مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

قيل (١) ، فهو قاصر عن معارضة الخبر الثاني ـ وهي صحيحة الفضلاء ـ من حيث وجه الصدور أيضا.

فالمتّجه ، هو الأخذ بمضمون هذه الصحيحة ، كما هو المشهور ، وحمل الكثرة الواقعة في صحيحة محمّد بن قيس ، وخبر الأعمش الآتي (٢) ، على بلوغ الأربعمائة ، فيكون حكم الثلاثمائة وواحدة مسكوتا عنه ، ولعلّ الحكمة في إهمالها مراعاة التقية ، والله العالم.

وأمّا ما حكي عن الصدوقين (٣) من اعتبار زيادة الواحدة على الأربعين في النصاب الأوّل ، فرده غير واحد : بعدم وجود دليل عليه.

واعترض عليهم في الحدائق بما لفظه : لا يخفى أنّ ما ذكره الصدوق في هذا المقام من أوّله إلى آخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي ، ومنه يعلم أنّه المستند له فيما ذكره (٤).

أقول : ويمكن أن يكون مستنده ما رواه في الخصال ، بإسناده عن الأعمش ، في حديث شرائع الدين ، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما‌السلام ـ قال : «وتجب على الغنم الزكاة إذا بلغ أربعين شاة وتزيد واحدة فيكون فيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين ، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، وبعد ذلك يكون في كلّ مائة شاة شاة» (٥).

وكيف كان ، فهو ضعيف ، فإنّ شيئا منهما لا ينهض حجّة في مقابل ما عرفت.

__________________

(١) القائل هو : العلامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٥ : ٨٢.

(٢) يأتي في هذه الصفحة.

(٣) كما في جواهر الكلام ١٥ : ٨٣.

(٤) الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٧.

(٥) الخصال : ٦٠٥ / ٩.

١٤١

ثمّ إنّ هاهنا سؤالا مشهورا ، وهو : أنّه إذا وجب أربع شياه عند بلوغها ثلاثمائة وواحدة ، ولم تتغيّر الفريضة حتى تبلغ خمسمائة ، فأيّ فائدة تترتّب على جعل الأربعمائة نصابا؟وكذلك الكلام بالنسبة إلى الثلاثمائة وواحدة ، على القول الآخر ، حيث لا يجب عندها إلّا ما يجب بالنصاب الذي قبلها : المائتان وواحدة ، وهي : ثلاث شياه ، ولا تتغيّر الفريضة على هذا القول حتّى تبلغ أربعمائة ، فيتوجّه حينئذ على هذا القول أيضا السؤال عن فائدة جعل الثلاثمائة وواحدة نصابا مستقلا؟

وأجاب عنه في الجواهر : بأنّه يمكن أن يكون الوجه في ذلك متابعة النصّ ، أو أنّ الاتّحاد في الفريضة ، مع فرض كون النصاب كلّيّا ذا أفراد متعدّدة ، ينفرد عن الأول في غالب أفراده ـ كخمسمائة فصاعدا ـ غير قادح (١).

ولا يخفى عليك أنّ الجواب الأوّل إسكاتيّ محض.

وأمّا الثاني فغير حاسم لمادة السؤال ، فإنّه بذلك بيان معقوليته ، أي : إمكان جعل النصاب كلّيّا عند بلوغها هذا الحدّ ، وإلغاء خصوصيّات الأفراد وإن اتّحد مقتضاهما في بعض الموارد ، فهذا ممّا لا مجال لإنكاره ، وإنّما المقصود بالسؤال الاستفهام عن الثمرة المترتّبة على جعل الأربعمائة نصابا كليّا ، وأنّه أيّ فرق بين ذلك ، وبين ما لو أهمل الأربعمائة وقال : فإذا بلغت ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ خمسمائة ، فإذا تمّت خمسمائة كان على كلّ مائة شاة؟ فشي‌ء من الجوابين المذكورين لا يجدي في رفع هذا السؤال.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٨٦.

١٤٢

وقد أشار المصنّف ـ رحمه‌الله ـ إلى الجواب عنه بقوله : (وتظهر الفائدة في الوجوب) أي : محلّ الوجوب (وفي الضمان).

أمّا الأوّل : فإنّه إذا كانت أربعمائة ، فمحلّ الوجوب مجموعها ، إذ المجموع نصاب ، ومحلّ الوجوب النصاب ، ولو نقصت عن الأربعمائة ولو واحدة ، كان محلّ الوجوب الثلاثمائة وواحدة ، والزائد عفو.

ويتفرّع على هذا جواز تصرّف المالك فيه قبل إخراج حقّ الفقير ، بناء على المنع عنه قبل الإخراج إلّا مع الضمان ـ كما هو المصرّح به في كلماتهم ـ فإنّ هذا إنّما هو فيما يتعلّق به الوجوب دون العفو ، كما هو صريح بعض ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله.

وأمّا الثاني ـ أي الضمان ـ : فهو أيضا متفرّع على محلّ الوجوب ، فلو تلف من أربعمائة واحدة بعد الحول بغير تفريط ، سقط من الوجوب جزء من مائة جزء من شاة.

وإن شئت قلت : أربعة أجزاء شاة من أربعمائة جزء.

ولو كانت ناقصة من أربعمائة ولو واحدة وتلف منها شي‌ء ما دامت الثلاثمائة باقية ، لم يسقط من الفريضة شي‌ء.

وكذلك الكلام على القول الآخر بالنسبة إلى الثلاثمائة وواحدة والمائتين وواحدة.

ولكن على هذا القول يتأتى الكلام في أنّ الواحدة الزائدة على الثلاثمائة هل هو شرط الوجوب أو جزء الواجب؟ فإن فيه الوجهين المتقدّمين في الواحدة الزائدة على المائة والعشرين في نصاب الإبل ، فعلى القول بالشرطيّة لا يترتّب على تلفه نقص في الواجب ، بخلاف الجزئيّة.

وفي المدارك ـ بعد شرح عبارة المتن ـ قال ما لفظه : لكن يمكن المناقشة في عدم سقوط شي‌ء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة ، لأنّ

١٤٣

مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقّين وإن كان الزائد على النصاب عفوا ، إذ لا منافاة بينهما ، كما لا يخفى على المتأمّل (١). انتهى.

وتبعه في هذه المناقشة بعض من تأخّر عنه (٢).

وملخّص هذه المناقشة : أنّ الزكاة تتعلّق بالعين ، فهي حصّة مشاعة في مجموع هذا الغنم ، فكون الزائد عفوا ، معناه : عدم كونه مؤثّرا في إيجاب شي‌ء زائد على ما يوجبه النصاب ، لا كونه ممتازا عمّا تعلّق به حقّ الفقير.

وأجاب عنها في الحدائق : بأنّه إن أريد بتعلّق الزكاة بالعين تعلّقها بالمجموع المشتمل على النصاب والزائد الذي هو عفو ، فهو ممنوع.

وإن أريد بعين النصاب فيكون حقّا شائعا في مجموع النصاب ، فهو مسلّم ، لكن لا يلزم منه ما ذكروه (٣). ثمّ أطال الكلام في إيضاحه بما لا يهمّنا نقله.

وقد يتخيّل أنّ ما ذكره في الجواب كلام صوري لا يكاد يرجع إلى محصّل ، نظرا إلى ما تقدّمت الإشارة إليه من أنّه ليس للنصاب وجود ممتاز عمّا عداه ، كي تكون حصّة الفقراء شائعة في خصوصه ، بل كلّ فرد من أفراد هذا المجموع إذا لوحظ منضمّا إلى ما عداه ممّا يكمل به العدد البالغ حدّ النصاب ، يقع مصداقا له ، فنسبة حقّ الفقير إلى جميع هذه الغنم على حدّ سواء ، فهو يستحقّ من مجموع هذه الغنم أربع شياه وإن كان المقتضي لإيجابه في المجموع اشتماله على النصاب.

ويدفعه : أن إشاعة حقّ الفقير في عين النصاب دون العفو ، لا تتوقّف

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٦٤.

(٢) وهو المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد : ٤٣٥.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ : ٦٤.

١٤٤

على تشخّص النصاب وتميزه عمّا زاد عليه في الخارج ، بل على تحقّقه في الواقع ، فلو باع زيدا مثلا صاعا من صبرة ، وشرط عليه أن يكون ربعه لعمرو ، فقد جعل لعمرو في هذه الصبرة ربعا مشاعا من صاع كلّي مملوك لزيد ، متصادق على أيّ صاع فرض من هذه الصبرة ، فبقاء ملك عمرو ، الذي هو ربع مشاع من الصاع الذي ملكه زيد تابع لبقاء ملك زيد ، الذي هو صاع من هذه الصبرة على سبيل الكلّيّة ، بحيث لا يرد عليه نقص بتلف شي‌ء من الصبرة ما دام بقاء صاع منها ، كما تقرّر في مسألة بيع الصاع من الصبرة.

فإن أردت مثالا مطابقا لما نحن فيه ، فهو فيما لو نذر أنّه إن رزقه الله عشرين شاة لا بشرط عدم الزيادة ، وبقيت عنده سنة ، فنصفها صدقة لأرحامه ، فرزقه الله تعالى ثلاثين ، وبقيت الثلاثون عنده إلى سنة ، فقد تحقّق موضوع نذره ، وصار نصف العشرين الموجود في ضمن هذا المجموع بعنوانه الإجمالي ، ملكا لأرحامه ، فما دامت الثلاثون باقية عنده ، ليس للعشرين الذي تعلّق النذر بصدقة بعضه تشخّص يمتاز به عمّا زاد عليه ، بل كلّ فرد من أفراد هذه الغنم الموجودة عنده إذا انضمّ إلى ما عداه ممّا يكمل به هذا العدد ، يقع مصداقا له ، كما فيما نحن فيه ، فلو تلف منها شي‌ء قبل تعلّق الوجوب أم بعده ما لم ينقص العدد عن العشرين ، لا يرد نقص على ما ثبت للأرحام بالنذر ، فلو تلف منها عشرة وبقيت عشرون ، تعيّن الحقّ فيه ولم ينقص منه ، فإنّه يصدق على ما بقي : أنّ هذه العشرين غنما قد ملكها في أوّل السنة ، وبقيت عنده سنة ، فصار نصفها للأرحام ، بمقتضى نذره ، فكذلك الكلام فيما نحن فيه.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما ذكرناه كلّه مبنيّ على تعلّق الزكاة بالعين لا بالذمّة ، وكون الفريضة شائعة في النصاب شياع الكسر في العدد

١٤٥

التام ، لا شياع الفرد المنتشر في أفراد الكلّي ، وإلّا فلا وجه لسقوط شي‌ء من الفريضة بتلف شي‌ء من النصاب ، على تأمّل في الأخير ، كما سيتّضح لك وجهه عند التكلم في تعلّق الزكاة بالعين ، فليتأمّل.

(والفريضة تجب في كلّ نصاب من نصب هذه الأجناس ، وما بين النصابين لا يجب فيه شي‌ء) كما هو ظاهر النصوص المزبورة وكلمات الأصحاب أو صريحها ، وقد عرفت آنفا أنّه أمر معقول وليس فيه منافاة لما تقتضيه قواعد الشركة بعد مساعدة الدليل.

نعم ، قد يظهر من مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة محمّد بن قيس : «فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة فيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة» (١) أنّ بلوغ النصاب سبب لثبوت الفريضة في الغنم البالغ هذا الحدّ فما زاد حتى تبلغ النصاب الآخر.

وكذا قوله ـ عليه‌السلام ـ : «وفيها مثل ذلك» الوارد في صحيحة الفضلاء (٢) ، في كلّ عدد ينتقل منه بزيادة واحدة عليه إلى نصاب آخر من نصب الغنم ، كالعشرين ومائة والمائتين والثلاثمائة ، فإنّ ظاهره كون مجموع هذه الأعداد موردا للفريضة التي هي مثل الفريضة الثابتة بالنصب السابقة.

ولكن قد ينافي هذا الظاهر ما في نفس هذه الصحيحة ، فضلا عن

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

١٤٦

غيرها ، من التصريح عند ذكر فريضة كلّ منصاب ثمّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ النصاب الآخر فإنّ ظاهر هذه العبارة كون ما بين النصابين خارجا عن محلّ الوجوب.

ويؤكّد ذلك ما ورد فيها بعد بيان كل من نصب الإبل والبقر :«وليس على النيّف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء» وبعد بيان نصب الغنم أيضا ، قال : «وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء ، وليس في النيّف شي‌ء».

وارتكاب التأويل في هذه الفقرات بحملها على ما لا ينافي الأوّل ممكن ، ولكنّ العكس أقرب ، مع اعتضاده بفتوى الأصحاب وإرسالهم له إرسال المسلمات.

(وقد جرت العادة) أي : عادة الفقهاء (بتسمية ما لا تتعلّق به الفريضة من الإبل شنقا ، ومن البقر وقصا ، ومن الغنم عفوا ، ومعناه في الكلّ واحد) فإنّه أريد بالجميع ما لا تتعلّق به الفريضة ممّا قبل النصاب وما بين النصابين.

وفي المدارك قال في شرح العبارة : هذه العبارة من مصطلحات الفقهاء ، والمستفاد من كلام أهل اللغة أنّ الشنق ـ بفتح الشين المعجمة والنون ـ والوقص ـ بفتح الواو ـ لفظان مترادفان.

قال في القاموس : الشنق محركة ما بين الفريضتين في الزكاة ، ففي الغنم ما بين الأربعين ومائة وعشرين ، وقس في غيرها (١).

وقال أيضا : الوقص ـ بالتحريك ـ واحد الأوقاص في الصدقة ، وهو ما بين الفريضتين (٢). ونحوه قال الجوهري في الصحاح (٣).

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٥١.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٣٢٢.

(٣) الصحاح ٣ : ١٠٦١ ، و ٤ : ١٥٠٣.

١٤٧

وقال ابن الأثير في النهاية : الشنق ـ بالتحريك ـ ما بين الفريضتين من كلّ ما يجب فيه الزكاة (١) (٢). انتهى.

(فالتسع من الإبل نصاب وشنق ، فالنصاب خمس ، والشنق أربع ، بمعنى : أنّه لا يسقط من الفريضة شي‌ء ولو تلفت الأربع) سواء كان قبل تعلّق الوجوب أم بعده.

أمّا الأوّل فواضح ، لحصول النصاب الذي هو سبب الوجوب بدونها ، بل وكذا الثاني ، إذ لا وجه لسقوط شي‌ء من الفريضة بعد تحقّق الوجوب ما دام محلّه باقيا ، إلّا على تقدير أن يقال : إنّ بلوغ النصاب سبب لثبوت الفريضة في جميع المال ، البالغ حدّ النصاب فما فوق حتى تبلغ نصابا آخر ، على سبيل الإشاعة والشركة في الجميع ، لا في خصوص النصاب.

ولكنّك عرفت ضعف هذا القول ومخالفته لظاهر النصوص وصريح الفتاوى ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح لدى التكلّم في كيفيّة تعلّقها بالعين إن شاء الله.

(وكذا التسعة والثلاثون من البقر نصاب ووقص ، فالفريضة في الثلاثين ، والزائد عفو (٣) حتى يبلغ الأربعين. وكذا مائة وعشرون من الغنم) فإنّ (نصابها أربعون ، والفريضة فيه ، وعفوها ما زاد حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ، وكذا ما بين النصب التي عدّدناها).

وقد عرفت آنفا أنّ فائدة كون الأربعمائة نصابا ، مع أنّ الفريضة التي تثبت بها هي الفريضة التي تثبت بالنصاب السابق ، أي :

__________________

(١) النهاية ٢ : ٥٠٥.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٦٥.

(٣) في شرائع الإسلام ١ : ١٤٤ : (وقص) بدل (عفو).

١٤٨

الثلاثمائة وواحدة ، تظهر هاهنا ، أي : محلّ الوجوب ، وعدم العفو المترتّب عليه الضمان ، فإنّه لو لم تكن الأربعمائة نصابا لكان ما بين الثلاثمائة والخمسمائة جميعه عفوا لم يكن يترتّب على تلف شي‌ء منه نقص في الفريضة ، بخلاف ما إذا كانت الأربعمائة نصابا ، فإنّ مقتضاه سقوط جزء من مائة جزء بتلف واحدة من أربعمائة بعد تعلّق الوجوب ، وأمّا قبله فلا أثر له ، لقيام النصاب السابق مقامه في إيجاب الأربع شياه وإن اختلف محلّها ، حيث إنّ الأربعمائة سبب لإيجاب كل من الأربع في كلّ مائة من المئات الأربع ، وأمّا الثلاثمائة وواحدة فهي سبب لإيجابها في مجموع هذا العدد الخاص.

وما يقال : من أنّ المتّجه عدم سقوط شي‌ء بتلف الواحدة من الأربعمائة مطلقا ولو بعد تعلّق الوجوب ، لكفاية الثلاثمائة وواحدة في إيجابها ، ففيه : أنّ الثلاثمائة وواحدة المندرجة في ضمن الأربع مائة ، المؤثّرة في إيجاب الأربع ، ساقطة عن الاعتبار ، وإلّا لزم تأثيرها في إيجاب أربع اخرى غير ما وجبت بالأربعمائة ، إذ لا يعقل إيجاب تلك الفريضة التي أوجبتها الأربعمائة بعينها بسبب آخر في غير هذا المحلّ ، فقياس تلف واحدة من الأربعمائة بعد تعلّق الوجوب ، وتحقّق الأربعمائة بشرائط التأثير ، على تلفها قبله قياس مع الفارق ، كما لا يخفى.

(ولا يضمّ مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخلطة وكانا في مكان واحد).

فيه تعريض على ما حكي عن بعض العامّة من أنّ الخلطة ـ بكسر الخاء ـ وهي العشرة ، يجعل المالين مالا واحدا ، فتجب زكاته على مالكيهما ، سواء كانت خلطة أعيان كأربعين بين شريكين ، أو خلطة أوصاف كالاتّحاد في المرعى والمشرب والمراح والفحل والحالب والمحلب

١٤٩

مع تميز المالين (١).

وهو عندنا باطل ، لانتفاء ما يدلّ عليه ، بل قضاء جميع ما دلّ على اشتراط الملكيّة والنصاب بخلافه ، فإنّ مفادها ليس إلّا اشتراط بلوغ ما ملكه من الأجناس الزكويّة حدّ النصاب في وجوب الزكاة عليه ، كما هو واضح.

ويدلّ عليه أيضا خبر زرارة ، المرويّ عن العلل ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في حديث ، قال : قلت له : مائتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة وحال عليها الحول وهي عندهم ، أيجب عليهم زكاتها؟ قال : «لا ، بمنزلة تلك» يعني جوابه في الحرث : «ليس عليهم شي‌ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم» قلت : وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضّة وجميع الأموال؟ قال : «نعم» (٢).

واستدلّ له أيضا بقوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة : «ولا يفرّق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرّق» (٣).

وفي رواية عبد الرحمن بن الحجّاج ، أنّ محمّد بن خالد ، سأل أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الصدقة ، فقال : «مر مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء ، ولا يجمع بين المتفرّق ، ولا يفرّق بين المجتمع» بالحمل على الاجتماع في الملك.

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٦٦.

(٢) أورده صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٨٣ ، وانظر : علل الشرائع : ٣٧٥ ، الباب ١٠٣ ، الحديث ١ ، والوسائل ، الباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١ ، وتقدم صدر الرواية في صفحة ١٣٦.

الكافي ٣ : ٥٣٨ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٩٨ / ٢٧٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

١٥٠

وفيه : أنّ هذه كلمة متشابهة قد رواها المخالفون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستدلّوا بها أيضا لمذهبهم بحملها على إرادة الاجتماع في المكان ، كما ذكره العلّامة في التذكرة (١).

وأجاب عن استدلالهم : بأنّه نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد ، ولا يفرّق بين مجتمع في الملك ، فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله (٢).

فالحقّ أنّ هذه العبارة بنفسها مجملة قابلة لمعان عديدة لا تنهض بنفسها شاهدة لشي‌ء من المذهبين ، ولعلّ الحكمة في إجمالها : التقيّة.

وكيف كان ، فلا شبهة ، بل لا خلاف بيننا في أنّه لا يضمّ مال إنسان إلى غيره (بل يعتبر في مال كلّ واحد منهما بلوغ النصاب ، ولا يفرّق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد مكانهما) بلا خلاف فيه بيننا ، كما صرّح به في الجواهر (٣) وغيره (٤) ، إذ المدار على ما يستفاد من الأخبار على كونه مالكا للنصاب ، من غير فرق بين كونه مجتمعا أو متفرقا.

وربما يستدلّ له بالخبر المتقدّم (٥). وفيه ما عرفت.

ونسب إلى بعض العامّة : القول بأنّه إن كان بينهما مسافة القصر ، لوحظ كلّ منهما بانفراده (٦).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ : ٩٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ : ٩٠.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ٩١.

(٤) رياض المسائل ١ : ٢٦٩ ، الحدائق الناضرة ١٢ : ٨٢.

(٥) أي : خبر محمد بن قيس ، المتقدم في ص ١٥٠.

(٦) حكاه العلامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٥ : ١٠٠ عن أحمد في رواية ، وانظر : المغني ٢ : ٤٨٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٤٣.

١٥١

وهو محجوج بما عرفت ، والله العالم.

(الشرط الثاني : السوم) وهو لغة : الرعي (فلا تجب الزكاة في المعلوفة) بلا خلاف فيه بيننا ، بل عن المعتبر أنّه قول العلماء كافّة إلّا مالكا (١). بل عن المنتهى :لا خلاف فيه بين المسلمين (٢).

ويدلّ عليه من الأخبار قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة الفضلاء ، أو حسنتهم ، المرويّة عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ في حديث زكاة الإبل : «وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية» (٣).

وفي حديث زكاة البقر : «ليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ، ولا على العوامل شي‌ء ، وإنّما الصدقة على السائمة الراعية» (٤).

وصحيحتهم الأخرى عنهما أيضا قالا : «ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء ، وإنّما الصدقة على السائمة الراعية» (٥) الحديث.

وصحيحة زرارة قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ فقال : «لا ، ليس على ما

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ٦٧ ، وانظر المعتبر ٢ : ٥٠٦.

(٢) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (كتاب الزكاة) ٣ : ٤١ ، وانظر منتهى المطلب ١ : ٤٨٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ٥٣٢ / ١ ، معاني الأخبار : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ ـ ٢٣ / ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٢١ / ٥٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٥.

١٥٢

يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء» (١).

وموثّقة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ عن صدقات الأموال ، فقال : «في تسعة أشياء ، ليس في غيرها شي‌ء : في الذهب ، والفضّة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والإبل ، والبقر ، والغنم السائمة ، وهي الراعية ، وليس في شي‌ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‌ء» (٢) الحديث.

(و) حيث يعتبر في وجوب الزكاة السوم ، وهو لا يتحقّق بالنسبة إلى السخال من حين النتاج ، التزم غير واحد ، كالمصنّف في الكتاب ، والفاضل في جملة من كتبه ، والشهيد في اللمعة ، والمحقّق الكركي ، والقطيفي ، والصيمري ، على ما حكي (٣) عنهم ، بأنّه (لا) تجب الزكاة (في السخال) أي : لا تجري في الحول (إلّا إذا استغنت عن الأمّهات بالرعي) لانتفاء صدق السائمة قبلها ، خلافا لصريح آخرين (٤) ، فأوجبوا فيها من حين النتاج ، بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور (٥) ، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الإستبصار ٢ : ٢ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٩.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٩٢ ، وانظر : شرائع الإسلام ١ : ١٤٤ ، تذكرة الفقهاء ٥ : ٥١ ، المسألة ٣٤ ، المختلف ٣ : ٤٢ ، المسألة ١٢ ، تحرير الأحكام ١ : ٦١ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣١٣ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢٨٠ ، اللمعة الدمشقية : ٥٠ ، جامع المقاصد ٣ : ١١.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ٩٢ وانظر : المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٠.

(٥) الناسب هو : العلامة الحلّي في المختلف ٣ : ٤٢ ، المسألة ١٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦٨.

(٦) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ ص ٣٦ من كتاب الزكاة ، وانظر : الخلاف ٢ : ٢٢ ، المسألة ١٨.

١٥٣

واستدلّ له بإطلاق الأدلّة أو عمومها ، كما في قوله ـ عليه‌السلام ـ :«في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وفي كلّ أربعين شاة شاة» (١) مع ما في بعضها ـ كما في ذيل صحيحة أبي بصير ـ من التصريح بأنّه يعدّ صغيرها وكبيرها (٢) ولولا هذا التصريح ، لكان دعوى انصراف إطلاق الإبل والبقر والغنم عن السخال غير بعيدة.

وخصوص قوله ـ عليه‌السلام ـ في ذيل موثّقة زرارة المتقدّمة (٣) آنفا :«وكلّ شي‌ء من هذه الثلاثة الأصناف ، فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج».

وفي صحيحة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج» (٤).

وفي موثّقته الأخرى عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ في حديث : «ما كان من هذه الأصناف الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج» (٥).

هذا ، مع أن المنساق من أدلة اعتبار السوم إرادته فيما من شأنه العلف والسوم ، فالحصر المستفاد من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «إنّما الصدقة على

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ و ٥٣٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ و ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٤ و ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١ و ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

(٣) تقدمت في صفحة ١٥٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١ ـ ٢٢ / ٥٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٤.

١٥٤

السائمة الراعية» حصر إضافي بالنسبة إلى المعلوفة التي من شأنها أن تسوم ، والصغار في أوّل النتاج ليس من شأنها السوم ولا الاعتلاف ، فهذه الأخبار لا تصلح مقيّدة لإطلاقات الأدلّة لو سلّم لها إطلاق من هذه الجهة ، فضلا عن صلاحيّتها لمعارضة الأخبار الخاصة الظاهرة أو الصريحة في العموم ، فما ذهب إليه المشهور هو الأقوى.

وأمّا ما ذهب إليه بعض من الفرق بين ما لو ارتضعت بلبن المعلوفة أو السائمة ، فيلحق كل بما ارتضع منه في الحكم ، كما عن الشهيد في البيان (١) ـ فلعلّ وجهه دعوى أنّ مغروسية عدم زيادة حكم الفرع عن الأصل في الذهن ، مانعة عن استفادة إرادة الصغار ـ التي لا تتعلّق الزكاة بامّهاتها ـ من إطلاقات أدلّتها ، مع أنّ أخبار الباب بأسرها واردة مورد حكم آخر لا يمكن التمسّك بإطلاقها لإثبات الوجوب في نتاج المعلوفة التي لا زكاة في أمّهاتها.

أمّا إطلاقات أدلّة الزكاة التي هي مثل قوله : «ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة» (٢) ، فواضح.

وأمّا ما كان منها بصيغة العموم مثل قوله : في ثلاثين كذا وفي كلّ خمسين أو أربعين كذا ، فعمومها إنما هو بالنسبة إلى أفراد النصب ، فكما أنّ تقييدها بكونها سائمة ليس تخصيصا في تلك العمومات ، فكذلك تقييدها بكونها مستغنية عن الأمّهات بالرعي ليس تخصيصا فيها.

وبهذا ينقدح الخدشة في الاستدلال بهذه الإطلاقات والعمومات لإثبات أصل الحكم ، وإنّما العمدة في ذلك هي الأخبار الخاصة ، وهي

__________________

(١) البيان : ١٧٢ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٩٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ و ٢١ / ٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١ و ٣.

١٥٥

أيضا لا تدلّ إلّا على ثبوت الزكاة في صغار الأنعام ككبارها من حين النتاج على سبيل الإجمال ، فلا ينافيه اشتراط كون الصغار من توابع السائمة ، وكونها بحيث لو استغنت عن الأمّهات ، لكان استغناؤها بمقتضى شأنها بالسوم لا بالعلف ، كاشتراط الكبار بكونها سائمة ، فالالتزام بهذا التفصيل لا يخلو من وجه ، والله العالم.

(ولا بدّ من استمرار السوم جملة الحول) كما يدلّ عليه قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة المتقدّمة : «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» (١) والمرج بالجيم مرعى الدّواب (٢).

والمراد بـ «المرسلة في مرجها عامها» كونها مرسلة فيها وقت الرعي ، فلا ينافيه الرجوع إلى أهلها للمبيت ونحوه.

كما أنّ المراد باستمرار السوم جملة الحول اتّصافها في تمام الحول بكونها سائمة ، وإلّا فقد تنام ، أو تسكن ، أو تشرب ، أو تمرض يوما ، أو يومين ، فلا تأكل شيئا ، ولا ينافي شي‌ء من ذلك اتّصافها عرفا بكونها سائمة في مقابل المعلوفة.

وقد اختلفت كلماتهم فيما يتحقّق به السوم وما ينقطع به (ف) ذهب المصنّف (٣) وجملة ممّن (٤) تأخّر عنه ـ على ما حكي عنهم (٥) ـ إلى أنّه (لو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ٣ ، وتقدّم في صفحة ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٢) الصحاح ١ : ٣٤٠ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠٧.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ١٤٤.

(٤) كالعلامة الحلّي في القواعد ١ : ٥٢ وابن فهد الحلّي في الموجز (الرسائل العشر) : ١٢٣.

(٥) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٩٤.

١٥٦

علفها بعضا ولو يوما ، استأنف الحول عند استئناف السوم ، و) لكنّهم اعترفوا بأنّه (لا اعتبار باللّحظة عادة).

وعن العلّامة في التذكرة ، والشهيد والمحقّق الثانيين ، وبعض من تأخّر عنهم : إحالته إلى العرف (١). بل في الحدائق : الظاهر أن هذا هو المشهور بين المتأخّرين (٢). واختاره صريحا شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ مصرحا بعدم كون العلف يوما أو يومين لعارض على خلاف العادة ، منافيا له (٣).

(وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب).

وفي المدارك نسب هذا القول إلى الشيخ في المبسوط والخلاف.

ثم قال : واستدلّ المصنّف في المعتبر لهذا القول : بأنّ اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير. وبأنّه لو اعتبر السوم في جميع الحول ، لما وجبت الزكاة إلّا في الأقلّ. وبأنّ الأغلب يعتبر في سقي الغلّات فكذا السوم.

ثمّ رجّح ما اختاره هنا من انقطاع السوم بالعلف اليسير ، واستدلّ عليه : بأنّ السوم شرط الوجوب فكان كالنصاب.

ثم قال : وقولهم : العلف اليسير لا يقطع ، ممنوع ، فإنّه لا يقال للمعلوفة : سائمة في حال علفها.

ثم قال في المدارك : وفي الأدلّة من الجانبين نظر.

أمّا الأوّل ممّا استدلّ به للشيخ ، فلأنّ عدم زوال اسم السوم بالعلف اليسير لا يقتضي اعتبار الأغلب ، فإنّ غيره قد لا يكون يسيرا.

__________________

(١) كما في كتاب الزكاة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٤٧٨ ، وانظر تذكرة الفقهاء ٥ : ٤٨ ، المسألة ٣٠ ، والمسالك ١ : ٣٦٩ ، وجامع المقاصد ٣ : ١١ ، ومدارك الأحكام ٥ : ٦٩.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٧٩.

(٣) كتاب الزكاة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٤٧٨.

١٥٧

وأمّا الثاني ، فلمنع الملازمة وبطلان اللازم.

وأمّا الثالث ، فلأنّه قياس محض.

وأمّا قوله : إنّ السوم شرط الوجوب فكان كالنصاب ، فيتوجّه عليه :أنّ النصاب قد وقع التنصيص على اعتبار ملكه طول الحول ، فينقطع بخروجه عن الملك في أثنائه ، بخلاف السوم ، لعدم التصريح باعتبار دوامه ، يعني دوام نفس الفعل ، فيرجع في صدق اسم الوصف إلى العرف.

وقوله : لا يقال للمعلوفة : سائمة في حال علفها ، غير جيّد ، إذ الظاهر عدم خروجها بالعلف اليسير عن كونها سائمة عرفا ، كما لا تخرج القصيدة العربية عن كونها عربيّة باشتمالها على بعض الألفاظ الأعجميّة.

ومن هنا يظهر أنّ الأصحّ الرجوع في ذلك إلى العرف ، كما اختاره العلامة ومن تأخّر عنه (١). انتهى ما في المدارك.

والذي يظهر من العبارة المنقولة عن المعتبر أنّ ما ذكره المتأخرون من أنّ الأصحّ الرجوع في ذلك إلى العرف ، هذا ممّا لا ينكره أحد ، وإنما الخلاف في تحقيق الصدق العرفي على سبيل الحقيقة من دون مسامحة ، فالمصنّف منع ذلك ، وقال : لا يقال للمعلوفة : سائمة في حال علفها ، أي : لا يقال عليها ذلك عرفا.

واستدلّ للقول برعاية الأغلب : بأنّ اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير ـ يعني عرفا ـ فالشأن إنّما هو في تحقيق ذلك.

فأقول : قد تطلق السائمة وكذا المعلوفة بمقتضى وضعهما اللغوي ، فيراد

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٦٨ ـ ٦٩ ، وانظر ، المبسوط ١ : ١٩٨ ، والخلاف ٢ : ٥٣ ، المسألة ٦٢ ، والمعتبر ٢ : ٥٠٦ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٤٨ ، المسألة ٣٠ والمختلف : ١٧٥ ، والتحرير ١ : ٦٠.

١٥٨

منهما ما تلبّس بالمبدإ بالفعل ، فإذا أمسكت السائمة عن الرعي ، ونامت أو تلبّست بالعلف ، يصحّ أن يقال : إنّها بالفعل ليست بسائمة ، بل نائمة ، أو معلوفة ، أو غير ذلك من الأوصاف المتلبّسة بها فعلا ، وهكذا الكلام في المعلوفة.

وقد تطلقان ويراد منهما الاتّصاف بحسب ما جرت عادتهما عليه من السوم أو الرعي.

وهذا المعنى هو المتبادر من إطلاق لفظ السائمة أو المعلوفة على الإطلاق ، فإذا قيل : إنّ فلانا عنده خمسون إبلا سائمة ، لا يتبادر منه إلّا إرادتها بهذا المعنى ، وهذا ممّا لا ينافيه الإمساك عن السوم ولا التلبّس بضدّه من مثل النوم والشرب وغيرهما ، بل ولا العلف اليسير لعارض ، فإنّه لو علف هذه الإبل في يوم أو بعض يوم لعارض ، ثمّ سئل عن أنّ هذه الإبل التي عندك أهل هي سائمة أو معلوفة ، لأجاب بأنّها سائمة ، ولكن علفتها في هذا اليوم أو في الأمس ، ولا يخرج بذلك عرفا عن مصداق السائمة بالمعنى الذي يراد من إطلاقها.

لا يقال : إنّ مقتضى ذلك عدم انقطاع السوم بالشهر والشهرين أيضا إذا كان لعارض مستمرّ ، فإنّه يصحّ أن يقال : إنّها بالذات سائمة ، ولكن علفتها في هذا الشهر لكذا.

لأنّا نقول : فرق بين العلف في زمان يعتدّ به كالاسبوع والأسبوعين ، فضلا عن الشهر والشهرين ، وبين العلف يوما ، فإنّه لا يصحّ في الأول الجواب بأنّها سائمة على الإطلاق بلا استدراك ، بخلاف الثاني ، لا لأجل أنّ العلف اليسير ملحق بالعدم عرفا ، كي يكون إطلاق السائمة معه مبنيّا على المسامحة العرفيّة ، بل لأجل أنّ حصوله في خلال السوم ـ كحصول الرعي اليسير في مدّة كونها معلوفة ـ ليس منافيا لما يفهم عرفا من إطلاق

١٥٩

اسم السائمة ، فالسائمة عرفا تطلق على الدابّة التي تكون أكلها بالرعي على النهج المتعارف لدى أهلها ، وليس العلف اليسير في خلال الرعي خلاف المتعارف ، كي يحتاج إلى الاستدراك.

إن قلت : سلّمنا أنّ العلف اليسير غير مناف لإطلاق اسم السائمة ، ولكن هذا إنّما يجدي إن جعلنا شرط تعلّق الزكاة بالأنعام اتّصافها بكونها سائمة حتّى يحول عليها الحول ، كما هو مفاد أغلب أدلّتها ، كصحيحة الفضلاء ، وموثّقة زرارة وغيرهما ، ممّا دلّ على اشتراط الإبل ، والبقر ، والغنم التي تجب فيها الصدقة ، بكونها سائمة ، وأنّه لا يجب في شي‌ء من هذه الأصناف الثلاثة حتى يحول عليه الحول عند صاحبه.

ولكن قد يظهر من قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة : «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» (١) اعتبار كون أكلها بالرعي في تمام حولها ، فإنّ قوله : «المرسلة في مرجها عامها» كناية عن الرعي في تمام السنة ، وهو أخصّ من مطلق الاتّصاف بكونها سائمة ، إذ فرق بين أن يقال : إنّها سامت تمام هذا الشهر ، أو تمام هذه السنة ، وبين أن يقال عليها في تمام هذه السنة : إنّها سائمة ، فإنّ العلف يوما مانع عن الصدق في الأوّل دون الثاني.

قلت : الظاهر أنّه لم يقصد بقوله : «المرسلة في مرجها» التخصيص ، بل التوضيح والتأكيد في مقابل المعلوفة والمربوطة عند صاحبها للركوب ، فالمراد به ـ حسب الظاهر ـ ليس إلّا بيان اعتبار كونها سائمة في تمام عامها ، بأن يكون أكلها في تمام الحول بالرعي على النهج المتعارف المعهود في رعي الأنعام ، وقد أشرنا إلى أنّ العلف اليسير ، خصوصا مثل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

١٦٠