شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا ، والاشتراك فيهما معنى ، وتفاعل للاشتراك فى الفاعلية لفظا ، وفيها وفى المفعولية معنى

واعلم أن الأصل المشترك فيه فى بابى المفاعلة والتفاعل يكون معنى ، وهو الأكثر ، نحو : ضاربته ، وتضاربنا ، وقد يكون عينا نحو (١) ساهمته : أى قارعته وسايفته ، وساجلته ، وتقارعنا ، وتسايفنا ، وتساجلنا (٢)

ثم اعلم أنه لا فرق من حيث المعنى بين فاعل وتفاعل فى إفادة كون الشىء بين اثنين فصاعدا ، وليس كما يتوهم من أن المرفوع فى باب فاعل هو السابق بالشروع فى أصل الفعل على المنصوب بخلاف باب تفاعل ، ألا ترى إلى قول الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما لبعض من خاصمه : سفيه لم يجد مسافها ، فانه رضى الله عنه سمى المقابل له فى السفاهة مسافها وإن كانت سفاهته لو وجدت بعد سفاهة الأول ، وتقول : إن شتمتنى فما أشاتمك ، ونحو ذلك ؛ فلا فرق من حيث المغزى والمقصد الحقيقى بين البابين ، بل الفرق بينهما من حيث التعبير عن ذلك المقصود ، وذلك

__________________

(١) قال فى اللسان : «السهم : القدح الذى يقارع به ، واستهم الرجلان : تقارعا ، وساهم القوم فسهمهم سهما قارعهم فقرعهم ، وفى التنزيل : (فساهم فكان من المدحضين) يقول : قارع أهل السفينة فقرع (بصيغة المبنى للمجهول)» اه

(٢) قال ابن برى : «أصل المساجلة أن يستقى ساقيان فيخرج كل واحد منهما فى سجله (دلوه) مثل ما يخرج الآخر ، فأيهما نكل فقد غلب ، فضربته العرب مثلا للمفاخرة ، فاذا قيل : فلان يساجل فلانا ، فمعناه أنه يخرج من الشرف مثل ما يخرجه الآخر ، فأيهما نكل ففد غلب». وقالوا : الحرب سجال : أى سجل منها على هؤلاء وسجل على هؤلاء. وبالتأمل فى عبارة ابن برى يتبين أن الاشتراك فى المساجلة بين المتساجلين : بالنظر إلى أصل الاستعمال فى عين ، وبالنظر إلى المثل فى معنى لا عين ؛ فتمثيل المؤلف بساجلته للاشتراك فى العين إنما هو بالنظر إلى أصل استعمال اللفظ

١٠١

أنه قد يعبر عن معنى واحد بعبارتين تخالف مفردات إحداهما مفردات الأخرى معنى من حيث الوضع ، وكذا إعراباتها ، كما تقول : جاءنى القوم إلا زيدا ، وجاءنى القوم ولم يجىء من بينهم زيد ، أو جاءونى وتخلف زيد ، أو لم يوافقهم زيد ، ونحو ذلك ، والمقصود من الكل واحد ، فكذا «ضارب زيد عمرا» : أى شاركه فى الضرب ، و «تضارب زيد وعمرو» أى : تشاركا فيه ، والمقصود من شاركه وتشاركا شىء واحد مع تعدى الأول ولزوم الثانى

قوله «ومن ثم نقص» أى : ومن جهة كون تفاعل فى الصريح وظاهر اللفظ مسندا إلى الأمرين المشتركين فى أصل الفعل بخلاف فاعل فانه لاسناده فى اللفظ إلى أحد الأمرين فقط ونصب الآخر نصب لفظ شارك لمفعوله ، فإن كان فاعل متعديا إلى اثنين نحو «نازعتك الحديث» كان تفاعل متعديا إلى ثانيهما فقط ، ويرتفع الأول داخلا فى الفاعلية ، نحو «تنازعنا الحديث» و «تنازع زيد وعمرو الحديث» وإن كان فاعل متعديا إلى واحد نحو «ضاربتك» لم يتعد تفاعل إلى شيء لدخول الأول في جملة الفاعل ، نحو «تضاربنا» و «تضارب زيد وعمرو»

قوله «نقص مفعولا» انتصاب «مفعولا» على المصدر ، وهو بيان النوع ، كقولك : ازددت درجة ، ونقصت مرتبة ، ودنوت إصبعا ، أى : نقص هذا القدر من النقصان ، ويجوز أن يكون تمييزا ؛ إذ هو بمعنى الفاعل : أى نقص مفعول واحد منه

قوله «وليدل على أن الفاعل أظهر الخ» معنى «تغافلت» أظهرت من نفسى الغفلة التى هى أصل تغافلت ، فتغافل على هذا لإبهامك الأمر على من تخالطه وترى من نفسك ما ليس فيك منه شىء أصلا ، وأما تفعّل فى معنى التكلف نحو : تحلّم وتمرّأ (١) فعلى غير هذا لأن صاحبه يتكلف أصل ذلك الفعل

__________________

(١) تحلم : تكلف الحلم ، وهو العقل والأناة. وتمرأ : تكلف المروءة ، وهى

١٠٢

ويريد حصوله فيه حقيقة ، ولا يقصد إظهار ذلك إيهاما على غيره أن ذلك فيه وفى تفاعل لا يريد ذلك الأصل حقيقة ، ولا يقصد حصوله له ، بل يوهم الناس أن ذلك فيه لغرض له

قوله «وبمعنى فعل» لا بد فيه من المبالغة كما تقدم

قوله «مطاوع فاعل» ليس معنى المطاوع هو اللازم كما ظنّ ، بل المطاوعة فى اصطلاحهم التأثر وقبول أثر الفعل ، سواء كان التأثر متعديا ، نحو : علّمته الفقه فتعلّمه : أى قبل التعليم ، فالتعليم تأثير والتعلم تأثر وقبول لذلك الأثر ، وهو متعدّ كما ترى ، أو كان لازما ، نحو : كسرته فانكسر : أى تأثر بالكسر ، فلا يقال فى «تنازع زيد وعمرو الحديث» ، إنه مطاوع «نازع زيد عمرا الحديث» ولا فى «تضارب زيد وعمرو» إنه مطاوع «ضارب زيد عمرا» لأنهما بمعنى واحد ، كما ذكرنا ، وليس أحدهما تأثيرا والآخر تأثرا ، وإنما يكون تفاعل مطاوع فاعل إذا كان فاعل لجعل الشىء ذا أصله ، نحو : باعدته : أى بعدّته ، فتباعد : أى بعد ، وإنما قيل لمثله مطاوع لأنه لما قبل الأثر فكأنه طاوعه ولم يمتنع عليه ، فالمطاوع فى الحقيقة هو المفعول به الذى صار فاعلا ، نحو «باعدت زيدا فتباعد» المطاوع هو زيد ، لكنهم سمّوا فعله المسند إليه مطاوعا مجازا

وقد يجىء تفاعل للاتفاق فى أصل الفعل لكن لا على معاملة بعضهم بعضا

__________________

كمال الرجولية ، وقال الأحنف : المروءة العفة والحرفة ، وسئل بعضهم عن المروءة فقال : المروءة ألا تفعل فى السر أمرا وأنت تستحى أن تفعله جهرا. ويقال : تمرأ أيضا ، إذا صار ذا مروءة ، ويقال : تمرأ بنا ، إذا طلب بأكرامنا اسم المروءة ، قال سيبويه (ج ٢ ص ٢٤٠): «وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه فى أمر حتى يضاف إليه ويكون من أهله فانك تقول تفعل ، وذلك : تشجع وتبصر وتحلم وتجلد وتمرأ : أى صار ذا مروءة ، وقال حاتم الطائى : ـ

تحلّم عن الأدنين واستبق ودّهم

ولن تستطيع الحلم حتّى تحلّما

وليس هذا بمنزلة تجاهل ، لأن هذا يطلب أن يصير حليما» اه

١٠٣

بذلك ، كقول على رضى الله تعالى عنه «تعايا أهله بصفة ذاته» (١) وقولهم : «بمعنى أفعل نحو تخاطأ بمعنى اخطأ» مما لا جدوى له ، لأنه إنما يقال هذا الباب بمعنى ذلك الباب إذا كان الباب المحال عليه مختصا بمعنى عام مضبوط بضابط فيتطفّل الباب الآخر عليه فى ذلك المعنى ، أما إذا لم يكن كذا فلا فائدة فيه ، وكذا فى سائر الأبواب ، كقولهم : تعاهد بمعنى تعهّد ، وغير ذلك كقولهم تعهّد بمعنى تعاهد (٢)

قال : «وتفعّل لمطاوعة فعّل نحو كسّرته فتكسّر ، وللتكلّف نحو تشجّع وتحلّم ، وللاتّخاذ نحو توسّد ، وللتّجنّب نحو تأثّم وتحرّج ، وللعمل المتكرّر فى مهلة ، نحو تجرّعته ، ومنه تفهّم ، وبمعنى استفعل ، نحو تكبّر [وتعظّم]»

أقول : قوله «لمطاوعة فعّل» يريد سواء كان فعّل للتكثير نحو قطّعته فتقطّع ، أو للنسبة نحو قيّسته ونزّرته وتمّمته : أى نسبته إلى قيس ونزار وتميم فتقيّس وتنزّر وتتمّم ، أو للتعدية نحو علّمته فتعلّم والأغلب فى مطاوعة فعّل الذى للتكثير (٣) هو الثلاثى الذى هو أصل فعّل ، نحو علّمته فعلم ، وفرّحته ففرح ؛ فقوله : «وللتكلف» هو من القسم الأول : أى مطاوع فعّل الذى هو

__________________

(١) المراد من هذه العبارة أن أهل الله تعالى قد اتفقوا فى العى والعجز عن إدراك كنه ذاته وصفاته. قال فى اللسان : «عى بالأمر (بوزن مد) عيا ـ بكسر العين ـ وعيى وتعايا واستعيا ، هذه عن الزجاجى ، وهو عى (مثل حى) وعي (كزكى) وعيان (كريان) عجز عنه ولم يطق إحكامه» اه

(٢) قال فى اللسان : «وتعهد الشىء وتعاهده واعتهده : تفقده وأحدث العهد به .... ثم قال : وتعهدت ضيعتى وكل شىء ، وهو أفصح من قولك تعاهدته ، لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين ، وفى التهذيب : ولا يقال تعاهدته ، قال : وأجازهما الفراء» اه

(٣) الأولى أن يقول : «والأغلب فى مطاوعة فعل الذى للتعدية» بدليل التمثيل الذى مثل به

١٠٤

للنسبة تقديرا ، وإن لم يثبت (١) استعماله لها ، كأنه قيل : شجّعته وحلّمته : أى نسبته إلى الشجاعة والحلم ، فتشجّع وتحلّم : أى انتسب إليهما وتكلفهما

وتفعّل الذى للاتخاذ مطاوع فعّل الذى هو لجعل الشىء ذا أصله ، إذا كان أصله اسما لا مصدرا ، «فتردّى الثوب» مطاوع «ردّيته الثوب» : أى جعلته ذا رداء ، وكذا «توسّد الحجر» : أى صار ذا وسادة هى الحجر مطاوع «وسّدته الحجر» فهو مطاوع فعّل المذكور المتعدى إلى مفعولين ثانيهما بيان لأصل الفعل ؛ لأن الثوب بيان الرداء والحجر بيان الوسادة ، فلا جرم يتعدى هذا المطاوع إلى مفعول واحد

وتفعّل الذى للتجنب مطاوع فعّل الذى للسلب تقديرا ، وإن لم يثبت استعماله (١) كأنه قيل : أثّمته وحرّجته بمعنى جنّبته عن الحرج والإثم وأزلتهما عنه كقرّدته ، فتأثم وتحرّج : أى تجنب الإثم والحرج

وتفعّل الذى للعمل المتكرر فى مهلة مطاوع فعّل الذى للتكثير ، نحو جرّعتك الماء فتجرّعته : أى كثّرت لك جرع الماء (٢) فتقبّلت ذلك التكثير وفوّقته اللّبن فتفوّقه وحسّيته المرق فتحسّاه : أى كثّرت له فيقه وهو

__________________

(١) انظر هذا مع قول الشارح فيما سبق : «وليست هذه الزيادات قياسا مطردا ، بل يحتاج فى كل باب إلى سماع استعمال اللفظ المعين وكذا استعماله فى المعنى المعين الخ» فانك تجد بين الكلامين تضاربا ، وقد بينا لك فيما سبق اختيارنا فى المسألة (انظر ص ٨٤ ه‍ ١)

(٢) تجرع الماء : تابع جرعه مرة بعد أخرى كالمتكاره ، قال تعالى : (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) قال ابن الأثير : «التجرع : شرب فى عجلة ، وقيل : هو الشرب قليلا قليلا» اه ، فكأنه من الأضداد ، والحديث ههنا عن المعنى الثانى

١٠٥

جنس الفيقة (١) : أى قدر اللبن المجتمع بين الحلبتين ، وكثرت له حساءه (٢)

قوله «ومنه تفهّم» إنما قال «ومنه» لأن معنى الفعل المتكرر فى مهلة ليس بظاهر فيه ، لأن الفهم ليس بمحسوس كما فى التّجرّع والتّحسّى ، فبيّن أنه منه ، وهو من الأفعال الباطنة المتكررة فى مهلة ، هذا ، والظاهر أن تفهّم للتكلف فى الفهم كالتّسمّع والتبصر

قوله «وبمعنى استفعل» تفعّل يكون بمعنى استفعل فى معنيين مختصين باستفعل : أحدهما الطلب ، نحو تنجّزته : أى استنجزته : أى طلبت نجازه : أى حضوره والوفاء به ، والآخر الاعتقاد فى الشىء أنه على صفة أصله ، نحو استعظمته وتعظمته : أى اعتقدت فيه أنه عظيم ، واستكبر وتكبّر : أى اعتقد فى نفسه أنها كبيرة

__________________

(١) الفيقة والفيق : اسم اللبن الذى يجتمع بين الحلبتين فى الضرع ، وذلك بأن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب ، والياء فيهما منقلبة عن الواو ، لسكونها إثر كسرة ، يقال : فاقت الناقة تفوق فواقا (كغراب) وفيقة (كديمة) ، والفيقة : واحدة الفيق كما ذكر المؤلف ، وجمع الفيق أفواق كشبر وأشبار ، وأفاويق جمع الجمع. قال ابن برى : «وقد يجوز أن تجمع فيقة على فيق ثم تجمع فيق على أفواق ، فيكون مثل شيعة وشيع وأشياع». والفواق (كسحاب وغراب) : ما بين الحلبتين من الوقت. قال فى اللسان : «وفوقت الفصيل : أى سقيته اللبن فواقا فواقا ، وتفوق الفصيل إذا شرب اللبن كذلك» اه. وبين هذا وبين كلام المؤلف بعد فتأمله ، فان عبارة أهل اللغة تدل على أن معنى فوقته سقيته اللبن وقتا بعد وقت فأين معنى التكثير الذى ذكره المؤلف؟

(٢) قال فى القاموس : «حسا الطائر الماء حسوا ، ولا تقل شرب ، وحسا زيد المرق : شربه شيئا بعد شىء ؛ كتحساه واحتساه ، وأحسيته أنا وحسيته ، واسم ما يحتسى الحسية (كالغنية) والحسا (كالعصا) ويمد ، والحسو كدلو ، والحسو كعدو ، والحسوة (بالضم) : الشىء القليل منه» اه. ومثله فى اللسان. وأنت ترى أن مدلول حسيته سقيته الحساء شيئا بعد شىء ، وتحساه شربه شيئا بعد شىء ، فمن أين جاء تكثير الحساء الذى ذكره المؤلف؟

١٠٦

والأغلب فى تفعّل معنى صيرورة الشىء ذا أصله كتأهّل وتألّم وتأكّل وتأسّف وتأصّل وتفكّك وتألّب : أى صار ذا أهل ، وألم ، وأكل : أى صار مأكولا ، وذا أسف ، وذا أصل ، وذا فكك (١) وذا ألب (٢) فيكون مطاوع فعّل الذى هو لجعل الشىء ذا أصله ، إما حقيقة كما فى ألّبته فتألّب وأصّلته فتأصل ، وإما تقديرا كما فى تأهل ؛ إذ لم يستعمل أهّل بمعنى جعل ذا أهل

وقد يجىء تفعّل مطاوع فعّل الذى معناه جعل الشىء نفس أصله ، إما حقيقة أو تقديرا ، نحو تزبّب العنب ، وتأجّل الوحش (٣) وتكلّل : أى صار إكليلا (٤) : أى محيطا

__________________

(١) الفكك ـ بفتح الفاء والكاف ـ انفساخ القدم وانكسار الفك وانفراج المنكب استرخاء وضعفا ، وهو أفك المنكب.

(٢) الألب : مصدر ألب القوم إليه ـ كضرب ونصر ـ إذا أتوه من كل جانب. والألب أيضا الجمع الكثير من الناس ، وأصله المصدر فسمى به ؛ قال حسان بن ثابت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ

النّاس ألب علينا فيك ليس لنا

إلّا السّيوف وأطراف القناوزر

(٣) الأجل ـ بكسر الهمزة وسكون الجيم ـ : القطيع من بقر الوحش والظباء ، وتأجلت البهائم : صارت آجالا ؛ قال لبيد بن ربيعة العامرى : ـ

والعين ساكنة على أطلائها

عوذا تأجّل بالفضاء بهامها

(٤) الاكليل ـ بكسر الهمزة وسكون الكاف ـ شبه عصابة مزينة بالجواهر ، وهو التاج أيضا ، ولما كان التاج والعصابة يحيط كل منهما بالرأس صح أن يسمى كل ما أحاط بشىء إكليلا على سبيل التشبيه ، وأن يشتق له من ذلك فعل أو وصف ، من ذلك تسميتهم اللحم المحيط بالظفر إكليلا ، ومن ذلك قولهم روضة مكللة : أى محفوفة بالنور ، وغمام مكلل : أى محفوف بقطع من السحاب ، فتقول : تكلل النور والسحاب : أى صار كل منهما إكليلا ، أى محيطا. ولم نعثر على الفعل المطاوع (بفتح الواو) لهذا إلا فى شعر لا يحتج به ، فالظاهر أن المؤلف مثل بتأجل الوحش وتكلل للمطاوع (بكسر الواو) تقديرا

١٠٧

قال : «وانفعل لازم مطاوع فعل نحو كسرته فانكسر ، وقد جاء [مطاوع أفعل نحو] أسفقته فانسفق وأزعجته فانزعج ، قليلا ، ويختصّ بالعلاج والتأثير ، ومن ثمّ قيل انعدم خطأ»

أقول : باب انفعل لا يكون إلا لازما ، وهو فى الأغلب مطاوع فعل ، بشرط أن يكون فعل علاجا : أى من الأفعال الظاهرة ، لأن هذا الباب موضوع للمطاوعة ، وهى قبول الأثر ، وذلك فيما يظهر للعيون كالكسر والقطع والجذب أولى وأوفق ، فلا يقال علمته فانعلم ، ولا فهمته فانفهم ، وأما تفعّل فانه وإن وضع لمطاوعة فعّل كما ذكرنا ، لكنه إنما جاز نحو فهّمته فتفهّم وعلّمته فتعلم ؛ لأن التكرير الذى فيه كأنه أظهره وأبرزه حتى صار كالمحسوس ، وليس مطاوعة انفعل لفعل مطردة فى كل ما هو علاج ، فلا يقال : طردته فانطرد ، بل طردته فذهب

وقد يجىء مطاوعا لأفعل نحو أزعجته فانزعج ، وهو قليل ، وأما انسفق فيجوز أن يكون مطاوع سفقت الباب : أى رددته لأن سفقت وأسفقت بمعنى

قال : «وافتعل للمطاوعة غالبا نحو غممته فاغتمّ ، وللاتّخاذ نحو اشتوى وللتّفاعل نحو اجتوروا ، وللتّصرّف نحو اكتسب»

أقول : قال سيبويه : الباب فى المطاوعة انفعل ، وافتعل قليل ، نحو جمعته فاجتمع ، ومزجته فامتزج

قلت : فلما لم يكن موضوعا للمطاوعة كانفعل جاز مجيئه لها فى غير العلاج ، نحو غممته فاغتمّ ولا تقول فانغمّ (١)

ويكثر إغناء افتعل عن انفعل فى مطاوعة ما فاؤه لام أوراء أو واو أو نون

__________________

(١) فى اللسان عن سيبويه أنك تقول : اغتم وانغم. قال سيبويه «وهى عربية»

١٠٨

أو ميم ، نحو لأمت الجرح ، أى : أصلحته ، فالتأم ، ولا تقول انلأم ، وكذا رميت به فارتمى ، ولا تقول انرمى ، ووصلته فاتّصل ، لا انوصل ، ونفيته فانتفى لا انّفى ، وجاء امتحى وامّحى (١) ، وذلك لأن هذه الحروف مما تدغم النون الساكنة فيها ، ونون انفعل علامة المطاوعة فكره طمسها ، وأما تاء افتعل فى نحو ادّكروا طّلب فلما لم يختص بمعنى من المعانى كنون انفعل صارت كأنها ليست بعلامة ، إذ حق العلامة الاختصاص

قوله «وللاتخاذ» أى : لاتخاذك الشىء أصله ، وينبغى أن لا يكون ذلك الأصل مصدرا ، نحو اشتويت اللحم : أى اتخذته شواء ، وأطّبخ الشىء : أى جعله طبيخا ، واختبز (٢) الخبز : أى جعله خبزا ، والظاهر أنه لاتخاذك الشىء أصله لنفسك ، فاشتوى اللّحم : أى عمله شواه لنفسه ، وامتطاه : أى جعله لنفسه مطية ، وكذا اغتذى وارتشى (٣) واعتاد

قوله «وللتفاعل» نحو اعتوروا : أى تناوبوا ، واجتوروا : أى تجاوروا ، ولهذا لم يعلّ ؛ لكونه بمعنى ما لا يعل

__________________

(١) الذى فى جميع النسخ «انمحى» ، بالنون الظاهرة والذى فى القاموس واللسان «امحى» بابدال النون ميما وإدغامها فى الميم ، قال فى اللسان : «والأصل فيه انمحى ، وامتحى لغة رديئة» اه

(٢) كان الأولى أن يقول : اختبز الدقيق : أى عالجه حتى جعله خبزا ، ولعله أطلق الخبز على الدقيق باعتبار ما يؤول إليه الأمر

(٣) فى اللسان : «غذاه غذوا وغذاه بالتضعيف فاغتذى وتغذى» اه وهو ظاهر فى أن اغتذى مطاوع غذا وليس للاتخاذ كما ذهب إليه المؤلف ، ولم نعثر على نحو قولك اغتذى الشىء ، حتى يصير معناه اتخذه غذاء. وفى اللسان أيضا : «رشاه يرشوه رشوا : أعطاه الرشوة (مثلثة الراء) ، وارتشى منه رشوة ، إذا أخذها» اه وهو ظاهر أيضا فى المطاوعة لا الاتخاذ. وأما اعتاد فقد ورد بمعنى الاتخاذ نحو اعتاد الشىء جعله عادة له ، وورد مطاوعا أيضا نحو عودته (بالتضعيف) فاعتاد

١٠٩

قوله «وللتصرف» أى : الاجتهاد والاضطراب فى تحصيل أصل الفعل ، فمعنى كسب أصاب ، ومعنى اكتسب اجتهد فى تحصيل الاصابة بأن زاول أسبابها ؛ فلهذا قال الله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ) أى : اجتهدت فى الخير أو لا فانه لا يضيع (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) أى : لا تؤاخذ إلا بما اجتهدت فى تحصيله وبالغت فيه من المعاصى ، وغير سيبويه لم يفرق بين كسب واكتسب

وقد يجىء افتعل لغير ما ذكرنا مما لا يضبط ، نحو ارتجل الخطبة ، ونحوه

قال «واستفعل للسّؤال غالبا : إمّا صريحا نحو استكتبته ، أو تقديرا نحو استخرجته ، وللتّحوّل نحو استحجر الطّين ، و* إنّ البغاث بأرضنا يستنسر* وقد يجيء بمعنى فعل نحو قرّ واستقرّ»

أقول : قوله «أو تقديرا نحو استخرجته» تقول : استخرجت الوتد ، ولا يمكن ههنا طلب فى الحقيقة ، كما يمكن فى «استخرجت زيدا» إلا أنه بمزاولة إخراجه والاجتهاد فى تحريكه كأنه طلب منه أن يخرج ، فقولك أخرجته لا دليل فيه على أنك أخرجته بمرة واحدة أو مع اجتهاد ، بخلاف استخرج ، وكذلك «استعجلت زيدا» أى : طلبت عجلته ، فاذا كان بمعنى عجّلت (١) فكأنه طلب العجلة من نفسه ؛ ومن مجاز الطلب قولهم : استرفع الخوان ، واسترمّ البناء ، واسترقع الثّوب (٢)

__________________

(١) تقول : عجلت عجلا ـ كفرح فرحا ـ وعجلة ، ومنه قوله تعالى (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) وتقول أيضا : عجل ـ بالتضعيف ـ وتعجل بمعناه : أى أسرع ويأتى عجل ـ بالتضعيف ـ وتعجل متعديين أيضا : بمعنى طلب العجلة ، والذى فى كلام المؤلف يجوز أن يكون مخففا مكسور العين ، وأن يكون مضعفا لازما.

(٢) الخوان ـ ككتاب وغراب ـ : ما يوضع عليه الطعام ، وضع أو لم يوضع ،

١١٠

ويكون للتحول إلى الشىء حقيقة ، نحو استحجر الطين : أى صار حجرا حقيقة ، أو مجازا : أى صار كالحجر فى الصلابة ، وإن البغاث بأرضنا يستنسر (١) أى : يصير كالنسر فى القوة ، والبغاث ـ مثلث الفاء ـ ضعاف الطير

قوله «بمعنى فعل» نحو قرّ واستقرّ ، ولا بد فى استقرّ من مبالغة

ويجىء أيضا كثيرا للاعتقاد فى الشىء أنه على صفة أصله ، نحو استكرمته : أى اعتقدت فيه الكرم ، واستسمنته : أى عددته ذا سمن ، واستعظمته : أى عددته ذا عظمة

ويكون أيضا للاتخاذ كما ذكرنا فى افتعل ، نحو استلأم (٢)

__________________

والمائدة : ما يكون عليه الطعام ، وقيل : الخوان والمائدة واحد. قال الليث : هو معرب ، وقولهم : استرفع الخوان (بالرفع) معناه حان له أن يرفع. واسترم البناء : حان له أن يرم ، إذا بعد عهده بالتطيين والاصلاح. واسترقع الثوب : حان له أن يرقع ، وقد رأى المؤلف أن هذه الحينونة تشبه أن تكون طلبا ، لأن هذه الأشياء لما أصبحت فى حالة تستوجب حصول أصل الفعل (وهو ههنا الرفع والرم والرقع) صارت كأنها طلبت ذلك

(١) هذا مثل يضرب للضعيف يصير قويا ، وللذليل يعز بعد الذل ، وفى اللسان «يضرب مثلا للئيم يرتفع أمره ، وقيل : معناه من جاورنا عز بنا». والبغاث : اسم جنس واحدته بغاثة وهو ضرب من الطير أبيض بطىء الطيران صغير دوين الرخمة ، ويستنسر : يصير كالنسر فى القوة عند الصيد ، يصيد ولا يصاد. وجمع البغاث بغثان (كرغفان)

(٢) اللأمة ـ بفتح اللام وسكون الهمزة وربما خففت ـ أداة من أدوات الحرب ، قيل : هى الدرع ، وقيل : جميع أدوات الحرب من سيف ودرع ورمح ونبل وبيضة ومغفر يسمى لأمة ، ويقال : استلأم الرجل ، إذا لبس اللأمة ،

١١١

وقد يجىء لمعان أخر غير مضبوطة

وأما افعلّ فالاغلب كونه للون أو العيب الحسى اللازم (١) وافعالّ فى اللون والعيب الحسى العارض ، وقد يكون الأول فى العارض والثانى في اللازم ، وأما افعوعل فللمبالغة فيما اشتق منه ، نحو اعشوشبت الأرض : أى صارت ذات عشب (٢) كثير ، وكذا اغدودن (٣) النبت ، وقد يكون متعديا ، نحو اعروريت الفرس (٤) وافعوّل بناء مرتجل ليس منقولا من فعل (٥) ثلاثى ، وقد يكون متعديا كاعلوّط : أى علا ، ولازما كاجلوّذ واخروّط : أى أسرع (٦) وكذا افعنلى مرتجل ، نحو

__________________

وحكى أبو عبيدة أنه يقال : تلأم ـ بتضعيف الهمزة ـ أيضا

(١) المراد باللازم فى هذا الموضع ما لا يزول والمراد بالعارض ما يزول

(٢) العشب : هو الكلاء ما دام رطبا ، واحدته عشبة (كغرفة) وقال أبو حنيفة الدينورى : العشب : كل ما أباده الشتاء وكان نباته ثانية من أرومة وبذر.

(٣) يقال : اغدودن النبت ، إذا اخضر حتى يضرب إلى السواد من شدة ريه قال أبو عبيد : المغددون : الشعر الطويل ، وقال أبو زيد : شعر مغدودن : شديد السواد ناعم.

(٤) اعرورى الفرس : صار عريا ، واعرورى الرجل الفرس : ركبه عريا ، فهو لازم متعد ، ولا يستعمل إلا مزيدا ، وقد استعاره تأبط شرا لركوب المهلكة فقال : ـ

يظلّ بموماة ويمسى بغيرها

جحيشا ، ويعرورى ظهور المهالك

(٥) مراده بهذا أنه ليس واحد مما ذكر من الأمثلة منقولا عن فعل ثلاثى مشترك معه فى أصل معناه ، فأما المادة نفسها بمعنى آخر فلا شأن لنابها ، وأكثر ما ذكر من الأمثلة قد ورد لها أفعال ثلاثية ولكن بمعان أخر.

(٦) قول الشارح «أى أسرع» تفسير لاجلوذ واخروط جميعا

١١٢

اغرندى (١) ، وقد يجىء افعوعل كذلك ، نحو اذ لولى : أى استتر (٢) ، وكذا افعلّ وافعالّ يجيئان مرتجلين ، نحو اقطرّ واقطار : أى أخذ فى الجفاف

وجميع الأبواب المذكورة يجىء متعديا ولازما ، إلا انفعل وافعلّ وافعالّ

واعلم أن المعانى المذكورة للأبواب المتقدمة هى الغالبة فيها ، وما يمكن ضبطه ، وقد يجىء كل واحد منها لمعان أخر كثيرة لا تضبط كما تكررت الإشارة إليه

قال : «وللرّباعىّ المجرّد بناء واحد نحو دحرجته ودربخ ، وللمزيد فيه ثلاثة : تدحرج ، واحرنجم ، واقشعرّ ، وهى لازمة»

أقول : دربخ : أى خضع ، وفعلل يجىء لازما ومتعديا ، وتفعلل مطاوع فعلل المتعدى كتفعّل لفعّل ، نحو دحرجته فتدحرج ، واحرنجم فى الرباعى كانفعل فى الثلاثى ، واقشعرّ واطمأنّ من القشعريرة والطّمأنينة ، كاحمرّ فى الثلاثى ، وافعنلل الملحق باحرنجم كاقعنسس غير متعد مثل الملحق به ، وكذا تجورب وتشيطن الملحقان بتدحرج ، وكذا احرنبى الملحق باحرنجم ، وقد جاء متعديا فى قوله : ـ

١٣ ـ إنّى أرى النّعاس يغرندينى

أطرده عنّي ويسرندينى (٣)

__________________

(١) تقول اغرنداه واغرندى عليه ، إذا علاه بالشتم والضرب والقهر ، وإذا غلبه ، وقد وقع فى بعض نسخ الأصل بالعين المهملة ولم نجد له أصلا فى كتب اللغة

(٢) هذا الذى ذكره المؤلف فى اذلولى أحد وجهين ، وهو الذى ذكره سيبويه رحمه‌الله ، فمادتها الأصلية على هذا (ذ ل ى) زيد فيه همزة الوصل أولا وضعفت العين وزيدت الواو فارقة بين العينين ، والوجه الثانى أن أصوله (ذ ل ل) ، وأن الأصل فيه ذل يذل ذلا ، ثم ضعفت العين فصار ذلل يذلل تذليلا ، ثم استثقل ثلاثة الأمثال فقلبوا الثالث ياء ، كما قلبوا فى نحو تظنى وتقضى وربى ، وأصلها تظنن وتقضض وربب ، ثم زيدت فيه الواو وهمزة الوصل فوزنه افعوعل أيضا ، ولكن على غير الوجه الأول.

(٣) هذا بيت من الرجز استشهد به كثير من النحاة منهم أبو الفتح بن

١١٣

وكأنه محذوف الجار : أى يغرندى على ، ويسرندى على : أى يغلب ويتسلط

واعلم أن المعانى المذكورة للأبنية المذكورة ليست مختصة بمواضيها ، لكنه إنما ذكرها فى باب الماضى لأنه أصل الأفعال

قال : «المضارع بزيادة حرف المضارعة على الماضى ؛ فإن كان مجرّدا على فعل كسرت عينه أو ضمّت أو فتحت إن كان العين أو اللّام حرف حلق غير ألف ؛ وشذّ أبى يأبى ، وأمّا قلى يقلى فعامريّة (١) وركن

__________________

جنى والسخاوى وابن هشام ، ولم ينسبه واحد منهم ، ويروى : ـ

قد جعل النّعاس يغرندينى

أدفعه عنّى ويسرندينى

ويغرندينى ويسرندينى كلاهما بمعنى يغلبنى ؛ وقد اختلف العلماء فى تخريجه ، فجعله جماعة كالمؤلف من باب الحذف والايصال ، وجعله ابن هشام شاذا ، وجعله ابن جنى صحيحا لا شذوذ فيه ، وقسم افعنلى إلى متعد ولازم ، قال : «افعنليت على ضربين متعد وغير متعد ، فالمتعدى نحو قول الراجز (وذكر البيت) ، وغير المتعدى نحو قولهم : احرنبى الديك» اه ومثله للسخاوى فى شرح المفصل ، والجوهرى فى الصحاح.

(١) الذى فى اللسان : «قلاه يقليه (كرماه يرميه) ، وقليه يقلاه (كرضيه يرضاه). وحكى سيبويه قلاه يقلاه (كنهاه ينهاه) قال : وهو نادر ، وله نظائر حكاها ، شبهوا الألف بالهمزة ، وحكى ابن الأعرابى لغة رابعة وهى قلوته أقلوه (كدعوته أدعوه) ، وأنكرها ابن السكيت فقال : يقال قلوت البر والبسر وبعضهم يقول قليت ، ولا يكون فى البغض إلا قليت» اه كلامه ملخصا. وقوله «وله نظائر» منها أبى يأبى ، وغشى يغشى ، وشجى يشجى ، وجبى يجبى ، كل هذه قد جاءت فى بعض اللغات بفتح عين الماضى والمضارع. وقوله : «شبهوا الألف بالهمزة» هذا وجه آخر غير الذى ذكره المؤلف ، وحاصله أن فتح العين فى الماضى ليس للاعلال ولكن لاقتضاء ما أشبه حرف الحلق إياها ، وسيأتى بيان ما ذكره المؤلف

١١٤

يركن من التّداخل (١) ، ولزموا الضّمّ فى الأجوف بالواو والمنقوص بها ، والكسر فيهما بالياء ، ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذّ عنده أو من التّداخل (٢) ، ولم يضمّوا فى المثال ، ووجد

__________________

(١) قد ورد هذا الفعل من باب علم ، ومن باب نصر ، والمصدر فيهما ركنا وركونا (كفهم ودخول) ، وحكى بعضهم لغة ثالثة وهى ركن يركن (كفتح يفتح) وحكى كراع فيه لغة رابعة وهى ركن يركن (بالكسر فى الماضى والضم فى المضارع) ، واختلف فى تخريج اللغتين الثالثة والرابعة : فقبل : هما شاذتان ، والرابعة أشذ من الثالثة ، ونظيرها فضل يفضل ، وحضر يحضر ، ونعم ينعم ، وقيل فى اللغتين الثالثة والرابعة : هما من التداخل بين اللغتين الأولى والثانية اه ملخصا من اللسان مع زيادة

(٢) قد مضى قولنا فى هذه الكلمة (ه ١ ص ٨١) ونزيدك ههنا أن من العرب من يقول : طوحه وطوح به ، وتوهه (بالتضعيف فى الكل) ، ومنهم من قال : طيحه وتيهه (بالتضعيف أيضا) ؛ فعلى الأول : الكلمتان من الأجوف الواوى ، وعلى الثانى هما من الأجوف اليائى ، ومنهم من قال : طاح يطوح ، وتاه يتوه ، وذلك بناء على أنهما من الأجوف الواوى ، وأنهما من باب نصر ينصر ، وهو ظاهر ، ومنهم من قال : طاح يطيح ، وتاه يتيه ، فان اعتبرتهما من الأجوف اليائى فأمرهما ظاهر وهما من باب ضرب يضرب ، وإن اعتبرتهما من الأجوف الواوى فهما محل خلاف فى التخريج بين العلماء : فقال سيبويه : هما من باب فعل يفعل (بالكسر فيهما) ولم يجز عنده أن يكونا من باب ضرب يضرب ، لأنه لا يكون فى بنات الواو ، كراهية الالتباس ببنات الياء ، كما لا يكون باب نصر ينصر فى بنات الياء ، كراهية الالتباس ببنات الواو ؛ فأصل طاح وتاه طوح وتوه (كفرح) تحركت الواو فيهما وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وأصل يطيح ويتيه يطوح ويتوه (كيضرب) نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ثم قلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة ، وقال غير سيبويه : الكلمتان من باب ضرب فهما بهذا الاعتبار شاذتان ، ووجه الشذوذ فيه أن الأجوف الواوى من باب فعل المفتوح العين

١١٥

يجد ضعيف ، ولزموا الضّمّ فى المضاعف المتعدّى نحو يشدّه ويمدّه (١) وجاء الكسر فى يشدّه ويعلّه (٢) وينمّه ويبتّه ، ولزموه فى حبّه يحبّه وهو قليل (٣)»

__________________

لا يكون مضارعه إلا مضمومها ، وقول المؤلف «أو من التداخل» سيأتى ما فيه فى كلام الشارح (وانظر ص ١٢٧)

(١) اعلم أن المديجىء متعديا بمعنى الجذب ، نحو مددت الحبل أمده ، والبسط نحو قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) وطموح البصر إلى الشىء ، ومنه قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) وبمعنى الامهال ، ومنه قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ويجىء لازما بمعنى السيل أو ارتفاع النهار أو كثرة الماء ، تقول : مد النهر ، إذا سال ، وتقول : مد النهار ، إذا ارتفع ؛ وتقول : مد الماء ، إذا ارتفع أيضا ؛ وظاهر كتب اللغة أنه فى كل هذه المعانى من باب نصر ؛ فأما المتعدى فقد جاء على القياس فيه ، وأما اللازم فهو حينئذ شاذ

(٢) العلل (بفتحتين) والعل بالأدغام : الشرب بعد الشرب ، ويسمى الشرب الأول نهلا ، وقد ورد فعل هذا متعديا ولازما ، وورد كل من المتعدى واللازم من بابى نصر وضرب : أما مجىء المعتدى كنصر ، ومجىء اللازم كضرب فهو القياسى ، وأما العكس فيهما فشاذ ، وقد جاء هذا الفعل من العلة بمعنى مرض لازما ، ولم يسمع فيه إلا كسر المضارع على القياس

(٣) الكثير فى الاستعمال أحببته أحبه فأنا محب إياه على مثال أكرمته أكرمه فأنا مكرمه ، والكثير فى اسم المفعول محبوب ، وقد جاء المحب قليلا فى الشعر نحو قول عنترة : ـ

ولقد نزلت ، فلا تظنّى غيره ،

منّى بمنزلة المحبّ المكرم

وقد جاء حبه يحبه (ثلاثيا) ، وقد استعمل اللغتين جميعا غيلان بن شجاع النهشلى فى قوله : ـ

أحبّ أبا مروان من أجل تمره

و أعلم أنّ الجار بالجار أرفق

١١٦

أقول : اعلم أن أهل التصريف قالوا : إن فعل يفعل ـ بفتح العين فيهما ـ فرع على فعل يفعل أو يفعل ـ بضمها أو كسرها فى المضارع ـ ، وذلك لأنهم لما رأوا أن هذا الفتح لا يجىء إلا مع حرف الحلق ، ووجدوا فى حرف الحلق معنى مقتضيا لفتح عين مضارع الماضى المفتوح عينه ، كما يجىء ؛ غلب على ظنهم أنها علة له ، ولما لم يثبت هذا الفتح إلا مع حرف الحلق غلب على ظنهم أنه لا مقتضى له غيرها ؛ إذ لو كان لثبت الفتح بدون حرف الحلق ، فغلب على ظنهم أن الفتح ليس شيئا مطلقا غير معلل بشىء ، كالكسر والضم ، إذ لو كان كذلك لجاء مطلقا بلا حرف حلق أيضا كما يجىء الضم والكسر ، وقوّى هذا الظن نحو قولهم وهب يهب ووضع يضع ووقع يقع ؛ لأنه تمهّد لهم أن الواو لا تحذف إلا فى المضارع المكسور العين ؛ فحكموا أن كل فتح فى عين مضارع فعل المفتوح العين لأجل حرف الحلق ، ولو لاها لكانت إما مكسورة او مضمومة فقالوا : قياس مضارع فعل المفتوح عينه إما الضم أو الكسر ، وتعدّى بعض النحاة ـ وهو أبو زيد ـ هذا ، وقال : كلاهما قياس ، وليس أحدهما أولى به من الآخر ، إلا أنه ربما يكثر أحدهما فى عادة ألفاظ الناس حتى يطرح الآخر

__________________

فأقسم لو لا تمره ما حببته

وكان عياض منه أدنى ومشرق

قال الجوهرى : «وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب شاذ ؛ لأنه لا يأتى فى المضاعف يفعل بالكسر إلا ويشركه يفعل بالضم ما خلا هذا الحرف» اه لكن ذكر أبو حيان أنه سمع فيه الضم أيضا ؛ فيكون فيه وجهان ، وعلى هذا لا يتم قول المؤلف ولزموه فى حبه يحبه ، ولا تعليل الجوهرى شذوذه بعدم مجىء الضم فيه ، ولو أنه علل الشذوذ بما هو علته على الحقيقة ـ وذلك أن قياس المضعف المتعدى الضم ـ لم يرد عليه شىء

١١٧

ويقبح استعماله ، فإن عرف الاستعمال فذاك ، وإلا استعملا معا ، وليس على المستعمل شىء ، وقال بعضهم : بل القياس الكسر ؛ لأنه أكثر ، وأيضا هو أخف من الضم

وبعد ، فاعلم أنهم استعملوا اللغتين فى ألفاظ كثيرة كعرش يعرش ، ونفر ينفر ، وشتم يشتم ، ونسل ينسل ، وعلف يعلف ، وفسق يفسق ، وحسد يحسد ويلمز ، ويعتل ، ويطمث ، ويقتر ، وغير ذلك مما يطول ذكره

وفى الأفعال ما يلزم مضارعه فى الاستعمال إما الضم وإما الكسر ، وذلك إما سماعى أو قياسى ؛ فالسماعى الضم فى قتل يقتل ، ونصر ينصر ، وخرج يخرج ، مما يكثر ، والكسر فى ضرب يضرب ، ويعتب (١) ، وغير ذلك مما لا يحصي ؛ والقياسى كلزوم الضم فى الأجوف والناقص الواويين ، والكسر فيهما يائيين وفى المثال اليائى (٢) كما يجىء ، ومن القياسى الضم فى باب الغلبة ، كما مر.

ثم نقول : إنما ناسب حرف الحلق ـ عينا كان أولا ما ـ أن يكون عين المضارع معها مفتوحا لأن الحركة فى الحقيقة بعض حروف المد بعد الحرف المتحرك بلا فصل ؛ فمعنى فتح الحرف الإتيان ببعض الألف عقيبها ، وضمها الإتيان ببعض الواو عقيبها ، وكسرها الإتيان ببعض الياء بعدها ؛ ومن شدّة تعقّب أبعاض هذه الحروف الحرف

__________________

(١) ظاهر عبارة المؤلف أن هذا الفعل لم يرد إلا من باب ضرب ، وقد نص فى المصباح على أنك تقول : «عتب عليه عتبا من بابى ضرب وقتل ، ومعتبا أيضا إذا لامه فى تسخط» ومثله فى القاموس واللسان

(٢) لا وجه لتخصيص المؤلف المثال باليائى لأنه سيأتى له أن يبين علة اختصاص المثال مطلقا بباب ضرب ؛ على أن أمثلة المثال الواوى التى وردت من باب ضرب أضعاف أمثلة المثال اليائى منه

١١٨

المتحرك التبس الأمر على بعض الناس فظنوا أن الحركة على الحرف ، وبعضهم تجاوز ذلك وقال : هى قبل الحرف ، وكلاهما وهم ، وإذا تأملت أحسست بكونها بعده ، ألا ترى أنك لا تجد فرقا فى المسموع بين قولك الغزو ـ باسكان الزاى والواو ـ وبين قولك الغز ـ بحذف الواو وضم الزاى ـ وكذا قولك الرّمى ـ باسكان الميم والياء ـ والرّم ـ بحذف الياء وكسر الميم ـ وذلك لأنك إذا أسكنت حرف العلة بلا مد ولا اعتماد عليه صار بعض ذلك الحرف فيكون عين الحركة إذ هى أيضا بعض الحرف ، كما قلنا ، ثم إن حروف الحلق سافلة فى الحلق يتعسر النطق بها ، فأرادوا أن يكون قبلها إن كانت لاما الفتحة التى هى جزء الألف التى هى أخفّ الحروف ؛ فتعدل خفتها ثقلها ، وأيضا فالألف من حروف الحلق أيضا فيكون قبلها جزء من حرف من حيّزها ، وكذا أرادوا أن يكون بعد حرف الحلق بلا فصل إن كانت عينا الفتحة الجامعة للوصفين ؛ فجعلوا الفتحة قبل الحلقى إن كان لاما ، وبعده إن كان عينا ؛ ليسهل النطق بحروف الحلق الصعبة ، ولم يفعلوا ذلك إذا كان الفاء حلقيا : إما لأن الفاء فى المضارع ساكنة فهى ضعيفة بالسكون [ميّتة] ، وإما لأن فتحة العين إذن تبعد من الفاء ؛ لأن الفتحة تكون بعد العين التى بعد الفاء ، وليس تغيير حرف الحلق من الضم أو الكسر إلى الفتح بضربة لازب ، بل هو أمر استحسانى ، فلذلك جاء برأ يبرؤ (١) ، وهنأ يهنئ ، وغير ذلك ، وهى لا تؤثر فى فتح ما يلزمه وزن واحد

__________________

(١) الذى جاء من باب نصر هو برأ المريض ، وقد جاء فيه لغات أخرى إحداها من باب نفع ، والثانية من باب كرم ، والثالثة من باب فرح ، وأما برأ الله الخلق (أى خلقهم) فلم يأت إلا من باب جعل. قال الأزهرى : «ولم نجد فيما لامه همزة فعلت أفعل (من باب نصر ينصر). وقد استقصى العلماء باللغة هذا فلم يجدوه إلا فى هذا الحرف (يريد برأ المريض يبرؤ) ، ثم ذكر قرأت أقرؤ ،

١١٩

مطرد ؛ فلذلك لا تفتح عين مضارع فعل يفعل ـ بضم العين ـ نحو وضؤ (١) يوضؤ ، ولا فى ذوات الزوائد مبنية للفاعل أو للمفعول ، نحو أبرأ يبرئ (٢) ، واستبرأ يستبرئ (٣) ، وأبرئ واستبرئ ، وذلك لكراهتهم خرم قاعدة ممهّدة ، وإنما جاز فى مضارع فعل لأنه لم يلزم هذا المضارع ضمّ أو كسر ، بل كان يجىء تارة مضموم العين ، وتارة مكسورها ، فلم يستنكر أيضا أن يجىء شىء منه يخالفهما ، وهو الفتح ، ولما جاء فى مضارع فعل ـ بالكسر ـ مع يفعل ـ بالكسر ـ يفعل ـ بالفتح ـ وهو الأكثر ، كما يجىء ، جوّزوا تغيير بعض المكسور إلى الفتح لأجل حرف الحلق ، وذلك فى حرفين وسع يسع (٤) ووطىء يطأ ، دون ورع يرع ووله يله ووهل يهل ووغر يغر ووحر يحر (٥) ، وإنما

__________________

وهنأت الأبل أهنؤها ، إذا طليتها بالهناء ـ وهو ضرب من القطران ـ ، وقد جاء فيه يهنئها ويهنؤها (من بابى ضرب ونفع) ، وجاء هنأنى الطعام يهنئنى ويهنؤنى (من بابى ضرب ونفع أيضا) ؛ إذا أتاك بغير تعب ولا مشقة

(١) تقول وضؤ يوضؤ وضاءة ؛ إذا صار وضيئا ، والوضاءة : الحسن والنظافة

(٢) تقول : أبرأته من كذا ، وبرأته أيضا (بالتضعيف) ؛ إذا خلصته

(٣) الاستبراء : الاستنقاء (أى طلب النقاء والبراءة) ، والاستبراء أيضا : ألا يطا الجارية حتى تحيض عنده حيضة

(٤) السعة : نقيض الضيق ، وقد وسعه يسعه ويسعه (بفتح السين وكسرها) : وكسر السين فى المضارع قليل فى الاستعمال مع أنه الأصل ، فأصل الفعل بكسر العين فى الماضى والمضارع ، وإنما فتحها فى المضارع حرف الحلق ، والدليل على أن أصلها الكسر حذف الواو ، ولو كانت مفتوحة العين فى الأصل لثبتت الواو وصحت أو قلبت ألفا على لغة من يقول ياجل. وتقول : وطىء الشىء يطؤه وطئا ؛ إذا داسه ، قال سيبويه : «أما وطىء يطأ فمثل ورم يرم ولكنهم فتحوا يفعل وأصله الكسر كما قالوا قرأ يقرأ» ا ه

(٥) الورع : التحرج والتقى ، وقدورع يرع ويورع (كيضرب ويفتح) ورعا

١٢٠