مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

أوسق فما زاد.

ودعوى انسباق إرادة المجتمع في الملكية إلى الذهن من إطلاق مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ما أثبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر» (١) ممنوعة.

نعم لا يبعد أن يقال : إنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : «ففيه العشر» ، إرادة الكسر المشاع الساري في مجموع النصاب المتوقّف على وجوده حال تعلّق التكليف.

ويمكن دفعه : بأنّ المنساق من هذه العبارة إرادة الحكم الوضعي ، وبيان سببيّة بلوغ ما أنبتته الأرض من هذه الأجناس إلى هذا الحدّ لتعلّق حقّ الفقير بعشرة ، نظير ما لو نذر أن يتصدّق بعشر ما يحصل له من ثمرة الأشجار المملوكة له في هذه السنة على تقدير بلوغها بعد إخراج مئونتها إلى هذا الحدّ ، فإنّ مفادها عرفا ليس إلّا بلوغ مجموع ثمرتها من أوّل حصولها إلى آخره إلى هذا الحدّ لا بوصف الاجتماع ، وقضيّة ذلك : التربّص في الحكم بوجوب العشر من حين الأخذ في الإدراك إلى أن يكمل النصاب ، فإذا كمل النصاب وجب ، التصدّق بعشرة مع بقاء عينه ، وعلى تقدير الإتلاف فمثله أو قيمته ، كما في مسألة النذر.

وما ذكرناه فيما سبق من اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرّف في مجموع النصاب فليس منافيا لذلك ، إذ قد عرفت في محله أنّ المقصود بذلك الاحتراز عن الملك الغير التامّ الّذي ليس للمالك الاستقلال بالتصرّف فيه من مثل المغصوب والغائب الذي لا يد له عليه ، لا مثل

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣ / ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٥.

٤٠١

المقام الذي جرى عليه يده وتصرّف فيه تصرّفا اختياريّا.

نعم لو خرج عن ملكه قهرا على التدريج بأن غصب شيئا فشيئا ، أو تلف بآفة سماويّة كذلك ، اتّجه القول بنفي الزكاة ، لنقص ملكيّته حال تعلّق الوجوب.

وأما الأوّل وإن خرج بعض النصاب عن ملكه قبل تعلّق الوجوب ، ولكن حيث كان خروجه باختياره فهو بحكم الباقي عنده في كونه مشمولا لعمومات أدلّة الزكاة وعدم خروجه عنها بما دلّ على اعتبار التمكّن من التصرّف ، فليتأمّل.

وكيف كان ، فالقول بعدم اعتبار اجتماع مجموع النصاب في ملكه بالفعل حال تعلّق الوجوب بحيث ينافيه البيع أو الأكل شيئا فشيئا مع أنّه أحوط ، أوفق بظواهر النصوص والفتاوى ، وعلى تقدير الالتزام باعتباره ، فالمتّجه عدم الفرق بالنسبة إلى ما أدرك أخيرا بعد إخراج السابق عن ملكه في نفي تعلّق الزكاة به بين كون ما أدرك سابقا وأتلفه نصابا ، أو أقلّ من النصاب ، لأنّ الزكاة وضعت على ما بلغ خمسة أوسق فما زاد.

فهذا الأخير إن لوحظ بنفسه ، فهو أقلّ من الثلاثمائة صاع التي هي النصاب ، فلا شي‌ء فيه ، إذ ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء.

وإن لوحظ منضمّا إلى ما أدرك سابقا ، اندرج في موضوع الحكم المزبور في كلا الفرضين ، ولا مدخليّة لكون الأول بالغا حد النصاب لصحّة هذه الملاحظة ، كما لا يخفى على المتأمّل ، وكون الأوّل بنفسه نصابا موجب لتنجّز التكليف بإخراج عشرة لا عشر ما لم يوجد بعد ، فعشر ما لم يوجد إنّما يتنجّز التكليف بإخراجه بعد تحقّق موضوعه وجامعيّته لشرائط الوجوب التي منها صدق كونه جزءا مما أنبتت الأرض في هذه السنة

٤٠٢

البالغ خمسة أوسق ، فلاحظ.

المسألة (الثالثة : إذا كان له نخل يطلع مرّة ، وآخر يطلع مرّتين ، قيل : لا يضمّ الثاني إلى الأوّل ، لأنه في حكم ثمرة سنتين) وقد حكي هذا القول عن المبسوط والوسيلة (١).

(وقيل : يضمّ) وقد نسب هذا القول إلى الأكثر (٢) ، أو الأشهر (٣) ، بل عن المصابيح إلى المشهور (٤) ، لإطلاق الأدلّة ، وكونه باعتبار اتحاد العام كالبساتين المختلف إدراك ثمرتها وطلوعها.

وفي الجواهر ، بعد أن ذكر دليل المشهور ، وأجاب عن دليل الخصم بالمنع ، قال : ولكن الإنصاف عدم خلوّ المسألة عن إشكال ، ضرورة عدم تعليق الحكم في شي‌ء من النصوص على اتحاد المال بمجرّد كونه في عام واحد ، وأهل العرف لا يشكّون في صدق التعدّد عليهما ، خصوصا إذا حصل فصل بين الثمرتين بزمان معتدّ به ، وما حال ذلك إلّا كحال الثمرة التي أخرجت معجزة في تلك السنة ، ولعلّه لذا اقتصر في محكي البيان ، والدروس ، والمفاتيح ، على نقل القولين من دون ترجيح (٥). انتهى.

أقول : لا مدخليّة لصدق وحدة المال أو تعدّده عرفا في هذا الباب ، وإلّا فصدق التعدّد على ثمرة نخلين أحدهما : بالعراق والآخر : بالحجاز ،

__________________

(١) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ١٠٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢١٥ ، والوسيلة : ١٢٧.

(٢) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ١٥٢.

(٣) الناسب هو الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٩٦.

(٤) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ١٠٥.

(٥) جواهر الكلام ١٥ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، وانظر : البيان : ١٨١ ، والدروس : ٦٠ ، وفي الجواهر ومفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ١٠٥ : المصابيح ، بدل المفاتيح. وما فيهما هو الصواب ، لأنّ صاحب المفاتيح استظهر القول الأول. انظر : مفاتيح الشرائع ١ : ١٩٦.

٤٠٣

خصوصا مع اختلاف صنفيهما ، أوضح من صدقه على ثمرة نخلة واحدة حاصلة في زمانين ما لم يجمع بين الثمرتين في مكان واحد ، وإذا جمع بينهما ، واختلط بعضها ببعض ، صدق على المجموع مال واحد ، سواء حصل من نخلة واحدة أو من نخيل متفرّقة في أزمنة متباعدة ، وهذا ممّا لا مدخليّة له في تعلّق الزكاة ، إذ المدار في هذا الباب على صدق بلوغ ما أنبتت الأرض من التمر والزبيب والحنطة والشعير خمسة أوسق ، وهو حاصل في محلّ الكلام.

بل قد يقال بأنّه لولا قيام دليل خارجي على إرادة الثمرة في كلّ سنة ، لكان مقتضى إطلاق النصّ سببيّة بلوغ ما أنبتته الأرض لوجوب الزكاة ولو في سنتين أو أزيد ، وإنّما قيّدناه بكونه في عام واحد لذلك.

(و) كيف كان ، فما ذهب إليه المشهور (هو الأشبه).

المسألة (الرابعة : لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر ولا العنب عن الزبيب) أي : إذا كان النصاب تمرا أو زبيبا ، لا يجوز أخذ ذلك أصالة وإن بلغ قدر الواجب عند الجفاف ، لأنّ حقّ الفقير بمقتضى ظواهر أدلّته متعلّق أوّلا وبالذات بعشر العين الموجودة عنده ، البالغة حدّ النصاب ، والرطب والعنب ليس شي‌ء منهما عين ما تعلّق به حقّه ، ولا مثله ، فلا يكون مجزئا.

نعم إن أخذه بالقيمة السوقيّة ، جاز إن سوّغنا إخراج القيمة من غير النقدين ، كما اعترف به في المدارك (١) ، وغيره (٢).

فما عن المنتهى من إجزائه عنه فريضة إذا كان بحيث لو جفّ لكان

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٥٢.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ٢٤٤.

٤٠٤

بقدر الواجب من التمر لتسميته تمرا لغة (١) ، محلّ نظر ، إذ على تقدير تسليم الصدق يتوجّه عليه أنّه لا دليل على الاجتزاء بمطلق ما يسمّى تمرا إذا لم يكن من جنس ما تعلّق الحقّ به بحيث يعدّ في العرف مثله ، كي يستفاد جواز الاجتزاء به من أدلّته.

ولو أخرج الرطب والعنب عن مثله ، جاز بلا إشكال ، كما نصّ عليه غير واحد (٢) ، لأنّه هو الذي يقتضيه تعلّق حقّ الفقير بالعين.

ويدلّ عليه أيضا قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة سعد بن سعد في العنب : «إذا خرصه أخرج زكاته» (٣).

(و) قد ظهر عمّا ذكرنا أنّه (لو أخذه الساعي) أي : أخذ الرطب والعنب عن التمر والزبيب لا من باب القيمة (وجفّ ثمّ نقص ، رجع بالنقصان) لما عرفت من أنّ الحقّ أوّلا وبالذات متعلّق بعشر العين الموجودة عنده ، البالغة حدّ النصاب ، أو نصف عشره ، وقضيّة ذلك عدم تحقّق الخروج عن العهدة ، إلّا بإخراجه من عين النصاب.

ولكن ثبت بالنصّ والإجماع عدم ابتناء أمر الزكاة على التضييق ، بل التوسعة والإرفاق بالمالك بالرخصة في دفع المثل أو القيمة ، فلا تتحقّق البراءة إلّا بإخراج عشر العين البالغة حدّ النصاب أو مثله من جنسه أو قيمته ، فلا يجوز الاجتزاء بأقلّ من العشر أو نصف العشر إذا كان من جنسه ، إلّا من باب القيمة إن جوّزناه مطلقا ولو من جنسه.

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١٥ : ٢٤٤ ، وحكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٥٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٥٠٢.

(٢) كالعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٥ : ١٦٢ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٥ : ١٥٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

٤٠٥

ومن هنا يعلم أنّه لو زاد بعد الجفاف عن مقدار الفريضة ، جاز للمالك المطالبة بزيادته ، إذ لا يجب عليه دفع أزيد ممّا وجب عليه ، كما هو واضح.

وقد ظهر أيضا أنّه لو أراد إخراج الزكاة من غير النصاب ، ليس له الاجتزاء بما هو أدون من حقّه ، بأن أخرج مقدار العشر من تمر آخر أردأ.

نعم لو كان النصاب بنفسه رديئا ، جاز إخراج العشر منه ، أو من تمر آخر مثله في الرداءة.

ولو كان مجتمعا من أجناس مختلفة ، لم يجب إخراج زكاة المجموع من أجودها.

وهل يجوز الإخراج من الأردإ ، أم يجب الإخراج من كلّ جنس بحسبه ، أو من الوسط؟ وجوه ، أوجهها : الثاني إن قلنا بالشركة الحقيقيّة ، كما اختاره في التذكرة ، ونسبه إلى عامّة أهل العلم ، فقال ما لفظه : ولو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصّته ، لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد ، وعن الفقراء بأخذ الردي‌ء ، وهو قول عامّة أهل العلم.

وقال مالك والشافعي : إذا تعدّدت الأنواع أخذ من الوسط ، والأولى أخذ عشر كل واحد ، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء (١). انتهى.

أقول : هذا إذا قلنا بالشركة الحقيقيّة على سبيل الإشاعة ، كما لعلّه المنسبق إلى الذهن من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فيما سقته السماء العشر».

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٦١ ، المسألة ٩٥ ، وانظر : المغني لابن قدامة ٢ : ٥٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٧٤ ، وحلية العلماء ٣ : ٨١ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٧٤ ، والمنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٥٨.

٤٠٦

وأمّا بناء على ما قوّيناه من منع الشركة الحقيقيّة ، وأنّ المراد بالخبر المزبور بيان مقدار الحقّ الذي جعله الله تعالى للفقير في هذا المال ، بأن أمر مالكه بأن يتصدّق به عليه ، فالمنساق منه إرادة مطلق عشرة المقتضي لحصول الإجزاء بأيّ عشر يكون ، لأنّ إرادة الكسر المشاع من لفظ العشر الواقع في حيز الأمر بالتصدّق به ، بعيد.

فالمتّجه على هذا جواز إخراج الجميع من الأردأ ، فضلا عن الوسط ، اللهمّ إلّا أن يدّعى انصراف إطلاقات الأدلّة عنه ، كما ليس بالبعيد.

وربّما يستدلّ للمنع عنه بقوله تعالى «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (١) والأخبار الواردة من طرق الخاصّة والعامّة الناهية عن إخراج بعض الأنواع الذي هو من ردي‌ء التمر كالمعافارة وأم جعرور (٢).

وفيه : أنّ هذا أخصّ من المدّعى ، إذ قد يكون الجميع من الجيّد ، ولكنّها مختلفة في الجودة ، فبعض أصنافه أجود من بعض ، فلا يطلق على شي‌ء منها الخبيث ، كي تتناوله الآية والروايات المشار إليها ، مع أنّه داخل في محلّ الكلام.

وكيف كان ، فعدم الاجتزاء بالأردإ مطلقا إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط ، والله العالم.

المسألة (الخامسة إذا مات المالك وعليه دين ، فظهرت الثمرة) بعد موته (وبلغت) الحدّ الذي يجب فيه الزكاة قبل قضاء الدّين (لم يجب على الوارث زكاتها) بناء على أنّ التركة قبل الوفاء بحكم مال

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٢) انظر على سبيل المثال : سنن النسائي ٥ : ٤٣ ، والكافي ٤ : ٤٨ / ٩ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب زكاة الغلّات ، الأحاديث.

٤٠٧

الميّت في وجوب صرفها إلى ما يعود نفعه إليه من وفاء دينه ، وعدم استحقاق الوارث للتصرّف في شي‌ء منها عينا أو منفعة إلّا بعد الوفاء ، فلا يجب عليه حينئذ زكاتها ، لانتفاء ملكيّته ، فضلا عن عدم تمكّنه من التصرّف فيه.

(ولو قضى الدّين) بعده (وفضل منها النصاب ، لم تجب الزكاة ، لأنّها) حين بدوّ صلاحها الذي هو وقت تعلّق الوجوب كانت (على حكم مال الميت) الذي هو خارج عن متعلّق الخطاب بالزكاة.

ولكنّ الالتزام بأنّ التركة مع الدّين بحكم مال الميّت مطلقا ولو مع عدم استيعاب الدّين ، كما هو مقتضى ظاهر العبارة ، خصوصا بملاحظة الفرع الذي ذكره أخيرا ممّا لم يعرف عن أحد ، كما أشار إليه في مفتاح الكرامة فإنّه بعد أن نقل عن عدة من الكتب موافقة المتن في أنّ ظاهرها أنّه لا زكاة على الوارث ولو فضل النصاب بعد الدّين ، منهم العلّامة في المنتهى حيث قال : لو مات المالك وعليه دين ، فظهرت الثمرة وبلغت ، لم تجب الزكاة على الوارث ، لتعلّق الدّين بها ، ولو قضي الدين وفضل النصاب ، لم تجب الزكاة ، لأنها على حكم مال الميّت ، قال ما لفظه :

قلت : وعلى هذا ، لو مات المالك وعليه درهم واحد ، وخلف نخيلا ، فظهرت ثمرتها ألف وسق ، لم يكن فيها زكاة ، قضي الدين أو لا ، ولو لم يقض الدين أبدا ، لم يكن في نخيله زكاة أبدا ، لأنّها على حكم مال الميّت ، وهذا لا أظنّ أحدا يقول به (١). انتهى.

وحيث لا يظنّ بأحد الالتزام بذلك ، حمل غير واحد من الشرّاح عبارة

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ٣ ، كتاب الزكاة ص ٤٩ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٩٨.

٤٠٨

المتن على إرادة الدين المستوعب ، ونزلوا ما ذكره أخيرا على ما إذا.

حصلت الزيادة بزيادة القيمة السوقيّة.

ففي المدارك قال في شرح العبارة : إنّ قول المصنّف ـ رحمه‌الله ـ : إذا مات المالك وعليه دين ، يقتضي بإطلاقه عدم الفرق بين الدين المستوعب.

للتركة وغيره ، إلّا أنّ الظاهر حمله على المستوعب ، كما ذكره في المعتبر ، لأنّ الدين إذا لم يستوعب التركة ، ينتقل إلى الوارث ما فضل منها عن الدين عند المصنّف ـ رحمه‌الله ـ وغيره أيضا ممّن وصل إلينا كلامه من الأصحاب.

وعلى هذا فتجب زكاته على الوارث مع اجتماع شرائط الوجوب خصوصا إن قلنا : إنّ الوارث إنّما يمنع من التصرّف فيما قابل الدين من.

التركة خاصّة ، كما اختاره الشارح ، وجمع من الأصحاب.

وقوله : ولو قضي الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة ، تنبيه على الفرد الأخفى ، والمراد أنّه لو اتّفق زيادة قيمة أعيان التركة بحيث.

قضي منها الدين وفضل للوارث نصاب ، بعد أن كان الدين محيطا بها وقت بلوغ الحدّ الذي يتعلّق به الزكاة ، لم تجب على الوراث ، لأن التركة كانت وقت تعلّق الوجوب بها على حكم مال الميّت ، وإذا انتفى وجوب الزكاة مع قضاء الدين وبلوغ الفاضل النصاب ، وجب انتفاؤه بدون ذلك بطريق أولى (١). انتهى.

وكيف كان ، فالذي ينبغي أن يقال : هو أنّا إن بنينا على أنّ تركة الميّت ينتقل جميعها بموته إلى وارثه ، وأنّ حقّ الديّان المتعلّق بها من قبيل حقّ الرهانة أو الجناية أو غير ذلك من أنواع الحقوق ، فإن قلنا بأنّ هذا

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٤٣ ، ومسالك الأفهام ١ : ٣٩٧.

٤٠٩

الحقّ متعلّق بنفس التركة لا بنمائها المتجدد في ملك الوارث ، فالنماء على هذا التقدير ملك طلق للوارث يتصرّف فيه كيف يشاء ، سواء كانت التركة بقدر الدين أم أقلّ أم أكثر.

ولكنّ المبنى ضعيف ، إذا الظاهر أنّ الثمرة تابعة لأصلها في وجوب صرفها في دين الميّت على تقدير قصور التركة عن وفائها ، فهي كأصلها متعلّقة لحقّ الديّان ، فلا فرق حينئذ بين كون ما يتعلّق به الزكاة من جنس الثمار المتجدّدة بعد موته ، أو من جنس الأنعام المملوكة له حال موته ، فيشكل تعلّق الزكاة بها بعد كونها متعلّقة لحقّ الغير ، كما في الرهن.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ مثل هذا الحقّ حيث لا يؤثّر نقصا في ملكيّة ما فضل عن الدين ، ولا يكون مانعا عن التمكّن من التصرّف فيه بوفاء الدين من غيره ، لا يصلح مانعا عن تعلّق الزكاة به ، كما سنشير إليه ، فليتأمّل.

وإن بنينا على أنّ التركة لا ينتقل جميعها إلى الوارث إلّا بعد وفاء الدين وأنّها على حكم مال الميّت حتّى يستوفي منها دينه ، فإن أريد من الحكم بكونها على حكم مال الميّت عدم صيرورة شي‌ء منها ملكا للوارث وإن فضلت عن الدين ، فهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، إذ لا معنى للملكيّة إلّا اختصاص المال بشخص ، وعود منافعه إليه ، وعدم تعلّقه بمن عداه ، وهذه العلاقة تحدث بين الوارث وما زاد عن الدين بموت مورّثه بنصّ الكتاب ، والسنّة ، بل الإجماع والضرورة القاضية بانقطاعه عن الميّت وخلوصه لوارثه.

فلو دلّ دليل لفظي بظاهره على أنّ الوارث لا يملكه إلّا بعد وفاء الدين ، وجب حمله على إرادة نفي السلطنة الفعليّة أي إباحة التصرّف ،

٤١٠

لا نفي الاختصاص الذي هو من مقوّمات مفهوم الملكيّة ، وادّعينا الضرورة عليه.

فغاية ما يمكن الالتزام به ـ بعد مساعدة الدليل ـ هو حجره عن التصرّف فيه ، لا عدم اختصاصه به الذي هو معنى الملكيّة.

ومثل هذا الحجر على تقدير تحقّقه ، حيث إنّه قادر على إزالته بوفاء الدين من عين التركة أو من مال آخر ، كما أنّه ليس منافيا لأصل الملكيّة ، كذلك ليس منافيا لطلقيّتها أيضا ، فما يفضل عن الدين بالفعل ملك طلق للوارث ، قادر على التصرّف فيه بجميع أنواع التصرّف بتخليصه من حقّ الديّان ، وصرفه فيما يشاء ، فليس مثل هذا الحجر مانعا عن تعلّق الزكاة به ، ولا عن تنجّز شي‌ء من التكاليف الشرعية أو العرفيّة الثابتة للشخص المليّ ـ من مثل وجوب الحجّ ووفاء الدين والإنفاق على القريب ـ لدى اجتماع سائر شرائطها.

ومن هنا يعلم أنّه لو أريد من الحكم بكونها على حكم مال الميّت :كونها كذلك في وجوب صرف كلّ جزء منها على البدل في وفاء دينه ، أو غير ذلك ممّا لا ينافي المعنى المزبور ، أي : كون ما يفضل عن الدين على إبهامه مخصوصا بالوارث ، أي : مملوكا له حقيقة ، فهو على تقدير صحّته ليس بمانع عن تعلّق الزكاة به.

ولكن لقائل أن يقول : إنّ كون ما يفضل عن الدين ملكا طلقا للوارث على إجماله لا يكفي في إيجاب الزكاة عليه إذا كان نصابا على إطلاقه ولو على القول بجواز تصرّفه فيما يفضل عن الدين ، فضلا عن القول بالمنع عنه ، لأنّا إن بنينا على أنّ الميّت أحقّ بتركته فيما يفي بدينه من ورثته ، من غير فرق بين عين التركة أو نمائها كما هو الأظهر ، فما يقابل الدين على إجماله بحكم مال الميّت لا ينتقل إلى الوارث ، إلّا أن يعطى

٤١١

بدله ، بأن يوفّى الدين من مال آخر ، فإذا كانت التركة أكثر من الدين ، يكون ما زاد عمّا يفي بالدين ملكا للوارث.

ولكن لا يتشخّص ملك الوارث ما لم يتميّز حقّ الميّت ، حيث إن ما يستحقّه الميّت من هذا المال أمر كلّي يصحّ أن يقع كلّ جزء مصداقا له ، فالنصاب الباقي بعد وفاء الدين إنّما تمحّض للوارث بوفاء الدين من غيره ، فلو كان يصرف هذا النصاب في الدين ، لكان يفضل من الدين غيره ، فشي‌ء من أعيان التركة لا يصير بخصوصه ملكا للوارث إلّا بتشخيص ما يستحقّه الميّت في غيره ، فليس النصاب بخصوصه حاصلا في ملكه ، كي يجب عليه زكاته.

نعم لو فرض كون النصاب بعينه ممّا يفضل عن الدين على كلّ تقدير ، كما لو خلّف أموالا كثيرة وعليه دين يسير بحيث لو وفي دينه من أيّ نوع من تركته ولو من خصوص النخل والزرع الذي تتعلّق بثمرته الزكاة ، لزاد عليه ما يبلغ النصاب ، لم يصلح الدين في مثل الفرض مانعا عن وجوبها على الوارث.

ويدفعه : أنّ الإجمال والإبهام إنّما هو فيما يستحقّه الديّان من التركة ، المحكومة ببقائها على ملك الميّت حكما ، لا فيما يملكه الوارث ، فإنّ ما تركه الميّت جميعه ينتقل إلى وارثه عدا ما يقابل دينه على إجماله حتّى ولاية تعيين هذا المجمل ، فحال الوارث بالنسبة إلى التركة حال من جعل لـ «زيد» في أمواله بعهد أو يمين ما يعادل عشرين دينارا من غير اعتبار شي‌ء من العوارض المشخّصة سوى مقدار ماليّته ، أو باع صاعا من صبرة على سبيل الإبهام أو نحوه ، ففي مثل هذه الموارد لا يؤثّر ما يستحقّه الغير من ماله حيث لا تعيّن له نقصا في ملكيّة شي‌ء من أعيان أمواله بالخصوص بحيث يمنعه عن التصرّف فيه ما لم ينحصر حقّه في شخص ،

٤١٢

إلّا أن يدلّ دليل تعبدي على الحجر عن التصرّف قبل التشخيص.

فمقتضى الأصل في مثل هذه الموارد ـ لولا دليل على الحجر عن التصرّف قبل تشخيص ما يستحقّه الغير ـ جواز تصرّفه في كلّ شي‌ء منها بخصوصه إلى أن يعرضه التعيّن بأن ينحصر في فرد ، فلو كان شي‌ء من أعيان أمواله زكويّا لا يمنع مثل هذا الحقّ عن تعلّق الزكاة بها ، كما لا يمنع عن بيعها وسائر أنحاء التصرّفات الموقوفة على الملك ، فكذلك فيما نحن فيه.

ولكنّ هذا فيما إذا كانت التركة أكثر من الدين وفضل النصاب ، وأمّا مع استيعاب الدين فالحقّ عدم تعلّق الزكاة بها ، سواء قلنا ببقائها على حكم مال الميّت ، أو قلنا بانتقالها إلى الوارث ، وكون الحقّ المتعلّق بها من قبيل حقّ الرهانة وشبهه.

أمّا على الأوّل : فواضح.

و [أمّا] (١) على الثاني : فلأنّ الزكاة لم توضع على ملك لم يكن لمالكه التصرّف فيه إلّا بإعطاء قيمته ، إذ قد عرفت في محلّه أنّه يشترط فيما يتعلّق به الزكاة أن يكون ملكا تامّا ، ولا نقص في الملكيّة بأعظم من أن لا يكون لمالكه التصرّف فيه إلّا ببذل قيمته.

وقد تلخّص ممّا ذكر أنّ الأشبه أنّه إذا بدت الثمرة بعد موت المالك ، حالها حال أصلها في وجوب صرفها في الدين مع الاستيعاب ، ولا تجب زكاتها على الوارث ، سواء قلنا بانتقال التركة إليه بالموت ، أو ببقائها على حكم مال الميّت ، ومع عدم الاستيعاب إذا كان الفاضل نصابا ، وجبت زكاته على الوارث مطلقا ، والله العالم.

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٤١٣

(ولو) بدا صلاحها على المشهور أو (صارت ثمرا) لدى المصنّف ـ رحمه‌الله ـ (والمالك حيّ ثمّ مات ، وجبت الزكاة) في ماله (ولو كان دينه يستغرق تركته) لأنّ الزكاة أيضا كسائر ديونه من الحقوق المتعلّقة بأصل التركة ، كما يدلّ عليه : مضافا إلى عمومات أدلّة الزكاة ، خصوص مرسلة عباد بن صهيب ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته ، فلمّا حضرته الوفاة ، حسب جميع ما كان فرّط فيها ممّا لزمه من الزكاة ، ثمّ أوصى أن يخرج ذلك ، فيدفع إلى من تجب له ، قال : «جائز يخرج ذلك من جميع المال ، إنّما هو بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس للورثة شي‌ء ، حتّى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة» (١).

(ولو ضاقت التركة عن الدين ، قيل : يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان) وقد حكي هذا القول عن الشيخ في المبسوط (٢).

(وقيل : تقدّم الزكاة) كما لعلّه هو المشهور (لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدين بها) الذي هو بعد موت المالك ، كما تقدم تحقيقه فيما مرّ ، فلا يصلح تعلّق الدين بها لمزاحمة الحقّ السابق عليه ، سواء قلنا بأنّ تعلّق الزكاة بها على سبيل الشركة الحقيقيّة ، أو من قبيل تعلّق حقّ الرهانة أو الجناية أو غير ذلك من أنواع الحقوق ، فهو مقدّم على حقّ الديّان على كلّ تقدير.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٧ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٧٠ / ٦٩٣ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ١٥٧ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢١٩.

٤١٤

(و) من هنا يعرف أنّ هذا القول (هو الأقوى) وإن لم نقل بالشركة حقيقة.

نعم لو عدم متعلّق الزكاة قبل الموت ، وصارت في ذمّته ، صار حالها حال سائر الديون في وجوب التحاصّ مع الغرماء ، كما لا يخفى.

المسألة (السادسة : إذا ملك نخلا) مثلا (قبل أن يبدو صلاح ثمرته ، فالزكاة عليه) مع بقاء الثمرة على ملكه إلى حين تعلّق الوجوب.

(وكذا إذا اشترى ثمرة على الوجه الذي يصحّ) شراؤها ممّا هو مذكور في محلّه.

(فإن ملك الثمرة بعد ذلك ، فالزكاة على المالك) الأوّل بناء على ما هو المشهور من أنّ وقت تعلّق الزكاة هو حين بدوّ صلاحها.

(و) أمّا على مختار المصنّف ـ رحمه‌الله ـ من أنّ وقته حين التسمية (١) فـ (الأولى) بل المتّجه (الاعتبار بكونه تمرا ، لتعلّق الزكاة بما يسمّى تمرا ، لا بما يسمّى بسرا).

وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك ، واتّضح في ما تقدّم شرح مثل هذه المسائل ، فلاحظ.

المسألة (السابعة : حكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحبّ فيه الزكاة ، حكم الأجناس الأربعة في قدر النصاب ، وكيفيّة ما يخرج منه ، واعتبار السقي) سيحا أو بالدوالي ، وأمر المئونة ، وغير ذلك ممّا عرفته ، بلا خلاف في شي‌ء منها على الظاهر ، بل في الجواهر :الإجماع بقسميه عليه (٢) ، فإنّ هذا هو المنساق من أدلّتها ، كما لا يخفى

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٥٣.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ٢٥٤.

٤١٥

على المتأمّل.

تذنيب قال العلّامة في التذكرة : يجوز الخرص على أرباب الغلّات والثمار بأن يبعث الإمام ساعيا إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحبّ ، ليخرصها ويعرف قدر الزكاة ويعرف المالك ذلك ، وبه قال الحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور ، وأكثر العلماء ، لأنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم.

وقال الشعبي : الخرص بدعة.

وقال أصحاب الرأي : أنّه ظنّ وتخمين لا يلزم به حكم ، وإنّما كان الخرص تخويفا للأكرة (١) لئلّا يخونوا ، فأمّا أن يلزم به حكم فلا (٢). انتهى.

أقول : أمّا جوازه في ثمرة النخل والكرم فلا خلاف فيه على الظاهر بين أصحابنا ، بل عن المصنّف في المعتبر وغيره : دعوى اتّفاق علمائنا وأكثر العامّة على جواز الخرص على أصحاب النخيل والكروم وتضمينهم حصّة الفقراء (٣).

وأمّا في الزرع : فقد اختلفوا فيه ، كما صرّح به غير واحد.

__________________

(١) أكرة : جمع أكّار بمعنى : الزرّاع. الصحاح ٢ : ٥٨٠ ، والنهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٥٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ـ المسألة ٩٦.

(٣) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٣٥ ، والخلاف للطوسي ٢ : ٦٠ ، المسألة ٧٣.

٤١٦

ففي المدارك بعد أن نقل عن المصنّف وغيره دعوى اتفاق الأصحاب عليه في ثمرة النخل والكرم ، قال : واختلف الأصحاب في جواز الخرص في الزرع [و] (١) أثبته الشيخ وجماعة ، لوجود المقتضي ، وهو : الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه وتصفيته ، ونفاه ابن الجنيد والمصنّف في المعتبر ، والعلّامة في المنتهى والتحرير ، لأنّه نوع تخمين وعمل بالظنّ ، فلا يثبت إلّا في موضع الدلالة. ولأنّ الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه وتبدّده ، بخلاف النخل والكرم ، فإنّ ثمرتها ظاهرة ، فيتمكّن الخارص من إدراكها والإحاطة بها ، ولأنّ الحاجة في النخل والكرم ماسّة إلى الخرص ، لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ والاقتطاف ، بخلاف الزرع ، فإنّ الحاجة إلى تناول الفريك (٢) قليلة جدّا (٣) انتهى.

واستدلّ في محكي المعتبر على جوازه في ثمرة النخل والكرم بما روي من أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم.

ولأنّ أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل والتصرّف في ثمارهم ، فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر (٤).

أقول : إنّما يلزم من عدم شرع الخرص ـ أي : عدم تجويز الشارع العمل بالخرص والتخمين في تعيين مقدار حقّ الفقير ـ الضرر والحرج على المالك لو قيل بتعلّق الزكاة بماله من حين بدوّ الصلاح ، وعدم جواز إخراج حقّ

__________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) أفرك الزرع : إذا بلغ أن يفرك باليد. النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٤٠.

(٣) مدارك الأحكام ٥ : ١٥٩ و ١٦٠ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٣٧ ، والخلاف ٢ : ٦٠ ، المسألة ٧٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٠١ ، وتحرير الأحكام : ٦٣.

(٤) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٦٠ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٣٥ و ٥٣٧.

٤١٧

الفقير حتّى يجفّفه ويجعله تمرا أو زبيبا ، وهذا ممّا لا يساعد عليه دليل ، بل الأصول والأدلّة بأسرها قاضية بخلافه ، وأنّه متى وجب عليه الزكاة في ماله ، جاز له إخراجها وإيصالها إلى مستحقّها ، وله الولاية على ذلك ، ولذا نفينا الإشكال من إخراج الرطب والعنب عن مثله ، فلا يلزم حينئذ من عدم جعل الخرص والتخمين حجّة في حقّه حرج أو ضرر عليه ، فإنّ له ما لم يعلم ببلوغ الثمرة حدّ النصاب ، الرجوع إلى البراءة ، والتصرّف في جميعها ، ولدي علمه بالنصاب يجوز له إخراج عشر كلّ ما يحتاج إلى التصرّف فيه للأكل أو غيره من مقاصده بالوزن أو الكيل ، من غير اعتماده في شي‌ء من ذلك على الخرص والتخمين.

فالاستدلال لجواز الخرص بلزوم الضرر والحرج ، لا يخلو من مناقشة ، خصوصا مع عدم مناسبته لمذهبه من أنّ وقت الوجوب وقت التسمية ، كما لا يخفى.

وكيف كان ، فممّا يدلّ على مشروعيّة الخرص مضافا إلى المرسل المتقدم في عبارة «المعتبر» المنجبر ضعفه باشتهاره بين الخاصّة والعامّة ، قول أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة سعد بن سعد الأشعري : «في العنب إذا خرصه أخرج زكاته» (١) وهذه الرواية تدلّ على جوازه ولو من غير الساعي.

وصحيحته الأخرى عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال : «إذا صرم وإذا خرص» (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

٤١٨

وفي خبر رفاعة ، المروي عن تفسير العيّاشي ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في قول الله تعالى (إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (١) فقال : «إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بعث عبد الله بن رواحة ، فقال : لا تخرصوا أمّ جعرور ولا معافارة ، وكان أناس يجيئون بتمر أسود (٢) ، فانزل «ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه» وذكروا أنّ عبد الله خرص عليهم «تمرا أسود» (٣) فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : يا عبد الله لا تخرص أمّ جعرور ولا معافارة» (٤).

وفي خبر إسحاق بن عمّار ، المروي عنه أيضا ، قال : «كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وفيه عذق يسمّى الجعرور ، وعذق [يسمّى] (٥) معافارة ، عظيم نواهما ، رقيق لحاهما (٦) ، في طعمهما مرارة ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ للخارص : لا تخرص عليهم هذين اللونين ، لعلّهم يستحيون لا يأتون بهما ، فأنزل الله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ» إلى قوله : «تُنْفِقُونَ» (٧)» (٨).

وفي خبر أبي بصير ، المروي عن الكافي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٢) في المصدر : سوء.

(٣) في المصدر : تمر سوء.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١٤٩ / ٤٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٤.

(٥) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٦) اللحاء : قشر كلّ شي‌ء. لسان العرب ١٥ : ٢٤٢.

(٧) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٨) تفسير العياشي ١ : ١٥٠ / ٤٩٣ ، الوسائل الباب ١٩ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٥.

٤١٩

في قول الله عزوجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ» (١) إلى آخره ، قال : «كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إذا أمر بالنخل أن يزكّى ، يجي‌ء قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدّونه عن زكاتهم تمرا ، يقال له : الجعرور والمعافارة ، قليل اللّحم ، عظيم النّوى ، وكان بعضهم يجي‌ء بهما عن التمر الجيّد ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : لا تخرصوا هاتين التمرتين ، ولا تجيئوا منهما بشي‌ء ، وفي ذلك نزل «ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ، ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه» (٢) والإغماض فيه : أن يأخذ هذين التمرين» (٣).

ويستفاد من صحيحة سعد بن سعد الثانية (٤) مشروعيّته في جميع الغلّات الأربع ، كما أنّه يستفاد من صحيحته الاولى (٥) جوازه في ثمرة الكروم ، وممّا عداهما من الأخبار في النخل ، فالقول بعدم جوازه في غير ثمرة النخل والكرم ، ضعيف.

اللهمّ إلّا أن يناقش في دلالة الصحيحة الثانية بإبداء بعض الاحتمالات التي تقدم ذكرها عند التعرّض لبيان وقت الوجوب ، مع الإشارة إلى ما فيها من المخالفة للظاهر ، فليتأمّل.

تنبيهات

الأوّل : وقت الخرص حين بدوّ الصلاح ، على ما صرّح به غير واحد ، بل عن المحقّق البهبهاني في شرح المفاتيح : دعوى ظهور الإجماع

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٢) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨ / ٩ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

(٤) تقدمت في صفحة ٤١٨.

(٥) تقدمت في صفحة ٤١٨.

٤٢٠