّين وفاكهين أي ناعمين والمفاكهة الممازحة وتفكّه تعجب وقيل تندم قال الله تعالى : فظلتم تفكهون أي تندمون وتفكّه بالشيء تمتع به».

(بِحُورٍ) الحور : جمع حوراء من الحور وهو شدّة بياض العين في شدة سوادها.

(عِينٍ) العين : جمع عيناء وهو الواسعة العينين.

(أَلَتْناهُمْ) نقصناهم وفي المصباح «ألت الشيء ألتا من باب ضرب نقص ويستعمل متعديا أيضا فيقال ألته».

(السَّمُومِ) النار لدخولها في المسام وهي في الأصل الريح الحارّة تتخلل المسام والجمع سمائم وقال ثعلب : السموم شدّة الحر وشدّة البرد في النهار وقال أبو عبيدة : السموم بالنهار وقد يكون بالليل والحرّ بالليل وقد يكون بالنهار. وقيل أصل السموم من السم الذي هو مخرج النفس فكل خرق سم أو من السم الذي يقتل.

٣٣١

الإعراب :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) إن واسمها وفي جنات خبرها ونعيم عطف على جنات والكلام مستأنف مسوق لزفّ البشرى للمتقين ويجوز أن يكون تتمة المقول للكفّار زيادة في إغاظتهم وإدخال الحسرة إلى قلوبهم (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) فاكهين : حال وبما متعلقان بفاكهين وما موصولة واقعة على الفواكه التي في الجنة أي متلذذين بفاكهة الجنة ويجوز أن تكون الباء بمعنى في أي فيما آتاهم من الثمار وغير ذلك ويجوز أن تكون ما مصدرية أيضا وآتاهم ربهم فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ووقاهم عطف على الصلة أي فاكهين بإيتاء ربهم وبوقايتهم له عذاب الجحيم ويجوز أن تكون الواو حالية فتكون الجملة في محل نصب على الحال وقد مقدّرة عند من يشترط اقترانها بالماضي الواقع حالا وأجاز الزمخشري أن تكون معطوفة على جنات وعذاب الجحيم مفعول به ثان (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجملة مقول قول محذوف وهنيئا حال أو مفعول مطلق فتكون بمعنى المصدر ، وقد تقدم الكلام مشبعا على هنيئا في سورة النساء ، وبما متعلقة بكلوا أو اشربوا وجملة كنتم صلة وكان واسمها وجملة تعملون خبر كنتم ، وأجاز الزمخشري أن تكون الباء زائدة وما فاعل هنيئا ولكن زيادة الباء ليست مقيسة إلا في فاعل كفى وقد أنكر عليه أبو حيان ذلك (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) متكئين حال من الضمير المستكن في قوله في جنات أي كائنون في جنات حال كونهم متكئين أو من فاعل كلوا أو من مفعول آتاهم أو من مفعول وقاهم وعلى سرر متعلقان بمتكئين ومصفوفة نعت لسرر والواو حرف عطف وزوّجناهم فعل وفاعل ومفعول به وبحور متعلقان بزوّجناهم وعين نعت لحور (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ

٣٣٢

ذُرِّيَّتَهُمْ) في الواو ثلاثة أقوال نسردها فيما يلي ثم نبيّن مواضع الرجحان : ١ ـ استئنافية والذين مبتدأ والخبر جملة ألحقنا بهم ذريتهم وعليه أكثر المفسرين والمعربين. ٢ ـ قال أبو البقاء : منصوب بفعل محذوف على تقدير وأكرمنا الذين آمنوا. ٣ ـ قال الزمخشري : والذين آمنوا معطوف على حور عين أي قرناهم بالحور وبالذين آمنوا أي بالرفقاء والجلساء منهم كقوله تعالى إخوانا على سرر متقابلين فيتمتعون تارة بملاعبة الحور وتارة بمؤانسة الإخوان المؤمنين. وقد ردّ أبو حيان على الزمخشري فقال : «ولا يتخيل أحد أن قوله والذين آمنوا معطوف على بحور عين غير هذا الرجل وهو تخيل أعجمي مخالف لفهم العربي» ونحن لا نتردد في مشايعة أبي حيان في ردّه. وجملة آمنوا صلة الذين واتبعتهم ذريتهم عطف على آمنوا وبإيمان حال من ذريتهم أي حال كون الذرية ملتبسة بإيمان وجملة ألحقنا بهم ذريتهم خبر الذين (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) الواو حرف عطف وألتناهم فعل وفاعل ومفعول به ومن عملهم حال ومن حرف جر زائد وشيء مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول ثان وكل مبتدأ وامرئ مضاف إليه ، وبما الباء حرف جر وما موصولة أو مصدرية والجار والمجرور متعلقان برهين ورهين خبر كل (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) وأمددناهم عطف على ما تقدم وبفاكهة متعلقان بأمددناهم ولحم عطف على فاكهة ومما صفة وجملة يشتهون صلة الموصول (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) الجملة مستأنفة وقيل نصب على الحال من مفعول أمددناهم ويتنازعون فعل مضارع وفاعل وفيها متعلقان بيتنازعون وكأسا مفعول به ولا نافية للجنس أهملت لتكررها ولغو مبتدأ خبره فيها ولا تأثيم عطف عليه وسوغ الابتداء به تقدّم النفي عليه ، ومعنى يتنازعون الكأس يتجاذبونها تجاذب ملاعبة إذ أهل الدنيا لهم لذة في ذلك ، وقيل معنى يتنازعون يتعاطون قال الأخطل :

٣٣٣

نازعته طيب الراح الشمول وقد

صاح الدجاج وحانت وقعة الساري

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) الواو حرف عطف ويطوف فعل مضارع مرفوع وعليهم متعلقان بيطوف وغلمان فاعل يطوف ولهم صفة لغلمان وكأن واسمها ولؤلؤ خبرها ومكنون صفة لؤلؤ وجملة كأنهم صفة ثانية (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) الواو حرف عطف وأقبل بعضهم فعل وفاعل وعلى بعض متعلقان بأقبل وجملة يتساءلون حال (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) قالوا فعل وفاعل وإن واسمها وجملة كنّا خبرها وجملة إنّا كنّا مقول القول وقبل ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى والظرف متعلق بمحذوف حال ومشفقين خبر كنّا (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) الفاء حرف عطف ومنّ الله فعل وفاعل وعلينا متعلقان بمنّ ووقانا عطف على منّ وعذاب السموم مفعول به ثان (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) إن واسمها وكان واسمها ومن قبل حال وجملة ندعوه خبر كنّا وجملة كنّا خبر إنّا وإن واسمها وهو ضمير فصل أو عماد والبرّ الرحيم خبران لإنه وجملة إنه تعليلة لا محل لها.

البلاغة :

التشبيه المرسل المجمل : في قوله : كأنهم لؤلؤ مكنون تشبيه مرسل مجمل ، شبّه الغلمان باللؤلؤ المكنون في الأصداف لأنه أحسن وأصفى أو لأنه مخزون ولا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة وصدف الدرّ غشاؤه الواحدة صدفة مثل قصبة وقصب.

الفوائد :

إذا تكررت لا النافية للجنس جاز فيها خمسة أوجه :

٣٣٤

١ ـ بناء الاسمين على أنها عاملة عمل إن في كليهما نحو : لا حول ولا قوة إلا بالله.

٢ ـ رفعهما على أنها مهملة فما بعدها مبتدأ وخبر نحو : لا لغو فيها ولا تأثيم. وقول الحطيئة :

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ

زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

٣ ـ بناء الأول على الفتح ورفع الثاني كقول أبي الطيب :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

٤ ـ رفع الأول وبناء الثاني على الفتح نحو :

فلا لغو ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به أبدا مقيم

٥ ـ بناء الأول على الفتح ونصب الثاني بالعطف على محل اسم لا نحو :

لا نسب اليوم ولا خلة

اتسع الخرق على الراقع

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ

٣٣٥

خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨))

اللغة :

(الكاهن) الذي يذكر أنه يخبر عن الحق عن طريق العزائم ، والكهانة صفة الكاهن.

(نَتَرَبَّصُ) التربص الانتظار بالشيء من انقلاب حال له إلى خلافها.

(الْمَنُونِ) المنيّة والموت من منّه إذا قطعه لأن الموت قطوع ، وريبها : الحوادث التي تريب عند مجيئها قال :

تربص بها ريب المنون لعلها

سيهلك عنها بعلها أو سيجنح

(أَحْلامُهُمْ) عقولهم والأحلام جمع الحلم وهو الإمهال الذي يدعو إليه العقل والحكمة وفي القاموس : «والحلم بالكسر الأناة والعقل والجمع أحلام وحلوم ومنه : أم تأمرهم أحلامهم بهذا».

(الْمُصَيْطِرُونَ) جمع المسيطر وهو الغالب القاهر من سيطر عليه إذا راقبه وحفظه أو قهره ، وحكى أبو عبيدة سيطرت عليّ إذا اتخذتني خولا ، ولم يأت في كلام العرب اسم على مفيعل إلا خمسة ألفاظه :مهيمن ومحيمر ومبيطر ومسيطر ومبيقر ؛ فالمحيمر اسم جبل والبواقي أسماء فاعلين ، وفي الصحاح : المسيطر والمصيطر المسلط على الشيء

٣٣٦

ليشرف عليه ويتعهد أمواله ويكتب عمله وأصله من السطر لأن الكتاب يسطر.

الإعراب :

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) الفاء الفصيحة وذكر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت والفاء تعليلية وما نافية حجازية وأنت اسمها وبنعمة ربك يجوز في هذا الجار والمجرور أن يتعلق بما في ما من معنى النفي فتكون الباء للسببية وهذا أرقى الأوجه والمعنى انتفت عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة ربك عليك كما تقول : ما أنا بمعسر بحمد بالله وغناه وقال أبو البقاء إن الباء في موضع نصب على الحال والعامل فيها بكاهن أو مجنون والتقدير ما أنت كاهنا ولا مجنونا حال كونك ملتبسا بنعمة ربك وعلى هذا فهي حال لازمة والباء للملابسة وقيل الباء للقسم ونعمة ربك مقسم به متوسط بين اسم ما وخبرها فتتعلق بفعل محذوف تقديره أقسم والجواب محذوف والتقدير ونعمة ربك ما أنت بكاهن ولا مجنون وهو أضعفها (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أم منقطعة بمعنى بل وقد ذكرت هنا خمس عشرة مرة وكلها إلزامات ليس للمخاطبين بها جواب عنها ، ويقولون فعل مضارع مرفوع وشاعر خبر لمبتدأ محذوف وجملة نتربص به صفة لشاعر وبه متعلقان بنتربص وريب المنون مفعول به (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وتربصوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والفاء تعليل للأمر المقصود به التهديد وإن واسمها ومعكم ظرف متعلق بمحذوف حال ومن المتربصين خبر إني وجملة تربصوا مقول القول (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أم حرف عطف بمعنى بل وقد تقدم القول فيها وتأمرهم

٣٣٧

فعل مضارع ومفعول به مقدّم وأحلامهم فاعل وبهذا متعلقان بتأمرهم وأم عاطفة وهم مبتدأ وقوم خبر وطاغون نعت (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) تقوّله فعل ماض ومفعول به والفاعل مستتر تقديره هو (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) الفاء الفصيحة لأنها جواب شرط مقدّر أي فإن قالوا تقوّله أي اختلقه فليأتوا ، واللام لام الأمر ويأتوا فعل مضارع مجزوم بلام الأمر والواو فاعل وبحديث متعلقان بيأتوا ومثله صفة لحديث وإن شرطية وكان واسمها وخبرها وجواب إن محذوف دلّ عليه ما قبله أي إن صدقوا في هذا القول فليأتوا (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) عطف على ما تقدم ومن غير شيء متعلقان بخلقوا وأم هم الخالقون مبتدأ وخبر (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) عطف على ما تقدم (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدّم وخزائن مبتدأ مؤخر وهم مبتدأ والمسيطرون خبر (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) لهم خبر مقدّم وسلّم مبتدأ مؤخر وجملة يستمعون نعت لسلّم وفيه متعلقان بيستمعون ، فليأت : الفاء الفصيحة لأنها جواب شرط مقدّر تقديره إن ادّعوا ذلك فليأت واللام لام الأمر ويأت فعل مضارع مجزوم بلام الأمر ، ومستمعهم فاعل وبسلطان متعلقان بيأت ومبين صفة.

البلاغة :

١ ـ في قوله «أم تأمرهم أحلامهم بهذا» مجاز عقلي فقد أسند الأمر إلى الأحلام وقد كان العرب يتفاخرون بعقولهم فأزرى الله بها حيث لم تثمر لهم معرفة الحق والباطل ، ويجوز اعتبارها استعارة مكنية إن أريد التشبيه ، وكل مجاز عقلي يصحّ أن يكون استعارة مكنية ولا عكس.

٣٣٨

٢ ـ وفي قوله : «نتربص به ريب المنون» استعارة تصريحية فقد أطلق الريب على الحوادث والريب الشك وشبّهت الحوادث بالريب أي الشك لأنها لا تدوم ولا تبقى على حال.

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩))

اللغة :

(مَغْرَمٍ) المغرم أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه.

(كِسْفاً) قطعة وقيل قطعا واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر.

(مَرْكُومٌ) موضوع بعضه فوق بعض.

٣٣٩

الإعراب :

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) له خبر مقدّم والبنات مبتدأ مؤخر ولكم البنون عطف على له البنات (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) تسألهم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنت ومفعول به أول وأجرا مفعول به ثان والفاء حرف عطف وهم مبتدأ ومن مغرم متعلقان بمثقلون ومثقلون خبر (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدّم والغيب مبتدأ مؤخر والفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة يكتبون خبر (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) يريدون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وكيدا مفعول به والفاء عاطفة والذين مبتدأ وهو من وضع الظاهر موضع المضمر وقد تقدمت الإشارة إليه وجملة كفروا صلة وهم مبتدأ والمكيدون خبره والجملة الاسمية خبر الذين (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) لهم خبر مقدم وإله مبتدأ مؤخر وغير الله نعت لإله وسبحان الله منصوب على المفعولية المطلقة وعمّا متعلقان بسبحان وجملة يشركون لا محل لها لأن ما موصولة أو مصدرية (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) الواو عاطفة وإن شرطية ويروا فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل وكسفا مفعول به ومن السماء صفة لكسفا ويقولوا جواب الشرط وسحاب خبر لمبتدأ محذوف ومركوم صفة لسحاب (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) الفاء الفصيحة لأنها جواب شرط مقدّر والتقدير إذا بلغوا في الكفر والعناد إلى هذا الحدّ وتبين أنهم لا يرجعون عن الكفر فدعهم حتى يموتوا عليه ، وذرهم فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وحتى حرف غاية وجر ويلاقوا فعل مضارع مجزوم بأن مضمرة بعد حتى ويومهم مفعول به والذي نعت ليومهم وفيه متعلقان بقوله يصعقون وجملة يصعقون لا محل لها لأنها صلة الذي ، ويصعقون

٣٤٠