مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

لأنّ تعلّقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرّف في جزء من النصاب ، فلم يمنع في جميعه ، كأرش الجناية.

ولأنّ ملك المساكين غير مستقرّ فيها ، فإنّ له إساقط حقّهم منه بدفع القيمة ، فصار التصرّف فيه اختيارا بدفع غيره. (١) انتهى.

قوله : ولأنّ ملك المساكين .. إلى آخره ، كأنه مبني على التنزّل والمماشاة مع الخصم بالالتزام بالملكيّة ، كما أنّ في بعض كلماته الإشارة إليه.

وقال في موضع آخر : قد بيّنّا أنّ الزكاة متعلّق بالعين ، لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء.

ولقوله ـ عليه‌السلام ـ : في أربعين شاة شاة (٢).

وهل يصير أهل السهمان (٣) بقدر الزكاة شركاء لربّ المال؟ الأقرب المنع ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) وإلّا لما جاز الإخراج من غيره.

ويحتمل ضعيفا الشركة ، وبه قال مالك والشافعي في الآخر (٥).

انتهى.

وعن الشهيد في البيان أنّه بعد أن حكم بوجوب الزكاة في العين ، قال : وفي كيفيّة تعلّقها بالعين وجهان :

أحدهما : أنّه بطريق الاستحقاق ، فالفقير شريك.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٨٥ ـ ١٨٧ ، المسألتان ١٢٢ و ١٢٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

(٣) السهمان جمع السهم ، أي : النصيب. الصحاح ٥ : ١٩٥٦.

(٤) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ و ٥٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ١٩٨ ، المسألة ١٣٢.

٢٤١

وثانيهما : أنه استيثاق ، فيحتمل أنه كالرهن ، ويحتمل أنّه كتعلّق أرش الجناية بالعبد ، وتضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر ، وهو مرجّح للتعلّق بالذمّة ، وعورض بالإجماع على تتبّع الساعي العين لو باعها المكلّف ، ولو تمحّض التعلّق بالذمّة امتنع (١). انتهى.

وفي المدارك بعد نقل هذه العبارة عن البيان ، قال : أقول : إنّ مقتضى الأدلّة الدالّة على وجوب الزكاة في العين كون التعلّق على طريق الاستحقاق ، وهو الظاهر من كلام الأصحاب ، حيث أطلقوا وجوبها في العين (٢).

أقول : ما استظهره من إطلاق حكم الأصحاب بوجوبها في العين من كون التعلّق بطريق الاستحقاق ، أي الملكية المستلزمة للشركة ، لا يخلو من نظر ، فإنّ معنى وجوبها في العين ليس إلّا كون العين هي متعلّق التكليف بالزكاة ، أي مورد حكم الشارع بصرف شي‌ء منها إلى الفقير ممّا سمّاه الله زكاة ، وهذا لا يقتضي أن يكون ما وجب صرفه إلى الفقير قبل صرفه إليه ملكا له ، لجواز أن يصير ملكا له بدفعه إليه الذي هو فعل اختياري يتعلّق به التكليف أوّلا وبالذات ، ثمّ بمتعلّقه ، كما لو أمره بأن يهبه أو يبيعه شيئا من ماله المعين.

ومن هنا يظهر الخدشة فيما ذكره من أنّ مقتضى الأدلّة الدالّة على وجوب الزكاة في العين كون التعلّق بطريق الاستحقاق ، فإنّ الأصل في ذلك هي آية الصدقة (٣) ، ومفاد هذه الآية بشهادة الروايات الواردة في

__________________

(١) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٩٨ ، وانظر : البيان : ١٨٧.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٩٨.

(٣) التوبة ٩ : ١٠٣.

٢٤٢

تفسيرها (١) ، وهو أنّ الله تبارك وتعالى فرض على عباده في أموالهم الصدقة ، أي : أوجب عليهم أن يعطوا شيئا من أموالهم في سبيل الله ، فإنّ الصدقة ـ كما في القاموس (٢) ـ ما أعطيته في ذات الله.

وفي المجمع : ما أعطى [الغير به] (٣) تبرّعا بقصد القربة (٤).

وهذا حكم تكليفي متوجّه إلى المالك ، متعلّق بماله ، أي بإيجاد فعل في ماله ، بأن يتصدّق بشي‌ء منه إلى الفقير ، أي يعطيه تبرّعا بقصد القربة ، ويتولّد من هذا الحكم التكليفي حكم وضعي ، وهو استحقاق الفقير للمال الذي أمر الله مالكه بأن يتصدّق به عليه ، كاستحقاقه للمال الذي نذر مالكه أن يتصدّق به عليه ، وهذا مقتضاه : أن يكون قبل دفعه إليه ملكا للدّافع.

كما يؤيّد ذلك إضافة الأموال إليهم في الآية الشريفة (٥) ، وإطلاق اسم الصدقة على ما يؤخذ منه في الآية والأخبار والفتاوى ، واشتراط قصد القربة في صحّته ، إذ لو كان الفقير شريكا قبل صرف المال إليه ، لم يكن يتوقّف صحّته على قصد القربة ، بل على إيصاله إلى مستحقّه كما هو حقّه ، وهو يحصل حتّى مع وصف إشاعته بإيصال جميع المال إلى الشريك أو وليّه ـ أي : الساعي أو الحاكم ـ بأيّ قصد يكون.

اللهمّ إلّا أن يكون ذلك شرطا تعبّديا على إشكال في تعقّله ، فإنّه

__________________

(١) انظر : الكافي ٣ : ٤٩٧ / ٢ ، والفقيه ٢ : ٨ / ٢٦ ، والوسائل ، الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٥٣.

(٣) زيادة من المصدر.

(٤) مجمع البحرين ٥ : ٢٠٠.

(٥) التوبة ٩ : ١٠٣.

٢٤٣

وإن جاز أن يكلّفه الشارع بدفع مال الشريك إليه بقصد القربة ، ولكن يمتنع بقاء هذا التكليف بعد وصول حقه إليه واستيلائه عليه ولو بوجه غير سائغ ، لأنّه أمر بتحصيل الحاصل.

نعم يجوز أن يكلّفه لدى وصوله إليه بلا قصد القربة أن يدفع إليه من ماله مثل ذلك بهذا القصد مقدمة لتحصيل القربة التي كانت مطلوبة في ذلك الفعل ، فليتأمّل.

واستدلّ للقول بالشركة أيضا بظواهر النصوص المشتملة على لفظ «في» الظاهرة في الظرفيّة ، مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في أربعين شاة شاة» (١) «وفي كلّ عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال» (٢) «وفيما سقت السماء العشر» (٣) وغير ذلك من الروايات الواردة بلفظ «في» فإنّ ظاهرها إرادة الجزء المشاع الحالّ في الجميع.

ونوقش فيه بإمكان حمل كلمة «في» في هذه الموارد على السببيّة دون الظرفيّة ، نظير قولهم : «في قتل الخطأ الدية» (٤) «وفي العين نصف الدية» (٥) ونحو ذلك ممّا هو شائع معروف ، مؤيّدا ذلك بعدم تعقّل الظرفيّة حقيقة في نحو قوله : «في خمس من الإبل شاة» ونحوه ممّا لا تكون

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الغلات ، الحديث ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٢٧٩ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ١٥٦ / ٦٢٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٩.

(٥) الكافي ٧ : ٣١١ / ٣ و ٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٥ / ٩٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٤.

٢٤٤

فريضتها من جنسها ، فإنّه لا مجال هنا لاعتبار الظرفيّة.

وأجيب : بأنّ استعمال كلمة «في» في الظرفيّة حقيقة ، وفي السببيّة أقلّ قليل ، بل قيل : إنّه مقصور على السمع ، فلا يحمل عليه اللفظ لدى إمكان حمله على حقيقته.

وأمّا قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في خمس من الإبل شاة» فيحمل على إرادة جزء مشاع من المجموع مساو لقيمة شاة ، بل هذا هو المراد بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «في أربعين شاة شاة» إذ لو أريد منها واحدة من الأربعين لا على التعيين ، فليست الواحدة حالة في أربعين ، بل هي بعض منها ، فتكون كلمة «في» مستعملة بمعنى «من» وهو خلاف ظاهر اللفظ.

اللهمّ إلّا أن يحمل على إرادة فرد من مفهوم الشاة المتحقّقة في ضمن هذه الشياه ، أي الكلّي الخارجي ، كصاع من صبرة على سبيل الإبهام والإجمال ، فتكون كلمة «في» حينئذ مستعملة في حقيقتها.

وكيف كان ، فيرد على أصل الاستدلال أنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فيما سقته السماء العشر» ونظائره ممّا تقدمت الإشارة إليه ، ليس في شي‌ء منها إشعار ـ فضلا عن الدلالة ـ بملكية شي‌ء للفقير بالفعل حتى يكون مقتضاها الشركة ، بل هي بأسرها مسوقة لبيان الصدقة التي فرضها الله تعالى على العباد في الأجناس التسعة الزكويّة ، فهذه الأخبار بأسرها بمنزلة الشرح لذلك.

فقوله ـ عليه‌السلام ـ : «في خمس من الإبل شاة» إلى آخره ، معناه : أنّ الصدقة التي وضعت على الإبل هي بهذا التفصيل ، أنها : في خمس منها شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي الغنم كذا ، أو في الذهب كذا ، وهكذا إلى آخر ما في الأجناس التسعة ، فلا يستفاد من ذلك إلّا شرح ما استفيد من آية الصدقة والروايات الواردة في تفسيرها ، الدالة على وجوب الزكاة

٢٤٥

في الأموال ، كما لا يخفى على المتأمّل.

مع أنّ حمل ما ورد في زكاة الأنعام على المعنى المزبور ـ أي الكسر المشاع في المجموع ، المساوي لقيمة الفريضة أو عينها ـ تأويل بعيد لا يكاد يخطر بذهن أحد ممّن سمع هذه الأخبار ، فضلا عن أن تكون ظاهرة فيه.

وإرادته من مثل قوله : «فيما سقته السماء العشر» على تقدير تحقّقها لا تصلح قرينة لذلك ، والعرف أعدل شاهد بذلك ، فإنك لا تكاد ترى أحدا ممّن سمع مجموع هذه الأخبار ، ولم يكن ذهنه مشوبا بالشبهات ، يحكم بإرادة هذا المعنى من مثل قوله : «في خمس من الإبل شاة» أو «في أربعين شاة شاة».

هذا ، مع مخالفته لظاهر الفتاوى حتّى القائلين بالشركة ، حيث إنّ ظاهرهم كون الفريضة الواجبة في كلّ عين ما يستحقّه الفقير بأصل الشرع لا بدله ، فلاحظ.

وقد ظهر بما ذكر ضعف الاستدلال له بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «إنّ الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم» (١).

بل هذه الصحيحة ونظائرها صالحة لصرف بعض الروايات الظاهرة أو المشعرة بالملكية الفعلية بحملها على إرادة الملكيّة الشأنيّة الناشئة من إيجاب دفعه إليهم ، مثل حسنة عبد الله بن مسكان وغير واحد عن أبي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢ / ١ ، علل الشرائع : ٣٦٨ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

٢٤٦

عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ الله جعل للفقراء في مال الأغنياء ما يكفيهم ، ولولا ذلك لزادهم» (١).

وفي حسنة الوشاء عن أبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ ، قال : قيل لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : لأيّ شي‌ء جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كلّ ألف؟ فقال : «إنّ الله جعلها خمسة وعشرين .. أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء» (٢) الحديث.

وأضعف من ذلك الاستدلال به بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل لم يزك إبله وشاته عاملين فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال : «نعم ، تؤخذ زكاتها ويتبع بها البائع ، أو يؤدّي زكاتها البائع» (٣).

فإنّ هذه الصحيحة على خلاف مطلوبهم أدلّ ، فإنّ ظاهرها صحة البيع ولزومه على تقدير أن يؤدّي البائع زكاته ، وأنّ ما يؤدّيه البائع عين الزكاة لا بدلها.

فهذه الصحيحة بظاهرها تدلّ على أنّ حقّ الفقير المتعلّق بهذا المال من قبيل حق الجناية المتعلّق برقبة الجاني ، أو حقّ غرماء الميّت المتعلّق بتركته ، لا الشركة الحقيقية ، وإلّا لكان مقتضاها توقّف صحّة البيع بالنسبة إلى حصّة الشريك على إجازته ، فلم يكن يجديه أداء الزكاة بعد وقوع البيع لا من البائع ولا من المشتري.

ودعوى أنّ أداء الزكاة يقوم مقام إجازة المالك ، مع أنها لا تتمّ إلّا إذا كان التأدية إلى الإمام أو نائبه الوليّين على المال ، لا إلى الفقير الذي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٧ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠٧ / ١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣١ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

٢٤٧

لا يتمحّض الحق له إلّا بقبضه ، مدفوعة بأنّ مقتضى الإجازة انتقال حصّته من الثمن إليه ، زادت عن قيمة الفريضة أم نقصت ، لا ما يدفعه البائع أو المشتري بعنوان الزكاة.

ودعوى أنّ ما يدفعه المالك أو المشتري يقع بدلا عن الثمن قهرا ، مع مخالفتها لظاهر الصحيحة ، تحتاج إلى دليل تعبّدي ، كما لا يخفى.

ويتلوه في الضعف الاستدلال له بما في حسنة بريد بن معاوية ـ أو صحيحته ـ الواردة في آداب المصدّق ، قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : «بعث أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، مصدّقا من الكوفة إلى باديتها ، فقال : يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله ـ إلى أن قال : ـ فإذا أتيت [ماله] (١) فلا تدخله إلّا بإذنه ، فإنّ أكثره له» (٢) إلى آخره.

وعن نهج البلاغة فيما كان يكتبه لمن يستعمله على الصدقات : «فإن كانت له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلّا بإذنه ، فإنّ أكثرها له» (٣).

فإنّ قوله : «أكثرها له» وإن كان ظاهره أنّ بعضه الذي هو مقابل الأكثر ليس له ، بل هو حقّ الله جعله في أموالهم ، كما يفصح عن ذلك صدر الكلام وذيله ، ولكن المراد بحقّ الله بحسب الظّاهر المال الذي أمر بالتصدّق به ، لا أنّه تعالى أخرجه بالفعل عن ملك مالكه ، وجعله لنفسه أو للفقير.

كما يشهد بذلك خبر غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه

__________________

(١) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ / ٢٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) نهج البلاغة بشرح محمد عبده ٣ : ٢٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٧.

٢٤٨

ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «كان عليّ ـ صلوات الله عليه ـ إذا بعث مصدّقه قال له : إذا أتيت على ربّ المال فقل : تصدّق رحمك الله ممّا أعطاك ، فإن ولّى عنك فلا تراجعه» (١).

ولو سلّم ظهورهما في المدّعى فليس على وجه يصلح لإثبات مثل هذا الحكم المخالف للأصول والقواعد ، كما ستعرف.

وعمدة ما يصحّ الاستشهاد به للشركة. موثّقة أبي المعزى عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «إنّ الله تبارك وتعالى شرّك بين الأغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (٢).

وخبر عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ :

قال : سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها ، قال :«اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح ، وإن تويت (٣) في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي‌ء ، فإن لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها» (٤).

وظهور هذين الخبرين ـ خصوصا الأخير منهما ـ في الشركة الحقيقيّة غير قابل للإنكار ، ولكن الالتزام بها مع الغضّ عن مخالفتها لظاهر الآية وغيرها ممّا عرفت يستلزم ارتكاب التخصيص في جملة من القواعد المتقنة ، التي ليس ارتكاب التخصيص في شي‌ء منها بأهون من طرح

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٨ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٥ / ٣ ، علل الشرائع : ٣٧١ ، الباب ٩٥ ، الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ٤.

(٣) توي المال : هلك. الصحاح ٦ : ٢٢٩٠ «توا».

(٤) الكافي ٤ : ٦٠ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ٣.

٢٤٩

هذين الخبرين ، فضلا عن تأويلهما ، فإنّ الشركة الحقيقيّة مقتضاها حرمة تصرّف كل من الشريكين في المال إلّا بإذن صاحبه ، وعدم جواز الدفع من غير العين بغير رضاه ، وتبعيّة النماء للملك ، وكون المالك لدى التفريط بالتأخير وغيره ضامنا لمنفعة مال الشريك وإن لم يستوفها ، وأن يكون ضمان العين في الأنعام بالقيمة لا بالمثل ، إلى غير ذلك من الأحكام المترتّبة على الملكيّة الحقيقيّة ممّا لا يمكن الالتزام بشي‌ء منها هاهنا ، لمخالفة كل منها لظاهر كلمات الأصحاب والأخبار أو صريحها ، إذ لا خلاف نصّا وفتوى في أنّ للمالك إخراج الفريضة من غير النصاب ، بل دفع قيمتها في الجملة.

وكذا التصرّف في أجزاء النصاب ما عدا مقدار الزكاة ، بل في جميعها حتّى بإخراجه عن الملك ببيع ونحوه.

كما يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة (١) الدّالة على صحّة بيع الإبل والغنم التي لم يزكّها صاحبها عامين ، وإن بقي لزومه بالنسبة إلى مقدار الزكاة مراعى بأن يؤدّي زكاتها البائع من مال آخر ، بل ظاهر هذه الصحيحة بمقتضى الاقتصار في السؤال والجواب على إخراج الزكاة من دون تعرّض لنمائها ، مع أنّ الإبل والغنم في العامين لا تنفك عن النماء ، من مثل الولد واللبن والصوف واجرة الإبل عدم استحقاق الفقير لها ، مع أنّ مقتضى الشركة الحقيقية ضمان الجميع وإن لم تكن مستوفاة ، إذ لا يتوقّف الضمان على الاستيفاء ، كما أنّ ظاهر كلمات الأصحاب أيضا ذلك ، حيث صرّحوا بأنّه لو مضى عليه أحوال لم يلزمه إلّا زكاة حول واحد ، فإنّ ظاهرهم الاقتصار على أصل الزكاة ، كما اعترف بذلك

__________________

(١) تقدمت في صفحة ٢٤٧.

٢٥٠

شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله.

ثم قال : ومن هنا قال في الإيضاح : وأورد على الشركة عدم ملك الفقير لو نتجت الأربعون قبل أداء الزكاة وبعد الحول.

وظاهر كلام المورد أنّه اتّفاقي ، والحكم وإن لم يثبت بهذا المقدار ، إلّا أنّه يصحّ مؤيّدا للنصّ بعد تأييده بخلوّ كلمات الأصحاب عن التعرّض لضمان النماء والمنافع عند حلول الأحوال على النصاب ، مع مساعدة السيرة عليه (١).

أقول : وكفى شاهدا على عدم استحقاق الفقير من النصاب ما عدا فريضته شيئا من منافعها ونمائها ولو بعد مضيّ مدّة من حين تعلّق الزكاة : الأخبار الواردة في بيان تكليف المصدق في كيفيّة أخذ الصدقات ، فإنها إ في أنه إذا دفع المالك الصدقة المفروضة في ماله ، وجب على المصدق قبوله ، وليس له أن يطالبه بأكثر من ذلك ، وأنّه إذا كان عنده من الإبل ما بلغت صدقته سنّا كابنة لبون ولم يكن عنده ذلك السن وعنده أعلى منها بسنّ دفعها إلى المصدق ، وأخذ منه شاتين أو عشرين درهما.

مع أنّ العادة قاضية بأنّ يوم ورود عامل الصدقات في الناحية التي كان يبعثه أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، على جمع الصدقات ، وكان يأمره بأن يعامل مع أهلها هذا النحو من المعاملة ، لم يكن أوّل زمان حؤول الحول على ملك الجميع ، فإنّ هذا ممّا يختلف باختلاف الأشخاص ، فربّما كان زمان حضور الساعي متأخّرا عن زمان تعلّق الوجوب بالنسبة إلى كثير منهم بشهر أو شهرين أو أكثر ، بل قد يطول مدة جمع الصدقات

__________________

(١) كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٨٧ ، وانظر : إيضاح الفوائد ١ : ٢٠٨.

٢٥١

شهرا أو شهرين ، ومن الواضح أنّ الإبل والبقر والغنم البالغ حدّ النصاب لا تخلو في يوم من نماء متّصل أو منفصل ، فلو كان النماء مضمونا على المالك ، لكان على الساعي مطالبته مع الفريضة ، ولم يكن عليه في الغالب عند دفع الأعلى بسنّ أن يردّ عليه شاتين أو عشرين درهما ، بل ما يبقى من العشرين درهما أو قيمة شاتين بعد وضع قسط الفريضة من النماء المتّصل أو المنفصل الحاصل للنصاب من حين تعلّق الوجوب إلى يوم الدفع إلى الساعي ، وهذا ممّا يقطع بعدم إرادته من شي‌ء من النصوص والفتاوى ، ومخالفته للسيرة القطعيّة.

وممّا يبعد أيضا الشركة الحقيقية اتّحاد سياق الروايات الواردة في الزكاة (١) الواجبة والمستحبّة ، كزكاة مال اليتيم ، وما عدا الغلّات الأربع من المكيلات ، بل بعض الروايات الواردة في بيان ما ثبت فيه الزكاة ، مشتملة على الواجب والمستحبّ ، مع أنّه لا يمكن الالتزام بالشركة الحقيقيّة في المستحبّ ، فالمقصود بثبوت الزكاة فيها كونها متعلّقا لحقّ الفقير ، الناشئ من إيجاب الشارع أو ندبه التصدّق بشي‌ء منها عليه ، كغيرها من الحقوق الثابتة للفقراء في أموال أغنياء ، ممّا عدا الزكاة المبيّنة في الأخبار (٢) الواردة في تفسير قوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٣) وقوله تعالى (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (٤).

__________________

(١) في النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق : الزكوات. وما أثبتناه من الطبع الحجري.

(٢) انظر : الكافي ٣ : ٥٦٤ ـ ٥٦٥ / ١ ـ ٤ ، والتهذيب ٤ : ١٠٦ / ٣٠٣ و ٣٠٤ ، والوسائل ، الباب ١٣ من أبواب زكاة الغلات ، الأحاديث.

(٣) الأنعام ٦ : ١٤١.

(٤) المعارج ٧٠ : ٢٤ و ٢٥.

٢٥٢

والذي يقوى في النظر بالنظر إلى مجموع ما ورد في هذا الباب من الآيات والروايات : أنّ الله تعالى قد جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، بمعنى أنه تعالى أوجب على الأغنياء أن يتصدّقوا عليهم من أموالهم التي وضع عليها الزكاة بالفريضة التي عيّنها لهم ، فصارت الفريضة المقرّرة في أموالهم بذلك حقّا لازما لهم على الأغنياء في أموالهم ، فهو ملك لهم شأنا لا بالفعل ، ولدي امتناع المالك عن أداء هذا الحقّ قد جعل الشارع الحاكم والساعي ، بل وسائر المؤمنين ، بل نفس الفقير عند فقد الحاكم والساعي وليّا على استيفائه ، فيؤدّيه عن المالك من باب الحسبة بقصد القربة ، وأداء الزكاة الواجبة في هذا المال كغيرها من الحقوق المتعلّقة بالأموال لدى امتناع مالكه عن الخروج عن عهدتها.

وحيث ثبت بالأدلّة الخارجيّة جواز إخراج الفريضة من مال آخر ، بل جواز دفع القيمة ، كشف ذلك عن أنّ الحقّ الذي جعله الشارع للفقير في هذا المال لم يلاحظ فيه خصوصيّة شخصه ولا نوعه ، بل كحقّ غرماء الميّت المتعلّق بتركته وإن كان بينهما فرق من حيث تعلّق حقّ الغرماء إذا لم يكن الدين مستوعبا بمجموع التركة ، بحيث لو تلف منها شي‌ء ممّا زاد عن الحقّ ، لم يرد به نقص على الغريم ، وهذا حقّ متعلّق بجميعه ، حيث إنّ الشارع جعل الفقير مستحقّا لأن يستوفى له من جميع هذا المال البالغ حدّ النصاب ، الفريضة التي قرّرها له عينا أو قيمة ، كما جعل الزوجة غير ذات الولد مستحقّة لأن تستوفي من البناء ثمن قيمتها ، وليس حقّ الزوجة المتعلّق بقيمة البناء دينا ثابتا في ذمة الورثة ، بل حقّا متعلّقا بتركته ، فهذا قسم من الحقّ مبسوط على جميع المال ، فلا ينافيه التوزيع ، ولا جواز إخراج الزكاة من غير العين ، ولا دفع القيمة.

٢٥٣

ولا يكاد يستفاد من أدلّة الزكاة ، ولا من إطلاق فتوى القائلين بوجوب الزكاة في العين ، أزيد من ثبوت هذا النحو من الحقّ للفقير ، وهو كاف في صحّة إطلاق لفظ الشركة في قوله ـ عليه‌السلام ـ في الموثّقة المتقدّمة (١) : «إنّ الله تبارك وتعالى شرّك بين الأغنياء والفقراء في الأموال» فهو وإن كان خلاف ظاهر إطلاق لفظ الشركة ، حيث ظاهرها الشركة الحقيقية ، ولكنّه يكفي قرينة لصرفها عن هذا الظاهر : الجمع بينها وبين قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة ابن سنان : «إنّ الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون» (٢) فضلا عن غيره ممّا عرفت ، حيث إنّ الصحيحة صالحة لتفسير ما أريد من الشركة في هذه الرواية ، فإنّه إذا لوحظ مجموع الخبرين يصير المجموع بمنزلة ما لو قال : إنّ الله شرّك بين الأغنياء والفقراء في الأموال بأن فرض على الأغنياء في أموالهم للفقراء بأن يتصدّقوا عليهم بقدر كفايتهم ، مع أنه لا يمكن إثبات مثل هذا الحكم المخالف للقواعد بمثل هذا الظهور ، كما هو واضح.

وأمّا رواية ابن أبي حمزة القاضية بأنّه إذا اتّجر بها في جملة المال ، فلها الربح بقسطها ، وليس عليها الوضيعة (٣) ، فهي بنفسها مخالفة لما تقتضيه الشركة الحقيقية ، فإنّ نفوذ تصرّف أحد الشريكين في المال المشترك الموجب لانتقال حقّه إلى الثمن ، وإباحة تصرّفه فيه ، واستحقاقه لقسطه من الربح بغير إجازته ، مخالف للقواعد.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ حكم الشارع بأنّ الربح له بمنزلة الإجازة من

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٤٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢ / ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٦٠ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ٣.

٢٥٤

الولي حقيقة أو حكما بالنسبة إلى المعاملات الواقعة على طبق مصلحة الفقير ، أي : المشتملة على الربح ، وأمّا ما عداها ممّا لا فائدة فيه للفقير ، فهي بالنسبة إلى حقّ الشريك باقية على أصالة الفساد ، فحقّ الشريك باق في العين ، وعلى البائع الخروج عن عهدته ، فلا وضيعة عليه.

فلا تعارضها صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة (١) الدالّة على تتبّع الساعي المال ، وعدم لزوم الثمن ، زاد أم نقص ، لإمكان صرف هذه الصحيحة ـ لو لم نقل بانصرافها من حيث هي ـ إلى صورة عدم زيادة الثمن عن القيمة ، بحيث يكون استيفاء حقّ الشريك من الثمن أصلح بحاله ، فيجمع بينهما بتخصيص الصحيحة بغير المعاملة المشتملة على الربح التي دلّت هذه الرواية على صحّتها وسببيّتها لانتقال حقّ الفقير إلى الثمن.

نعم ، ظاهر تلك الصحيحة صحّة مطلق المعاملات المتعلّقة بالمال ، بل لزومها مع بقاء المال على ما كان من كونه متعلّقا للزكاة الواجبة فيه ، وأنّه إن أدّاها المالك من مال آخر فهو ، وإلّا استوفاها الساعي من العين ، ورجع المشتري بها على البائع من غير أن يفسخ البيع حتى بالنسبة إلى ما دفعه إلى الساعي ، وإلّا لم يكن له الرجوع إلّا بما قابلها من الثمن ، سواء زاد عن قيمة ما يقع مصداقا للفريضة الواجبة فيه أم نقص ، وهذه الأحكام كلّها منافية للشركة الحقيقيّة ، حتّى تنزيل حكم الشارع بأنّ الربح له منزلة إجازته ، وليس الالتزام بشي‌ء منها ـ بعد تسليم جواز العمل بهذه الرواية في موردها ـ أولى من الالتزام بأنّ الشارع ألحق ربح الزكاة الحاصل بالتجارة بأصله في إيجاب دفعه إلى الفقير أو ندبه رعاية

__________________

(١) تقدمت في صفحة ٢٤٧.

٢٥٥

لحقّ الفقير ، الذي جعله الشارع له ، وقصّر المالك في أدائه.

وقد تلخّص من جميع ما ذكر : أنّه لا دليل يعتدّ به على الشركة الحقيقيّة ، بل هي مخالفة للأصول والقواعد وظواهر الأدلّة ، بل غاية ما يمكن استفادته منها أنّ الزكاة حقّ مالي متعلّق بالعين.

(فإذا تمكّن من إيصالها إلى مستحقّها) بعد تنجّز التكليف به (فلم يفعل ، فقد فرّط) أي أهمل في أدائها إلى المستحقّ.

(فإن تلفت) والحال هذه (لزمه الضمان) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن التذكرة : أنّه قول علمائنا أجمع (١).

ويدل عليه مضافا إلى ذلك ، صحيحة محمّد بن مسلم ، أو حسنته ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم ، فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال : «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، وإن لم يجد فليس عليه ضمان» (٢).

وصحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت ، فقال : «ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان» قلت : فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيّرت أيضمنها؟ قال : «لا ، ولكن إذا عرف لها أهلا فعطبت (٣) أو فسدت فهو

__________________

(١) حكاه السبزواري في ذخيرة المعاد : ٤٢٧ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٩١ ، المسألة ١٢٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٥ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١.

(٣) العطب : الهلاك. الصحاح ١ : ١٨٤.

٢٥٦

لها ضامن حتى يخرجها» (١).

(وكذا لو تمكّن من إيصالها إلى الساعي أو الإمام ـ عليه‌السلام ـ) لكون الإيصال إليهما إيصالا إلى أهلها ، كما صرّح به في الجواهر.

ثمّ قال : بل الظّاهر أنّ الحكم كذلك في المجتهد أو وكيله بالنسبة إلى هذا الزمان ، لاتّحاد المدرك في الجميع (٢). انتهى.

أقول : إيصاله إلى المجتهد أو وكيله ، بل وإلى الساعي أيضا ليس إيصالا إلى مستحقّها حقيقة ، بل حكما ، فإذا جاز له أن يتولّاه بنفسه ، وكان ذلك أوثق في نفسه من حيث الوصول إلى المستحقّ ، لا يتحقّق معه صدق اسم التعدّي ، فيشكل إثبات الضمان حينئذ بالقواعد العامّة.

وأمّا الأخبار الخاصّة فلا يبعد دعوى انصرافها عن مثل الفرض ، وإلّا فمقتضى إطلاقها عدم الضمان فيه أيضا ، إذ المنساق من «الأهل» الوارد فيها : إرادة المستحقّ لا المتولّي ، كما لا يخفى.

(ولو أمهر امرأة نصابا) ملكته بالعقد ، كما تعرفه في محله إن شاء الله.

فلو أقبضها إيّاه (وحال عليه الحول في يدها) مستجمعا للشروط المعتبرة في الزكاة ، وجب عليها الزكاة بلا إشكال ، لعموم أدلّتها.

وكونه في معرض السقوط أو التشطير غير قادح في ذلك ، كما في الهبة وغيرها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ / ١٢٦ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ٢.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ١٤٦.

٢٥٧

(و) لو (طلّقها قبل الدخول وبعد الحول) فإن كان ذلك بعد أن أخرجت الزكاة من العين ، رجع عليها بنصف الباقي ونصف قيمة المخرج ، كما اعترف به الشهيد فيما حكي عنه (١) وغيره (٢).

وحكي (٣) عن الشيخ في المبسوط ، وظاهر المصنّف في المعتبر : أنّ عليها إعطاء النصف الذي هو حقّ الزوج موفّرا من الباقي ، وليس لها إعطاء نصف الباقي وقيمة نصف المخرج ، لإمكان استيفاء الزوج حقه تماما من العين ، فلا مقتضي للعدول إلى القيمة.

وفيه : أنّ النصف الذي يملكه الزوج بالطلاق على ما تقتضيه أدلّته إنّما هو نصف جميع ما فرض ، أي الكسر المشاع في المجموع ، فإذا تلف منه شي‌ء أو أخرجه زكاة ، فليس ما يعادل نصف الجميع من الباقي هو نصف جميعه حقيقة.

وإن كان الطلاق قبل الإخراج (كان له النصف موفّرا ، وعليها حق الفقراء) فيخرجه من نصيبها ، أو من مال آخر.

ولا منافاة بين ملك الزوج للنصف من جميعه واستحقاق الفقراء لعشرة بسبب سابق ، ولو على القول بالشركة الحقيقيّة في الزكاة ، إذ لا معارضة بين الحقّين ، فإنّ كلّ جزء يفرض منه يمكن أن يكون عشره لشخص ، ونصفه لآخر ، والباقي لثالث ، كما في باب المواريث.

وليس للزوجة إخراج الزكاة من العين بعد الطلاق قبل القسمة مع الزوج إلّا بإجازته ، إذ ليس لأحد الشريكين التصرّف في المال المشترك

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٤٧ و ١٤٨ ، وانظر : البيان : ١٧٠.

(٢) كصاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٤٨.

(٣) كما في كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : ٤٨٧ ـ ٤٨٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٠٨ ، والمعتبر ٢ : ٥٦٢.

٢٥٨

بغير إذن الآخر.

نعم ، يصحّ لها القسمة مع الزوج وإخراج الزكاة من نصيبها أو غيره ، فإنّ لها أن تتصرّف في متعلّق الزكاة ـ مع التعهد بأدائها من مال آخر ـ حتّى بالبيع ، فضلا عن القسمة مع الشريك.

نعم ، لو لم تخرجها ، كان للساعي تتبّع العين واستيفاء نصف حقّ الفقير من النصف المنتقل إلى الزوج بالقسمة ، فيرجع به على الزوجة ، فإنّ القسمة وإن كانت جائزة ، لكنّها لم تكن مؤثّرة في خلوص ما أفرز للزوج عن حقّ الفقير ما لم يؤدّ زكاتها من مال آخر ، كما لا يخفى.

وقد ظهر أيضا ممّا قرّرناه من عدم المعارضة بين الحقّين أنّه لا فرق في الحكم المزبور بين وقوع الطلاق قبل التمكّن من الأداء أو بعده ، لأنّ النصف الذي خرج عن ملك الزوجة بالطلاق ـ الذي هو عبارة عن النصف المشاع ـ مغاير للعشر الذي يستحقّه الفقير في هذا المال ، فليس خروجه عن ملك الزوجة قبل التمكّن من أداء الزكاة سببا لتلف شي‌ء من مال الفقير بلا تفريط ، فإنّ عشره المشاع ـ الذي هو متعلّق حقّ الفقير ـ بعد باق على حاله ، نظير ما لو باع مالك عين عشرها المشاع من شخص ، ثمّ باع نصفها كذلك من آخر ، فإنّ عليه الوفاء بكلا العقدين.

وما توهّمه غير واحد في نظائر المقام من أنه بعد أن خرج عشرها من ملكه بالعقد الأوّل ، وصار ملكا لمن اشتراه ، فإذا باع ثانيا نصف الجميع فقد باع نصف ذلك العشر أيضا في ضمن الجميع ، فيقع العقد بالنسبة إلى نصف العشر فضوليّا موقوفا على إجازة مالكه ، ضعيف ، إذ ليس للعشر الذي ملكه المشتري الأول امتياز حتى يتعقّل الإشاعة فيه ، إلّا باعتبار إضافته إلى من انتقل إليه ، وقد تعلّق العقد الثاني بالنصف المشاع من هذه العين من حيث هي ، من غير اعتبار إضافتها إلى

٢٥٩

مالكها ، والبائع حال بيعه للنصف المشاع منها كان مالكا لما هو أعمّ من ذلك ، فلا مانع من أن يعمّه الأمر بالوفاء بعقده ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وربّما علّل عدم ورود النقص على الفقير بعدم كون هذا ـ أي استحقاق الزوج للنصف ـ تلفا ، لرجوع عوضه ـ أي البضع ـ إليها.

وهو ليس بشي‌ء ، إذ البضع ليس عوضا عنه حقيقة ، فالحقّ ما ذكرناه من أنّ العشر الذي يستحقّه الفقير مغاير للنصف الذي استحقّه الزوج بالطلاق ، فلم يتلف من حقّ الفقير شي‌ء ، فلاحظ وتدبر.

هذا ، مع أنّ التمكّن من الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب ، فحؤول الحول سبب لاستحقاق الفقير من النصاب عشرة ، والطلاق إنّما يؤثّر في استحقاق الزوج لنصف ما فرض على تقدير بقائه في ملك الزوجة إلى حين الطلاق ، وإلّا فقيمته ، فإن فرض مزاحمة بين الحقّين ، فهي سبب لانتقال حقّ الزوج إلى القيمة في مورد المزاحمة ، لا لتلف شي‌ء من مال الفقير ، كي يقال : إنّ تلفه قبل التمكّن من الأداء ليس مضمونا على المالك ، بل حق الفقير باق في النصاب بحاله ، فلو دفعت نصفها للزوج والحال هذه ، وجب عليها إخراج الزكاة من النصف الباقي عندها ، أو من مال آخر.

(ولو هلك النصف) الباقي في يدها بعد القسمة مع الزوج (بتفريط) منها ، بل مطلقا حتى مع عدم هلاكه أيضا (كان للساعي أن يأخذ حقه) المتعلق بالنصف الذي وصل الى الزوج (من العين) التي في يده ـ وهو نصف الزكاة ـ لإتمامها ، كما يستشعر من المتن ، فإنّ الزكاة مبسوطة على جميع النصاب ، وليست من قبيل الكلي الخارجي الذي يتعيّن في ضمن ما يبقى من مصاديقه ، كما تقدمت

٢٦٠