شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

اللام المحذوفة المبدلة منها التاء ؛ إذ لا يتم بنية التصغير بالتاء كما ذكرنا ، ولا تأتى بعدها بالتاء لأنه مذكر إذن

واعلم أنه قد شذت من الثلاثى أسماء لم تلحقها التاء فى التصغير : ذكر سيبويه منها ثلاثة ، وهى الناب بمعنى المسنة من الابل ، وإنما قالوا فيها نييب لأن الناب من الأسنان مذكر (١) ، والمسنة من الابل قيل لها ناب لطول نابها كما يقال لعظيم البطن بطين بتصغير بطن ؛ فروعى أصل ناب فى التذكير ، وكذا قال فى الفرس فريس لوقوعه على المذكر والمؤنث فغلّب (٢) وكذا قال فى الحرب ـ وهى (٣) مؤنثة ـ :

__________________

(١) الناب من الأسنان : هى السن التى خلف الرباعية. قال فى اللسان : «والناب والنيوب الناقة المسنة ، سموها بذلك حين طال نابها وعظم ، مؤنثة ؛ وهو مما سمى فيه الكل باسم الجزء» اه ، والذى قاله المؤلف من أن الناب من الأسنان مذكر هو أحد قولين لأهل اللغة ، وابن سيده يذهب إلى أنها مؤنثة قال فى المخصص (ح ١٧ ص ١١): «الناب المسنة من النوق مؤنثة ، وجمعها نيب ، وتصغيرها نييب بغيرهاء .. وأما الناب من الأسنان فمذكر ، وكذلك ناب القوم سيدهم ؛ يقال : فلان ناب بنى فلان : أى سيدهم»

(٢) قال صاحب الصحاح : «الفرس يقع على الذكر والأنثى ، ولا يقال للأنثى فرسة ، وتصغير الفرس فريس ، وإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فريسة بالهاء ؛ عن أبى بكر بن السراج» اه وأنت ترى أن ما ذكره الجوهرى عن ابن السراج يخالف ما ذكره المؤلف

(٣) الذى ذكره المؤلف من أن الحرب مؤنثة هو المعروف عن أهل اللغة ؛ قال ابن سيده فى المخصص (ح ١٧ ص ٩): «الحرب أنثى ، يقال فى تصغيرها حريب بغيرهاء فأما قولهم. فلان حرب لى : أى معاد ؛ فمذكر» اه. وحكى صاحب اللسان عن ابن الأعرابى فيها التذكير ، ثم قال : وعندى أنه إنما حمله على معنى القتل أو الهرج

٢٤١

حريب ؛ لكونها فى الأصل مصدرا ، تقول : نحن حرب ، وأنتم حرب ، وذكر الجرمى من الشواذ درع الحديد (١) ، والعرس وهى مؤنثة (٢) ، قال : ـ

٣٨ ـ إنّا وجدنا عرس الحنّاط

لئيمة مذمومة الحوّاط (٣)

__________________

(١) هذا الذى ذكره المؤلف فى الدرع أنها مؤنثة ـ أحد رأيين لأهل اللغة ، والثانى أنها تذكر وتؤنث قال ابن سيده (ح ١٧ ص ٢٠): «درع الحديد تذكر وتؤنث ، والتأنيث الغالب المعروف ، والتذكير أقلهما ، أولا ترى أن أسماءها وصفاتها الجارية مجرى الأسماء مؤنثة؟ كقولهم : لأمة ، وفاضة ، ومفاضة ، وجدلاء ، وحدباء ، وسابغة ، فأما ذائل فقد تكون على التذكير وقد تكون على النسب ، وأما دلاص فبمنزلة كناز وضناك ـ بزنة كتاب ـ وإن كان قد يجوز أن يكون نعتا غير مؤنث على تذكير الدرع» اه وقوله بمنزلة كناز وضناك يريد به أنه لفظ يقع على الذكر والأنثى من غير تاء. والكناز والضناك كلاهما بمعنى الضخمة الشديدة اللحم ، ويوصف بهما النساء والنوق. وقول المؤلف درع الحديد احتراز من درع المرأة : أى قميصها ، فانه مذكر ليس غير عند بعض اللغويين ومنهم اللحيانى وعند الآخرين أنه يذكر ويؤنث

(٢) الذى ذهب إليه المؤلف من أن العرس مؤنثة أحد رأيين ، وذهب ابن سيده كالجوهرى إلى أنه يذكر ويؤنث ، قال (ح ١٧ ص ١٩): «العرس يذكر وبؤنث ويصغرونها عريس وعريسة ، وجمعها فى القبيلين عرسات ، وحقيقة العرس طعام الزفاف» اه

(٣) هذا الرجز لدكين الراجز ، وبعده :

ندعى مع النّسّاج والخيّاط

وكلّ علج شخم الآباط

والعرس ـ كعنق وكقفل ـ مضى شرحه ، والحناط ـ بائع الحنطة ، والصيغة للنسب ، والحواط : جمع حائط وهو اسم فاعل من حاط يحوط إذا التف حول الشىء ، والمراد هنا الذين يقومون بخدمة الناس فى الدعوات ، لأنهم يحيطون بهم ، وذكر صاحب اللسان أن الحواط مفرد ومعناه الحظيرة التى يكون الطعام فيها.

٢٤٢

القوس (١) ، وذكر غيرهما العرب والذّود والضّحى (٢) وقد شذ فى الرباعى قدام ووراء (٣) فألحق بمصغرهما الهاء والقياس تركها ، وحكى أبو حاتم أميّمة فى أمام ، وقال : ليس بتبت ، قال السيرافى : إنما لحقتهما الهاء لأنهما ظرفان : لا يخبر عنهما ، [ولا يوصفان] ولا يوصف بهما ، حتى يتبين تأنيثهما بشىء من ذلك ، كما تقول : لسعت العقرب ، وعقرب لاسعة ، وهذه العقرب ؛ فأنثا

__________________

والعلج ـ بكسر فسكون ـ : الرجل من كفار العجم وهو أيضا الشديد الغليظ. وقيل كل ذى لحية ، والشخم ـ بفتح الشين وكسر الخاء ـ : المنتن

(١) الذى ذكره المؤلف فى القوس أحد رأيين فيها ؛ قال ابن سيده : «القوس التى يرمى عنها أنثى ، وتصغيرها قويس بغيرهاء ، شذت عن القياس ، ولها نظائر قد حكاها سيبويه» والرأى الثانى أنها تذكر وتؤنث ؛ قال الجوهرى : «القوس يذكر ويؤنث فمن أنث قال فى تصغيرها قويسة ، ومن ذكره قال قويس» اه

(٢) العرب ـ بفتحتين وكقفل ـ : خلاف العجم ، مؤنثة ، ولم يلحق تصغيرها الهاء ، وقد قالوا : العرب العاربة ، وقال عبد المؤمن بن عبد القدوس فى تصغير العرب :

ومسكن الضّباب طعام العريب

ولا تشتهيه نفوس العجم

ولو جعلت وجه التذكير فى تصغير عرب أن أصله مصدر عرب كفرح كما قاله المؤلف فى كلمة الحرب لم تعد الصواب. والذود : ما بين الثلاث إلى العشر من إناث الابل ، قال ابن سيده (ح ١٧ ص ٩): «الذود أنثى ، وتصغيرها ذويد بغير هاء» وقال فى اللسان عنه : «الذود مؤنث ، وتصغيره بغير هاء على غير قياس توهموا به المصدر». واما الضحى فقد قال فى اللسان : «الضحو والضحوة والضحية : ارتفاع النهار ، والضحى فويق ذلك أنثى ، وتصغيرها بغير هاء ، لئلا يلتبس بتصغير ضحوة» اه

(٣) أما قدام ووراء فقد قال اللسان : «قدام نقيض وراء ، وهما يؤنثان ، ويصغران بالهاء ، قديدمة وقديديمة ووريئة ، وهما شاذان لأن الهاء لا تلحق الرباعى فى التصغير ، قال الكسائى : قدام مؤنثة ، وإن ذكرت جاز ، وقد قيل فى تصغيره قديديم ، وهذا يؤيد ما حكاه الكسائى من تذكيرها» اه

٢٤٣

تيينا لتأنيثهما ، وفى وراء قولان : أحدهما (١) أن لامه همزة ، قالوا : يقال : ورّأت بكذا : أى ساترت به ، ومنه الحديث أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان إذا أراد سفرا ورّأ بغيره» وأصحاب الحديث لم يضبطوا الهمزة فرووا «ورّى بغيره» ، وقال بعضهم : بل لامه واو أو ياء ، مثل كساء ورداء ، من ورّيت بكذا ، وهو الأشهر ، فتصغيره على هذا ورية لا غير ، بحذف الياء الثالثة كما فى سميّة تصغير سماء

ومذهب أبى عمرو أنه إذا حذف ألف التأنيث المقصورة خامسة فصاعدا كما يجىء أبدل منها تاء ، نحو حبيّرة فى حبارى ولغيغيزة فى لغّيزى (٢) ، ولم ير ذلك غيره من النحاة ؛ إلا ابن الأنبارى فانه يحذف الممدودة أيضا خامسة فصاعدا ، ويبدل منها التاء كالمقصورة ، ولم يوافقه أحد فى حذف الممدودة

قوله «ويحذف ألف التأنيث المقصورة غير الرابعة» إنما تحذف خامسة

__________________

(١) قال فى اللسان : «ووريت الخبر أوريه تورية إذا سترته وأظهرت غيره كأنه مأخوذ من وراء الانسان ، لأنه إذا قال وريته فكانه يجعله وراءه حيث لا يظهر» اه ، فقد أشار إلى أن التورية من مادة وراء وإن لم يصرح بذلك ، فتكون الهمزة فى وراء منقلبة عن ياء لتطرفها إثر ألف زائدة. ومثل الذى ذكره صاحب اللسان قول ابن الأثير فى النهاية : «كان إذا أراد سفرا ورى بغيره : أى ستره وكنى عنه وأوهم أنه يريد غيره ، وأصله من الوراء : أى ألقى البيان وراء ظهره» اه

(٢) الحبارى ـ بضم أوله وتخفيف ثانيه ـ : طائر يقع على الذكر والأنثى ، والواحد والجمع ، وهو على شكل الأوزة قال الجوهرى : وألفه ليست للتأنيث ولا للألحاق ، وإنما بنى الاسم عليها فصارت كأنها من نفس الكلمة لا تنصرف فى معرفة ولا نكرة : أى لا تنون» اه وهذا كلام ينقض آخره أوله لأن الألف التى ليست للتأنيث ينصرف الاسم معها سواء أكانت للألحاق أم لم تكن ، وعدم الصرف فى المعرفة والنكرة دليل على أن الألف للتأنيث ، وقوله وإنما بنى الاسم عليها الخ كلام لا معنى له. واللغيزى بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا ـ : مثل اللغز ـ كقفل

٢٤٤

فصاعدا لأنها لازمة للكلمة ، وصائرة كالحروف التى زيدت لبنية الكلمة ، مثل ألف حمار ، مع أنها لا تفيد معنى التأنيث كما تفيده الرابعة نحو سكرى حتى تراعى لكونها علامة ، وإذا كانت الحروف الأصلية تحذف خامسة فكيف بالزائدة كالأصلية ، فاذا صغرت العرضنى (١) قلت عريضن ، والنون للالحاق ، فهو بمنزلة أصلى رابع ، وكذا إذا صغرت العبدّى (٢) قلت عبيدّ ، بحذف الألف ؛ لأن إحدى الدالين وإن كانت زائدة إلا أنها تضعيف الحرف الأصلى ؛ فتحصنت من الحذف بذلك ، وبكونها ليست من حروف «اليوم تنساه» وبكونها ليست فى الطرف ، بخلاف ألف التأنيث فانها عارية من الثلاثة ، وكذا تقول فى لغيّزى لغيغيز بحذف الألف ، دون إحدى الغينين ، كما أنك لا تحذف فى تصغير عفنجج (٣) غير النون ؛ لأن إحدى الجيمين تضعيف لحرف أصلى ، وليست من حروف «اليوم تنساه» ، ولا تحذف ياء لغّيزى فى التصغير ؛ لأنها لا تخل ببنيته ، بل تصير مدا قبل الآخر كما فى عصيفير ، كما أنك لا تحذف من

__________________

وكرطب وكجبل ـ وهو ما عمى من الكلام وأخفى المراد منه ، وياء اللغيزى ليست للتصغير ، فأن ياء التصغير لا تكون رابعة ، وإنما ياؤه بمنزلة الياء فى خليطى والألف الأولى فى شقارى وخبازى وخضارى

(١) يقال : عدت الفرس العرضنى والعرضنة والعرضناة ـ بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه فى الثلاثة ـ : إذا كانت تمشى معترضة مرة من وجه ومرة من آخر بسبب نشاطها ، وهو ضرب من خيلاء الخيل

(٢) العبدى بكسر العين والباء وتشديد الدال مفتوحة بعدها ألف ـ ومثله العبداء بضبطه ممدودا والمعبوداء والمعبدة كمشيوخاء ومشيخة : أسماء جمع العبد ، وخص بعضهم العبدى بالعبيد الذين يولدون فى الملك

(٣) العفنجج : الضخم الأحمق

٢٤٥

حولايا ـ وهو اسم رجل ـ غير ألف التأنيث ، ولا تحذف الألف التى بعد اللام لأنها مدة رابعة لا تحذف فى التصغير ، بل قد تجلب لتكون عوضا من زائد محذوف فى موضع آخر ، نحو مطيليق فى منطلق ، فالاخلال بالبنية فى حولايا ولغّيزى من ألف التأنيث ، لا من الألف والياء المتوسطتين ؛ إذ لو حدفتهما وقلت لغيغزى وحويليا لوقعت ألف التأنيث خامسة موقع اللام فى سفيرجل ، فاحتجت إلى حذفها أيضا ، وأما فى نحو حبارى فكل واحدة من ألف التأنيث والألف المتوسطة متساويتان فى الإخلال ببنية التصغير ، وأيتهما حذفت تحصل البنية ، إذ لو حذفت المتوسطة لم تكن ألف التأنيث خامسة ، بل تقول : حبيرى كحبيلى ، ولو حذفت ألف التأنيث قلت : حبيّر كحميّر ؛ فالألفان إذن متساويتان كالألف والنون فى حبنطى ، تقول : حبينط وحبيط ، فان ترجحت الثانية ـ بكونها فى الأصل علامة التأنيث فلا تحذف ـ ترجحت الأولى بالتوسط ؛ فمن ثمّ حازفيه حبيّر وحبيرى ؛ وإذا صغرت برد رايا (١) حذفت الألفين والياء بينهما ، وقلت بريدر ؛ لاخلال الجميع بالبنية

هذا كله فى ألف التأنيث المقصورة ، وأما الممدودة فى نحو خنفساء ، والألف والنون فى نحو زعفران وظربان ، وياء النسب فى نحو سلهبيّ (٢) ، والنون للمثنى ، والواو والنون فى جمع المذكر ، والألف والتاء فى جمع المؤنث ، نحو ضاربان وضاربون وضاربات ، فجميعها ـ لكونها على حرفين ـ وكذا تاء التأنيث لكونها

__________________

(١) بردرايا ـ بفتح اوله وسكون ثانيه بعده دال مهملة مفتوحة فراء مهملة كذلك فألف ـ : موضع. قال ياقوت فى المعجم : أظنه بالنهروان من أعمال بغداد

(٢) سلهبى : كلمة منسوبة إلى سلهب ، وهو الطويل من كل شىء ، وقيل : من الرجال ، وقيل : من الخيل والناس

٢٤٦

متحركة صارت كأنها اسم ضم إلى اسم ، كما فى نحو بعلبكّ ؛ تمت بنية التصغير دون هذه الزوائد ، ولم تخل بها ، بخلاف الألف المقصورة فانها حرف واحد ساكنة خفية ميتة ، لا يصح أن تقدر ككلمة مستقلة ، بل هى كبعض الحروف المزيدة فى البنية نحو مدّات عماد وسعيد وعجوز ، فحبيلى كسفيرج ، كما أن حبالى كسفارج ، لو لا المحافظة فى الموضعين على علامة التأنيث لكسر ما قبلها ، فلا تقول : إن بنية التصغير تمت قبل الألف فى حبيلى وإنه كطليحة ، كما لا تقول : إن بنية الجمع تمت قبلها فى حبالى

فعلى هذا إذا صغرت [نحو] ظريفان وظريفون وظريفات أجناسا قلت : ظريّفان وظريفّون وظريّفات ، بالياء المشددة قولا واحدا ، وكذا عند المبرد إذا جعلتها أعلاما ؛ لأن هذه الزيادات وإن لم تكن حال العلمية مفيدة لمعان غير معانى الكلمات المتصلة هى بها حتى تعدّ كالكلم المستأنفة بل صارت المدّات بسبب العلمية كمدات عمود وحمار وكريم ؛ لكنها كانت قبل العلمية كالكلم المستقلة ، مثل تاء التأنيث ، فروعى الأصل ولم تغير ؛ وأما عند سيبويه فحالها أعلاما خلاف حالها أجناسا : هى فى حال العلمية بالنظر إلى أصلها [منفصلة] كالتاء ، وبالنظر إلى العلمية كأنها من تمام بنية الكلمة ، فلا جرم أنه أبقى هذه الزيادات بحالها فى حال العلمية إبقاء ثانية كلمتى بعيلبكّ وثنيّا عشر وثنيّتا عشرة ، وحذف المدات إن كانت قبلها نحو ياء ظريفان وظريفون وظريفات ، وألف نحو جداران ودجاجات ، وواو نحو عجوزات ، إذا كانت هذه الأسماء أعلاما ؛ لجعل الزيادات اللاحقة كبعض حروف بنية الكلمة ؛ فتستثقل معها ، ومن ثم قال يونس فى ثلاثون جنسا ثليثون بحذف الألف ؛ لأن الواو والنون كجزء الكلمة ؛ إذ ليس بجمع ثلاث ، وإلا كان أقل عدد يقع عليه تسعة كما مر فى أول شرح الكافية ، وكذا قال سيبويه فى بروكاء وبراكاء

٢٤٧

وقريثاء (١) إنه بحذف الواو والألف والياء ؛ لجعل الألف الممدودة كالجزء من وجه وغير الجزء من آخر ، على ما بينا. فقال : بريكاء وقريثاء مخففين ، والمبرد يشدد نحوهما ؛ لأنه لا يحذف شيئا ؛ قال سيبويه : لو جاء فى الكلام فعولاء بفتح الواو لم تحذفها حذف واو جلولاء (٢) ، لأنها تكون إذن للالحاق بحر ملاء (٣) فتكون كالأصلية ، وأما واو بروكاء وجلولاء فمدة ضعيفة فلا مبالاة بحذفها لاقتضاء القياس المذكور ذلك ؛ وإذا صغرت معيوراء ومعلوجاء (٤) لم يحذف الواو ؛ لأن لمثل هذه المدة حالا فى الثبات ليست لغيرها ، كما قلنا فى ألف حولايا التى قبل الياء ، وأما مع تاء التأنيث فلا خلاف أن المدة الثالثة لا تحذف ، نحو دجاجة ودجاجتان ،

__________________

(١) قال فى اللسان : البروكاء (بفتح فضم) والبراكاء (بضم أولها) والبراكاء (بفتح أولها) : الثبات فى الحرب والجد وأصله من البروك ، قال بشر بن أبى خازم

ولا ينجي من الغمرات إلا

براكاء القتال أو الفرار

والبراكاء (بفتح أولها) أيضا : ساحة القتال» اه بتصرف. والقريثاء (بفتح فكسر) : ضرب من التمر أسود ومثله الكريثاء ولا نظير لهما فى البناء ، وكأن الكاف فى الثانى بدل من القاف فى الأول

(٢) جلولاء ـ بفتح أوله وضم ثانيه آخره ألف ممدودة ـ : ناحية من نواحى سواد العراق فى طريق خراسان بينها وبين خانقين سبعة فراسخ ، وهو نهر عظيم فى العراق. وبها كانت الوقعة المشهورة على الفرس للمسلمين سنة ١٦ من الهجرة وجلولاء أيضا : مدينة مشهورة بافريقيا بينها وبين القيروان أربعة وعشرون ميلا وكان فتحها على يدى عبد الملك بن مروان

(٣) حرملاء (بفتح فسكون ففتح) : اسم موضع كما فى اللسان والقاموس ولم يذكره ياقوت

(٤) معيوراء : اسم جمع عير ، وهو الحمار وحشيا كان أو أهليا وقد غلب على الوحشى. ومعلوجاء : اسم جمع لعلج وقد تقدم (ص ٢٤٣ ه‍ ٣)

٢٤٨

علما كانت أولا ؛ لأن أصل تاء التأنيث على الانفصال ، تقول : دجيّجة ودجيّجتان ، قولا واحدا كبعيلبك.

وإذا صغرت نحو حبلوى وملهوى وهو كسهلبىّ كسرت ما قبل الواو ؛ لأن ما بعد ياء التصغير فى الرباعى مكسور لا غير ، فتنقلب الواو ياء مكسورة ، ولا يجوز فتح ما قبلها كما فتحته فى المنسوب إلى ملهي وحبلى ؛ لما ذكرنا ، فلم يبق إلا حذف الياء المنقلبة من الواو ؛ كما حذفت [فى] غازىّ وقاضىّ المنسوبين إلى غاز وقاض ، ولم يمكن حذف ياء النسب لكونها علامة ولتقويها بالتشديد. وإنما كسر ما قبل واو حبلوى فى التصغير وإن كانت بدلا من حرف لا يكون ما قبلها فى التصغير إلا مفتوحا ـ أعنى ألف التأنيث ـ نحو حبيلى ؛ لتغير صورة الألف ، فلم يبق لها الحرمة الأصلية لزوال عين الألف ، هذا ، وجحجبى : قبيلة من الانصار ، وحولايا : اسم رجل.

قال : «والمدّة الواقعة بعد كسرة التّصغير تنقلب ياء إن لم تكنها ، نحو مفيتيح وكريديس ، وذو الزّيادتين غيرها من الثّلاثىّ يحذف أقلّهما فائدة كمطيلق ومغيلم ومضيرب ومقيدم فى منطلق ومغتلم ومضارب ومقدّم ؛ فإن تساويا فمخيّر كقليسية وكقلينسة وحبينط وحبيط ، وذو الثّلاث غيرها تبقّى الفضلى منها كمقيعس فى مقعنسس ، ويحذف زيادات الرّباعىّ كلّها مطلقا غير المدّة كقشيعر فى مقشعرّ وحريجيم فى احرنجام ويجوز التّعويض من حذف الزّيادة بمدّة بعد الكسرة فيما ليست فيه كمغيليم فى مغتلم»

أقول : يعنى بكسرة التصغير الكسرة التى تحدث فى التصغير بعد يائه ، والمدة إما واو كما فى عصفور وكردوس ـ وهو جماعة الخيل ـ أو ألف كما فى مفتاح

٢٤٩

ومصباح ، ولا حاجة إلى التقييد بالمدة (١) ، بل كل حرف لين رابعة فانها فى التصغير تصير ياء ساكنة مكسورا ما قبلها إن لم تكن كذلك ، إلا ألف أفعال وفعلان ، وألفى التأنيث ، وعلامات المثنى والجمعين ، فيدخل فيه نحو جليليز وفليليق فى تصغير جلّوز (٢) وفلّيق وإن لم تكن الواو والياء مدا ، وكذا الواو والياء المتحركتان كما فى مسرول ومشريف ، تقول : مسبريل ومشيريف (٣) ، وكذا تقول فى ترقوة : تريقية (٤) ، ويجب سكون كل ياء بعد كسرة التصغير ، إذا لم تكن حرف إعراب كما فى رأيت أريطيا إلا إذا كان

__________________

(١) المدة فى عرفهم هى حرف اللين الساكن الذى قبله حركة من جنسه ، واللين حرف العلة الساكن تقدمته حركة مجانسة أم لم تتقدمه ؛ فاللين أعم من المد وحرف العلة يطلق على الألف والواو والياء ، سواء أكانت متحركة أم ساكنة وسواء أكانت مسبوقة بحركة أم لا ، وسواء أكانت الحركة السابقة مجانسة أم لا ؛ فهو أعم من المد واللين جميعا ، وعلى ذلك يكون واو عصفور وألف قرطاس وياء قنديل حروف علة ومد ولين ، ويكون واو يوم وياء بين وبيع حروف علة ولين وليست حروف مد ، ويكون ياء بيان وواو وعد ونزوان حروف علة وليست مدا ولا لينا. هذا أمر ثابت مقرر عندهم ، وإذا عرفت هذا علمت أن تعبير ابن الحاجب بالمدة فيه قصور لأنه لا يشمل واو فرعون وجلوز وياء غرنيق وفليق ، كما أن تعبير الرضى بحرف اللين كذلك لأنه لا يشمل واو مسرول ولا ياء مشريف اسمى مفعول ، والصواب التعبير بحرف العلة الرابع

(٢) الجلوز (بكسر الجيم وتشديد اللام مفتوحة) البندق الذى يؤكل لبه. والفليق (بضم الفاء وتشديد اللام مفتوحة) أيضا : ضرب من خوخ يتفلق عن نواه

(٣) يقال : فرس مسرول ؛ إذا جاوز بياض تحجيله العضدين والفخذين ، وزرع مشريف ؛ إذا قطع شريافه : أى ورقه وذلك إذا طال حتى يخشى فساده

(٤) الترقوة (بفتح فسكون فضم) : مقدم الحلق فى أعلى الصدر

٢٥٠

بعدها تاء التأنيث كتريقية ، أو الألف الممدودة كسييمياء فى سيمياء (١) ، أو الألف والنون المضارعتان لألفى التأنيث كعنيفيان فى عنفوان (٢)

قوله «إن لم تكنها» أى : إن لم تكن ياء : لأن الياء لا تقلب ياء

قوله «وذو الزيادتين غيرها» أى : غير المدة الرابعة ، والأولى أن يقال غير حرف اللين الرابعة ؛ ليكون أعم

اعلم أن الثلاثى إذا كان ذا زيادة واحدة لم تحذفها : فى الأول كانت كمقتل وأسود ، أو في الوسط ككوثر وجدول وخاتم وعجوز وكبير وحمار أو فى الآخر كحبلى وزيدل

وإن كان ذا زيادتين غير المدة المذكورة لم يمكن بقاؤهما ؛ إذ الخماسى يحذف حرفه الأصلى ، فكيف بذى الزيادة؟ فاذا لم يكن بد من الحذف اقتصر على

__________________

(١) السيمياء والسيماء : العلامة يعرف بها الخير والشر ، ويقصران ؛ قال أبو بكر : «قولهم عليه سيما حسنة معناه علامة ، وهى مأخوذة من وسمت أسم ، قال : والأصل فى سيما وسمى ؛ فحولت الواو من موضع الفاء فوضعت فى موضع العين ، كما قالوا ما أطيبه وأيطبه ، فصار سومى ، وجعلت الواو ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها» اه وعلى هذا يكون وزن سيما عفلا وسيماء عفلاء وسيمياء عفلياء (بكسر العين وسكون الفاء فى الجميع) ، ولكن مجىء سومة (بضم أوله) وسيمة (بكسره) بمعنى العلامة كالسيماء والسيمياء واشتقاق أفعال من هذه المادة على هذا الترتيب نحو سوم ، وصفات كما فى قوله تعالى (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) وقوله تعالى (مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) كل ذلك يدل على أن وزن سيماء وسيمياء فعلاء وفعلياء ، ويؤكده صنيع القاموس واللسان والصحاح حيث أطبقوا على ذكرها فى مادة (س وم)

(٢) عنفوان الشىء وعنفوه (بضم العين والفاء وسكون النون بينهما وتشديد الواو فى الثانية) : أوله أو أول بهجته

٢٥١

حذف إحداهما ، إذ هو قدر الضرورة ، وتصير الكلمة بذلك على بنية التصغير ، فلا يرتكب حذفهما معا

فالزيادتان إما أن تكونا متساويتين ، أو تكون إحداهما الفضلى ؛ فان فضلت إحداهما الأخرى حذفت المفضولة

والفضل يكون بأنواع :

منها : أن تكون الزيادة فى الأول كميم منطلق ومقتدر ومقدّم ومحمر وكهمزة ألندد (١) وأرندج وكياء يلندد ويرندج ، فالأولى بالابقاء أولى لأن الأواخر محل التغيير لتثاقل الكلمة إذا وصلت إليها ، ثم بعد ذلك الأوساط أولى ، وأما الأوائل فهى أقوى وأمكن منهما ، وهى مصونة عن الحذف إلا فى القليل النادر ، إذ الكلمة لا تثقل بأول حروفها ولميم نحو منطلق ومقتدر فضيلتان أخريان : كونها ألزم من الزائد المتأخر ، إذ هى مطردة فى جميع اسمى الفاعل والمفعول من الثلاثى المزيد فيه ومن الرباعى ، وكونها طارئة على الزائد المتأخر ، والحكم للطارىء.

ومن أنواع الفضل أن يكون أحد الزائدين مكرّر الحرف الأصلى دون الآخر ؛ فالمكرر بالإبقاء أولى ؛ لكونه كالحرف الأصلى ، فجيم عفنجج ودال غدودن (٢) أولى بالإبقاء من الباقيين ، وكذا المضعف فى خفيدد وحمارّة وصبارّة (٣) أفضل

__________________

(١) الألندد واليلندد : الشديد الخصومة مثل الألد. والأرندج واليرندج : السواد يسود به الخف

(٢) العفنجج : تقدم ذكره فى (ص ٢٤٥ ه‍ ٣). أما الغدودن فانه يقال : شاب غدودن : أى ناعم ، وشعر غدودن : أى كثير ملتف طويل

(٣) الخفيدد : السريع ، والظليم الخفيف. والحمارة (بفتح الحاء والميم مخففة وتشديد الراء) : شدة الحر. والصبارة : شدة البرد ، وهى بزنة الحمارة

٢٥٢

من الباقى ، هذا مع أن النون والواو والياء والألف أبعد من الطرف ، إلا أنها ضعفت بالسكون ، وأما قطوطى ـ وهو البطىء المشى ـ فعند سيبويه فعوعل كغدودن ، فتقول : قطيط ، أو قطيطىّ بابدال الياء من الواو المحذوفة ، وقال المبرد : بل هو فعلعل ، وأصله قطوطو كصمحمح ، وقال : فعلعل أكثر من فعوعل ؛ فأحد المضعفين ـ أعنى الطاء والواو الأولين أو الثانيين ـ زائد كما فى صمحمح وبرهرهة (١) ، قال سيبويه : جاء منه اقطوطى إذا أبطأ فى مشيه ، وهو افعوعل كاغدودن ، وافعلعل لم يأت فى كلامهم ، ولو كان أيضا فعلعلا كما قال المبرد كان القياس حذف الواو الأولى ، على ما ذكرنا فى شرح معنى الإلحاق أن صمحمحا وبرهرهة يجمعان على صمامح وبراره

وإذا صغرت عطوّدا (٢) فعند سيبويه تحذف الواو الأولى ، لانهما وإن كانتا زائدتين لكن الثانية أفضل وأقوى لتحركها وسكون الأولى ، فتقول : عطيّد ؛ وبالابدال عطيّيد ، وقال المبرد : لا يجوز حذف إحدى الواوين ، لأن عطوّدا كمسرول ، والواو الرابعة ساكنة كانت أو متحركة لا تحذف كما ذكرنا ، فكما قلت هناك مسيريل تقول هنا : عطيّيد ، بالمد لا غير

وإذا حقر (٣) عثولّ ـ وهو ملحق بجردحل ـ بزيادة الواو وإحدى اللامين ـ فمذهب سيبويه ، وحكاه عن الخليل ، وقال : هو قول العرب ، أنك

__________________

(١) الصمحمح (كسفرجل) : الشديد القوى. والبرهرهة : المرأة البيضاء الشابة أو التى ترعد نعومة

(٢) العطود (كسفرجل) : الشديد الشاق من كل شىء ، وهو أيضا السريع من المشى ؛ قال الراجز

* إليك أشكو عنقا عطوّدا*

(٣) العثول (بكسر فسكون ففتح فلام مشددة) : الكثير اللحم الرخو ، وهو أيضا الكثير شعر الجسد والرأس

٢٥٣

تحذف آخر اللامين دون الواو ، وإن كان تضعيف الحرف الأصلي ؛ لكونه طرفا مع تحرك الواو ، بخلاف ياء خفيدد ، وأيضا للقياس على الخماسى الملحق هو به ، وقال المبرد ، وحكاه عن المازنى : إنك تقول عثيلّ نظرا إلى كون اللام مضعف الحرف الأصلى دون الواو ، وإذا كان السماع عن العرب على ما ذكر سيبويه مع أنه يعضده قياس ما فلا وجه لما قال المبرد لمجرد القياس

وإذا صغرت ألنددا فانك تحذف النون قولا واحدا ؛ لأن الدالين أصليان ، إذ هو من اللّدد ، والهمزة لتصدرها تحصّنت من الحذف فاذا حذفتها قال سيبويه أليدّ بالإدغام كأصيمّ ، وقال المبرد : بل أليدد بفك الإدغام لموافقة أصله ، وقول سيبويه أولى ؛ لأنه كان ملحقا بالخماسى لا بالرباعى ، فلما سقطت النون لم يبق ملحقا بالخماسى ، ولم يقصد فى الأصل إلحاقه بالرباعى حتى يقال أليدد كفريدد ، فتقول على هذا فى عفنجج عفيجّ (١) بالادغام أيضا كأصيمّ

وإذا صغرت ألببا وحيوة (٢) وفكّ الإدغام فيهما شاذ ، قلت : أليبّ وحييّة بالإدغام فيهما ؛ لأن هذا الشذوذ مسموع فى المكبر لا فى المصغر ، فلا تقيسهما فى الشذوذ على مكبريهما ، بل يرجعان إلى أصل الإدغام

وإن كانت الزيادتان فى الثلاثى متساويتين من غير فضل لإحداهما على الأخرى فأنت مخير فى حذف أيتهما شئت ، كالنون والواو فى القلنسوة ، ولو قيل إن حذف الواو لتطرفها أولى لم يبعد

__________________

(١) وقع فى الأصل سفنجج ولم نجد له معنى فى كتب اللغة التى بين أيدينا فأصلحناه إلى عفنجج وهو كما تقدم الضخم الأحمق

(٢) قال فى اللسان : «بنات ألبب : عروق فى القلب يكون منها الرقة ، وقيل لأعرابية تعاتب ابنها : مالك لا تدعين عليه؟ قالت : تأبى له ذلك بنات ألببى ، قال الأصمعى : كان أعرابى عنده امرأة فبرم بها فألقاها فى بئر فمر بها نفر فسمعوا

٢٥٤

قيل : وكذلك الخيار فى حذف النون أو الألف فى (١) حبنطي ؛ إذ هما للالحاق وليس أحدهما أفضل ، ولو قيل فى الموضعين حذف الأخير لتطرفه أولى مع جواز حذف الأول ؛ لكان قولا

وكذا قيل بالتخيير بين ألف عفرنى (٢) ونونه ؛ إذ هما للالحاق ، بدليل عفرناة.

__________________

همهمتها من البئر فاستخرجوها وقالوا : من فعل هذا بك؟ فقالت : زوجى ، فقالوا : ادعى الله عليه ؛ فقالت : لا تطاوعنى بنات آلببى ، فأن جمعت ألببا قلت : ألابب ، والتصغير أليبب ، وهو أولى من قول من أعلها» اه ملخصا ، وهو يريد من الاعلال هنا الأدغام فهو مخالف لما ذكر المؤلف كما ترى. وحيوة (بفتح فسكون) : اسم رجل قلبت الياء واوا فيه لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء ، قال فى اللسان : «وإذا كانوا قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل حتى دعاهم ذلك إلى التغيير فى حاحيت وهاهيت كان إبدال اللام فى حيوة ليختلف الحرفان أحرى وانضاف إلى ذلك أنه علم والأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد فى غيرها نحو مورق وموهب وموظب ؛ قال الجوهرى : حيوة اسم رجل ، وإنما لم يدغم كما أدغم هين وميت لأنه اسم موضوع لا على وجه الفعل» اه

(١) الحبنطى : الممتلىء غيظا أو بطنة ، ويقال فيه : حبنطا وحبنطأة ؛ قال فى اللسان : «فأن حقرت فأنت بالخيار ؛ إن شئت حذفت النون وأبدلت من الألف ياء وقلت حبيط بكسر الطاء منونا ؛ لأن الألف ليست للتأنيث فيفتح ما قبلها كما تفتح فى تصغير حبلى وبشرى ، وإن بقيت النون وحذفت الألف قلت : حبينط ، وإن شئت أيضا عوضت من المحذوف فى الموضعين ، وإن شئت لم تعوض ، فان عوضت فى الأول قلت حبيطى (بياء مشددة آخره) وفى الثانى تقول : حبينيط» اه بتصرف وإصلاح فى التصغير مع التعويض على الوجه الأول

(٢) العفرنى (بفتحتين بعدهما سكون) : الشديد ، وتقول : رجل عفر (كتبر)

٢٥٥

وأما العرضنى فالألف فيه للتأنيث ، فحذفها واجب ؛ لكونها خامسة فى الطرف ، دون النون ، كما مر

وحذف الألف الأولى فى مهارى (١) علما أرجح من جهة مشابهة الأخيرة للأصلى ، بانقلابها ، وحذف الثانية أرجح من جهة كونها أخيرة فتساوتا

وأنت مخير فى حنظأو (٢) بين حذف الواو والنون ، والواو أولى ، وأما الهمزة فبعيد زيادتها فى الوسط ، كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، قال سيبويه : أنت مخير فى حذف واو كوألل (٣) أو إحدى اللامين ، وأما الهمزة فأصلية لبعد زيادتها فى الوسط ، فان رجحنا حذف اللام بكونها فى الطرف ووقوعها كشين جحمرش ترجح حذف الواو بسبب كون اللام مضعف الحرف الأصلى

__________________

وعفرية (بكسرتين بينهما سكون) وعفريت وعفر (كطمر) وعفرى (بزيادة الياء المشددة عليه) وعفرنية (كقذعملة) وعفارية (بضم أوله) ؛ إذا كان خبيثا منكرا ، وتقول : أسد عفر وعفرنى ، وتقول : لبؤة عفرناة (كسفرجلة) ، فدل لحوق التاء على أن الألف فى عفرنى ليست للتأنيث

(١) المهارى ـ بزنة الصحارى ـ جمع مهرية ، وهى إبل منسوبة إلى مهرة (بفتح الميم وسكون الهاء وصوب ياقوت فتحها) وهو ابن حيدان أبو قبيلة ، ويقال فى الجمع أيضا : مهارى ككراسى ومهار كجوار ، وقد روى ياقوت عن العمرانى أن مهرة بلاد تنسب إليها الابل ، ثم قال : «هذا خطأ إنما مهرة قبيلة ، وهى مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة تنسب إليهم الابل المهرية ، وباليمن لهم مخلاف يقال باسقاط المضاف إليه» اه وبعد ذلك لا محل لتخطئة العمرانى ما دام مخلاف هذه القبيلة يسمى مهرة ، وهذا معنى قوله باسقاط المضاف إليه

(٢) الحنظأو (كجردحل) وهو بالطاء المهملة وبالظاء المشالة أيضا كما فى القاموس وإن لم يذكره فى اللسان ولا فى الصحاح إلا بالمهملة ، وهو القصير. والحنطأو (بالمهملة) : العظيم البطن أيضا

(٣) الكوألل (كسفرجل) : القصير مع غلظ وشدة

٢٥٦

وكذا كان ينبغى أن يكون مذهبه التخيير فى زيادتى عثولّ (١)

ومما أنت مخير فيه نحو جمادى وسمانى وحبارى (٢) كما مر

وقال سيبويه : وليس مهارى وصحارى علمين كحبارى ؛ فإن الألف الأخيرة فى حبارى للتأنيث ؛ فصار لها وإن كانت فى الآخر ثبات قدم ، بخلاف الألف الأخيرة فى مهارى وصحارى ؛ فإنها ليست للتأنيث ؛ بل هى بدل من الياء التى هى بدل من ألف التأنيث كما يجىء فى الجمع ، فهى بالحذف أولى

وفى ثمانية وعلانية وعفارية (٣) رجح سيبويه حذف الألف لضعفها وقوة الياء ، ولكون الياء فى مقام الحرف الأصلى فى نحو ملائكة وعذافرة (٤) فهى للالحاق دون الألف ؛ قال : وبعض العرب يقول : ثميّنة وعفيّرة ، بحذف الأخير ؛ لكونه فى الطرف الذى هو محل التغيير

__________________

(١) لعل السرفى أن سيبويه خير فى تصغير كوالل بين حذف الواو وإحدى اللامين وأوجب فى تصغير عثول حذف آخر اللامين أنه قدر فى عثول زيادة الواو أولا للألحاق بالرباعى ثم زيادة اللام للالحاق بجردحل ، فلما أريد التصغير حذف منه ما ألحق بالخماسى وهو اللام الأخيرة ، كما أن الخماسى يحذف منه حرفه الأخير ، وأما كوألل فالحرفان زيدا معا للألحاق بسفرجل ، فلما أريد تصغيره وكان لكل من اللام والواو مزية بدون رجحان لأحدهما خير فى حذف أى واحد منهما

(٢) جمادى (كحبارى) : من أسماء الشهور ، معرفة مؤنثة ، ويقال : ظلت العين جمادى (بالتنوين) : أى جامدة لا تدمع. والسمانى (كحبارى أيضا) : طائر ، يطلق على الواحد والجمع. وقد تقدم ذكر الحبارى قريبا

(٣) علن الأمر (كخرج وجلس وفرح وكرم) علنا (مثل الفرح) وعلانية (مثل طواعية) واعتلن أيضا : أى ظهر. والعفارية : الجرىء الشديد ، وقد تقدم مع العفرنى

(٤) لعذافر (كعلاط) : الأسد والعظيم الشديد من الابل ، والأنثى عذافرة

٢٥٧

وأما نحو قبائل وعجائز علما فسيبويه والخليل اختارا حذف الألف لضعفها. ويونس اختار حذف الهمزة لقربها من الطرف ، فإذا صغرت على هذا مطايا قلت : مطىّ ، بياء مشددة على القولين : أما الخليل فإنه يحذف الألف التى بعد الطاء فيصير مطيا فتدخل ياء التصغير قبل هذه الياء وتكسر هذه الياء فتنقلب الألف لكسرة ما قبلها ياء ، فيجتمع ثلاث ياآت كما فى تصغير عطاء ، فتحذف الثالثة نسيا ، وأما يونس فيحذف الياء التى هى بدل من الهمزة فيبقى ألفان بعد الطاء فتدخل ياء التصغير قبل الأولى ، فتنقلب الأولى ياء مكسورة كما فى حمار ، فتنقلب الثانية أيضا ياء لكسرة ما قبلها ؛ فيصير مثل تصغير عطاء ، فيحذف ثالثة الياآت ؛ ولا يقال ههنا مطىء بالهمزة كما قال الخليل فى رسائل رسيئل ؛ لأن هذه الهمزة لم تثبت قط فى الجمع ثبوت همزة رسائل ، بل تجعل الياء الزائدة همزة وتقلب الهمزة بلا فصل ياء مفتوحة كما يجىء فى موضعه

ولو صغرت خطايا قلت : خطّىء ، بالهمزة أخيرا ؛ لأنك إن حذفت الألف التى بعد الطاء على قول الخليل وسيبويه ؛ فعند سيبويه يرجع ياء خطايا إلى أصلها من الهمزة لأنها إنما أبدلت ياء لكونها فى باب مساجد بعد الألف ، وترجع فى الحال الهمزة إلى أصلها من الياء الزائدة التى كانت بعد الطاء فى خطيئة ؛ فترجع الهمزة التى هى لام إلى أصلها (١) ؛ لأنها إنما انقلبت ياء لاجتماع همزتين مكسورة أولاهما ، وعند الخليل

__________________

(١) إن قلت : فلماذا قالوا فى تصغير رسائل وقبائل وعجائز أعلاما : رسيئلا وعجيئزا وقبيئلا ، مع أنه بعد حذف الألف الثالثة قد زال سبب قلب حرف المد الذى فى الواحد ألفا ثم همزة ولم يقولوا فى قضايا ومطايا وزوايا ونحوهن أعلاما بالهمزة أيضا مع أنه إذا حذف الألف الثالثة زال سبب انقلاب هذه الهمزة ياء فالجواب أن نقول : إن سبب قلب اللين همزة فى نحو رسائل ضعيف ، لأنهم إنما قلبوه لتحركه وانفتاح ما قبله ، إذ لم يعتدوا بالألف حاجزا ، أو لأنهم شبهوا

٢٥٨

إنما قلبت الهمزة إلى موضع الياء خوفا من اجتماع همزتين ؛ فإذا لم تنقلب الأولى همزة بسبب زوال ألف الجمع لم تقلب الهمزة إلى موضع الياء ، بل تبقى فى موضعها

وإن حذفت ياء خطايا على قول يونس رجعت الهمزة أيضا إلى أصلها ، لعدم اجتماع همزتين ، فتقول أيضا : خطّىء ، كحميّر.

قوله «وذو الثلاث غيرها» أى : الثلاثى ذو الزوائد الثلاث غير المدة المذكورة تبقى الفضلى من زوائده الثلاث ، على ما قلنا فى ذى الزيادتين ، وتحذف الثنتان فى نحو مقعنسس ، قال سيبويه : تحذف النون وإحدى السينين ؛ لكون الميم أفضل منهما ، وقال المبرد : بل تحذف الميم كما تحذف فى نحو محرنجم ؛ لأن السين للالحاق بحرف أصلى ؛ وقول سيبويه أولى ، لأن السين وإن كانت للالحاق بالحرف الأصلى وتضعيف الحرف الأصلى ، لكنها طرف إن كانت الزائدة هى الثانية ، أو قريبة من الطرف إن كانت هى (١) الأولى ، والميم لها قوة التصدر مع كونها مطردة فى

__________________

الألف بالفتحة ، فلما كان سبب ذلك ضعيفا لم يبالوا بفقدانه ، فان وجود الضعيف كلا وجود ، ولذلك يقولون فى تصغير قائم وبائع : قويئم وبويئع بالهمزة. أما علة قلب الهمزة ياء فى مطايا ونحوها فقوية ؛ لأنها إما أن تكون الهرب من اجتماع همزتين أو من اجتماع شبه ثلاث ألفات ، فلما كان السبب قويا اعتبروا زوال سببه زوالا له

(١) اعلم أنهم اختلفوا فى الحرف المكرر لحرف أصلى سواء أكان الزائد للالحاق كما فى جلبب ومهدد واقعنسس ومقعنسس ، أم كان لغير الالحاق ، نحو قطع واسبطر ومكفهر ومحمر ، وما أشبه ذلك ، هل الزائد أول الحرفين المتجانسين أو ثانيهما؟ فقال الخليل : الزائد هو الأول ، وقال غيره : الزائد هو الثانى واختاره ابن الحاجب ، وقال سيبويه : إن شئت اعتبرت الأول هو الزائد ، وإن شئت اعتبرت الثانى هو الزائد ، وسيأتى مزيد بحث لهذه المسألة بذكر آراء العلماء ودليل كل واحد منهم فى باب ذى الزيادة ، وإنما قصدناههنا إلى أن نبين لك أن ترديد المؤلف إشارة إلى هذا الاختلاف

٢٥٩

معنى ، كما ذكرنا قبل ، وإن حذفت فى مغدودن الدال الأولى فلا بد من حذف الواو أيضا فيبقى مغيدن ، وإن حذفت الثانية وقعت الواو رابعة فلا يحتاج إلى حذفها لأنها تصير مدة نحو مغيدين ، وإن كانت إحدى الزوائد حرف اللين المذكورة ـ أعنى الرابعة ـ لم تحذفها قطعا ، وتكون المعاملة مع الزائدتين الباقيتين ، وكأن ذلك اللين ليس فيه ، تقول فى تملّاق (١) تميليق ، بالمد ؛ وإنما حذفت إحدى اللامين وإن كانت من تضعيف الأصلى لأن التاء أفضل منهما بالتصدر ، ومجيئها فى مصادر كثيرة بلا تضعيف ، كالتّفعلل والتّفاعل والتّفعيل والتّفوعل ، ويسقط جميع همزات الوصل ، فى الرباعى كانت أو فى الثلاثى ، تقول فى افتقار وانطلاق : فتيقير ونطيليق ، وفى احرنجام : حريجيم لأنك تضم أول حروف الكلمة فى التصغير ، فلو لم تحذف الهمزة ضممتها ، فكانت تسقط فى الدرج فتنكسر بنية التصغير ، وتقول فى الثلاثى ذى أربعة الزوائد مع المد نحو استخراج : تخيريج ، وإنما كان سقوط السين أولى من سقوط التاء إذ لا تزاد السين فى أول الكلمة إلا مشفوعة بالتاء ، فلو قلنا سخيريج لكان سفيعيلا وليس له نظير ؛ وأما تفيعيل فهو كالتّجيفيف (٢) والتاء تزاد فى الأول بلا سين ، وتقول

__________________

(١) التملاق ـ بكسر التاء والميم وتشديد اللام ـ : مصدر قولك تملقه وتملق له كالتملق ، ومعناه تودد إليه وتلطف له ، وقال الشاعر :

ثلاثة أحباب فحبّ علاقة

وحبّ تملّاق وحبّ هو القتل

(٢) التجيفيف : تصغير التجفاف ـ بكسر تائه أو فتحها ـ وهو آلة للحرب يلبسها الانسان والفرس ليتقى بها ، والتاء مزيدة فيه للالحاق بقرطاس أو زلزال ، والألف زائدة أيضا. قال فى اللسان : «ذهبوا فيه إلى معنى الصلابة والجفوف ، قال ابن سيده : ولو لا ذلك لوجب القضاء على تائها بأنها أصل ، لأنها بازاء قاف قرطاس ، قال ابن جنى : سألت أبا على عن تجفاف : أتاؤه للالحاق بباب قرطاس؟ فقال : نعم ، واحتج فى ذلك مما انضاف إليها من زيادة الألف معها» اه ، والتجفاف بفتح التاء ـ مصد جرفف الثوب ونحوه كالتجفيف والتاء زائدة للمصدر لا للالحاق

٢٦٠