مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

العلّامة من ذهاب أكثر العامّة ـ الذين لا يعتبرون السكّة ـ إلى (١) نفيها في الحلي المحلّل.

وملخّص الكلام : أنّ الروايات الواردة في الحلي في غاية الظهور وقوّة الدلالة على شمولها لمثل القلادة المعلّق بها الدنانير وشبهها من الحلي التي استعمل فيها أعيان النقدين ، ولا يصلح لمعارضتها شي‌ء من العمومات.

أمّا العمومات الدالّة على ثبوت الزكاة في مطلق الذهب والفضّة ، فهذه الروايات أخصّ مطلقا منها.

وأمّا عموم ما دلّ على ثبوتها في الدينار والدرهم ، فيمكن منع شموله لما هو محلّ الكلام ، فإنّ عمدته صحيحة عليّ بن يقطين وموثّقة جميل المتقدّمتان (٢) ، وهما قابلتان للمناقشة في دلالتهما على العموم الأحوالي ، بحيث تتناولان الدينار والدرهم اللّذين جعلا حليّا ، فإنّ شمولهما إن كان فبالإطلاق.

ويمكن الخدشة في إطلاقهما من هذه الجهة بورودهما مورد حكم آخر ، كما لا يخفى على المتأمل.

وهكذا الكلام في بعض الروايات الواردة في بيان حدّ النصاب التي وقع فيها التعبير بالدينار والدرهم.

ولو سلّم ظهورها في العموم الأحوالي ، فليس تخصيص العمومات الكثيرة الواردة في الحليّ المعتضدة بما عرفت بأهون من تقييد الدنانير والدراهم بما إذا لم تتّخذا حليا ، بل التقييد أهون.

لا يقال : إنّه يفهم من صحيحة علي بن يقطين وموثّقة جميل وغيرهما

__________________

(١) في النسخة الخطية والطبع الحجري : على. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) تقدمتا في صفحة ٢٩٨.

٣٠١

ممّا دلّ على انحصار ما تجب فيه الزكاة بالدنانير والدراهم : أنّ المراد من الذهب والفضّة الوارد فيهما أخبار مطلقة : خصوص الدنانير والدراهم ، فتكون تلك المطلقات بمنزلة روايات مطلقة واردة في خصوص الدينار والدرهم في كون النسبة بينهما وبين ما دل على نفيها عن الحليّ العموم من وجه.

لأنّا نقول : النسبة بين الأخبار المتنافية تلاحظ قبل تخصيص العموم بشي‌ء من الأخبار المخصصة له لا بعده ، فكما يجب تقييد المطلقات بما دلّ على نفي الزكاة عمّا عدا النقدين كذلك يجب تقييدها بما دلّ على نفيها عن الحليّ ، فإطلاق الأخبار النافية عن الحليّ حاكم على إطلاق المطلقات ، والمفروض أنّه ليس للعقد الإثباتي المستفاد من الحصر إطلاق أحواليّ ، وإلّا لتحقّقت المعارضة بينه وبين إطلاق نفي البأس عن الحليّ في مورد اجتماعهما لا غير ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وقد تلخّص ممّا ذكر : أنّ القول بنفي الزكاة عند صيرورتهما حليّا هو الأشبه.

وأمّا ما قيل : من أنّ الخاصّ وإن كان استصحابا يحكم على العامّ وإن كان كتابا ، فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ، فإنّ الأصول العمليّة لا تصلح معارضة للأدلّة اللفظيّة بوجه ، كما تقرّر في محلّه.

(و) كذا من شرط وجوب الزكاة فيهما : (حؤول الحول حتّى يكون النصاب موجودا فيه أجمع ، فلو نقص في أثنائه أو تبدّلت أعيان النصاب بغير جنسه أو بجنسه لم تجب الزكاة) كما عرفت ذلك كله لدى البحث عن شرائط زكاة الأنعام.

(وكذا) عرفت فيما سبق عند بيان شرائط من تجب عليه الزكاة أنّ من شرط وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف في النصاب ، وأنّه (لو

٣٠٢

منع من التصرّف فيه ، سواء كان المنع شرعيّا كالوقف والرهن ، أو قهريّا كالغصب) لم تجب الزكاة ، فراجع.

(ولا تجب الزكاة في الحليّ محلّلا كان كالسوار للمرأة وحلية السيف للرجل ، أو محرّما كالخلخال للرجل ، والمنطقة للمرأة ، وكالأواني المتّخذة من الذهب والفضّة ، وآلات اللهو لو عملت منهما).

في المدارك قال : أمّا سقوط الزكاة في الحليّ المحلّل ، فقال العلّامة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة : إنّه قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم.

وأمّا المحرّم ، فقال في التذكرة أيضا : إنّه لا زكاة فيها عند علمائنا ، لعموم قوله ـ عليه‌السلام ـ : «لا زكاة في الحلّي» (١).

وأطبق الجمهور كافّة على إيجاب الزكاة فيه ، لأنّ المحظور شرعا كالمعدوم حسّا.

ولا حجّة فيه ، لأنّ عدم الصنعة غير مقتض لإيجاب الزكاة ، فإنّ المناط كونهما مضروبين بسكّة المعاملة ، وهو جيّد (٢). انتهى ما في المدارك.

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار ، بل الإجماع بقسميه عليه (٣). انتهى.

ويدلّ على نفي الزكاة في الحليّ أيضا روايات كثيرة :

منها : صحيحة محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال :

__________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٨٨ ، المسألة ١٠٢.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ١١٨ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٢٩ و ١٣٢ ، المسألتان ٧٠ و ٧١.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ١٨٣.

٣٠٣

سألته عن الحليّ فيه زكاة؟ قال : «لا» (١).

وحسنة رفاعة ، قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ وسأله بعضهم عن الحليّ فيه زكاة ، فقال : «لا وإن بلغ مائة ألف» (٢).

وخبر هارون بن خارجة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «ليس على الحليّ زكاة» (٣).

وخبر مروان بن مسلم ، عن أبي الحسن ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الحليّ ، عليه زكاة؟ قال : «إنّه ليس فيه زكاة وإن بلغ مائة ألف درهم ، كان أبي يخالف الناس في هذا» (٤).

وخبر العلاء ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : هل على الحليّ زكاة؟ فقال : «لا» (٥).

ومرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «زكاة الحليّ عاريته» (٦) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي تقدم بعضها ، وسيأتي جملة منها في المسألة الآتية.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٨ / ٢١ ، الإستبصار ٢ : ٧ / ١٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٨ / ٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٧ / ١٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩ / ٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٨ / ٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٨ / ٢٠ ، وفيه : هارون بن مسلم عن أبي البختري ، قال :سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، إلى آخره ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٧.

(٥) قرب الإسناد ٣٠ / ٩٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٨ / ٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٧ / ١٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

٣٠٤

(وقيل : يستحبّ فيه) أي : في الحليّ المحرم (الزكاة) وهذا القول منقول عن الشيخ (١) ـ رحمة الله عليه ـ ولم يعرف مستنده.

نعم يستحبّ في الحليّ المحلّل أنّه إذا استعاره مؤمن أن يعيره فإنّه زكاته ، كما يدلّ عليه مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة (٢).

وعن الصدوق في الفقيه أيضا التصريح بذلك ، فقال : ليس على الحليّ زكاة وإن بلغ مائة ألف ، ولكن تعيره مؤمنا إذا استعاره منك فهذه زكاته (٣).

وهو محمول على الاستحباب بشهادة المعتبرة المستفيضة المصرّحة بأنّه ليس في الحليّ زكاة ، مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، بل قصور دليله من حيث هو عن إفادة الوجوب.

(وكذا لا زكاة في السبائك) المتّخذة من الذهب (والنقار) التي هي ـ كما في الجواهر (٤) وغيره (٥) ـ : قطع الفضّة غير المضروبة (والتبر) الذي هو غير المضروب من الذهب كما عن الجوهري (٦) ، أو تراب الذهب كما عن بعضهم تفسيره به (٧) ، بلا خلاف على الظاهر في شي‌ء من ذلك بيننا نصّا وفتوى ما لم يكن بقصد الفرار من الزكاة ، بل في الجواهر ادّعى الإجماع بقسميه عليه (٨).

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ١١٩ ، وانظر : الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٥.

(٢) تقدمت في صفحة ٣٠٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٩.

(٤) جواهر الكلام ١٥ : ١٨٤.

(٥) مدارك الأحكام ٥ : ١١٩.

(٦) حكاه صاحب المدارك فيها : ٥ : ١١٩ ، وانظر : الصحاح ٢ : ٦٠٠.

(٧) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٢٠ ، وانظر : لسان العرب ٤ : ٨٨.

(٨) جواهر الكلام ١٥ : ١٨٤.

٣٠٥

ويدلّ عليه مضافا إلى الإجماع والأخبار الحاصرة لها بالدينار والدرهم ، النصوص المستفيضة التي سيأتي نقلها.

ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار المتقدمة.

هذا إذا لم يكن بقصد الفرار من الزكاة ، وإلّا فقد اختلفت الروايات فيه ، وكذا فتاوى الأصحاب ، فربّما نسب إلى المشهور بين المتأخّرين سقوط الزكاة (١) ، بل عن الرياض نسبته إلى عامتهم (٢).

(وقيل) والقائل الصدوقان ، والمرتضى ـ رحمهم‌الله ـ والشيخ ، وابنا زهرة وحمزة ، والحلبي في إشارة السبق (٣) (إذا عملهما) أي النقدين (كذلك فرارا ، وجبت الزكاة ولو كان) ذلك (قبل حؤول الحول).

واستدلّ له بموثّقة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلي فيه الزكاة ، قال : «لا ، إلّا ما فرّ به من الزكاة» (٤).

وخبر معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له :الرجل يجعل لأهله الحليّ من مائة دينار والمائتي دينار ، وأراني قلت له :ثلاثمائة ، فعليه الزكاة؟ قال : «ليس فيه زكاة» قال : قلت : فإنّه فرّ به من الزكاة؟ فقال : «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٨٥.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٨٥ ، وانظر : رياض المسائل ١ : ٢٧١.

(٣) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية) : ١٤ ، الفقيه ٢ : ٩ ، جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٧٥ ، المبسوط ١ : ٢١٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٥ ، الوسيلة : ١٢٧ ، إشارة السبق (الجوامع الفقهية) : ١٢٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٩ / ٢٤ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٧.

٣٠٦

فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة» (١).

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليه زكاة؟ فقال : «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» (٢).

وبإزاء هذه الأخبار أخبار مستفيضة تدلّ على القول الأوّل.

منها : قوله ـ عليه‌السلام ـ في ذيل صحيحة ابن يقطين المتقدمة (٣) الحاصرة لما يجب فيه الزكاة بالصامت المنقوش : «إذا أردت ذلك فاسبكه.

فإنّه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة زكاة».

وهذه الرواية إ في المدّعى ، لكونه إرشادا إلى ما يتحقّق به الفرار من الزكاة.

وأوضح من ذلك دلالة عليه رواية هارون بن خارجة ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة ، وأنّه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة ، أعليه زكاة؟ قال : «ليس على الحليّ زكاة ، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة» (٤).

وصحيحة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ :

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٩ / ٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٩٤ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٣.

(٣) تقدّمت في صفحة ٢٩٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٧ ، علل الشرائع : ٣٧٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٩ / ٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٤.

٣٠٧

رجل فرّ بماله من الزكاة ، فاشترى به أرضا أو دارا أعليه فيه شي‌ء؟

فقال : «لا ، ولو جعله حليّا أو نقرا فلا شي‌ء عليه فيه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه» (١).

ورواية علي بن يقطين المرويّة عن العلل عن أبي إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ قال : «لا تجب الزكاة فيما سبك» قلت : فإن كان سبكه فرارا من الزكاة؟قال : «ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه ، لذلك لا يجب عليه الزكاة» (٢).

وقد حكي عن الشيخ في كتابي الأخبار أنّه وجّه الروايات الدالة على الوجوب تارة بالحمل على الاستحباب ، واخرى بالحمل على الفرار بعد حؤول الحول ، أي دخول الشهر الثاني عشر (٣).

واستدلّ على الثاني بما رواه في الموثّق عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : إنّ أباك قال لي : «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» قال : «صدق أبي ، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه فيه».

ثم قال : «أرأيت لو أنّ رجلا أغمي عليه يوما ثمّ مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤدّيها؟» قلت : لا. قال : «إلّا أن يكون أفاق من يومه».

ثمّ قال : «أرأيت لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثمّ مات فيه أكان يصام عنه؟» قلت : لا. قال : «وكذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٧ / ٥٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

(٢) علل الشرائع : ٣٧٠ / ١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٢.

(٣) حكاه عنه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٩٩ ، وانظر : التهذيب ٤ : ٩ ذيل الحديث ٢٦ ، والاستبصار ٢ : ٨ ذيل الحديث ٢٢.

٣٠٨

ما حال عليه الحول» (١).

وهذه الموثّقة رواها في الكافي (٢) في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة في جملة حديث طويل مشتمل على فقرات قد تدلّ بعض تلك الفقرات أيضا على المدّعى ، كما لا يخفى على من راجعها.

ولكن يتوجّه على التوجيه المزبور : أنّه وإن شهد به الموثّقة المزبورة ، إلّا أنّ بعض تلك الأخبار ـ أي الروايات المثبتة للزكاة ـ غير قابل لهذا الحمل ، كخبر معاوية بن عمّار ، فإنّه إ في إرادة الزكاة في المورد الذي لو كان فعله لا بقصد الفرار ، بل لأن يتجمّل به ، لم يكن عليه زكاة.

(و) كيف كان ، فالجمع بين الأخبار : بحمل الزكاة على (الاستحباب أشبه) بأصول المذهب وقواعده ، إذ ليس لتلك الأخبار قوّة دلالة على الوجوب ، فضلا عن صلاحيّة المكافئة للأخبار النافية التي هي نصّ في عدم الوجوب ، مع حكومة بعضها ـ أي الموثّقة المزبورة ـ على ما كان من تلك الأخبار قابلا للحمل على الفرار بعد حؤول الحول ، أي دخول الشهر الثاني عشر ، لكونها بمدلولها اللفظي متعرّضا لتفسيرها ، فلا تصلح تلك الأخبار لمعارضتها.

وما عداها ممّا هو صالح للمعارضة من هذه الجهة ـ كخبر معاوية بن عمّار ـ قاصر عن المكافئة من جهات أخر ، كما هو واضح.

(أمّا لو جعل الدراهم والدنانير كذلك) أي سبائك أو نقارا أو حليّا (بعد حؤول الحول) الذي قد عرفت أنّه يتحقّق بدخول الشهر

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٠ / ٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٨ / ٢٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤.

٣٠٩

الثاني عشر (وجبت الزكاة إجماعا) ولم تسقط عنه مع إمكان الأداء وإن خرج النصاب عن ملكه قهرا ، فضلا عمّا لو غيّر صورته باختياره ، كما عرفته فيما سبق.

وقضيّة الأصل الاجتزاء بمسمى الفريضة الواجبة فيه أو قيمتها من مال آخر من غير اعتداد بزيادة القيمة الحاصلة بالصياغة ، فلو بلغ الحليّ وزنه عشرين مثقالا ، فعليه نصف مثقال من الذهب أو قيمته من مال آخر من غير اعتداد بزيادة القيمة الحاصلة في عين النصاب بالصياغة ، لما عرفت في زكاة الأنعام من أنّه لا يجب على المالك في باب الزكاة إلّا دفع مسمّى الفريضة المقدّرة في ماله أو قيمتها من أيّ مال يكون ، ولا يتعيّن عليه الإخراج من عين النصاب.

ولو أراد الدفع من العين ، لم يجز الاجتزاء بأقلّ من نصف مثقال وإن كانت قيمته أكثر ، إلّا من باب دفع القيمة إن جوّزناه في نظائره ، من مثل ما لو دفع ربع دينار مسكوك بسكّة يساوي قيمته قيمة نصف دينار ، يصحّ أن يقع مصداقا للفريضة الواجبة عليه في زكاة العشرين من باب دفع القيمة ، وستعرف في المسألة الآتية ، وكذا في مبحث زكاة الفطرة أنّه لا يخلو من إشكال ، فالأحوط عدم الاجتزاء فيما لو أخرج الزكاة من جنس ما تعلّق به الحقّ بأقلّ ممّا يقع مصداقا للفريضة الواجبة عليه ، أي أقلّ من نصف مثقال من الذهب وإن كانت قيمته باعتبار سكّته أو الصنعة الحاصلة فيه أكثر بمراتب ، والله العالم.

(وأمّا أحكامها) أي : زكاة النقدين (فمسائل)

(الاولى : لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين) في صدق الاسم وإن اختلفت القيمة والأوصاف بذلك (بل يضمّ بعضها.

إلى بعض) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن بعضهم نسبته إلى

٣١٠

الأصحاب (١) ، مشعرا بالإجماع عليه ، لإطلاق الأدلّة الغير القاصر عن شمول مثل المورد.

(وفي الإخراج إن تطوّع) المالك (بالأرغب) ونحوه من الأفراد الكاملة فقد أحسن وأنفق ممّا أحبّ (وإلّا كان له الإخراج من كلّ جنس بقسطه) كما هو مقتضى العدل والإنصاف ، ومشاركة الفقراء مع الأغنياء في الأموال.

ولا يجزئه الدفع من الأدنى ، لمنافاته لقاعدة الشركة.

ولكنك عرفت فيما سبق : منع كون ما يستحقّه الفقير من العين على سبيل الشركة الحقيقيّة ، فالمتّجه حينئذ ما حكي عن الشيخ من أنّه قال : إنّ ذلك ـ أي التقسيط ـ على الأفضل (٢) ، فلو أخرج من الأدنى جاز ، لحصول الامتثال.

وعن العلّامة في جملة من كتبه أيضا موافقته (٣).

وقد تقدم لدى البحث عن كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين ما يوجب مزيد إذعان بذلك.

ولو كان الجميع من الأعلى ، هل يجوز أن يدفع من الأدنى من ماله الآخر؟ وجهان : من إطلاق النصّ ، ومن إمكان دعوى انصرافه إلى فريضة من نوع ما يتعلّق به الزكاة.

وقد عرفت في زكاة الأنعام أنّ دعوى انصراف إطلاق الفريضة إلى ما يناسب الجنس الذي يتعلّق به الزكاة ، ليس كلّ البعيد ، فراجع.

__________________

(١) نسبه إليهم صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٩٣.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٢١ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٠٩.

(٣) كما في جواهر الكلام ١٥ : ١٩٣ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٢٩ ، وقواعد الأحكام ١ : ٥٤ ، وتحرير الأحكام ١ : ٦٢.

٣١١

وفي المدارك ، بعد أن حكى عن الشيخ القول بجواز دفع الأدنى ، قال : وأولى بالجواز ما لو أخرج الأدنى بالقيمة ، أي أخرج منها بقدر قيمة الأعلى أو الوسط.

ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون ، مثل أن يخرج ثلث دينار جيّد قيمة عن نصف دينار أدون ، لم يجزئه ، لأنّ الواجب إخراج نصف دينار من العشرين ، فلا يجزئ الناقص عنه.

واحتمل العلّامة في التذكرة الإجزاء اعتبارا بالقيمة ، وهو ضعيف (١). انتهى.

وهو جيّد كما سيأتي مزيد توضيح لذلك في مبحث زكاة الفطرة إن شاء الله.

المسألة (الثانية : الدراهم المغشوشة) بما يخرجها عن اسم الفضّة الخالصة ، أي عن كونه مصداقا لما يقال عليه في العرف أنّه فضة ، لا على جهة المسامحة والتغليب ، بل على سبيل الحقيقة عرفا ، وكذا الدنانير المغشوشة كذلك (لا زكاة فيها حتّى يبلغ خالصها النصاب) بلا خلاف فيه على الظاهر ، لأنّ الزكاة إنما تجب في الذهب والفضّة ، لا في غيرهما من المعادن.

وإذا بلغ خالصها النصاب تجب الزكاة فيه بلا خلاف في ذلك أيضا على الظاهر ، بل عن غير واحد نسبته إلى الأصحاب (٢) ، مشعرا بالإجماع عليه.

وربّما استشكل في هذا الحكم بأنّ الأدلّة قد دلّت على وجوب

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٢٨.

(٢) كما في جواهر الكلام ١٥ : ١٩٥.

٣١٢

الزكاة في الذهب والفضّة المسكوكين دراهم ودنانير ، والمركّب منهما ، أو من كل منهما مع غيره خارج عن الاسم ، فلا يتعلّق به الزكاة ، بل قد يمنع صدق اسم الدراهم والدنانير حقيقة على المغشوشة.

وفيه : أنّ المراد بالدراهم والدنانير الذهب والفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة ولو مع الغش ، كما يفصح عن ذلك مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، وإمكان منع عدم صدق الاسم ، أو انصراف الذهب والفضّة المسكوكين إلى الخالص منهما ، خبر زيد الصائغ المرويّ عن الكافي ، قال :قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها : بخارى ، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة وثلث مس ، وثلث رصاص ، وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها ، قال : فقال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم» فقلت : أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما تجب عليّ فيه الزكاة أزكّيها؟ قال : «نعم ، إنّما هو مالك» قلت : فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتّى حال عليها الحول ، أزكّيها؟ قال : «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما تجب عليك فيه الزكاة ، فزك ما كان لك فيها من الفضّة الخالصة من فضّة ، ودع ما سوى ذلك من الخبيث» قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة ، إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما تجب فيه الزكاة؟ قال : «فاسبكها حتّى تخلص الفضّة ويحترق الخبيث ، ثمّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة» (١).

قوله ـ عليه‌السلام ـ : «لسنة واحدة» أي السنة التي بقيت عنده حتّى حال عليها الحول قبل أن يسبكها ، دون ما بعدها ممّا جعل سبائك.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٧ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

٣١٣

نعم ، يعتبر في تنجّز التكليف بالزكاة العلم ببلوغ الخالص نصابا ، فلو شكّ فيه نفاه بالأصل ، ولم يجب عليه الفحص بتصفية ونحوها على المشهور ، كما نسب إليهم (١) ، بل في المسالك : لا قائل بوجوب التصفية مع الشكّ في النصاب (٢) ، كما في غيره من الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة أو التحريميّة.

ولكن قد يقال [به] (٣) في مثل هذه الموارد التي يحصل كثيرا ما من الرجوع إلى الأصول النافية للتكليف من غير فحص : الوقوع في مخالفة التكليف ، كتأخير الحجّ عن أوّل عام استطاعته عند ترك المحاسبة ، وتضييع حقّ السادة والفقراء عند ترك الفحص عن حصول الربح في تجارته ، أو بلوغ ماله حدّ النصاب.

ويدفعه : أنّ كون إجراء الأصول في مجاريها موجبا لحصول المخالفة كثيرا ، غير مؤثّر في إيجاب الاحتياط على من لا يعلم بتنجّز التكليف عليه في خصوص المورد الذي هو محلّ ابتلائه.

وأضعف من ذلك الاستدلال له بأنّه ليس المراد بمثل هذه التكاليف ـ أي : الزكاة والحجّ ونظائرهما ـ وجوبها لدى العلم بوجود شرائطها ، كي لا يجب الحج مثلا على من احتمل في نفسها الاستطاعة أو ظنّها ولم يعلم بذلك.

وفيه : أنّا لا ننكر وجوب الحجّ عليه في الواقع على تقدير كونه مستطيعا ، ولكن كونه كذلك لا يكفي في تنجّزه ، أي إلزام العقل بالخروج عن عهدته ما لم يعلم بتحقّقه ، لأنّ العلم بالتكليف شرط في

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٩٦.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٣٨٧.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

٣١٤

تنجّزه عقلا ، وإيجاب الاحتياط أو الفحص مع الشكّ فيه يحتاج إلى دليل وراء إطلاقات أدلّة هذه التكاليف لدى حصول شرائطها ، ولتمام الكلام فيما يتعلّق بالمقام مقام آخر.

(ثمّ لا يخرج المغشوشة عن الجياد) لأنّ الواجب إخراج الخالص ، فلا يكون إخراج المغشوشة مجزيا إلّا إذا علم باشتماله على ما يلزمه من الخالص ، كما هو واضح.

ولو ملك النصاب ـ أي عشرين دينارا مثلا ـ ولم يعلم هل فيه غشّ أم لا ، فعن التذكرة : أنّه تجب الزكاة ، لأصالة الصحة والسلامة (١).

أقول : هذا إنّما يتّجه فيما إذا كان الغش الذي يحتمله عيبا في الدنانير ، بحيث لو ظهر لم يقع به المعاملة إلّا على سبيل المسامحة.

وأمّا إذا كانت من صنف الدنانير الرائجة في البلد ، ولكنّه لم يعلم بأنّ هذا الصنف من الدنانير هل هي معمولة من خصوص الذهب ، أو أنها مركّبة من الذهب وغيره ، فليس كونها مركّبة من جنسين أو أزيد منافيا لصحّتها وسلامتها بعد أن كانت هي في أصل وضعها كذلك ، فلا مسرح حينئذ للأصلين المزبورين ، بل المرجع في مثله أصالة براءة الذمّة عن الزكاة.

ولا يخفى عليك أنّ مورد هذا الكلام إنّما هو فيما إذا كان الغش الذي يحتمله بمقدار لو علم بتحقّقه لأثّر في خروج الدنانير عن كونها مستحقّة لإطلاق اسم الذهب عليها على الإطلاق ، وإلّا فلا أثر مع استهلاكه ، كما في سائر الموضوعات التي تدور أحكامها مدار صدق عناوين موضوعاتها عرفا ، والله العالم.

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٩٦ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٢٧.

٣١٥

ولو كان الغشّ بأحدهما كالدراهم بالذهب أو بالعكس ، وبلغ كلّ من الغشّ والمغشوش نصابا ، وجبت ، الزكاة فيهما ، ويجب الإخراج من كل جنس بحسابه ، فإن علمه وإلّا توصّل إليه بالسبك ونحوه ، مقدمة للقطع بالخروج عن عهدة التكليف الذي علمه بالإجمال.

فإن تعذّر عليه تشخيص مقدار ما يجب عليه إخراجه من كل منهما ، احتاط بإخراج الأكثر مرّتين ، مثلا : لو علم بأن قدر أحد النقدين ستمائة ، والآخر أربعمائة ، إلّا أنّه لم يشخّص الأكثر ، أخرج زكاة ستمائة ذهبا وستمائة فضّة ، ويجزئ ستمائة من الأكثر قيمة وأربعمائة من الأقلّ.

بل وكذا لو احتمل أكثريّة أحدهما ، وتعذّر عليه تحقيقه ، احتاط بالجمع في تزكية المقدار الذي يحتمله من كل منهما ، أو بهذا المقدار ممّا هو أعلى قيمة منهما من باب إخراج القيمة.

والمعيار في هذا الباب ونظائره هو : أنّه مهما رجع الشكّ في شي‌ء من هذه الموارد إلى الشكّ في أصل التكليف ، نفاه بأصل البراءة ، وإذا كان الشكّ في المكلّف به ، عمل بقاعدة الشغل ، فإذا فرض الغشّ بأحدهما ، وكان المجموع ألف مثقال : وتردّد الأمر بين كون ما فيه من الذهب ستمائة والفضّة أربعمائة أو بالعكس ، أو احتمل ذلك ، وإن احتمل التساوي أيضا ، أو الاختلاف بما دون هذا المقدار ، فهو يعلم إجمالا بثبوت الزكاة في مجموع هذا المال ، والقدر المتيقّن مما يجب عليه من زكاة الذهب أربعمائة ، ومن زكاة الفضّة أيضا كذلك ، فيبقى مائتان من هذا المجموع مردّدا أمره بين كونه ذهبا أو فضّة.

وعلى أي من التقديرين هو مال قد علم بتعلّق التكليف بإخراج الزكاة منه عينا أو قيمة ، فعليه الاحتياط بالنسبة إلى المائتين بإخراج

٣١٦

زكاته ذهبا مرّة فيكون بانضمامه إلى الأربعمائة التي هي القدر المتيقّن ستمائة ، وفضة أخرى كذلك ، وبإخراج قيمة يقطع بكونها مجزئة عن الفريضة الواجبة عليه على أي من التقديرين ، أو إخراج الأعلى قيمة منهما بقصد حصول البراءة بدفع القيمة على تقدير المخالفة ، والعين على تقدير الموافقة ، وليست القيمة بنفسها أوّلا وبالذّات هي متعلّق التكليف ، كي يكون تردّدها بين الأقلّ والأكثر مصحّحا للرّجوع بالنّسبة إلى الأكثر إلى البراءة ، كما هو واضح.

ومن هناك ظهر الحال فيما لو كان مجموع الألف مردّدا بين كونه ذهبا مسكوكا أو فضّة كذلك من أنّه يجب العمل بما تقتضيه قاعدة الاشتغال ، بخلاف ما لو كان مردّدا بين كونه من أحد النقدين وغيرهما من المعادن التي لا يتعلّق بها الزكاة.

وأمّا إذا كان الغشّ بأحدهما ، ولكن لم يعلم ببلوغ الغشّ حدّ النصاب ، كما لو كان عنده ألف دينار ، وعلم إجمالا بأنّه مغشوش بالفضّة ، ولكن لم يعلم ببلوغ الغشّ مقدار النصاب ، أو كان عنده ألف درهم وعلم بأنّه مغشوش بالذهب في الجملة من غير أن يعلم مقدار الغشّ وبلوغه حدّ النصاب وإن احتمله ، بل احتمل كونه أكثر من النصاب أيضا بكثير ، فهو لا يعلم بتعلّق الزكاة بالمجموع ، حيث يحتمل أنّ ما فيه من الغشّ لم يكن بالغا حدّ النصاب ، فهو بالنسبة إلى ما يقرب من نصاب الفضّة ـ كمائتي درهم إلّا دانقا ، مثلا في المثال الأوّل ـ وما يقرب من نصاب الذهب ـ كعشرين مثقالا إلّا جزء مثقال في المثال الثاني ـ شاكّ في أصل التكليف ، فينفيه بأصل البراءة ، وبالنسبة إلى ما زاد على هذا المقدار يعمل على حسب ما تقتضيه قاعدة الاشتغال ، وهكذا الكلام في نظائر المقام ، فليتأمّل.

٣١٧

المسألة (الثالثة : إذا كان معه دراهم مغشوشة) مثلا ، وقد بلغ خالصها النصاب ، (فإن عرف قدر الفضّة ، أخرج الزكاة عنها فضّة خالصة) إن شاء (و) إن شاء أخرج (عن الجملة منها) مراعيا للنسبة.

فلو كان معه ثلاثمائة درهم ، والغشّ ثلثها في كلّ درهم ، تخيّر بين إخراج خمسة دراهم خالصة ، وإخراج سبعة ونصف عن الجملة.

(وإن جهل ذلك) أي قدر ما فيها من نصاب الفضّة ، مع علمه إجمالا بأصل النصاب ، فإن كانت الدراهم جميعها متساوية في مقدار الغشّ وإن لم يعلمه بالتفصيل ، جاز له الاجتزاء بإخراج ربع العشر من الجميع ، كما هو واضح.

وإن لم يكن جميعها على نسق واحد ، بل كانت مختلفة ، فإن تطوّع المالك (وأخرج عن جملتها من الجياد) أو ممّا كان منها أقلّ غشّا ممّا عداه (احتياطا ، جاز أيضا) بل هذا هو الأولى ، لما فيه من الاستظهار في براءة الذمّة.

وكذا لو أخرج من الخالصة أو المغشوشة ما يحصل معه اليقين بالبراءة وإن لم يبلغ قدر زكاة الجملة ، كما هو واضح.

(وإن ماكس) وامتنع إلّا عن إخراج مقدار الواجب (الزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب) الذي يحصل بإخراجه القطع بفراغ الذمّة عن الواجب الذي علمه بالإجمال على ما في المتن وغيره (١) ، بل ربّما نسب إلى الأكثر ، بل المشهور (٢).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٠.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٩٧ ، وانظر : المسالك ١ : ٣٨٧.

٣١٨

واستوجه غير واحد من المتأخّرين الاكتفاء بإخراج ما تيقّن اشتغال الذمّة به ، وطرح المشكوك فيه ، عملا بأصالة البراءة.

ففي المدارك ، بعد أن حكى عن الشيخ القول بلزوم التصفية مقدّمة للقطع بفراغ الذمّة ، قال : واستوجه المصنّف في المعتبر ، والعلّامة في جملة من كتبه ، الاكتفاء بإخراج ما تيقّن اشتغال الذمّة به ، وطرح المشكوك فيه ، عملا بأصالة البراءة ، وبأنّ الزيادة كالأصل ، فكما تسقط الزكاة مع الشكّ في بلوغ النصاب ، فكذا تسقط مع الشكّ في بلوغ الزيادة نصابا آخر ، وهو حسن (١). انتهى.

وقد أشرنا آنفا إلى أن هذا ـ إي العمل بالبراءة فيما زاد عن المتيقّن ـ هو الأوجه ، وقد تقدّم بعض الكلام فيما يتوجّه على ما هو من نظائر المقام من النقض والإبرام في مسألة من فاتته فرائض لا يحصى عددها من كتاب الصلاة (٢) ، فراجع.

المسألة (الرابعة : مال القرض) الزكوي (إن تركه المقترض بحاله) حتّى حال عليه الحول جامعا للشرائط (وجبت الزكاة عليه دون المقرض) بلا خلاف فيه على الظاهر ، ولا إشكال كما عرفته فيما سبق.

ولكن هذا فيما إذا لم يشترط في عقد القرض زكاته على المقرض ، (و) أمّا (لو شرط المقترض الزكاة على المقرض) ففيه خلاف.

(قيل) والقائل الشيخ على ما نسب (٣) إليه : (يلزم الشرط).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢١٠ ، والمعتبر ٢ : ٥٢٥ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ١٢٧ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٩٤.

(٢) كتاب الصلاة : ٦٢٠ الطبع الحجري.

(٣) الناسب هو صاحب المدارك فيها ٥ : ١٢٤ ، وانظر : النهاية : ٣١٢ ، والمبسوط ١ : ٢١٣.

٣١٩

(وقيل : لا يلزم ، وهو الأشبه) عند المصنّف وغيره (١) ، بل ربّما نسب (٢) هذا القول إلى المشهور.

واستدلّ للقول الأوّل بعموم «المؤمنون عند شروطهم» (٣).

وخصوص صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (٤).

وأجيب أمّا عن عموم «المؤمنون» ونحوه : بأنّ مورده الشروط السائغة في نفسه الغير المخالفة للكتاب والسنّة ، فلا يصحّ أن يكون الشرط مؤثّرا في رفع التكليف بالزكاة عن المالك ، وإثباته على غير المالك.

وأمّا عن الصحيحة فبأنّ أقصى ما تدلّ عليه جواز تبرّع المقرض للإخراج ، وهو لا يستلزم جواز اشتراط تعلّق الوجوب به.

وفي المدارك ، بعد أن أجاب عن الصحيحة المزبورة بما ذكر ، قال :واستقرب الشارح ـ قدس‌سره ـ لزوم الشرط ، لا بمعنى تعلّق الوجوب بالمقرض ابتداء ، وسقوطه عن المقترض ، فإنّه غير مشروع ، بل بمعنى تحمّل المشروط عليه لها عن المديون ، وإخراجها من ماله عنه مع كون الوجوب متعلّقا بالمقترض ، لأنّ المقرض لو تبرّع بالإخراج ، لجاز على ما

__________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٢٣٩ ، والعلّامة في المختلف : ٣ : ٣٦ ، المسألة ٧.

(٢) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٠٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٣ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٢.

٣٢٠