مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

فمورد هذه الأخبار ، وكذا محلّ كلام الأصحاب في هذا الباب ، هو هذا النحو من المال الممتاز عرفا عن سائر أموال المولى التي هي في يد عبده المأذون في التجارة مثلا ، ممّا لا يقال عرفا : إنّه مال العبد ، فالحسنة دلّت بظاهرها على أنّه ليس في هذا القسم من المال الذي يضاف الى العبد زكاة ، فلا يجب أداؤها بمقتضى هذا الظاهر ، لا على العبد ولا على سيّده.

ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن نلتزم بأن إضافة المال الى العبد حقيقية ، وأنّ العبد يملك ، وبين أن نقول بأنّه لا يملك ، والإضافة مجازيّة بعد دلالة الدليل على أنّه لا زكاة في هذا الشي‌ء الذي يقال عليه : إنّه مال العبد.

وأوضح من هذه الرواية دلالة على نفي الزكاة على مولاه صحيحة ثالثة لابن سنان أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له :مملوك في يده مال ، عليه زكاة؟ قال : «لا» قلت : فعلى سيّده؟ قال :«لا ، لأنّه لم يصل الى السيّد ، وليس هو للمملوك» (١) بناء على أن يكون المراد بالمال الذي في يده ، ماله الذي يضاف اليه عرفا الذي هو مورد الكلام ، فعلى هذا يكون ذيل هذه الرواية شاهدا لما هو المشهور من أنّه لا يملك ، ولكن لا صراحة ، بل ولا ظهور له في إرادة ماله ، لأنّ المال الذي في يده أعمّ من ذلك ، بل ما في يده محكوم في الظاهر بكونه لمولاه ، وهو مأذون في التصرّف فيه ، فيحتمل قويّا ، بل قد يستشعر من ألفاظ الرواية ـ سؤالا وجوابا ـ ورودها في العبد المستقلّ بعمله الحاصل في يده ـ من كسبه أو غيره ـ مال محكوم في الظاهر بكونه ملكا لمولاه ، فمثل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٩ / ٦٣ ، علل الشرائع : ٣٧٢ ، الباب ١٠٠ ، الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٤.

٤١

هذا المال لا تجب زكاته على العبد وإن كان مأذونا في أصل الاكتساب وتحصيله ، لعدم كونه ملكا له ، ولا على مولاه ، لعدم وصوله اليه.

وكون يد العبد في حدّ ذاتها أضعف من يد الوكيل ، أو كون المولى متمكنا شرعا من انتزاع ما في يده منه ، لا يجدي في تمكّنه من التصرف فيه بالفعل قبل إيصاله إليه أو إعلامه به وتمكينه من التصرّف فيه ، كي تجب الزكاة عليه.

وعلى تقدير أن يكون المراد بالمال الذي في يده هو ماله الذي يضاف اليه عرفا ، فلا بدّ من حمل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «لأنّه لم يصل إلى سيّده» على إرادة كونه بمنزلة المال المنقطع عنه ، الخارج عن تحت تصرّفه واختياره ، لصيرورته بجعله للعبد كالطعام المعدّ للضيف الذي لا يسع صاحبه المنع عن أكله ، لمنافاته المروة ، ولكن إرادة هذا المعنى من الرواية لا يخلو من بعد ، إلّا أنّ ما ذكرناه في توجيهها ـ على تقدير إرادته من كون المال عرفا بحكم المال المنقطع عن سيّده ، الخارج عن تحت تصرّفه واختياره ـ إن لم يكن بنفسه صالحا للاستدلال ، فلا أقلّ من كونه مؤيّدا لما استظهرناه من الحسنة (١) من عدم وجوب زكاة مال العبد على سيده أيضا وإن قلنا بكونه ملكا له في الواقع دون العبد.

فالقول بعدم تعلّق الزكاة بمال العبد مطلقا ، تعويلا على ظاهر الحسنة ، المعتضد بغيره ممّا عرفت ، هو الأشبه ، خصوصا فيما هو مورد موثّقة إسحاق (٢) ، المصرّحة بعدم حلّيّة التصرّف فيه لمولاه ، مع ما فيها من الإشارة إلى تعلّق زكاة مال التجارة بماله ، الكاشف عن أنّ عدم وجوب الزكاة عليه ليس لأجل أنّه لا يملك ، بل لكون ماله كمال الصبي ،

__________________

(١) أي : حسنة عبد الله بن سنان. وتقدمت في ص ٣٦.

(٢) تقدّمت في ص ٣٦ ـ ٣٧.

٤٢

فليتأمّل.

وأمّا رواية علي بن جعفر فلا تصلح لمعارضة ما عرفت ، إذ غاية ما يمكن كون تعليق ثبوت الزكاة على العبد على إذن مواليه ، مشعرا بوجوبها عليهم ، وكون العبد بمنزلة الوكيل في تأدية الزكاة عنهم ، وهذا ممّا لا ينبغي الالتفات إليه في مقابل ما عرفت.

ولا فرق فيما ذكرناه من عدم وجوب الزكاة على المملوك بين القنّ والمدبّر وأمّ الولد (وكذا المكاتب المشروط عليه) والمطلق الذي لم يؤدّ شيئا ، ضرورة صدق المملوك ـ المنفي عنه الزكاة في النصوص السابقة ـ على الجميع.

ويدلّ عليه أيضا في خصوص المكاتب ـ مضافا الى ما عرفت ـ خبر أبي البختري عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «ليس في مال المكاتب زكاة» (١) الظاهر في نفيها حتى عن السيّد أيضا بالتقريب الذي عرفته في الحسنة السابقة ، وهذا ممّا لا ينبغي الارتياب فيه هاهنا ، حتى لو قلنا في غيره بوجوبها على السيد ، إذ ليس للمولى التصرّف في ماله وانتزاعه منها ولو على القول بكونه ملكا له.

(ولو كان) المكاتب (مطلقا وتحرّر منه شي‌ء) ولو جزءا يسيرا (وجبت عليه الزكاة في نصيبه إذا بلغ نصابا) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل ولا إشكال ، لثبوت المقتضي ، وانتفاء المانع ، لأنّه مال جامع لشرائط الزكاة ، فيعمّه عموم أدلّتها.

وأدلّة نفي الزكاة عن مال المملوك لا تشمله ، ولذا لا يجري على هذا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٩ / ٦٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٥.

٤٣

النصيب شي‌ء من أحكام المملوك.

بل في الحدائق استشكل في إجراء حكم الرقّ بالنسبة إلى جزئه المملوك أيضا لولا الاتّفاق عليه ، فقال ما لفظه : ولولا الاتّفاق على الحكم المذكور ، لأمكن المناقشة في دخوله تحت العمومات المذكورة ـ يعني : العمومات الدالّة على سقوط الزكاة عن المملوك مطلقا ـ فإنّ تلك العمومات إنما ينصرف إطلاقها الى الأفراد الشائعة المتكثّرة ، وهي من كان رقّا بتمامه ، لا من تبعّض بأن صار بعضه رقّا وبعضه حرّا ، فإنّه من الفروض النادرة (١). انتهى.

ولكن يتوجّه عليه : أنّ الأحكام المعلّقة على المملوك جلّها ـ لولا كلّها ـ من قبيل تعليق الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلّيّة ، المانع من أن يتطرّق إليها دعوى الانصراف ، فهي بظاهرها من قبيل القضايا الطبيعيّة التي لا يتخلّف حكمها عن شي‌ء من مصاديقها ، كما لا يخفى.

(والملك شرط في الأجناس كلّها) إجماعا ، كما ادّعاه غير واحد (٢) ، بل هو من الواضحات التي لا مجال للارتياب فيه ، ضرورة أنّ الزكاة هي الصدقة المعهودة التي جعلها الله تعالى على صاحبي المال في أموالهم (و) إنما الكلام فيما ذكره المصنّف وغيره من أنّه (لا بدّ أن يكون تامّا).

ففي المدارك ، بعد أن ذكر اشتراط الملك ، قال : وأمّا اشتراط تمام الملك فقد ذكره المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في هذا الكتاب ، وجمع من الأصحاب ، وهو لا يخلو من إجمال ، فإنّهم إن أرادوا به عدم تزلزل الملك

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٢٩.

(٢) كالعلامة الحلّي في نهاية الأحكام ٢ : ٣٠٢.

٤٤

ـ كما ذكره بعض المحقّقين ـ لم يتفرّع عليه جريان المبيع المشتمل على خيار في الحول من حين العقد ، ولا جريان الموهوب فيه بعد القبض ، فإنّ الهبة قد تلحقها مقتضيات كثيرة توجب فسخها بعد القبض من قبل الواهب.

وإن أرادوا به كون المالك متمكنا من التصرّف في النصاب ـ كما أومأ إليه في المعتبر ـ لم يستقم أيضا ، لعدم ملائمته للتفريع ، ولتصريح المصنّف بعد ذلك باشتراط التمكّن من التصرّف.

وإن أرادوا به حصول تمام السبب المقتضي للملك ـ كما ذكره بعضهم ـ لم يكن فيه زيادة على اعتبار الملك.

وكيف كان ، فالمعتبر تحقّق الملك خاصّة ، وأمّا التمكّن من التصرّف فهو شرط آخر ، وسيجي‌ء الكلام فيه (١). انتهى.

وهو جيّد ، اللهم إلّا أن يقال : إنّ المراد به عدم نقص الملك من حيث هو ، فإنّ الملك قد يكون طلقا ، وقد لا يكون كذلك ، ولكن لا بسبب العوارض الخارجية المانعة عن التصرّف فيه ، فإنّ نقص الملك على ثلاثة أنحاء :

أحدها : أن يكون لقصور ما يقتضيه عن إفادة السلطنة التامة التي ينتزع منها الملكيّة المطلقة ، كما في الوقف الخاص ، بناء على ما هو التحقيق من أن ماهيّته التي يقصدها الواقف بإنشائه ليست إلّا تحبيس العين وتسبيل المنفعة ، كما في الوقف العام الذي هو من قبيل التحريرات كالمساجد والقناطر ، فإذا قال الواقف : وقّفت هذه الدار على أن يكون هذا الجزء منها مسجدا للمسلمين وما عداها لأولادي نسلا بعد نسل ،

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٢٦.

٤٥

مثلا ، لا يقصد من صيغة الوقف إلّا مفهوما واحدا ، ولكن ينتزع عرفا من قصر منافع الدار على الموقوف عليهم وانقطاع علاقتها عن الواقف ملكيّتها لهم ، إذ لا معنى للملكيّة عرفا إلّا علاقة الاختصاص الحاصلة لهم بإنشاء الواقف وإن لم يقصد الواقف بإنشائه مفهوم التمليك ، بل المفهوم الملازم له ، ولكنّ الملكيّة الحاصلة بهذا الإنشاء ملكيّة غير مقتضية للسلطنة المطلقة ، بل بحسب ما أنشأه الواقف.

ثانيها : أن يكون بواسطة تعلّق حق الغير به ، كما في الرهن ، بل والوقف الخاص أيضا بالنسبة إلى حقّ البطون اللاحقة.

ثالثها : أن يكون لقصور يد المالك عنه بغصب أو غيبة ونحوها ، فهذا ممّا لا نقص في ملكيّة من حيث هو ، ولكنّه ليس متمكّنا من التصرّف فيه.

فيصحّ أن يراد بقي التام الاحتراز عن خصوص القسم الأول أو مع الثاني ، وبقيد التمكّن من التصرّف عن الأخير.

وكيف كان ، فالأمر فيه سهل ، إذ ليس لهذا العنوان ـ أي : مفهوم التام ـ بل ولا لفظ «التمكّن من التصرّف» من حيث هو ، أثر فيما عثرنا عليه من النصوص ، وإنّما وقع ذكرهما في كلماتهم من باب التعبير ، والمتّبع هو الدليل.

(ف) نقول : (لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلّا بعد القبض) بناء على عدم حصول الملك قبله ، بل وكذا على القول بحصول الملك من حين العقد ، ولكنه مراعى بتحقّق القبض على تقدير وجود قائل به ، كما صرّح به في المسالك ، حيث قال بعد ذكر عبارة المتن :سواء جعلنا القبض ناقلا للملك ، أم كاشفا عن سبقه بالعقد ، لمنعه من

٤٦

التصرّف فيه قبل القبض على التقديرين (١). وإن اعترض عليه في المدارك بما لفظه وهو غير جيّد ، لأنّ هذا الخلاف غير واقع في الهبة ، وإنما وقع الخلاف فيها في كون القبض شرطا في الصحة أو اللزوم ، كما نقله الشارح في بحث الهبة وغيره (٢). انتهى.

ولكن حكي عن كاشف الغطاء : أنّه ادّعى أنّ مراد القائلين بكون القبض شرطا في اللزوم ، هو الكشف ، لا اللزوم المصطلح ، لأنّ الهبة لا تصير بالقبض من العقود اللازمة ، إذ بعد القبض يجوز الرجوع في الهبة عند الكلّ ، إلّا في المواضع الخاصّة التي ذكروها وعيّنوها ، ولم يجعل أحد ممّن له فهم ، مجرّد القبض من الملزمات.

وصرّح المحقّقون بأنّ مرادهم من كون القبض شرطا في اللزوم في الهبة ، ليس المعنى المعروف ، بل قالوا : إنّ معناه أنّ العقد يوجب ملكيّة مراعاة بتحقّق القبض (٣). انتهى ملخّصا.

وكيف كان ، فلا إشكال في أصل المسألة على كل تقدير ، كما أنّه لا إشكال في جريانه في الحول بعد القبض ، بل ولا خلاف فيه على الظاهر المصرّح به في كلام بعض (٤) وإن كان متزلزلا من حيث البقاء ، لاحتمال الرجوع ، فإنّ هذا غير مانع عن أن يتناوله عمومات أدلّة الزكاة ، كما لا يخفى.

نعم ، لو رجع الواهب قبل الحول ، سقطت الزكاة بلا إشكال. ولو رجع بعد الحول وإمكان الأداء ، لم تسقط جزما ، وقدم حقّ الفقراء

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٣٥٩.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٢٧.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٣٧.

(٤) جواهر الكلام ١٥ : ٣٧.

٤٧

لتعلّقه بالعين ، ولا يضمنه المتّهب ، لأنّ هذا الاستحقاق يجري مجرى الإتلاف ، بل وكذا لو رجع بعد تعلّق الوجوب قبل إمكان الأداء ، لعين ما مرّ.

وإمكان الأداء إنما يجدي في ضمانه للفقراء مع التفريط لا في أصل الوجوب.

فما عن بعض من الاستشكال فيه أو الجزم بعدم وجوب الزكاة حينئذ لا على الواهب ولا على المتّهب (١) ، لعلّه في غير محلّه.

وأما ما لا يعتبر فيه حؤول الحول كالغلّات ، فيشترط في وجوب زكاته على المتّهب حصول القبض قبل تعلّق الوجوب

بالنصاب ، وعدم رجوع الواهب حتى بلغ محلّ تعلّق الوجوب عنده ، كما لا يخفى.

(وكذا لو اوصي له ، اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول) لأنه وقت انتقال الموصى به الى ملك الموصى له ، بناء على كون القبول ناقلا ، وأمّا لو قلنا بأنّه كاشف عن انتقال الملك من حين الوفاة ـ كما حكي عن بعض الأصحاب (٢) ـ اعتبر أيضا حصوله ، لعدم تمكّنه من التصرّف فيه بعنوان كونه ملكا له قبله.

(ولو اشترى نصابا) من الحيوان (جرى في الحول من حين العقد ، لا بعد الثلاثة) لأن الانتقال يحصل بالعقد لا بعد الثلاثة ، وخيار المشتري في الثلاثة لو لم يكن مؤكدا لملكيّته ، غير موجب لنقصها ، فضلا عن أن (٣) يكون مانعا من أن يتناوله عموم أدلّة الزكاة.

نعم ، على القول بعدم انتقال الملك إليه إلّا بعد انقضاء زمان الخيار

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ٣٨ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ٣٢ ، المسألة ٢٠.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٢٧.

(٣) ورد في النسخة الخطية : فضلا أن. وفي الحجرية : فضلا عن. والصحيح ما أثبتناه.

٤٨

ـ كما نسب الى الشيخ (١) رحمه‌الله ـ اتّجه عدم جريانه في الحول إلّا بعد الثلاثة كما هو واضح ، ولكن المبنى ضعيف.

(و) كذا (لو شرط البائع ، أو هما ، خيارا زائدا على الثلاثة ، يبني) جريانه في الحول (على القول بانتقال الملك.

والوجه : أنّه من حين العقد) كما تقدّمت الإشارة إليه.

وفي المدارك قال : ربّما ظهر من العبارة أنّ الخلاف في وقت الانتقال إنّما وقع في الخيار المختصّ بالبائع ، أو المشترك بينه وبين المشتري ، مع أنّ الظاهر تحقّق الخلاف فيه مطلقا ، فإنّ الشيخ ـ رحمه‌الله ـ حكم في الخلاف بأنّ المبيع لا ينتقل الى ملك المشتري إلّا بانقضاء الخيار ، سواء كان لهما أو لأحدهما ، لكنّه قال : إنّ الخيار إذا اختصّ بالمشتري ، ينتقل المبيع عن ملك البائع بالعقد ، ولا يدخل في ملك المشتري إلّا بانقضاء الخيار.

ومقتضى ذلك : سقوط زكاته عن البائع والمشتري ، وهو ضعيف جدّا.

والأصحّ ما اختاره المصنّف ـ رحمه‌الله ـ من حصول الملك بالعقد ، فيجري في الحول من حينه. لكن سيأتي إن شاء الله أنّه متى كان للبائع خيار ، فإن المشتري يمنع من التصرّفات المنافية لخياره ، كالبيع والهبة والإجارة ، فإن ثبت أنّ ذلك مانع من وجوب الزكاة ، اتّجه انتفاء خيار البائع ، لذلك ، لا لعدم انتقال الملك (٢). انتهى.

__________________

(١) نسبه اليه صاحب المدارك فيها ٥ : ٢٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٢٧ ، والخلاف ٣ : ٢٢ ، المسألة ٢٩.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٢٨ ـ ٢٩ ، وانظر : الخلاف ٣ : ٢٢ ، المسألة ٢٩.

٤٩

وقد تبع في ما أورده على البناء المذكور ، جدّه في المسالك ، حيث قال ـ بعد تفسير عبارة المتن ـ ما لفظه : ويشكل بأنّ الخيار متى كان للبائع ، أو لهما ، منع المشتري من التصرّفات المنافية للخيار ، كالبيع والهبة والرهن والإجارة ونحوها ، وذلك ينافي تماميّة الملك ، فيصير كالوقف ونحوه ، مما يبيح له التصرّف بالانتفاع دون النقل عن الملك (١). انتهى.

وربّما وافقهما في هذا الاعتراض غير واحد من المتأخّرين ، بل عن فوائد الشرائع أنّه قال : ولقائل أن يقول : أين تماميّة الملك والمشتري ممنوع من كثير من التصرفات؟ (٢) انتهى.

وهو في محلّه إن سلمنا كون خيار البائع من حيث هو مانعا عن سلطنة المشتري على نقل المبيع أو إتلافه ، ولكنّه غير مسلم ، بل هو من حيث هو ليس إلّا كخيار المشتري في بيع الحيوان إلى ثلاثة أيّام في عدم كونه مقتضيا إلّا القدرة على فسخ العقد من حينه الموجب لعود كل من العوضين إلى ملك مالكه الأوّل على تقدير بقائه ، ومثله أو قيمته على تقدير تلفه.

وكون التصرفات الناقلة المتعلّقة به بحكم التلف ، أو أنّ له بعد الفسخ استرجاعه ممّن انتقل إليه ، فيقع نقله الى الثالث مراعى بعدم فسخ مالكه الأوّل ، فيه كلام مذكور في محلّه.

وكيف كان ، فليس خيار الفسخ من حيث هو مقتضيا لتعهد من لا خيار له بحفظ ما انتقل اليه وامتناعه من التصرّفات الناقلة له ،

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٣٦٠.

(٢) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة : ٣ : ١٩ ، وصاحب الجواهر فيها : ١٥ : ٣٩.

٥٠

فالتصرّفات الناقلة ليست بنفسها منافية لحقّ صاحب الخيار ، فإنّ صاحب الخيار لا يستحقّ عليه منعه عن التصرّف فيما انتقل اليه قبل أن يفسخ ، وإنّما حقّه السلطنة على فسخ العقد الذي يتبعه استحقاق استرجاع العين مع بقائها ومثلها أو قيمتها لدى التعذّر.

نعم ، في مثل خيار الشرط الذي هو بجعل المتعاقدين قد يتعلّق غرض المتبايعين من جعل الخيار بإثبات السلطنة لصاحب الخيار على استرداد شخص العين ، كما لعلّه الغالب في خيار البائع ، بعكس خيار المشتري ، فيكون ذلك في قوّة اشتراط إبقاء العين على المشتري وترك التصرّفات المنافية له ، فهذا شرط آخر مستفاد من قرائن الأحوال ، خارج عمّا يقتضيه مفهوم أصل الخيار ، مع أنّ في وجوب الوفاء بمثل هذا الشرط ما لم يقع التصريح به في متن العقد ، كلاما ليس هاهنا محله.

وعلى تقدير الالتزام به ولو لوقوعه صريحا في متن العقد ، أو الالتزام بكون منع المشتري عن مثل هذه التصرّفات من مقتضيات خيار البائع مطلقا ـ كما يظهر من الجماعة التي تقدمت كلماتهم وإن كان خلاف التحقيق ـ اتّجه عدم تعلّق الزكاة به ، وعدم جريانه في الحول ، كما في الوقف ومنذور الصدقة.

وتوهّم قصور ما دلّ على اعتبار التمكّن من التصرّف عن شمول مثل المقام ، حيث إنّ عمدته على التعميم الإجماع غير المتناول لمحلّ الكلام ، فيعمه عموم أدلّة الزكاة ، مدفوع بعدم الحاجة لإثبات اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة ، إلى مطالبة دليل خارجي مخصص للعموم ، بل المنساق من أدلة الزكاة من مثل قوله تعالى «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» ونحوه ليس إلّا إرادة إيجابها في أموالهم التي كان لهم أن يتصدّقوا ويتصرّفوا فيها ، أي : الملك الطلق ، فأدلة الزكاة بنفسها منصرفة

٥١

عن المال الذي ليس لمالكه التصرّف فيه ، كما لا يخفى على المتأمّل ، وستعرف أنّ ما هو شرط لتعلّق الوجوب ، شرط في جريانه في الحول فيما يعتبر الحول فيه ، والله العالم.

(وكذا لو استقرض مالا وعينه باقية ، جرى في الحول من حين قبضه) الذي هو وقت الانتقال ، كما هو المشهور ، لا التصرّف ، كما نسب (١) الى الشيخ القول به. وهو ضعيف.

كما يدلّ عليه وعلى أصل الحكم ـ مضافا الى وضوحه ـ صحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل دفع الى رجل مالا قرضا ، على من زكاته على المقرض أو على المقترض؟ قال : «لا ، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض» قال : قلت : فليس على المقرض زكاتها؟ قال : «لا ، لا يزكى المال من وجهين في عام واحد ، وليس على الدافع شي‌ء لأنّه ليس في يده شي‌ء ، إنّما المال في يد (الآخر) (٢) فمن كان المال في يده زكاة» قال : قلت : أفيزكّي مال غيره من ماله؟ فقال : «إنّه ماله ما دام في يده ، وليس ذلك المال لأحد غيره» ثم قال : «يا زرارة ، أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو وعلى من؟» قلت : للمقترض. قال : «فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ، ويأكل منه ، ولا ينبغي له (أن يزكّيه؟) (٣) بل يزكّيه فإنّه عليه» (٤).

__________________

(١) نسبه اليه السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٩ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٤٦١.

(٢) في الكافي : الآخذ.

(٣) في التهذيب : «أن لا يزكّيه؟».

(٤) الكافي ٣ : ٥٢ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

٥٢

وصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة ، على المقرض أو على المقترض؟ فقال : «على المقترض ، لأنّ له نفعه وعليه زكاته» (١).

(ولا تجري الغنيمة في الحول إلّا بعد القسمة) أمّا على القول بتوقّف الملك عليها ـ كما نسب (٢) الى المشهور ـ فواضح.

وأمّا على القول بحصول التملّك بالحيازة ، فلعدم تمامية الملك ، لعدم استقرار حصة كل منهم قبل القسمة ، كما صرح به في التذكرة ، حيث قال ما لفظه : فلو تأخّرت قسمة الغنيمة حولا فلا زكاة ، لعدم استقرار الملك ، فإنّ للإمام أن يقسّم بينهم قسمة تحكم ، فيعطي كلّ واحد منهم من أي الأصناف شاء ، فلم يتمّ ملكه على شي‌ء معيّن ، بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزكاة.

هذا إذا كانت من أجناس مختلفة ، ولو كانت الغنيمة من جنس واحد ، فالوجه ذلك ، لأنّ ملكهم في غاية الضعف ، ولذا يسقط بالإعراض (٣).

وفي المدارك بعد نقل عبارة التذكرة ، قال : وجزم جدّي في فوائد القواعد بتوقّفه على القسمة وإن كانت الغنيمة تملك بالحيازة ، لأنّ الغانم قبل القسمة ممنوع من التصرّف في الغنيمة ، والتمكّن من التصرّف أحد الشرائط كالملك.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٤ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٥.

(٢) الناسب هو : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ : ٣٢ ـ ٣٣ ، المسألة ٢٢.

٥٣

وهو جيّد ، ولكن على هذا ينبغي الاكتفاء بمجرد التمكّن من القسمة.

وظاهر المصنّف في المعتبر جريان الغنيمة في الحول من حين الحيازة ، لأنها تملك بذلك.

وهو مشكل على إطلاقه ، لأنّ التمكّن من التصرّف أحد الشرائط كالملك (١). انتهى.

وربّما نسب (٢) الى ظاهر الخلاف أيضا القول بجريانها في الحول من حين الحيازة.

وهو إنما يتّجه لو قلنا بدخولها بالحيازة في ملك الغانمين ، كالمال المشترك بين الورثة ، ولكنها بحسب الظاهر ليست كذلك ، وتحقيقه موكول الى محله.

(ولو عزل الإمام قسطا ، جرى في الحول إن كان صاحبه حاضرا) وإن لم يقبضه ، بناء على كفاية العزل في تماميّة ملكه ، وعدم اعتبار القبض فيه.

وأمّا على القول باشتراطه بالقبض ـ كما حكي عن غير واحد (٣) ـ فيعتبر في جريانه في الحول حصول القبض منه أو من وكيله أيضا ، كما هو واضح.

(وإن كان غائبا فعند وصوله إليه) حقيقة أو حكما ، أمّا قبله فلا يجري في الحول وإن قلنا بصيرورته ملكا له بمجرد العزل أو الاغتنام ، لما ستعرفه في المال الغائب من أن وصوله الى صاحبه حقيقة أو حكما

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٠ ، وانظر أيضا : المعتبر ٢ : ٥٦٤.

(٢) نسب اليه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٤١.

(٣) انظر : جواهر الكلام ١٥ : ٤٢.

٥٤

بحيث يتمكّن من التصرّف فيه ، شرط في جريانه في الحول.

(ولو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب) نذرا مطلقا غير مؤقّت أو غير معلّق على شرط (انقطع الحول) بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال (لتعيّنه للصدقة) وعدم جواز التصرّف فيه بما ينافيه ، فلا يكون ملكه تماما ، كي تشمله أدلّة الزكاة.

وأولى بذلك ما لو جعل متعلّق نذره كونه صدقة ، بناء على صحّة هذا النذر وخروج العين بذلك عن ملكه ، كما صرّح به غير واحد (١) ، بل في المدارك : أنّه قطع به الأصحاب وإن كان لنا فيه نظر (٢). انتهى.

ولعلّ وجه نظره ما قد يقال : من أنّ ظاهر أدلّة الوفاء بالنذر كون متعلّقه فعلا اختياريا للمكلّف ، فلا بدّ من الحكم ببطلان نذر النتيجة لو أريد نفسها من دون تأويل بإرادة السبب ، بل يمكن أن يقال : إنّا لا نعقل لقوله : لله علي أن يكون هذا المال لـ (زيد) أو صدقة ، معنى ، إلّا الالتزام بأن يجعله كذلك ، فلا فرق بينه وبين أن يقول : لله علي أن أفعله كذلك ، كما في اليمين.

ولتمام الكلام فيما يتوجّه عليه من النقض والإبرام مقام آخر.

وكيف كان ، فلا إشكال في كون نذر الصدقة في أثناء الحول مانعا عن تعلّق الزكاة ، كما أنّه لا إشكال في عدم سقوط الزكاة لو تعلّق به النذر بعد حؤول الحول وتعلّق الوجوب ، فإن كان متعلّق النذر ما عدا المقدار الواجب في الزكاة ، لزمه الأمران بلا إشكال ، وإن كان مجموع النصاب ، وجب إخراج الزكاة أوّلا ، ثم التصدّق بالباقي ، أخذا بقاعدة

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ٤٣.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٣١.

٥٥

«ما لا يدرك كلّه لا يترك كله».

ويحتمل قويّا وجوب ضمان الزكاة من غير النصاب والتصدّق بالجميع ، وفاء بالنذر ، فإنّ للمالك أن يتعهّد بالزكاة من غير جنسه ، فإذا نذر أن يتصدّق بالجميع فقد التزم بأداء الزكاة من غير مقدّمة للوفاء بنذره.

ويحتمل كفاية النذر عن الزكاة مع اتّحاد المصرف لو لم ينصرف إطلاقه إلى غيرها.

وأمّا لو نذر أن يتصدّق به في وقت معيّن ، فإن كان الوقت قبل تمام الحول ، فقد نفى شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ الإشكال عن سقوط الزكاة ، سواء وفي بالنذر في وقته أم لم يف ، وسواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا ، لرجوع المؤقّت بعد حضور وقته الى المطلق ، وقد عرفت الحال فيه.

ثمّ نقل عن شرح الروضة : أنّه لا شبهة في وجوب الزكاة هنا لو لم يف بالنذر في وقته ولم نوجب القضاء.

ثمّ أورد عليه : بأنّ مجرّد التكليف بالتصدّق يوجب انقطاع الحول من غير توقّف على الوفاء (١). انتهى.

أقول : كون مجرّد تعلّق التكليف بالتصدّق به في وقت معيّن من غير أن يحدث في متعلّقة حقّ للغير قابل للتدارك ، أو يجب قضاؤه تعبّدا ، كما هو المفروض ، أو الأمر بشراء دار لنفسه ـ مثلا ـ بهذه الدراهم المكنوزة عنده فيما لو نذر أن يشتري في هذا اليوم لنفسه دارا بها ، موجبا لانقطاع الحول ، لا يخلو من تأمّل ، فإنّه ليس إلّا كوجوب صرف الدينار والدرهم

__________________

(١) كتاب الزكاة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٤٦٦.

٥٦

المكنوز عنده البالغ حد النصاب في أثناء الحول وقتا ما في وفاء دينه أو نفقة عياله ، مع أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم كون مثله موجبا لانقطاع الحول ، ولا مانعا عن تعلّق الزكاة بذلك المال عند مخالفته لذلك الواجب ، لأنّ هذا لا يوجب نقصا في ملكيته عرفا ، كي لا يتناوله عمومات أدلّة الزكاة ، وهذا بخلاف ما لو تعلّق به نذر مطلق ، أو قلنا بوجوب قضاء المؤقّت بعد خروج وقته ، فإنّه يخرج بذلك عن تحت اختياره شرعا وعرفا ، فهو حينئذ بحكم غير المملوك في كونه خارجا عن منصرف العمومات.

وأمّا ما ستعرفه من اشتراط التمكن من التصرّف في النصاب في تمام الحول ، فهو غير مناف لما ذكر ، لأنّ التمكّن من التصرّف الذي يستفاد اعتباره من الأدلّة الآتية ، إنّما هو كون المال تحت يده ، بحيث يكون ترك التصرّف فيه مستندا إلى اختياره في مقابل المال الغائب والمغصوب أو المرهون الذي تعلّق به حقّ الغير المانع له عن التصرّف فيه رأسا ، فلا ينافي ذلك وجوب صرفه في أثناء الحول إلى مصرف معيّن ، فإنّه إذا لم يصرفه في ذلك المصرف ولا في غيره حتى مضى عليه الحول ، ويصدق عليه أنّه شي‌ء مملوك له كان متمكّنا من التصرّف فيه في تمام هذه السنة ولم يتصرّف.

والحاصل : أنّ استفادة اعتبار التمكن من جميع التصرّفات في النصاب في جميع الحول بمعنى جوازها له شرعا ، بحيث ينافيه التكليف بصرفه وقتا ما في أثناء الحول إلى مصرف خاص من الأدلّة ، في غاية الإشكال ، فليتأمّل.

وإن كان الوقت بعد تمام الحول ، فالظاهر كونه كالنذر المطلق مانعا عن تعلّق الزكاة به ، سواء قلنا بوجوب القضاء أم لم نقل ، وسواء تعلّق

٥٧

النذر بمجموع النصاب أو ببعضه ، لصيرورته بواسطة النذر ممنوعا عن التصرّف فيه شرعا ، مقدمة للوفاء بنذره الذي هو واجب مطلق ، وهو كالمانع العقلي مانع عن تعلّق الزكاة به ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله.

وتوهّم عدم وجوب مقدمة الواجب المؤقّت إلّا بعد حضور وقته ، فلا يصلح النذر في مثل الفرض مانعا عن وجوب الزكاة ـ مع ضعفه في حدّ ذاته ، كما حقّقناه في أول كتاب الطهارة (١) ـ مدفوع بأنّ هذا إن سلم ففي غير النذر ، وأمّا النذر فلا مجال للارتياب في أنّ زمان تعلّق التكليف بإيجاد المنذور في وقته ، إنّما هو وقت حدوث سببه الذي هو إنشاء صيغة النذر ، لا زمان حضور الفعل ، كما يشهد بذلك العرف والعقل.

وأمّا النذر المشروط بشرط : فإن كان الشرط متيقّن الحصول ، فحكمه حكم المؤقّت في جميع ما عرفت.

وإن كان محتمل الحصول ـ كما لو نذر أن يتصدّق بجميع النصاب أو بعضه على تقدير وقوع أمر ـ فإن كان وقوع ذلك الأمر فعلا اختياريا له ـ كدخول دار مثلا ـ فلا شبهة في عدم كونه قاطعا للحول ، ولا مانعا عن وجوب الزكاة عند حؤول الحول ، لعدم خروج النصاب بمثل هذا النذر عن ملكه ، ولا عن تحت اختياره ، وكذا لو جعل نذره معلّقا على بقاء النصاب في ملكه إلى حين حصول شرط أو حضور وقت ، بحيث يكون بقاء الملك إلى ذلك الحين من قبيل المقدمات الوجوبيّة للواجبات المشروطة ، إذ لا يخرج الملك بمثل هذا النذر أيضا عن تحت اختياره.

__________________

(١) ص ٤ من الطبع الحجري.

٥٨

وأمّا إذا لم يكن الشرط اختياريا له ، ولا بقاؤه في ملكه شرطا للوجوب ، بل مقدمة للواجب ، فقد يقال بانقطاع الحول بذلك كالمؤقّت ، لوجوب حفظ هذا المال وترك التصرّف فيه ، مقدّمة للوفاء بالنذر الذي تنجّز التكليف به من حين إنشاء صيغته.

ولكن يتوجّه عليه : أنّ الذي وجب بالنذر هو التصدّق بهذا المال المعيّن على تقدير حصول الشرط ، وهذا هو المراد بالوفاء الذي وجب عليه بالنذر ، فحاله حال سائر المقدمات الوجوديّة للواجبات المشروطة ، على ما حقّقناه في المبحث المشار إليه من تعلّق التكليف بها من حيث إنشاء الطلب ، ولا بعد حصول الشرط ، ولكن لا يتنجّز التكليف بها إلّا بعد إحراز تحقّق الشرط في وقته ، وإلّا فينفى وجوب مقدّماته بالأصل حسب ما فصّلناه في محلّه ، فهكذا الكلام هاهنا.

ويمكن دفعه ، بأنّه إذا وعد مثلا لـ (زيد) أن يدفع هذا المال إليه إن أتاه غدا في داره ، لزمه عقلا ـ إذا كان عازما على إنجاز وعده ـ إبقاء ذلك المال ، وعدم تعجيز نفسه عن دفعه إلى (زيد) على تقدير مجيئه إليه ، إذ العزم على دفع هذا المال لـ (زيد) على تقدير مجيئه ينافي إتلافه ، أو جعل نفسه عاجزا عن ذلك.

وهكذا الكلام فيما لو التزم به بنذر أو عهد وشبههما ، فإنّ إتلاف ما تعلّق به النذر ينافي التزامه بصرفه إلى المصرف الذي التزم به ، كما هو حقيقة النذر ، ولا معنى لأمر الشارع بالوفاء به إلّا إمضاء عمله ، وإيجاب الجري على حسب ما يقتضيه هذا الالتزام من حفظ قدرته على إنجاز ما التزم به ، وعدم تعجيز نفسه عن فعل ما التزم به على تقدير تحقّق شرطه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(والتمكّن من التصرّف في النصاب معتبر في الأجناس كلّها)

٥٩

على ما صرّح به في المتن وغيره (١).

بل في المدارك : هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب (٢).

بل في الحدائق : هو ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم ، فلا تجب الزكاة في (المغصوب) (٣) ولا الغائب الذي ليس في يد وكيله ونحو ذلك (٤).

بل عن التذكرة بعد أن ذكر اعتبار عدم المنع من التصرّف ، قال : فلا تجب في المغصوب ، ولا الضالّ ، ولا المجحود بغير بيّنة ، ولا المسروق ، ولا المدفون مع جهل موضعه ، عند علمائنا أجمع (٥).

بل قال شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ : التمكن من التصرّف شرط في وجوب الزكاة إجماعا محقّقا في الجملة ومستفيضا (٦). انتهى.

واستدلّ عليه بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «لا صدقة على الدين ، ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك» (٧).

وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : الرجل تكون له الوديعة والدين ، فلا يصل إليهما ، ثم يأخذهما ، متى يجب عليه الزكاة؟ قال : «إذا أخذ هما ثمّ يحول عليه الحول يزكي» (٨).

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٤١ ، المعتبر ٢ : ٤٩٠ ، المختصر النافع : ٥٣.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٣٢.

(٣) في المصدر : المفقود.

(٤) الحدائق الناضرة ١٢ : ٣١.

(٥) حكاه في الجواهر ١٥ : ٤٨ وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٨ ، المسألة ١١.

(٦) كتاب الزكاة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٤٧٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٨ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٦.

(٨) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

٦٠