مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

بيان تكليف المصدق ، إذ المنساق منهما ليس إلّا إرادة أنّه إذا حضر المصدق بلدا ورأى شخصا مالكا لنصاب ، فإن وجده في ذلك الحين واجدا لفريضة ذلك النصاب ، أخذها منه ، وإلّا فعليه أن يقبل منه الإبدال التي عيّنها الشارع على النحو الذي ستعرفه ، فمن كان فريضته بنت مخاض ولم تكن عنده حال حضور المصدق بنت مخاض ، فليس للمصدق إلزام بتحصيلها ، بل عليه أن يقبل منه ابنة لبون إن دفعها إليه ، ويردّ عليه شاتين أو عشرين درهما ، أو ابن لبون من غير أن يردّ عليه ، أو يأخذ منه شيئا ، سواء كان ما يدفعه إليه مملوكا له من قبل ، أو ملكه في ذلك اليوم أو في ذلك المجلس.

فالمراد بقوله : «وكان عنده ابن لبون» كما في إحدى الروايتين (١) «وعنده ابن لبون» كما في الأخرى (٢) ، على الظاهر ، هو التوطئة لقوله : «فإنّه يقبل منه».

فالمقصود به ما هو مقدّمة لهذا الفعل أي الملكيّة حال الدفع التي يتوقّف عليها القبول منه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ولو سلّم انصرافه إلى ما كان عنده من قبل في جملة أمواله التي تعلّق بها الزكاة ، فهو انصراف بدويّ لا يقف عنده الذهن بعد الالتفات إلى عدم اشتراط كون الفريضة أو بدلها من أجزاء ما تعلّق به الزكاة ، بل كونه ملكا له حال الدفع إلى الفقير أو المصدق ، فالتشكيك في جواز ابتياع أيّهما شاء ـ فيما هو محلّ الكلام الذي نجده في أنفسنا ـ ليس ناشئا من انصراف النصّ إلى ما كان موجودا عنده فيما سبق ، بل من تنزيل

__________________

(١) وهي رواية ابن سبيع ، وتأتي الإشارة إلى مصادرها في صفحة ٢٠٤.

(٢) وهي رواية زرارة ، وتأتي الإشارة إلى مصادرها في صفحة ٢٠٣.

٢٠١

القدرة على تحصيل كل منهما منزلة وجودهما عنده في تقدّمها في الرتبة.

ولكن يدفعه دلالة النصّ على اشتراط تعيّن بنت المخاض بوجودها عنده ، لا بالقدرة على تحصيلها ، فما لم تكن عنده ابنة مخاض أجزأه ابن لبون ، سواء كان مملوكا له بالفعل ، أو اشتراه عند إرادة دفعة إلى الفقير.

إن قلت : قد اعترفت أنّ الاجتزاء بابن لبون من باب البدليّة ، فالفريضة الأصليّة التي اشتغلت الذمّة بدفعها أوّلا وبالذات ، هي بنت المخاض ، ولكنّه إذا لم تكن عنده بنت المخاض وحصل عنده ابنة لبون أو ابن لبون ذكر ، اجتزأ الشارع بدفعه بدلا عمّا وجب عليه ، وهذا خارج عن محلّ البحث ، إذ الكلام في أنّه قبل الشراء مخيّر في ابتياع أيّهما شاء ، وأمّا أنّه بعد شرائه يتحقّق الاجتزاء به فهو أجنبيّ عن ذلك.

قلت : ليس ابتياع شي‌ء منهما واجبا نفسيّا ، وإنّما وجب بحكم العقل مقدّمة لتفريغ الذمّة عما اشتغلت به ، فإذا جاز شرعا الاجتزاء بابن اللبون في تفريغ ذمّته ولو من باب البدليّة ، ولم يكن هناك مانع عقليّ أو شرعي عن شرائه ، لا يحكم العقل بتعيّن شراء بنت المخاض ، بل بالتخيير بين شرائها وبين شراء ما يقوم مقامها في هذا الحال الّذي ليس واجدا لبنت المخاض ، كما لا يخفى.

واستدلّ المصنّف في محكي المعتبر ، للقول بتعيّن شراء بنت المخاض الذي نقله عن مالك : بأنّه مع عدمهما لا يكون واجدا لابن لبون ، فيتعيّن عليه ابتياع ما يلزم الذمّة ، وهو بنت المخاض ، ولأنّهما استويا في العدم ، فلا يجزئ ابن اللبون ، كما لو استويا في الوجود (١).

وفيهما ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت.

__________________

(١) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٨٢ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٥.

٢٠٢

(ومن وجبت عليه سن وليست عنده ، وعنده أعلى منها بسن ، دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما. وإن كان ما عنده أخفض بسن ، دفع معها شاتين أو عشرين درهما).

في المدارك : هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في التذكرة ، ووافقنا عليه أكثر العامّة (١).

وعن الغنية ، والمنتهى ، ومجمع البرهان ، وغيرها أيضا دعوى الإجماع عليه (٢).

ويدلّ عليه صحيحة زرارة المرويّة عن الفقيه ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في حديث زكاة الإبل ، قال : «وكلّ من وجبت عليه جذعة ولم تكن عنده ، وكانت عنده حقة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده ، وكانت عنده جذعة دفعها وأخذ من المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقّة ولم تكن عنده ، وكانت عنده ابنة لبون دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده ، وكانت عنده حقة دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده ، وكانت عنده ابنة مخاض دفعها وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده ، وكانت عنده ابنة لبون دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده ، وكان عنده ابن لبون ذكر ، فإنّه

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٨٣ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ٦٦ ، المسألة ٤١.

(٢) حكى عنها صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١١٨ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٦ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٨٣ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٨٢ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، والحدائق ١٢ : ٥٢.

٢٠٣

يقبل منه ابن لبون ، وليس يدفع معه شي‌ء» (١).

وخبر [ابن] سبيع المروي عن الكافي ، والتهذيب ، ومقنعة المفيد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن جد أبيه ، أنّ أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ كتب له في كتابه الذي كتب له بخطّه حين بعثه على الصدقات : «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة ، وعنده حقّة ، فإنّه يقبل منه الحقّة ، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة ، وعنده جذعة ، فإنّه يقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة ، وعنده ابنة لبون ، فإنّه يقبل منه ابنة لبون ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون ، وعنده حقّة ، فإنّه يقبل منه الحقة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون ، وعنده ابنة مخاض ، فإنّه يقبل منه ابنة مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض ، وعنده ابنة لبون ، فإنّه يقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها ، وعنده ابن لبون ذكر ، فإنّه يقبل منه ابن لبون ، وليس معه شي‌ء» (٢) الحديث.

وعن المختلف : أنّه نقل عن الشيخ علي بن بابويه ، وابنه الصدوق في المقنع ، أنّهما جعلا التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، المقنعة : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

٢٠٤

المصدق أو يدفعها (١).

وفي الحدائق قال : هذا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال ـ عليه‌السلام ـ في الكتاب المذكور بعد ذكر خمسة وثلاثين : «فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ، ومن لم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض ، أعطى المصدّق ابنة مخاض وأعطى معها شاة ، وإذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده ، وكانت عنده ابنة لبون ، دفعها واسترجع من المصدق شاة» (٢). انتهى.

وفيه : بعد تسليم حجّيته ، عدم صلاحيته لمعارضة ما عرفت ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه قد حكي عن العلّامة والشهيدين وبعض من تأخّر عنهم :القول بجواز الاكتفاء بشاة وعشرة دراهم (٣).

وهو ليس بالبعيد ، إذ ليس الحكم تعبّديّا محضا ، كي يتوقّف في استفادة مثل ذلك عن أدلّته.

وكيف كان فظاهر النصّ والفتوى كون التقديرات المزبورة حدودا شرعيّة لا تتوقّف ثبوتها إلّا على تحقّق موضوعاتها (٤).

فما عن الموجز وكشفه من اختصاص ذلك بما إذا كان القابض الساعي أو الإمام ، دون الفقير أو الفقيه ، لأنه نوع معاوضة ، ضعيف ،

__________________

(١) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٥٣ ، وانظر ، المختلف ٣ : ٥٠ ، المسألة ١٧ ، والمنقع (ضمن الجوامع الفقهية) : ١٣. و

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٣ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا ـ عليه‌السلام ـ : ١٩٦.

(٣) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٨٤ ، وصاحب الجواهر فيها ١٥ : ١١٩ ، وأيضا صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٥٣ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ٦٩ ، والمسالك ١ : ٣٧٥.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ١١٩ ، وانظر : الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ١٢٤.

٢٠٥

إذ مع أنّ الفقيه أيضا كالساعي في جواز أن يتأتّى مثل هذه المعاوضة منه : يتوجّه عليه أنّه ليس معاوضة حقيقيّة ، بل حكما شرعيّا لا يتوقّف إمضاؤه على رضا الفقير أو وليّه.

(و) من هنا يعرف أنّ (الخيار في ذلك) أي في دفع الأعلى أو الأدنى ، والجبر بشاتين أو عشرين درهما (إليه) أي إلى المالك (لا إلى العامل) كما نسبه في الحدائق إلى الأصحاب (١) ، إذ ليس للعامل أن يتعدى عن الحدود الشرعيّة ، ويوجب عليه ما لم يعيّنه الشارع عليه.

نعم لو دفع الأعلى وردّ إليه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ليس له الامتناع من القبول ومطالبة الفرد الآخر ، إذ لم يجعل الشارع التخيير في ذلك له ، بل للمصدق ، حيث قال : يدفع إليه المصدق هذا أو هذا.

نعم للمالك أن لا يقبل منه ذلك حينئذ ، ويتكلّف في تحصيل أصل الفريضة أو بدلها الأدنى ، ويدفعه إليه مع شاتين أو عشرين درهما.

ولا يلاحظ في جبر تفاوت الأسنان بدفع شاتين أو عشرين درهما مع البدل إلى العامل أو أخذهما منه ، القيمة السوقيّة ، بل هذا الحكم ثابت مطلقا (سواء كانت القيمة السوقيّة مساوية لذلك ، أو ناقصة عنه ، أو زائدة عليه) كما صرّح به غير واحد (٢). بل في الجواهر :لا أجد فيه خلافا ، لإطلاق الدليل.

نعم ، استشكل الفاضل ، والكركي ، وثاني الشهيدين ، وسبطه ، وبعض من تأخّر عنهم : فيما إذا نقصت قيمة ما يدفعه المالك عن الشاتين أو العشرين درهما الذي يأخذه من العامل ، أو مساوية له ، من إطلاق النصّ ، ومن أنّه كأنه لم يؤدّ شيئا ، بل استوجه سيد المدارك والمحقّق

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١١٩.

٢٠٦

البهبهاني في شرحه عدم الإجزاء ، حملا للرواية على ما هو المتعارف والغالب في ذلك الزمان (١).

أقول : لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة مثل هذا الفرض من إطلاق الدليل ، لأنّ الزكاة شرّعت صلة للفقير ، لا إضرارا به ، فكيف يجوز أن يستحقّ المالك بدفع الزكاة إلى الفقير ما يساوي قيمة المدفوع ، أو يزيد عليها بأن يدفع بنت لبون قيمتها خمسة عشر درهما ، ويستحقّ العشرين من مال الفقير تداركا للتفاوت الذي يستحقّه المالك بدفع الأعلى.

فهذه قرينة عقليّة صارفة للإطلاق عن مثله جزما ، بل قد يشكل شمول النصّ لما إذا كانت الأدنى أو الأعلى مساوية في القيمة للفريضة ، فإنّ إطلاق النصوص جار مجرى العرف والعادة ، دون مثل هذه الفروض الاتّفاقية الغير المناسبة للإطلاق ، فالأظهر قصور النصّ والفتوى عن شمول مثل هذا الفرض أيضا ، فيرجع في أخذ البدل إلى القيمة السوقية ، كما في الفرض الآتي.

(ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة واحدة) بأن كان ما عنده من الإبل فوق الفريضة ، أو دونها بدرجتين فصاعدا (لم يتضاعف التقدير الشرعي ، ورجع في التقاصّ إلى القيمة السوقية على الأظهر) الأشهر ، بل المشهور ، على ما في الجواهر (٢) ، وغيره (٣) ، بل في المدارك قال : وبذلك قطع المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر من غير نقل خلاف في ذلك لأحد من الأصحاب ، اقتصارا في الحكم المخالف

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ٧٠ ، وجامع المقاصد ٣ : ١٨ ، والمسالك ١ : ٣٧٥ ، ومدارك الأحكام ٥ : ٨٤.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ١٢٠.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٤.

٢٠٧

للقواعد والعمومات على مورد النصّ (١).

وحكي عن الشيخ في المبسوط ، والعلّامة في بعض كتبه ، القول بجواز الانتفاع إلى الأدنى والأعلى ، مع تضاعف الجبران (٢) ، بأن يدفع بنت المخاض مثلا وأربع شياه عن حقّة ، أو مع ستّة عن جذعة ، أو يدفع الحقة أو الجذعة عن بنت المخاض ويأخذ أربع شياه ، أو ست شياه ، لأنّ كل سنّ من الأسنان مساو لما قبله مع الجبر بشاتين ، ومساو المساوي مساو ، فتكون بنت المخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما مساوية للحقة ، ومع ستّ شياه أو ستّين درهما مساوية للجذعة.

وفيه : أنّه قياس مع الفارق ، فإنّ التقدير الشرعي مبني على المسامحة ، وعدم اعتداد الشارع بالاختلاف اليسير الحاصل غالبا بين قيمة الفريضة وما دونها بمرتبة مع شاتين ، أو عشرين درهما وما فوقها بمرتبة مع أخذ شاتين وعشرين درهما ، لحكمة مقتضية لشرع هذا الحكم ، فكيف يجوز التعدّي عن مورده إلى ما إذا تفاوتت بدرجتين فصاعدا ، وصار الاختلاف اليسير كثيرا!؟

ولقد أجاد في محكي السرائر ، حيث إنّه بعد أن حكى عن بعض أصحابنا : أنّه إن كان بينهما درجتان فأربع شياه ، وإن كان ثلاث درج فستّ شياه ، أو ما في مقابلة ذلك من الدراهم ، قال : وهذا ضرب من الاعتبار والقياس ، والمنصوص من الأئمة والمتداول من الأقوال والفتيا بين أصحابنا : أنّ هذا الحكم فيما يلي السنّ الواجبة من الدرج دون ما بعد عنها (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٨٥ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٦.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٨٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٩٥ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٦٨ ـ ٦٩ ، ومختلف الشيعة ٣ : ٥١ ، المسألة ١٨.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٢١ ، وانظر : السرائر ١ : ٤٣٥.

٢٠٨

(وكذا) رجع في التقاصّ إلى القيمة السوقيّة إذا كان ما عنده (ما فوق الجذع من الأسنان) كالثني والرباع فلا يجزئ ذلك عن الجذع وما دونه ، مع أخذ الجبران ، أي : الشاتين أو العشرين درهما ، بلا نقل خلاف فيه ، بل عن البيان الإجماع عليه (١) ، اقتصارا في إجزاء غير الفرض عنه على مورد النصّ.

وفي إجزاء ما فوق الأسنان عن أحد الأسنان الواجبة من غير جبر ، وجهان : من خروجه عن مورد النصّ. ومن إمكان دعوى استفادته من النصّ بالفحوى ، بدعوى أنّ المنساق من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فإذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون ، أو ستّا وأربعين ففيها حقّة» (٢) إنّما هو إرادة ما بلغت هذا السنّ في مقابل ما لم تبلغ ، لا ما تجاوزت عنها ، فتكون الفريضة المنصوص عليها من باب كونها أدنى ما يجزئ ، لا كونها بخصوصها مرادة من النصّ ، أو بدعوى : استفادته من النصّ من باب الأولويّة ، فإنّ الأعلى سنّا أصلح للفقير ، لكونه أعلى قيمة وأعظم نفعا.

وفيه : أنّه إذا كانت أعلى قيمة وأعظم نفعا ، فهي مجزئة بملاحظة القيمة ، إن قلنا بجواز الإخراج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقيّة ، كما [أنّه] (٣) إذا فرض كون الأدنى أيضا كذلك ولو باعتبار كونها سمينة ، لكانت أيضا مجزئة بهذه الملاحظة ، وهذا خارج عن محل الكلام ، إذ الكلام في كون الأعلى سنّا مجزئة من حيث كونه كذلك تعبّدا وإن لم تكن أعلى قيمة ، وهذا ممّا لم يعلم أولويّته.

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٢١ ، وانظر : البيان : ١٧٤.

(٢) الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ والوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١ و ٢ ، والمصنّف نقله بالمعنى.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

٢٠٩

وأمّا دعوى استفادته من النصّ بتنزيله على بيان أدنى ما يجزئ ، فهي قابلة للمنع ، وكيف لا ، وإلّا لكان الأعلى بدرجة من أفضل مصاديق الفريضة الواجبة ، فلم يكن يستحقّ بدفعه إلى الفقير قيمة التفاوت الذي قدّره الشارع بشاتين أو عشرين درهما.

فالأوجه عدم إجزاء ما فوق الأسنان عن الفريضة الواجبة إلا بملاحظة القيمة السوقية إن جوّزناه.

نعم ، قد يتّجه الإجزاء بدفع الأعلى بدرجة بلا جبر في الموارد التي ثبت جوازه مع الجبر ، كما إذا كانت الفريضة بنت مخاض ، فدفع بنت لبون من غير أن يأخذ التفاوت للأولويّة القطعيّة ، ولأنّ أخذ التفاوت حقّ للمالك فله إسقاطه.

وقد حكي عن الشهيد في الدروس والبيان ، القول : بأنّ فرض كلّ نصاب أعلى يجزئ عن الأدنى ، وزاد في الأوّل : وفي إجزاء البعير عن الشاة فصاعدا لا بالقيمة وجهان (١).

قلت : وقد عرفت أنّ الأوجه عدمه ، لخروجه عن المنصوص ، كما أنّك عرفت : أنّ المتّجه الاقتصار في الإجزاء بدفع الفريضة الأعلى للأدنى ، لا بملاحظة القيمة (بالموارد) (٢) التي دلّ الدليل على جوازه مع الجبر لا مطلقا ، فلا يجزئ بنت مخاض عن خمس شياه التي هي فريضة خمس وعشرين إلّا بالقيمة.

ودعوى استفادة كفاية الفريضة الأعلى عن الأدنى من النصّ بالأولويّة وتنقيح المناط ، غير مسموعة في الأحكام التعبديّة ، خصوصا بعد

__________________

(١) حكاه عنه ، صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٢٢ ، وانظر : الدروس ١ : ٢٣٥ ، والبيان : ١٧٥.

(٢) كذا في النسخة والطبع الحجري ، والأنسب بالعبارة : على الموارد.

٢١٠

الالتفات إلى ما ورد في قضيّة أبان من الردع عن العمل بمثل هذه الأولويّة التي هاهنا ، حيث استعملها في دية أصابع المرأة ، فلم يذعن لأجلها بما بلغه في ديتها من أنّها إذا قطعت منها أربعا فديتها عشرون ، وإذا قطعت ثلاثا فثلاثون (١) ، فلاحظ.

(وكذا ما عدا أسنان الإبل) فلا يجزئ في شي‌ء منها عن فريضتها ما دونها أو ما فوقها مع الجبر ، أو بدونها إلّا بملاحظة القيمة السوقية ، لخروجها عن مورد النصّ ، والله العالم.

المقصد (الثالث : في أسنان الفرائض)

(بنت المخاض ، هي التي لها سنة ودخلت في الثانية ، آي أمّها ماخض بمعنى حامل).

عن الجوهري : المخاض وجع الولادة ، والمخاض أيضا الحوامل من النوق ، واحدتها خلفة ، ولا واحد لها من لفظها ، ومنه قيل للفصيل إذا استكمل الحول ودخل في الثانية : ابن مخاض ، والأنثى ابنة مخاض ، لأنّه فصل عن امّه ، وألحقت أمّه بالمخاض ، سواء لقحت أو لم تلقح (٢).

(وبنت اللبون) بفتح اللام (هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة ، أي أمّها ذات لبن).

عن الجواهري : وابن اللبون ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة ، والأنثى بنت لبون ، لأنّ أمّه وضعت غيره فصار لها لبن ، وهو

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٩٩ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٨٨ / ٢٨٣ ، التهذيب ١٠ : ١٨٤ / ٧١٩ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ١.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٨٧ ، وانظر : الصحاح ٣ : ١١٠٥.

٢١١

نكرة ، ويعرف بالألف واللام (١).

(والحقّة : هي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، فاستحقت أن يطرقها الفحل ، أو يحمل عليها).

عن الجوهري : الحقّ بالكسر ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة. والأنثى حقّة وحقّ أيضا ، سمّي بذلك ، لاستحقاقه أن يحمل عليه ، وأن ينتفع به (٢).

(والجذعة) بفتح الجيم والذال المعجمة (هي التي لها أربع ودخلت في الخامسة).

عن الجوهري : الجذع قبل الثنيّ ، والجمع جذعان وجذاع ، والأنثى جذعة ، والجمع جذعات ، تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية ، ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة ، وللإبل في السنة الخامسة : أجذع.

ثم قال : وقد قيل في ولد النعجة : إنّه يجذع في ستّة أشهر أو تسعة أشهر (٣).

(وهي أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة).

في المدارك قال : لا خلاف في أنّ الجذعة أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة ، كما لا خلاف في أنّ بنت المخاض أصغر أسنانها ، وقد تقدم ما يدلّ على ذلك من النصوص.

قال ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في كتابه (من لا يحضره الفقيه) : أسنان الإبل من أوّل ما تطرحه أمّه إلى تمام السنة : حوار ، فإذا دخل في الثانية سمّي ابن مخاض ، لأنّ امّه قد حملت ، فإذا دخل في الثالثة سمّي

__________________

(١) حكاه أيضا صاحب المدارك فيها ٥ : ٨٨ ، وانظر : الصحاح ٦ : ٢١٩٢.

(٢) حكاه أيضا صاحب المدارك فيها ٥ : ٨٨ ، وانظر : الصحاح ٤ : ١٤٦٠.

(٣) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٨٨ ، وانظر : الصحاح ٣ : ١١٩٤.

٢١٢

ابن لبون ، وذلك لأنّ امّه قد وضعت وصار لها لبن ، فإذا دخل في الرابعة سمّي الذكر حقّا ، والأنثى حقة ، لأنّه قد استحقّ أن يحمل عليه ، فإذا دخل في الخامسة سمّي جذعا ، فإذا دخل في السادسة سمّي ثنيّا ، لأنّه قد ألقى ثنيّته ، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيّته ، وسمّي رباعيّا ، فإذا دخل في الثامنة ألقى السنّ التي بعد الرباعيّة ، وسمّي سديسا ، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه ، وسمّي بازلا ، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ، وليس له بعد هذا اسم ، والأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع (١).

(والتبيع) على ما صرّح به في المتن (٢) وغيره (٣) ، بل عن بعض (٤) أنّه عند الأصحاب (هو الذي تمّ له حول) ودخل في الثانية.

ولكن في المدارك قال : ذكر الجواهري وغيره : أنّ التبيع ولد البقر في السنة الاولى ، وإنّما اعتبر فيه تمام الحول ، لقوله ـ عليه‌السلام ـ في حسنة الفضلاء : «في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي» (٥).

وعن المبسوط أنّه قال : قال أبو عبيدة : تبيع لا يدلّ على سن. وقال غيره : إنّما سمّي تبيعا ، لأنّه يتبع امه في الرعي ، ومنهم من قال : لأنّ قرنه يتبع اذنه ، حتى صارا سواء ، فإذا لم تدلّ اللغة على معنى التبيع والتبيعة ، فالرجوع فيه إلى الشرع ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٨٩ ، وانظر : الفقيه ٢ : ١٣.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٤٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٥١٣.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ١٢٤.

(٥) مدارك الأحكام ٥ : ٨٩ ، وانظر : الصحاح ٣ : ١١٩٠ ، والقاموس المحيط ٣ : ٨.

٢١٣

بيّن ، وقال : «تبيع أو تبيعة ، جذع أو جذعة» (١) وقد فسّره أبو جعفر وأبو عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ : بالحولي (٢) (٣). انتهى.

وقال في التذكرة : وأسنان البقر أوّلها الجذع والجذعة ، وهي التي لها حول ، ويسمّى شرعا : تبيعا وتبيعة ، لقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ :«تبيع أو تبيعة ، جذع أو جذعة» وكذا قال الباقر والصادق ـ عليهما‌السلام ـ حيث فسراهما بالحولي ، فإذا أكمل سنتين ودخل في الثالثة ، فهو ثني وثنية ، وهي المسنّة شرعا (٤). انتهى.

أقول : قد ورد في خبر الأعمش أيضا توصيفه بالحولي (٥) ، فهو بحسب الظاهر صفة مخصّصة ، أريد به الاحتراز عمّا ينصرف إليه إطلاقه عرفا على ما يظهر من كلمات اللغويّين ، وهو ما كان في السنة الاولى.

وكيف كان ، فما ذكره الأصحاب على الظاهر ، هو المراد بالتبيع في هذا الباب ، بشهادة الخبرين المعتضدين بالنبوي المرسل المتقدّم ، مع أنّه ممّا لا خلاف بحسب الظاهر عندهم.

بل في الجواهر استدلّ له أيضا بصحيح ابن حمران عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «التبيع ما دخل في الثانية» (٦).

ولكن لم أعثر على هذه الرواية في مظانّها عن الوسائل وغيره.

نعم في المدارك ، بعد أن ذكر في باب الهدي ، أنّ مذهب

__________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٩٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) حكاه عن المبسوط صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٢٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٩٨.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٠٦.

(٥) الخصال : ٦٠٥ / ٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

(٦) جواهر الكلام ١٥ : ١٢٥.

٢١٤

الأصحاب أنّه لا يجزئ في الهدي من غير الضأن إلّا الثنيّ ، وذكر جملة من الروايات الدالّة عليه.

ثمّ ذكر أنّ المشهور في كلام الأصحاب أنّ الثنيّ من البقر والغنم ما دخل في الثانية ، وأنّ العلّامة ـ رحمه‌الله ـ في موضع من التذكرة والمنتهى ، قال : الثنيّ من المعز ما دخل في الثالثة ، وأنّ هذا هو المطابق لكلام أهل اللغة ، وذكر جملة من كلمات اللغويين ، قال ما لفظه :والتعويل على ذلك كله مشكل ، نعم روى الكليني رحمه‌الله ـ في الصحيح ـ عن محمّد بن حمران عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «أسنان البقر تبيعها ومسنّها سواء والتبيع ما دخل في الثانية» (١).

والظاهر أنّ قوله : والتبيع ما دخل في الثانية ، من كلامه ، لا من تتمّة الرواية ، كما يفصح عن ذلك عدم ذكره في الوسائل وغيره من تتمّة الرواية.

بل في الحدائق بعد أن روى في باب الهدي عن الكافي عن محمّد بن حمران ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «أسنان البقر تبيعها ومسنّها في الذبح سواء» قال : أقول : والتبيع ما دخل في الثانية (٢).

فهو صريح في كونه من كلامه ، لا من تتمّة الرواية ، وكيف كان ، ففي ما عداها غنى وكفاية.

(وقيل) في وجه التسمية : إنّه (سمّي بذلك ، لأنّه يتبع قرنه اذنه ، أو تبع امه في الرعي).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٨ : ٢٨ ـ ٣٠ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٠٦ والمنتهى ١ : ٤٨٧.

(٢) الحدائق الناضرة ١٧ : ٨٩ ، وانظر : الكافي ٤ : ٤٨٩ / ٣ ، والوسائل ، الباب ١١ من أبواب الذبح ، الحديث ٧.

٢١٥

(والمسنّة : هي الثنيّة التي كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة).

وعن المبسوط : قالوا : هي التي تمّ لها سنتان ، وهو الثنيّ في اللغة ، فينبغي أن يعمل عليه ، وروي عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه قال :«المسنّة هي الثنيّة فصاعدا» (١).

أقول : وربّما يظهر من العبارة المتقدّمة عن التذكرة ، بل وكذا من عبارة المتن وغيره ، حيث أرسلوه إرسال المسلمات عدم الخلاف فيه. بل عن المنتهى : دعوى الإجماع على أنّ المراد بها ما كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة (٢).

ولا يبعد كفاية هذا النحو من الاشتهار المعتضد بما سمعت من نقل الإجماع في إثبات ما أريد منه شرعا ، ولا أقلّ من كونه جابرا لضعف المرسلة المزبورة ، مع أنّه يفهم من مقابلتها بالتبيع والتبيعة : أنّ المراد بها ما تمّ لها سنتان ودخلت في الثالثة.

والظاهر عدم اشتراط عدم تجاوزها عنها ، كما يدلّ عليه النبويّ المزبور (٣) ، مع موافقته للأصل ، والله العالم.

(ويجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية ، ومن العين أفضل ، وكذا في سائر الأجناس) الزكويّة.

أمّا جواز إخراج القيمة في غير الأنعام ، فممّا لا شبهة بل لا خلاف يعتدّ به فيه ، بل عن صريح المعتبر والتذكرة والمفاتيح وظاهر المبسوط

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٣٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٩٨.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٩٠ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٨٧.

(٣) تقدم آنفا.

٢١٦

وإيضاح النافع والرياض : دعوى الإجماع عليه (١).

بل لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الإسكافي ، مع أنّه حكي عن شرح الروضة : التصريح بموافقة الإسكافي أيضا للمشهور (٢).

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك ، صحيحة البرقي ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه‌السلام ـ : هل يجوز جعلت فداك أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوي ، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجابه ـ عليه‌السلام ـ : «أيّما تيسّر يخرج» (٣).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن الرجل يعطي من زكاته عن الدراهم دنانير أو عن الدنانير دراهم بالقيمة أيحلّ ذلك؟ قال : «لا بأس به» (٤).

وعن عبد الله في كتاب قرب الإسناد عن محمّد بن الوليد عن يونس ابن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة ، فأشتري لهم منها شيئا (٥) ثيابا وطعاما ، وأرى أنّ ذلك خير لهم؟ فقال : «لا بأس» (٦).

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١٥ : ١٢٦ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٦ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ١٩٦ ، المسألة ١٣١ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٢٠٢ ، والمبسوط ١ : ٢١٣ ، ورياض المسائل ١ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٢٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٥١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٢.

(٥) كلمة «شيئا» ليس في المصدر.

(٦) قرب الإسناد : ٤٩ / ١٥٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٤ ، والباب ٦ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ٣.

٢١٧

وربّما استدلّ بإطلاق هذه الرواية لجواز إخراج القيمة في الأنعام أيضا ، كما هو المشهور على ما في الحدائق (١) وغيره (٢) ، بل عن صريح الشيخ ، وابن زهرة ، وظاهر السيد ، والحلّي : دعوى الإجماع عليه (٣).

واستدلّ لجواز دفع القيمة في الأنعام أيضا بالصحيحة الأولى (٤) ، فإنّه وقع في السؤال تخصيص ما يجب في الحرث والذهب بالذكر.

ولكن سوقه يشهد بأنّ ذلك من باب التمثيل ، وأنّ المقصود بالسؤال هو الاستفهام عن أنه هل يجب أن يخرج من كلّ شي‌ء يجب فيه الزكاة ما يجب فيه بعينه ، أم يجوز إخراج قيمتها من الدراهم مثلا بمقدار ما يسوي؟

فيستفاد من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «أيّما تيسّر» عموم الجواز في الجميع ، كما ربّما يؤيّده أيضا جواز احتساب الدين من الزكاة ، الشامل بإطلاقه لزكاة الأنعام.

وما ورد في آداب الساعي من الإرفاق بالمالك ، وأنّه إذا أخرجها فليقوّمها فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن ، فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها (٥) ، فإنّه يستفاد من مثل هذه الأخبار أنّه إذا كانت قيمتها السوقيّة معلومة ، فدفعها المالك إلى الساعي ، ليس للساعي الامتناع من قبولها إذا

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ١٣٦.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ١٢٦.

(٣) حكاه عنهم صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٢٦ ، وانظر : الخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٦ ، الانتصار : ٨١ ، السرائر ١ : ٤٤٦.

(٤) وهي صحيحة البرقي.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٩٨ / ٢٧٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

٢١٨

علم بأنّه لا يقوّم فيمن يريد بأكثر من هذه القيمة ، كما أنه يستفاد منها أنّ المقصود بأخذ الزكاة صرف ثمنا في مصارفها ، وعدم تعلّق الغرض بصرف عينها في تلك المصارف.

ومن هنا صحّ للعلّامة وغيره الاستدلال له بأنّ المقصود بالزكاة رفع الخلّة (١) وسدّ الحاجة ، وهو يحصل بالقيمة ، كما يحصل بالعين ، وبأنّ الزكاة إنّما شرّعت جبرا للفقراء ومعونة لهم ، وربّما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات ، فاقتضت الحكمة التسويغ (٢) ، إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيّدات التي لا تخفى على المتتبّع المتأمّل.

وحكي عن المفيد في المقنعة أنّه قال : لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلّا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة (٣)).

وعن المصنّف في المعتبر : الميل إليه (٤).

ووافقهما في الميل ، أو القول بالمنع عن إخراج القيمة في زكاة الأنعام مع وجود الأسنان المخصوصة ، غير واحد من المتأخّرين ، كصاحبي المدارك والحدائق ، وغيرهما (٥) ، لتطرّق الخدشة إلى جميع ما ذكر ، شاهدا أو مؤيّدا للمشهور ، إمّا بقصور السند ، أو ضعف الدلالة ، ورجوع جملة منها إلى الاستحسان والاعتبارات العقليّة الظنية التي لا اعتداد بها في الأحكام التعبّدية الشرعية.

__________________

(١) الخلّة : الحاجة والفقر. الصحاح ٤ : ١٦٨٧.

(٢) انظر : مدارك الأحكام ٥ : ٩١ ، تذكرة الفقهاء ٥ : ١٩٧ ، وجواهر الكلام ١٥ : ١٢٧.

(٣) حكاه عنه صاحب المدارك فيها ٥ : ٩٠ ، وانظر : المقنعة : ٢٥٣.

(٤) حكاه عنه صاحب المدارك فيها ٥ : ٩٠ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٧.

(٥) كما في الجواهر ١٥ : ١٢٩ ، وانظر : مدارك الأحكام ٥ : ٩١ ، والحدائق الناضرة ١٢ : ٧٢ ، والذخيرة : ٤٤٧.

٢١٩

وفيه : إنّا ولو سلّمنا إمكان الخدشة في كل واحد واحد ممّا ذكروه دليلا أو مؤيّدا للمشهور ، بشي‌ء من المناقشات التي تقدمت الإشارة إليها ، ولكنّ المنصف المتأمّل في الجميع لا يكاد يرتاب في صحة ما ذهب إليه المشهور ، ولا سيّما بعد الالتفات إلى عدم نقل خلاف يعتدّ به فيه ، وما تقدم من نقل الإجماع عليه ، الجابرين لضعف ما في الخبرين المزبورين في سند أو دلالة إن كان.

مع أنّ الحقّ عدم الحاجة في إثبات جواز إخراج القيمة إلى التشبّث بشي‌ء من الأمور المزبورة ، بل يستفاد جواز إبدالها بالقيمة بل وجوبه غالبا لمن يتولى صرفها إلى مصارفها من الأصناف الثمانية التي ستعرفها من الكتاب والسنّة الآمرة بصرفها إلى هذه المصارف بدلالة الاقتضاء ، حيث إنّ الغالب تعذّر صرف عين الفريضة أو تعسّره من غير تبديل أو تغيير ، خصوصا إذا كانت من جنس الأنعام ، إلى تلك المصارف ، إذ كيف يتمكّن من صرف بنت المخاض أو بنت اللبون بعينها في عمارة المساجد وبناء القناطر ومعونة الحاج وغير ذلك من وجوه البرّ ، أو في أداء مال الكتابة وفكاك الرقاب ووفاء دين الغارمين الذين لا يبلغ دينهم هذا المبلغ ، أو لا يرضى صاحبه إلّا بحقه! فليس الأمر بصرف الزكاة إلى هذه الوجوه إلّا كالوصية بصرف ثلث تركته من المواشي والعقار والغلّات إلى استئجار العبادات ، أو شي‌ء من مثل هذه الوجوه ، فإنّ مفادها عفا ليس إلّا إرادة صرف ثلثه إلى هذه المصارف بأيّ وجه تيسر.

وستعرف أنّه يجوز للمالك أن يتولّى بنفسه صرف الزكاة إلى مصارفها ، بل هو المكلّف بذلك أوّلا وبالذات ، وإن جاز له إيكاله إلى الإمام عليه‌السلام ، أو الساعي ، أو وجب عليه ذلك لدى مطالبته ،

٢٢٠