مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك ، ما عن الشيخ في التهذيب مسندا عن أبي إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام ، وعن ابن بابويه في الفقيه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها ، قال : «يؤدّى عنه من مال الصدقة ، إنّ الله تعالى يقول في كتابه العزيز (وَفِي الرِّقابِ)» (١).

ومورد الخبر من عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها ، فلا منافاة حينئذ بينه وبين خبر أبي بصير الدالّ على اشتراط الضرورة فيه ، إذ المراد بالضرورة الواردة فيه ، بحسب الظاهر ـ الضرورة العرفيّة المتحقّقة في مثل الفرض ، فالأشبه اعتبار العجز عن أداء مال الكتابة ، وعدم كفاية مجرّد عدم كونه بالفعل مالكا له وإن قدر على تحصيله ، كما صرّح بعض (٢) ، خلافا لصريح العلّامة في محكي النهاية (٣) ، وظاهر غيره ممّن أطلق كالمصنّف وغيره لو لم نقل بانصراف إطلاقهم إلى صورة العجز ، كما ليس بالبعيد.

وحيث إنّك عرفت أنّ قضيّة الجمع بين الآية ورواية أبي بصير تقييد إطلاق الآية بالرواية ، علمت أنّ اعتبار العجز ليس منافيا لعموم مفهوم العلّة المنصوصة.

نعم مقتضى هذا العموم إلغاء خصوصيّة المورد من حيث كونه مؤدّيا بعض مال الكتابة كما لا يخفى.

وحكي عن المفيد والعلّامة وولده وغير واحد من المتأخّرين القول

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٧٥ / ١٠٠٢ ، الفقيه ٣ : ٧٤ / ٢٥٨ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١.

(٢) هو الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٥٠١.

(٣) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٥٠١ ، وراجع : نهاية الأحكام ٢ : ٣٩١.

٥٤١

بعدم اختصاص الرقاب بما ذكر ، بل جواز صرف الزكاة في فكّها ولو في غير تلك الموارد (١).

واستدلّ له بإطلاق الآية (٢) وخبر أيّوب بن الحرّ أخ أديم بن الحرّ ، المروي عن العلل ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : مملوك عرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة وأعتقه؟ قال : فقال : «اشتره وأعتقه» قلت : فإن هن مات وترك مالا؟ فقال : «ميراثه لأهل الزكاة لأنّه اشتري بسهمهم» قال :» وفي حديث آخر : «بمالهم» (٣).

وخبر أبي محمّد الوابشي المروي عن الكافي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله ، قال : «اشترى خير رقبة لا بأس بذلك» (٤).

ويدلّ عليه أيضا مفهوم التعليل الوارد في رواية أبي إسحاق المتقدّمة (٥).

وارتكاب التقييد في هذه المطلقات بتخصيصها بما إذا كان العبد في ضرورة ، جمعا بينها وبين رواية أبي بصير ليس بأهون من حمل النهي المستفاد من تلك الرواية على الكراهة ، كما يناسبه التعليل بقوله : «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» فإنّ حقوق القوم الآخرين في هذا الباب من حيث هي غير مقتضية إلّا لاستحباب بسط الزكاة عليهم ، وكراهة قصرها

__________________

(١) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٥٠١.

(٢) التوبة ٩ : ٦٠.

(٣) علل الشرائع : ٣٧٢ ، الباب ٩٩ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب المستحقّين ، للزكاة ، الحديث ١.

(٥) تقدّمت في ص ٥٤١.

٥٤٢

على من عداهم ما لم يكن هناك مزيّة مقتضية له من شدّة حاجة أو قرابة رحم أو غير ذلك من المرجّحات المقتضية لتفضيل بعض المستحقّين على بعض ، كما يشعر به نفس هذه الرواية.

وأما الحرمة إن قلنا بها فلا بدّ وأن تكون مستندة إلى عدم المقتضي ، أي : عدم كون العبد الذي لا يكون تحت الشدّة مصرفا للزكاة ، وإلّا لم تكن هذه العلّة علّة إلّا للمنع عن صرف الجميع فيه ، كما في مورده ، فلا بدّ من حمله على الكراهة.

وملخّص الكلام : أنّ العبد الذي لا يكون تحت الشدّة إن كان في حدّ ذاته مستحقّا لصرف الزكاة فيه فمزاحمة حق الآخرين ليست مانعة عن أصل الجواز ، كما هو الشأن في حقّ كلّ واحد واحد من أشخاص القوم بالمقايسة إلى من عداه ، فليتأمّل.

وقد تلخّص ممّا ذكر : أنّ القول بعدم الاختصاص هو الأشبه.

تنبيه نيّة الزكاة في العبد الذي يشترى من الزكاة وقت دفع الثمن إلى البائع ، لأنه وقت صرف الزكاة.

وربّما يشهد له أيضا التعليل الوارد في موثّقة عبيد ، وخبر أيّوب المتقدمتين (١) ، فإنّ ظاهره حصول الشراء في ملك أرباب الزكاة.

وعن الروضة والمسالك وحواشي القواعد القول باعتبارها حال العتق (٢).

__________________

(١) تقدّمتا في ص ٥٤٠ و ٥٤٢.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٣٤٥ وفيه : حواشي النافع ، كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٥٠١ ، وراجع : الروضة البهية ٢ : ٤٧ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤١٤.

٥٤٣

وهو محجوج بما عرفت.

(وروي) قسم (رابع) للرقاب المستحقّين لأن تصرف فيهم الزكاة (وهو : من وجب عليه كفّارة ولم يجد فإنّه يعتق عنه).

في المدارك قال : هذه الرواية أوردها علي بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «في الرقاب : قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ ، وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفّرون به وهم مؤمنون ، فجعل الله تعالى لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم» (١).

ومقتضى الرواية جواز إخراج الكفّارة من الزكاة وإن لم يكن عتقا ، لكنّها غير واضحة الإسناد ، لأنّ علي بن إبراهيم أوردها مرسلة ، ولذا تردّد المصنّف في العمل بها ، وهو في محلّه (٢). انتهى.

أقول : فعلى هذا التفسير يكون المراد بالرقاب فكّ رقبة الأشخاص الذين لزمتهم الكفّارات عن الكفّارات اللازمة عليهم ، سواء حصل الفكّ بتحرير رقبة أو غيره ، ولكن الذي يظهر من كلمات الأصحاب أنّهم فهموا من هذه الرواية إرادة صرف الزكاة في تحرير الرقاب عمّن لزمتهم الكفّارات.

وكيف كان ، فيشكل إثبات مثل هذا المصرف للزكاة بمثل هذه الرواية مع ما فيها من الإرسال ، ولذا قال المصنّف ـ رحمه‌الله ـ : (وفيه تردّد).

نعم قد يجوز دفع الزكاة لمن لزمته كفّارة وليس عنده ما يكفّر به من

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، والتهذيب ٤ : ٤٩ / ١٢٩ ، والوسائل ، الباب ١ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ٧.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٢١٨ ـ ٢١٩.

٥٤٤

باب فقره.

وعن المصنّف في المعتبر أنّه جوز إعطاءه من سهم الغارمين أيضا ، لأنّ القصد بذلك إبراء ذمّته عمّا في عهدته (١).

وهو على إجماله لا يخلو من وجه غير خال من التأمّل ، مع أنّ الدفع إليه من حيث الفقر أو من باب كونه غارما أجنبيّ عن المدّعى ، ولا مدخليّة له بمدلول الرواية المزبورة ، كما لا يخفى.

(والمكاتب إنّما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته).

أمّا على القول باختصاص الرقاب بالأصناف الثلاثة ، أو الأربعة المذكورة في المتن التي ورد فيها [النص] (٢) بالخصوص : فواضح ، بل قد عرفت أنّ المتّجه الاقتصار على صورة عجز المكاتب عن أداء مال الكتابة ، وعدم كفاية مجرّد عدم كونه بالفعل واجدا للمال.

وأمّا على ما نفينا البعد عنه من عدم اختصاص الرقاب بما ذكر :فلانصراف إطلاق الرقاب إلى الرقاب المحتاجين في فكاكها إلى الزكاة ، لأجل المناسبة المغروسة في الذهن من أدلّة شرع الزكاة ، وأنها لدفع الضرورة وحاجة المحتاجين.

مضافا إلى إطلاق قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «لا تحلّ الصدقة لغني» (٣).

الغير القاصر عن مثل الفرض.

__________________

(١) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢١٩ ، وراجع المعتبر ٢ : ٥٧٤.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك للحاكم ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ و ١٩٢ و ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.

٥٤٥

وقياسه على المؤلّفة قلوبهم والعاملين عليها في عدم اعتبار الفقر فيهم ، حيث جعلا في الآية (١) قسيما للفقراء والمساكين قياس مع الفارق ، فإنّ مناط جواز الصرف في هذين الصنفين التأليف والعمل ، لا الفقر والاحتياج ، وكونه كذلك موجب لانصراف قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ :«لا تحلّ الصدقة لغني» عنهما ، بخلاف من عداهما من الأصناف.

ومن هنا قد يتّجه ما عن الشهيد في البيان من اعتبار قصور كسبه عن مال الكتابة (٢) ، لأنّه عند وفاء كسبه لحاجته يندرج في المحترف الذي لا تحلّ الصدقة له.

والأظهر عدم توقّف الإعطاء على حلول النجم.

وقيل : لا يجوز قبله ، لانتفاء الحاجة في الحال (٣).

وهو ضعيف ، إذ لا يعتبر في صدق الاحتياج وعدم الغنى عن الشي‌ء حلول وقت الحاجة إلى استعماله ، كما لا يخفى.

تنبيه في المدارك نقل عن المنتهى أنّه قال : ويجوز الدفع إلى السيّد بإذن المكاتب وإلى المكاتب بإذن السيّد وبغير إذنه ، واستحسنه.

ثمّ قال : بل لا يبعد جواز الدفع إلى السيّد بغير إذن المكاتب أيضا ، لعموم الآية (٤). انتهى ، وهو جيّد.

__________________

(١) التوبة ٩ : ٦٠.

(٢) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢١٩ ، وراجع : البيان : ١٩٥.

(٣) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٠ ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٢١.

٥٤٦

بل لعلّه هو المنساق من قوله ـ عليه‌السلام ـ ، في المرسل المتقدّم (١) : «يؤدى عنه من مال الصدقة».

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر النصّ والفتوى أنّ الزكاة التي تصرف في أداء مال الكتابة يتعيّن صرفها في هذا الوجه ، سواء أعطيت بيد المولى أو بيد العبد ، ليفكّ بها رقبته ، ولا يملكها العبد بقبضها ملكا مطلقا بحيث لو فرض حصول العتق بدونه ، لبقي المال في ملكه ، بل ترتجع منه في مثل الفرض على الأشبه ، لأنّها لم تصرف في الرقاب ، والعبد لا يعطى من الزكاة شيئا إلّا في فكاك رقبته.

نعم ، لو بقي المال عنده أو في ذمّته ، وكان فقيرا بعد الانعتاق ، جاز احتسابه عليه حينئذ من سهم الفقراء ، كما هو واضح.

(و) قد ظهر بما ذكر أنّه (لو صرفه في غيره ، والحال هذه) أي دفع إليه من هذا السهم ولم يكن معه ما يصرفه في الكتابة ، ولكن لم يصرفه فيها ، بل صرفه في غيرها (جاز ارتجاعه) لأنّه لم يوضع في موضعه.

(وقيل : لا) يجوز.

وهذا القول منقول عن الشيخ (٢) ، بناء منه على أنّه يملكه بالقبض ، فله التصرّف فيه كيف يشاء.

وهو محجوج بما عرفت ، مضافا إلى ما عن المصنّف وغيره : من أنّ للمالك الخيار في صرف الزكاة في الأصناف ، وقد رخصة في الصرف إلى جهة خاصّة ، فليس له التخطّي عنه (٣).

__________________

(١) تقدم في ص ٥٤١.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٠ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٥٠.

(٣) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، واستجوده ، وراجع : المعتبر ٢ : ٥٧٥.

٥٤٧

وفي معنى أدائه في مال الكتابة صرفه في ما يستعان به على الأداء ، لأنّه صرف في فكّ الرقبة ، فلو تعذّر الفكّ ، ارتجع ممّن وصل إليه ، كما صرّح به شيخنا المرتضى (١) ـ رحمه‌الله ـ ، لانكشاف أنّ وصوله إليه كان وضعا للزكاة في غير موضعها.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه يكفي في صدق الصرف في الرقاب ، المنساق من الآية ، الصرف في ما يتوصّل به على فكاكها بقصد التوصّل به إليه وإن تخلّف ذلك عن حصول المقصود ، فليتأمّل.

(ولو دفع إليه من سهم الفقراء) أي باعتبار كونه فقيرا (لم يرتجع) إذ الفقير يملك ما يصرف إليه من الزكاة ، وله أن يتصرّف فيه كيف يشاء ، ولا يحتكم عليه في ما يأخذه من الزكاة إجماعا كما ادّعاه غير واحد (٢) ، فهذا ممّا لا شبهة فيه بناء على جواز صرف الزكاة إليه بهذا الوجه ، وجواز تصرّف المكاتب في ما يملكه كيف يشاء.

وفي كلتا المقدمتين نظر.

أمّا الأخيرة : فلمنافاته لما ذكروه في أحكام المكاتب من عدم جواز الاستبداد بالتصرف في ما يملكه في ما عدا الصرف في مال كتابته ، فما يملكه المكاتب لا يصير ملكا طلقا له ، بل مربوطا بسيّده ، ومن كان هذا شأنه يشكل دفع حقّ الفقير إليه ، حيث إنّه لا يقدر على صرفه في ما يفتقر إليه.

وأمّا الأولى : فلمخالفته لما يقتضيه إطلاق قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس في مال المملوك

__________________

(١) كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٥٠١.

(٢) منهم : العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١.

٥٤٨

شي‌ء ولو كان له ألف ألف ، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا» (١).

وقوله ـ عليه‌السلام ـ في ذيل موثّقة إسحاق المتقدمة (٢) في أوائل مسألة اشتراط الحرّية في وجوب الزكاة : «ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا» وهو بإطلاقه شامل للمكاتب ، ولذا لم نقل بوجوب الزكاة عليه في كسبه.

نعم ، يجوز الإنفاق عليه لدى اضطراره إليه من سهم سبيل الله بناء على شموله لمطلق القربات ، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى ، إذ المنساق من النهي عن إعطائه من الزكاة شيئا إرادته على سبيل التمليك ، لا مطلقا بحيث يتناول الصرف فيه من باب الحسبة ، فليتأمّل.

(ولو ادّعى أنّه كوتب) فإن علم صدقه أو أقام بيّنة ، فلا بحث ، وإلّا فإن كذّبه سيّده لم يقبل قوله بدونهما ، كما صرّح به في الجواهر (٣) وغيره (٤) ، للأصل.

وإن لم يعلم حال السيّد من تصديق أو تكذيب (قيل : يقبل) قوله (وقيل : لا) يقبل (إلّا بالبيّنة أو يحلف) وهذا القول لم نعرف قائله.

نعم في المدارك نقل عن بعض العامّة القول بعدم قبوله إلّا بالبيّنة (٥) ، من غير تعرّض للحلف ، وقوّاه ووافقه في ذلك بعض (٦) من تأخّر عنه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٢) تقدّمت في ص ٥٣٣.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ٣٥٥.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١.

(٥) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٢.

(٦) وهو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٣٥٥.

٥٤٩

وأمّا القول الأوّل فقد نسبه في المدارك إلى الأكثر (١) واختاره المصنّف صريحا في الكتاب وغيره ، فقال : (والأوّل أشبه).

وعلّله في محكي (٢) المعتبر ـ ومثله العلّامة في التذكرة والمنتهى على ما حكي (٣) عنهما ـ بأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن فيقبل قوله ، وبأصالة العدالة الثابتة للمسلم.

وفيهما ما عرفته في مسألة مدّعي الفقر ، فالقول بعدم القبول إلّا بالبيّنة كما قوّاه في المدارك (٤) وغيره (٥) أشبه بالقواعد.

(ولو صدّقه مولاه قبل) قوله بلا خلاف ، كما في الجواهر (٦) ، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب (٧). وربّما علّل ذلك : بأنّ الحقّ له ، فيقبل إقراره فيه.

وفيه : أنّ هذا لا يقتضي إلّا نفوذ إقراره في حقّ نفسه ، لا حجيّة قوله بالنسبة إلى ما يتعلّق بعمل الغير أو في ما يعود إلى مصلحته ، كعدم استحقاقه للنفقة منه ، أو استحقاقه الأخذ من الزكاة ، إلى غير ذلك ممّا هو من آثار الحجّية ، كما لا يخفي.

وإنّما العمدة في ذلك أن إخبار المالك بالتصرّفات المتعلّقة بملكه ، المنوطة باختياره من مثل البيع والإجارة والكتابة ونظائرها مقبول في

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١.

(٢) الحاكي هو : العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٥٦٨ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٢٨١ ، المسألة ١٩٥ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٢٦.

(٣) الحاكي هو : العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٥٦٨ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٢٨١ ، المسألة ١٩٥ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٢٦.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٢.

(٥) جواهر الكلام ١٥ : ٣٥٥.

(٦) جواهر الكلام ١٥ : ٣٥٥.

(٧) مدارك الأحكام ١٥ : ٢٢١.

٥٥٠

الشرع والعرف ، لا لمحض كونه إقرارا في حقّ نفسه ، بل من حيث كونه إخبارا ممّن له الولاية على شي‌ء عمّا يتعلّق بولايته ، ويدخل تحت سلطنته ، وهي قاعدة مطّردة ما لم يعارضها إنكار ، كما لا يخفى على من لا حظ سيرة أهل العرف والشرع في مواردها.

فما عن الشافعي من منع القبول ، لإمكان تواطئهما على ذلك (١). ضعيف.

وحكي (٢) عن الشيخ القول بأنّ الأوّل ـ أي القبول ـ أولى في من عرف أنّ له عبدا ، والثاني ـ أي عدم القبول ـ أحوط في من لم يعلم منه ذلك.

وهو حسن كما في المدارك (٣) وغيره (٤) ، فإنّ تصديق المالك في كتابة هذا العبد أو بيعه أو غيره ذلك من التصرّفات فرع إحراز مالكيّته ، فمجرّد صدور تصديق لمدّعي الكتابة من شخص لم يعرف كونه مالكه لا يجدي في ثبوت دعواه ، فليتأمّل.

(و) من جملة المستحقّين للزكاة : (الغارمون ، وهم) لغة المديونون (٥). والمراد بهم هنا على ما صرّح به المصنّف وغيره (٦) (الذين علتهم الديون في غير معصية).

أمّا جواز صرف الزكاة في الغارمين في الجملة فممّا لا شبهة ولا خلاف

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١.

(٢) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢١.

(٤) جواهر الكلام ١٥ : ٣٥٥.

(٥) راجع : الصحاح ٥ : ١٩٩٦ ، والقاموس المحيط ٤ : ١٥٦.

(٦) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١٨٤ ، والعلّامة الحلّي في المنتهى ١ : ٥٢١ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٤١.

٥٥١

فيه ، لكون الكتاب ناطقا به ، ولكن يقع الكلام فيه في مواضع :

الأوّل : لا خلاف على الظاهر في اشتراط عجز الغارم عن أداء دينه ، فلو كان متمكّنا من ذلك عرفا ، بأن كان عنده ما يفي بديونه ومئونته ، لم يقض عنه ، لمنافاته لأدلّة شرع الزكاة ، وكونها موضوعة لسدّ خلّة المحتاجين ، لا لصلة الأغنياء.

ويشهد له أيضا قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «لا تحلّ الصدقة لغنيّ» (١).

مضافا إلى الإجماعات المستفيضة على اشتراط العجز في الغارم ، ولكن عبائرهم المسوقة لبيان هذا الشرط في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة مختلفة.

فعن جماعة منهم التصريح باعتبار العجز عن أداء الدين (٢). وعن آخرين منهم اعتبار الفقر (٣). وبين هذين العنوانين عموم من وجه ، إذ الفقير في عرفهم من لا يملك مئونة سنته فعلا أو قوّة ، فربّ شخص له كسب أو ضيعة أو مال واف بمئونته ولكن عليه ديون أو أروش جنايات يعجز عن أدائها ، ولا يطلق على مثل هذا الشخص في العرف ولا في اصطلاحهم اسم الفقير ، خصوصا إذا كان ما عليه من الديون من قبيل

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك للحاكم ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ و ١٩٢ و ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.

(٢) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٥٠٢ ، وراجع : الدروس ١ : ٢٤١ ، والروضة البهيّة ٢ : ٤٧.

(٣) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٥٠٢ ، وراجع : المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٢٥٨ ، المسألة ١٧٣.

٥٥٢

الغرامات والديات والكفّارات التي ستعرف جواز الصرف من سهم الغارمين إليهم ، فلا يصدق على مثل هذا الشخص اسم الفقير ، ولكن يصدق عليه أنّه عاجز عن وفاء ما عليه من الدين.

وقد يكون الأمر بالعكس ، كما لو كان متمكّنا من وفاء دينه بالمال المحتاج إليه في نفقته.

وحيث علم من فحاوي كلماتهم عدم الخلاف في جواز صرف هذا السهم من الزكاة في أداء دين من عجز عن أدائه وإن كان له مال أو كسب واف بمئونته ، كشف ذلك عن أنّ مرادهم بالفقر الذي اعتبروه في هذا الباب مجرّد الحاجة إلى أداء دينه وإن لم يكن فقيرا من حيث المئونة ، فالشخص الغير المتمكّن من أداء دينه إذا كان قادرا على مئونته ، يجوز أداء دينه من سهم الغارمين لا من سهم الفقراء.

وربّما يظهر من بعض (١) منهم جواز الدفع إليه من سهم الفقراء بناء منه على أنّ القدرة على المئونة المعتبرة في الغنى المقابل للفقر الموجب لاستحقاق الزكاة هي القدرة على المصارف اللازمة عليه التي من أهمّها تفريغ ذمّته عن الحقوق الواجبة عليه.

فما جرى ذكره في كلماتهم في تفسير الفقر بقصور ماله عن نفقته ونفقة من تجب نفقته عليه جار مجرى التمثيل أريد به مطلق المئونة اللازمة عليه الشاملة لمثل الفرض ، فيكون الغارم على هذا أخصّ مطلقا من الفقير ، ومقابلته في الآية الشريفة يمكن أن يكون باعتبار أنّ أداء دين الفقير بنفسه من المصارف التي لا يتوقّف صرف الزكاة فيه على قبول الفقير ، بل ولا على وجوده ، فإنّه قد يكون الغارم ميّتا ، فعلى هذا يجوز أن

__________________

(١) راجع : كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٥٠٢.

٥٥٣

يدفع إلى الغارم القادر على مئونته من سهم الفقراء أزيد من حاجته ، لما عرفت ـ في ما سبق ـ من أنه يجوز أن يعطى الفقير من الزكاة ما يزيد على غناه ، وهو لا يخلو من الإشكال.

ولكن لمانع أن يمنع إطلاق هذا الحكم بالنسبة إلى الفقير الذي ينحصر جهة فقره في جهة معيّنة ، لقصور ما دلّ على جواز إعطاء الزائد عن مئونته عن شمول مثل الفرض ، كما لا يخفى على المتأمل.

ثمّ إنّا إن قلنا بأنّ النسبة بين الفقير والغارم العموم من وجه ، وأنّ الفقير هو من قصر ماله عن نفقة نفسه وعياله ، والغارم هو من كان عليه دين لا يتمكن من أدائه ، فمقتضاه أنّ من كان بالفعل مالكا لمئونة سنته ، وكان عليه دين يتمكّن من أدائه من هذا المال المحتاج إليه في نفقته ما لم يصرف ما عنده في وفاء دينه ، عدم جواز تناوله من الزكاة ، لا من سهم الغارمين ، لعدم كونه عاجزا عن أداء دينه ، ولا من سهم الفقراء ، لعدم كونه فقيرا بالفعل. وقد حكي (١) عن الحلّي القول بذلك.

وربّما يستشهد له أيضا بما عن مستطرفات سرائره نقلا عن كتاب المشيخة لابن محبوب عن أبي أيّوب عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل منّا يكون عنده الشي‌ء يتبلّغ به وعليه دين أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في جدب (٢) الزمان وشدة المكاسب ، أو يقضي بما عنده دينه ، ويقبل الصدقة؟ قال : «يقضي بما عنده ويقبل الصدقة» (٣). واستقرب العلّامة في

__________________

(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٥٠٢ ، وراجع السرائر ١ : ٤٥٩.

(٢) الجدب : القحط. النهاية لابن الأثير ١ : ٢٤٢.

(٣) السرائر ٣ : ٥٩٠ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١.

٥٥٤

النهاية ـ على ما حكي (١) عنه ـ جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا ، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ، ثمّ يأخذ الزكاة باعتبار الفقر.

وفي تعليله ما لا يخفى.

نعم قد يوجّه جواز الدفع من سهم الغارمين في مثل الفرض : بأنّ المراد بعجزه عن أداء دينه هو : العجز العرفي بأن لم يكن عنده زائدا عمّا يحتاج إليه في نفقته اللازمة عليه ما يصرفه في دينه ، فهذا الشخص غير متمكّن من أداء دينه عرفا ، كما أومأ إليه في المدارك ، فإنّه بعد أن ذكر ما حكيناه عن العلّامة ، قال : ومقتضى كلامه أنّ الأخذ ـ والحال هذه ـ يكون من سهم الغارمين ، وهو غير بعيد ، لإطلاق الآية ، وصدق عدم التمكّن من أداء الدين عرفا بذلك (٢). انتهى.

وهو جيّد ، إذ غاية ما يمكن ادّعاؤه انصراف إطلاق الآية بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن أو صرفه بإجماع ونحوه إلى الغارمين العاجزين عن القيام بنفقتهم وأداء ديونهم ، لا غير المتمكن مطلقا ولو بصرف ما يحتاج إليه في نفقته.

وأما الرواية فهي غير دالّة على المدّعى ، إذ الظاهر أنّ محطّ النظر في السؤال هو : أنّ من عنده مال محتاج إليه في نفقته وعليه دين ، فهل هذا المال ـ كقوت يومه وليلته ـ مستثنى عمّا يجب صرفه في أداء دينه أم لا؟وعلى تقدير العدم ، فهل هو بعد الصرف يندرج في موضوع الفقراء والمساكين الذين يحلّ لهم قبول الصدقة أم عليه تحصيل نفقته بالاستقراض

__________________

(١) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٣ وراجع : نهاية الاحكام ٢ : ٣٩١.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٣.

٥٥٥

والمكاسب الشديدة؟ فلا دخل له بمسألة أنّه هل يجوز له قبل صرف هذا المال في نفقته أو بعده أداء دينه من سهم الغارمين؟ كما لا يخفى على المتأمّل.

الثاني : إذا لم يملك المديون شيئا إلّا أنّه رجل كسوب يتمكّن من قضاء دينه من كسبه ، فعن نهاية الاحكام : احتمال الإعطاء ، بخلاف الفقير والمسكين ، لأنّ حاجتهما تتحقّق يوما فيوما ، والكسوب يحصل في كلّ يوم ما يكفيه في ذلك اليوم ، وحاجة الغارم حاصلة في الحال ، لثبوت الدين في ذمّته ، وإنّما يقدر على ما يقتضي به الدين على التدريج.

واحتمال المنع تنزيلا للقدرة على التكسب منزلة القدرة على المال (١).

أقول : احتمال المنع أقوى ، فإنّ حال الكسوب الوافي كسبه بمئونته ودينه على التدريج لدى العرف ليس إلّا كحال الملي الغير المتمكّن من وفاء ديونه إلّا على سبيل التدريج ، ولا يرى العرف مثل هذه الأشخاص مندرجا في موضوع الغارمين الذين وضع لهم الزكاة ، فإنّ العرف لا يرى مثل هذه الأشخاص محتاجا إلى تناول الصدقات لأداء ديونهم وإن رآهم عاجزين بالفعل عن أدائه ، فإنّ العجز عن تعجيل الأداء غير العجز عن أصله ، والمنساق من آية الصدقة ـ فضلا عن غيرها من الأدلّة ـ إنّما هو جواز صرفها في أداء دين الغارمين الذين ليس لهم بالفعل أو بالقوّة مال يفي بغرمهم ، فالمحترف المتمكّن من أداء دينه بحرفته كالمليّ المتمكّن من أدائه تدريجا خارج عن منصرفه جزما.

اللهمّ إلّا أن يكون دينه كثيرا يحتاج أداؤه من كسبه إلى مدة طويلة بحيث يعدّ القدرة على الأداء معها لدى العرف بمنزلة العدم في كونه لديهم

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٣٥٧ ، وراجع : نهاية الاحكام ٢ : ٣٩١.

٥٥٦

معدودا ممّن عليه دين لا يتمكّن من أدائه.

الثالث : اشتراط الأصحاب في الغارم أن يكون دينه في غير معصية (فلو كان في معصية لم يقض عنه) بلا نقل خلاف فيه أجده ، بل عن الخلاف والتذكرة والمنتهى دعوى الإجماع عليه (١).

واستدلّ (٢) عليه بأنّ الزكاة شرّعت إرفاقا بالفقراء ، فلا تناسب المعصية ، بل في وفاء دينها منها إغراء بالقبيح وهو قبيح.

وكأنّه أريد بهذا الاستدلال دعوى انصراف إطلاق الآية والروايات ـ الدالّة على جواز صرف الزكاة في دين الغارمين ـ عن الدين المصروف في معصية ، فلا يتوجّه عليه الاعتراض بأنّه إنّما يكون إغراء بالقبيح إذا حصل الأداء قبل التوبة لا بعدها ، فليتأمّل.

واستدلّ له أيضا ، بما عن تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير الآية عن العالم ـ عليه‌السلام ـ في حديث : «والغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف ، فيجب على الإمام ـ عليه‌السلام ـ أن يقضي عنهم ، ويفكّهم من مال الصدقات» (٣).

وخبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الإسناد عن جعفر ـ عليه‌السلام ـ عن أبيه أنّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ كان يقول : «يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف» (٤).

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١٥ : ٣٥٧ ، وراجع : الخلاف ٤ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، المسألة ٢٠ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٢٥٧ ، المسألة ٢٧٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٢١.

(٢) المستدل هو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٣٥٧ ـ ٣٥٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٩ / ١٢٩ ، تفسير القمي ١ : ٢٨٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ٧.

(٤) قرب الإسناد : ١٠٩ / ٣٧٤ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ١٠.

٥٥٧

وخبر محمّد بن سليمان المروي في الكافي في باب الديون عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمّد ، قال : سأل الرضا ـ عليه‌السلام ـ رجل وأنا أسمع ، فقال له : جعلت فداك إنّ الله عزوجل يقول «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» (١) أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله عزوجل في كتابه لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بدّ له من أن ينظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله ، وليس له غلّة ينتظر إدراكها ، ولا دين ينتظر محلّه ، ولا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال : «نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام عليه‌السلام ، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزوجل ، فإن كان قد أنفقه في معصية الله ، فلا شي‌ء له على الإمام» قلت : فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم في ما أنفقه في طاعة الله عزوجل أم في معصيته؟ قال : «يسعى له في ماله فيردّه عليه وهو صاغر» (٢).

وخبر صباح بن سيابة عن الصادق عليه‌السلام ، المروي فيه أيضا ، قال : «قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف ، فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه ، فعليه إثم ذلك ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ» (٣) الآية ، فهو من الغارمين ، وله سهم عند الإمام ، فإن حبسه عنه ، فإثمه عليه» (٤) إلى غير ذلك من الروايات المشعرة به أو الدالة عليه.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٨١.

(٢) الكافي ٥ : ٩٣ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الدين والقرض ، الحديث ٣.

(٣) التوبة ٩ : ٦٠.

(٤) الكافي ١ : ٤٠٧ / ٧.

٥٥٨

ولا فرق على الظاهر بين كون الدين مصروفا في المعصية بأن صرفه في الملاهي وشرب الخمور مثلا ، كما هو المنساق من الروايات المزبورة ، وبين كونه حاصلا بنفس المعصية ، كأكل أموال الناس ظلما وعدوانا ، الموجب لاستقرار مثله أو قيمته في ذمّته لهم ، أو إثبات جنايات عمديّة موجبة لثبوت ديتها عليهم ، فإنّ هذا القسم من الدين أولى بعدم جواز صرف الزكاة فيه من القسم الأوّل.

ويدل عليه أيضا مضافا إلى ذلك ، ما عن ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمّد بن علي بن محبوب ـ في الصحيح ـ عن عبد الرحمن بن الحجاج أنّ محمّد بن خالد قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الصدقات ، قال : «اقسمها في من قال الله عزوجل ، ولا تعطينّ من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهليّة شيئا» قلت : وما نداء الجاهليّة؟ قال : «هو الرجل يقول : يا بني فلان ، فيقع بينهم القتل والدماء ، فلا يؤدّوا ذلك من سهم الغارمين ، ولا الذين يغرمون من مهور النساء» ولا أعلمه إلّا قال : «ولا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال الناس» (١).

وفي المدارك بعد أن نسب إلى الأصحاب أنّهم اشتراطوا في جواز الدفع إلى الغارم أن لا تكون استدانته في معصية ، ونقل استدلالهم عليه :بأنّ في قضاء دين المعصية حملا للغريم على المعصية.

وبما روي عن الرضا عليه‌السلام ، أنّه قال : يقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزوجل ، وإذا كان أنفقه في معصية

__________________

(١) السرائر ٣ : ٦٠٧ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ١.

٥٥٩

الله ، فلا شي‌ء له على الإمام» (١).

قال ما لفظه : ويمكن المناقشة في الأوّل بأن إعانة المستدين في المعصية إنّما يقبح مع عدم التوبة لا مطلقا.

وفي الرواية : بالطعن في السند ، فإنّا لم نقف عليها مسندة في شي‌ء من الأصول ، ومن ثمّ ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمين. وهو حسن (٢). انتهى.

أقول : أمّا المناقشة في الدليل الأوّل بما ذكر في محلها.

وأمّا الرواية التي أشار إليها فهي مرويّة في الكافي في كتاب الديون ، فحيث لم تكن في كتاب الزكاة كأنّه لم يطّلع عليها ، وإلّا فليس لنا أصل أوثق من الكافي.

نعم هي ضعيفة السند ، ولكن لا ينبغي الالتفات إلى ضعف سندها بعد انجباره بالعمل واعتضادها بغيرها ممّا عرفت ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ الدين المصروف في المعصية أو الحاصل بالمعصية نفسها ليس بنفسه من مصارف الزكاة.

(نعم لو تاب) وكان فقيرا (صرف إليه من سهم الفقراء ، وجاز) له حينئذ (أن يقضي هو) دينه منه ، كما يجوز له صرفه في سائر مقاصده المباحة ، فضلا عن الحقوق الواجبة عليه.

واشتراط التوبة في الإعطاء من سهم الفقراء مبني على اشتراط العدالة واجتناب الكبائر فيه ، وسيأتي البحث عنه إن شاء الله.

وأمّا على القول بعدمه فيجوز صرف الزكاة إليه من حيث فقره وإن لم

__________________

(١) الكافي ٥ : ٩٣ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ / ٣٨٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الدين والقرض ، الحديث ٣.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٥٧٥.

٥٦٠