إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٨١

سورة الجاثية

مكية وآياتها سبع وثلاثون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦))

الإعراب :

(حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) تقدم القول في فواتح السور فجدّد به عهدا ، وتنزيل الكتاب مبتدأ ومن الله خبره والعزيز الحكيم نعتان لله ويجوز أن يعرب تنزيل خبر لمبتدأ محذوف ومن الله متعلقان به (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) إن حرف مشبّه بالفعل وفي السموات خبر مقدّم واللام للتأكيد وآيات اسم أن وللمؤمنين

١٤١

صفة لآيات (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الواو عاطفة وفي خلقكم خبر مقدّم والواو عاطفة وما اسم موصول معطوف على خلقكم وجملة يبث صلة ومن دابة متعلقان بيبث أو بمحذوف حال أي يبثه كائنا من دابة وآيات مبتدأ مؤخر ولقوم صفة لآيات وجملة يوقنون صفة لقوم واختلاف عطف أيضا على خلقكم منزل تنزيله من أنه متعلق بمحذوف خبر مقدم وما عطف على اختلاف وأنزل الله فعل وفاعل والجملة صلة ما ومن رزق حال أو متعلق بأنزل ، فأحيا عطف على أنزل وبه متعلقان بأحيا والأرض مفعول به وتصريف الرياح عطف على اختلاف وآيات مبتدأ مؤخر ولقوم صفة وجملة يعقلون صفة لقوم ، ومن المفيد أن نورد هنا عبارة الزمخشري إذ استوفى القراءات في هاتين الآيتين قال : «وقرىء آيات لقوم يوقنون بالنصب والرفع على قولك إن زيدا في الدار وعمرا في السوق أو وعمرو في السوق وأما قوله آيات لقوم يعقلون فمن العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت هما إن وفي أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في اختلاف الليل والنهار والنصب في آيات وإذا رفعت فالعاملان الابتداء وفي عملت الرفع. في آيات والجر في اختلاف ، وقرأ ابن مسعود : وفي اختلاف الليل والنهار ، فإن قلت : العطف على عاملين على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه وقد أباه سيبويه فما وجه تخريج الآية عنده؟ قلت فيه وجهان عنده : أحدهما أن يكون على إضمار في والذي حسّنه تقدم ذكره في الآيتين قبلها ويعضده قراءة ابن مسعود ، والثاني أن ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكرير ورفعها بإضمار هي ، وقرىء واختلاف الليل والنهار بالرفع» (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) تلك مبتدأ وآيات الله خبر وجملة نتلوها حالية ويجوز أن تكون

١٤٢

آيات الله بدلا من اسم الإشارة وجملة نتلوها هي الخبر وعليك متعلقان بنتلوها وبالحق حال أي ملتبسة بالحق (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) الفاء عاطفة وبأي متعلقان بيؤمنون والاستفهام إنكاري معناه النفي أي لا يؤمنون وحديث مضاف لأي وبعد الله ظرف متعلق بمحذوف نعت للحديث ويؤمنون فعل مضارع مرفوع.

البلاغة :

في قوله : إن في السموات إلى قوله يعقلون فن التخيير ، وهو أن يأتي الشاعر أو الكاتب بأبيات أو جمل يسوغ فيها أن تقفى بقواف شتى فيتخير منها قافية يرجحها على سائرها ، فالبلاغة في الآيات تقتضي أن تكون فاصلة الآية الأولى للمؤمنين لأنه سبحانه ذكر العالم بجملته حيث قال السموات والأرض ومعرفة ما في العالم من الآيات الدالة على أن المخترع قادر عليم حكيم ولا بدّ من التصديق أولا بالصانع حتى يصحّ أن يكون ما في المصنوع من الآيات دليلا على أنه موصوف بتلك الصفات والتصديق هو الإيمان وكذلك قوله تعالى في الآية الثانية لقوم يوقنون فإن خلق الإنسان وتدبير خلق الحيوان والتفكر في ذلك مما يزيده يقينا في معتقده الأول وكذلك معرفة جزئيات العالم من اختلاف الليل والنهار وإنزال الرزق من السماء وإحياء الأرض بعد موتها وتصريف الرياح يقتضي رجاحة العقل ليعلم أن من صنع هذه الجزئيات هو الذي صنع العالم الكلي بعد قيام البرهان ، على أن للعالم الكلي صانعا مختارا فلذلك اقتضت البلاغة أن تكون فاصلة الآية الثالثة لقوم يعقلون وإن احتيج للعقل في الجميع إلا أن ذكره هنا أمتن بالمعنى من الأول.

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً

١٤٣

كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١))

الإعراب :

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ويل مبتدأ وهي كلمة عذاب ولذلك ساغ الابتداء بها ولكل أفّاك خبره وأثيم نعت وهما صفتا مبالغة للكذب والإثم (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ) جملة يسمع صفة لأفّاك أثيم أو حال من الضمير فيهما ولك أن تجعلها مستأنفة ويسمع آيات الله فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وجملة تتلى عليه حال من آيات الله وعليه متعلقان بتتلى (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) ثم حرف عطف للترتيب والتراخي ويصرّ فعل مضارع معطوف على يسمع قال الزمخشري : «وأصله من إصرار الحمار عى العانة وهو أن ينحي عليها صارّا أذنيه» قلت : وفي الصحاح : «صرّ الفرس أذنيه ضمّهما إلى رأسه فإذا لم يوقعوا قالوا أصرّ الفرس بالألف» ومستكبرا حال من فاعل يصرّ وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لم يسمعها خبرها والجملة حال ثانية أي يصرّ حال كونه مثل غير السامع (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة علم في محل جر بإضافة الظرف إليها ومن آياتنا متعلقان بعلم أو بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لشيئا وشيئا مفعول به وجملة اتخذها لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والهاء مفعول

١٤٤

اتخذ الأول وهزوا مفعول اتخذ الثاني (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) اسم الإشارة مبتدأ ولهم خبر مقدّم وعذاب مبتدأ مؤخر ومهين صفة لعذاب والجملة خبر لأولئك وجملة أولئك مستأنفة (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) من ورائهم خبر مقدم وجهنم مبتدأ مؤخر والواو اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدّام قال :

أليس ورائي أن تراخت منيتي

أدبّ مع الولدان أزحف كالنسر

وسيرد المزيد من هذا البحث في باب البلاغة. (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) الواو عاطفة ولا نافية ويغني فعل مضارع مرفوع وعنهم متعلقان بيغني وما موصول فاعل ويجوز أن تكون مصدرية فالمصدر المؤول هو الفاعل وشيئا مفعول به (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) عطف على ما كسبوا وما يجوز أيضا أن تكون موصولة أو مصدرية ومن دون الله حال لأنه كان في الأصل صفة لأولياء وأولياء مفعول اتخذوا الثاني والأول محذوف أي اتخذوه (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) الواو عاطفة ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وعظيم نعت لعذاب (هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) كلام مستأنف مسوق لبيان هداية القرآن وهذا مبتدأ وهدى خبر والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة الموصول وبآيات ربهم متعلقان بكفروا ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر والجملة خبر اسم الموصول ومن رجز صفة لعذاب والرجز مطلق العذاب وأليم صفة لرجز.

البلاغة :

التضاد : في قوله «من ورائه جهنم» التضاد وهو استعمال لفظ يحتمل المعنى وضدّه وهو مشترك بين المعنيين فيستعمل في الشيء وضدّه ، والبيت الذي أوردناه شاهدا في باب الإعراب لعبيد بن الأبرص

١٤٥

والهمزة فيه للتقرير وقد توسع في الوراء حتى استعمل في كل غيب ومنه المستقبل وأدبّ أمشي بتؤدة وأن المصدرية مقدرة قبله لأنه اسم ليس وأزحف يحتمل أنه بدل من أدبّ وأن حال وكالنسر حال أيضا.

الفوائد :

عودة الضمير : مما يشكل فهمه لأول وهلة عودة الضمير في قوله «اتخذها هزوا» لأن ظاهر الكلام يوهم أنه عائد على شيء وهو مذكر ولكنه عدل عن اتخذه إلى اتخذها إشعارا بأنه إذا أحسّ بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم خاص في الاستهزاء وبجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه منها ، وقال الزمخشري «ويحتمل وإذا علم من آياتنا شيئا يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملا يتسلق به على الطعن والغميزة افترصه واتخذ آيات الله هزوا وذلك نحو افتراص ابن الزبعرى قوله عزّ وجلّ : إنكم وما تدعون من دون الله حصب جهنم ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله خصمتك ، ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية :

نفسي بشيء من الدنيا معلقة

الله والقائم المهدي يكفيها

حيث أراد عتبة» هذا وقد كنى أبو العتاهية بالشيء عن جارية من حظايا المهدي اسمها عتبة ولذلك أعاد عليه الضمير مؤنثا وبعده :

إني لأيأس منها ثم يطمعني

فيها احتقارك للدنيا وما فيها

ومعنى البيتين أنه لا يريد من الدنيا غير هذا الشيء والقائم بالأمر يكفيها أي يكفيني تلك الحاجة أو يكفي نفسي ما تريد والله بقطع الهمزة لأن أول المصراع محل ابتداء في الجملة ، ثم أنا أيأس منها

١٤٦

فأقطع طمعي منها ثم أطمع فيها ثانيا بسبب احتقارك للدنيا وما فيها وهو مدح بنهاية الكرم وروي أنه كتب ذلك في ثوب وأدرجه في برنية وأهداها للمهدي فهمّ بدفعها إليه فقالت الجارية أتدفعني إلى رجل مكتسب فأمر بملء البرنية مالا ودفعها إليه فقال للخزّان إنما أمر لي بدنانير فقال له الخزّان نعطيك دراهم واختلفا ، فقالت لو كان عاشقا لما فرّق بينهما.

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥))

الإعراب :

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ) كلام مستأنف مسوق للاعتبار بتسخير البحر على عظمته والسفن الجارية فيه لمخلوق هو أضأل شيء بالنسبة لهما والله مبتدأ والذي خبره وجملة سخر صلة ولكم متعلقان بسخر والبحر مفعول به واللام للتعليل وتجري فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بتجري أيضا والفلك فاعل وبأمره حال (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) عطف على ما تقدم ولعلّ واسمها وخبرها (وَسَخَّرَ

١٤٧

لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الواو عاطفة والجملة عطف على سابقتيها وجميعا حال من ما ووهم الجلال وتبع في إعرابه ابن مالك حيث عدّها من المؤكدات ، فأعربها توكيدا لما الموصولة الواقعة مفعولا لسخر ولو كان كذلك لقيل جميعه ثم التوكيد بجمع قليل فلا يحمل عليه التنزيل ، ومنه حال أي سخرها كائنة منه تعالى وحاصلة من عنده ، وأجاز الزمخشري أن يتعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف تقديره هي جميعا منه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) إن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبرها المقدم واللام للتأكيد وآيات اسم إن المؤخر ولقوم صفة لآيات وجملة يتفكرون صفة لقوم (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وللذين متعلقان بقل وجملة آمنوا صلة الموصول لا محل لها ويغفروا فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب تشبيها بالشرط والجزاء كقولك قم تصب خيرا وقيل هو على حذف اللام وقيل على معنى قل لهم اغفروا يغفروا فهو جواب أمر محذوف دلّ عليه الكلام وقد تقدم القول مسهبا في قوله تعالى «قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة» في سورة إبراهيم فجدد به عهدا وللذين متعلقان بيغفروا وجملة لا يرجون صلة الموصول وأيام الله مفعول وسيأتي معنى أيام الله في باب الفوائد ، وليجزي : اللام للتعليل ويجزي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بيغفروا لأنه علّة لها وقوما مفعول به والفاعل مستتر تقديره هو يعود على الله وبما متعلقان بيجزي وما يجوز أن تكون موصولة أو مصدرية وكان واسمها وجملة يكسبون خبرها ، وسيأتي سر تنكير قوما في باب البلاغة (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) من شرطية في محل رفع مبتدأ والجملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية الجزاء وعمل فعل

١٤٨

ماض في محل جزم فعل الشرط والفاعل مستتر يعود على من وصالحا مفعول به أو نعت لمصدر محذوف.

البلاغة :

في قوله تعالى «ليجزي قوما بما كانوا يكسبون» التنكير فقد نكر قوما وهم معروفون ، وقد اختلف الرواة وأصحاب السير فيهم مما يمكن الرجوع إليه في مظانه وإنما جنح إلى التنكير تعظيما لهم وثناء عليهم إذ المراد فيهم عمر بن الخطاب على أرجح الأقوال كأنما قال إن هؤلاء الذين يضبطون أنفسهم ، ويحتملون الأذى بصبر وثبات هم قوم أيّ قوم وهو ينتظم في باب التجريد وقد قدّمناه مفصلا بأقسامه.

الفوائد :

أيام الله : المراد بقوله «لا يرجون أيام الله» أي الوقائع المشهورة التي انتصر الحق فيها على الباطل وأديل الباطل بالجهاد ، وهذا جري على أساليب العرب إذ يقولون أيام العرب لوقائعهم المشهورة على حدّ قول السموأل :

وأيامنا مشهورة في عدونا

لها غرر معلومة وحجول

وقال ظالم بن البراء الفقيمي في يوم ذي بهدى بوزن سكرى :

ونحن غداة يوم ذوات بهدى

لدى الوتدات إذ غشيت تميم

ضربنا الخيل بالأبطال حتى

تولت وهي شاملها الكلوم

وقال جرير للأخطل ، يعيّره بذلك اليوم :

هل تعرفون بذي بهدى نوار سنا

يوم الهذيل بأيدي القوم منتشر

١٤٩

وارجع إلى الأغاني والعمدة ففيهما تفصيل واف لأيام العرب في الجاهلية والإسلام.

(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١))

الإعراب :

(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) كلام مستأنف مسوق لإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن السبيل التي يتمشى عليها قومه هي السبيل التي تمشى عليها من تقدمهم من الأمم. واللام جواب للقسم

١٥٠

المحذوف وقد حرف تحقيق وآتينا فعل وفاعل وبني إسرائيل مفعول به أول والكتاب مفعول به ثان والحكم والنبوّة معطوفان على الكتاب (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ورزقناهم عطف على آتينا وهو فعل وفاعل ومفعول به ومن الطيبات متعلقان برزقناهم وفضلناهم على العالمين عطف على ما تقدم ومعنى التفضيل أنه لم يؤت غيرهم مثل ما آتيناهم (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) عطف أيضا وبينات مفعول به ثان وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم ومن الأمر صفة لبيّنات أي دلائل ظاهرة في أمر الدين ، فما الفاء عاطفة وما نافية واختلفوا فعلى وفاعل وإلا أداة حصر ومن بعد متعلقان باختلفوا وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالإضافة وجاءهم العلم فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وبغيا مفعول من أجله وبينهم ظرف متعلق بمحذوف صفة لبغيا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) إن واسمها وجملة يقضي خبرها وبينهم ظرف متعلق بيقضي ويوم القيامة متعلق بمحذوف حال وفيما متعلقان بيقضي أيضا وجملة كانوا صلة وجملة يختلفون خبر كان وفيه متعلقان بيختلفون (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي والكلام مستأنف وجعلناك فعل وفاعل ومفعول به أول وعلى شريعة في موضع المفعول الثاني والشريعة في الأصل ما يرده الناس من المياه والأنهار فاستعير ذلك للدين والعبادة لأن العباد يردون ما تحيا به نفوسهم ومن الأمر نعت لشريعة والفاء عاطفة واتبعها فعل أمر وفاعل ومفعول به (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الواو حرف عطف ولا ناهية وتتبع فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وأهواء مفعول به والذين مضاف إليه وجملة لا يعلمون صفة (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) الجملة لا محل لها لأنها تعليل للنهي عن اتباع أهوائهم وإن واسمها وجملة لن يغنوا خبرها

١٥١

وعنك متعلقان بيغنوا ومن الله متعلقان بيغنوا أيضا وشيئا مفعول (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الواو عاطفة وإن واسمها وبعضهم مبتدأ وأولياء بعض خبر والجملة خبر إن والله مبتدأ ووليّ المتقين خبر (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هذا مبتدأ وبصائر خبره وجمع الخبر باعتبار ما ينطوي عليه المبتدأ وهو القرآن من آيات ودلائل واضحات وللناس صفة لبصائر وهدى ورحمة معطوفان على بصائر ولقوم نعت وجملة يوقنون نعت لقوم والجملة كلها مستأنفة (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أم منقطعة بمعنى الهمزة وبل والكلام مستأنف مسوق لبيان تغاير حالي المسيئين والمحسنين ، وحسب فعل ماض والذين فاعله وجملة اجترحوا السيئات صلة وأن وما في حيزها في تأويل مصدر سدّت مسدّ مفعولي حسب ونجعلهم فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن والهاء مفعول نجعل الأول وكالذين في موضع المفعول الثاني وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) سواء حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما كالذين آمنوا والمعنى أحسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم مثل الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال استواء محياهم ومماتهم والاستفهام بمعنى الإنكار والنفي ومحياهم فاعل بسواء وساء فعل ماض للذم وما هنا مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر هو فاعل ساء أو ما نكرة تامة بمعنى شيء في محل نصب على التمييز وفاعل ساء مستتر تقديره هو.

الفوائد :

١ ـ مبكاة العابدين : هذه الآية «أم حسب الذين اجترحوا السيئات» إلخ ، تسمى مبكاة العابدين ، وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه كان

١٥٢

يصلي ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية فجعل يبكي ويردّد إلى الصباح ساء ما يحكمون ، وكان الفضيل بن عياض يقول لنفسه : ليت شعري من أيّ الفريقين أنت؟

٢ ـ قراءة ثانية للآية : هذا وقد قرىء سواء محياهم ومماتهم بالرفع فسواء خبر مقدّم ومحياهم مبتدأ مؤخر وقد اختلف في إعراب هذه الجملة فقال الزمخشري أنها بدل من الكاف لأ الجملة تقع مفعولا ثانيا فكانت في حكم المفرد وردّ عليه أبو حيان قائلا : «وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري من إبدال الجملة من المفرد قد أجازه أبو الفتح واختاره ابن مالك وأورد على ذلك شواهد على زعمه ولا يتعين فيها البدل» إلى أن يقول «والذي يظهر لي أنه إذا قلنا بتشبث الجملة بما قبلها أن تكون الجملة في موضع الحال والتقدير أم حسب الكفار أن مصيرهم مثل المؤمنين في حال استواء محياهم ومماتهم ليسوا كذلك بل هم مفترقون أي افتراق في الحالتين وتكون هذه الحال مبينة ما انبهم في المثلية الدال عليها الكاف التي هي في موضع المفعول الثاني».

(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا

١٥٣

تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦))

الإعراب :

(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) لك أن تجعل الكلام معطوفا على ما تقدم ليكون بمثابة الدليل على نفي الاستواء بين الفريقين ولك أن تجعله استئنافا مسوقا لهذه الغاية. وخلق الله السموات فعل وفاعل ومفعول به والأرض عطف على السموات وبالحق حال من الفاعل أو المفعول (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الواو عاطفة واللام للتعليل وتجزى فعل مضارع منصوب بأن مقدرة بعد لام التعليل والكلام معطوف على قوله بالحق لأن كلا من الباء واللام تكونان للتعليل فكان الخلق معللا بالجزاء واختار الزمخشري أن يكون معطوفا على معلل محذوف تقديره ليدل بها على قدرته ولتجزى كل نفس ، واختار ابن عطية أن تكون لام العاقبة أو الصيرورة أي وصار الأمر منها من حيث اهتدى بها قوم وضلّ بها آخرون وليس ببعيد ، والواو للحال وهم مبتدأ وجملة لا يظلمون خبر والجملة في محل نصب على الحال (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) الهمزة للاستفهام المقصود به الأمر أي أخبرني ، ورأيت فعل وفاعل ومن مفعول رأيت الأول والثاني محذوف تقديره مهتديا وجملة اتخذ صلة الموصول وإلهه مفعول أول لاتخذ وهواه مفعولها الثاني وأضله الله فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وعلى علم حال من المفعول وهو أولى من جعله من الفاعل كما أعربه الجلال والمعنى أضله الله وهو عالم بالحق لأن

١٥٤

المبالغة فيه أشد والتشنيع والتنديد به أكثر (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) عطف على ما تقدم وقد تقدم الكلام على هذه الآية في البقرة (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الفاء عاطفة ومن اسم استفهام بمعنى النفي ، أي لا أحد يهديه ، في محل رفع مبتدأ وجملة يهديه خبر ومن بعد الله متعلقان بيهديه والهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف مقدر أي تصرّون على الغيّ ولا نافية وتذكرون فعل مضارع حذفت إحدى تاءيه (وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لتفنيد مزاعمهم إذ كانوا يزعمون أن هلاك الأنفس منوط بمرور الأيام والليالي ، وسيرد المزيد من هذا البحث في باب الفوائد ، وما نافية وهي مبتدأ وإلا أداة حصر وحياتنا مبتدأ والدنيا خبر وجملة نموت مستأنفة مسوقة لإيراد المزيد من عقائدهم الفاسدة وجملة نحيا عطف عليها والواو حالية وما نافية ويهلكنا فعل مضارع ومفعول به مقدم وإلا أداة حصر والدهر فاعل يهلكنا (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) الواو للحال وما نافية ولهم خبر مقدم وبذلك متعلقان بعلم ومن حرف جر زائد وعلم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر وإن نافية وهم مبتدأ وإلا أداة حصر وجملة يظنون خبرهم (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة تتلى في محل جر بإضافة الظرف إليها وهو مبني للمجهول وعليهم متعلقان بتتلى وآياتنا نائب فاعل وبيّنات حال أي واضحات الدلالة وما نافية وكان فعل ماض ناقص وحجتهم خبر كان المقدّم وإلا أداة حصر وأن قالوا أن ومدخولها في تأويل مصدر في محل رفع اسم كان المؤخر والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وائتوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وبآبائنا متعلقان بائتوا والجملة مقول القول وإن حرف

١٥٥

شرط جازم وكنتم فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والجواب محذوف تقديره فائتوا وصادقين خبر كنتم (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) قل فعل أمر والله مبتدأ وجملة يحييكم خبر ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي للإشارة إلى المدة الفاصلة بين الحياة والموت ويميتكم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول ثم حرف عطف كما تقدم ويجمعكم فعل مضارع وفاعل مستتر والكاف مفعول وإلى يوم القيامة متعلقان بيجمعكم ولا نافية للجنس وريب اسمها وفيه خبرها والجملة حال من يوم القيامة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الواو حالية ولكن واسمها وجملة لا يعلمون خبرها.

الفوائد :

الدهر في اللغة مدة بقاء العالم ، من دهرهم أمر أي أصابهم به الدهر وفي القاموس «ودهرهم أمر كمنع نزل بهم مكروه وهم مدهور بهم ومدهورون» وكان من شأن العرب إذا ضربهم سوء نسبوه للدهر اعتقادا منهم أنه الفعّال لما يريد ، وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الدهر حتى يوجد ذلك في أشعار المسلمين ، قال ابن دريد في مقصورته :

يا دهر إن لم تك عتبى فاتئد

في إروادك والعتبى سوا

وقد فند أبو العلاء في لزومياته آراء الدهريين فقال :

ودان أناس بالجزاء وكونه

وقال رجال إنما أنتم بقل

وهذا رد على الدهريين الذين يقولون : إن العالم قديم بالطبع لم يزل كذلك ولم يحدث بإحداث محدث والناس كالنبات ينبتون ويعودون بالموت هشيما ، وقال أبو العلاء في الرد على ابن الراوندي وكتابه التاج في رسالة الغفران ومما قاله : «وأما ابن الراوندي فلم يكن إلى

١٥٦

المصلحة بمهدي وأما تاجه فلا يصلح أن يكون نعلا ، وهل تاجه إلا كما قالت الكاهنة : أف وتف ، وجورب وخف» وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تسبّوا الدهر فإن الله هو الدهر» أي لأنه تعالى هو الفعّال لما يريد لا الدهر والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١))

اللغة :

(جاثِيَةً) يقال جثا على ركبتيه جثّوا ورأيته جاثيا بين يديه ورأيتهم جثيا عنده وفي الحديث : «أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله تعالى يوم القيامة» وتجاثوا على الركب فأجاثى خصمه مجاثاة وصار فلان جثوة من تراب قال طرفة :

ترى جثوتين من تراب عليهما

صفائح صمّ من صفيح منضّد

أي أرى قبر البخيل والجواد كومتين من تراب عليهما حجارة عراض صلاب فيما بين قبور عليها حجارة عراض قد نضدت وعبارة

١٥٧

القرطبي : «وفي الجاثية تأويلات خمسة : الأول قال مجاهد مستوفزة وقال سفيان المستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله قال الضحاك : وذلك عند الحساب ، الثاني مجتمعة قاله ابن عباس وقال الفرّاء : المعنى وترى أهل كل دين مجتمعين ، الثالث متميزة قاله عكرمة ، الرابع خاضعة بلغة قريش ، الخامس باركة على الركب قاله الحسن ، والجثو الجلوس على الركب يقال جثا على ركبتيه يجثو ويجثى جثوا وجثيا على فعول فيهما وقد مضى في مريم ، وأصل الجثوة الجماعة من كل شيء ثم قيل هو خاص بالكفّار قاله يحيى بن سلام وقيل إنه عامّ للمؤمن والكافر انتظارا للحساب وقد روى سفيان بن عيينة عن عمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كأني أراكم بالركب جاثين دون جهنم» هذا وقرىء جاذية بالذال والجذو أشد استيفازا من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه.

(نَسْتَنْسِخُ) أي نستكتب الملائكة أعمالكم ، وفي الأساس :«نسخت كتابي من كتاب فلان وانتسخته واستنسخته بمعنى ويكون الاستنساخ بمعنى الاستكتاب «إنّا كنّا نستنسخ» وهذه نسخة عتيقة ونسخ عتق» والمعنى نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون وإثباته فليس المراد بالنسخ إبطال شيء وإقامة آخر مقامه.

الإعراب :

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كلام مستأنف مسوق لتعميم القدرة بعد تخصيصها بالإحياء والإماتة والجمع لأن معنى المالك أن يتصرف بما يملك كما يشاء ، ولله خبر مقدم وملك السموات والأرض مبتدأ مؤخر (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) الواو استئنافية ويوم ظرف متعلق بيخسر وجملة تقوم الساعة في محل جر بإضافة الظرف

١٥٨

إليها ويومئذ ظرف أضيف إلى مثله وهو بدل من يوم تقوم والتنوين في يومئذ تنوين عوض عن جملة أي يوم تقوم الساعة وقيل العامل في ويوم تقوم ما يدل عليه الملك قالوا لأن السماء والأرض يتبدلان فكأنه قيل ولله ملك السموات والأرض والملك يوم القيامة ويومئذ على هذا منصوب بيخسر ويخسر المبطلون فعل وفاعل (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً ، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) الواو عاطفة وترى فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنت وكل أمة مفعول به أول إن كانت الرؤية علمية ولكن سياق الكلام يرجح كونها بصرية وجاثية مفعول به ثان على الأول وحال على الثاني وكل أمة مبتدأ وجملة تدعى إلى كتابها خبر (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) اليوم ظرف متعلق بتجزون وتجزون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وما مفعول به ثان لتجزون والجملة مقول قول محذوف أي يقال لهم اليوم تجزون وكان واسمها وجملة تعملون خبرها والجملة صلة ما (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) هذا مبتدأ وكتابنا خبر وجملة ينطق خبر ثان أو في موضع النصب على الحال ويجوز أن يكون كتابنا بدلا من هذا وجملة ينطق خبر هذا وبالحق حال وعليكم متعلقان بينطق ، وسيأتي معنى نطق الكتاب في باب البلاغة (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إن واسمها وجملة كنّا خبر إنّا وجملة نستنسخ خبر كنّا وما مفعول به وجملة كنتم صلة ما وجملة تعملون خبر كنتم (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) الفاء عاطفة وأما حرف شرط وتفصيل للمجمل المفهوم من قوله ينطق عليكم بالحق أو لتجزون والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة للموصول وعملوا الصالحات عطف على آمنوا ، فيدخلهم الفاء رابطة لجواب أما وجملة يدخلهم ربهم في رحمته خبر الذين (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) تقدم إعرابها كثيرا (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) الواو عاطفة وأما حرف شرط وتفصيل والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة وجواب

١٥٩

أما محذوف تقديره فيقال لهم والهمزة للاستفهام والفاء عاطفة على الجواب المحذوف ولم حرف نفي وقلب وجزم وتكن فعل مضارع مجزوم بلم والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن ، وآياتي اسم تكن وجملة تتلى عليكم خبرها (فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) الفاء عاطفة واستكبرتم فعل وفاعل وكنتم كان واسمها وقوما خبرها ومجرمين نعت لقوما.

البلاغة :

١ ـ الاستعارة المكنية : في قوله «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق» استعارة مكنية ، شبّه الكتاب بشاهد يؤدي شهادته بالحق وحذف المشبه به واستعار له شيئا من لوازمه وهو النطق بالشهادة.

٢ ـ وفي قوله : «فيدخلهم في رحمته» مجاز مرسل علاقته الحالية أي في جنته لأن الرحمة لا يحلّ فيها الإنسان لأنها معنى من المعاني وإنما يحلّ في مكانها فاستعمال الرحمة في مكانها مجاز أطلق فيه الحال وأريد المحل فعلاقته الحالية.

(وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها

١٦٠