شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

لم يغير فى ماضى فعل يفعل ، نحو وضؤ يوضؤ ؛ لأنه لو فتح لم يعرف بضم المضارع أن ماضيه كان فى الأصل مضموم العين ؛ لأن ماضى مضموم العين يكون مضموم العين ومفتوحها ، وكلاهما أصل ، بخلاف مضارع فعل ؛ فان الفتح فى عين الماضى يرشد إلى أن عين المضارع إما مكسورة أو مضمومة ، كما تقرّر قبل ، فيعلم بفتح عين الماضى فرعية فتح عين المضارع ، وأما فتحة عين يسع ويطأ فلا يلتبس بالأصلية فى نحو يحمد ويرهب ، وإن كان فتح عين مضارع فعل ـ بكسرها ـ أكثر من الكسر ؛ لأن سقوط الواو فيهما يرشد إلى كونهما فرعا للكسرة ، وإنما لم تغير لحرف الحلق عين فعل المكسور العين إلى الفتح نحو سئم ؛ لأن يفعل فى مضارع فعل المفتوح العين فرع كما ذكرنا ، وفعل المضموم العين لا يجىء مضارعه مفتوحها ، فماضى يفعل المفتوح العين إذن يكون مكسورها مطردا ، وقد ذكرنا أن كل ما اطرد فيه غير الفتح لا يغيّر ذلك كراهة لخرم القاعدة كما فى أبرىء ويستبرىء ، وأيضا كان يلتبس بفعل يفعل المفتوح الماضى المغير مضارعه لحرف الحلق

__________________

ورعة (بكسر الراء) وورعا (بسكون الراء) وفيه لغة أخرى من باب كرم وروعا ووراعة. والوله : ذهاب العقل من الحزن ومن السرور ، وفعله وله يله ويوله (بالكسر والفتح فى المضارع) وفيه لغة أخرى كوعد يعد. والوهل : الضعف والفزع ، والذى يؤخذ من القاموس واللسان أن وهل قد جاء من باب علم يعلم ومن باب ضرب يضرب ، وليس فيهما لغة فى هذا الفعل كوثق يثق ، وهى التى حكاها المؤلف. والوغر : الحقد والغيظ ، والذى فى القاموس واللسان أن فعله قد جاء من باب علم يعلم كوجل يوجل ، ومن باب ضرب كوعد يعد ، وليس فيهما اللغة التى حكاها المؤلف. والوحر : بمعنى الوغر ، وفعله وحر يحر ويوحر (بكسر العين فى الماضى وفتحها وكسرها فى المضارع) ، فالتى ذكرها المؤلف إحدى اللغتين فى هذه الكلمة

١٢١

ثم إن الحروف التى من مخرج الواو ، كالباء والميم ؛ من ضرب يضرب وصبر يصبر ونسم (١) ينسم وحمل يحمل ، لا تغيّر كسر العين إلى الضم الذى هو من مخرج الواو ، وكذا الحروف التى من مخرج الياء ، كالجيم والشين ؛ فى شجب يشجب ومجن يمجن ومشق (٢) يمشق ، لا تحوّل ضم العين إلى الكسر الذى هو من مخرج الياء ، كما فعل حرف الحلق بالضمة والكسرة ؛ على ما تقدم ؛ لأن موضعى الواو والياء بمنزلة حيز واحد ؛ لتقارب ما بينهما واجتماعهما فى الارتفاع عن الحلق ، فكأن الحروف المرتفعة كلها من حيز واحد ، بخلاف المستفلة ـ أى : الحلقية ـ وأيضا فتحنا هناك لتعديل ثقل الحلقية بخفة الفتحة

__________________

(١) نسمت الريح تنسم ـ من باب ضرب ـ نسما ونسيما ونسمانا : هبت ضعيفة ، ونسم البعير بخفه : ضرب ، ونسم الشىء ـ كضرب وعلم ـ : تغير

(٢) الواو والباء والميم مخرجها من الشفتين ، والياء والجيم والشين مخرجها من بين وسط اللسان ووسط الحنك الأعلى ، وحديث المخارج الذى ذكره المؤلف ههنا يقصد به دفع اعتراض يرد على قوله فيما سبق : «وأيضا فالألف من حروف الحلق ايضا ؛ فيكون قبلها جزء من حرف من حيزها» وحاصله أنه إذا كان فتح العين فيما إذا كانت هى أو اللام حرفا من حروف الحلق سببه أن الفتحة جزء من الألف التى هى من حروف الحلق قصدا إلى التجانس بين حرف الحلق والحركة التى قبله أو بعده بلا فصل ، فان اطراد العلة يقتضى ضم العين فى المضارع الذى تكون عينه أو لامه من مخرج الواو كالباء والميم كما يقتضى كسر عين المضارع الذى تكون عينه أو لامه من مخرج الياء كالجيم والشين ؛ فأجاب المؤلف بهذا الذى ذكره. وتقول : مجن يمجن ـ كنصر ـ مجونا ومجانة ومجنا (بالضم) ؛ إذا كان لا يبالى قولا أو فعلا وتقول : شجب يشجب ـ كقعد ـ شجوبا ، وشجب يشجب ـ كفرح ـ شجبا (بفتحتين) إذا حزن أو هلك ، وتقول : شجبه الله يشجبه ـ كنصره ـ أى : أهلكه والمشق : السرعة فى الطعن والضرب والأكل ، وفى الكتابة مد حروفها ، وفعله من باب نصر

١٢٢

قوله «غير ألف» أى : أن فعل يفعل المفتوح عينهما لا يجىء بكون العين ألفا ، نحو : قال يقال ، مثلا ، أو بكون اللام ألفا ، نحو : رمى يرمى ؛ لأن الألف لا يكون فى موضع عين يفعل ولا لامه إلا بعد كون العين مفتوحة ، كما فى يهاب ويرضى ؛ فاذا كانت الفتحة ثابتة قبل الألف وهى سبب حصول الألف فكيف يكون الألف سبب حصول الفتحة؟!!

«وشذ أبى يأبى» قال بعضهم : إنما ذلك لأن الألف حلقية ، وليس بشىء لما ذكرنا أن الفتحة سبب الألف فكيف يكون الألف سببها؟ قال سيبويه : «ولا نعلم إلا هذا (١) الحرف» ، وذكر أبو عبيدة جبوت الخراج (٢) أجبى ،

__________________

(١) لعلك تقول : كيف يذكر عن سيبويه أنه لا يعلم كلمة قد جاءت على فعل يفعل ـ كنفع ينفع ـ ولامها ألف وليست عينها حرفا من حروف الحلق إلا أبى يأبى ، ثم يذكر عنه بعد ذلك أفعالا أخرى ، من هذه البابة ، فنقول لك : إنه لا تنافى» لأن سيبويه رحمه‌الله قد ذكر كل هذه الأفعال التى نقلها عنه المؤلف ، إلا أنه احتج لأبى يأبى وخرجه ، ولم يحتج لسائر الأفعال ؛ لأن الأول روى كذلك عن العرب كافة ، وأما غيره فلم يثبت عنده إلا من وجيه ضعيف ؛ فلهذا أمسك عن الاحتجاج له. انظر الكتاب (ج ٢ ص ٢٥٤). قال أبو سعيد السيرافى : «يدل كلام سيبويه على أنه ذهب فى أبى يأبى إلى أنهم فتحوا من أجل تشبيه ما الهمزة فيه أولى بما الهمزة فيه أخيرة» اه. قال ابن سيده : «إن قوما قالوا فى الماضى أبى ـ بكسر العين ـ فيأبى بفتحها على لغتهم جار على القياس ؛ كنسى ينسى» اه. قال ابن جنى : وقد قالوا أبى يأبى ـ كضرب يضرب ـ وأنشد أبو زيد

يا إبلى ماذامه فتأبيه

ماء رواء ونصىّ حوليه

انتهى كلام ابن جنى. وأنت خبير أنه على ما حكاه ابن سيده من مجىء أبى من باب علم ، وما حكاه ابن جنى من مجيئه من باب ضرب يجوز أن يكون قولهم : أبى يأبى ـ بالفتح فيهما ـ من باب تداخل اللغتين

(٢) الذى فى القاموس أن «جبى» قد جاء واويا ويائيا ، وأنه فى الحالين

١٢٣

وأجبو هو المشهور ، وحكى سيبويه أيضا قلى يقلى ؛ والمشهور يقلى بالكسر ، وحكى هو وأبو عبيدة عضضت تعضّ ، والمشهور عضضت بالكسر ، وحكى غير سيبويه ركن يركن وزكن يزكن ، من الزّكن (١) ، وزكن بالكسر أشهر ، وحكى أيضا غسا الليل ـ أى : أظلم ـ يغسى ، وشجا يشجى ، وعثا (٢) يعثي ، وسلا يسلا ، وقنط يقنط ؛ ويجوز أن يكون غسا وشجا وعثا وسلا طائية كما فى قوله : ـ

* ...... بنت على الكرم (٣) *

__________________

من باب سعى ورمى ، ولم يذكر «يجبو» فى الواوى ، فاذا صح نقله فيهما كان مجىء الواوى من باب رمى شاذا كما أن مجيئه فيهما من باب سعى شاذ ، وقال فى اللسان : «جبا الخراج يجباه ويجبيه : جمعه ، وجباه يجباه مما جاء نادرا مثل أبى يأبى ، وذلك أنهم شبهوا الألف فى آخره بالهمزة فى قرأ يقرأ وهدأ يهدأ» اه فليس فيه يجبوه أيضا ؛ فيجبوه غير معروف فى كتب اللغة التى بين أيدينا وإن كان هو القياس ، ثم اطلعنا بعد ذلك على قول ابن سيده فى المخصص (ج ١٤ ص ٢١١) : «وقد حكى أبو زيد فى كتاب المصادر جبوت الخراج أجباه وأجبوه» اه

(١) الزكن ـ بفتحتين ـ العلم أو الظن أو التفرس ، ولم يحك فى القاموس فعله إلا من باب فرح

(٢) عثى : أفسد ، وقد جاء على ثلاث لغات كرمى ودعا وأبى ، والأخيرة نادرة ، وهى محل الكلام ، وقد حكيت هذه اللغات الثلاث فى غسى الليل أيضا. وأما سلى فقد حكى فيه ثلاث لغات كدعا ورضى ورمى ، ولم يذكروه كسعى ، وهو الذى ذكره المؤلف. وأما شجا ، قد حكوه متعديا كدعا ولازما كفرح ولم يذكروه كسعى ؛ فأن صح ما ذكره المؤلف جاز أن يكون من باب التداخل وأن يكون على لغة طىء

(٣) هذه قطعة من بيت من بحر المنسرح وهو بتمامه :

١٢٤

لأنه جاء عثى يعثى وغسى يغسى وشجي يشجى وسلى يسلى وأما قلى يقلى فلغة ضعيفة عامرية ، والمشهور كسر مضارعه ، وحكى بعضهم قلى يقلى ـ كتعب يتعب ـ فيمكن أن يكون متداخلا ، وأن يكون طائيا ، لأنهم يجوزون قلب الياء ألفا فى كل ما آخره ياء مفتوحة فتحة غير إعرابية مكسور ما قبلها ، نحو بقى فى بقى ، ودعى فى دعى ، وناصاة فى ناصية (١) وأما زكن يزكن بالزاى إن ثبت فشاذّ ، وكذا ما قرأ الحسن : (ويهلك الحرث) بفتح اللام ، وركن يركن كما حكاه أبو عمرو من التداخل ، وذلك لأن ركن يركن ـ بالفتح فى الماضى والضم فى المضارع ـ لغة مشهورة ، وقد حكى أبو زيد عن قوم ركن بالكسر يركن بالفتح ، فركب من اللغتين ركن يركن بفتحهما ، وكذا قال الأخفش في قنط يقنط لأن قنط يقنط كيقعد ويجلس مشهوران ، وحكى قنط يقنط كتعب يتعب

قوله «ولزموا الضم في الأجوف بالواو والمنقوص بها» ، إنما لزموا الضم فيما ذكر حرصا على بيان كون الفعل واويا ، لايائيا ، إذ لو قالوا في قال وغزا : يقول ويغزو ؛ لوجب قلب واو المضارعين ياء لما مر من أن بيان البنية عندهم أهم من الفرق بين الواوى واليائى ، فكان يلتبس إذن الواوىّ باليائى فى الماضى والمضارع ولهذا بعينه التزموا الكسر فى الأجوف والناقص اليائيين ، إذ لو قالوا فى باع ورمى :

__________________

نستوقد النّبل بالحضيض ونصطاد نفوسا بنت على الكرم

وهو بيت لرجل من بنى القين بن جسر ، والنبل : السهام ، ومعنى «نستوقد النبل» نرمى بها رميا شديدا فتخرج النار لشدة رمينا وقوة سواعدنا ، والحضيض : الجبل أو قراره وأسفله ، وأراد بقوله «نفوسا بنت على الكرم» أنه إنما يقتل الرؤساء والسادة.

(١) الناصية : شعر مقدم الرأس

١٢٥

يبيع ويرمى لوجب قلب الياءين واوا لبيان البنية ؛ فكان يلتبس بالواوىّ اليائىّ فى الماضى والمضارع

فان قلت : أليس الضمة فى قلت والواو فى غزوت وغزوا والكسرة فى بعت والياء فى رميت ورميا تفرقان في الماضى بين الواوى واليائى؟؟

قلت : ذلك فى حال التركيب ، ونحن نريد الفرق بينهما حال الافراد

فان قلت : أليس يلتبسان فى الماضى والمضارع في خاف يخاف من الخوف وهاب يهاب من الهيبة وشقى يشقى من الشقاوة وروى يروى؟؟

قلت : بلى ، ولكنهم لم يضمّوا فى واوىّ هذا الباب ولم يكسروا فى يائيّه ؛ لأن فعل المكسور العين اطرد فى الأغلب فتح عين مضارعه ، ولم ينكسر إلا فى لغات قليلة كما يجىء ، فلم يقلبه حرف العلة عن حاله ، بخلاف فعل بالفتح فان مضارعه يجىء مضموم العين ومكسورها ، فأثر فيه حرف العلة بالزام عينه حركة يناسبها ذلك الحرف ، وهذا كما تقدم من أن حرف الحلق لم يغير كسرة ينبىء ويستنبىء لما اطرد فيهما الكسر

فاما إن كان لام الأجوف اليائى أو عين الناقص اليائى حلقيا ، نحو شاء يشاء وشاخ يشيخ وسعى يسعى وبغى يبغى فلم يلزم كسر عين المضارع فيه كما لزم فى الصحيح كما رأيت ، وكذا إن كان عين الناقص الواوىّ حلقيّا نحو شأى يشأى ـ أى : سبق ـ ورغا يرغو (١) لم يلزم ضمّ عين مضارعه كما لزم فى الصحيح على ما رأيت ، وذلك لأن مراعاة التناسب فى نفس الكلمة بفتح العين للحلقى ، كما ذكرنا ، مساوية للاحتراز من التباس الواوى باليائى ، وما عرفت أجوف واويّا حلقى اللام من [باب] فعل يفعل بفتحهما ، بل الضمّ فى عين المضارع لازم ، نحو ناء ينوء وناح ينوح

__________________

(١) رغا البعير والناقة يرغوا رغاء : صوت

١٢٦

ولنا أن نعلل لزوم الضم فى عين مضارع نحو قال وغزا ، ولزوم الكسر فى عين مضارع نحو باع ورمى ، بأنه لما ثبت الفرق بين الواوى واليائى فى مواضى هذه الأفعال أتبعوا المضارعات إياها في ذلك ، وذلك أن ضم فاء قلت وكسر فاء بعت للتنبيه على الواو والياء ، ونحو دعوت ودعوا يدل على كون اللام واوا ، ونحو رميت ورميا يدل على كونها ياء ، وأما نحو خفت تخاف وهبت تهاب وشقى يشقى وروى يروى وطاح يطيح عند الخليل (١) فإن أصله عنده طوح يطوح كحسب يحسب فلما لم يثبت في مواضى هذه الأفعال فرق بين الواوى واليائى فى موضع من المواضع لم يفرق فى مضارعاتها

قوله «ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه» اعلم أنهم قالوا : طوّحت ـ أى : أذهبت وحيرت ـ وطيّحت بمعناه ، وكذا توّهت وتيّهت بمعناهما ، وهو أطوح منك وأطيح ، وأتوه منك وأتيه ، فمن قال طيّح وتيّه فطاح يطيح وتاه يتيه عنده قياس كباع يبيع ، ومن قال طوّح وأطوح منك وتوّه وأتوه منك فالصحيح كما حكى سيبويه عن الخليل أنهما من باب حسب يحسب فلا يكونان أيضا شاذين ومثله آن يئين من الأوان : أى حان يحين (٢) ، ولو كان طاح فعل واو يا كقال

__________________

(١) انظر (ص ٨١ ، ص ١١٥)

(٢) قال سيبويه رحمه‌الله تعالى (ج ٢ ص ٣٦١): «وأما طاح يطيح وتاء يتيه فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب وهى من الواو ؛ يدلك على ذلك طوحت وتوهت (بالتضعيف) وهو أطوح منه وأتوه منه ، فانما هى فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل (بفتح عين المضارع) ومن فعل يفعل اعتلتا ، ومن قال : طيحت وتيهت ؛ فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمة ، وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة هذين الحرفين ، فلو لم يفعلوا ذلك وجاء على الأصل أدخلت الضمة على الياء والواو ، والكسرة عليهما فى فعلت (بالضم) وفعلت (بالكسر) ويفعل (بالضم) ويفعل (بالكسر) ففروا من أن يكثر هذا

١٢٧

لوجب أن يقال : طحت ـ بضم الطاء ـ ويطوح ، ولم يسمعا ، وكذا لم يسمع تهت ويتوه ، وقال المصنف «من قال طوّح وتوّه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذان» بناء على أن الماضى فعل بفتح العين ، ووجه الشذوذ فيه أن الأجوف الواوى من باب فعل المفتوح العين لا يكون مضارعه إلا مضمومها

وفى بعض نسخ هذا الكتاب «أو من التداخل» وكأنه ملحق وليس من المصنف ، وإنما وهم من ألحقه نظرا إلى ما فى الصحاح أنه يقال : طاح يطوح ، فيكون أخذه من طاح يطوح الواوى الماضى ، ومن طاح يطيح اليائى المضارع فصار طاح يطيح ، والذى ذكره الجوهرى من يطوح ليس بمسموع (١) ، ولو ثبت طاح يطوح لم يكن طاح يطيح مركبا (٢) ، بل كان طاح يطوح كقال يقول وطاح يطيح كباع يبيع ، وليس ما قال المصنف من الشذوذ بشىء ؛ إذ لو كان

__________________

فى كلامهم مع كثرة الياء والواو ، فكان الحذف والاسكان أخف عليهم ، ومن العرب من يقول : ما أتيهه وتيهت وطيحت ، وقال : آن يئين ؛ فهو فعل يفعل (كحسب يحسب) من الأوان وهو الحين» اه (وانظر : ص ٨١ ، وص ١١٥ من هذا الجزء)

(١) لقد تبع الجوهرى فى ذلك كثير من أئمة اللغة كالمجد وابن منظور والرازى على أن الجوهرى وحده كاف فى إثبات يطوح لأنه إنما نقل ما صح عنده من لغة العرب ، وهو يقول : «قد أودعت هذا الكتاب ما صح عندى من هذه اللغة» ومن حفظ حجة على من لم يحفظ

(٢) إن كان غرض المؤلف من هذا الكلام أن التركيب حينئذ لا محوج له ؛ لأن الأولى حمل الواوى على باب نصر واليائى على باب ضرب كما هو القياس المطرد فى اللغة فهذا كلام مسلم لا شية فيه ، وإن كان غرضه أن التركيب حينئذ غير ممكن فلا نسلم له ذلك ؛ لأن من الممكن أن نأخذ الماضى من الواوى على لغة من قال طوح ونأخذ المضارع من اليائى

١٢٨

طاح كقال لقيل طحت كقلت بضم الفاء ، ولم يسمع ، والأولى أن لا تحمل الكلمة على الشذوذ ما أمكن

قوله «ولم يضمّوا فى المثال» يعنى معتل الفاء الواوى واليائى ، فلم يقولوا وعد يوعد ويسر ييسر ؛ لأن قياس عين مضارع فعل المفتوح العين على ما تقدم إما الكسر أو الضم ، فتركوا الضم استثقالا لياء يليها ياء أو واو بعدها ضمة ، إذ فيه اجتماع الثقلاء ، ألا ترى إلى تخفيف بعضهم واو يوجل وياء ييأس بقلبهما ألفا نحو ياجل وياءس ، وإن كان بعدهما فتحة وهى أخف الحركات ، فكيف إذا كانت بعدهما ضمة؟

فان قلت : أو ليس ما فرّوا إليه أيضا ثقيلا ، بدليل حذف واو [نحو] يعد وجوبا وحذف ياء [نحو] ييسر عند بعضهم ، كما يجىء فى الإعلال؟

قلت : بلى ، ولكن ويل أهون من ويلين

فان قلت : فاذا كان منتهى أمرهم إلى الحذف للاستخفاف ، فهلا بنوا بعضه على يفعل أيضا بالضم وحذفوا حرف العلة حتى تخف الكلمة كما فعلوا ذلك بالمكسور العين؟

قلت : الحكمة تقتضى إذا لم يكن بد من الثقيل أو أثقل منه أن تختار الثقيل على الأثقل ، ثم تخفف الثقيل ، لا أن تأخذ الأثقل أولا وتخففه

فان قلت : أو ليس قد قالوا : يسر ييسر (١) من اليسر ووسم يوسم؟

قلت : إنما بنوهما على هذا الأثقل إذ لم يكن لفعل المضموم العين مضارع

__________________

(١) قد قالوا : يسر ييسر فهو يسير ، إذا قل ، وإذا سهل ، وبابه كرم ، وقالوا أيضا : يسر ييسر يسرا من باب فرح ، بالمعنى السابق ، وقالوا : يسر الرجل ييسر من باب ضرب فهو ياسر ؛ إذا لعب الميسر ، ومنهم من قال : يسر يسر بحذف الياء التى هى فاء الكلمة فى هذا المعنى الاخير

١٢٩

إلا مضموم العين ، فكرهوا مخالفة المعتل الفاء لغيره بكسر عين مضارعه ، بخلاف فعل المفتوح العين ؛ فان قياس مضارعه إما كسر العين أو ضمها على ما تكرر الاشارة إليه ، فأثر فيه حرف العلة بالزام عين مضارعه الكسر

فان قلت : فلما ألجئوا فى فعل المضموم العين إلى هذا الأثقل فهلا خففوه بحذف الفاء؟

قلت : تطبيقا للفظه بالمعنى ، وذلك أن معنى فعل الغريزة الثابتة والطبيعة اللازمة ، فلم يغيروا اللفظ أيضا عن حاله لما كان مستحقّ التغيير بالحذف فاء الكلمة وهى بعيدة من موضع التغيير ؛ إذ حق التغيير أن يكون فى آخر الكلمة أو فيما يجاور الآخر ، فلذلك غير فى طال يطول وسرو يسرو (١) ، وإن كانا من باب فعل أيضا ،

وأما وهب يهب ووضع يضع ووقع يقع وولغ يلغ فالأصل (٢) فيها كسر عين المضارع ، وكذا وسع يسع ووطئ يطأ ؛ فحذف الواو ، ثم فتح العين لحرف الحلق ، وكذا ودع ـ أى ترك ـ يدع والماضى لا يستعمل إلا ضرورة (٣) ، قال : ـ

__________________

(١) تقول سرو يسرو ـ ككرم يكرم ـ وسرا يسرو ـ كدعا يدعو ـ وسرى يسرى ـ كرضى يرضى ـ إذا كان شريفا ذا مروءة

(٢) المراد بالأصل هنا الحالة الأولى السابقة على الحذف ، وليس المراد به الغالب والكثير

(٣) قول المؤلف «والماضى لا يستعمل إلا ضرورة» يخالفه قوله فى باب الاعلال :

«ويدع مثل يسع ، لكنه أميت ماضيه» فان مقتضاه أنه لم يستعمل فى نثر ولا نظم ومقتضى قوله هنا : «لا يستعمل إلا ضرورة» أنه يستعمل فى الشعر ، هذا ، وقد زاد غير المؤلف أنه لم يستعمل مصدر هذا الفعل ولا اسم فاعله ولا اسم مفعوله وكل ذلك غير صحيح ، فقد قرأ عروة بن الزبير ، ومجاهد ، ومقاتل ، وابن أبى عبلة ، ويزيد النحوى (ما ودعك ربك وما قلى) بالتخفيف ، وجاء فى الحديث :

١٣٠

١٥ ـ ليت شعرى عن خليلى ما الّذى

غاله فى الحبّ حتّى ودعه (١)

وحمل يذر على يدع لكونه بمعناه (٢) ، ولم يستعمل ماضيه لا فى السعة ولا فى الضرورة

__________________

«لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم» قال ابن الأثير فى النهاية : «أى عن تركهم إياها والتخلف عنها ، يقال : ودع الشىء يدعه ودعا ، إذا تركه ، والنحاة يقولون : إن العرب أماتوا ماضى يدع ومصدره واستغنوا عنه بترك ، والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفصح ، وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله ، فهو شاذ فى الاستعمال فصيح فى القياس» اه كلام ابن الأثير. ومن مجىء اسم الفاعل ما أنشده ابن برى من قول معن بن أوس :

عليه شريب ليّن وادع العصا

يساجلها حمّاته وتساجله

وما أنشده الفارسى فى البصريات :

فأيّهما ما أتبعنّ فإنّنى

حزين على ترك الّذى أنا وادعه

وقد استشهد الجوهرى على مجىء اسم المفعول من هذا الفعل بقول خفاف ابن ندبة :

إذا ما استحمّت أرضه من سمائه

جرى وهو مودوع وواعد مصدقى

(١) هذا البيت من كلام أبى الأسود الدؤلى ، قاله ابن برى ، وقال الأزهرى :

إنه لأنس بن زنيم الليثى ، وأنشد معه بيتا آخر ، وهو قوله :

لا يكن برقك برقا خلّبا

إنّ خير البرق ما الغيث معه

والشاهد فيه مجىء ودع ماضيا مخففا ، ومثله قول سويد بن أبى كاهل اليشكرى :

سل أميرى ما الّذى غيّره

عن وصالى اليوم حتّى ودعه

وقول الآخر :

فسعى مسعاته فى قومه

ثمّ لم يدرك ولا عجزا ودع

(٢) اعلم أنهم استعملوا الفعل المضارع من هذه المادة فقالوا : يذر ، ومنه قوله

١٣١

فان قيل : فهلا حذفت الواو من يوعد مضارع أوعد مع أن الضمة أثقل

قلت : بل الضمة قبل الواو أخف من الفتحة قبلها للمجانسة التى بينهما

وإنما لم تحذف الياء من نحو ييئس وييسر إذ هو أخف من الواو ، على أن بعض العرب يجرى الياء مجرى الواو فى الحذف ، وهو قليل ؛ فيقول : يسر يسر ويئس يئس بحذف الياء

قوله «ووجد يجد ضعيف» هى لغة بنى عامر ، قال لبيد بن ربيعة العامرىّ : ـ

١٦ ـ لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الصّوادى لا يجدن غليلا (١)

__________________

تعالى (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) واستعملوا منه الأمر فقالوا : ذر ، ومنه قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) وقوله (ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) ولم يستعملوا منه اسم فاعل ولا اسم مفعول ولا مصدرا ولا فعلا ماضيا ، وهذا المضارع المسموع قد ورد بالفتح ، إلا ما حكى عن بعضهم من قوله : «لم أذر ورائى شيئا» ، ومقتضى القواعد المقررة أن يكون ماضى هذا الفعل المقدر مكسور العين ، فيكون فتح عين مضارعه هو الأصل والقياس ، وحينئذ فيسأل عن علة حذف الواو ؛ إذ كان المعروف أنها لا تحذف إلا بين الياء والكسرة حقيقة أو تقديرا ، وجواب هذا هو الذى عناه المؤلف بقوله : حمل على يدع ، يريد أنه حمل عليه فى حذف الواو لكونه بمعناه ، إذ ليس فيه نفسه ما يقتضى حذفها ، ويمكن أن يقدر أن الماضى مفتوح العين ، فيكون قياس المضارع كسر العين ، لأن المثال الواوى المفتوح العين فى الماضى لا يكون إلا من باب ضرب ، فيكون حذف الواو جار يا على القياس ، لأنها وقعت بين ياء مفتوحة وكسرة أصلية ، ويسأل حينئذ عن سر فتح العين فى المضارع مع أنه ليس فيه ما يقتضى الفتح فيجاب بأنه حمل على يدع فى فتح العين لكونه بمعناه ، وفى يدع موجب الفتح وهو حرف الحلق ، وهذا يماثل ما قال بعضهم فى أبى يأبى : إنه فتحت عينه حملا له على منع يمنع لأنه بمعناه

(١) تبع المؤلف الجوهرى فى نسبة هذا البيت للبيد. قال ابن برى فى حواشيه

١٣٢

يجوز أن يكون أيضا في الأصل عندهم مكسور العين كأخواته ، ثم ضم بعد

__________________

على الصحاح : «الشعر لجرير وليس للبيد كما زعم» ، وكذا نسبه الصاغانى فى العباب لجرير ، وقد رجعنا إلى ديوان جرير فألفيناه فيه ، وقبله وهو أول قصيدة يهجو فيها الفرزدق :

لم أر قبلك يا أمام خليلا

أنأى بحاجتنا وأحسن قيلا

واستشهد المؤلف بالبيت على أن الضم فى مضارع وجد لغة ضعيفة خاصة ببنى عامر ، ووجه ضعفها أنها خارجة عن القياس والاستعمال ، إذ القياس ألا تحذف فاء المثال إذا كانت واوا إلا من المضارع المكسور العين ، والاستعمال الغالب فى هذه الكلمة الكسر ، قال الله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) فيكون الضم شاذا قاسا واستعمالا ، ثم إن ابن مالك ذهب فى التسهيل إلى أن لغة بنى عامر ليست مقصورة على يجد ، بل هى عامة فى كل ما فاؤه واو من المثال : أى أنهم يحذفون الفاء ويضمون العين من كل مثال واوى على فعل (بفتح العين) فيقولون فى وكل : يكل ، وفى ولد : يلد ، وفى وعد : يعد ، وهكذا ، وهذا القول الذى قاله ابن مالك مخالف لما ذهب إليه فحول النحويين ، قال السيرافى : «إن بنى عامر يقولون ذلك فى يجد من الموجدة والوجدان ، وهم فى غير يجد كغيرهم» وكذا قال صاحب الصحاح ، وقال ابن جنى فى سر الصناعة : «ضم الجيم من يجد لغة شاذة غير معتد بها لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها ما عليه الكافة فيما هو بخلاف وضعها» اه وقال الرازى فى المختار : «ويجد بالضم لغة عامرية لا نظير لها فى باب المثال» اه وقال ابن عصفور : «وشذ من فعل الذى فاؤه واو لفظة واحدة فجاءت بالضم وهى : وجد يجد ، قال : وأصله يوجد (بالكسر) فحذفت الواو لكون الضمة هنا شاذة والأصل الكسر» اه ، وقال ابن جنى فى شرح تصريف المازنى : «فأما قول الشاعر :

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا

فشاذ ، والضمة عارضة ، ولذلك حذفت الفاء ، كما حذفت فى يقع ويدع ، وإن كانت الفتحة هناك ؛ لأن الكسر هو الأصل ، وإنما الفتح عارض» اه

١٣٣

حذف الواو ، ويجوز أن يكون ضمّه أصليا حذف منه الواو لكون الكلمة بالضمة بعد الواو أثقل منها بالكسرة بعدها

قوله «ولزموا الضم فى المضاعف المتعدى» نحو مدّ يمدّ ، وردّ يردّ ، إلا أحرفا جاءت على يفعل أيضا ، حكى المبرد علّه يعله وهرّه يهرّه : أى كرهه ، وروى غيره نمّ الحديث ينمّه ، وبتّه يبتّه ، وشدّه يشدّه ، وجاء فى بعض اللغات : حبّه يحبّه ، ولم يجىء فى مضارعه الضم

وما كان لازما فانه يأتى على يفعل بالكسر ، نحو عفّ يعفّ ، وكلّ يكلّ ـ إلا ما شذ من عضضت تعضّ على ما ذكرنا ، وحكى يونس أنهم قالوا : كععت ـ أى : جبنت ـ تكعّ بالفتح فيهما (١) وتكعّ بالكسر أشهر ؛ فمن فتح فلأجل حرف الحلق ، قال سيبويه : لما كان العين فى الأغلب ساكنا بالإدغام لم يؤثر فيه حرف الحلق كما أثر فى صنع يصنع. ومن فتح فلأنها قد تتحرك فى لغة أهل الحجاز ، نحو : لم يكعع وفى يكععن اتفاقا كيصنع ويصنعن

قال : «وإن كان على فعل فتحت عينه أو كسرت إن كان مثالا ، وطيّىء تقول فى باب بقى يبقى : بقى يبقى ، وأمّا فضل يفضل ونعم ينعم فمن التّداخل»

__________________

وظاهر كلام ابن جنى وابن عصفور أن الشذوذ فى يجد من جهة ضم العين لا من جهة حذف الفاء لأن العين على كلامهما مكسورة فى الأصل فيتحقق مقتضى الحذف ، فيكون قياسيا ، ويجوز كما قال المؤلف أن تكون الضمة أصلية لا عارضة ؛ فيكون الشذوذ فى حذف الفاء ، ورواية الكسر التى حكاها السيرافى فى هذا البيت لا ترد هذا الاحتمال كما زعم البغدادى فى شرح الشواهد

(١) هذه لغة حكاها يونس ، وحكى غيره فى هذا اللفظ ثلاث لغات أخرى : إحداها كنصر ، والثانية كضرب ، والثالثة كعلم ، وقد أشار المؤلف إلى الثانية

١٣٤

أقول : اعلم أن القياس فى مضارع فعل المكسور العين (١) فتحها ، وجاءت أربعة أفعال من غير المثال الواوى ، يجوز فيها الفتح والكسر ، والفتح أقيس ، وهى حسب يحسب ، ونعم ينعم ، ويئس ييئس ، ويبس ييبس ، وقد جاءت أفعال من المثال الواوى لم يرد فى مضارعها الفتح ، وهى ورث يرث ، ووثق يثق ، وومق يمق ، ووفق يفق ، وورم يرم ، وولى يلى ، وجاء كلمتان روى فى مضارعهما الفتح ، وهما : ورى الزّند يرى ، ووبق يبق ، وإنما بنوا هذه الأفعال على الكسر ليحصل فيها علة حذف الواو فتسقط ، فتخفّ الكلمة ، وجاء وحر صدره من الغضب ، ووغر بمعناه ، يحر ويغر ، ويوحر

__________________

(١) توضيح المقام وتفصيله أن القياس فى مضارع فعل بالكسر يفعل (بالفتح) ؛ لأنهم أرادوا أن يخالف المضارع الماضى لفظا كما خالفه معنى ، ولا تنحصر الألفاظ التى جاءت على القياس من هذا الباب فى عدد معين ؛ بل تستطيع أن تجزم بأن كل فعل ثلاثى ماضيه بكسر العين لا بد أن يكون مضارعه بفتح العين إلا أفعالا محصورة ستسمع حديثها قريبا ، وما جاء بالكسر من هذا الباب فهو شاذ مخالف للقياس ، وما جاء بالضم منه فهو متداخل ، والذى جاء بالكسر ضربان : ضرب جاء فيه ـ مع الكسر الذى هو شاذ ـ الفتح الذى هو القياس ، وضرب لم يجىء فيه إلا الكسر الذى هو شاذ ، فأما الضرب الأول فأربعة عشر فعلا ، خمسة منها من غير المثال الواوى ؛ ذكر المؤلف منها أربعة ، والخامس بئس (بالموحدة) يبئس ويبأس ، وتسعة من المثال الواوى ؛ ذكر المؤلف منها ثمانية والتاسع وهل يهل ويوهل ، وأما الضرب الثانى فتسعة عشر فعلا ، ستة عشر منها من المثال الواوى ، ذكر المؤلف منها عشرة والباقى هو : وروى المخ يرى : أى سمن ، ووجد يجد وجدا : أى أحب ، ووعق عليه يعق : أى عجل ، وورك يرك وروكا : أى اضطجع ، ووكم يكم وكما : أى اغتم ، ووقه له يقه : أى سمع له وأطاع ، والثلاثة الباقية من الأجوف الواوى ، وهى من هذا الضرب على ما ذهب إليه الخليل ، وقد ذكرها المؤلف كلها (وهى طاح وتاه وآن) وأما الضرب الثالث ـ وهو المضموم فى المضارع ـ فقد ذكر المؤلف منه جملة صالحة (وهى فضل ونعم وحضر ودمت ومت ونكل ونجد) وقد سبق له ذكر ركن

١٣٥

ويوغر أكثر ، وجاء ورع يرع بالكسر على الأكثر ، وجاء يورع ، وجاء وسع يسع ووطىء يطأ ، والأصل الكسر بدليل حذف الواو لكنهم ألزموها بعد حذف الواو فتح عين المضارع ، وقالوا : جاء وهمت أهم ، والظاهر أن أهم مضارع وهمت ـ بفتح العين ـ ومضارع وهمت بالكسر أوهم بالفتح ، ويجوز أن يكون وهمت أهم ـ بكسرهما ـ من التداخل ، وجاء آن يئين من الأوان ، وطاح يطيح ، وتاه يتيه ، كما ذكرنا ، وجاء وله يله ، ويوله أكثر ، قالوا : وجاء وعم يعم ، بمعنى نعم ينعم ، ومنه عم صباحا ؛ وقيل : هو من أنعم بحذف النون تشبيها بالواو ، فقوله «أو كسرت إن كان مثالا» أى : مثالا واو يا ، وليس الكسر بمطرد فى كل مثال واوى أيضا ، فما كان ينبغى له هذا الاطلاق ، بل ذلك محصور فيما ذكرناه.

قوله «وطىء تقول فى باب بقى يبقى» مضى شرحه

قوله «وأما فضل يفضل ونعم ينعم فمن التداخل» المشهور فضل يفضل ، كدخل يدخل ، وحكى ابن السكيت فضل يفضل ، كحذر يحذر ، ففضل يفضل يكون مركبا منهما ؛ وكذا نعم ينعم مركب من نعم ينعم كحذر يحذر وهو المشهور ؛ ونعم ينعم كظرف يظرف ، وحكى أبو زيد حضر يحضر ؛ والمشهور حضر بالفتح وجاء حرفان (١) من المعتل : دمت تدوم ومتّ تموت ـ بكسر الدال والميم فى الماضى ـ والمشهور ضمهما كقلت تقول ، وهما مركبان ؛ إذ جاء دمت تدام ومتّ تمات ، كخفت تخاف ، قال : ـ

__________________

(١) زاد ابن القطاع على هذين الحرفين حرفين آخرين ، وهما : كدت تكود وجدت تجود ـ بكسر أول الماضى فيهما ـ والأصل فيهما كاد يكود وجاد يجود ـ مثل قال يقول ـ وكاد يكاد وجاد يجاد ـ مثل خاف يخاف ـ فأخذ المضارع من الأولى مع الماضى من الثانية

١٣٦

١٧ ـ بنيّتى سيّدة البنات

عيشى ولا نأمن أن تماتى (١)

وحكى أبو عبيدة نكل ينكل ، وأنكره الأصمعى ، والمشهور (٢) نكل ينكل ، كقتل يقتل ، وحكى نجد ينجد (٣) : أى عرق ، ونجد ينجد كحذر يحذر هو المشهور

قال : «وإن كان على فعل ضمّت»

__________________

(١) لم يتيسر لنا الوقوف على نسبة هذا البيت إلى قائل معين ، وقد أنشده الجوهرى فى الصحاح ، وابن جنى فى الخصائص (ح ١ ص ٣٨٦) ولكنه رواه هكذا

بنىّ يا سيّدة البنات

عيشى ولا يؤمن أن تماتى

وبنيتى فى رواية المؤلف تصغير بنت أضيف إلى ياء المتكلم ، وهو منادى بحرف نداء محذوف ، و «سيدة البنات» جعله بعضهم نعتا للمنادى ، وأجاز فيه الرفع والنصب ، ويجوز أن يكون بدلا أو عطف بيان أو منادى بحرف نداء محذوف

و «عيشى» فعل دعاء ، و «تمانى» لغة فى تموتين ، فقد جاء هذا الفعل من باب نصر ، كقال يقول ، قال الله تعالى (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) ومن باب علم ، كخاف يخاف ، وقد قرىء فى قوله تعالى (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) وفى قوله تعالى (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) بضم الميم على أنه من اللغة الأولى ، وبكسرها على أنه من اللغة الثانية ، قال الصاغانى فى العباب : «قد مات يموت ، ويمات أيضا ، وأكثر من يتكلم بها طيء ، وقد تكلم بها سائر العرب» اه وحكى يونس فى هذه الكلمة لغة أخرى كباع يبيع

(٢) فى اللسان والقاموس أن هذا الفعل قد جاء كضرب ، ونصر ، وعلم ، فالتركيب من ماضى الثالثة ومضارع الثانية ، ولم يذكر التركيب الذى حكاه أبو عبيدة واحد منهما.

(٣) النجد ـ بفتحتين ـ : العرق من عمل أو كرب أو غيرهما ، قال النابغة الذبيانى :

يظلّ من خوفه الملّاح معتصما

بالخيزرانة بعد الأين والنّجد

والفعل نجد ينجد ـ كعلم يعلم ـ ومقتضى التركيب أن يكون فيه لغة أصلية ثانية

١٣٧

أقول : اعلم أن ضم عين مضارع فعل المضموم العين قياس لا ينكسر ، إلا فى كلمة واحدة ، وهى كدت بالضم تكاد ، وهو شاذ ؛ والمشهور كدت تكاد كخفت تخاف ، فان كان كدت بالضم كقلت فهو شاذ (١) أيضا ، لأن فعل يفعل بفتحهما لا بد أن يكون حلقىّ العين أو اللام

قال «وإن كان غير ذلك كسر ما قبل الآخر ، ما لم يكن أوّل ماضيه تاء زائدة نحو تعلّم وتجاهل فلا يغيّر ، أو لم تكن اللّام مكرّرة ،

__________________

من باب نصر أو كرم بهذا المعنى ، لكن الذى فى اللسان والقاموس وكتاب الأفعال لابن القوطية أنه قد أتى هذا الفعل بهذا المعنى من باب علم ، كما تقدم ، ومن باب عنى مبنيا للمجهول ، ونص فى اللسان على أن المضارع قد جاء كينصر ، كما ذكر المؤلف ولم يذكر ما يصح أن يكون ماضيا له ، وعلى هذا يكون هذا الفعل شاذا ، ليس من باب التداخل. نعم قد جاء هذا الفعل من باب كرم بمعنى صار ذا نجدة ، وجاء متعديا من باب نصر بمعنى أنجده وأعانه ، ولكن واحدا من هذين البابين لا يتحقق به التداخل ما دام من شرطه اتحاد المعنى فى البابين اللذين تتركب منهما اللغة الثالثة

(١) اعلم أن هذا الفعل قد جاء واويا ويائيا : أما الواوى فقد جاء من باب علم ومن باب نصر ؛ مثل خفت تخاف ، وقلت تقول ، فتقول فى الماضى المسند للضمير : كدت ـ بكسر الكاف ـ على الأول ـ وضمها ـ على الثانى ، وأما اليائى فجاء من باب علم ليس غير ، وجاء من باب باع بمعنى آخر ؛ تقول : كاد الرجل الرجل يكيده كيدا : أى دبر له ، ومنه قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً) ، وتقول : كادت المرأة تكيد كيدا ؛ إذا حاضت ؛ فأذا علمت هذا تبين لك أن قول العرب : كدت ـ بضم الكاف ـ تكاد من باب التداخل ، وأن الماضى أخذ من باب نصر والمضارع أخذ من باب علم ؛ كما أن قولهم : كدت ـ بكسر الكاف ـ تكود متداخل أيضا ، ماضيه من باب علم ومضارعه من باب نصر ؛ فاعتبار المؤلف تبعا لسيبويه كدت ـ بالضم ـ تكاد شاذا ، سواءأ كان من باب كرم أو نصر ، يس بوجيه ، بل هو من التداخل ، لأنه لا يعدل إلى القول بالشذود ما أمكن الحمل على وجه صحيح كما كرر المؤلف نفسه مرارا

١٣٨

نحو احمرّ واحمارّ فيدغم ، ومن ثمّ كان أصل مضارع أفعل يؤفعل إلّا أنه رفض لما يلزم من توالى الهمزتين فى المتكلم فخفّف فى الجميع ، وقوله :

١٨ ـ * فإنّه أهل لأن يؤكرما* (١)

شاذّ ، والأمر واسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التّفضيل تقدّمت»

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور أورده الجوهرى فى الصحاح ، ونقله اللسان ، ولم نقف على نسبته إلى قائل معين ، ولا وقفنا له على سابق أو لاحق ، والاستشهاد به فى قوله يؤكرم حيث أبقى الهمزة ، فلم يحذفها كما هو القياس فى استعمال أمثاله ، ولم يخففها بقلبها واوا ؛ وإن لم يكن ذلك القلب واجبا ؛ لعدم الهمزتين. قال سيبويه (ح ٢ ص ٣٣٠): «وزعم الخليل أنه كان القياس أن تثبت الهمزة فى يفعل ويفعل (ويقصد المضارع المبنى للمعلوم والمبنى للمجهول) وأخواتهما ، كما ثبتت التاء فى تفعلت وتفاعلت فى كل حال ، ولكنهم حذفوا الهمزة فى باب أفعل من هذا الموضع فاطرد الحذف فيه لأن الهمزة تثقل عليهم كما وصفت لك ، وكثر هذا فى كلامهم فحذفوه. واجتمعوا على حذفه كما اجتمعوا على حذف كل وترى ، وكان هذا أجدر أن يحذف حيث حذف ذلك الذى من نفس الحرف لأنه زيادة لحقته زيادة فاجتمع فيه الزيادة وأنه يستثقل وأن له عوضا إذا ذهب ، وقد جاء فى الشعر حيث اضطر الشاعر ، قال الراجز ، وهو خطام المجاشعى :

* وصاليات ككما يؤثفين*

وإنما هو من أثفيت ، وقالت ليلى الأخيلية : ـ

* كراة غلام من كساء مؤرنب*

انتهى كلامه بحروفه. وخطام بزنة كتاب ، وما أنشده لليلى الأخيلية هو عجز بيت تصف فيه قطاة تدلت على فراخها وفراخها حص الرءوس (أى : لا ريش عليها) وصدره : ـ

* تدلّت على حصّ الرّءوس كأنّها*

١٣٩

أقول : يعنى وإن كان الماضى غير الثلاثىّ المجرد كسر ما قبل الآخر ، فى غير ما أوله التاء ؛ لأنه يتغير أوله فيه ، سواء كان رباعيا ، أو ثلاثيا مزيدا فيه ، أو رباعيا كذلك ، نحو دحرج يدحرج ، وانكسر ينكسر ، واحرنجم يحرنجم ، وإنما كسر ما قبل الآخر فى غير ما فى أوله التاء لأنه يتغير أوله فى المضارع عما كان عليه فى الماضى : إما بسقوط همزة الوصل فيما كانت فيه ، وإما بضم الأول ، وذلك فى الرباعى نحو يدحرج [ويدخل] ويقاتل ويقطّع ، والتغيير مجرّئ على التغيير ، وأما ما فيه تاء فلم يتغير أوله إلا بزيادة علامة المضارعة التي لا بدّ منها

قوله «أو لم تكن اللام مكررة» كان أولى أن يقول : أو تكن اللام مدغمة ؛ لأن نحو يسحنكك مكرر اللام ولم يدغم (١)

قوله «ومن ثم» إشارة إلى قوله قبل : «المضارع بزيادة حرف المضارعة على الماضى» وقد مر فى شرح الكافية (٢) فى باب المضارع ما يتعلق بهذا الموضع

__________________

(١) اسحنكك الليل : أى اشتدت ظلمته ، واسحنكك الشعر فهو مسحنكك : أى اشتد سواده ، وقول المؤلف : «كان أولى أن يقول أو تكن اللام مدغمة» ليس بأولى مما ذكره صاحب الأصل ؛ بل العبارتان مشتملتان على قصور ؛ فكما أن عبارة الأصل لا تشمل نحو اسحنكك يسحنكك وجلبب يجلبب واقعنسس يقعنسس ، كذلك عبارته التى اختارها لا تشمل نحو عازه يعازه وماده الحبل يماده وشاقه فى الأمر يشاقه ؛ فأن هذه الكلمات على زنة فاعل ، وليست مكررة اللام ولا اللام فيها مدغمة بل هى مدغم فيها ، إلا أن يقال : إن عبارته من باب الحذف والايصال ، وأصلها «أو تكن اللام مدغما فيها» فحذف حرف الجر وأوصل العامل إلى الضمير فاستتر وهو بعيد ، على أن استثناء مكرر اللام أو مدغمها ليس بوجيه ؛ لأن حركة ما قبل الآخر قبل الادغام هى الكسر ، فالأمر فيه جار على الأصل قبل الاستثناء ، وتكون القاعدة أن المبدوء بالتاء الزائدة لا يكسر ما قبل آخره ، وغيره يكسر ما قبل آخره تحقيقا كيستغفر أو تقديرا كيحمر إلا أن يكون نظرهم إلى ظاهر الأمر من غير التفات إلى الأصل

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية : «إنه قد يطرد فى الأكثر الحكم الذى

١٤٠