شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

فى اشهيباب واغديدان واقعنساس : شهيبيب وغديدين وقعيسيس ، وحذف الهمزة لا بد منه لما ذكرنا ، ثم حذف الياء والنون أولى من حذف مضعف الأصلى ، وتقول في اعلوّاط عليّيط (١) ، بحذف الهمزة وإحدى الواوين ، وأصله عليويط ، وتقول فى اضطراب : ضتيريب ، برد الطاء إلى أصلها من التاء ؛ لأن جعلها طاء إنما كان لسكون الضاد ؛ فيكون التجاور إذن بين المطبقين ، أما إذا تحركت الضاد والحركة بعد الحرف ، كما ذكرنا ، فهى فاصلة بينهما ، ألا ترى أنك تقول حبطت بالتاء (٢) بعد الطاء لا غير ؛ فإذا أسكنت الطاء مع تاء المتكلم جاز عند بعض العرب أن تقلب التاء طاء فيقال : حبطّ كما يجىء فى باب الإدغام

قوله «وتحذف زيادات الرباعى كلها مطلقا غير المدة» إنما وجب حذفها إلا المدة ليتم بنية التصغير ، وإذا لم يكن من الحذف بد فالزائد [إن وجد] كان أولى بالحذف من الأصلى ، تقول فى مدحرج وفيه زائد واحد : دحيرج ، وفى محرنجم وفيه اثنان : حريجم ، وفى احرنجام وفيه ثلاثة : حريجيم ، بحذف الجميع ، إلا المدة ، وتقول فى قمحدوة وسلحفاة : قميحدة وسليحفة (٣) وفى منجنيق : مجينيق ،

__________________

(١) اعلواط : مصدر اعلوط البعير إذا تعلق بعنقه وعلاه أو ركبه بلا خطام أو عريا ، واعلوط فلانا : أخذه وحبسه ولزمه

(٢) حبط : جاء هذا الفعل من بابى سمع وضرب بمعنى بطل أو أعرض ، تقول : حبط عمله يحبط حبطا وحبوطا ، ومنه قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وتقول : حبط فلان عن فلان : أى أعرض ، وجاء من باب فرح ليس غير بمعنى انتفخ ؛ تقول : حبط البعير ، إذا أكل كلأ فأكثر منه فانتفخ بطنه ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم»

(٣) القمحدوة ـ بفتحتين فسكون فضم ـ العظم الناتىء فوق القفا خلف الرأس والسلحفاة ـ بضم أو كسر ففتح فسكون ـ ويقال سلحفية وسلحفاء ويقصر

٢٦١

بناء على زيادة النون الأولى بدليل (١) مجانيق ، وفى عنتريس ـ وهو الشديد ـ عتيريس بحذف النون ؛ لأنه من (٢) العترسة ، وهى الأخذ بشدة ، وفى خنشليل : (٣) خنيشيل ، لزيادة إحدى اللامين وعدم قيام دليل على زيادة النون ، وفى منجنين : (٤) منيجين ؛ لأن إحدى النونين الأخيرتين زائدة

__________________

وتسكن لامه : دابة من دواب الماء وتعيش فى البر يحيط بها من أعلى غطاء صدفى سميك لها أرجل قصار تسير بها على الأرض زحفا

(١) المنجنيق ـ بفتح الميم أو كسرها وسكون النون بعدها جيم مفتوحة ونون مكسورة ـ : أداة من أدوات الحرب ترمى بها الحجارة

(٢) العترسة الأخذ بالشدة وبالجفاء والعنف والغلظة ، والعتريس (كقنديل) الجبار الغضبان والغول الذكر والداهية ، والعترس (كجعفر) : العظيم الحسيم ، والعنتريس : الداهية أيضا ، والناقة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم ، وقد يوصف به الفرس ، قال فى اللسان «قال سيبويه : هو من العترسة التى هى الشدة ، لم يحك ذلك غيره» اه

(٣) الخنشليل ـ بفتحتين بينهما سكون ثم لام مكسورة ـ : السريع الماضى الجيد الضرب بالسيف ، والمسن من الناس والابل ، ويقال : ناقة خنشليل : أى طويلة ، قال صاحب اللسان : «جعل سيبويه الخنشليل مرة ثلاثيا وأخرى رباعيا فان كان ثلاثيا فخنشل مثله ؛ وإن كان رباعيا فهو كذلك» اه ، يريد أنك إن جعلته ثلاثيا فأصوله الخاء والشين واللام وتكون النون والياء وإحدى اللامين زوائد ويكون الخنشل من الثلاثى زيدت فيه النون للألحاق بجعفر (كعنبس وعنسل) ، وإن جعلته رباعيا فأصوله الخاء والنون والشين واللام ، والياء وإحدى اللامين زائدتان ويكون الخنشل كجعفر لا ملحقا به ، ويؤيد هذا أن صاحب القاموس ذكر الخنشليل مرتين : الأولى فى مادة خ ش ل على أنه من مزيد الثلاثى ، والثانية عقد له ترجمة خاصة خ ن ش ل على أنه من مزيد الرباعى

(٤) المنجنين ومثله المنجنون ـ بفتح فسكون ففتح ـ : السانية أى الدولاب التى

٢٦٢

لتكررها ، فحذفت الأولى دون الثانية ؛ لأنك لو حذفت الثانية أحوجت إلى حذف الياء أيضا ، وأيضا المسموع فى جمعه مناجين ، وكذلك تحذف الأولى من طمأنينة وقشعريرة ؛ فتقول : طميئينة وقشيعيرة ، وتقول فى عنكبوت : عنيكب ، وسمع الأصمعى عنيكبيت ، وهو شاذ ، وفى عيضموز وجحنفل (١) وعجنّس : عضيميز ، وجحيفل ، وعجينس

قال سيبويه فى تصغير إسماعيل وإبراهيم : سميعيل وبريهيم ، بحذف الهمزة ، ورد عليه المبرد بأن بعد الهمزة أربعة أصول ؛ فلا تكون الهمزة زائدة كما فى إصطبل على ما يجىء فى باب ذى الزيادة ، فاذن هما خماسيان ، فتحذف الحرف الأخير ؛ فتقول : أبيريه وأسيميع كشميريخ (٢) ، والقياس يقتضى ما قاله المبرد ، إلا أن المسموع من العرب ما قاله سيبويه ، كما روى أبو زيد وغيره عن العرب ، وحكى سيبويه عن العرب فى تصغيرهما تصغير الترخيم بريه وسميع ،

__________________

يستقى بها ؛ قال ابن برى : «هو رباعى الاصول ، ميمه أصلية وكذا النون التى تليها ، وهى مؤنثة وجمعها مناجين» اه ، وعلى هذا فوزن منجنون فعللول (كعضر فوط) والنون الأخيرة للتكرير ، ووزن منجنين فعلليل (كجعفليق) والنون الأخيرة للتكرير أيضا

(١) العيضموز ـ بفتح فسكون ففتح ـ : العجوز والناقة الضخمة والصخرة الطويلة العظيمة ، وقد وقع فى بعض النسخ «عضموز» بزنة عصفور وهو بضاد معجمة أو صاد مهملة ، وهو الدولاب أو دلوه ، ولكن لا محل لذكره فى هذا الموضع لان ليس مما اجتمع فيه زيادتان ، بل ولا هو مما فيه زيادة واحدة تحذف. وإنما زيادته تقلب ياء لكونها مدة قبل الآخر. والجحنفل ـ كسفرجل ـ الغليظ الشفة. والعجنس كسفرجل أيضا ـ : الجمل الضخم الصلب الشديد مع ثقل وبطء

(٢) شميريخ : تصغير شمراخ كقرطاس أو شمروخ كعصفور ، وهو الغصن الذى عليه البسر. وهو فى النخل بمنزله العنقود من الكرم

٢٦٣

وهو دليل على زيادة الميم فى إبراهيم واللام فى إسماعيل ؛ فتكون الهمزة فى الأول وبعدها ثلاثة أصول كما مر ؛ ولو لا السماع فى تصغير الترخيم لم نحكم بزيادة الميم واللام ؛ لأنهما ليستا مما يغلب زيادته فى الآخر

وأما إستبرق (١) فأصله أيضا أعجمى فعرب ، وهو بالفارسية إستبر [ه] ؛ فلما عرب حمل على ما يناسبه فى الأبنية العربية ، ولا يناسب من أبنية الاسم شيئا ، بل يناسب نحو استخرج ، أو تقول : يناسب نحو استخراج من أبنية الأسماء باجتماع الألف والسين والتاء فى الأول ، فحكمنا بزيادة الأحرف الثلاثة حملا له على نظيره ، ولا بد من حذف اثنتين من الحروف الزائدة ، فبقيّنا الهمزة لفضلها بالتصدر ، وليست بهمزة وصل كما كانت فى استخراج حتى تحذف ، فحذفنا السين والتاء ، وكذا تحذف الزيادة فى الخماسى مع الخامس الأصلى ، تقول فى قرعبلانة وقرطبوس (٢) : قريعبة وقريطب

قوله «ويجوز التعويض عن حذف الزائد» قال سيبويه : التعويض قول يونس ؛ فكل ما حذفت فى التصغير ، سواء كان أصليا كما فى سفرجل أو زائدا كما فى مقدّم ، يجوز لك التعويض منه بياء ساكنة قبل الآخر ، إن لم يكن فى المكبر حرف علة فى ذلك الموضع ، وإن كان كما فى احرنجام فلا تقدر على التعويض ؛ لاشتغال المحل بمثله

__________________

(١) الاستبرق : ما غلظ من الحرير. قال ابن الأثير : «وقد ذكرها الجوهرى فى برق على أن الهمزة والسين والتاء زوائد. وذكرها الأزهرى فى خماسى القاف على أن همزتها وحدها زائدة. وقال أصلها بالفارسية استفره ، وقال أيضا إنها وأمثالها من الألفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية ، وقال : هذا عندى هو الصواب» اه قال الزجاج : هو اسم أعجمى أصله بالفارسية استفره ونقل من العجمية إلى العربية ، وفى القاموس أنه معرب استروه

(٢) القرطبوس ـ بفتح القاف أو كسرها ثم راء ساكنة فطاء مهملة مفتوحة ـ : الداهية والناقة العظيمة الشديدة. والقرعبلانة : دويبه (انظر ص ١٠ ه‍ ١)

٢٦٤

قال «ويردّ جمع الكثرة لا اسم الجمع إلى جمع قلّته ؛ فيصغّر نحو غليمة فى غلمان ، أو إلى واحده ؛ فيصغّر ثمّ يجمع جمع السّلامة ، نحو غليّمون ودويرات»

أقول : قوله «لا اسم الجمع» قد عرفت فى شرح الكافية معنى اسم الجمع (١)

فاذا كان لفظ يفيد الجمعية : فان كان لفظه مفردا ، كاسم الجمع واسم الجنس ؛ فانه يصغر على لفظه ، سواء جاء من تركيبه واحد كراكب وركب ومسافر وسفر وراجل (٢) ورجل ، تقول : ركيب ، ورجيل ، وسفير ؛ أو لم يجىء ، نحو قويم ونفير ، فى تصغير قوم ونفر.

وكذا فى الجنس تقول : تمير وتفيفيح.

__________________

(١) سيأتى ذكر الفروق بين الجمع واسم الجمع واسم الجنس الجمعى فى آخر باب جمع التكسير فلا محل لذكرها هنا

(٢) يقال : رجل سفر وقوم سفر ـ بفتح السين وسكون الفاء ـ وسافرة وأسفار وسفار ـ بضم السين وتشديد الفاء ـ أى : ذوو سفر ، والسافر والمسافر واحد سفر من قولهم قوم سفر. ويقال : رجل الرجل رجلا (كفرح فرحا) فهو راجل ورجل (كعضد) ورجل (ككتف) ورجيل (كشهيد) ورجل (كضخم) ورجلان (كغضبان) ، إذا لم يكن له ظهر يركبه فى سفر ، وكما جاء الرجل (بسكون الجيم) وصفا للواحد جاء للكتير أيضا ، واختلف العلماء فيه حينئذ : فذهب سيبويه إلى أنه اسم جمع واحده راجل ، وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه جمع راجل ، ورجح الفارسى قول سيبويه ، وقال : لو كان جمعا ثم صغر لرد إلى واحده ثم جمع ، ونحن نجده مصغرا على لفظه ، وأنشد :

بنيته بعصبة من ماليا

أخشى ركيبا ورجيلا عاديا

٢٦٥

ومذهب الأخفش ـ وهو أن ركبا جمع راكب ، وسفرا جمع مسافر ـ يقتضى رد مثلهما إلى الواحد ، نحو رويكبون ومسيفرون ، وكذا يفعل.

وإن كان لفظه جمعا : فإما أن يكون جمع سلامة ؛ فهو يصغر على لفظه ، سواء كان للمذكر ، نحو ضويربون ، أو للمؤنث ، نحو ضويربات ؛ وإما أن يكون جمع تكسير ، وهو إما للقلة ، وهو أربعة : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ، وفعلة ، فتصغر على لفظها ، نحو أكيلب وأجيمال وأقيفزة وغليمة ؛ وإما للكثرة ، وهو ما عدا الأربعة ، ولا يخلو إما أن يكون له من لفظه جمع قلة ككلاب وأكلب وفلوس وأفلس ، أولا كدارهم ودنانير ورجال ؛ فالثانى يرد إلى واحده ويصغر ذلك الواحد ، ثم ينظر ، فإن كان ذلك الواحد عاقلا مذكر اللفظ والمعنى جمعته بالواو والنون لحصول العقل فيه أولا وعروض الوصف بالتصغير ، كرجيلون فى تصغير رجال ، وإن لم يكن عاقلا جمعته بالألف والتاء مذكراكان ككتيّيات فى كتب ، أو مؤنثا كقديرات فى قدور ، وكذا إن اتفق أن يكون عاقلا مؤنث اللفظ مذكر المعنى ، أو عاقلا مذكر اللفظ مؤنث المعنى ، فتقول فى جرحي وحمقى وحمر وعطاش فى المذكر : جريّحون وأحيمقون وأحيمرون وعطيشانون ، وفى المؤنث : جريّحات وحميقاوات وحميراوات وعطيشيات ، بجمع المصغرات جمع السلامة ، وإن لم يجز ذلك فى المكبرات ، وكذا تقول فى حوائض جمع حائض : حويّضات ، وإن لم تجمع حائضا جمع السلامة.

وأما فى القسم الأول ـ أى الذى له جمع قلة مع جمع الكثرة ـ فلك التخيير بين رد جمع كثرته إلى جمع قلته وتصغيره ، كتصغيرك كلابا وفلوسا على أكيلب وأفيلس ، وبين رد جمع كثرته إلى الواحد وتصغير ذلك الواحد ثم جمعه إما بالواو والنون أو بالألف والتاء ، كما فى ذلك القسم سواء.

٢٦٦

وإنما لم يصغر جمع الكثرة على لفظه لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد ؛ فمعنى عندى غليمة أى عدد منهم قليل ، وليس المقصود تقليل ذواتهم ، فلم يجمعوا بين تقليل العدد بالتصغير وتكثيره بابقاء لفظ جمع الكثرة ، لكونه تناقضا ، وأما أسماء الجموع فمشتركة بين القلة والكثرة ، وكذا جمع السلامة على الصحيح كما مضى (١) فى شرح الكافية ، فيصغر جميعها نظرا إلى القلة ، فلا يلزم التناقض ، ولم يصغر شيء من جموع الكثرة على لفظه إلا أصلان جمع أصيل (٢)

__________________

(١) الذى قاله فى شرح الكافية (ج ٢ ص ١٧٧) هو «قالوا : مطلق الجمع على ضربين قلة وكثرة والمراد بالقليل من الثلاثة إلى العشرة ، والحدان داخلان ، وبالكثير ما فوق العشرة ، قالوا : وجمع القلة من المكسر أربعة : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ، وفعلة ، وزاد الفراء فعلة (بفتح الفاء والعين) كقولهم : هم أكلة رأس : أى قليلون يكفيهم ويشبعهم رأس واحد ، وليس بشىء ، إذ القلة مفهومة من قرينة شبعهم بأكل رأس واحد لا من إطلاق فعلة ، ونقل التبريزى أن منها أفعلاء كأصدقاء ، وجمعا السلامة عندهم منها أيضا ، استدلالا بمشابهتهما للتثنية فى سلامة الواحد ؛ وليس بشىء ، إذ مشابهة شىء لشىء لفظا لا تقتضى مشابهته له معنى أيضا ، ولو ثبت ما نقل أن النابغة قال لحسان لما أنشده قوله :

لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى

و أسيافنا يقطرن من نجدة دما

قللت جفانك وسيوفك لكان فيه دليل على أن المجموع بالألف والتاء جمع قلة ، وقال ابن خروف : جمعا السلامة مشتركان بين القلة والكثرة ، والظاهر أنهما لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة والكثرة فيصلحان لهما» اه كلامه. وقد ذهب بعضهم إلى أن الاسم إن كان له جمع تكسير وجمع سلامة كالجفان والجفنات فجمع السلامة للقلة وجمع التكسير للكثرة ، وإن لم يكن له إلا جمع سلامة فجمع السلامة مشترك بين القلة والكثرة

(٢) الأصيل : العشى ، وهو ما بعد الزوال إلى الغروب ، وقيل : من زوال الشمس إلى الصباح. يجمع على أصل كرسل ، وأصلان كبعير وبعران ، وآصال وأصائل.

٢٦٧

تشبيها بعثمان ، فيقال : أصيلان ، وقد يعوض من نونه اللام فيقال أصيلال ، وهو شاذ على شاذ.

واجاز الكسائى والفراء تصغير نحو شقران وسودان جمع اشقر وأسود على لفظه ، نحو شقيران وسويدان.

وإن اتفق جمع كثرة ولم يستعمل واحده كعباديد وعباييد ، بمعنى متفرقات ، حقرته على واحده القياسى المقدر ثم جمعته جمع السلامة ، نحو عبيد يدون ، وعبيبيدون ، لأن فعاليل جمع فعلول أو فعليل أو فعلال (١)

__________________

قال السيرافى : إن كان اصيلان تصغير أصلان جمع أصيل فتصغيره نادر ؛ لأنه إنما يصغر من الجمع ما كان على بناء أدنى العدد ، وأبنية أدنى العدد أربعة أفعال وأفعل وأفعله وفعلة وليست أصلان واحدة منها ، فوجب أن يحكم عليه بالشذوذ ، وإن كان أصلان واحدا كرمان وقربان فتصغيره على بابه

(١) اختلفت كلمة سيبويه فى تصغير هذا الجمع (وهو جمع الكثرة الذى لم يستعمل واحده) ، والنسب إليه ، فذهب فى النسب إلى أنه ينسب إليه على لفظه مخافة أن يحدث فى لغة العرب شيئا لم يقولوه وذلك بأن يجىء بالواحد المقدر ، وذهب فى التصغير إلى أنه يجاء بالواحد المقدر ثم يصغر ويجمع جمع السلامة ، والفرق بين البابين مشكل ما دام الذى منعه من الرد إلى الواحد هو أن لا يقول على العرب ما لم يقولوه قال فى باب النسب (ح ٢ ص ٨٩): «وإن أضفت إلى عباديد قلت عباديدى ، لأنه ليس له واحد ، وواحده يكون على فعلول أو فعليل أو فعلال ، فاذا لم يكن له واحد لم تجاوزه حتى تعلم ؛ فهذا أقوى من أن أحدث شيئا لم تكلم به العرب» اه. وقال فى باب التصغير (ح ٢ ص ١٤٢): «وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل فى الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياسا ولا غير ذلك فتحقيره على واحد هو بناؤه اذا جمع فى القياس ، وذلك نحو عباديد ، فاذا حقرتها قلت : عبيديدون ، لأن عباديد إنما هو جمع فعلول أو فعليل أو فعلال ، فاذا قلت : عبيديدات فأياما كان واحدها فهذا

٢٦٨

وإن جاء بعض الجموع على واحد مهمل وله واحد مستعمل غير قياسى رد فى التصغير إلى المستعمل ، لا إلى المهمل القياسى ، يقال فى محاسن ومشابه : حسينات وشبيهات ، وفى العاقل المذكر : حسينون وشبيهون ، وكان أبو زيد يرده إلى المهمل (١) القياسى ، نحو محيسنون ومشيبهون ومحيسنات ومشيبهات ، قال يونس : إن من العرب من يقول فى تصغير سراويل : سريّيلات (٢) اعتقادا منه أنها

__________________

تحقيره» اه. ولعل الفرق بين البابين أنك فى باب النسب تحافظ على لفظ الواحد الذى قدرته مفردا لهذا الجمع فكنت تقول عبدادى أو عبديدى أو عبدودى ، فأما فى التصغير فانك لا تحافظ على هذا المفرد. بل تنطق بجمع التصحيح مصغرا بصورة واحدة فتقول عبيديدون وعبيديدات مهما فرضت المفرد ، ألا ترى أن تصغير عبداد أو عبدود أو عبديد هو عبيديد على كل حال ، هذا ، والعباديد والعبابيد كما فى القاموس الفرق من الناس والخيل الذاهبون فى كل وجه ، والآكام ، والطرق البعيدة. وفى اللسان «قال الأصمعى : يقال : صاروا عباديد وعبابيد : أى متفرقين ، وذهبوا عباديد كذلك إذا ذهبوا متفرقين ، ولا يقال : أقبلوا عباديد» اه ، وعلى هذا يكون عبيديدون للفرق من الناس وعبيديدات للفرق من الخيل أو للطرق أو الآكام.

(١) أبو زيد ينسب إلى الجمع الذى له واحد من لفظه غير قياسى على لفظه فيقول فى محاسن محاسنى ، وفى ملامح ومشابه ومذاكير وأباطيل وأحاديث : ملامحى ومشابهى ومذاكيرى وأباطيلى وأحاديثى ، فأى فرق بين التصغير والنسب ، وهلا صغر على لفظه ههنا كما نسب إلى لفظه إذا كان يريد ألا يحدث فى كلام العرب ما لم يقولوه

(٢) لا خلاف بين العلماء فى أن سراويل كلمة أعجمية عربت ، وإنما الخلاف بينهم فى أنها مفرد أو جمع ؛ فذهب سيبويه إلى أنها مفرد ، وذهب قوم إلى أنها جمع من قبل أن هذه الصيغة خاصة بالجمع فى العربية فمثلها مثل سرابيل فالواحد سروال أو سروالة كما كان واحد السرابيل سربالا ، والذى يظهر من كلام المؤلف أنه فهم من كلام يونس أنه يذهب إلى أن سراويل جمع فى اللفظ وإن كان مسماه واحدا

٢٦٩

جمع سروالة ، لأن هذه الصيغة مختصة بالجمع ، فجعل كل قطعة منها سروالة ، قال :

٣٩ ـ عليه من الّلؤم سروالة (١)

ومن جعلها مفردا ـ وهو الأولى ـ قال : سريّيل أو سريويل ، وقد شذّ عن القياس بعض الجموع ، وذلك كما فى قوله : ـ

٤٠ ـ قد رويت إلّا الدّهيد هينا

قليّصات وأبيكرينا (٢)

والدّهداه صغار الإبل ، وجمعه دهاديه ، والأبيكر مصغر الأبكر جمع البكر فكان القياس دهيدهات وأبيكرات

__________________

(١) هذا صدر بيت من المتقارب لا يعلم قائله حتى ذهب جماعة من العلماء إلى أنه مصنوع ، وعجزه : ـ

* فليس يرقّ لمستعطف*

واللؤم : الشح ودناءة الآباء ، ويرق : مضارع من الرقة ، وهى انعطاف القلب. وقد أنشد المؤلف هذا الشاهد دليلا على أن السراويل جمع واحده مستعمل وهو سروالة

(٢) هذا بيت من الرجز لم يعرف قائله ، وقد أنشده أبو عبيد فى الغريب المصنف وقبله.

يا وهب فابدأ ببنى أبينا

ثمّت ثنّ ببنى أخينا

وجيرة البيت المجاورينا

قد رويت .... الخ

إلّا ثلاثين وأربعينا

قليّصات ..... الخ

ومنه تعلم أن الشاهد الذى ذكره المؤلف ليس مرتبا على ما ذكر. وقد أنشد البيت شاهدا على أن قوله الدهيدهين وقوله أبيكرين شاذان من قبل أن الأول تصغير دهاديه ، وهو جمع ما لا يعقل ، فكان قياسه دهيدهات على ما قال ، وأن الثانى تصغير أبكر وهو جمع بكر فكان حقه أبيكرات على ما قال ، وقوله «فكان القياس دهيدهات» ليس بصواب ، والقياس دهيديهات لأن الدهاديه جمع دهداه ، وهو على خمسة أحرف

٢٧٠

وإذا حقرت السنين والأرضين قلت : سنيّات وأريضات ؛ لأن الواو والنون فيهما عوض من اللام الذاهبة فى السنة والتاء المقدرة فى أرض ، فترجعان فى التصغير ، فلا يبدل منهما ، بل يرجع جمعهما إلى القياس ، وهو الجمع بالألف والتاء ، وإذا جعلت نون سنين معتقب الإعراب من غير علمية صغرته على سنيّن ؛ إذ هو كالواحد فى اللفظ ، وكان الزجاج يرده إلى الأصل فيقول سنيّات أيضا ، نظرا إلى المعنى ، إذ هو مع كون النون معتقب الاعراب جمع من حيث المعنى ، ولا يجوز جعل نون أرضين من دون العلمية معتقب الاعراب ، لأنها إنما تجعل كذلك في الشائع ؛ إما فى الذاهب اللام ، أو فى العلم ، كما تبين فى شرح الكافية فى باب الجمع (١)

وإذا سميت رجلا أو امرأة بأرضين فان جعلت النون معتقب الاعراب فتصغيره

__________________

رابعها مد ، فالقياس فى مثله أن تقلب المدة ياء ولا تحذف ، وقوله «وأبيكرات» ليس بصواب أيضا ، لأن الأبكر جمع القلة لبكر كنهر وأنهر ، والقياس فى مثله أن يصغر على لفظه ولا تلحق به علامة جمع التصحيح ، فيقال : أبيكر ، كما يقال أنيهر وأفيلس ، ولهذا الذى لاحظناه على عبارته تجده قد ذكر فى شرح الكافية عن البصريين غير ما ذكره ههنا ، قال (ج ٢ ص ١٧١): «وأبيكرون جمع أبيكر تصغير أبكر مقدرا كأضحى عند البصريين ؛ فهو شاذ من وجهين : أحدهما : كونه بالواو والنون من غير العقلاء ، والثانى : كونه جمع مصغر لمكبر مقدر ، وهو عند الكوفيين جمع تصغير أبكر جمع بكر ، فشذوذه من جهة جمعه بالواو والنون فقط كالدهيدهين» اه فالذى ذكره هنا هو مذهب الكوفيين وقد عرفت ملاحظتنا عليه

(١) هذا الذى ذكره المؤلف من الاقتصار فى لزوم الياء وجعل الاعراب بحركات على النون على جمع محذوف اللام كسنين وبنين وثبين وعلى ما صار علما من الجموع كفلسطين وما ألحق بها كأربعين هو مذهب جمهور النحاة وهو الذى قرره المؤلف فى شرح الكافية (ج ٢ ص ١٧٢) وقد ذهب الفراء إلى أن جعل الاعراب بحركات على

٢٧١

كتصغير حمصيصة (١). تقول : أريضين ؛ منصرفا فى المذكر غير منصرف فى المؤنث ، وإن لم تجعله معتقب الإعراب لم ترده أيضا فى التحقير إلى الواحد ، إذ ليس جمعا وإن أعرب باعرابه ، كما أنك إذا صغرت مساجد علما قلت : مسيجد ، ولا ترده إلى الواحد ثم تجمعه ، فلا تقول : مسيجدات ؛ فتقول : أريضون رفعا ؛ وأريضين نصبا وجرا.

وأما إن سميت بسنين رجلا أو أمرأة ولم تجعل النون معتقب الاعراب رددته إلى واحده ؛ لأن علامة الجمع إذن باقية متصلة باسم ثنائى ، ولا يتم بها بنية التصغير كما تمت فى أريضون ، فترد اللام المحذوفة ، ولا تحذف الواو والنون لأنهما وإن كانتا عوضا من اللام المحذوفة فى الأصل إلا أنهما صارتا بالوضع العلمى جزأ من العلم ، فتقول : سنيّون رفعا ، وسنيين نصبا وجرا

وإن جعلتها مع العلمية معتقب الإعراب قلت سنيّين منصرفا فى المذكر غير منصرف فى المؤنث ، ولا يخالف الزجاج ههنا كما خالف حين جعلت النون متعقب الإعراب بلا علمية ؛ لأن اللفظ والمعنى فى حال العلمية كالمفرد مع جعل النون معتقب الإعراب فكيف يرد إلى الواحد!؟

__________________

النون مع لزوم الياء مطرد فى جمع المذكر السالم وما حمل عليه وعلى هذا جاء قول الشاعر :

ربّ حىّ عرندس ذى طلال

لا يزالون ضاربين القباب

وعلى هذا يصح أن تجعل النون معتقب الاعراب فى أرضين كما كان ذلك جائزا فى سنين.

(١) الحمصيصة (بفتح أوله وثانيه وكسر ثالثه) : بقلة رملية حامضة وقد تشدد ميمها وهى واحدة الحمصيص

٢٧٢

قوله «إلى جمع قلته» ، يعنى إن كان له جمع قلة فأنت مخير بين الرد إليه والرد إلى واحده ، وإن لم يكن له ذلك تعين الرد إلى واحده

قوله «غليّمون» أى فى العاقل ، «ودويرات» أى فى غيره ، وغليمون تصغير غلمان ، ودويرات تصغير دور ، وكلاهما مما جاء له جمع قلة وهو غلمة وأدؤر.

والمركب يصغر صدره ، مضافا كان أولا ، نحو أبىّ بكر ، وأميمة عمرو ، ومعيديكرب ، وخميسة عشر ، وذهب الفراء فى المضاف إذا كان كنية إلى تصغير المضاف إليه ، احتاجا بنحو أمّ حبين وأبى الحصين (١) ، وقوله : ـ

٤١ ـ أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس (٢)

قال : «وما جاء على غير ذلك كأنيسيان وعشيشية وأغيلمة وأصيبية شاذّ»

__________________

(١) أم حبين : دويبة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن ، وقيل : هى أنثى الحرباء ، وقد روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رأى بلالا وقد عظم بطنه فقال له مازحا : «أم حبين» يريد تشبيهه بها فى عظم بطنه. وأبو الحصين : كنية الثعلب ، ويقال له أيضا : أبو الحصن ، كما قالوا : أم عوف وأم عويف لدويبة

(٢) هذا البيت نسبه فى اللسان للمرار الأسدى ، ويقال هو للمرار الفقعسى. والعلاقة : الحب. وأم الوليد (بضم الواو وفتح اللام وتشديد الياء) تصغير أم الوليد وهو محل الشاهد حيث صغر العجز ، ولو صغر الصدر لقال : أميمة الوليد. والأفنان : جمع فنن وأصله الغصن من الشجرة ، وأراد به ههنا خصل شعر الرأس. والثغام (بزنة سحاب) قال أبو عبيد : هو نبت أبيض الثمر والزهر يشبه بياض الشيب به ، قال حسان بن ثابت :

إمّا ترى رأسى تغيّر لونه

شمطا فأصبح كالثّغام الممحل

والمخلس : اسم فاعل من أخلس النبات ، إذا كان بعضه أخضر وبعضه أبيض وكذلك يقال : أخلس رأسه ، إذا خالط سواده بياضه

٢٧٣

قياس إنسان أنيسين كسريحين فى سرحان ؛ فزادوا الياء فى التّصغير شاذا فصار كعقيربان كما ذكرنا فى أول الباب ، ومن قال إن إنسانا إفعان من نسى ـ كما يجيء فى باب ذى الزيادة ـ فأنيسيان قياس عنده (١)

__________________

(١) قال فى اللسان : «الانسان أصله إنسيان (بكسر الهمزة) ، لأن العرب قاطبة قالوا فى تصغيره : أنيسيان ، فدلت الياء الأخيرة على الياء فى تكبيره ، إلا أنهم حذفوها لما كثر الناس فى كلامهم ، وفى حديث ابن صياد قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم : انطلقوا بنا إلى أنيسيان قد رابنا شأنه ؛ وهو تصغير إنسان جاء شاذا على غير قياس ، وقياسه أنيسان. قال : وإذا قالوا : أناسين فهو جمع بين مثل بستان وبساتين ، وإذا قالوا أناسى كثيرا فخففوا الياء أسقطوا الياء التى تكون فيما بين عين الفعل ولامه ؛ مثل قراقير ، وقراقر ، ويبين جواز أناسى بالتخفيف قول العرب أناسية كثيرة ، والواحد إنسى ، وأناسى إن شئت ، وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : إنما سمى الانسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسى ؛ قال أبو منصور : إذا كان الانسان فى الأصل إنسيانا فهو إفعلان من النسيان ، وقول ابن عباس حجة قوية له ، وهو مثل ليل إضحيان من ضحى يضحى (كرضى يرضى) وقد حذفت الياء فقيل إنسان ..... قال الأزهرى : وإنسان فى الأصل إنسيان وهو فعليان من الأنس والألف فيه فاء الفعل وعلى مثاله حرصيان : وهو الجلد الذى يلى الجلد الأعلى من الحيوان ؛ سمى حرصيانا لأنه يحرص : أى يقشر ، ومنه أخذت الحارصة من الشجاج ، يقال : رجل حذريان إذا كان حذرا. قال الجوهرى : وتقدير إنسان فعلان ، وإنما زيد فى تصغيره ياء كما زيد فى تصغير رجل فقيل رويجل. وقال قوم : أصله إنسيان على إفعلان فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما يجرى على ألسنتهم ، فاذا صغروه ردوها لأن التصغير لا يكثر» اه. قال ابن سيده فى المخصص (ج ١ ص ١٦): «إنسان عند مشتق من أنس ؛ وذلك أن أنس الأرض وتجملها وبهاءها إنما هو بهذا النوع الشريف اللطيف المعتمر لها والمعنى بها ؛ فوزنه على هذا فعلان (بكسر فسكون). وقد ذهب بعضهم إلى أنه إفعلان من نسى ؛ لقوله تعالى

٢٧٤

وعشيشيه تصغير عشيّة ، والقياس عشيّة ، بحذف ثالثة الياآت كما فى معيّة ، وكأن مكبر عشيشية عشّاة ، تجعل أولى ياءى عشيّة شينا مفتوحة فتدغم الشين في الشين وتنقلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وكذا قالوا فى تصغير عشىّ : عشيشيان ، وكأنه تصغير عشيّان ، وقد صغروا عشيّا أيضا على عشيّانات ، كأن كل جزء منها عشى ؛ فعشيّانات جمع عشيشيان على غير القياس ، كما أن عشيشيانا تصغير عشى على غير القياس (١)

__________________

(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) ولو كان كذلك لكان إنسيانا ولم تحذف الياء منه لأنه ليس هنالك ما يسقطها ، فأما قولهم : أناسى فجمع إنسان ، شابهت النون الألف لما فيها من الخفاء ، فخرج جمع إنسان على شكل جمع حرباء ، وأصلها أناسين وليس أناسى جمع إنسى كما ذهب إليه بعضهم لدلالة ما ورد عنهم من قول رويشد. أنشده أبو الفتح عثمان بن جنى : ـ

أهلا بأهل وبيتا مثل بيتكم

وبالأناسين أبدال الأناسين

قال : ياء أناسى الثانية بدل من هذه النون ، ولا تكون نون أناسين هذه بدلا من ياء أناسى كما كانت نون أثانين بدلا من ياء أثانى جمع أثناء التى هى جمع الأثن بمعنى الاثنين لأن معنى الأثانين ولفظها من باب ثنيت والياء هنا لام البتة فهى ثم ثابتة وليست أناسين مما لامه حرف علة ، وإنما الواحد إنسان فهو إذن كضبعان وضباعين وسرحان وسراحين» اه

(١) العشى والعشية : ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها ، وقيل من زوال الشمس إلى الصباح ، وقيل آخر النهار ، وقال الليث : العشى بغيرهاء ، آخر النهار ، فاذا قلت عشية فهو ليوم واحد ، يقال : لقيته عشية يوم كذا وكذا ، ولقيته عشية من العشيات وقيل العشى والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة. قال فى اللسان : «وتصغير العشى عشيشيان على غير القياس ، وذلك عند شفى وهو آخر ساعة من النهار ، وقيل تصغير العشى عشيان على غير قياس مكبره كأنهم صغروا عشيانا (بفتح فسكون) والجمع عشيانات ، ولقيته عشيشية ، وعشيشيات ، وعشيشيانات ، وعشيانات ، كل ذلك

٢٧٥

وكذا قالوا فى تصغير مغرب : مغيربان ، ثم جمعوا فقالوا : مغيربانات ، وهذا جمع قياسى لتصغير غير قياسى ، وكأنهم جعلوا كل جزء منه مغربا ، كقولهم : بغير أصهب العثانين (١)

__________________

نادر ، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس ، وفى حديث جندب الجهنى فأتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية. قال : هى تصغير عشية على غير قياس أبدل من الياء الوسطى شين كأن أصله عشيية (بثلاث ياءات) وحكى عن ثعلب أتيته عشيشة وعشيشيانا وعشيانا. قال : ويجوز فى تصغير عشية عشية وعشيشية ، قال الأزهرى : كلام العرب فى تصغير عشية عشيشية جاء نادرا على غير قياس ، ولم أسمع عشية فى تصغير عشية ، وذلك أن عشية تصغير العشوة وهو أول ظلمة الليل فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير العشية وبين تصغير العشوة» اه ، وقول المؤلف : «وكأن مكبر عشيشية عشاة» بفتح العين وتشديد الشين ـ وهذا الذى ذكره هو قول النحاة ، قال ابن يعيش : «وأما عشيشية فكأنه تصغير عشاة ، فلما صغر وقعت ياء التصغير بين الشينين ثم قلبت الألف ياء لانكسار ما قبلها ، فصار عشيشية» اه وقد سمعت فى كلام صاحب اللسان ما يخالف هذا ، وفى كل من الوجهين شذوذ ؛ فما ذكره المؤلف فيه تقدير مكبر غير مسموع فى اللغة ، وما ذكره صاحب اللسان فيه إبدال الياء شينا وهو إبدال شاذ فى اللغة. ومثل هذا تماما ما ذكره المؤلف فى تصغير عشى على عشيشيان. وقول المؤلف «وقد صغروا عشيا أيضا على عشيانات» غير مستقيم وذلك لأنه يفيد أن عشيانات تصغير العشى الواحد بتقدير أن كل جزء منه عشى ، وقد سمعت عن اللسان أن عشيانات جمع عشيان الذى هو مصغر عشى ، وهو كلام واضح ، ومنه تعلم أيضا أن قول المؤلف «فعشيانات جمع عشيشيان على غير القياس» كلام غير مستقيم أيضا ، بل العشيانات جمع العشيان الذى هو تصغير عشى ، فالتصغير شاذ واجمع مطابق للقياس فافهم

(١) العثانين جمع عثنون (كعصغور) : وهو شعيرات طوال تحت حنك البعير جعلوا كل واحدة منها عثنونا فجمعوها على عثانين. وصهبتها أن يحمر ظاهرها وباطنها أسود

٢٧٦

وأصيلان شاذ أيضا ، لكونه تصغير جمع الكثرة على لفظه ، كما ذكرنا ، كأنهم جعلوا كل جزء منه أصيلا ، وأصيلال شاذ على شاذ ، والقياس أصيلّات

وقالوا فى بنون : أبينون ، والقياس بنيّون كما مر فى شرح الكافية فى باب الجمع (١)

وقالوا فى تصغير ليلة لييلية بزيادة الياء كما فى أنيسيان ، وكأنه تصغير ليلاة ، قال :

٤٢ ـ * فى كلّ يوم مّا وكلّ ليلاه (٢) *

وعليه بنى اللّيالى

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٧٠): «الشاذ من جمع المذكر بالواو والنون كثير ، منها أبينون ، قال :

زعمت تماضر أنّنى إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتى

وهو عند البصريين جمع أبين وهو تصغير أبنى مقدرا على وزن أفعل مأضحى فشذوذه عندهم لأنه جمع لمصغر لم يثبت مكبره ، وقال الكوفيون : هو جمع أبين ، وهو تصغير أبن مقدرا ، وهو جمع ابن ، كأدل فى جمع دلو ، فهو عندهم شاذ من وجهين : كونه جمعا لمصغر لم يتبت مكبره ، ومجىء أفعل فى فعل ، وهو شاذ كأجبل وأزمن. وقال الجوهرى : شذوذه لكونه جمع أبين تصغير ابن بجعل همزة الوصل قطعا. وقال أبو عبيد : هو تصغير بنين على غير قياس» اه

(٢) هذا بيت من مشطور الرجز لم نعثر على قائله ، وبعده :

حتّى يقول كلّ راء إذ رآه

ياويحه من جمل ما أشقاه

والظاهر أن المعنى أنه يعمل جمله فى جميع أوقات الليل والنهار من كل يوم وكل ليلة حتى يرثى له كل من رآه ويترحم عليه قائلا ويحه ما أشقاه ، و «ما» فى قوله «فى كل يوم ما» زائدة ، وقد أنشد المؤلف البيت شاهدا على وجود ليلاة التى بمعنى ليلة ، وهى التى صغرت على ليلية بقلب ألفها ياء لوقوعها بعد الكسرة ، فلما أرادوا تصغير ليلة استغنوا عنه بتصغير ليلاة لكونهما بمعنى واحد كما أنهم حينما أرادوا

٢٧٧

وقالوا فى تصغير رجل : رويجل ، قيل : إن رجلا جاء بمعنى راجل ، قال : ـ

٤٣ ـ أما أقاتل عن دينى على فرسى

وهكذا رجلا إلّا بأصحاب (١)

أى : راجلا ، فرويجل فى الأصل تصغير راجل الذى جاء بمعناه رجل ، فكأنه تصغير رجل بمعنى راجل ، ثم استعمل فى تصغير رجل مطلقا ، راجلا كان أولا

فان سميت بشىء من مكبرات هذه الشواذ ثم صغرته جرى على القياس المحض ، فتقول فى إنسان وليلة ورجل أعلاما : أنيسين ورجيل ولييلة ، إذ العلم وضع ثان وأغيلمة وأصيبية فى تصغير (٢) غلمة وصبية شاذّان أيضا ، والقياس غليمة وصبيّة ، ومن العرب من يجىء بهما على القياس

__________________

تكسير ليلة استغنوا بتكسير ليلاة فقالوا : ليال ، كما فى قوله تعالى (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ) وهذا كقولهم أهال فى تكسير أهل ، وإنما هو تكسير أهلات

(١) هذا بيت من البسيط قائله حيى بن وائل ، وكان قد أدرك قطرى بن الفجاءة الخارجى أحد بنى مازن ، وقد رواه أبو زيد فى نوادره (ص ٥) وذكر بعده بيتا آخر ، وهو قوله :

لقد لقيت إذا شرّا وأدركنى

ما كنت أزعم فى خصمى من العاب

وقد وقع فى النوادر رواية عجز بيت الشاهد* ولا كذا رجلا إلا بأصحابى* وروى عن أبى الحسن رواية صدر البيت :

* أما أقاتلهم إلّا على فرس*

وأما بتخفيف الميم وفتح الألف. ورجلا معناه راجلا ، كما يقول العرب : جاءنا فلان حافيا رجلا : أى راجلا ، كأنه قال : أما أقاتل فارسا ولا كما أنا راجلا إلا ومعى أصحابى ، فلقد لقيت إذن شرا : أى إنى أقاتل وحدى ، يريد أنه يقاتل عن دينه وعن حسبه وليس تحته فرس ولا معه أصحاب. والعاب : العيب

(٢) فى جميع النسخ التى رأيناها المخطوطة منها والمطبوعة قوله (فى جمع غلمة وصبية) وهو تحريف ظاهر ، والصواب ما أثبتناه

٢٧٨

قال : «وقولهم أصيغر منك ودوين هذا وفويقه لتقليل ما بينهما»

أقول : قوله «أصيغر منك» اعلم أن المقصود من تحقير النعوت ليس تحقير الذات المنعوت غالبا ، بل تحقير ما قام بها من الوصف الذى يدل عليه لفظ النعت ، فمعنى ضويرب ذو ضرب حقير ، وقولهم أسيود وأحيمر وأصيفر أى ليست هذه الألوان فيه تامة ، وكذا بزيزيز وعطيطير (١) أى الصنعتان فيهما ليستا كاملتين ، وربما كانا كاملين فى أشياء أخرى ، وقولك «هو مثيل عمرو» : أى المماثلة بينهما قليلة ، فعلى هذا معنى «أصيغر منك» أى زيادته فى الصغر عليك قليلة ، وكذا «أعيلم منك» و «أفيضل منك» ونحوه ، لأن أفعل التفضيل ما وضع لموصوف بزيادة على غيره فى المعنى المشتق هو منه ، وقد تجىء لتحقير الذات كما فى قول على «يا عدىّ نفسه»

وأما تحقير العلم نحو زيد وعمرو فلمطلق التحقير ، وكذا فى الجنس الذى ليس بوصف كرجل وفرس ، ولا دليل فيه على أن التحقير إلى أى شىء يرجع إلى الذات أو الصفة أو إليهما

قوله «ودوين هذا ، وفويقه» ، قد ذكرنا حقيقة مثله فى أول باب التحقير

قال : «ونحو ما أحيسنه شاذّ ، والمراد المتعجّب منه»

أقول : عند الكوفيين أفعل التعجب اسم ؛ فتصغيره قياس ؛ وعند البصريين هو فعل كما تقدم فى بابه فى شرح الكافية ، وإنما جرّأهم عليه تجرده عن معنى الحدث والزمان اللذين هما من خواص الأفعال ، ومشابهته معنى لأفعل التفضيل ؛ ومن ثم يبنيان من أصل واحد ؛ فصار أفعل التعجب كأنه اسم فيه معنى الصفة

__________________

(١) بزيزيز : تصغير بزاز وهو صيغة نسب لمن يبيع البز وهى الثياب ، وقيل ضرب منها. وعطيطير : تصغير عطار وهو صيغة نسب أيضا لمن يبيع العطر

٢٧٩

كأسود وأحمر ، والصفة ـ كما ذكرنا ـ إذا صغرت فالتصغير راجع إلى ذلك الوصف المضمون ، لا إلى الموصوف ؛ فالتصغير فى «ما أحيسنه» راجع إلى الحسن ، وهو تصغير التلطف كما ذكرنا فى نحو بنيّ وأخىّ ، كأنك قلت هو حسين ، وقوله

٣٠ ـ ياما أميلح غزلانا (١)

أى : هن مليّحات ،

ولما كان أفعل التعجب فعلا على الصحيح لم يمنعه تصغيره عن العمل ، كما يمنع فى نحو ضويرب على ما يجىء.

قوله «والمراد المتعجب منه» أى : مفعول أحيسن ؛ فإذا قلت «ما أحيسن زيدا» فالمراد تصغير زيد ، لكن لو صغرته لم يعلم أن تصغيره من أى وجه هو ؛ أمن جهة الحسن ، أم من جهة غيره؟ فصغرت أحسن تصغير الشفقة والتلطف ؛ لبيان أن تصغير زيد راجع إلى حسن ؛ لا إلى سائر صفاته.

قال : «ونحو جميل وكعيت لطائرين وكميت للفرس موضوع على التّصغير».

أقول : جميل طائر صغير شبيه بالعصفور (٢) ، وأما كعيت فقيل هو البلبل ، وقال المبرد : هو شبيه بالبلبل وليس به.

وإنما نطقوا بهذه الأشياء مصغرة لأنها مستصغرة عندهم ، والصغر من لوازمها فوضعوا الألفاظ على التصغير ، ولم تستعمل مكبراتها ، وقولهم فى جمع جميل

__________________

(١) سبق فى أول هذا الباب القول فى شرح هذا البيت (أنظر ص ١٩٠ ه‍ ١)

(٢) فى اللسان : «قال سيبويه : الجميل البلبل ، لا يتكلم به إلا مصغرا فأذا جمعوه قالوا : جملان»

٢٨٠