شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

للياء ، وقد جاءت الصّهوبة (١) والكدورة ، قال سيبويه : قالوا : البياض والسّواد تشبيها بالصّباح والمساء لأنهما لونان مثلهما

وأما مجىء العيوب على فعلة ـ بالضم ـ فقليل ، كالأدرة والنّفخة (٢) ، وقد جاء الفعلة والفعلة لموضع الفعل فى الأعضاء كثيرا ، كالقطعة والقطعة (٣) لموضع القطع ، وكذا الجذمة والجذمة ، والصّلعة والصّلعة ، والنزعة والنّزعة (٤) ويكون الفعلة ـ بضم الفاء وسكون العين ـ للفضلة أيضا ، كالقلفة ، والغرلة (٥)

__________________

صفاء فى ظلمة خفية. والعيسة بكسر العين فعلة بضم الفاء على مثال الصهبة والكمتة والحمرة والصفرة ؛ لأنه ليس فى الألوان فعلة بالكسر ، وإنما كسر أولها لتصح الياء كما كسرت الباء فى بيض لتصح الياء

(١) الصهوبة والصهبة والصهب : حمرة فى الشعر ، وقيل : أن تكون أطراف الشعر حمراء وأصولها سوداء

(٢) الأدرة ـ بالضم ـ والأدر ـ بفتحتين ـ انتفاخ فى الخصية ، وقيل : انفتاق فى إحدى الخصيتين ، والنفخة ـ بالضم ـ داء يصيب الفرس ترم منه خصياه ، وهى أيضا انتفاخ البطن من طعام ونحوه

(٣) القطعة ـ بالضم ، وبفتحتين ـ موضع القطع من اليد ، وقيل : بقية اليد المقطوعة ، وفى الحديث إن سارقا سرق فقطع فكان يسرق بقطعته (بفتحتين) والظاهر أن المراد بقية يده المقطوعة

(٤) الذى فى القاموس واللسان الحذمة ـ بفتح فسكون ، وبفتحتين ـ وفى القاموس ذكر الصلعة ـ بفتحتين ـ وذكرها فى اللسان بالضم وبفتحتين ، وفى القاموس واللسان جميعا النزعة بفتحتين ، لكن ذكر سيبويه (ح ٢ ص ٢٢٣) هذه الألفاظ ماعدا النزعة ، وضبطت كما فى الأصل الذى معنا. والجذمة : موضع الجذم ، وهو القطع. والصلعة : موضع الصلع ، وهو ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره. والنزعة : موضع النزع وهو انحسار الشعر من جانبى الجبهة

(٥) القلفة ـ بالضم ، وبفتحتين ـ جلدة الذكر التى تغطى الحشفة ، وقلفها الخاتن ؛ إذا قطعها ، والغزلة ـ بالضم ـ هى القلفة

١٦١

ويجىء الفعل للمفعول ، كالذّبح والسّفر (١) والزّبر

ويجىء الفعل ـ بفتح الفاء والعين ـ له أيضا ، كالخبط للمخبوط ، والنّفض للمنفوض (٢) ،

وجاء فعلة : بسكون العين كثيرا بمعنى المفعول كالسّبّة والضّحكة واللعنة ، وبفتح العين للفاعل ، وكلتاهما للمبالغة

ويجىء المفعلة لسبب الفعل ، كقوله عليه الصلاة والسّلام «الولد مبخلة مجبنة محزنة».

وبجىء الفعول لما يفعل به الشىء كالوجور لما يوجر [به] ، وكذا النقوع والقيوء (٣)

__________________

(١) الذبح ـ بالكسر ـ ما يذبح ؛ قال الله تعالى (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) والسفر ـ بالكسر ـ واحد الأسفار ، وهى الكتب الكبار ، سمى بذلك لأنه مسفور ؛ أى مكتوب ، والسافر الكاتب ، وجمعه سفرة ، وبه فسر قوله تعالى (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) والزبر ـ بالكسر ـ ومثله الزبور كرسول : الكتاب أيضا ، سمى بذلك لأنه يزبر : أى يكتب ، تقول : زبر الكتاب يزبره ـ كضربه يضربه ونصره ينصره ـ إذا كتبه ، وجمع الزبر زبور ـ كقدر وقدور ـ وجمع الزبور زبر كرسول ورسل

(٢) الخبط ـ بفتحتين ـ ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره ، ويمزج بالماء فتوجره الابل ، والخبط أيضا : ما خبطته الدواب وكسرته ، والمخابط : جمع مخبط كمنبر وهو العصا. والنفض بالتحريك : ما تساقط من الورق والثمر ، وما وقع من الشىء إذا نفضته : أى زعزعته وحركته.

(٣) الذى فى القاموس واللسان والمزهر عن أبى عبيدة أن الوجور ـ بفتح الواو ـ الدواء يوجر فى الفم ، سمى بذلك لأنه يدخل فيه ، والوجر : إدخال الماء أو الدواء فى الحلق ، وآلة الوجر : ميجر وميجرة ؛ فليس المراد بما يفعل به الشىء آلة الشىء كما قد يتبادر من العبارة ؛ بل المراد ما يتحقق به الشىء ، والمراد بالشىء فى عبارته الحدث ، وفى القاموس واللسان النقوع كصبور : ما ينقع فى الماء ليلا ليشرب

١٦٢

قوله «وفعل نحو كرم على كرامة غالبا» فعالة فى مصدر فعل أغلب من غيره ، وقيل : الأغلب فيه ثلاثة : فعال كجمال ، وفعالة ككرامة ، وفعل كحسن ، والباقى يحفظ حفظا.

قال : «والمزيد فيه والرّباعىّ قياس ، فنحو أكرم على إكرام ، ونحو كرّم على تكريم وتكرمة ، وجاء كذاب وكذّاب ، والتزموا الحذف والتّعويض فى نحو تعزية وإجازة واستجازة ، ونحو ضارب على مضاربة وضراب ، ومرّاء شاذّ وجاء قيتال ، ونحو تكرّم على تكرّم ، وجاء تملّاق. والباقى واضح»

أقول : يعنى بقياس المصادر المنشعبة ما مر فى شرح الكافية ، من كسر أول الماضى وزيادة ألف قبل الآخر ؛ فيكون للجميع قياس واحد.

وذكر المصنف منها ههنا ما جاء غير قياسى ، أو جرى فيه تغيير ، وترك الباقى وذكر أفعل أولا ، وإن كان مصدره قياسيا ، تنبيها به على كيفية القياس ، وخصه بالذكر إذ هو أول الأبواب المنشبعة ، على ما يذكر فى كتاب المصادر ، وأيضا إنما ذكره لما فى مصدره تغيير فى الأجوف ، نحو إقامة ، والظاهر أنه أراد بالقياس القياس المختص بكل باب ؛ فان لكل باب قياسا خاصا لا يشاركه فيه غيره ، كما مر فى شرح الكافية (١)

__________________

نهارا وبالعكس ، والنقع : نبذ الشىء فى الماء ، وبابه فتح. والقيوء بالفتح : الدواء الذى يشرب للقىء. والقيوء أيضا صيغة مبالغة بمعنى كثيرا لقىء

(١) قال فى الكافية وشرحها (ح ٢ ص ١٧٨): «وهو من الثلاثى سماع ومن غيره قياس ، تقول أخرج إخراجا واستخرج استخراجا : ترتقى أبنية مصادر الثلاثى إلى اثنين وثلاثين فى الأغلب كما يجىء فى التصريف ، وأما فى غير الثلاثى فيأتى قياسا كما تقول مثلا : كل ما ماضيه على أفعل فمصدره على إفعال ، وكل ما ماضيه على فعل فمصدره على تفعيل ، وكل ما ماضيه على فعل

١٦٣

قوله «تكريم وتكرمة» تفعيل فى غير الناقص مطرد قياسى ، وتفعلة كثيرة ، لكنها مسموعة ، وكذا فى المهموز اللام ، نحو تخطيئا وتخطئة ، وتهنيئا وتهنئة ، هذا عن أبى زيد وسائر النحاة ، وظاهر كلام سيبويه أن تفعلة لازم فى المهموز اللام كما فى الناقص ، فلا يقال تخطيئا وتهنيئا ، وهذا كما ألحق أرأيت بأقمت (١) ، وأما إذا كان لام الكلمة حرف علة فانه على تفعلة لا غير ، وذلك

__________________

فمصدره على فعللة ، ويجوز أيضا أن يرتكب قياس واحد لجميع الرباعى والمزيد فيه ، وهو أن يقال : ننظر إلى الماضى ونزيد قبل آخره ألفا ، فان كان قبل الآخر فى الماضى متحركان كسرت أولهما فقط كما تقول فى أفعل إفعال ، وفى فعلل فعلال ، وفى فعلى فعلاء ، وفى فاعل فيعال ، وفى فعل فعال ، وإن كان ثلاث متحركات كسرت الأولين كانفعال وافتعال واستفعال وافعلال وافعيلال إذ أصل ماضيهما افعلل وافعالل ، وتفعال ـ بكسر التاء والفاء وتشديد العين ـ وليس هذا بناء على أن المصدر مشتق من الفعل ، بل ذلك لبيان كيفية مجىء المصدر قياسا لمن اتفق له سبق علم بالفعل ، والأشهر فى مصدر فعل وفعلل وفاعل وتفعل خلاف القياس المذكور ، وهو تفعيل وفعللة ومفاعلة وتفعل ، وأما فعال فى مصدر فاعل كقتال فهو مخفف القياسى ، إذ أصله قيتال ، ولم يأت فى تفعلل وتفاعل وما ألحق بتفعلل من تفوعل وتفيعل ونحوهما إلا خلاف القياس كالتفعلل والتفاعل» اه

(١) المقصود إلحاق أرأيت بأقمت فى حذف الوسط وهو عين الكلمة وإن كان سبب الحذف فى أقمت موجودا وهو التخلص من التقاء الساكنين ، وليس موجودا فى أرأيت ، إلا أنهم لما استثقلوا الهمزة فى أرأيت مع كثرة استعمال هذه الكلمة نقلوا فتحتها إلى الساكن قبلها ، ثم خففوها بقلبها ألفا ، ثم حذفوها تخلصا من التقاء الساكنين ، قال سيبويه (ح ٢ ص ٢٤٤): «ولا يجوز الحذف أيضا فى تجزئة وتهنئة وتقديرهما تجزعة وتهنعة لأنهم ألحقوهما بأختيهما من بنات الياء والواو كما ألحقوا أرأيت بأقمت حين قالوا أريت» اه

١٦٤

بحذف الياء الأولى وإبدال الهاء منها ؛ لاستثقال الياء المشددة ، وقد جاء التشديد فى الضرورة كما فى قوله : ـ

٢١ ـ فهى تنزّى دلوها تنزيّا

كما تنزّى شهلة صبيّا (١)

وإنما قلنا «إن المحذوف ياء التفعيل» قياسا على تكرمة ؛ لأنه لم يحذف فيها شيء من الأصول ، ولأنها مدّة لا تتحرك ؛ فلما رأينا الياء فى نحو تعزية متحركة عرفنا أن المحذوف هو المدة ، فلو حذفت الثانية لزم تحريك المدة لأجل تاء التأنيث وأما إجازة واستجازة فأصلهما إجواز واستجواز أعلّ المصدر باعلال الفعل كما يجىء فى باب الإعلال ، فقلبت العين ألفا ، فاجتمع ألفان ، فحذفت الثانية عند الخليل وسيبويه ، قياسا على حذف مدة نحو تعزية ، ولكونها زائدة ، وحذفت الأولى عند الأخفش والفراء ؛ لأن الأول يحذف للساكنين إذا كان مدا ، كما فى قل وبع ، ويجىء احتجاجهم فى باب الإعلال في نحو مقول ومبيع ، وأجاز سيبويه عدم الإبدال أيضا ، نحو أقام إقاما واستجاز استجازا ، استدلالا بقوله تعالى (وَأَقامَ الصَّلاةَ) وخص الفراء ذلك بحال الإضافة ؛ ليكون المضاف إليه قائما مقام الهاء ، وهو أولى ؛ لأن السماع لم يثبت إلا مع الإضافة ، ولم يجوّز سيبويه حذف التاء من نحو التّعزية على حال ، كما جوز فى (إقام الصلاة) إذ لم يسمع.

قوله «وجاء كذّاب» هذا وإن لم يكن مطردا كالتّفعيل لكنه هو القياس كما مر فى شرح الكافية ، قال سيبويه : أصل تفعيل فعّال ، جعلوا التاء

__________________

(١) لم نقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين. وتنزى : تحرك ، وتنزيا مصدره. والشهلة : المرأة العجوز أو النصف. يقول : إن هذه المرأة تحرك دلوها لتملأها كما تحرك المرأة العجوز صبيها فى ترقيصها إياه ، والاستشهاد به على مجىء مصدر فعل من الناقص على التفعيل شذوذا من حيث الاستعمال

١٦٥

فى أوله عوضا من الحرف الزائد ، وجعلوا الياء بمنزلة ألف الإفعال ؛ فغيروا آخره كما غيروا أوله ، فان التغيير مجرىء على التغيير.

ولم يجىء فعّال فى غير المصدر إلا مبدلا من أول مضعّفه ياء نحو قيراط ودينار وديوان.

وأما المصدر فانه لم يبدل فيه ليكون كالفعل

وفعّال فى مصدر فعّل ، وفيعال وفعال فى فاعل ، وتفعّال فى تفعل ؛ وإن كانت قياسا لكنها صارت مسموعة لا يقاس على ما جاء (١) منها ، ولا يجىء فعال فيما فاؤه ياء للاستثقال ، فلا يقال يسار فى ياسر ، وفعال فى فاعل مقصور فيعال ، والياء فى مكان ألف فاعل

وأما كذاب ـ بالتخفيف ـ فى مصدر كذّب فلم أسمع به ، والأولى أن يقال فى قوله تعالى : (وكذبوا بآياتنا كذابا) فى قراءة التخفيف : إنه مصدر كاذب أقيم مقام مصدر كذّب ، كما فى قوله تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)

قوله «ومرّاء شاذ» يعنى بالتشديد ، والقياس مراء بالتخفيف (٢) ، وإنما

__________________

(١) يريد أن المستعمل من مصدر فعل ـ بالتضعيف ـ التفعيل كالتكليم والتسليم والتكبير ، وإن كان أصل القياس فيه على ما ذكر هو من الأصل الفعال ـ بكسر الفاء وتشديد العين ـ وأن المستعمل باطراد من مصدر فاعل المفاعلة كالمقاتلة والمضاربة والمماراة والمداراة والمياسرة وإن كان القياس هو الفيعال ـ بكسر الفاء ـ ومخففه الفعال ـ بكسر الفاء وتخفيف العين ـ وأن المستعمل من مصدر تفعل هو التفعل كالتقدم والتلكؤ والتأخر ؛ وإن كان القياس هو التفعال ، ولا يخفى أن كون المذكورات هى القياس إنما يجرى على أن للجميع قياسا واحدا ، والعجب منه ؛ فأنه قدم هنا قريبا أن الأولى أن يكون لكل باب قياس خاص فكيف عدل عن هذا الأولى

(٢) المراء ـ بالتخفيف ـ والمراء بالتشديد ، مصدر قولك ماريت الرجل أماريه إذا جادلته ، والمراء أيضا : الامتراء والشك

١٦٦

زادوا فى المصادر على الأفعال شيئا لأن الأسماء أخف من الأفعال ، وأحمل للأثقال.

قال : «ونحو التّرداد والتّجوال والحثّيثى والرّمّيّا للتّكثير»

أقول : يعنى أنك إذا قصدت المبالغة فى مصدر الثلاثى بنيته على التّفعال ، وهذا قول سيبويه ، كالتّهذار فى الهذر الكثير ، والتّلعاب والتّرداد ، وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد ، وقال الكوفيون : إن التّفعال أصله التّفعيل الذى يفيد التكثير ، قلبت ياؤه ألفا فأصل التكرار التّكرير ، ويرجّح قول سيبويه بأنهم قالوا التّلعاب ، ولم يجىء التلعيب ، ولهم أن يقولوا : إن ذلك مما رفض أصله ، قال سيبويه : وأما التّبيان فليس ببناء مبالغة ، وإلا انفتح تاؤه ، بل هو اسم أقيم مقام مصدر بيّن ، كما أقيم غارة وهى اسم مقام إغارة فى قولهم : أغرت غارة ، ونبات موضع إنبات ، وعطاء موضع إعطاء ، فى قولهم : أنبت نباتا ، وأعطى عطاء

قالوا : ولم يجىء تفعال ـ بكسر التاء ـ إلا ستة عشر اسما : اثنان بمعنى المصدر ، وهما التّبيان والتّلقاء ، ويقال : مرّتهواء من الليل : أى قطعة ، وتبراك وتعشار وترباع : مواضع ، وتمساح معروف ، والرجل الكذّاب أيضا ، وتلفاق : ثوبان يلفقان ، وتلقام : سريع اللقم ، وتمثال وتجفاف معروفان ، وتمراد : بيت الحمام ، وأتت الناقة على (١) تضرابها ، وتلعاب : كثير

__________________

(١) الذى فى سيبويه (ح ٢ ص ٢٤٧): «وقد يجىء الفعل يراد به الحين ؛ فاذا كان من فعل يفعل ـ بفتح العين فى الماضى وكسرها فى المضارع ـ بنيته على مفعل ـ بكسر العين ـ تجعل الحين الذى فيه الفعل كالمكان ، وذلك قولك أتت الناقة على مضربها ، وأتت على منتجها ؛ إنما تريد الحين الذى فيه النتاج والضراب» اه. وقال فى اللسان : «وناقة ضارب ضربها الفحل على النسب ، وناقة تضراب

١٦٧

اللعب ، وتقصار : للمخنقة (١) ، وتنبال : للقصير

وأما الفعّيلى فليس أيضا قياسيا ، فالحثّيثي والرّمّيّا والحجّيزى مبالغة التّحاثّ والترامى والتحاجز : أى لا يكون من واحد ، وقد يجىء منه ما يكون مبالغه لمصدر الثلاثى كالدّلّيلى والنّمّيمي والهجّيرى والخلّيفى : أى كثرة الدلالة ، والنميمة ، والهجر : أى الهذر ، والخلافة ، وأجاز بعضهم المد فى جميع ذلك ، والأولى المنع ، وقد حكى الكسائى خصّيصاء بالمد ، وأنكره الفراء

قال : «ويجىء المصدر من الثّلاثىّ المجرّد أيضا على مفعل قياسا مطّردا كمقتل ومضرب ، وأمّا مكرم ومعون ، ولا غيرهما ، فنادران حتّى جعلهما الفرّاء جمعا لمكرمة ومعونة ، ومن غيره على زنة المفعول كمخرج ومستخرج ، وكذا الباقى ، وأمّا ما جاء على مفعول كالميسور والمعسور والمجلود والمفتون فقليل ، وفاعلة كالعافية والعاقبة والباقية والكاذبة أقلّ»

أقول : قال سيبويه : لم يجىء فى كلام العرب مفعل ، يعنى لا مفردا ولا جمعا ، قال السيرافى : فقوله : ـ

٢٢ ـ بثين ، الزمى «لا» إنّ «لا» إن لزمته

على كثرة الواشين أىّ معون (٢)

__________________

بفتح التاء ـ كضارب. وقال اللحيانى : هى التى ضربت فلم يدر ألاقح هى أم غير لاقح» ولم نجد فى كتب اللغة تضرابا ـ بالكسر ـ ولا المثال على الوجه الذى ذكره المؤلف

(١) المخنقة : القلادة. سميت بذلك لأنها تلبس عند المخنق (كمعظم). وفى اللسان : «والتقصار والتقصارة ـ بكسر التاء ـ القلادة للزومها قصرة العنق (والقصرة بفتحات أصل العنق)»

(٢) البيت من قصيدة لجميل بن عبد الله بن معمر العذرى. وبثبين مرخم بثينة

١٦٨

أصله معونة ، فحذفت التاء للضرورة ، وكذا قوله : ـ

٢٣ ـ * ليوم روع أو فعال مكرم (١) *

وذهب الفراء إلى أنهما جمعان ، على ما هو مذهبه (٢) فى نحو تمر وتفّاح ، فيجيز مكرما ومعونا فى غير الضرورة ، فعند الفراء يجىء مفعل جمعا ، وقد جاء مهلك بمعنى الهلك ، ومألك ، وله أن يدعى فيهما أنهما جمعا مهلكة ومألكة ،

__________________

اسم حبيبته. يقول : إذا سألك الواشون عنى أو عن شىء يرتبط بى فلا تذكرى شيئا سوى كلمة لا ؛ فان هذه الكلمة إن لزمتها أكبر عون لك على رد كيدهم ، والشاهد فيه قوله معون بضم العين وأصله معون بسكونها وضم الواو ـ فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ، وهذا شاذ ، والقياس المعان ، وأصله معون فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ثم قبلت ألفا

(١) هذا بيت من الرجز المشطور من كلمة لأبى الأخزر الحمانى يمدح فيها مروان بن الحكم بن العاص ، وقد روى قبله :

نعم أخو الهيجاء فى اليوم اليمى

ويروى البيت الذى قبله :

مروان مروان لليوم اليمى

ويروى :

مروان مروان أخو اليوم اليمى

وقوله : اليمى : أصله اليوم ـ بفتح الياء وكسر الواو ـ كقولهم يوم أيوم وليلة ليلاء. ثم قدمت الميم على الواو ؛ فتطرفت الواو إثر كسرة فقلبت ياء ، وعلى الرواية الثالثة يجوز أن يكون أصله أخو اليوم اليوم ؛ على المبتدأ والخبر ؛ فقدم الميم بحركتها على الواو فقلبت ضمة الميم كسرة ثم قلبت الواو ياء لتطرفها حينئذ إثر كسرة. والروع : الفزع والخوف. والفعال ـ بفتح الفاء ـ الوصف حسنا أو قبيحا. والمكرم : الكرم ، وهو محل الشاهد فى البيت.

(٢) مذهب الفراء فى هذا هو مذهب الكوفيين ، وسياتى ايضاحه فى جمع التكسير

١٦٩

وجاء فى بعض القراءات (١) (فنظرة إلى ميسره)

قوله «قياسا مطردا» ليس على إطلاقه ؛ لأن المثال الواوى منه بكسر العين كالموعد والموجل ، مصدرا كان أو زمانا أو مكانا ، على ما ذكر سيبويه ، بلى إن كان المثال معتل اللام كان بفتح العين كالمولى ، مصدرا كان أو غيره ، قال سيبويه عن يونس : إن ناسا من العرب يقولون من يوجل ونحوه موجل وموحل بالفتح مصدرا كان أو غيره ، قال سيبويه : إنما قال الأكثرون موجل بالكسر لأنهم ربما غيروه فى يوجل ويوحل ، فقالوا : ييجل ، وياجل ، فلما أعلوه بالقلب شبهوه بواو يؤعد المعل بالحذف ، فكما قالوا هناك موعد قالوا ههنا موجل ، ومن قال الموجل بالفتح فكأنهم الذين يقولون : يوجل ، فيسلمونه ، والأسماء المتصلة بالأفعال تابعة لها فى الإعلال ، وإنما قالوا مودّة بالفتح اتفاقا لسلامة الواو فى الفعل اتفاقا

وقد يجىء فى الناقص المفعل مصدرا بشرط التاء كالمعصية والمحمية (٢)

__________________

(١) قال ابن جنى : «هذه القراءة قراءة مجاهد قال هو من باب معون ومكرم (بضم العين) وقيل : هو على حذف الهاء» اه وقال الجوهرى : «وقرأ بعضهم فنظرة إلى ميسره بالأضافة ، قال الأخفش : وهو غير جائز ؛ لأنه ليس فى الكلام مفعل ـ بضم العين ـ بغير الهاء : أما مكرم ومعون فهما جمع مكرمة ومعونة» اه والميسر : اليسر والسعة والغنى

(٢) تقول : عصى الرجل أميره يعصيه عصيا وعصيانا ومعصية ؛ إذا لم يطعه ، وتقول حمى الشىء حميا وحمى وحماية ومحمية ؛ إذا منعه ودفع عنه. قال سيبويه : «لا يجىء هذا الضرب على مفعل (بكسر العين) إلا وفيه الهاء ؛ لأنه إن جاء على مفعل بغيرهاء اعتل ؛ فعدلوا إلى الأخف» اه كلامه. وقوله اعتل يقصد أنه كان حينئذ يجرى عليه إعلال قاض فتحذف الياء للتخلص من التقاء الساكنين إن كان مرفوعا أو مخفوضا منونا.

١٧٠

وجاء فى الأجوف المعيشة ، قال سيبويه فى (حتى مطلع الفجر) بالكسر : أى طلوعه (١) ، ويجوز أن يقال : إنه اسم زمان : أى وقت طلوعه

__________________

(١) قال فى اللسان : «وأما قوله عزوجل (هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فان الكسائى قرأها بكسر اللام وكذلك روى عبيد عن أبى عمرو بكسر اللام ، وعبيد أحد الرواة عن أبى عمرو ، وقال ابن كثير ونافع وابن عامر واليزيدى عن أبى عمرو ، وعاصم وحمزة : هى حتى مطلع الفجر ـ بفتح اللام ـ قال الفراء : وأكثر القراء على مطلع (بالفتح). قال : وهو أقوى فى قياس العربية ؛ لأن المطلع بالفتح هو الطلوع ، والمطلع ـ بالكسر ـ هو الموضع الذى تطلع منه ؛ إلا أن العرب تقول : طلعت الشمس مطلعا فيكسرون وهم يريدون المصدر. وقال : إذا كان الحرف من باب فعل يفعل ؛ مثل دخل يدخل وخرج يخرج وما أشبهها آثرت العرب فى الاسم منه والمصدر فتح العين ؛ إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين فى مفعل : من ذلك (وذكر بعض ما ذكر المصنف من الأسماء) فجعلوا الكسر علامة للاسم ، والفتح علامة للمصدر. قال الأزهرى : والعرب تضع الأسماء مواضع المصادر ، ولذلك قرأ من قرأ (هى حتى مطلع الفجر) ؛ لأنه ذهب بالمطلع وإن كان اسما إلى الطلوع مثل المطلع (بالفتح) وهذا قول الكسائى والفراء ، وقال بعض البصريين : من قرأ مطلع الفجر ـ بكسر اللام ـ فهو اسم لوقت الطلوع. قال ذلك الزجاج. قال الأزهرى : وأحسبه قول سيبويه» اه كلامه. قال سيبويه (ج ٢ ص ٢٤٧) وأما ما كان يفعل منه مضموما فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا ولم يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس فى الكلام مفعل (بالضم) فلما لم يكن إلى ذلك سبيل ، وكان مصيره إلى إحدى الحركتين (الكسرة أو الفتحة) ألزموه أخفهما ، وذلك قولهم قتل يقتل وهذا المقتل (بالفتح) .... وقد كسروا المصدر فى هذا كما كسروا فى يفعل (بفتح العين) ، قالوا : أتيتك عند مطلع الشمس : أى عند طلوع الشمس ، وهذه لغة بنى تميم ، وأما أهل الحجاز فيفتحون ، وقد كسروا الأماكن فى هذا أيضا ، كأنهم أدخلوا الكسر أيضا كما أدخلوا الفتح» اه كلامه. وقال أبو سعيد السيرافى : ومن ذلك (يريد بناء المصدر على المفعل بالكسر) فيما ذكره سيبويه المطلع فى معنى الطلوع ، وقد قرأ الكسائى (حتى مطلع الفجر) ومعناه حتى طلوع الفجر ، وقال

١٧١

وقد جاء بالفتح والكسر محمدة ومذمّة ومعجز ومعجزة ومظلمة ومعتبة ومحسبة وعلق مضنّة (١) وبالضم والكسر المعذرة (٢) ، وبالفتح والضم الميسرة (٣)

__________________

بعض الناس المطلع (بالكسر) الموضع الذى يطلع فيه الفجر ، والمطلع (بالفتح) المصدر. والقول ما قال سيبويه ، لأنه لا يجوز إبطال قراءة من قرأ بالكسر ولا يحتمل إلا الطلوع ، لان حتى إنما يقع بعدها فى التوقيت ما يحدث ، والطلوع هو الذى يحدث ، والمطلع ليس بحادث فى آخر الليل ، لأنه الموضع» اه كلامه

(١) تقول : حمده يحمده ـ كعلم يعلم ـ حمدا كنصر ، ومحمدا ومحمدة ـ بالفتح فيهما ـ ومحمدا ومحمدة ـ بالكسر فيهما ـ وهما نادران. وتقول : ذمه يذمه ذما كمد مدا ومذمة ـ بفتح الذال ـ أى : عابه ، ولم نجد فى كتب اللغة من هذا المعنى مصدرا على مذمة بالكسر ، لكن فى القاموس واللسان أنه يقال : رجل ذو مذمة ـ بالفتح والكسر ـ ؛ إذا كان كلا وعبئا على الناس. وتقول : عجز عن الأمر ـ من بابى سمع وضرب ـ عجزا ومعجزا ومعجزة بكسر الجيم وفتحها فى الأخيرين. قال سيبويه :

«الكسر على النادر والفتح على القياس لأنه مصدر». وتقول : ظلمه يظلمه ـ من ياب ضرب ـ ظلما بالفتح والضم ، ومظلمة ـ بكسر اللام ـ ، إذا جار عليه ووضع أمره على غير موضعه ، ولم يذكر صاحبا اللسان والقاموس فتح اللام فيهما. وتقول عتب عليه يعتب ـ كيجلس ويخرج ـ عتبا وعتابا ومعتبا ـ بالفتح ـ ومعتبة ـ بالفتح والكسر ـ ، إذا لامه وسخط عليه ، وتقول : حسب الشىء يحسبه ـ بكسر عين المضارع وفتحها والكسر أجودهما ـ حسبانا ـ بكسر أوله ـ ومحسبة ـ بكسر السين أو فتحها ـ إذا ظنه ، والكسر نادر عند من قال فى المضارع يحسب بالفتح وأما عند من كسر عين المضارع فهو القياس. وتقول : هذا الشىء علق مضنة : أى هو شىء نفيس يتنافس فيه أى يضن به ، ويقال أيضا : هو عرق مضنة ، وذلك كما يقال : فلان علق علم وتبع علم وطلب علم ، الكل بكسر أوله وسكون ثانيه ، والمعنى أنه يعلق العلم ويتبع أهله ويطلبه. والضاد مكسورة أو مفتوحة.

(٢) العذر (بضم العين) والعذرة (بالكسر) والعذرى (بالضم) والمعذرة (بضم الذال وكسرها) الحجة التى يعتذر بها

(٣) اليسر ، واليسار ، والميسرة (بفتح السين وضمها) : السهولة والغنى. قال

١٧٢

وجاء بالتثليب مهلك ومهلكة ومقدرة ومأدبة (١)

وجاء بالكسر وحده المكبر والميسر والمحيض والمقيل والمرجع والمجيء والمبيت والمشيب والمعيب والمزيد والمصير والمسير والمعرفة والمغفرة والمعذرة والمأوية والمعصية والمعيشة (٢)

__________________

سيبويه : ليست الميسرة على الفعل ، ولكنها كالمسربة والمشربة فى أنهما ليستا على الفعل»

(١) تقول : هلك يهلك ـ كضرب يضرب ـ هلاكا وهلوكا ومهلكا ومهلكة (بتثليث اللام فيهما) وتهلكة بضم اللام ليس غير : أى مات. وتقول : قدر على الشىء يقدر ـ كجلس وخرج وفرح ـ قدرة ومقدرة (بتثليث الدال) وقدرانا (بكسر أوله) وقدارا وقدارة (بفتح أولهما ، وقد يكسر أول الأول) وقدورا وقدورة (بضم أولهما) : قوى عليه وتمكن منه. وتمثيل المؤلف بالمأدبة فى هذا الموضع غير صحيح لعدة وجوه : الوجه الأول أن المأدبة اسم لطعام يصنع لدعوة أو عرس وليس مصدرا. والوجه الثانى أنه ليس مثلث الدال ؛ حتى يسوغ له ذكره مع المثلثات. والوجه الثالث أنه غير مذهب كبار النحويين ؛ فان سيبويه قد نص فى كتابه (ح ٢ ص ٢٤٨) على أن المأدبة ليست مصدرا ولا مكانا ، وأنها كالمشربة التى هى اسم للغرفة ، والمسربة التى هى اسم لشعر الصدر. وقد كان خطر لنا أن هذه الكلمة محرفة عن المأربة بالراء المهملة فانها مثلثة الراء ويقال : أرب الرجل احتاج ، فان كانت المأربة المثلثه أحد مصادر هذا الفعل صح هذا الذى خطر لنا ، وإن كانت اسما كالأرب بمعنى الحاجة لم يتم ، وليس فى عبارة اللغويين نص على أحد الطريقين

(٢) تقول : كبر الرجل ـ كفرح ـ كبرا ـ كعنب ـ ومكبرا ـ كمنزل ـ ؛ إذا طعن فى السن. وتقول : يسر الرجل ييسر ـ كضر يضرب ـ أى لعب بالقداح ، والميسر : اللعب بالقداح ، أو هو الجزور التى كانوا يتقامرون عليها ، وعلى الثانى لا يصلح مثالا. وتقول : حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا ؛ إذا سال دمها ؛ فقول المؤلف : إنه بالكسر وحده غير صحيح ، وتقول : قال القوم يقيلون قيلولة وقيلا وقائلة ومقيلا ومقالا ؛ إذا ناموا نصف النهار ، والمقيل مصدر عن سيبويه ، ومما ذكرنا تعلم أن تمثيل المؤلف به لما جاء بالكسر وحده غير مستقيم.

١٧٣

فذو التاء المفتوح العين شاذ من جهة ، وكذا المكسور العين أو المضمومها بلا تاء ، وأما المكسورها أو المضمومها مع التاء فشاذ من وجهين

قوله «ومن غيره» أى : من غير الثلاثى المجرد فيصلح للمصدر والمفعول والزمان والمكان كالمدحرج والمقاتل والمحرنجم كما يجىء

الميسور : اليسر ، والمعسور : العسر ، والمجلود : الجلد : أى الصبر ، والمفتون :

الفتنة ، قال الله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) أى : الفتنة ، على قول ، وخالف (١)

__________________

قال فى القاموس : «رجع يرجع رجوعا ، ومرجعا ـ كمنزل ـ ومرجعة شاذان ؛ لأن المصادر من فعل يفعل (كضرب يضرب) إنما تكون بالفتح ، ورجعى ورجعانا بضمهما ، انصرف. ورجع الشىء عن الشىء وإليه رجعا ـ ومرجعا كمقعد ومنزل ـ صرفه ورده» اه. وتقول : جاء يجىء جيئا ومجيئا ، إذا أتى. قال فى اللسان : «والمجىء شاذ ، لأن المصدر من فعل يفعل (كضرب يضرب) مفعل بفتح العين ، وقد شذت منه حروف فجاءت على مفعل كالمجىء والمحيض والمكيل والمصير» اه. والعيب والعاب والمعاب والمعابة والمعيب : أن تصم الرجل ، وفعله عاب يعيب ، وهو لازم ومتعد ، ومن هذا تعلم أن اقتصار المؤلف على الكسر فيه غير مستقيم ، هذا ، وقد مثل المؤلف نفسه بالمعذرة لما جاء فيه الضم والكسر ؛ فكيف مثل به ههنا لما جاء بالكسر وحده ، وتقول : أوى له يأوى ـ كروى يروى ـ أوية وأية ومأوية ومأواة ، إذا رق له ورئى ، قال زهير :

بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا

ومنه تعلم تقصير المؤلف فى التمثيل به لما جاء بالكسر وحده

(١) قد ذكر المؤلف كما ذكر غيره فى هذه الآية وجهين ، والحقيقة أن فيها ثلاثة أوجه : الأول : أن الباء زائدة ، وأى مبتدأ ، والمفتون اسم مفعول بمعنى المجنون خبر المبتدأ ، والثانى : أن الباء أصلية بمعنى فى ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم والمفتون اسم مفعول أيضا بمعنى المجنون مبتدأ مؤخر. والثالث : أن الباء للملابسة والجار والمجرور خبر مقدم والمفتون مصدر بمعنى الجنون مبتدأ مؤخر. والمعنى الفتنة ملابسة لأى الفريقين من المسلمين والكفار

١٧٤

سيبويه غيره فى مجىء المصدر على وزن المفعول ، وجعل الميسور والمعسور صفة للزمان : أى الزمان الذى يوسر فيه ويعسر فيه ، على حذف الجار ، كقولهم : المحصول : أى المحصول عليه ، وكذا قال فى المرفوع والموضوع ، وهما نوعان من السير ، قال : هو السير الذى ترفعه الفرس وتضعه : أى تقويه وتضعفه ، وكذا جعل المعقول بمعنى المحبوس المشدود : أى العقل المشدود المقوى ، وجعل الباء فى (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) زيادة ، وقيل : بأيكم الجنى ، وهو المفتون ، والمجلود : الصبر الذى يجلد فيه : أى يستعمل الجلادة ، وأما المكروهة فالظاهر أنها ليست مصدرا ، بل هو الشىء المكروه ، والهاء دليل الاسمية ، وكذا المصدوقة : يقال : بيّن لى مصدوقة حاله : أى حقيقتها ، من قولهم : صدقنى (١) سنّ بكره : أى بيّن حاله التى صدقنيها.

قوله «وفاعلة كالعافية» تقول : عافانى الله معافاة وعافية ، وأما العاقبة فالظاهر أنه اسم فاعل لأنه بمعنى الآخر ، يقال : عقب الشىء [الشىء] أى : خلفه ، والهاء دليل الاسمية ، أو يقال : إنها صفة النهاية فى (٢) الأصل ، وأما

__________________

(١) هذا مثل من أمثال العرب. قال فى اللسان : «وفى المثل صدقنى سن بكره وأصله أن رجلا أراد بيع بكر له فقال للمشترى : إنه جمل ؛ فقال المشترى : بل هو بكر فبينماهما كذلك إذ ند البكر فصاح به صاحبه هدع (بكسر أوله وفتح ثانيه وآخره مبنى على السكون). وهذه كلمة يسكن بها صغار الابل إذا نفرت ، وقيل : يسكن بها البكارة خاصة ، فقال المشترى : صدقنى سن بكره» اه

(٢) كلام المؤلف فى هذه الكلمة مضطرب ، ولو كان نظم كلامه هكذا «وأما العاقبة فالظاهر أنه اسم فاعل ؛ لأنه بمعنى الآخر. يقال : عقب الشىء الشىء : أى خلفه ، والهاء للتأنيث. أو يقال : إنها صفة النهاية فى الأصل ثم صارت إسما لها. والهاء دليل الاسمية» لكان كلاما مستقيما ؛ فانه لا معنى لجعلها اسم فاعل مع كون الهاء دليل الاسمية ؛ إذا الهاء التى فى اسم الفاعل للفرق بين صفتى المذكر والمؤنث ، والهاء التى هى دليل الاسمية إنما يؤتى بها فى الوصف بعد نقله من معناه الأصلى إلى

١٧٥

الباقية فى قوله تعالى (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) فقيل : بمعنى بقاء ، ويجوز أن يكون بمعنى نفس باقية ، أو شىء باق ، والهاء للاسمية ، وكذا الفاضلة بمعنى الشىء الفاضل ، والهاء للاسمية ، أو العطية الفاضلة ، والكاذبة في قوله تعالى (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) قيل : بمعنى الكذب ، ويجوز أن يكون بمعنى نفس كاذبة : أى تكون النفوس فى ذلك الوقت مؤمنة صادقة ، والدالّة : الدلال والغنج ، هذا كله مع التاء ، قيل : وقد يوضع اسم الفاعل مقام المصدر ، نحو قم قائما : أى قياما ، كما يوضع المصدر مقام اسم الفاعل ، نحو رجل عدل وصوم ، ويجوز أن يكون قائما حالا مؤكدة ، وكذا فى قوله : ـ

٢٤ ـ * كفى بالنّأى من أسماء كاف (١) *

أى : كافيا ، كقوله : ـ

__________________

الاسم ، كقولهم : مقدمة وحقيقة. وبعد فاعلم أن كلمة العاقبة قد جاءت لثلاث معان : الأول المصدر. تقول : عقب الولد أباه يعقبه كنصره ينصره عقبا وعاقبة ، إذا خلفه. والثانى : اسم فاعل من هذا الفعل ، ومنه إطلاق العاقب على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه خلف جميع الرسل ، ومن أجل هذا كان الأخفش يقول : إن الهاء فى العاقبة للتأنيث. والثالث : أنها اسم لآخر الشىء مثل العقب ـ كنمر ـ والعقب ـ كفلس والعقبة والعقبى ـ بضم أولهما ـ والتاء حينئذ للنقل من الوصفية إلى الاسمية. ويدل على صحة ما ذهبنا إليه من اضطراب كلام المؤلف فى هذه الكلمة أن عبارته مستقيمة على الأوجه التى ذكرناها فى الكلمات التى بعد هذه الكلمة ، فقوله فى كلمة «الباقية» «فقيل بمعنى بقاء» إشارة إلى أنها مصدر ، وقوله «ويجوز أن يكون بمعنى نفس باقية» إشارة إلى أنها وصف والهاء للتأنيث ، ولهذا قدر الموصوف مؤنثا ، وقوله «أو شىء باق والهاء للاسمية» إشارة إلى أنها اسم.

(١) هذا صدر بيت لبشر بن أبى خازم أحد شعراء الجاهلية. وعجزه : ـ

وليس لنأيها إذ طال شافى

واستشهد به على أن قوله «كافى» اسم فاعل من كفاه يكفيه ، وهو منصوب على

١٧٦

٢٥ ـ * فلو أنّ واش باليمامة داره (١) *

فكما أن اسم المفعول فى قوله تعالى : (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ) بنصبهما حال مؤكدة ، لا بمعنى المصدر ، فكذا اسم الفاعل فيما نحن فيه. وقوله : ـ

٢٦ ـ ألم ترنى عاهدت ربّى وإننى

لبين رتاج قائم ومقام

على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما

ولا خارجا من فىّ زور كلام (٢)

قال سيبويه : معناه لا أشتم شتما ولا يخرج خروجا ، وقال عيسى بن عمر :

هو حال معطوف على الحال الذى هو «لا أشتم» أى غير شاتم ولا خارج ، كقوله تعالى : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) ولم يذكر ما عاهد الله عليه لدلالة الكلام ؛ لأنه كجواب القسم يحذف مع القرينة ، وعند سيبويه «لا أشتم» جواب «عاهدت»

قال : «ونحو دحرج على دحرجة ودحراج بالكسر ؛ ونحو زلزل على زلزال بالفتح والكسر»

__________________

الحال من النأى الذى هو فاعل كفى ، وقد عامل الشاعر المنقوص فى حالة النصب كما يعامله فى حالة الرفع والجر فحذف الياء

(١) هذا صدر بيت لمجنون بنى عامر المعروف بمجنون ليلى. وعجزه قوله :

* ودارى بأعلى حضرموت اهتدى ليا*

واستشهد به على أن العرب قد تعامل المنقوص فى حالة النصب كما تعامله فى حالة الرفع والجر ، فتحذف ياءه ، وذلك أن قوله «واش» اسم أن منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها إجراء المنصوب مجرى المرفوع.

(٢) هذان البيتان للفرزدق : همام بن غالب ، والشاهد فيه فى قوله «خارجا» فانه عند سيبويه مصدر حذف عامله ، وتقديره : لا أشتم مسلما الدهر ولا يخرج خروجا من فمى زور كلام ، وكان عيسى بن عمر يجعل خارجا اسم فاعل ، ويقول : إنما قوله «لا أشتم» حال ، فأراد عاهدت ربى فى هذه الحال وأنا غير شاتم ولا خارج من فمى زور كلام. وأيد ابن هشام ما ذهب إليه سيبويه.

١٧٧

أقول : قال سيبويه : الهاء فى دحرجة عوض من الألف الذى هو قياس مصادر غير الثلاثى المجرد قبل الآخر ، والفعللة هو المطرد دون الفعلال ، لا يقال : برقش (١) برقاشا ، وكذا الفعلال مسموع فى الملحق بدحرج غير مطرد ، نحو حيقال ، وكذا فى المضاعف ، ولا يجوز فى غير المضاعف فتح أول فعلال ؛ وإنما جاز ذلك فى المضاعف ـ كالقلقال (٢) والزّلزال والخلخال ـ قصدا للتخفيف ؛ لثقل التضعيف

ومصادر ما زيد فيه من الرباعى نحو تدحرج واحرنجام واقشعرار ، وأما اقشعرّ قشعريرة واطمأن طمأنينة فالمنصوبان فيهما اسمان واقعان مقام المصدر ، كما فى أنبت نباتا وأعطى عطاء.

قال : «والمرّة من الثّلاثىّ المجرّد الّذى لا تاء فيه على فعلة ، نحو ضربة وقتلة ، وبكسر الفاء للنّوع ، نحو ضربة وقتلة ، وما عداه على المصدر المستعمل ، نحو إناخة ، فإن لم تكن تاء زدتها ، ونحو أتيته إتيانة ولقيته لقاءة شادّ»

أقول : اعلم أن بناء المرة إما أن يكون من الثلاثى المجرد أو غيره ، والثلاثى المجرد إما مجرد عن التاء أولا

__________________

(١) ورد هذا الفعل لازما ، ومتعديا. تقول : برقش الرجل برقشة ، إذا ولى هاربا. وتقول : برقش الرجل الشىء ، إذا نقشه بألوان شتى.

(٢) تقول : قلقلت الشىء قلقلة ، وقلقالا (بكسر أوله وفتحه ، وضمه نادر) ، إذا حركته ، وقال فى اللسان : «فاذا كسرته فهو مصدر ، واذا فتحته فهو اسم متل الزلزال والزلزال». والذى فى القاموس : قلقل الشىء قلقلة وقلقالا (بالكسر ويفتح) حركه ، أو بالفتح الاسم ، وتقول : خلخل العظم ، إذا أخذ ما عليه من اللحم.

١٧٨

فالمجرد عنها تجعله على فعلة بفتح الفاء وحذف الزوائد إن كانت فيه ، نحو خرجت خرجة ودخلت دخلة

وذو التاء تبقيه على حاله ، نحو دريت دراية ونشدت (١) نشدة ، ولا تقول درية ونشدة ، كذا قال المصنف ؛ ولم أعثر فى مصنف على ما قاله ، بل أطلق المصنفون أن المرة من الثلاثى المجرد على فعلة ، قال سيبويه : إذا أردت الوحدة من الفعل جئت بها أبدا على فعلة على الأصل ؛ لأن أصل المصادر فعل ، هذا قوله ؛ والذى أرى أنك ترد ذا التاء أيضا من الثلاثى إلى فعلة ؛ فتقول : نشدت نشدة بفتح النون

وغير الثلاثى المجرد تخلّيه على حاله ، سواء كان رباعيا كد حرجة أو ذا زيادة كانطلاق وإخراج وتدحرج ، فان لم تكن فيه التاء زدتها ، نحو أكرمته إكرامة ، وإن كانت فيه تاء خليتها ، نحو عزّيته تعزية : أى واحدة ، والأكثر الوصف فى مثله بالواحدة لرفع اللبس ؛ نحو عزّيته تعزية واحدة ، ولو قلنا بحذف تلك التاء والمجىء بتاء الوحدة فلا بأس

واستدل سيبويه على أن أصل مصادر جميع الثلاثى متعديا كان أو لازما فعل بيناء الوحدة ، قال : لا شك أن الجنس من نحو تمرة وتفّاحة بحذف التاء ، فكان القياس أن يكون الجنس فى نحو خرجة ودخلة كذلك أيضا ، ونعنى بالجنس المصدر المطلق ، نحو خرج ودخل ؛ إلا أنهم تصرفوا فى مصادر الثلاثى بزيادة الحروف وتغيير التركيب لخفته ، دون الرباعى وذى الزيادة

ثم اعلم أنه إن جاء للرباعى وذى الزيادة مصدران أحدهما أشهر فالوحدة على

__________________

(١) تقول : نشد الضالة نشدا ونشدة ونشدانا (بكسر الأخيرين) إذا طلبها ، وإذا عرفها

١٧٩

ذلك الأشهر دون الغريب ، تقول : دحرج دحرجة واحدة ، ولا تقول دحراجة ، وكذا لا تقول قاتلت قتالة ، ولا كذبت كذّابة

وقد شذ فى الثلاثى حرفان لم تحذف منهما الزوائد ولم يردّا إلى بناء فعلة ، بل ألحق بهما التاء كما هما ، وهما إتيانة ولقاءة ، ويجوز أتية ولقية على القياس ، قال أبو الطيب :

٢٧ ـ لقيت بدرب القلّة الفجر لقية

شفت كمدى واللّيل فيه قتيل (١)

قوله «وما عداه» أى : ما عدا الثلاثى المجرد الخالى من التاء ، وهو ثلاثة :

الرباعى ، وذو الزيادة ، والثلاثى ذو التاء ، على ما ذهب إليه المصنف

قوله «فان لم تكن تاء» أى : فيما عداه

وقوله «وبكسر الفاء للنوع نحو ضربة» أى : ضربا موصوفا بصفة ، وتلك الصفة إما أن تذكر نحو «حسن الرّكبة» و «سييء الميتة» و «جلست جلسة حسنة» أو تكون معلومة بقرينة الحال ، كقوله : ـ

٢٨ ـ ها إنّ تاعذرة إن لم تكن نفعت

فإنّ صاحبها قد تاه فى البلد (٢)

__________________

(١) البيت من قصيدة طويلة لأبى الطيب المتنبى يمدح فيها سيف الدولة الحمدانى. وأولها :

ليالىّ بعد الظّاعنين شكول

طوال ، وليل العاشقين طويل

والظاعنين : أى الراحلين. وشكول : أى متشاكلة متشابهة. ودرب القلة. موضع وراء الفرات ، وأصل الدرب المضيق فى الجبال ، واستعمل فى كل مدخل إلى بلاد الروم وفى كل باب طريق واسع. وأصل القلة أعلى الجبل ، وذكر المؤلف لهذا البيت كذكره لأمثاله من شعر المتنبى وأبى تمام والبحترى وأبى العلاء ليس على سبيل الاستشهاد ولكنه للتمثيل

(٢) هذا البيت من قصيدة طويلة للنابغة الذبيانى ، ويروى عجزه هكذا :

* فإنّ صاحبها محالف النّكد*

١٨٠