مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

عن قرب الإسناد ، وقال في آخره : «فزكّه للسنة الّتي تتّجر فيها» بصيغة المضارع (١).

وكيف كان ، فهذه الرواية لا تخلو من تشابه ، وفي ما عداها غنى وكفاية.

ولكن ليس في شي‌ء من هذه الأخبار تصريح بالاستحباب ، كما يوهمه ظاهر عبارة المصنّف ـ رحمه‌الله.

الشرط (الثالث :) مضيّ (الحول) من حين التجارة أو قصدها على الخلاف المتقدّم ، بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن المعتبر والمنتهى : أنّ عليه علماء الإسلام (٢) ، بل عن التذكرة : دعوى الإجماع عليه (٣).

ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟ فقال : «إذا حال الحول فليزكّها» (٤).

وروى أيضا في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : «كلّ ما عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال الحول» (٥).

ويحتمل قويا أن يكون متن هذا الخبر هو قول محمّد بن مسلم الّذي.

__________________

(١) أورده عنها ، الحرّ العاملي في الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، ذيل الحديث ٢ ، وانظر : المقنعة : ٢٤٧.

(٢) كما في مفتاح الكرامة ، ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ١١٥ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٤٤ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٠٧.

(٣) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ١١٥ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ٢٠٨ ، المسألة ١٣٩.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٨.

٤٤١

فهمه من كلام الصادق ـ عليه‌السلام ـ في صحيحته الأولى ، فإنّه على ما رواه في الكافي ، لم ينسبه في هذه الرواية إلى الإمام.

وكيف كان ، فهذه الرواية إن لم تكن بنفسها من الإمام ، فهي مؤكّدة لصحّة روايته الاولى سندا ودلالة ، كما لا يخفى.

(ولا بدّ من وجود ما يعتبر في الزكاة) من الشرائط المزبورة هاهنا وغيرها ممّا عرفته في صدر الكتاب من الشرائط المعتبرة في مطلق الزكاة ، كالملكيّة والتمكّن من التصرّف (من أوّل الحول إلى آخره.

فلو نقص رأس ماله) في أثناء الحول ولو يوما (أو نوى به القنية) كذلك ، أو خرج عن ملكه ، أو منع من التصرّف فيه بغصب ونحوه مثلا (انقطع الحول) بلا خلاف يعتدّ به في شي‌ء من ذلك على الظّاهر ولا إشكال ، عدا مسألة بقاء رأس المال في تمام الحول ، فإنّه وإن لم ينقل الخلاف فيه أيضا إلّا عن بعض متأخري المتأخّرين.

بل نسبه العلّامة في التذكرة إلى علمائنا أجمع ، فقال ما لفظه :يشترط وجود رأس المال من أوّل الحول إلى آخره ، فلو نقص رأس المال ولو حبّة في أثناء الحول أو بعضه ، لم تتعلّق الزكاة به ، وإن عادت القيمة ، استقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع ، خلافا للجمهور كافّة ، لأنّ الزكاة شرّعت إرفاقا بالمساكين ، فلا يكون سببا لإضرار المالك ، فلا يشرع مع الخسران ، ولأنّها تابعة للنماء عندهم ، وهو منفيّ مع الخسران.

ولقول الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله ، فليس عليه زكاة ، وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله ، فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله» (١) انتهى.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ٢٠٩ ، المسألة ١٤١ ، وراجع : الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، والتهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، والوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

٤٤٢

ولكن عمدة الدليل على اعتبار هذا الشرط ، هو الخبر المزبور وغيره من الأخبار المتقدّمة.

وأمّا ما عدا ذلك من الوجهين اللّذين ذكرهما العلّامة ، فمجرّد اعتبار ذكرهما في مقابل العامّة ، مع انّك ستعرف قصورهما عن إفادة المدّعى.

وأمّا الأخبار ، فقد اعترفنا بدلالتها على اعتبار أن يطلب برأس المال أو بزيادة ، لا بنقيصة في أن يجب فيه الزكاة.

وأمّا دلالتها على اعتبار ذلك في تمام الحول فمحلّ نظر ، ولذا منعه غير واحد من متأخّري المتأخّرين.

ففي الذخيرة ، بعد أن ذكر أنّه لو نقص رأس ماله في أثناء الحول أو طلب بنقيصة ، سقط الاستحباب وإن كان ثمنه أضعاف النصاب ، قال : قال المحقّق في المعتبر : وعلى ذلك فقهاؤنا أجمع.

واستدلّ عليه بحسنة محمّد بن مسلم ورواية أبي ربيع السابقتين ، وهما إنّما تدلّان على اشتراط الطلب برأس المال أو الربح ، لا على اشتراط اعتبار ذلك طول الحول.

وكذا ما رواه الشيخ ـ في الموثّق ـ عن العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : المتاع لا أصيب به رأس المال (١). الحديث.

أقول : وكذا غير ذلك أيضا من الروايات المتقدّمة ، فإنّ شيئا منها لا يدلّ على اعتبار هذا الشرط ، إذ ليس في شي‌ء من تلك الأخبار تعرّض لاشتراط حؤول الحول في تعلّق الزكاة بالمال الذي طولب برأس

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٤٩ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٥٥٠ ، والكافي ٣ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ / ١ و ٢ ، والتهذيب ٤ : ٦٨ ـ ٦٩ / ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٩ ، والاستبصار ٢ : ١١ / ٣٢ ، والوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الأحاديث ٣ و ٤ و ٩.

٤٤٣

ماله أو بزيادة ، كما أنّه ليس للروايتين الدالّتين على اعتبار حؤول الحول تعرّض لاعتبار هذا الشرط ، فهما شرطان مستقلّان لتعلّق الزكاة بالمال الّذي اتّجر به ، مستفادان من دليلين مستقلّين ، موضوعهما مطلق المال المستعمل في التجارة ، وقضية الجمع بين دليليهما تقييد سببيّة كلّ من الشرطين لوجوب الجزاء بحصول الشرط الآخر ، بأن يقال : المال الذي اتّجر به إذا حال عليه الحول وطلب برأس ماله لا بنقيصة ، ففيه الزكاة ، وإذا انتفى أحد الشرطين أو كلاهما فلا زكاة ، لا تقييد موضوع أحدهما بالآخر بحيث يكون الطّلب برأس المال قيدا في الموضوع الذي اعتبر فيه حؤول الحول كي يثبت به المدعى ، فليتأمّل.

(ولو كان بيده نصاب [بعض الحلول] (١) فاشترى به متاعا للتجارة).

فهاهنا مسألتان :

أحدهما : في ما إذا كان ما بيده أيضا هي بنفسه مال التجارة.

وهذه المسألة مرجعها إلى أنّه هل يعتبر بقاء عين السلعة طول الحول أم قيمتها؟ وسيأتي التكلّم فيها إن شاء الله.

الثانية : أنّه إذا كان نصاب من النقد ، فمضى بعض حوله ، ثم اشترى به متاعا للتجارة ، فهل ينقطع حول الأصل الّذي كان زكاته زكاة النقدين؟ (قيل) والقائل الشيخ في ما حكي عن مبسوطة ، وخلافه (٢) : (كان حول العرض حول الأصل) محتجا عليه بقول الصادق

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من الشرائع.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ١٧٢ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٢١ ، والخلاف ٢ : ٩٧ ، المسألة ١١٢.

٤٤٤

ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير» (١).

وهو بظاهره احتجاج ضعيف ، فإنّك قد عرفت في مسألة اعتبار الحول في النقدين والأنعام ، أنّ المعتبر بقاء النصاب بشخصه في تمام الحول ، وكون العرض مردودا إلى الدراهم ليس معناه بقاء عين تلك الدراهم في ملكه حقيقة ، كي لا ينقطع حولها ، فكأنّ استدلال الشيخ بهذه الرواية مبنيّ على مختاره في تلك المسألة من عدم العبرة بخصوصية الأعيان ، وأنّه لو بادل نصابا بجنسه في أثناء الحول ، لم ينقطع حوله.

ويمكن أن يجعل بناءه على أنّ زكاة التجارة إذا كان رأس ماله الدينار أو الدرهم ، هي لدى التحقيق زكاة عين الدراهم والدنانير المستعملة فيها ، وأنّه لا يشترط في زكاة النقدين بقاء عينهما ، بل وضع الزكاة عليهما عند بلوغهما النصاب إذا حال عليهما الحول ، سواء بقي عينهما أو استعملها في التجارة سنة ، أو بقيا في بعض السنة واتّجر بهما في الباقي ، ولا ينافي ذلك الالتزام باستحباب زكاة التجارة ، فإنّ بقاء العين على هذا التقدير يكون شرطا للوجوب لا لأصل الزكاة.

وربّما يومئ إلى بنائه على هذا المبنى ، عبارته المحكيّة عن خلافه ، حيث قال ما لفظه : إذا اشترى عرضا للتجارة ففيه ثلاث مسائل :

أولاها : أن يكون ثمنها نصابا من الدراهم أو الدنانير ، فعلى مذهب من قال من أصحابنا إن مال التجارة ليس فيه زكاة ، ينقطع حول الأصل ، وعلى مذهب من أوجب ، فإنّ حول العرض حول الأصل ، وبه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٥١٧ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٩ ـ ٤٠ / ١٢١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٧ ، وفي الجميع عن أبي إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ مع تفاوت في المتن.

٤٤٥

قال الشافعي قولا واحدا (١). انتهى.

فإنّه مشعر بكون الحكم مبنيّا على القاعدة ، لا لأجل التعبد. وكيف كان ، فهو ضعيف.

(والأشبه) بالقواعد هو (استئناف الحول) من حين الشراء ، إذ قد عرفت في محلّه أنّه يعتبر في الأجناس الزكويّة بقاء عينها طول الحول ، وأنّ متعلّق الزكاة فيها هي عين تلك الماهيّات من حيث هي ، من غير أن يكون لمقدار ماليّتها مدخليّة في ذلك بعكس زكاة التجارة ، فمناط الحكمين مختلف لا دخل لأحدهما بالآخر ، فإذا اشترى بالدينار متاعا ، فقد انتفى موضوع زكاة الأصل ، فكيف يصحّ البناء على حوله؟ (ولو كان رأس المال دون النصاب ، استأنف) الحول (عند بلوغه نصابا فصاعدا) ولو بارتفاع قيمة المتاع ، بلا خلاف فيه ـ كما في الجواهر (٢) ـ ولا إشكال.

(وأمّا أحكامه) أي : أحكام مال التجارة (فمسائل) :

(الأولى : زكاة التجارة تتعلّق بقيمة المتاع لا بعينه) على المشهور ، كما في الجواهر (٣) ، بل عن المفاتيح نسبته إلى أصحابنا (٤).

فإن أرادوا بذلك الاحتراز عن تعلّقها بالعين على سبيل الشركة ، كما هو مقتضى ما ذكروه تفريعا له من جواز تصرّف المالك في العين بغير

__________________

(١) حكى العبارة عن خلاف الشيخ ، صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٧١ ، وراجع : الخلاف ٢ : ٩٧ ، المسألة ١١٢.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ٢٧٢.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ٢٧٢.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٧٢ ، وراجع مفاتيح الشرائع ١ : ٢٠٣.

٤٤٦

إذن الفقير ، وغير ذلك من الأمور المنافية لتعلّقها بالعين على جهة الشركة ، فقد عرفت في محله أنّ الأظهر في الأعيان الزكويّة أيضا عدم تعلّقها بالعين على هذا الوجه.

وإن أرادوا تعلّقها بمفهوم كلّي متصادق على النقد المساوي لمقدار ماليّة المتاع متعلّق بذمّة المكلّف ، كما هو مقتضى كلمات بعضهم ، ففيه : أنّ هذا خلاف المنساق من أدلّتها ، فإنّ ظاهر قوله : «كلّ مال عملت به إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة» (١) وكذا غيره من الروايات الدالّة عليه ، إنّما هو تعلّق الزكاة بنفس الأعيان الخارجيّة المستعملة في التجارة ، ولكن لا من حيث ذواتها ، بل من حيث اندراجها في موضوع المال المستعمل في التجارة الذي أنيط به هذا الحكم.

فإن أريد من الحكم بتعلّق الزكاة بقيمة المتاع لا عينه بيان أنّ الملحوظ في هذه الزكاة هي جهة ماليّة المتاع لا خصوص شخصه ، فيلاحظ ربع العشر الذي يجب إخراجه في الزكاة بالمقايسة إليها لا إلى شخصه ، فهو حقّ صريح لا مجال لأحد إنكاره.

ولكنّه لا يجدي في تفريع بعض الفروع التي جعلوها ثمرة لتعلّقها بالقيمة ، ولا يهمّنا التعرّض للفروع بعد أن حقّقنا عدم الفرق بين زكاة التجارة وغيرها من حيث ظهور أدلّتها في تعلّقها بالعين الذي مقتضاه سقوط التكليف عن المالك بتلف العين بعد الحول بلا تعدّ منه أو تفريط كما في سائر الأجناس الزكويّة ، عدا أنّ تعلّق هذه الزكاة بالعين باعتبار اندراجها في موضوع المال ، فالملحوظ فيها جهة ماليتها بخلاف سائر الأجناس ، فالمكلّف به في هذه الزكاة هو إخراج الفريضة المقرّرة فيها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٨.

٤٤٧

التي هي ربع عشر هذا المال تقريبا بملاحظة ماليته ، وفي ما عداها بملاحظة نفس الأجناس الزكوية من حيث كونها مندرجة في مسمّيات أساميها ، فللفقير في مال التجارة ربع العشر قيمة ، بخلاف سائر الأجناس التي لا مدخليّة لقيمتها في تعلّق الزكاة بها ، والله العالم.

(ويقوّم) المتاع لمعرفة مقدار ماليّته التي بملاحظتها اعتبر فيه النصاب ، ومقدار ما يتعلّق به من الزكاة (بالدراهم أو الدنانير) لأنّهما هما الأصل الممحّض في الماليّة ، الّذي بالمقايسة إليه يعرف مقدار ماليّة الأشياء في باب الغرامات وغيرها من موارد الحاجة إلى التقويم ، وهذا أي : التقويم بكلّ منهما مع تساوي نصابيهما في مقدار الماليّة ، بأن يكون كلّ دينار مساويا لعشرة دراهم ـ كما لعلّه كان كذلك في صدر الإسلام ـ مما لا إشكال ولا كلام فيه ، إذ لا يختلف الحال حينئذ بين تقويمه بالدراهم أو الدنانير.

وأمّا مع الاختلاف فيشكل الأمر ، حيث إنّه قد يبلغ بأحدهما النصاب حينئذ دون الآخر ، فهل المدار حينئذ على التقويم بأدناهما قيمة ، أو أعلاهما ، أو خصوص الدراهم سواء كانت أدنى أو أعلى ، أو التفصيل بين ما كان رأس ماله نقدا فبالنقد الذي اشترى به ، وبين غيره فبالأدنى أو الأعلى؟ وجوه : ذهب غير واحد إلى الأوّل ، كالمصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المقام حيث قال : (تفريع) (إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر ، تعلّقت بها الزكاة ، لحصول ما يسمى نصابا).

٤٤٨

وفيه : أنّه ليس لنا في هذا الباب دليل لفظي واف بإثبات هذا العموم.

فمقتضى الأصل براءة الذمّة عن التكليف بالزكاة في ما عدا المتيقّن ، وهو ما إذا لم ينقص المال قيمته عن مائتي درهم ولا عن عشرين دينارا.

إلّا أن يقال : إنّ المرجع في مثل المقام هو عموم ما دلّ على زكاة مال التجارة المقتصر في الخارج منه على المتيقّن وهو الناقص عنهما.

وفيه : أنّ العمومات الواردة في هذا الباب بظاهرها مسوقة لبيان أصل المشروعيّة ، فليس لها إطلاق أحوالي بالنسبة إلى مصاديقها ولذا لم يقع التعرّض فيها لشرطيّة النصاب وغيره ، فليتأمل.

وأمّا التقويم بخصوص الدراهم فيدلّ عليه قوله ـ عليه‌السلام ـ في موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (١) في صدر المبحث : «وكلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات».

ولكن قد يشكل الاعتماد على هذا الحديث بعد أن لم يكن معمولا بظاهره في خصوص مورده ولو بعد ارتكاب التأويل فيه بحمله على إرادة زكاة التجارة ، إذ لم ينقل عن أحد القول باعتبار التقويم بخصوص الدراهم.

ولكن الذي يهون الخطب أنّ نصاب الدراهم بمقتضى العادة هو الأدنى ، فيكون القول باعتباره بالخصوص موافقا في مقام العمل عادة ، مع ما قوّاه في المتن من العبرة ، بالأدنى ، كما لعلّه هو المشهور ، خصوصا إذا لم يكن رأس ماله من النقدين.

__________________

(١) تقدمت في ص ٤٣٢.

٤٤٩

وأمّا إذا كان رأس ماله من النقدين ، فالمشهور بين المتأخّرين الاعتبار بما اشترى به ، فيقوّم به لا بغيره.

وإذا اشترى بكليهما اعتبر التقويم بهما بالنسبة ، كما صرّح به غير واحد ، نظرا إلى أنّ هذا هو المنساق ممّا دلّ على وجوب الزكاة في المال الذي يدار في التجارة ، إذ لا يتبادر منه إلّا إرادة زكاة ذلك المال المحفوظ ماليّته في تقلّباته. وهو لا يخلو من قوّة ، وإن كان الأوّل ـ أي الاكتفاء ببلوغ النّصاب من أحدهما مطلقا وإن كان رأس ماله نقدا مخالفا له فضلا عمّا لو كان عروضا ـ أحوط ، خصوصا [إذا كان] (١) النقد البالغ نصابه هو النقد الغالب الذي قد يقال بتعيّن الرجوع إليه مطلقا في ما إذا كان رأس المال عروضا ، وهو لا يخلو من وجه ، والله العالم.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من التقويم بالنقد الأدنى أو النقد الغالب أو النقد الذي اشترى به إذا كان رأس ماله نقدا ، إنما هو بالنظر إلى معرفة مقدار ماليّته لتشخيص بلوغه حد النصاب ، وتمييز مقدار ما يجب الإخراج منه.

وأمّا معرفة بقاء رأس ماله ، فالمتعيّن تقويمه بالنقد الذي اشترى به إن كان نقدا ، سواء كان من النقد الغالب أم لا ، وإلّا امتنع معرفة بقاء رأس ماله.

وإن كان عروضا ، فقد يقال : بأنّ المدار على تقويمه بعين ذلك العرض بأن يكون مقدار ماليّة هذا المتاع بالفعل مساويا لمقدار مالية ذلك العرض ، أو يزيد عليه بنظر العرف وإن لم يعرف مقدار ماليّتها بالمقايسة إلى الدراهم والدنانير تفصيلا ، فلو كان قيمة ذلك العرض وقت المعارضة مائة دينار مثلا ، فزادت قيمته ، فصارت ألفا ، فرأس ماله هو ذلك

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٤٥٠

العرض الذي قيمته السوقيّة بالفعل ألف دينار ، كما لو كان ثمنه عين الدينار ، فزادت قيمة الدينار ، فصارت قيمة كلّ دينار ضعف ما كانت قيمته حال الشراء.

ويحتمل قويّا أن يكون المدار على قيمته حال الشراء لا بالفعل ، نظرا إلى أنّه إذا اشترى متاعا للتجارة تكون قيمته مائة درهم بعرض يسوي في ذلك الوقت مائة درهم ، ثمّ ترقّت قيمة ذلك المتاع ، فصارت خمسمائة ، شهد العرف بكون تجارته رابحة وحصول النماء في ماله بالتكسّب من غير التفات إلى قيمة ذلك العرض ، وإن تضاعفت وصارت بحيث لولا هذه المعاملة ، وكان العرض بنفسه باقيا في ملكه ، لكان ربحه أكثر ، إذ لا عبرة بذلك في مسألة الربح والخسران في باب التجارات ، بل المدار في ذلك بقيمة ذلك العرض في وقت المعاملة ، فيلاحظ (١) ذلك الشي‌ء بحكم ما لو باعه بالنقد ، ثمّ اشترى بقيمته هذا المتاع ، كما لا يخفى على من راجع العرف في معاملاتهم.

بل قد يقال : بمثل ذلك في ما لو اشتراه بنقد ، ثمّ زادت قيمة ذلك النقد كما في المثال المتقدم.

فالإنصاف أنّ المسألة مطلقا موقع تردّد ، وسبيل الاحتياط غير خفيّ ، والذي يهون الخطب كون الحكم من أصله استحبابيّا قابلا للمسامحة فيه وفي دليله ، والله العالم.

المسألة (الثانية : إذا ملك أحد النصب الزكويّة للتجارة مثل أربعين شاة ، أو ثلاثين بقرة) أو عشرين دينارا ، أو نحو ذلك (سقطت زكاة التجارة) المستحبّة (ووجبت زكاة المال) الواجبة

__________________

(١) ورد في حاشية الطبع الحجري بدل فيلاحظ : فمعاوضة. ظاهرا.

٤٥١

(ولا تجتمع الزكاتان).

في الجواهر : بلا خلاف ، كما في الخلاف ، بل في الدروس ، ومحكي التذكرة والمعتبر والمنتهى الإجماع عليه (١).

والأصل فيه النبوي المشهور : «لاثنى في الصدقة» (٢).

في القاموس : لاثنى في الصدقة كـ (إلى) أي : لا تؤخذ مرّتين في عام (٣).

وقول الصادق ـ عليه‌السلام ـ في حسنة زرارة : «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد» (٤).

(ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة) إذ لا دليل حينئذ على تعيين هذه للسقوط ، بل قد يستشكل فيه على القول بالاستحباب أيضا إن لم يكن إجماعيّا ، كما ستعرف.

(وقيل : تجتمع الزكاتان ، هذه وجوبا ، وهذه استحبابا).

في المدارك : هذا القول مجهول القائل.

وقد نقل المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر الإجماع على خلافه ، فقال :ولا تجتمع زكاة العين والتجارة في مال واحد اتّفاقا. ونحوه قال العلّامة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة والمنتهى (٥).

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٢٧٩ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٠٤ ، المسألة ١٢ ، والدروس ١ : ٢٣٩ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٢٢٣ ، المسألة ١٥٤ ، والمعتبر ٢ : ٥٤٩ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٠٩.

(٢) النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٣٠٩.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٥) مدارك : الأحكام ٥ : ١٧٧ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٥٤٩ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٢٢٣ ، المسألة ١٥٤ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٠٩.

٤٥٢

أقول : فهذا القول مع شذوذه وعدم معروفيّة القائل به ، محجوج بالخبرين المعتضدين بعمل الأصحاب ، وإجماعاتهم المنقولة المستفيضة ، ولولا كونه كذلك ، لكان أشبه بالقواعد ، فإنّ مقتضى عمومات زكاة التجارة من مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ مال عملت به إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة» (١) سببيّة حؤول الحول على هذا المال من حيث كونه مالا معمولا لثبوت الزكاة فيه ، أي التصدّق بربع عشره من حيث الماليّة.

وقضية إطلاق ما دل على سببيّة حؤول الحول على الأجناس الزكويّة لوجوب فريضتها وجوب إخراج شاة من الأربعين شاة التي حال عليها الحول مطلقا للتجارة أو غيرها ، ولا معارضة بين دليليهما ، إذ لا تنافي بين الأمرين لولا دليل تعبّدي على أنّه لا يزكى مال من وجهين في عام.

وقد ظهر بما أشرنا إليه ـ من اختلاف ماهيّة الزكاتين ذاتا ، وأنّها في الأولى هي ربع عشر المال من حيث ماليّته ، وفي الثانية فريضتها المسمّاة باسمها ـ أنّه لا دخل لهذه المسألة بمسألة تداخل الأسباب التي اختلف الآراء فيها في أنّ الأصل فيها التداخل أو عدمه.

نعم قد يتّفق في مثل المقام تصادق عنوان كلّ من المسبّبين اللّذين تعلّق التكليف بهما عند حصول سببيهما على فرد خارجي جامع للعنوانين ، كما لو وجد في الأربعين شاة التي ملكها بقصد التجارة شاة تكون قيمتها ربع عشر قيمة المجموع.

فقد يقال في مثل الفرض : بجواز الاجتزاء بذلك الفرد في الخروج عن عهدة كلا التكليفين.

وهو كلام خارج عن محل البحث ، وقد تقدّم تحقيقه في مبحث

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٨.

٤٥٣

تداخل الأغسال من كتاب الطهارة (١) ، ولا دخل له بالمقام ، إذ الكلام هاهنا في أصل الاجتماع لا في جواز الاكتفاء بزكاة واحدة جامعة للعنوانين في الخروج عن عهدة التكليف بهما بعد تسليم أصل الاجتماع.

فمقتضى الأصل في ما نحن فيه ـ أي إطلاق دليل كلّ من الزكاتين أو عمومه ـ اجتماعهما في المقام ، ولكن الخبرين الدالّين على أنّه لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد حاكمان على هذا الأصل.

ولكن يبقى الإشكال في ما جزم به المصنّف وغيره ، بل يظهر من تصريحاتهم وتلويحاتهم المفروغيّة عنه من تعيّن زكاة التجارة للسقوط ، بناء على استحبابها ، كما هو المعروف عندهم ، وعلّلوه بأن الواجب مقدم على الندب.

وأورد عليه في الجواهر : بأنّ ذلك عند التزاحم في الأداء بعد معلوميّة وجوب الواجب وندبيّة المندوب ، لا في مثل المقام الذي اقتضى دليل كلّ من التكليفين ثبوته من غير أن يعارضه دليل الآخر ، عدا أنّه علم من دليل خارجي أنّ أحد هذين التكليفين ، المعيّن في الواقع ، المبهم عندنا ، مرفوع عن المكلّف ، فلا بدّ من دليل معتبر يعيّنه ، ولا يكفي الظنّ الناشئ من اعتبارات ونحوها.

ثمّ قال ما لفظه : فالمتّجه ـ إن لم يثبت إجماع ـ التوقّف حينئذ في الحكم بسقوط أحدهما على التعيين ، كما أنّ المتّجه الرجوع في العمل إلى أصل البراءة ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه (٢). انتهى.

أقول : أمّا المناقشة في ما ذكروه دليلا لسقوط زكاة التجارة بما ذكر ،

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٢٨ (الطبع الحجري).

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ٢٨٠.

٤٥٤

ففي محلّها.

ولكن الدليل الخارجي الدالّ على أنّه لاثنى في الصدقة لم يدلّ إلّا على نفي مشروعيّة تكرير الصدقة وأن يزكّى المال في عام واحد من هذه الجهة وهذه الجهة ، بأن يزكّى مرّتين ، ولا ملازمة بين هذا المعنى وبين سقوط إحدى الزكاتين ، وعدم مشروعيّتها من أصلها عينا أو تخييرا ، لإمكان أن يكون ذلك من باب تداخل المسبّبات ، بأن يكون المقصود بالأصالة من شرع كلّ من الزكاتين إيصال شي‌ء من هذا المال المفروض كونه أربعين سائمة إلى الفقير بأيّ وجه من الوجهين اللّذين تعلّق الطلب بهما.

فإذا دفع ربع عشرة إلى الفقير بقصد زكاة التجارة ، فقد حصل الغرض من الأمر المتعلّق بزكاة العين ، وإن لم يكن عين ما تعلق به طلبها بل مثلها من حيث الماليّة أو مع اختلاف بينهما في القيمة غير مقتض لبقاء الطلب بعد حصول معظم ما تعلّق به الغرض منه ، أو دفع شاة من الأربعين شاة بقصد زكاة العين ، فقد أجزأ عن زكاة التجارة بحصول الغرض ، أو مع اختلاف يسير غير مناف للإجزاء.

فيكون على هذا التقدير حال تزكية المال حال تطهير الثوب والبدن عن القذرات الشرعيّة التي تجب إزالة بعضها وتندب إزالة بعض ، كبول الحمار وبول الإنسان ، في كون الغسل المزيل لأحدهما مزيلا للآخر ، وعدم مشروعيّة تكريره ، أو كحال الأغسال المتداخلة المجتمعة من الواجبة والمندوبة التي قد عرفت في محلها أنه يجزئه غسل واحد بنيّة الجميع ، من غير أن يستلزم ذلك ارتكاب تخصيص أو تقييد في شي‌ء من أدلتهما.

وليس معنى قوله ـ عليه‌السلام ـ : «لا يزكّى المال من وجهين في عام» أنّه لا يجوز أن يقصد بزكاته كونها زكاة تجارة وزكاة عين مثلا ، كي يلزمه

٤٥٥

عدم كون كلّ من العنوانين المتصادقين على المورد متعلّقا للطلب ، بل معناه : أنّه إذا زكّي مال من جهة ، ككونه مال تجارة أو كونه مملوكا لهذا الشخص ، لا يزكّى هذا المال مرّة أخرى من جهة أخرى ، ككونه أربعين سائمة أو كونه في ذمّة شخص آخر ، كما لا يخفى على من تدبّر فيه وفي مورده.

والحاصل : أنّه لا يستفاد من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «لا يزكّى المال من وجهين في عام» ولا من قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «لا ثنى في الصدقة» ورود تخصيص أو تقييد على عموم قوله ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ مال عملت به إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة» وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «في كلّ أربعين شاة شاة» بالنسبة إلى مثل الفرض الذي تصادق عليه العنوانان ، إذ لا مانع عن إرادة العموم من كلّ منهما ، وكون تصادق العنوانين على المورد موجبا لتأكّد مطلوبيّة الزكاة فيه ، كتأكّد مطلوبيّة غسل الثوب الذي أصابه بول إنسان وبول حمار مقدّمة لإزالتهما الواجبة في أحدهما والمندوبة في الآخر ، فما ذكره ـ قدس‌سره ـ في ذيل كلامه من أن المتّجه الرجوع في العمل إلى أصل البراءة ، لا يخلو من نظر ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من أنّ مقتضى عموم أدلّة كلّ من الزكاتين ، بعد دلالة الدليل الخارجي على عدم قابليّة ماهيّة الزكاة التي هي عبارة عن تطهير المال كتطهير الثوب والبدن للتكرّر : تأكّد مطلوبيّة هذه الماهيّة في مورد اجتماع السببين ، إنّما هو في ما إذا اتحد حول الزكاتين.

وأمّا مع اختلافهما ، كما لو لم نعتبر في حول التجارة بقاء عين السلعة ، وكان مبدأه أوّل هذا الشهر ثم اشترى برأس ماله بعد مضيّ ستّة أشهر ـ مثلا ـ أربعين سائمة للتجارة ، فعند انقضاء حول التجارة يتنجّز في حقّه التكليف بزكاتها المستحبّة قبل أن يتحقّق سبب الوجوب ، كما أنّه

٤٥٦

لو كان الأمر بالعكس ، بأن كان مبدأ حول المالية أول هذا الشهر ، كما لو ملك ألف شاة سائمة للقنية ـ مثلا ـ ثمّ نوى بعد ستّة أشهر التجارة ، وقلنا بكفاية القصد في صيرورتها مال التجارة أو عاوضها بمثلها بهذا القصد ، وقلنا بكفاية بقاء الجنس ، وعدم كون المعاوضة بالمثل موجبة لانقطاع حولها ، ينعكس ، فيتحقّق سبب الوجوب قبل أن يوجد سبب الاستحباب.

فإذا أخرج زكاتها التي تنجّز التكليف بها بالسبب السابق ثمّ بقي هذا المال إلى أن حال حول الثانية ، فهل يثبت بذلك زكاة اخرى حيث لم يتّحد عامهما وإن اشتركا في بعضه؟ وجهان ، بل قولان على ما صرّح به في الجواهر (١).

أقربهما العدم ، فإنّ اختلاف حولهما بداية ونهاية لا يجعل العام الذي هو اسم لاثني عشر شهرا عامين ، فإذا زكّى هذا المال في هذا الشهر من جهة التجارة ثم زكّاه بعد ستّة أشهر ـ مثلا ـ من جهة العينيّة ، فقد صدق أنه زكّى هذا المال من وجهين في ستّة أشهر ، فضلا عن صدق كونه في عام واحد ، فقضيّة قوله ـ عليه‌السلام : «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد» (٢) : أنّه مهما زكّي مال من وجه لم يتعلّق [به] (٣) زكاة أخرى حتّى يحول عليه حول آخر غير الحول الذي أوجب عليه هذه الزكاة.

ولكن ليس مجرّد دخول [حول] (٤) السبب الأوّل الموجب لتنجّز التكليف بمسبّبه قاطعا لحول الآخر ، بل هو مراعى بالخروج عن عهدته ،

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٢٨١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ١.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٤٥٧

فلو لم يزكّ المال بالسبب الأول إلى أن يتحقّق السبب اللاحق ، لم ينقطع حوله ، ولكن لا يترتّب على حوله بعد تحقّقه إلّا تأكد المطلوبيّة كصورة اتّحاد عاميهما ، لا تعدّد المطلوب.

فلو مكث عنده هذه الشياه التي اشتراها في أثناء حول التجارة عشر سنين لطلب الفضل على رأس المال ، وكان مبدأ حول التجارة أوّل شهر محرّم ، ومبدأ شراء الشياه أوّل صفر يتنجّز الأمر بزكاة التجارة في حقّه ندبا عند حؤول حولها في كلّ سنة ، وبزكاة الماليّة وجوبا كذلك ، فمجموع الأوامر المتوجّهة إليه في مجموع هذه المدة عشرون ، عشرة منها وجوبيّة ، وعشرة ندبيّة ، ولكن الفعل المطلوب منه بمجموع هذه الأوامر عشرة أفراد من الزكاة ، لكلّ سنة فرد إمّا من أفراد زكاة التجارة أو زكاة العين ، والتخيير بينهما عقليّ ينشأ من العلم بأنّ المال الواحد لا يزكّى في عام مرّتين من وجهين ، وأنّه إذا زكّي من وجه سقط الآخر ، فيكون سقوط الآخر الغير الموافق له من باب دفع البدل لا إخراج الفريضة بعينها ، كما لا يخفى على المتأمّل.

المسألة (الثالثة : لو عاوض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة ، سقط وجوب الماليّة والتجارة) أي : انقطع حولهما الذي هو سبب الوجوب.

(واستأنف الحول فيهما) فإن مضى وشرائط كلّ منهما مجتمعة ، اندرج في موضوع المسألة السابقة التي استقصينا الكلام فيها.

وإن اختلّ الشرائط في إحداهما ، كما لو صارت السائمة معلوفة ، أو نوى بمال التجارة القنية ، أثّرت الأخرى أثرها.

ويظهر من تعبير المصنّف ـ رحمه‌الله ـ بلفظ السقوط واستئناف الحول فيهما أنّ مراده بالأربعين الأولى أيضا مال التجارة ، فيفهم من ذلك أنّ

٤٥٨

المصنّف ـ رحمه‌الله ـ يعتبر في زكاة التجارة أيضا كالماليّة بقاء عين السلعة في الحول.

ولكن ادعى العلّامة في التذكرة وولده في الإيضاح والشهيدان وغيرهم ـ على ما حكي عنهم (١) ـ الإجماع على خلافه ، وأنّه لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول ، بل قيمتها وبلوغ قيمتها النصاب.

ولذا تكلّف الشهيد الثاني في توجيه العبارة بما لا ينافي الإجماع ، فحمل الأربعين الأولى على أنّها للقنية ، وحمل سقوط التجارة على الارتفاع الأصلي.

قال : وغايته أن يكون مجازا وهو أولى من اختلال المعنى مع الحقيقة (٢). انتهى ، وهو جيّد.

وعن المحقّق الثاني أنّه وجّه في حاشية الكتاب سقوط زكاة التجارة هنا بما لا يخالف الإجماع أيضا ، فقال : إنّ ما مضى ينقطع بالنسبة إلى الماليّة والتجارة معا (٣).

أمّا الماليّة : فلتبدّل العين في أثناء الحول.

وأمّا التجارة : فلأنّ حول الماليّة يبتدأ من حين دخول الثانية في ملكه ، فيمتنع اعتبار بعضه في حول التجارة ، لأنّ الحول الواحد كما لا يمكن اعتباره للزكاتين فكذا بعضه.

وفيه ما لا يخفى ، إذ بعد الغضّ عمّا حقّقناه آنفا من عدم المانع عن

__________________

(١) الحاكي عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٣ كتاب الزكاة ص ١٢٠ ، ولا يخفى أنّ الشهيدين وغيرهما ما عدا العلّامة وولده نقلوا الإجماع ساكتين عليه ، كما في مفتاح الكرامة. وراجع :تذكرة الفقهاء ٥ : ٢٢٣ ، وإيضاح الفوائد ١ : ١٨٧ ، والبيان : ١٩٠ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٠٤.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

(٣) حكاه عنه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٧٩.

٤٥٩

مشاركتهما في بعض الحول بل ولا في تمامه ، أنّه قد يختلّ شرط الثانية قبل تمام حولها ، فإن كان مجرّد كون المال الذي انتقل إليه زكويا مانعا عن اعتبار حول التجارة فيه ، لم تكن الأربعين الأولى المفروض كونها للتجارة أيضا كالثانية متعلّقة لزكاة التجارة حتّى يصحّ بالنسبة إليها إطلاق اسم السقوط والاستئناف ، بل كانت زكاة التجارة ساقطة من حين صيرورة متعلّقها زكويّا إلى أن ينتقل بمال غير زكوي ، فيستأنف لها حولا من هذا الحين.

وإن لم يكن مانعا إلّا على تقدير جامعيّة الأربعين [لتعلّق] (١) زكاة العين بها ، فيكون عدم تعلّق زكاة التجارة بها مراعى بعدم اختلال شي‌ء من شرائط العين ، فالأربعين الاولى حيث تبدّلت كشف ذلك عن اعتبار حول تجارتها بحيث لو كان بدلها جنسا غير زكوي ، لتنجّز في حقّه التكليف بزكاة التجارة بعد تمام حولها ، ولكن لمّا كانت الثانية أيضا زكوية ، لا يتعلّق بها زكاة التجارة لو بقيت جامعة للشّرائط إلى أن يحول عليها الحول.

وأمّا لو اختلّ شرطها فليست مانعة عن زكاة التجارة كالأولى ، فلا معنى لاستئناف حول للتجارة من حين دخول الثانية في ملكه ، لأنّه إن كان لحول التجارة أثر في المال الزكوي ولو مع التبدل ، فمبدأه من حين الأخذ في التجارة لا من حين المعاوضة ، وإلّا فلا معنى لاستئناف حول لها.

وكيف كان ، فظاهر عبارة المتن بملاحظة ما وقع فيه من التعبير بالسقوط والاستئناف أنّ حول التجارة أيضا ينقطع بالتبدّل ، فالبحث

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٤٦٠