مصباح الفقيه - ج ١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

عن المنتهى والتحرير دعوى الإجماع في بعض جزئيّات المسألة ، وهو نجاسة المستعمل في غسل الجنابة والحيض وشبهه إذا كان على بدن المغتسل نجاسة عينيّة (١).

لكن في منافاتها للقول بطهارة الغسالة تأمّل ، إذ القائلون بالطهارة ربما لا يلتزمون بطهارة ما يستعمل في إزالة العين.

نعم هي منافية للقول بطهارة الماء الوارد مطلقا ، وهي أجنبيّة عمّا نحن فيه.

هذا ولكنّه نقل غير واحد عبارة التحرير والمنتهى من دون تقييد النجاسة بالعينيّة ، فعلى هذا يكون إطلاقها شاهدا لما نحن فيه.

وقيل : إنّه طاهر مطلقا (٢) ، اختاره شيخ مشايخنا ـ قدس سرّه ـ في جواهره (٣).

ولكنّه قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : لم يحكم هذا القول صريحا عن أحد منّا ، لأنّ الشيخ نسب طهارة ما يزال به النجاسة إلى بعض الناس ، ولم يعلم أنّه من الإماميّة.

واستدلّ له بالطهارة ما يبقى في الثوب من أجزائه إجماعا ، فكذا المنفصل.

__________________

(١) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ١ : ٣٤١ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٢٣ ، وتحرير الأحكام ١ : ٦.

(٢) كما في جواهر الكلام ١ : ٣٣٧.

(٣) جواهر الكلام ١ : ٣٤٨.

٣٠١

ولا يخفى أنّ هذا مختص بالغسلة المطهّرة.

وأمّا المحقّق فلم يذكر في مقابل القول بالنجاسة مطلقا إلّا قول الشيخ بطهارة الغسلة الثانية.

ثم قال : وأمّا العلّامة في المنتهى فجعل محلّ الخلاف الغسلة التي يطهر المحلّ بعدها (١). انتهى.

أقول : مراده بحسب الظاهر : عدم حكاية هذا القول صريحا عن أحد من المتقدّمين ، وإلّا فقد صرّح في الجواهر (٢) بذلك.

وأمّا ما عن كشف الالتباس من نسبته إلى شيوخ المذهب ، كالسيّد والشيخ وبني إدريس وحمزة وأبي عقيل (٣) ، فهو بظاهره تلبيس حيث إنّ ابن أبي عقيل لا يقول بنجاسة الماء القليل بملاقاة النجس ، والمعروف عن السيّد وابن إدريس عدم انفعال الماء الوارد مطلقا غسالة كان أم غيرها ، كما هو ظاهر عبارتهما ، فعدّ مثل هؤلاء الجماعة من أرباب هذا القول ليس على ما ينبغي ، وكون دليل السيّد مقتضيا للقول بطهارة خصوص الغسالة ـ كما عرفته فيما سبق ـ لا يقتضي عدّه من أرباب هذا القول.

وأمّا الشيخ فعن خلافه وأوّل مبسوطة : التفصيل بين إناء الولوغ وغيره ، مثل الثوب والبدن ، فقال بالطهارة مطلقا في الأوّل ، وفي

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٥٠ ـ ٥١.

(٢) جواهر الكلام ١ : ٣٤٨.

(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٩٠ ، وكشف الالتباس مخطوط.

٣٠٢

خصوص الغسلة المطهّرة فيما عداه (١) ، وربما يستظهر من بعض عباراته المحكيّة عن المبسوط : القول بالنجاسة مطلقا.

وكيف كان فقد استظهر من شتات كلمات العلماء في المقام أقوال متكثّرة لا حاجة إلى استقصائها ، وإنّما المهم تحقيق المطلب.

حجّة المشهور أمور ، عمدتها أنّه ماء قليل لاقى نجسا فينجس ، لما تقدّم في مبحث انفعال الماء القليل من أنّ الأقوى نجاسته مطلقا من دون فرق بين ورود الماء على النجس أو وروده عليه ، وأنّ المناقشة في عموم أدلّة الانفعال غير مجدية للمفصّل بين الورودين ، وإنّما النافع بحاله إنكار عمومها الأحوالي.

وقد عرفت أنّ النزاع في عمومها الأحوالي لا بدّ فيه من أن يترافع إلى عرف المتشرّعة ، فإنّه هو المحكّم في هذا الباب ، لأنّ كيفيّة الانفعال ـ على ما يستفاد من الأدلّة الشرعيّة ـ أمرها موكول إلى ما هو المغروس في أذهان أهل الشرع ، إمّا لوصولها إليهم من صاحب الشريعة ، أو لمعروفيّتها لديهم بتشبيه النجاسات بالقذارات الصورية المقتضية لتنفّر الطباع عمّا يلاقيها.

وكيف كان فلنجدّد المقال على سبيل الإجمال تمهيدا لدفع بعض الدعاوي المتوهّمة في المقام.

فنقول : إنّ أهل العرف لا يتعقّلون في المائعات من قولنا : هذا

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٥١ ، وانظر : الخلاف ١ : ١٨١ ، المسألة ١٣٧ ، والمبسوط ١ : ١١ و ١٥.

٣٠٣

الشي‌ء ينجس بالعذرة ، مثلا ، إلّا أنّ ملاقاة العذرة سبب لتنجيسه مطلقا من دون فرق بين كيفيّات الملاقاة ولا بين أن أنواع المائعات ، فلا يرون الواسطة في التنجيس في المائعات إلّا مجرّد الملاقاة ، وهذا بخلاف الجامدات فإنّهم يعتبرون فيها شرطا زائدا على أصل الملاقاة ، وهو حصولها برطوبة مسرية ، فلا فرق فيما هو المغروس في أذهان المتشرّعة بين قولنا : الماء ينجس بالبول ، أو اللبن ينجس بالبول ، فكما أنّ الثاني لا ينصرف عن صورة ورود اللبن على البول فكذا الأوّل.

فدعوى الفرق بين الورودين في خصوص الماء استنادا إلى إهمال الأدلّة ، ضعيفة جدّا.

وأضعف منها : التفصيل بين الوارد المستعمل في إزالة الخبث وغيره ، لشهادة الوجدان بعدم الفرق فيما يتفاهم منه عرفا بين ما إذا اجتمع فيها شرائط التطهير أم لا.

ومثله في الضعف : دعوى أنّ ما هو المغروس في أذهانهم من اشتراط طهارة المطهّر موجب لصرف الظهور واختصاصه بغير مورد النزاع.

توضيح الضعف : أنّ المسألة التي هي مطرح أنظار العلماء كيف تكون مغروسة في أذهان العوام! وإنّما المغروس في أذهانهم اعتبار طهارته قبل التطهير ، وأمّا بالنظر إلى هذا الاستعمال فلا ، بل الظاهر أنّ المغروس في أذهانهم انفعاله تشبيها بالقذارات الصوريّة ، فيزعمون انتقال النجاسة من الثوب إلى الماء.

٣٠٤

والحاصل : أنّ المتبادر منها ليس إلّا أنّ الملاقاة من حيث هي سبب للتنجيس لا الملاقاة التي لم تؤثّر في تطهير الملاقي ، إذ ليس هذه الصفة من الأوصاف المغروسة في الذهن ، الموجبة لانصراف الأدلّة ، ولذا لا يتوهّم انصراف ما دلّ على نجاسة الجامدات الملاقية للنجس برطوبة مسرية عن الأرض النديّة المطهّرة لباطن النعل لو لم نشترط فيها الجفاف أو التراب الرطب المستعمل في إناء الولوغ.

والحاصل : أنّ كون ملاقاة الماء أو غيره مؤثّرة في تطهير ملاقيه إنّما هو من الاعتبارات اللاحقة للملاقاة المستفادة من الأدلّة الخاصّة لا مدخلية لها في تنويع الملاقاة حتى يدّعى أنّ العرف يفهمون من الأدلّة سراية النجاسة إلى الماء في هذا القسم من الملاقاة دون ذلك القسم ، فالواسطة في الانفعال بنظر العرف ليس إلّا الرطوبة المسرية التي لا تنفكّ عن الملاقاة في المائعات ، ولذا لا يرون الواسطة فيها إلّا الملاقاة ، ولا يلتفتون أصلا إلى إمكان حصول التطهير بها وعدمه حتى يتوقّفوا في حكمها على التقدير الأوّل إذا استعملت في التطهير.

فإن قلت : سلّمنا أنّ الواسطة في التأثير في أذهان المتشرّعة ليست في الماء القليل كغيره من المائعات إلّا الملاقاة إلّا أنّ المناسبة بين النجاسات والقذارات الصورية أثّرت في انسباق ما إذا اجتمع الماء مع النجس في الآن الثاني من الملاقاة ، وأمّا إذا أجرى الماء عليه وانفصل منه بسرعة فلا.

قلت : يتوجّه على ذلك ـ مع وضوح فساده من أصله ، كما يكشف

٣٠٥

عن ذلك تنظيره بغيره من المائعات ـ أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الورودين إذا انفصل الماء عن النجس بسرعة ، وكذا عدم الفرق بين الماء الجاري على النجس أو المتنجس القابل للتطهير ، فيجب أن لا يتنجّس الماء القليل إذا اجتمع مع النجاسات العينية بمقدار ما يجتمع مع المتنجّس كالثوب والبدن والأواني عند تطهيرها ، مع أنّ الخصم لا يلتزم به.

مضافا إلى استلزامه الالتزام بالنجاسة في الأواني المثبتة التي لا يجري الماء عليها بحيث ينفصل عنها بسرعة ، بل يحتاج تفريغها إلى زمان معتدّ به ، مع أنّ من المعلوم عدم اغتفار هذا المقدار من الزمان في غيرها.

وكيف كان فلا خفاء في أنّ هذه الدعاوي واهية جدّا لا ينبغي أن يلتفت إليها ، ولذا لم يلتفت إليها أحد من أساطين الأصحاب ، بل جعلوا الأصل والقاعدة سببيّة الملاقاة للتنجيس في المائعات مطلقا ، وكلّ من خالف في شي‌ء من مواردها كالسيّد وابن إدريس إنّما تشبّث بالأدلّة المخصّصة ، ومن ردّ عليهما ـ كالمحقّق وغيره ـ أورد في كلامه أنّ ملاقاة النجاسة سبب للتنجيس بحيث يستفاد من كلامهم كونه مسلّما عندهم ، وكيف لا مع أنّ المغروس في أذهان العوام فضلا عن الخواصّ هو ذلك ، كما يشهد بذلك رواية الأحول التي هي عمدة أدلّة القائلين بالطهارة حيث قال الإمام عليه‌السلام فيها بعد نفي البأس عن ماء الاستنجاء : «أو تدري لم صار لا بأس به؟» قلت : لا والله. فقال : «إنّ الماء أكثر من القذر» (١).

واستدلّ للمشهور أيضا : بالإجماعين المنقولين عن المنتهى

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٧ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٢.

٣٠٦

والتحرير (١) المعتضدين بالشهرة المحقّقة.

وفيه ما عزفت من أنّ القائل بطهارة الغسالة لا يأبى عن الالتزام بنجاسة ما يستعمل في إزالة العين ، بل ربّما يجعل تعبير ناقل الإجماع باشتمال بدن الجنب والحائض على النجاسة العينيّة مؤيّدا لمختاره.

هذا إذا كانت النجاسة في عبارتهما مقيّدة بالعينيّة ، كما حكاها في الجواهر (٢) ، وأمّا لو لم تكن مقيّدة بالعينيّة ، كما حكاها غير واحد ، فالإنصاف أنّ الإجماعين المنقولين المعتضدين بالشهرة يصلحان للتأييد ، وأمّا كونهما دليلا فلا ، لإمكان المناقشة فيهما من وجوه ، كما لا يخفى.

واستدلّ أيضا ببعض الأخبار ، كرواية العيص بن القاسم قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء ، فقال : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» (٣) وفي بعض النسخ : «وإن كان من وضوء الصلاة فلا يضرّ» (٤).

ونوقش فيها بالإرسال والإضمار.

وأجيب عنها : بأنّ الشيخ رواها في الخلاف عن العيص ، وظاهر النسبة بعد عدم احتمال المشافهة أنّه وجدها في كتابه ، وطريق الشيخ إلى كتاب العيص حسن جدّا.

__________________

(١) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ١ : ٣٤١ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٢٣ ، وتحرير الأحكام ١ : ٦.

(٢) جواهر الكلام ١ : ٣٤١.

(٣) المعتبر ١ : ٩٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ١٤.

(٤) انظر : الخلاف ١ : ١٨٠ ـ ١٧٩.

٣٠٧

وأمّا الإضمار فغير قادح بعد الاطمئنان بأنّ المسؤول هو الإمام عليه‌السلام ، وأنّ منشأه تقطيع الأخبار.

وأضعف منها المناقشة في دلالتها باحتمال كون الأمر بالغسل ، لاشتمال ما في الطشت على ما أستعين به لإزالة العين ، فلا تدلّ على نجاسة ما يستعمل في التطهير.

ويدفعها : عدم الاعتناء بهذا الاحتمال في صرف الإطلاق عن ظاهره.

نعم لو كان ما في الطشت ملزوما لذلك عادة ، لتمّت المناقشة ، لكنّه ليس كذلك ، إذ كثيرا مّا يكون غسل البول وغيره بعد جفافه وعدم بقاء عينه بحيث لا تكون نجاسته إلّا حكمية.

واستدلّ أيضا بموثّقة عمّار ، الواردة في الإناء والكوز القذر كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال : «يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ثمّ يصبّ فيه ماء آخر ثم يحرّك ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر» (١).

تقريب الاستدلال : أنّه لو كانت الغسالة طاهرة ، لما توقّف التطهير على إفراغ الماء في الغسلات الثلاث خصوصا في المرّة الثالثة ، فإنّه وإن أمكن أن يتفصّى بالنسبة إلى الأوليين أمّا بتوقّف صدق تعذّر الغسل على ذلك ، أو بعدم جواز استعمال الماء المستعمل في التطهير ، فيجب إفراغه مقدّمة للغسل بماء غير مستعمل ، وأمّا بالنسبة إلى المرّة الثالثة فلا يتمشّى

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ، الباب ٥٣ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

٣٠٨

فيها شي‌ء من التوجيهين.

وأجيب باحتمال أن يكون الأمر بالإفراغ جاريا مجرى العادة من استقذار الماء المستعمل عرفا.

وفيه نظر ، لأنّ ظاهر الرواية توقّف التطهير عليه ، وهو لا يجامع طهارة الماء.

ودعوى : توقّف صدق الغسل على تفريغ الماء ، فبدونه لا تتحقّق الغسلة الثالثة ، ممّا لا يلتفت إليها ، كيف وإلّا لوجب الالتزام به في الكثير والجاري وماء المطر ، مع أنّه كما ترى.

واستدلّ أيضا بالنهي عن غسالة الحمّام (١).

وبما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضّأ به وأشباهه» (٢).

وفيهما نظر :أمّا في النهي عن غسالة الحمّام فيمكن فيه دعوى وروده مورد الغالب من ملاقاتها للنجاسات العينيّة.

وأمّا الرواية ، ففيها : أنّ الخصم يلتزم بمفادها بل يدّعي عليه الإجماع ، ولا ملازمة بينه وبين النجاسة ، وسيأتي بعض الكلام في تحقيق مفاد الرواية إن شاء الله.

__________________

(١) انظر : الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢١ ـ ٦٣٠ ، الإستبصار ١ : ٢٧ ـ ٧١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ١٣.

٣٠٩

واستدلّ أيضا بأخبار أخر سيمرّ عليك بعضها في مطاوي الكلمات إن شاء الله.

حجّة القائلين بالطهارة أمور :

منها : الأصل.

وفيه : أنّه لا يعارض الدليل.

ومنها : ما عن السرائر حاكيا عن السيّد ـ رحمه‌الله ـ بقوله : قال السيّد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في الناصريّات : قال الناصر : لا فرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورودها عليه.

قال السيّد : وهذه المسألة لا أعرف فيها أيضا لأصحابنا نصّا ولا قولا صريحا ، والشافعي يفرّق بين ورود الماء وورودها عليه ، فيعتبر القلّتين في ورود النجاسة على الماء ، ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة ، وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة.

والذي يقوى في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمّل لذلك : صحّة ما ذهب إليه الشافعي.

والوجه فيه أنّا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدّى ذلك إلى أنّ الثوب لا يطهر من النجاسة إلّا بإيراد كرّ من الماء عليه ، وذلك يشقّ ، فدلّ على أنّ الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلّة ولا الكثرة كما يعتبر فيما ترد النجاسة عليه.

قال محمّد بن إدريس : وما قوي في نفس السيّد صحيح مستمرّ

٣١٠

على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب (١). انتهى.

وحاصل هذا الاستدلال : دعوى الملازمة بين تطهير الثوب وطهارة الماء.

وفيه : منع الملازمة.

إمّا عقلا فواضح ، إذ لا امتناع عقلا في كون اجتماع النجسين سببا لتطهيرهما كما في الماء النجس المتمّم كرّا بنجس آخر ، وقد ذهب بعض الأصحاب (٢) إلى طهارتهما ، أو سببا لتطهير أحدهما خاصّة ، كما في حجر الاستنجاء ، فإنّه سبب لتطهير المحلّ بشرط الانفصال ، فكذا فيما نحن فيه.

وأمّا نقلا فلا يدلّ عليه عدا ما يدّعى من الإجماع ، بل الضرورة على اشتراط طهارة الماء المستعمل في التطهير ، وكذا القاعدة المستفادة من الشرع من أنّ كلّ نجس منجّس ، فلا يكون مطهّرا ، لاستحالة كون شي‌ء علّة لشي‌ء ولضدّه أو نقيضه ، ومن المعلوم عدم شمول القاعدتين لمحلّ النزاع ، كما سنوضّحه إن شاء الله.

واعترض عليه تارة : بأنّه أخصّ من الدعوى ، إذ لو تمّ لا يتمّ إلّا في الغسلة المطهّرة دون سائر الغسلات فيما يحتاج إلى التعدّد فضلا عن

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٣٣٨ ، وانظر : السرائر ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، والمسائل الناصرية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٢١٥ ، المسألة ٣.

(٢) كسلّار في المراسم : ٢٦ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٣ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٦٣.

٣١١

مطلق الماء الوارد ، كما هو مطلوب السيّد رحمه‌الله.

واخرى : بأنّه أعمّ لحصول التطهير بورود النجس على الماء أيضا ، كما هو مختار كثير من الأصحاب.

ويمكن الاعتذار عن السيّد بأنّه لمّا رأى تعذّر التفكيك بين مصاديق الماء الوارد بالنظر إلى ظواهر الأدلّة ، لاستلزامه دعوى مدخليّة بعض الأمور التي يعلم بعدم مدخليّتها في الحكم جعل ثبوت الحكم لبعض المصاديق كاشفا عن خروج مطلق الماء الوارد عن تحت قاعدة الانفعال.

وأمّا عن الثاني : فبمنعه حصول التطهير في الصورة المفروضة ، كما نسب إليه من اعتبار الورود في التطهير ، فلا يتوجّه عليه الاعتراض.

ومنها : أنّه يستفاد من تتبّع الأخبار وكثير من الإجماعات في غير المقام قاعدة كلّية ، وهي أنّ المتنجّس لا يطهّر بل ممّا دلّ على نجاسة الماء القليل نفسه ، لأنّ معناه أنّه لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا ، والنقض بحجر الاستنجاء منقوض بماء الاستنجاء على القول بالنجاسة.

وحلّه : أنّ القواعد الشرعيّة التعبّديّة قابلة للتخصيص ، كالعمومات ، فلا بدّ في رفع اليد عنها من وجود دليل معتبر وهو مفقود في المقام ، لانحصاره في قاعدة الانفعال الممنوع عمومها أوّلا ، وعدم تكافؤها ثانيا ، وعلى تقدير التكافؤ فالمرجع قاعدة الطهارة واستصحابها.

والظاهر أنّ مراد المستدلّ من الأخبار والإجماعات هي الأخبار الدالّة على عدم جواز الانتفاع بالمائعات النجسة ونظائرها ، والإجماعات

٣١٢

الحاصلة في تلك الموارد.

وكيف كان فنقول : ما يكن أن يدّعيه المتتبّع ممّا هو مرتبط بالمقام قواعد ثلاث :

إحداها : أن يدّعى أنّه يستفاد من الأخبار والإجماعات أنّ المطهّر يبقى على طهارته إلى زمان حصول التطهير وانقضائه لا لأجل توقّف التطهير عليها ، بل لكونها حكما شرعيّا تعبّديا في موضوع كلّي ، فيكون الحكم في المطهّر في جميع الموارد الطهارة ، كماء الاستنجاء.

الثانية : أنّه يشترط أن يكون المطهّر طاهرا في نفسه ، ولعلّه إلى هذا ترجع دعوى المستدلّ ، لأنّ الظاهر أنّ غرضه من قوله : إنّ المتنجّس لا يطهّر : أنّه يشترط في المطهّر أن لا يكون نجسا.

الثالثة : أنّ المتنجّس منجّس ، فلا يكون مطهّرا.

أمّا القاعدة الأولى فإن أقام المدّعي عليها بيّنة ، فلا شبهة في أنّها مجدية له ، بل هي عين مقصودة ، إلّا أنّه كيف تسمع هذه الدعوى من مدّعيها ، وأنّى له طريق إلى معرفة هذا الحكم التعبّدي ، لأنّ طريق معرفته منحصر بورود نصّ خاصّ فيه أو في بعض جزئيّاته بحيث يتمّ القول في ما عداه بعدم القول بالفصل أو باستكشاف هذا الحكم الكلّي من التتبّع في جزئيّاته ، ومن المعلوم أنّه لا ينهض على إثباته شي‌ء من هذه الأمور.

أمّا النصّ أو الإجماع عليه بعنوان الكلّي فمعلوم انتفاؤه ، وكذا في بعض جزئيّاته التي يمكن إتمام القول فيما عداه بالإجماع ، بل لو تمّ ذلك

٣١٣

لتمّ في إثبات النجاسة ، لما عرفت من دعوى الإجماع على النجاسة عن المنتهى والتحرير (١) في بعض موارد النزاع ، وهو : ما إذا كان على بدن المغتسل نجاسة.

وأمّا الاستقراء في جزئيّاتها فمعلوم أنّه لا ينفع ، لأنّ الأمر في جميع ما عدا محلّ النزاع واضح ، ولا يورث التتبّع مزيد علم حتّى يؤثّر في الظنّ بثبوت الحكم للعنوان الجامع بين المصاديق ، فضلا عن الجزم الذي عليه يبتني حجّية الاستقراء ، لأنّ من المطهّرات ما لا يتّصف بالطهارة والنجاسة ، كالشمس وذهاب الثلثين ، ومنها : ما نعلم تنجّسه حال الاستعمال ، كالأرض وتراب التعفير وحجر الاستنجاء ، ومنها : ما علم عدم تنجّسه ، كالماء الكثير والجاري وماء الاستنجاء ، وما عداها محلّ النزاع ، فالتتبّع فيها لا ينفع بعد فرض أنّه ليس في شي‌ء منها دليل خاصّ تعبّدي ينجسم به مادّة النزاع.

ودعوى : استفادة هذا الحكم التعبّدي من الأحكام الأخر بديهيّة الفساد ، إذ لا مناسبة بينهما ، فلا يمكن استفادته منها بنحو من أنحاء الاستفادة حتى بالقياس.

وأمّا القاعدة الثانية فهي مسلّمة لا تحتاج إلى التتبّع ، بل هي في خصوص الماء الذي هو محلّ حاجتنا كادت تكون من ضروريّات المذهب ، إلّا أنّ ما هو شرط في التطهير إنّما هو طهارته من غير جهة

__________________

(١) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ١ : ٣٤١ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٢٣ ، وتحرير الأحكام ١ : ٦.

٣١٤

التطهير ، فلا مانع من أن يكون التطهير سببا لتنجيس المطهّر ، وأمّا طهارته من هذه الجهة بمعنى عدم تأثّره من الملاقاة فلا ، بل لو فرض وقوع التصريح بهذه القاعدة في النصوص والفتاوى ، لم يكن يستفاد منها أزيد من ذلك ، لأنّ ما هو من فروع الحكم لا يمكن أخذه قيدا في موضوع القضيّة ، فلا يستفاد من مثل قولنا : يشترط في المطهّر أن يكون طاهرا ، أو : لا يكون مستعملا في رفع الحدث ، أزيد من اشتراط طهارته وعدم كونه مستعملا من حيث هو ، مع قطع النظر عن استعماله في التطهير ، وأمّا أنّه يشترط فيه عدم انفعاله بهذا الاستعمال إلى أن يحصل الفراغ من التطهير فلا يعمّه هذا الكلام ، بل لو ثبت بدليل آخر من إجماع ونحوه أنّه لا ينفعل بهذا الاستعمال ما دام التشاغل بالفعل ، لكان ذلك حكما تعبّديّا شرعيّا ثابتا لموضوع المطهّر ، ككونه مطهّرا لا شرطا في مطهّريّته ، فليتأمّل.

والحاصل : أنّ المسلّم من الاشتراط إنّما هو خلوّ المطهّر عن نجاسة خارجيّة ، وأمّا عدم انفعاله بالملاقاة الحاصلة في ضمن التطهير فلا.

هذا ، مع أنّ مدرك هذه القاعدة إمّا القاعدة الثالثة ، وسنتكلّم فيها ، وإمّا الأخبار الآمرة بإراقة الماء ونظائرها ممّا يستفاد منها عدم جواز التطهير به ، وإمّا الإجماعات والأخبار الدالّة على عدم جواز الانتفاع بأعيان النجاسات وما بحكمها من المائعات المتنجّسة بدعوى أنّ التطهير بها نحو من الانتفاع ، فلا يجوز ، مع أنّه جائز قطعا فيجب أن لا يكون نجسا.

٣١٥

وفيه أنّ تلك الأخبار والإجماعات لا تعمّ ما لو حصلت النجاسة بنفس الانتفاع ، لما أشرنا إليه من أنّ ما هو من توابع الحكم لا يمكن أخذه قيدا للموضوع.

وكيف كان فلا يمكن استفادة عدم انفعال الماء بهذه الملاقاة من شي‌ء من تلك الموارد.

وأمّا القاعدة الثالثة ـ وهي أنّ كلّ نجس منجّس ، فلا يكون مطهّرا ـ فهي أيضا قاعدة مسلّمة ، ولا تحتاج إلى التتبّع ، إلّا أنّها متخصّصة جزما ، لأنّ النقض بها مشترك الورود ، لأنّ الالتزام بعدم انفعال الماء بالمحلّ ليس بأولى من التزام عدم انفعال المحلّ بالماء النجس ، بل الثاني أولى وأقرب من الذهن ، بل هو في الحقيقة بنظر العقل تخصّص لا تخصيص ، لأنّ ما تأثّر عن الشي‌ء يمتنع أن يؤثّر فيه بمثل الأثر الموجود.

نعم يمكن أن يؤثّر فيه خلافه بنقل ما فيه إلى نفسه ، ولذا لا يلتفت الذهن في بادئ النظر إلى المنافاة بين هذه القاعدة المسلّمة وبين نجاسة الغسالة مع حصول التطهير بها ، بل يجعلها من آثارها ، وهذا بخلاف ما لو القي عليه طهارة الغسالة ، كماء الاستنجاء ، فإنّه يستغربه ويدرك المنافاة بينهما في بادئ النظر.

وسرّه : ما أشرنا إليه من أنّه لمّا كان منفعلا بالمحلّ لا يتعقّلون انفعال المحلّ به ثانيا حتّى يكون منافيا للقاعدة المغروسة في أذهانهم.

ومن أدلّة القائلين بالطهارة طوائف من الأخبار :

٣١٦

منها : ما ورد في تعليل طهارة ماء الاستنجاء في رواية يونس بن عبد الرحمن عن رجل عن العيزار عن الأحول بعد نفي البأس عن الثوب الذي أصابه ، قال : «أو تدري لم صار لا بأس به؟» قلت : لا والله ، فقال :«إنّ الماء أكثر من القذر» (١).

وفيه : أنّ الأخذ بعموم العلّة يستلزم المصير إلى ما ذهب إليه العماني ، والخصم لا يقول به ، والتأويل مشترك ، وحمله على مطلق الغسالة ليس بأولى من الالتزام بكونها علّة لطهارة خصوص ماء الاستنجاء.

هذا ، مع أنّ هذا الدليل لو تمّ لدلّ على طهارة ما يستعان به لإزالة العين ، لأنّ مورده ماء الاستنجاء.

والمراد من القذر في الرواية هو البول أو العذرة الموجودة في محلّ النجو ، فأوّل مرتبة يتخطّى إليها عن مورد النصّ ليس إلّا الماء المستعمل لإزالة عين البول والعذرة في غير مورد النجو ، مع أنّ الخصم لا يقول بها كما اعترف به في بعض كلماته ، فعلى الخصم أيضا أن يلتزم باختصاص العلّة المنصوصة بموردها.

ومنها : ما ورد في غسالة الحمّام التي لا تنفك غالبا عن الماء المستعمل في إزالة النجاسة.

مثل : مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه‌السلام أنّه سئل عن مجمع الماء في الحمّام من غسالة الناس ، قال : «لا بأس به» (٢).

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٧ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٥ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ ـ ١١٧٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٩.

٣١٧

وفيه : أنّه كما لا تنفكّ غالبا عن الماء المستعمل كذلك لا تنفكّ غالبا عن ملاقاة النجس ، كما تشهد بذلك ـ مضافا إلى العرف والعادة ـ الأخبار الدالّة على أنّ دخول اليهودي والنصراني والمجوسي في حمّاماتهم كان متعارفا في تلك الأزمنة.

فعلى هذا إن تمّ الاستدلال بهذه الرواية وأغمض عن معارضتها بغيرها ، لوجب الالتزام بعدم الانفعال مطلقا ، والخصم لا يقول به ، فلا بدّ إمّا من حملها على ما وقع الخلاف في حكمها بين العلماء ، وهي الغسالة التي لم يعلم نجاستها ، أو على المياه المجتمعة في الحمّام المتّصلة بالمادّة ولو بجريان الماء إليها من الحياض الصغار.

كما يؤيّده ما رواه محمّد بن إسماعيل عن حنان ، قال : سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّي أدخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم واغتسل فينتضح عليّ ـ بعد ما أفرغ ـ من مائهم ، قال :«أليس هو جار؟» قلت : بلى ، قال : «لا بأس به» (١).

أو حملها على غيره من المحامل.

بل الإنصاف أنّ هذه الرواية في حدّ ذاتها مجملة ، فإنّ الغسالة التي سئل عن حكمها غير معلوم حالها ، لاحتمال كونها مقدار الكرّ ، كما هو الغالب في مجمع غسالة الحمام ، والعادة قاضية بعدم انفكاك مثل هذا

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ ـ ١١٦٩ ، وليس فيه : عن حنان ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٨.

٣١٨

الماء ـ بعد فرض وجوده في الحمّام ـ عن الاتّصال بما يتزايد عن الحياض الصغار حين اتّصالها بالمادّة ، فيحتمل أن يكون الوجه في نفي البأس : صيرورته طاهرا لأجل الاتّصال بالماء العاصم ولو في بعض الأزمنة ، فيبقى على طهارته إلى أن يغيّره النجاسة ، أو يكون الوجه فيه : إباء الماء البالغ حدّ الكرّ عن تحمّل النجاسة ، كما هو قول بعض ، أو يكون المراد منه المياه المجتمعة التي لم يعلم ملاقاتها للنجس ، ومع تطرّق مثل هذه الاحتمالات كيف يمكن الاستدلال بها لطهارة الغسالة مع مخالفتها للأصول والقواعد المتقنة!؟

ومنها : ما ورد من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بتطهير المسجد من بول الأعرابي بصبّ ذنوب من الماء عليه (١).

فعن الخلاف أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده نجسا ، فيلزم أن يكون الماء باقيا على طهارته (٢).

وفيه : أن رواية ـ على ما في محكي المعتبر ـ أبو هريرة ، قال بعد حكايتها : إنّها عندنا ضعيفة الطريق ومنافية للأصول ، لأنّا بيّنّا أنّ الماء المنفصل عن محلّ النجاسة نجس تغيّر أم لم يتغيّر ، لأنّه ماء قليل لاقى نجسا (٣).

أقول : وفيه أيضا أنّها قضيّة في واقعة لم يعلم وجهها ، لاحتمال أن

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٠٣ ـ ٣٨٠.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٥٢ ، وراجع : الخلاف ١ : ٤٩٥ ، المسألة ٢٣٥.

(٣) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٥٣ ، وراجع : المعتبر ١ : ٤٤٩.

٣١٩

يكون الأمر بصبّ الذنوب بعدم جفاف البول ، أو لزوال عينه حتى تطهّره الشمس بالتجفيف ، والله العالم.

واستدلّ أيضا بأخبار أخر لا يخفى على الناظر ما فيها.

نعم يمكن الاستدلال بترك الاستفصال في رواية محمّد بن نعمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قلت له : أستنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب ، فقال عليه‌السلام :«لا بأس» (١) لاحتمال إرادة السائل اختلاط الماء المستعمل في إزالة الجنابة بماء الاستنجاء ، فترك الاستفصال يدلّ على عموم الجواب.

ودعوى أنّ الاستنجاء حقيقة في غسل موضع النجو ، فلا يصحّ حمل كلام السائل على الأعمّ ، مدفوعة ـ بعد تسليم أصل الدعوى ـ :بغلبة استعماله في الأعمّ ، وإشعار كلام السائل بإرادته.

ويتوجّه عليه ـ مضافا إلى أنّه لو تمّ ترك الاستفصال دليلا لاقتضى طهارة ما يستعان به لإزالة العين ، لعين ما مرّ ـ أنّه يعارضها في خصوص موردها رواية سماعة ، الواردة في كيفيّة غسل الجنابة ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام فيها بعد أن أمره بغسل كفّيه وفرجه وغير ذلك من التفاصيل : «فما انتضح من مائه في إنائه بعد ما صنع ما وصفت له فلا بأس» (٢).

ولا ريب أنّ هذه الرواية أظهر في ثبوت البأس من دلالة ترك

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨٦ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٤ ، والباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٨.

٣٢٠