مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

وبإزاء هذه الأخبار أخبار أخر ظاهرها ثبوت الزكاة في كلّ شي‌ء يكال من الحبوب.

منها : خبر أبي مريم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن الحرث ، ما يزكّى منه؟ قال : «البرّ ، والشعير ، والذرّة ، والأرز ، والسلت ، والعدس ، كلّ ذلك ممّا يزكّى» وقال : «كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته ، قال : سألته (عن الحبّ ما يزكّى منه؟) (٢) فقال : «البرّ ، والشعير ، والذرّة ، والدّخن ، والأرز ، والسلت ، والعدس ، والسمسم ، كلّ هذا يزكى وأشباهه» (٣).

وعن زرارة ـ في الصحيح ـ مثله ، وقال : «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» وقال : «وجعل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتت الأرض ، إلّا الخضر والبقول ، وكلّ شي‌ء يفسد من يومه» (٤).

وخبره الآخر ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : في الذرّة شي‌ء؟ قال لي : «الذرّة ، والعدس ، والسلت ، والحبوب ، فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١١ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٢) في الكافي : عن الحبوب ما يزكّى منها. وفي التهذيب والاستبصار : عن الحرث ما يزكى منه.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٣ ـ ٤ / ٧ ، الإستبصار ٢ : ٣ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٦.

١٠١

الزكاة ، فعليه فيه الزكاة» (١).

وموثّقة أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : هل في الأرز شي‌ء؟ فقال : «نعم» ثمّ قال : «إنّ المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه ، ولكنّه قد حصل فيه ، كيف لا تكون فيه وعامّة خراج العراق منه!» (٢).

وخبر محمّد بن إسماعيل ، قال : قلت لأبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ : إنّ لنا رطبة وأرزا ، فما الذي علينا فيه؟ فقال : «أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي‌ء ، وأمّا الأرز فما سقت السماء العشر ، وما سقي بالدوالي فنصف العشر في كلّ ما كلت بالصاع» أو قال : «وكيل بالمكيال» (٣).

وربّما يشهد بصدق كلتا الطائفتين وصدورهما عن الإمام صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ : جعلت فداك ، روي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : أنّه قال : «وضع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الزكاة على تسعة أشياء :الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والذهب ، والفضّة ، والغنم ، والبقر ، والإبل ، وعفا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عمّا سوى ذلك» فقال له القائل : عندنا شي‌ء كثير أضعاف ذلك ، فقال : «وما هو؟» قال :الأرز قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : أقول لك : «إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا عمّا سوى ذلك ، وتقول : عندنا أرز وعندنا ذرّة! فقد كانت الذرّة على عهد رسول الله

__________________

(١) التذهيب ٤ : ٦٥ / ١٧٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١٠.

(٢) التذهيب ٤ : ٦٥ / ١٧٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٢.

١٠٢

ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فوقع «كذلك هو ، والزكاة على ما كيل بالصاع» (١).

وكتب عبد الله : وروى غير هذا الرجل عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنّه سأله عن الحبوب ، فقال : «وما هي؟» فقال : السمسم ، والأرز ، والدّخن ، وكلّ هذا غلّة كالحنطة والشعير ، فقال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «في الحبوب كلها زكاة» (٢).

وروى أيضا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : «كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب» قال : فأخبرني جعلت فداك ، هل على هذا الأرز وما أشبهه من الحبوب والحمّص والعدس زكاة؟ فوقّع ـ عليه‌السلام ـ : «صدقوا ، الزكاة في كلّ شي‌ء كيل» (٣).

وهذه الأخبار بظاهرها تناقض الروايات الحاصرة للزكاة في التسعة ، مع ما في بعض تلك الأخبار من التصريح بالعفو عن سائر الحبوب من مثل العدس والحمّص والأرز والذرة وغيرها ، بعكس ما في هذه الأخبار من التصريح بوضع الزكاة في الجميع.

وقد نسب إلى المشهور الجمع بينهما بحمل هذه الأخبار بالنسبة إلى ما عدا الأجناس الأربعة ، على الاستحباب (٤).

وحكي عن السيّد حملها على التقيّة (٥). واختار هذا الحمل في

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٠ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٥ / ١١ ، الإستبصار ٢ : ٥ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٠ ذيل الحديث ٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، ذيل الحديث ١.

(٤) كما في الحدائق الناضرة ١٢ : ١٠٨.

(٥) كما في الجواهر ١٥ : ٦٨ ، وانظر : الانتصار : ٧٨.

١٠٣

الحدائق (١) وبالغ في تشييده.

وعن الكليني في الكافي ، أنّه نقل عن يونس بن عبد الرحمن من قدماء أصحابنا : أنّه حمل الأخبار الحاصرة في التسعة على صدر الإسلام ، وما دلّ على ثبوتها في الجميع على ما بعد ذلك (٢).

ويرد على هذا الجمع الأخير إباء جل الأخبار الحاصرة في التسعة عن هذا الحمل ، بل بعضها إ في أرادتها بالنسبة إلى سائر الأعصار.

وأمّا ما نسب إلى المشهور من الحمل على الاستحباب ، فهو أيضا لا يخلو من إشكال ، نظرا إلى ما في الأخبار المزبورة من الإشارة إلى موافقة الأخبار المثبتة للزكاة في سائر الأجناس للعامّة ومناسبتها للتقية ، ضرورة أنّ مثل هذا الحكم الذي هو عمدة ما يتعلّق به سلطنة السلاطين بعد اشتهاره لدى العامّة واستقرار سيرة سلاطينهم على أخذ الزكاة من سائر الحبوب ، لم يكن يسع الإمام ـ عليه‌السلام ـ إنكاره ، بل كان عليه إظهار الموافقة لهم ، كما وقع الأمر كذلك في هذه الأخبار ، فلا يبقى لهذه الأخبار ـ بعد أن علم بأنّ ظاهرها الذي هو موافق للعامّة ، مخالف للواقع ـ ظهور في كونها مسوقة لبيان الحكم الواقعي ، كي يصلح أن يكون التصريح بنفي الزكاة فيما عدا التسعة في الأخبار الحاصرة للزكاة فيها ، قرينة على إرادة الاستحباب من هذه الأخبار.

وملخّص الكلام : أنّ الجمع بين الخبرين المتعارضين ، بحمل أحدهما على الاستحباب ، وإن كان في حدّ ذاته أقرب من الحمل على التقيّة

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ١٠٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠٩ ذيل الحديث ٢.

١٠٤

الذي هو في الحقيقة بحكم الطرح ، ولكنّه في غير مثل المقام الذي يكون احتمال التقيّة فيه أقوى ، فإنّ الحمل على التقيّة حينئذ أقرب إلى الواقع من الحمل على الاستحباب.

ولكن يتوجّه على هذا الكلام أنّه لا أثر لأقوائيّة احتمال التقية ، ولا لكون المورد ممّا لا محيص للإمام ـ عليه‌السلام ـ عن إظهار مخالفة الواقع في باب الترجيح بناء على ما هو الحقّ المحقّق في محلّه من عدم اشتراط حجيّة ظواهر الألفاظ بإفادة الظنّ بالمراد ، بل ولا بعدم الظنّ بالخلاف ، فغاية ما في الباب : أنّ كون المورد كذلك يورث الظنّ القوي بعدم كون الأخبار المثبتة للزكاة في سائر الأجناس مسوقة لبيان الحكم الواقعي ، بل صادرة للتقية ، وهذا الظنّ ليس بحجّة ، ولذا لو لم يكن لهذه الأخبار معارض ، ولم يكن هذا الظنّ مانعا عن العمل بها ، فمع المعارض أيضا لا يصلح للمانعة إذا كان المعارض بنفسه صالحا لصرف هذه الأخبار إلى الاستحباب.

والحاصل : أنّه إذا أمكن الجمع بين الدليلين المتنافيين في الظاهر ، بجعل أحدهما قرينة على ارتكاب التأويل في الآخر بشهادة العرف ، وجب الجمع بينهما بذلك ، فإنّه مهما أمكن أولى من الطرح ، ولا يجوز الاعتناء باحتمال التقيّة أو مظنّتها ، لمخالفتها للأصل.

وأمّا ما ذكرناه من أنّه لا يبقى في مثل هذا المقام ظهور للكلام في إرادة الحكم الواقعي ، فهو لا يخلو من مغالطة ، إذ لا اثر لذلك في اختلاف مدلول الكلام من حيث هو ، بل هو مورث للظنّ بعدم كون المدلول مرادا في الواقع ، وهو غير قادح في حجيّة الظواهر.

فالذي ينبغي أن يقال ، هو : أنّ الأخبار المثبتة للزكاة في كلّ ما يكال ليست جميعها على نسق واحد ، بل بعضها يعدّ في العرف معارضا

١٠٥

للروايات الحاصرة للزكاة في التسعة ، فهذا ممّا يتعيّن حمله على التقيّة.

مثل قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة : «وجعل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتت الأرض ، إلّا الخضر والبقول» (١) فإنّه ينافي ما في تلك الأخبار من التصريح بأنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لم يضع الزكاة على ما عدا الغلّات الأربع ، بل عفا عنها.

وكذا موثّقة أبي بصير ، التي وقع فيها السؤال عن أنّه هل في الأرز شي‌ء؟ (٢) فإنّ ما تضمّنته هذه الموثّقة بعينه ما صرّح الإمام ـ عليه‌السلام ـ بكذبه في مرسلة القمّاط (٣) ، فهذه المرسلة بمدلولها اللفظي تشهد بأنّ ما تضمّنته الموثّقة من أقوال العامّة والمخالفة للواقع ، فصدوره من الإمام لم يكن إلّا عن علّة.

وبعضها ليس كذلك ، فإنّه قد يوجد فيها ما لا يراه العرف مناقضا لتلك الأخبار ، بل يجعل تلك الأخبار قرينة على حمل هذا البعض على إرادة مطلق الثبوت الغير المنافي للاستحباب ، مثل ما وقّع أبو الحسن ـ عليه‌السلام ـ في جواب مكاتبة عبد الله الثانية : «صدقوا ، الزكاة في كلّ شي‌ء كيل» (٤) فإنّ مقتضى الجميع بين هذا التوقيع وبين الأخبار الحاصرة : حمل هذا التوقيع على إرادة مطلق الثبوت الذي لا ينافيه العفو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٦ و ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١١.

(٣) معاني الأخبار : ١٥٤ / ١ ، الخصال : ٤٢١ / ١٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥١١ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، ذيل الحديث ١.

١٠٦

عمّا عدا التسعة ، كما ربّما يؤيّد ذلك إشعار لفظ «العفو» الوارد في تلك الأخبار بذلك.

(و) من هنا قد يتّجه الالتزام بما صرّح به في المتن وغيره (١) ، بل عن بعض (٢) نسبته إلى فتوى الأصحاب ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٣) من أنّه (تستحبّ) الزكاة (في كلّ ما تنبت الأرض ممّا يكال أو يوزن ، عدا الخضر) والبقول (كالقتّ (٤) ، والباذنجان ، والخيار ، وما شاكله) جمعا بين الأخبار بالتقريب المتقدّم.

ولكن لقائل أن يقول : بكون هذا الجمع (٥) وجيها لو لم يكن في الأخبار الحاصرة للزكاة في التسعة ما ينافيه بظاهره ، بحيث يعدّ في العرف معارضا للأخبار المثبتة لها في سائر الأجناس.

وليس كذلك ، فإنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ في موثّقة زرارة ، وبكير :«ليس في شي‌ء ممّا أنبتت الأرض من الأرز والذرّة والحمّص والعدس وسائر الحبوب والفواكه شي‌ء غير هذه الأربعة الأصناف» (٦) يراه العرف مناقضا للروايات الواردة بأنّ في هذه الأشياء صدقة ، ففي مثل المقام يجب الترجيح بمخالفة العامّة ، لا الجمع بين المتعارضين بارتكاب التأويل في كليهما ، بحمل أحدهما على إرادة نفي الوجوب ، والآخر على الاستحباب ،

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٤٢ ، المعتبر ٢ : ٤٩٤.

(٢) صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٦٨.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٦٨ وانظر أيضا : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٤.

(٤) القتّ : الفصفصة. وهي الرطبة من علف الدواب. النهاية لابن الأثير ٤ : ١١.

(٥) في النسخة الخطّية : إنّ هذا الجمع كان. والأنسب بالعبارة ما أثبتناه من الطبع الحجري.

(٦) التهذيب ٤ : ٦ / ١٢ ، الإستبصار ٢ : ٦ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٩.

١٠٧

فإنّ هذا النحو من الجمع مما لا يسوغ ارتكابه بلا شاهد خارجيّ ، كما تقرّر في محله.

ودعوى أنّ الأخبار التي وقع فيها التعبير بلفظ «العفو» شاهدة لهذا الجمع ، قابلة للمنع.

فالإنصاف : أنّ حمل الأخبار المثبتة للزكاة في سائر الأجناس بأسرها على التقيّة أشبه.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ رجحان الصدقة بالذات ، وإمكان إرادة استحبابها بعنوان الزكاة من هذه الأخبار ولو على سبيل التورية التي هي أنسب بحال الإمام ـ عليه‌السلام ـ في موارد التقيّة ، مع اعتضاده بفهم الأصحاب وفتواهم ، كاف في إثبات استحبابها من باب المسامحة ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ الروايات الواردة في (من بلغه ثواب على عمل) (١) التي هي مدرك قاعدة التسامح ، غير قاصرة عن شمول مثل هذه الأخبار ، وهو غير مناف لتعيّن طرحها أو حملها على التقيّة من حيث ابتلائها بالمعارض ، فليتأمّل.

وأما الخضر والبقول ، فالظاهر عدم الخلاف في أنّه لا زكاة فيها كما يدلّ عليه مضافا إلى الأخبار الحاصرة للزكاة في التسعة ، قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة المتقدّمة (٢) المصرّحة بثبوت الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتت الأرض ، إلّا الخضر والبقول وكلّ شي‌ء يفسد من يومه.

وخبره الآخر عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ أنّهما قالا :«عفا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن الخضر» قلت : وما الخضر؟قالا : «كلّ شي‌ء لا يكون له بقاء : البقل ، والبطّيخ ، والفواكه ، وشبه

__________________

(١) المحاسن : ٢٥ / ١ و ٢.

(٢) تقدمت في ص ١٠١.

١٠٨

ذلك ممّا يكون سريع الفساد» قال زرارة : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ هل في القصب شي‌ء؟ قال : «لا» (١).

وفي خبر محمّد بن إسماعيل المتقدم : «أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي‌ء» (٢).

وخبر عبد العزيز المهتدي ، قال : سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ عن القطن والزعفران ، عليهما زكاة؟ قال : «لا» (٣).

وموثّقة سماعة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس على البقول ، ولا على البطّيخ وأشباهه ، زكاة» (٤) الحديث.

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «ليس على الخضر ولا على البطّيخ ولا على البقول وأشباهه ، زكاة» (٥) الحديث.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ أنّه سئل عن الخضر فيها زكاة وإن بيعت بالمال العظيم؟ فقال : «لا ، حتّى يحول عليه الحول» (٦).

وصحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : ما في الخضر؟ قال ـ عليه‌السلام ـ : «وما هي؟» قلت : القضب (٧) والبطّيخ ومثله من الخضر ، قال : «ليس عليه شي‌ء ، إلّا أن يباع مثله بمال ، فيحول عليه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٨٠ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٩.

(٢) تقدّم في صفحة ١٠٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥١١ / ١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٧٩ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١٠.

(٦) الكافي ٣ : ٥١١ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٨١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

(٧) القضب : كلّ نبت اقتضب وأكل طريا. مجمع البحرين ٢ : ١٤٤.

١٠٩

الحول ففيه الصدقة» وعن العضاة (١) من الفرسك وأشباهه ، فيه زكاة؟قال : «لا» قلت : فثمنه؟ قال : «ما حال عليه الحول من ثمنه فزكه» (٢).

عن الوافي : العضاة ، جمع عضة ، أصلها عضهة ، فردّت الهاء في الجمع : كلّ شجر له شوك ، كأنّه أراد بها الأشجار التي تحمل الثمار كائنة ما كانت. والفرسك ، كزبرج الخوخ أو ضرب منه أحمر (٣).

وهذه الأشياء التي دلّت الروايات المزبورة على عدم تعلّق الزكاة بها أغلبها ممّا جرت العادة بتقديرها بالوزن.

ولعلّ ما في أغلب الروايات المثبتة للزكاة في سائر الحبوب من إطلاق قوله ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ ما كيل بالصاع» أو «المكيال» في مقام إعطاء الضابط ، إنّما هو للجري مجرى الغالب من عدم تقدير ما عدا الحبوب بالمكاييل وإن كان ممّا يوزن.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر بعض الأخبار المتقدّمة ، بل صريحه عدم تعلّق الزكاة بالفواكه وشبهها من الثمار التي ليس لها بقاء ، بل مطلق ثمر الأشجار على ما يظهر من صحيحة الحلبي على ما ذكر في تفسيرها (٤).

وأوضح منه دلالة على ذلك صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان ما لا ، هل فيه صدقة؟ قال : «لا» (٥).

__________________

(١) في الكافي : الغضاة. وفي التهذيب : عن شجر الغضاة.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٢.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٧١ وانظر : الوافي ١٠ : ٦١.

(٤) تقدّم آنفا ما ورد في تفسيرها عن الوافي.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

١١٠

وفي الجواهر ـ بعد أن ذكر دلالة الصحيحة وغيرها على نفي الزكاة في الثمار ـ قال : لكن لم أجد من أفتى به صريحا عدا الأستاذ في كشفه ، نعم في الدروس والروضة نسبته إلى الرواية (١). انتهى.

أقول : لا يبعد دعوى خروج ثمر الأشجار عن منصرف إطلاق ما تنبته الأرض ، المذكور في كلماتهم ، والله العالم.

(وفي) زكاة (مال التجارة قولان ، أحدهما : الوجوب) وقد نسب هذا القول إلى قوم من أصحابنا (٢) ، وعن الحسن بن عيسى نسبته إلى طائفة من الشيعة (٣).

وفي المدارك نقل عن المصنّف أنّه حكى عن بعض علمائنا قولا بالوجوب ، ثم قال : وهو الظاهر من كلام ابن بابويه في (من لا يحضره الفقيه) (٤).

(والاستحباب أصحّ) وأشهر ، بل في الجواهر هو المشهور نقلا وتحصيلا (٥) ، بل عن الانتصار وظاهر الغنية نسبته إلى الإماميّة (٦).

ومستند القول بالوجوب ظواهر أخبار كثيرة بالغة في الكثرة نهايتها.

منها : المستفيضة المتقدمة في أوائل الكتاب ، الواردة في مال اليتيم والمجنون (٧).

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٧١ ، وانظر : كشف الغطاء : ٣٥٣ والدروس ١ : ٢٢٩ والروضة البهية ٢ : ١٤.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ٧٢.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٧٢.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٤٩ ، وانظر : الفقيه ٢ : ١١.

(٥) جواهر الكلام ١٥ : ٧٣.

(٦) كما في جواهر الكلام ١٥ : ٧٣ وانظر : الانتصار : ٧٨ والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٤.

(٧) تقدمت في ص ١٢ وما بعدها.

١١١

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه ، وقد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع ، متى يزكيه؟ قال : «إن أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال».

قال : وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها ، فقال : «إذا حال عليه الحول فليزكّها» (١).

ورواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه ، وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به ، هل عليه زكاة ، أو حتى يبيعه؟ فقال : «إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» (٢).

ورواية محمّد بن مسلم ، وفيها قال : «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيأتي نقل جملة منها لدى البحث عن موضوع هذا الحكم وشرائطه.

وقد حمل المشهور هذه الأخبار على الاستحباب ، جمعا بينها وبين الروايات الدالّة بظاهرها أو صريحها على عدم الوجوب.

منها : المستفيضة المتقدمة (٤) الحاصرة لما يجب فيه الزكاة في التسعة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٧ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٠ / ٢٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٨.

(٤) تقدّمت في صفحة ٩٩ وما بعدها.

١١٢

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه» (١).

وصحيحة الأخرى ، قال : كنت قاعدا عند أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ وليس عنده غير ابنه جعفر ـ عليه‌السلام ، فقال : «يا زرارة ، إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال عثمان :كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار ويعمل به ويتّجر به ، ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أمّا ما اتّجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا ، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال : القول ما قال أبو ذر» فقال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ لأبيه : «ما تريد (إلّا أن يخرج) (٢) مثل هذا فيكفّ الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم» فقال أبوه ـ عليه‌السلام ـ : «إليك عنّي لا أجد منها بدا» (٣).

وموثّقة ابن بكير ، وعبيد ، وجماعة من أصحابنا ، قالوا : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس في المال المضطرب زكاة» فقال له إسماعيل ابنه : يا أبت جعلت فداك ، أهلكت فقراء أصحابك ، فقال : «أي يا بنيّ ، حق أراد الله أن يخرجه فخرج» (٤).

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ :

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٥ / ٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٢) في التهذيب والاستبصار : الى أن تخرج.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٩ / ٢٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٩ / ٢٥ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٥.

١١٣

الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد وهو يريد بيعها ، أعلى ثمنها زكاة؟ قال : «لا ، حتى يبيعها» قلت : فإذا باعها يزكّي ثمنها؟ قال : «لا ، حتى يحول عليه الحول وهو في يده» (١).

وصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل كان له مال كثير ، فاشترى به متاعا ثمّ وضعه ، فقال : هذا متاع موضوع ، فإذا أحببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي وأفضل منه ، هل عليه صدقة وهو متاع؟ قال : «لا حتى يبيعه» قال : فهل يؤدّي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعا؟ قال : «لا» (٢).

وقد يلوح من عبارة الحدائق الميل إلى حمل الأخبار السابقة الدالّة بظاهرها على الوجوب على التقيّة (٣).

وقد عرفت لدى التكلّم في استحباب إخراج الزكاة من مال الطفل إذا اتّجر له من إليه النظر أنّ حمل الروايات الدالّة بظاهرها على ثبوت هذا القسم من الزكاة ، على التقيّة ـ كما يظهر من صاحب الحدائق ـ لا يخلو من وجه ، إلّا أنّ حملها على الاستحباب ـ كما هو المشهور ـ أوجه ، فإن صدور هذه الأخبار المتكاثرة البالغة فوق حدّ التواتر ، لإظهار خلاف الواقع من غير سبق سؤال ملجئ لذلك ، مع مخالفته للاحتياط في كثير من مواردها ، في غاية البعد.

ولا يقاس هذا بزكاة سائر الغلّات التي لم نستبعد حمل الأخبار الآمرة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٩ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٦٩ / ١٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١١ / ٣١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩١ ، الإستبصار ٢ : ٩ / ٢٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٢.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ : ١٥٠.

١١٤

بها ـ بالغة ما بلغت ـ على التقيّة ، حيث إنّ التقيّة بدفع زكاة الغلّات إلى عامل الصدقات من قبل الجائر ، وإظهار الموافقة لهم في ذلك الزمان كانت واجبة على الشيعة. فكان على الإمام ـ عليه‌السلام ـ الأمر بإخراجها حقنا لدمائهم ، كأمر علي بن يقطين بالوضوء على وفق مذهب العامّة (١) حقنا لدمه.

وهذا بخلاف زكاة مال التجارة التي لا يعلم بتحقّق شرائطها غالبا إلّا مالكه ، فلا مقتضي لإيجاب دفعها عليهم تقيّة ، حيث إنّ للمالك المندوحة عن دفعها بإنكار اجتماع شرائطها ، ولا للإفتاء بوجوبها تقيّة ما لم يكن مسبوقا بسؤال ، خصوصا مع أنّ الغالب كون السائل مثل محمّد ابن مسلم وزرارة وأبي بصير ممّن لم يكن الإمام ـ عليه‌السلام ـ يعطيهم من جراب النورة ، والله العالم.

(و) كذا يستحبّ الزكاة (في الخيل الإناث) كما في المتن وغيره (٢) ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه (٣).

ويدلّ عليه صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عنهما ـ عليهما‌السلام ـ قالا : «وضع أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين دينارا» (٤).

والخيل العتيق ـ على ما صرّح به في الحدائق (٥) ـ كريم الأصل ، وهو

__________________

(١) الإرشاد ـ للشيخ المفيد ـ : ٢٧٥ ، والوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٤٢ ، المعتبر ٢ : ٤٩٥.

(٣) كما في الخلاف ٢ : ٥٤ ، المسألة ٦٣ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٠٧ ، ومدارك الأحكام ٥ : ٥١.

(٤) الكافي ٣ : ١٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٤ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

(٥) الحدائق الناضرة ١٢ : ١٥٢.

١١٥

ما كان أبواه عربيّين. والبرذون ـ بكسر الباء ـ خلافه.

وحسنة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : هل في البغال شي‌ء؟ قال : «لا» فقلت : كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : «لأنّ البغال لا تلقح ، والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء» قال : قلت : فما في الحمير؟ فقال : «ليس فيها شي‌ء» قال : قلت : هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ قال :«لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة والمرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء» (١) والمرج بالجيم المرعى (٢).

وليس لهذين الخبرين ظهور يعتدّ به في وجوبها ، بل في أوّلهما إشعار بعدمه.

وعلى تقدير تسليم ظهورهما في ذلك ، يجب رفع اليد عنه ، جمعا بينهما وبين خبر زرارة عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ : «ليس في شي‌ء من الحيوان زكاة ، غير هذه الأصناف الثلاثة : الإبل ، والبقر ، والغنم» (٣) وغيره من الأخبار الكثيرة الحاصرة للزكاة الواجبة فيما عداها ، مع أنّه بحسب الظاهر ممّا لا خلاف فيه.

(وتسقط) الزكاة وجوبا وندبا (عمّا عدا ذلك إلّا ما سنذكره ، فلا زكاة في البغال والحمير والرقيق).

كما يدلّ عليه مضافا إلى الأصل ، ونصوص الحصر في خصوص

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ٦٨ / ١٨٤ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٣.

(٢) المصباح المنير : ٥٦٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٤ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٤.

١١٦

الأوّلين : الخبران المتقدّمان (١) ، وفي الأخير موثّق سماعة «ليس على الرقيق زكاة ، إلّا رقيق يبتغى به التجارة ، فإنّه من المال الذي يزكّي» (٢).

وأمّا ما في الصحيح عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ أنّهما سئلا عمّا في الرقيق ، فقالا : «ليس في الرأس أكثر من صاع تمر إذا حال عليه الحول ، وليس في ثمنه شي‌ء حتى يحول عليه الحول» (٣) فيحتمل قويّا أن يكون المراد به زكاة الفطرة على أن يكون المراد بحؤول الحول : حلول ليلة العيد في كلّ سنة ، والله العالم.

(ولو تولّد حيوان بين حيوانين أحدهما زكوي ، روعي في إلحاقه بالزكوي إطلاق اسمه) لأنّ الأحكام الشرعيّة تدور مدار عناوين موضوعاتها التي أنيط بها الحكم.

ومن هنا يعرف الحال فيما لو تولّد حيوان مندرج عرفا في مسمّى الزكوي ، بحيث أطلق عليه اسمه حقيقة ، من حيوانين من غير جنسه على خلاف العادة ، أو عكسه ، فإنّه يلحقه حكمه ، فما كان مندرجا في مسمّى الغنم مثلا ، بشهادة العرف ، فهو حلال يتعلّق به الزكاة عند اجتماع شرائط الزكاة ، وما كان مندرجا في مسمّى الخنزير مثلا ، فهو حرام ونجس ، سواء كان تولّد من جنسه أو من غير جنسه ، أو كان مما أنشأه الله تعالى بقدرته من شجر أو حجر أو مدر.

فما استوجهه في المسالك من الحكم بحرمة أكله إذا كان متولدا من

__________________

(١) وهما خبرا زرارة ومحمد بن مسلم عنهما ـ عليهما‌السلام ـ وزرارة عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ اللذين تقدّما آنفا في صفحة ١١٥ و ١١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

١١٧

محرّمين ، معلّلا بكونه فرع محرّمين (١) ، وكذا ما عن غيره من بعض الخاصّة أو العامة من الخلاف في بعض الفروض المتصوّرة في المسألة ، بعد فرض كون المتولّد مصداقا حقيقة في العرف للحيوان المحلّل الذي وجبت الزكاة فيه (٢) ، ممّا لا ينبغي الالتفات إليه.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٦٤.

(٢) انظر : المبسوط للشيخ الطوسي ١ : ٢٠٤ ، والخلاف ٢ : ٣٣ ، المسألة ٣.

١١٨

(القول في زكاة الأنعام والكلام : في الشرائط والفريضة واللواحق.)

(أمّا الشرائط فأربعة)

(الأوّل : اعتبار النصب) فلا تجب قبلها بلا خلاف فيه نصّا وفتوى (وهي في الإبل اثنا عشر نصابا : خمسة كلّ واحد منها خمس ، فإذا بلغت ستّا وعشرين صارت كلها نصابا ، ثمّ ستّ وثلاثون ، ثمّ ستّ وأربعون ، ثمّ إحدى وستّون ، ثمّ ستّ وسبعون ، ثمّ إحدى وتسعون ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين فأربعون أو خمسون أو منهما) على المشهور في الجميع.

بل في المدارك قال : هذه النصب مجمع عليها بين علماء الإسلام ، كما نقله جماعة ، منهم المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر ، سوى النصاب السادس ، فإنّ ابن أبي عقيل وابن الجنيد أسقطاه ، وأوجبا بنت المخاض

١١٩

في خمس وعشرين إلى ستّ وثلاثين ، وهو قول الجمهور (١). انتهى.

أقول : نسبة الخلاف في النصاب السادس إلى ابن الجنيد لعلّه غفلة منه ، كما نبه عليه في الحدائق (٢) ، فإنّ ابن الجنيد ـ على ما نقل عنه العلامة في المختلف ـ لم يخالف المشهور في النصاب السادس ، بل في فريضة النصاب الخامس.

ففي المختلف قال : المشهور أنّ في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه ، فإذا زادت واحدة وجب بنت مخاض أو ابن لبون ذكر ، ذهب إليه الشيخان والسيّد المرتضى وابنا بابويه وسلّار وأبو الصلاح وابن البرّاج وباقي علمائنا ، إلّا ابن أبي عقيل وابن الجنيد ، فإنّهما أوجبا في خمس وعشرين بنت مخاض.

قال ابن أبي عقيل : فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون.

وقال ابن الجنيد : ثمّ ليس في زيادتها ـ يعني على العشرين ـ شي‌ء حتى تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغتها ففيها بنت مخاض أنثى ، فإن لم تكن في الإبل فابن لبون ذكر ، فإن لم يكن فخمس شياه ، فإن زاد على الخمس والعشرين واحدة ، ففيها بنت مخاض أنثى ، فإن لم توجد فابن لبون ذكر ، إلى خمس وثلاثين ، فإن زادت واحدة على خمس وثلاثين ، ففيها بنت لبون أنثى (٣). انتهى.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٥٣ ـ ٥٤ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٤٩٨.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٤.

(٣) المختلف ٣ : ٤٣ ، المسألة ١٣ ، وانظر أيضا : المقنعة : ٢٣٧ ، النهاية : ١٩٧ ، المبسوط ١ : ١٩١ ، الخلاف ٢ : ٦ ، المسألة ٢ ، جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٧٦ ، المقنع (الجوامع الفقهية) : ١٣ ، المراسم : ١٣٠ ، الكافي في الفقه : ١٦٦ ، المهذب ١ : ١٦١ ، وحكى قول علي بن بابويه ، المحقق في المعتبر ٢ : ٤٩٨.

١٢٠