شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

إردبّ وفردوس وإدرون وإنقحل (١) ومن الرباعى قرشبّ (٢) وعلّكد (٣) وقولهم همّرش (٤) عند سيبويه ملحق بجحمرش بالتضعيف ، وعند الأخفش ليس فيه زائد وأصله هنمرش ، ويجوز على ما ذهبنا إليه أن يكون سرداح ملحقا بجردحل ، وعلابط ملحقا بقذعمل ، وكنابيل (٥) بقذعميل ، وإن خالفتها فى التصغير والتكسير ؛ لأنا ذكرنا أن ذلك لا يعتبر إلا فى الرباعى

واعلم أنه لا يكون فى الرباعى والخماسى الأصليين تضعيف ؛ لثقلهما وثقل التضعيف : أما إذا كان أحد حروفهما تضعيفا زائدا فإنه يحتمل لعروض الزيادة وإن صار العارض لازما ؛ فعلى هذا أحد المثلين فى كلمة مع ثلاثة أصول

__________________

(١) الفردوس : البستان ، وفى تمثيل المؤلف به لما ذكر نظر ؛ فانهم نصوا على أنه لا زائد فيه إلا الواو ؛ فيكون رباعيا ملحقا بالخماسى ، والانقحل كجردحل : الرجل الذى يبس جلده على عظمه من البؤس والكبر والهرم

(٢) القرشب ـ كجردحل : الضخم الطويل من الرجال. وقيل : هو السىء الحال

(٣) العلكد ـ بكسر العين وتشديد اللام مفتوحة وسكون الكاف ـ الغليظ الشديد العنق والظهر من الأبل وغيرها ، وقيل : هو الشديد مطلقا ، الذكر والأنثى فيه سواء

(٤) همرش ـ كجحمرش ـ العجوز المضطربة الخلق (بفتح الخاء). قال ابن سيده : جعلها سيبويه مرة فنعللا (وهو غير ما حكاه المؤلف عن الأخفش) ومرة فعلللا ، ورد أبو على أن يكون فنعللا ، وقال : لو كان كذلك لظهرت النون لأن إدغام النون فى الميم من كلمة لا يجوز ، ألا ترى أنهم لم يدغموا فى شاة زنماء (وهى التى لها لحمة متدلية تحت حنكها) كراهية أن يلتبس بالمضاعف. وهى عند كراع فعلل (بفتح الفاء وتشديد العين مفتوحة وكسر اللام الأولى) قال : ولا نظير لها البتة اه من اللسان

(٥) كنابيل ـ بضم الكاف وفتح النون بعدها ألف ـ اسم موضع ، قال الطرماح ابن حكيم ، وقيل : قائله ابن مقبل

دعتنا بكهف من كنابيل دعوة

على عجل دهماء والرّكب رائح

ويقال فيه كنابين. ويروى فى عجز البيت «والليل رائح»

٦١

أو أربعة زائد إذا لم يكن بين المثلين حرف أصلى ، كقنّب (١) وزهلول (٢) فان كان بينهما حرف أصلى فليس بزائد كحدرد (٣) ودردبيس (٤) وسلسبيل ، وقال بعضهم : هو زائد أيضا ؛ فحدرد وسلسبيل عنده فعلع وفعفليل ؛ والأولى الحكم بالأصالة ؛ لعدم قيام دليل زيادة الزائد كما قام مع عدم الفصل بالأصلى كما سيجىء ، وكذا إذا كان حرفان متباينان بعد مثليهما فالأولان أو الأخيران زائدان ، بشرط أن يبقى دونهما ثلاثة أصول أو أكثر ؛ فمرمريس فعفعيل ، وصمحمح فعلعل ؛ وأما نحو زلزل وصرصر (٥) فليس فيه زائد ؛ إذا لا يبقى بعد الحرفين ثلاثة ، ومن قال «سلسبيل فعفليل» قال : زلزل فعفل

وقال الكوفيون فى نحو زلزل وصرصر ـ أى : فيما يبقى بعد سقوط الثالث مناسب للمعنى الذى كان قبل سقوطه مناسبة قريبة ـ : إن الثالث زائد ؛ لشهادة الاشتقاق : فزلزل من زلّ ، وصرصر من صرّ ، ودمدم (٦) من دمّ ، وأما ما لم يكن كذلك ، كالبلبال والخلخال ، فلا يرتكبون ذلك فيه

وقال السرىّ الرّفّاء فى كتاب المحب والمحبوب : زلزل من زلّ كجلبب من جلب ، وكذا نحوه ، يعنى أنه كرر اللام للإلحاق فصار زلّل ؛ فالتبس بباب

__________________

(١) القنب ـ بكسر القاف وضمها مع تشديد النون مفتوحة فيهما ـ : ضرب من الكتان

(٢) الزهلول ـ كعصفور ـ الأملس من كل شىء

(٣) حدرد ـ كجفعر ـ : اسم رجل ، ولم يجىء على فعلع بتكرير العين غيره

(٤) الدردبيس : الداهية ، وخرزة سوداء تتحبب بها المرأة إلى زوجها ، والعجوز والشيخ الكبير الفانى

(٥) صرصر : تحتمل هذه الكلمة أن تكون فعلا ومعناه صوت وصاح أشد الصياح ، وأن تكون اسما وهو دويبة تحت الأرض تصر أيام الربيع

(٦) دمذم : يقال : دمدم الرجل الرجل ودمه : أى عذبه عذابا تاما.

٦٢

ذلّل يذلّل تذليلا ؛ فأبدل اللام الثانية فاء ، وهو قريب ، لكنه يرد عليه أن فيه إبدال بعض ما ليس من حروف الإبدال كالكاف فى كركر بمعنى كرّ

وقال الفراء فى مرمريس وصمحمح : إنه فعلليل وفعلّل ، قال : لو كان فعفعيلا وفعلعلا لكان صرصر وزلزل فعفع ، وليس ما قال بشىء ؛ لأنا لا نحكم بزيادة التضعيف إلا بعد كمال ثلاثة أصول

فاذا تقرر جميع ذلك قلنا : إن التضعيف زائد فى نحو قنّب وعلّكد وقرشبّ ومهدد وصمحمح ومرمريس وبرهرهة (١) ـ أى : كل كلمة تبقى فيها بعد زيادة التضعيف ثلاثة أصول أو أربعة ـ إذا لم يفصل بين المثلين أصلى ، وإنما حكمنا بذلك لقيام الدلالة على زيادة كثير من ذلك بالاشتقاق ، فطردنا الحكم فى الكل ، وذلك نحو قطّع وقطّاع وجبّار وسبّوح ، وكذا فى ذرحرح (٢) ، لقولهم ذرّوح بمعناه ، وفى حلبلاب (٣) لقولهم حلّب بمعناه ، ومرمريس للداهية [من (٤)] الممارسة للأمور ، وألحق ما جهل اشتقاقه بمثل هذا المعلوم ؛ ودليل آخر على زيادة تضعيف نحو صمحمح وبرهرهة جمعك له على صمامح وبراره ، ولو كان كسفرجل قلت صماحم

__________________

(١) يقال : امرأة برهرهة ، إذا كانت بضة ، وقيل : هى البيضاء ، وقيل : التى لها بريق من صفائها.

(٢) الذرحرح ـ بضم أوله وفتح ثانيه بعدهما حاء مهملة ساكنة فراء مفتوحة ـ : هو دويبة أعظم قليلا من الذباب ، والذروح كسبوح بمعناه

(٣) حلبلاب ـ بكسرتين بعدهما سكون ـ نبت ينبسط على الأرض وتدوم خضرته فى القيظ وله ورق أعرض من الكف ، والحلب بوزن سكر بمعناه

(٤) زيادة يقتضيها المقام ؛ فأنه يريد أن التضعيف زائد فى كلمة مرمريس لأنها مأخوذة من المراس ، وهو شدة العلاج ، ويقال : رجل مرمريس إذا كان داهيا عاقلا معالجا للأمور

٦٣

فان قيل : هلّا حذفت الميم الثانية أو الحاء الثانية؟ فالجواب أنه لو حذفت الميم الثانية لا لتقى مثلان نحو صماحح ، ولو حذفت الحاء الثانية وقلت صماحم لظن أنه كسفرجل : أى أن جميع الحروف أصلية ، وأيضا ليس فى كلامهم فعالع وفى الكلام فعاعل كثير كسلالم فى سلّم وقنانب فى قنّب ، وكذا تقول فى مرمريس : مراريس ؛ لكثرة فعاعيل كدنانير وقراريط ، فجمعا على فعاعل وفعاعيل ليكون أدل على كونهما من ذوات الثلاثة

واعلم أن كل كلمة زائدة على ثلاثة فى آخرها مثلان متحركان مظهران فهى ملحقة ، سواء كانا أصليين كما فى ألندد ، أو أحدهما زائدا كما فى مهدد ، لأن الكلمة إذن ثقيلة وفك التضعيف ثقيل ، فلولا قصد مماثلتها للرباعى والخماسى لأدغم الحرف طلبا للتخفيف ؛ فلهذا قيل : إن مهددا ملحق بجغفر دون معد ، ولهذا قال سيبويه : نحو سؤدد ملحق بجندب ، مع كون النون فى جندب زائدا وعدم ثبوت فعلل بفتح اللام عنده (١)

__________________

(١) نذكر هاهنا تكملة فى بيان القياسى والسماعى من الألحاق نرى أنه لا بد منها إذ كان المؤلف لم يتعرض لبيانها ، فنقول : قال أبو عثمان المازنى : «وهذا الألحاق بالواو والياء والألف لا يقدم عليه إلا أن يسمع ، فاذا سمع قيل : ألحق ذا بكذا بالواو والياء ، وليس بمطرد ، فأما المطرد الذى لا ينكسر فأن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للألحاق مثل مهدد وقردد وعندد وسردد ، والأفعال نحو جلبب يجلبب جلببة ؛ فأذا سئلت كيف تبنى من ضرب مثل جعفر قلت : ضربب ، ومن علم قلت : علمم ، ومن ظرف قلت : ظرفف ، وإن كان فعلا فكذلك وتجريه مجرى دحرج فى جميع أحواله» اه وقال أبو الفتح عثمان بن جنى : «ومعنى قوله إن باب مهدد وجلبب مطرد وباب جهور وكوثر غير مطرد أنك لو احتجت فى شعر أو سجع أن تشتق من ضرب اسما أو فعلا أو غير ذلك لجاز ، وكنت تقول : ضربب زيد عمرا ، وأنت تريد ضرب ، وكذا كنت تقول : هذا ضربب أقبل ، إذا جعلته اسما ، وكذلك ما أشبهه ، ولم يجز لك أن تقول : ضورب زيد عمرا ، ولا هذا

٦٤

قال : «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والضّفة المشبّهة وأفعل التّفضيل والمصدر واسمى الزّمان والمكان والآلة والمصغّر والمنسوب والجمع والتقاء السّاكنين والابتداء والوقف ؛ وقد تكون للتّوسّع كالمقصور والممدود وذى الزّيادة ؛ وقد

__________________

رجل ضورب ؛ لأن هذا الالحاق لم يطرد فلا تقيسه. وسألت أبا على (يريد أستاذه الفارسى) عن هذا الموضع فى وقت القراءة بالشام والعراق جميعا وأنا أثبت ما تحصل من قوله فيه ، قال : لو اضطر شاعر الآن لجاز أن يبنى من ضرب اسما وصفة وفعلا وما شاء من ذلك ، فيقول : ضربب زيد عمرا ، ومررت برجل ضربب ، وضربب أفضل من خرجج ، لأنه إلحاق مطرد ، وكذلك كل مطرد من الالحاق نحو هذا رجل ضربنى ؛ لأن هذا الألحاق مطرد ، وليس لك أن تقول : هذا رجل ضيرب ، ولا ضورب ؛ لأن هذا لم يطرد فى الألحاق. فقلت له : أترتجل اللغة ارتجالا؟ فقال : نعم ؛ لأن هذا الألحاق لما اطرد صار كاطراد رفع الفاعل ، ألا ترى أنك تقول : طاب الخشكنان ؛ فترفع وإن لم تكن العرب لفظت بهذه الكلمة لأنها أعجمية. قال : وإدخالهم الأعجمى فى كلامهم كبنائك ما تبنيه من ضرب وغيره من القياس ؛ وهذا من طريف ما علقته من أبى على ، وهذا لفظه أو معنى لفظه» اه

وحاصل هذا أن الالحاق عندهما على ضربين : قياسى ، وسماعى ؛ فأما القياسى فقد ذكرا له موضعين : الأول : ما كان بتكرير اللام مع الثلاثى ، والثانى : ما كان بزيادة النون فى وسط الكلمة ، وأما السماعى فما كان بالواو كجهور ورودن ، أو بالياء كشريف وبيطر وزينب ومريم ، أو بالألف كجعبى وسلقى ودنيا ومعزى ولكنك إذا رجعت إلى كلام أبى الفتح ابن حنى فى عدة مواضع من شرحه على تصريف المازنى ومن كتابه الخصائص تبين لك أنهم لا يعدون من الألحاق قياسيا إلا ما كان بتكرير اللام سواء أكان ثلاثى الأصول وأريد إلحاقه بالرباعى أم كان رباعى الأصول وأريد إلحاقه بالخماسى ؛ فليس لك أن تزيد للألحاق أى حرف ما لم يكن من جنس اللام ، إلا أن تريد التمرين كأن تقول : ابن من خرج على مثال كوثر أو جهور أو بيطر أو جعبى أو عنسل أو نحو ذلك

٦٥

تكون للمجانسة كالإمالة ؛ وقد تكون للاستثقال كتخفيف الهمزة والإعلال والإبدال والإدغام والحذف»

أقول : قد مضى الكلام على جعله لهذه الأشياء أحوال الكلمة فلا نكرره (١)

قوله «قد تكون للحاجة» أى : يحتاج إلى هذه الأشياء : إما لتغير المعنى باعتبارها كما فى الماضى والمضارع ، إلى قوله «والجمع» ؛ وإما للاضطرار إلى بعضها بعد الاعلال كالتقاء الساكنين فى نحو «لم يقل» أو بعد وصل بعض الكلم ببعض كالتقائهما فى نحو «اذهب اذهب» أو عند الشروع فى الكلام كالابتداء ، وإما لوجه استحسانى لا ضرورىّ كوجوه الوقف على ما يأتى

وفى جعله للمقصور والممدود وذى الزيادة من باب التوسع مطلقا نظر ؛ لأن القصر والمد إنما صير إليهما فى بعض المواضع باعلال اقتضاه الاستثقال كاسم المفعول المعتل اللام من غير الثلاثى المجرد ، واسمى الزمان والمكان ، والمصدر مما قياسه مفعل ومفعل ، وسائر ما ذكره فى المقصور ، وكالمصادر المعتلة اللام من أفعل وفاعل وافتعل كالاعطاء والرّماء والاشتراء ، وسائر ما نذكره فى الممدود ، وربما صير إليهما للحاجة كمؤنث أفعل التفضيل ، ومؤنث أفعل الصفة ، وكذا ذو الزيادة : قد تكون زيادته للحاجة كما فى زيادات اسم الفاعل واسم المفعول ومصادر ذى الزيادة ونحو ذلك ، وكزيادات الإلحاق ، وقد يكون بعضها للتوسع فى الكلام كما فى سعيد وحمار وعصفور وكنابيل ونحو ذلك ، ويجوز أن يقال في زيادة الالحاق : إنها للتوسع في اللغة ، حتى لو احتيج إلى مثل ذلك البناء فى

__________________

(١) صواب العبارة أن يقول «على جعله لهذه الأشياء أحوال الأبنية» وانظر (ص ٤) من هذا الجزء

٦٦

الوزن والسجع كان موجودا ؛ وذهب أحمد بن يحيى إلى أنه لا بد لكل زائد من معنى ، ولا دليل على ما ادعى

قوله «والإعلال» يدخل فيه إبدال حروف العلة ، ونقل حركتها إلى ما قبلها ، وحذفها ، وحذف حركتها لا للجزم ولا للوقف ، ويدخل فى الإبدال إبدال حرف العلة والهمزة وغيرهما ، وكذا الحذف يشمل حذف حرف العلة والهمزة وغيرهما ، فقوله «الإبدال والحذف» يدخل فيها بعض وجوه الإعلال ، وبعض وجوه تخفيف الهمزة

قال : «الماضى : للثّلاثىّ المجرّد ثلاثة أبنية : فعل ، وفعل ، وفعل ، نحو ضربه وقتله وجلس وقعد وشربه وومقه وفرح ووثق وكرم»

أقول : ذكر لفعل أربعة أمثلة : مثالين للمتعدى : أحدهما من باب فعل يفعل ، والثانى من باب فعل يفعل ، ولم يذكر من باب فعل يفعل ـ بفتحهما ـ لأنه فرعهما على ما يأتى فى المضارع ، ومثالين للّازم منهما ، وذكر أيضا لفعل أربعة أمثلة : مثالين للمتعدى : أحدهما من باب فعل يفعل كشرب ، والثانى من باب فعل يفعل كومق ، ومثالين للّازم منهما ، وذكر لفعل مثالا واحدا ؛ لأنه ليس مضارعه إلا مضموم العين ، وليس إلا لازما

قال : «وللمزيد فيه خمسة وعشرون : ملحق بدحرج نحو شملل وحوقل وبيطر وجهور وقلنس وقلسي ، وملحق بتدحرج نحو تجلبب وتجورب وتشيطن وترهوك وتمسكن وتغافل وتكلّم ، وملحق باحرنجم نحوا قعنسس واسلنقى ، وغير ملحق نحو أخرج وجرّب وقاتل وانطلق واقتدر واستخرج واشهابّ واشهبّ واغدودن واعلوّط ؛ واستكان قيل : افتعل من السّكون فالمدّ شاذّ ، وقيل : استفعل من كان فالمدّ قياسى»

أقول : شملل : أى أسرع ، وأيضا بمعنى أخذ من النخل بعد لقاطه ما يبقى

٦٧

من ثمره ، وحوقل : كبر وعجز عن الجماع ، وجهور : رفع صوته ، قلنسته وقلسيته : ألبسته القلنسوة ، تجلبب : لبس الجلباب ، تجورب : لبس الجورب ، تشيطن الرجل : صار كالشيطان فى تمرده ، ترهوك الرجل فى المشى : أى كان كأنه يموج فيه ، تمسكن : تشبه بالمسكين ، احرنجم القوم : ازدحموا ، اقعنسس : رجع وتأخر ، اسلنقى : مطاوع سلقى : أى صرع ، اغدودن النبت : طال ، اعلوّطت البعير : تعلقت بعنقه وعلوته ، استكان : ذل

ومن الملحقات بفعلل شريف : أى قطع شرياف الزرع ، وهو ورقه إذا طال وكثر حتى يخاف فساد الزرع

قد تقدم أن نحو تكلّم وتغافل ليس ملحقا ، وإن كان فى جميع تصاريفه كتدحرج ، وفى عد النحاة تمدرع وتمندل وتمسكن من الملحق نظر أيضا ، وإن وافقت تدحرج فى جميع التصاريف ؛ وذلك لأن زيادة الميم فيها ليست لقصد الإلحاق ، بل هى من قبيل التوهم والغلط ، ظنّوا أن ميم منديل ومسكين ومدرعة فاء الكلمة كقاف قنديل ودال درهم ، والقياس تدرّع وتندّل وتسكن كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، وهذا كما توهم فى ميم مسيل الأصالة فجمعوه على مسلان وأمسلة ، كقفزان وأقفزة فى جمع قفيز ، فتمدرع وتمندل وتمسكن ـ وإن كانت على تمفعل فى الحقيقة ـ لكن فى توهمهم على تفعلل

وقد جاء من الملحقات بدحرج فعأل نحو : برأل الديك ، إذا نفش برائله (١)

__________________

(١) البرائل كعلابط والبرائلى بوزنه مقصورا : ما استدار من ريش الطائر حول عنقه ، أو خاص بعرف الحبارى ، فاذا نفشه للقتال قيل برأل كدحرج وتبرأل كتدحرج ، وابرأل كاشمأز ، اه من القاموس ، وفى اللسان : وقيل : هو الريش السبط الطويل لا عرض له على عنق الديك .... قال : وهو البرائل للديك خاصة

٦٨

وفنعل نحو : دنقع الرجل : أى افتقر ولزق بالدّقعاء ، وهى الأرض ، وكذا فعلن وفمعل [وفعمل] وفعلم وغير ذلك ، لكنها لم تعدّ لغرابتها وكونها من الشواذ ؛ وكذا جاء تهفعل وافعنمل ونحو ذلك من النوادر (١)

قوله «واستكان» ، قيل : أصله استكن فأشبع الفتح ، كما فى قوله : ـ

__________________

(١) ذكر المؤلف رحمه‌الله هذه الأوزان ولم يذكر لها أمثلة ، ونحن نذكر لك أمثلة لها : أما فعلن فمن أمثلتها قولهم : فرصن الشىء ؛ إذا قطعه ، وأصله الفرص وهو القطع وزنا ومعنى ، ومنه قولهم : قحزن الرجل ؛ إذا ضربه فصرعه ، وأصله قحز الرجل إذا أهلكه ، وأما فمعل فمن أمثلتها قولهم : حمظل الرجل ، إذا جنى الحمظل ، وهو الحنظل. وأما فعمل فمن أمثلتها قولهم : قصمل الشىء ، إذا قطعه ، وأصله القصل وهو القطع وزنا ومعنى ، وقولهم : جلمط الرجل شعره ؛ اذا حلقه ، وأصله جلط. وأما فعلم فمن أمثلتها قولهم : فرصم الشىء ؛ إذا قطعه وأصله الفرص. وأما تهفعل فمن أمثلتها قولهم : تهلقم مطاوع هلقم الشىء ، إذا ابتلعه ، وأصله لقم اللقمة إذا أخذها بفيه. وأما افعنمل فمن أمثلتها قولهم : اهرنمع الرجل ، إذا أسرع فى مشيته وكذلك إذا كان سريع البكاء والدموع. وقالوا : اهرنمع فى منطقه إذا انهمك وأكثر ، النون فيه زائدة بلا خلاف ، وأما الميم فقال ابن سيده : إنها زائدة ، وقال ابن برى : هى أصلية فوزنها افعنلل ، وعلى كل فانه يتعين إبدال النون ميما وإدغامها فى الميم بعدها هذا ، وقد أشار المؤلف بقوله : وغير ذلك ، وقوله فيما بعد : ونحو ذلك ، إلى أوزان أخرى لم يتعرض لذكرها ، فمنها يفعل (كدحرج) نحو : يرنأ الرجل ، إذا صبغ باليرناء (بضم ففتح فنون مشددة وبعد الألف همزة) وهى الحناء. ومنها تفعل (كدحرج) نحو ترمس بمعنى رمسه : أى غيبه فى الرمس وهو القبر ، ومنه قولهم : ترفل ترفلة بمعنى رفل (كنصر) ؛ إذا جرذيله وتبختر. ومنها نفعل كقولهم : نرجس الدواء ؛ إذا وضع فيه النرجس. ومنها فنعل نحو سنبل الزرع إذا ظهر سنبله. ومنها هفعل نحو هلقم ؛ إذا أكبر اللقم. ومنها سفعل نحو سنبس بمعنى نبس : أى نطق ، إلى غير ذلك مما تجده فى كتب اللغة. هذا ، وفى أكثر هذه الأوزان مقال

٦٩

١٠ ـ ينباع من ذفرى غضوب جسرة

زيّافة مثل الفنيق المكدم (١)

إلا أن الإشباع فى استكان لازم عند هذا القائل ، بخلاف ينباع ، وقيل : استفعل من الكون ، وقيل : من الكين ، والسين للانتقال ، كما فى استحجر : أى انتقل إلى كون آخر : أى حالة أخرى : أى من العزة إلى الذلة ، أو صار كالكين ، وهو لحم داخل الفرج : أى فى اللين والذلة

قال : «ففعل لمعان كثيرة ، وباب المغالبة يبنى على فعلته أفعله ـ بالضم ـ نحو كارمنى فكرمته أكرمه ، إلا باب وعدت وبعت ورميت ؛ فإنّه أفعله ـ بالكسر ـ وعن الكسائىّ فى نحو شاعرته فشعرته أشعره ـ بالفتح»

أقول : اعلم أن باب فعل لخفته لم يختص بمعنى من المعانى ، بل استعمل فى جميعها ؛ لأن اللفظ إذا خف كثر استعماله واتسع التصرف فيه

ومما يختص بهذا الباب بضم مضارعه باب المغالبة ، ونعنى بها أن يغلب أحد الأمرين الآخر فى معنى المصدر ، فلا يكون إذن إلا متعديا. نحو : كارمنى فكرمته أكرمه : أى غلبته بالكرم ، وخاصمنى فخصمته أخصمه ، وغالبنى فغلبته أغلبه ، وقد يكون الفعل من غير هذا الباب كغلب وخصم وكرم ، فاذا قصدت هذا المعنى نقلته إلى هذا الباب ، إلا أن يكون المثال الواوىّ كوعد ، والأجوف

__________________

(١) هذا البيت من معلقة عنترة بن شداد العبسى. وينباع : أصله ينبع (كيفتح) فأشبعت فتحة الباء فصارت ألفا. والذفرى ـ بكسر فسكون مقصورا ـ الموضع الذى يعرق من الابل خلف الأذن. والغضوب : الناقة الصعبة الشديدة. والجسرة : الضخمة القوية. والزيافة : المتبخترة فى مشيها. والفنيق : الفحل المكرم من الابل والمكدم : المعضوض ، وروى المقرم ، وهو الذى لا يذلل ولا يحمل عليه لكرمه وعتقه

٧٠

والناقص اليائيين كباع ورمى ؛ فانك لا تنقلها عن فعل يفعل ؛ بل تنقلها إليه إن كانت من غيره ؛ لأن هذه الأنواع مضارعها يفعل ـ بالكسر ـ إذا كان الماضى مفتوح العين قياسا لا ينكسر ، كما يجىء

وحكى عن الكسائى أنه استثنى أيضا ما عينه أو لامه أحد الحروف الحلقية ، وقال : يلزمه الفتح ، نحو : شاعرته فشعرته أشعره ، والحق ما ذهب إليه غيره ؛ لأن ما فيه حرف الحلق لا يلزم طريقة واحدة كالمثال الواوى والأجوف والناقص اليائيين ، بل كثير منه يأتى على الأصل نحو برأ يبرؤ وهنأ يهنىء ، كما يأتى بيانه فى موضعه ، وقد حكى أبو زيد شاعرته فشعرته أشعره ـ بالضم ـ وكذا فاخرته أفخره ـ بالضم ـ وهذا نص فى عدم لزوم الفتح فى مثله

واعلم (١) أنه ليس باب المغالبة قياسا بحيث يجوز لك نقل كل لغة أردت إلى هذا الباب لهذا المعنى ، قال سيبويه : وليس فى كل شىء يكون هذا ، ألا ترى أنك لا تقول نازعنى فنزعته أنزعه ، استغنى عنه بغلبته ، وكذا غيره ، بل نقول : هذا الباب مسموع كثير

قال : «وفعل تكثر فيه العلل والأحزان وأضدادها نحو سقم ومرض وحزن وفرح ، ويجىء الألوان والعيوب والحلى كلّها عليه ، وقد جاء أدم وسمر وعجف وحمق وخرق وعجم ورعن (٢) بالكسر والضّمّ»

__________________

(١) قال فى التسهيل : وهذا البناء (يقصد باب المغالبة) مطرد فى كل ثلاثى متصرف تام خال من ملزم الكسر. اه ويقصد بملزم الكسر ما ذكره المؤلف هاهنا وهو كونه مثالا واو يا أو أجوف أو ناقصا يائيين. ولا ينافيه قول سيبويه الذى ذكره المؤلف لأنه يمكن حمل كلامه على أنه أراد به أنهم مع كثرة استعمالهم باب المغالبة تركوا استعماله فى هذا الموضع استغناء عنه بغلبته وشبهه ، وما قال ابن مالك هو الظاهر كما يدل عليه قولهم : باب المغالبة يبنى على كذا ، دون أن يقولوا : جاء على كذا

(٢) أدم (كعلم وكرم) فهو آدم ، إذا كان لونه مشربا سوادا وبياضا ،

٧١

أقول : اعلم أن فعل لازمه أكثر من متعديه ، والغالب فى وضعه أن يكون للأعراض من الوجع وما يجرى مجراه ، كحزن وردى وشعث وسهك ونكد وعسر وشكس ولحز ولحج وخزى ، ومن الهيج كبطر وفرح (١) وخمط خمطا ، وهو الرائحة الطيبة ، وقنم قنمة ، وهى الرائحة المكروهة ، وغضب وغار يغار وحمش وقلق وحار حيرة وبرق (٢). ومن الهيج ما يدل على الجوع والعطش وضديهما من الشبع والرّىّ ، وقريب منه نصف القدح أى امتلأ نصفه وقرب إذا قارب الامتلاء ، ويكثر فى هذا الباب الألوان والحلى ؛ فالألوان نحو كدر وشهب وصدىء وقهب وكهب وأدم (٣)

__________________

واللون الأدمة ، وسمر (ككرم وفرح) فهو أسمر ، واسمار أيضا ؛ إذا كان لونه السمرة ، وهى منزلة بين السواد والبياض. وعجف (كفرح وكرم) فهو أعجف ، إذا ذهب سمنه ، وهو العجف (بفتحتين). وحمق (ككرم وغنم) حمقا ـ بالضم وبضمتين ـ وحماقة فهو أحمق ، إذا كان قليل العقل. وخرق بالأمر (ككرم وفرح) إذا لم يرفق به ، وعجم ـ بضم الجيم ـ عجمة فهو أعجم وهى عجماء ، إذا كان به عجمة وهى لكنة وعدم فصاحة ، وظاهر كلام المؤلف أنه ورد كفرح أيضا ، لكنا لم نجد بعد مراجعة ما بأيدينا من أمهات كتب اللغة إلا ما قدمناه ، وقال فى اللسان عن الكسائى : كل شىء من باب أفعل وفعلاء سوى الألوان فانه يقال فيه فعل يفعل مثل عرج يعرج وما أشبهه ، إلا ستة أحرف فانها جاءت على فعل (ككرم) الأخرق والأحمق والأرعن والأعجف والأيمن اه ولم يذكر السادس ، ولعله الاعجم.

(١) ردى : هلك ، وسقط فى الهوة ، وشعث : تلبد شعره واغبر ، وسهك : خبثت رائحة عرقه ، ونكد : صعب عيشه ، وعسر : وقع فى ضيق وشدة ، أو عمل بيده اليسرى ، وشكس : ساء خلقه ، ولحز : بخل وشحت نفسه ، ولحجت عينه : أصيبت ببثور ، وخزى الرجل : وقع فى بلية وشر ، وبطر : لم يحتمل النعمة وكفرها

(٢) حمش : غضب ، أو صار دقيق الساق ، وبرق بصره : تحير ، أو دهش فلم يبصر

(٣) كدر : إذا كان لونه بين السواد والغبرة ، وشهب : إذا غلب بياضه على

٧٢

والأغلب فى الألوان افعلّ وافعالّ نحو ازراقّ واخضارّ وابيضّ واحمرّ واصفرّ ، ولا يجىء من هذه الألوان فعل ولا فعل ؛ ونعنى بالحلى العلامات الظاهرة للعيون فى أعضاء الحيوان ، كشتر وصلع ورسح وهضم (١).

وقد يشاركه فعل مضموم العين فى الألوان والعيوب والحلى ، كالكلمات التى عدها المصنف ، وفى الأمراض والأوجاع كسقم وعسر ، بشرط أن لا يكون لامه ياء ؛ فان فعل لا يجىء فيه ذلك ؛ إلا لغة واحدة ، نحو بهو الرجل (٢) وبهى أى : صار بهيّا

وفعل فى هذه المعانى المذكورة كلها لازم ، لأنها لا تتعلق بغير من قامت به ؛ وأما قولهم : فرقته وفزعته فقال سيبويه : هو على حذف الجار ، والأصل فرقت منه وفزعت منه ، قال : وأما خشيته فأنا خاش ، والقياس خش ، فالأصل أيضا خشيت منه ، فحمل على رحمته ، حمل الضد على الضد ؛ ولهذا جاء اسم الفاعل منه على خاش والقياس خش ؛ لأن قياس صفة اللازم من هذا الباب فعل ، وكذا كان قياس مصدره خشي فقيل خشية حملا على رحمة ، وكذا حمل ساخط على راض مع أنه لازم ، يقال : سخط منه أو عليه

__________________

سواده ، وصدىء : إذا كان أسود مشربا حمرة ، وقهب إذا كان ذاغبرة مائلة إلى الحمرة ، وكهب : إذا كان ذا غبرة مشربة سوادا ، وأدم تقدم قريبا ص (٧١)

(١) شتر : انشقت شفته السفلى ، وشترت عينه : انقلب جفنها وتشنج ، وصلع (بمهملة كفرح) فهو أصلع ؛ إذا انحسر شعر مقدم رأسه لنقصان مادة الشعر فى تلك البقعة فى بعض النسخ «ضلع» وتقول. ضلع السيف (بالمعجمة كفرح) : اعوج ، ورسح : أى خف لحم عجيزته وفخذيه ، وهضم : انضم كشحاه (أى جانباه) وضمرت بطنه

(٢) بهو الرجل وبهى وبها (ككرم وفرح ودعا وسعى) ، إذا صار بها أى : حسنا

٧٣

قوله «رعن» أى : حمق ، والرعونة : الحمق

قال : «وفعل لأفعال الطّبائع ونحوها كحسن وقبح وكبر وصغر فمن ثمّة كان لازما ، وشذّ رحبتك الدّار : أى رحبت بك. وأمّا باب سدته فالصّحيح أنّ الضّمّ لبيان بنات الواو لا للنّقل ، وكذا باب بعته. وراعوا فى باب خفت بيان البنية»

أقول : اعلم أن فعل فى الأغلب للغرائز ، أى : الأوصاف المخلوقة كالحسن والقبح والوسامة والقسامة (١) والكبر والصّغر والطّول والقصر والغلظ والسّهولة والصّعوبة والسّرعة والبطء والثّقل والحلم والرّفق ، ونحو ذلك

وقد يجرى غير الغريزة مجراها ، إذا كان له لبث (٢) ومكث نحو حلم وبرع (٣) وكرم وفحش

قوله «ومن ثمة كان لازما» لأن الغريزة لازمة لصاحبها ، ولا تتعدى إلى غيره هكذا قيل. وأقول : أيش المانع (٤) من كون الفعل المتعدى طبيعة أو كالطبيعة

__________________

(١) الوسامة : أثر الحسن ، وهى الحسن الوضىء الثابت أيضا ، والوسيم : الثابت الحسن ، كأنه قد وسم ، والقسامة : الحسن ، يقال : رجل مقسم الوجه ، أى جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال

(٢) اللبث ـ بفتح اللام وضمها مع إسكان الباء فيهما ـ : المكث أو الابطاء والتأخر. قال الجوهرى : مصدر لبث لبث (بفتح فسكون) على غير قياس ، لأن المصدر من فعل (بالكسر) قياسه التحريك إذا لم يتعد ، وقد جاء فى الشعر على القياس ، قال جرير :

وقد أكون على الحاجات ذالبث

و أحوذيّا إذا انضمّ الذّعاليب

(٣) برع (بضم الراء) : تم فى كل فضيلة وجمال ، وفاق أصحابه فى العلم وغيره

(٤) أيش : أصلها أى شىء ، فخففت بحذف الياء الثانية من أى الاستفهامية ، وحذف

٧٤

قوله «رحبتك الدّار» ، قال الأزهرى : هو من كلام نصر بن سيّار وليس بحجة (١). والأولى أن يقال : إنما عدّاه لتضمنه معنى وسع ، أى :

__________________

همزة شىء بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها ، ثم أعل إعلال قاض ، والمؤلف رحمه‌الله يستعمل هذا اللفظ كثيرا ، وقد وقع مثله لكثير من أفاضل العلماء ، قال الشهاب الخفاجى فى شفاء الغليل : أيش بمعنى أى شىء ، خفف منه ، نص عليه ابن السيد فى شرح أدب الكاتب ، وصرحوا بأنه سمع من العرب ، وقال بعض الأئمة : جنبونا أيش ، فذهب إلى أنها مولدة ، وقول الشريف فى حواشى الرضى : «إنها كلمة مستعملة بمعنى أى شىء وليست مخففة منها» ليس بشىء ، ووقع فى شعر قديم أنشدوه فى السير : ـ

من آل قحطان وآل أيش

قال السهيلى فى شرحه : الأيش : يحتمل أنه قبيلة من الجن ينسبون إلى أيش ، ومعناه مدح ، يقولون : فلان أيش وابن أيش ، ومعناه شىء عظيم ، وأيش فى معنى أى شىء كما يقال : ويلمه ، فى معنى ويل لأمه على الحذف لكثرة الاستعمال اه

(١) قال اللسان : «كلمة شاذة تحكى عن نصر بن سيار : أرحبكم الدخول فى طاعة ابن الكرمانى؟ أى : أوسعكم؟ فعدى فعل (بالضم) وليست متعدية عند النحويين ، إلا أن أبا على الفارسى حكى أن هذيلا تعديها إذا كانت قابلة للتعدى بمعناها ، كقوله : ـ

ولم تبصر العين فيها كلابا

قال الأزهرى : لا يجوز رحبكم عند النحويين ، ونصر ليس بحجة» اه ملخصا ونصر : هو نصر بن سيار بن رافع بن حرى (كغنى) بن ربيعة بن عامر بن هلال بن عوف ، كان أمير خراسان فى الدولة الأموية ، وكان أول من ولاه هشام ابن عبد الملك ، وكانت إقامته بمرو ؛ فهو عربى الأصل ، وحياته كانت فى العصر الذى يستشهد بكلام أهله فلا وجه لقولهم : ليس بحجة.

٧٥

وسعتكم الدار. وقول المصنف «أى رحبت بك» فيه تعسف لا معنى له (١).

ولا يجىء من هذا الباب أجوف يائى ، ولا ناقص يائى ؛ لأن مضارع فعل يفعل بالضم لا غير ، فلو أتيا منه لاحتجت إلى قلب الياء ألفا فى الماضى ، وفى المضارع واوا ، نحو يبوع ويرمو ، من البيع والرّمى ، فكنت تنتقل من الأخف إلى الأثقل. وإنما جاء من فعل المكسور العين أجوف وناقص : واويان كخاف خوفا ورضى وغبى وشقى رضوانا وغباوة وشقاوة ؛ لأنك تنتقل فيه من الأثقل إلى الأخف بقلب الواو فى يخاف ألفا وفى رضى ياء ، بلى قد جاء فى هذا الباب من الأجوف اليائى حرف واحد وهو هيؤ الرّجل : أى صار ذاهيئة ، ولم تقلب الياء فى الماضى ألفا إذ لو قلبت لوجب إعلال المضارع بنقل حركتها إلى ما قبلها وقلبها واوا ؛ لأن المضارع يتبع الماضى فى الإعلال ؛ فكنت تقول : هاء يهوء ، فيحصل الانتقال من الأخف إلى الأثقل ، وجاء من الناقص اليائى حرف واحد متصرف (٢) وهو بهو الرجل يبهو ، بمعنى بهى يبهى : أى صار بهيّا ؛ وإنما لم تقلب الضمة كسرة لأجل الياء كما في التّرامى بل قلبت الياء واوا لأجل الضمة لأن الأبنية فى الأفعال مراعاة لا يخلط بعضها ببعض أبدا ، لأن الفعلية إنما حصلت بسبب البنية والوزن ، إذ أصل الفعل المصدر الذى هو اسم ، فطرأ الوزن عليه فصار فعلا ، وقد يجىء على قلة في باب التعجب فعل من الناقص اليائى ولا يتصرف كنعم وبئس فلا يكون له مضارع كقضو الرجل (٣) ورموت اليد [يده] ، ولم

__________________

(١) إنما كان تخريج المصنف تعسفا عنده لأن حاصله حذف الجار وإيصال العامل اللازم إلى ما كان مجرورا بنفسه ، وباب الحذف والأيصال شاذ عند النحاة ، وأما تخريج الشارح فحاصله أنه ضمن كلمة معنى كلمة ، والتضمين باب قياسى عند كثير من النحاة

(٢) نقول : قد جاء فعل آخر من هذا النوع ، وهو قولهم : نهو الرجل : أى صار ذا نهية ، والنهية (بضم فسكون) العقل

(٣) قضو الرجل : أى ما أقضاه ، يقال ذلك إذا جاد قضاؤه. ورموت اليد : أى ما أرماها

٧٦

يجىء المضاعف من هذا الباب إلا قليلا لثقل الضمة والتضعيف. وحكى يونس لببت تلبّ ؛ ولببت تلبّ أكثر ؛ وأما حببت فمنقول إلى هذا الباب للتعجب كقضو ورمو ، ومنه قوله ـ :

٥ ـ * وحبّ بها مقتولة حين تقتل (١) *

فهو كقوله : ـ

١١ ـ قعدت له وصحبتى بين ضارج

وبين العذيب بعد ما متأمّلى (٢)

على أحد التأويلين فى بعد (٣) والأصل حببت بالكسر (٤) أى : صرت حبيبا ؛ ولم يقولوا فى القليل قللت كما قالوا فى الكثير كثرت ، بل قالوا : قلّ

__________________

(١) سبق شرح هذا الشاهد (ص ٤٣) والاستشهاد به هاهنا على أن أصل حب (بضم الحاء) حبب (بكسر الباء) ، ثم نقل إلى فعل (بضم العين) للمدح والتعجب ، ثم نقلت الضمة إلى الفاء وأدغمت العين فى اللام

(٢) هذا البيت من طويلة امرىء القيس ، والضمير فى له يعود إلى البرق الذى ذكره فى قوله : ـ

أصاح ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين فى حبّى مكلّل

وضارج والعذيب : مكانان ، وما : زائدة ، ومتأملى : اسم مفعول من تأمل : أى بعد السحاب المنظور إليه ؛ وهو فاعل بعد ، ويجوز أن تجعل ما تمييزا ، ويكون قوله متأملى هو المخصوص بالمدح

(٣) والتأويل الثانى أن يكون سكون العين أصليا ، وتكون بعد ظرفا لا فعل تعجب ، وما : زائدة ، ومتأملى مصدر ميمى بمعنى التأمل والنظر. وهذان التوجيهان يجريان فى رواية بعد (بفتح الباء) ، وأما فى رواية ضم الباء فلا تحتمل إلا وجها واحدا ، وهو أن يكون بعد فعلا ماضيا للتعجب

(٤) لا وجه لتقييده بالكسر ؛ فأنه قد جاء قبل نقله إلى باب التعجب من باب ضرب ومن باب تعب ، فكل منهما يجوز أن يكون أصلا للمضموم

٧٧

يقلّ كراهة للثقل ، ولم يأت شررت بالضم (١) بل شررت بالفتح والكسر أى صرت شرّيرا ، وقال بعضهم : عزّت الناقة ـ أى : ضاق إحليلها ـ تعزّ بالضم وشرّ ودمّ : أى صار دميما ؛ وثلاثتها فعل بالضم. ولم يثبت ما قاله سيبويه «لا يكاد يكون فيه ـ يعنى فى المضاعف ـ فعل» وقال الجوهرى : إن لببت لا نظير له فى المضاعف ، وإنما غرّهم الدّميم والشّرير والدّمامة والشّرارة!! والمستعمل دممت بالفتح تدمّ لا غير ، ولم يستعمل من شديد فعل ثلاثى (٢) استغناء باشتدّ ، كما استغنى بافتقر عن فقر ، وبارتفع عن رفع ، فقالوا : افتقر فهو فقير ، وارتفع فهو رفيع واشتد فهو شديد ، وأما قول على رضى الله عنه «لشدّ ما تشطرا ضرعيها» (٣) فمنقول إلى فعل كما قلنا فى حبّذا وحببت ، فلا يستعمل حبّ وشدّ بمعنى صار حبيبا وشديدا إلا فى التعجب كما فى حبذا وشدّما

قوله «وأما باب سدته» جواب عن اعتراض وارد على قوله «كان لازما» أجاب بأن سدته ليس من باب فعل بالضم فى الأصل ، ولا هو منقول إليه كما هو ظاهر قول سيبويه وجمهور النحاة ، وذلك لأنهم قالوا : نقل قولت إلى قولت

__________________

(١) قال فى اللسان (مادة حبب) : وحببت إليه (بالضم) صرت حبيبا ، ولا نظير له إلا شررت (بالضم) من الشر ولببت من اللب ، وتقول : ما كنت حبيبا ولقد حببت بالكسر : أى صرت حبيبا اه

(٢) إن كان المؤلف رحمه‌الله يقصد أنه لم يستعمل لشديد فعل ثلاثى على فعل (بضم العين) فمسلم ، وإن كان يريد أنه لم يستعمل له ثلاثى مطلقا فغير مسلم ، لأنه قد حكاه صاحب اللسان قال : رجل شديد : قوى ، وقد شد يشد بالكسر (كخف يخف فهو خفيف) اه

(٣) يقوله رضى الله عنه فى شأن الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما فضمير التثنية عائد إليهما ، والضمير المؤنث يعود إلى الخلافة عن رسول الله يريد أنهما تقاسماها وأن كل واحد منهما قد أخذها شطرا من الزمن

٧٨

وبيعت إلى بيعت لينقلوا بعد ذلك ضمة الواو وكسرة الياء إلى ما قبلها فيبقى بعد حذف الواو والياء ما يدل عليهما ، وهو الضمة والكسرة ، واعترض المصنف على قولهم بأن الغرض المذكور يحصل بدون النقل من باب إلى باب ، وباب فعل المضموم العين وفعل المكسور العين فى الأغلب يختص كل منهما بمعنى مخالف لمعنى فعل المفتوح العين ، ولا ضرورة ملجئة إلى هذا النقل ، لا لفظية ولا معنوية ؛ أما المعنى فلأنه لا يدعى أحد أن قلت وبعت تغيّرا عما كانا عليه من المعنى ، وأما اللفظ فلأن الغرض قيام دلالة على أن أحدهما واوى والآخر يائى ، ويحصل هذا بضم فاء قال وكسر فاء باع من أول الأمر بعد إلحاق الضمير المرفوع المتحرك بهما وسقوط ألفهما للساكنين من غير أن يرتكب ضمّ العين وكسرها ثم نقل الحركة من العين إلى الفاء. وأيش المحذور فى ذلك (١)؟ وكيف نخالف أصلا لنا مقررا؟ وهو أن كل واو أو ياء فى الفعل هى عين تحركت بأى حركة كانت من الضم والفتح والكسر وانفتح ما قبلها فانها تقلب ألفا ، فقولت بالفتح يجب قلب واوه ألفا ، وكذا لو حولت الفتحة ضمة ، وكذا بيعت بالكسر والفتح ، وأىّ داع لنا إلى إلحاق الضمائر المرفوعة بقول وبيع اللذين هما أصلا قال وباع؟ وهل هى فى الفاعلية إلا كالظواهر في نحو «قال زيد» ، و «باع عمرو»؟ فالوجه إلحاق هذه الضمائر بقال وباع مقلوبى الواو والياء ألفا ؛ فنقول : تحركت الواو فى قول وطول وخوف والياء فى بيع وهيب وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ؛ وإنما لم تقلب الياء فى هيؤ لما تقدم ؛ فصار الجميع قال وطال وخاف وباع وهاب ، فلم يمكن مع بقاء الألف التنبيه على بنية هذه الأبواب وأن أصلها فعل أو فعل أو فعل لأن الألف يجب انفتاح ما قبلها ، فلما اتصلت الضمائر المرفوعة المتحركة بها وجب تسكين اللام لما هو معلوم ، فسقطت الألف فى جميعها للساكنين ، فزال ما كان مانعا من التنبيه

__________________

(١) انظر (ه ٤ ص ٧٤)

٧٩

على الوزن ـ أى الألف ـ فقصدوا بعد حذفها إلى التنبيه على بنية كل واحد منها لما ذكرنا من أن بنية الفعل يبقّى عليها وتراعى بقدر ما يمكن ، وذلك يحصل بتحريك الفاء بمثل الحركة التى كانت فى الأصل على العين ؛ لأن اختلاف أوزان الفعل الثلاثى بحركات العين فقط ، ولم يمكن هذا التنبيه فى فعل المفتوح العين نحو قول وبيع ، لأن حركتى الفاء والعين فيه متماثلتان ، فتركوا هذا التنبيه فيه ونبّهوا على البنية فى فعل وفعل فقط ؛ فقالوا فى فعل نحو خاف وهاب : خفت وهبت ، وسوّوا بين الواوى واليائى لما ذكرنا أن المهم هو التنبيه على البنية ، وقالوا فى فعل نحو طال فهو طويل : طلت ، والضمة لبيان البنية لا لبيان الواو ، لما ذكرنا ، ولم يجىء فى هذا الباب أجوف يائى حتى يسوّوا بينه وبين الواوى فى الضم كما سوّوا بينهما فى فعل نحو خفت وهبت ، إلا هيؤ ، كما ذكرنا ، ولا تقلب ياؤه ألفا لما مر ، فلما فرغوا من التنبيه على البنية فى بابى فعل وفعل ولم يكن مثل ذلك فى فعل ممكنا ، كما ذكرنا ، قصدوا فيه التنبيه على الواوى واليائى والفرق بينهما ، كما قيل : إن لم يكن خلّ فخمر (١) ؛ فاجتلبوا ضمة فى قال بعد حذف الألف للساكنين ، وجعلوها مكان الفتحة ، وكذا الكسرة فى باع ؛ لتدل الأولى على الواو والثانية على الياء ، وأما إذا تحركت الواو والياء عينين وما قبلهما ساكن متحرك الأصل فى الأفعال والأسماء المتصلة بها فإنه ينقل حركة العين إليه وإن كانت فتحة رعاية لبنية الفعل والمتصل به ، وذلك لأنه يمكن فى مثله المحافظة على البنية فى المفتوح العين ، كما أمكن فى مضمومها ومكسورها ، بخلاف المفتوحة المفتوح ما قبلها نحو قال وباع ، كما ذكرنا ، لأن الفاء ههنا ساكنة ، فإذا تحركت

__________________

(١) لم نجد هذا المثل فى أمثال الميدانى ولا فى كتب اللغة ، والذى فى اللسان : «والخل والخمر : الخير والشر ، وفى المثل ما فلان بخل ولا خمر : أى لا خير فيه ولا شر عنده» اه

٨٠