شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

وكعيت جملان وكعتان كصردان (١) ونغران (٢) تكسير لمكبريهما المقدرين وهما الجمل والكعت ، وإنما قدرا على هذا الوزن لأنه أقرب وزن مكبر من صيغة المصغر ؛ فلما لم يسمع مكبراهما قدرا على أقرب الأوزان من وزن المصغر ، وإنما قلنا إن جملانا وكعتانا جمعان للمكبر المقدر لا المصغر لأنه جرت عادتهم أن لا يجمعوا المصغر إلا جمع السلامة إما بالواو والنون أو بالألف والتاء ، قيل : وذلك لمضارعة التصغير للجمع الأقصى بزيادة حرف لين ثالثة ، ولا يجمع الجمع الأقصى إلا جمع السلامة كالصّرادين والصّواحبات ، ولا منع أن نقول : إن كعيتا وجميلا لما وضعا على التصغير نظرا إلى استصغارهما فى الأصل ثم استعملا بعد ذلك من غير نظر إلى معنى التصغير فيهما لأن الكعيت كالبلبل معنى ، ولا يقصد فى البلبل معنى التصغير ، وإن كان فى نفسه صغيرا ـ انمحى عنهما معنى التصغير فى الاستعمال ، وإن كانا موضوعين عليه ، وصارا كلفظين موضوعين على التكبير ، فجمعا كما يجمع المكبر ، وأقرب المكبرات إلى هذه الصيغة فعل كنغر وصرد فجمعا جمعهما ؛ فعلى هذا كعتان وجملان جمعان للفظى كعيت وجميل ، لا لمكبريهما المقدرين

وأما كميت فهو تصغير أكمت وكمتاء تصغير الترخيم (٣) ، وقد ذكرنا

__________________

(١) الصردان (بكسر فسكون) جمع صرد ـ بضم ففتح ـ وهو طائر فوق العصفور ، وقيل هو طائر أبقع ضخم الرأس يكون فى الشجر نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم المنقار. قال الأزهرى : يضيد العصافير ، وفى الحديث الشريف : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل أربع : النملة ، والنحلة ، والصرد ، والهدهد

(٢) النغران : جمع نغر ـ كصرد ـ وهو طير كالعصافير حمر المناقير ، ومؤنثه نغرة (كهمزة) ، وأهل المدينة يسمونه البلبل ، وبتصغيره جاء الحديث عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث قال لبنى كان لأبى طلحة الأنصارى وكان له نغر يلعب به فمات «فما فعل النغير يا أبا عمير»

(٣) قال فى اللسان : «قال ابن سيده : الكمتة لون بين السواد والحمرة يكون

٢٨١

أن المراد بتصغير الصفة تصغير المعنى المضمون ، لا تصغير ما قام به ذلك المعنى ، والكمتة : لون يلزمه الصغر ، إذ هى لون ينقص عن سواد الأدهم ويزيد على حمرة الأشقر ، فهى بين الحمرة والسواد ، فوضعوا كميتا على صيغة التصغير لصغر معناه المضمون ، وهو يقع على المذكر والمؤنث ، وجمعه كمت ، وهو جمع مكبره المقدر ، وهذا يقوى أن جملانا وكعتانا جمعان للمكبر أيضا

وسكيت بالتخفيف مصغر سكيّت ـ بالتشديد ـ تصغير الترخيم (١)

__________________

فى الخيل والابل وغيرهما ، وقد كمت ككرم ، كمتا وكمتة وكماتة واكمات (كاحمار) والكميت من الخيل يستوى فيه المذكر والمؤنث. قال سيبويه : سألت الخليل عن كميت فقال هو بمنزلة جميل يعنى الذى هو البلبل. وقال : إنما هى حمرة يخالطها سواد ولم تخلص ، وإنما حقروها لأنها بين السواد والحمرة ولم تخلص لواحد منهما فيقال له أسود أو أحمر فأرادوا بالتصغير أنه منهما قريب ، وإنما هذا كقولك هودوين ذاك ، والجمع كمت ، كسروه على مكبره المتوهم ، وإن لم يلفظ به ؛ لأن قياس الأوصاف من الألوان هو أفعل كأحمر وأشقر وأسود وقياس جمعها على فعل كحمر وخضر وسود. وقد جاء جمع الكميت على كمت فى قول طفيل :

وكمتا مدمّاة كأنّ متوتها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

والكميت أيضا : الخمر التى فيها سواد وحمرة» اه ملخصا من اللسان

(١) قال فى اللسان : «والسكيت والسكيت بالتشديد والتخفيف : الذى يجىء فى آخر الحلبة آخر الخيل ، قال الليث السكيت مثل الكميت خفيف : العاشر الذى يجىء فى آخر الخيل إذا أجريت بقى مسكتا ، وفى الصحاح آخر ما يجىء من الخيل فى الحلبة من العشر المعدودات ، وقد يشدد فيقال السكيت وهو القاسور والفسكل أيضا ، وما جاء بعده لا يعتدبه. قال سيبويه : سكيت بالتخفيف ترخيم سكيت (بالتشديد) يعنى أن تصغير سكيت إنما هو سكيكيت ، فاذا رخم حذفت زائدتاه» اه

٢٨٢

وإذا صغرت مبيطرا ومسيطرا كان التصغير بلفظ المكبر ؛ لأنك تحذف الياء كما تحذف النون فى منطلق ، وتجىء بياء التصغير فى مكانه ، ولو صغرتهما تصغير الترخيم لقلت : بطير ، وسطير

قال : «وتصغير التّرخيم أن تحذف كلّ الزوائد ثمّ تصغّر كحميد فى أحمد»

أقول : اعلم أن مذهب الفراء أنه لا يصغر تصغير الترخيم إلا العلم ؛ لأن ما أبقى منه دليل على ما ألقى لشهرته ، وأجاز البصرية فى غير العلم أيضا ، وقد ورد فى المثل «عرف حميق جمله» (١) تصغير أحمق

وإذا صغرت مدحرجا تصغير الترخيم قلت : دحيرج ، وما قال بعض العرب فى تصغير إبراهيم وإسماعيل ـ أعنى بريه وسميع ـ فإما أن يكون جعل الميم واللام زائدتين ، وإن لم يكونا من الغوالب فى الزيادة فى الكلم العربية فى مثل مواضعهما ، كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، لكنهم جعلوا حكم العجمية غير حكم العربية ، أو يكون حذف الحرف الأصلى شاذا ؛ لأن تصغير الترخيم شاذ ، والأعجمى غريب شاذ فى كلامهم ، فشبهوا الميم واللام الأصليتين ؛ لكونهما من حروف «اليوم تنساه» بحروف الزيادة ، وحذفوهما حذفا شاذا ؛ لإتباع الشذوذ للشذوذ ؛ فعلى هذا يكون الهمزة أصلا كما فى إصطبل ؛ فيكون تصغيرهما على بريهيم وسميعيل ؛ بحذف الهمزة وهما المشهوران ، شاذا أيضا ، والقياس

__________________

(١) قال العلامة الميدانى فى مجمع الأمثال (ج ١ ص ٤٠١ طبع بولاق) «عرف حميق جمله : أى عرف هذا القدر وإن كان أحمق ، ويروى عرف حميقا جمله : أى أن جمله عرفه فاجترأ عليه. يضرب فى الافراط فى مؤانسة الناس. ويقال : معناه عرف قدره. ويقال : يضرب لمن يستضعف إنسانا ويولع به فلا يزال يؤذيه ويظلمه»

٢٨٣

ما قال المبرد : أى أبيريه وأسيميع ، وقد مر ، وتصغير الترخيم شاذ قليل

قال : «وخولف باسم الإشارة والموصول فألحق قبل آخرهما ياء ، وزيدت بعد آخرهما ألف ؛ فقيل : ذيّا وتيّا وأوليّا واللّذيّا واللّتيّا واللّذيّان واللّتيّان واللّذيّون واللّتيّات»

أقول : كان حق اسم الإشارة أن لا يصغر ؛ لغلبة شبه الحرف عليه ، ولأن أصله وهو «ذا» على حرفين ، لكنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوصف [ووصف] به وثنى وجمع وأنث أجرى مجراها فى التصغير ، وكذا كان حق الموصولات أن لا تصغر ؛ لغلبة شبه الحرف عليها ، لكن لما جاء بعضها على ثلاثة أحرف كالّذى والّتى وتصرف فيه تصرف المتمكنة فوصف به وأنث وثنّى وجمع جاز تصغيره وتصغير ما تصرف منه ، دون غيرهما من الموصولات ، كمن وما

قيل : لما كان تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة ، فلم تضم أوائلهما ، بل زيد فى الآخر ألف بدل الضمة بعد أن كملوا لفظ «ذا» ثلاثة أحرف بزيادة الياء على آخره ، كما تقدم أنه يقال فى تصغير من : منىّ ؛ فصار ذايا ؛ فأدخلوا ياء التصغير ثالثة بعد الألف كما هو حقها ، فوجب فتح ما قبلها كما فى سائر الأسماء المتمكنة ، فقلبت الألف ياء ، لا واوا ، ليخالف بها الألفات التى لا أصل لها فى المتمكنة ؛ فانها تقلب فى مثل هذا الموضع واوا ؛ لوقوعها بعد ضمة التصغير كما فى ضويرب ، فصار ذييّا

أو تقول : كان أصل «ذا» ذبى أو ذوى ، قلبت اللام ألفا ، وحذفت العين شاذا كما فى سه ، وردّت فى التصغير كما هو الواجب ، وزيد ياء التصغير بعد العين ؛ فرجعت الألف إلى أصلها من الياء كما فى الفتى إذا صغر ؛ فصار ذييّا ، أو ذويّا ، وكون

٢٨٤

عينه واوا فى الأصل أولى (١) ؛ لكون باب طوى أكثر من باب حيى ، وأما

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ج ٢ ص ٢٨): «قال الأخفش : هو ـ يريد ذا اسم الاشارة ـ من مضاعف الياء لأن سيبويه حكى فيه الامالة ، وليس فى كلامهم تركيب نحو حيوت فلامه أيضا ياء ، وأصله ذيى بلا تنوين لبنائه ، محرك العين ، بدليل قلبها ألفا ، وإنما حذفت اللام اعتباطا أولا كما فى يد ودم ثم قلبت العين ألفا ، لأن المحذوف اعتباطا كالعدم ، ولو لم يكن كذا لم تقلب العين ، ألا ترى إلى نحو مرتو. فان قيل : فلعله ساكن العين وهى المحذوفة لسكونها والمقلوب هو اللام المتحركة ، قلت : قيل ذلك ، لكن الأولى حذف اللام لكونها فى موضع التغيير ، ومن ثم قل المحذوف العين اعتباطا كسه ، وكثر المحذوف اللام كدم ، ويد ، وغد ، ونحوها. وقيل : أصله ذوى ، لأن باب طويت أكثر من باب حييت ، ثم إما أن نقول : حذفت اللام فقلبت العين ألفا ، والامالة تمنعه ، وإما أن نقول : حذفت العين وحذفها قليل كما مر فلا جرم كان جعله من باب حييت أولى. وقال الكوفيون : الاسم الذال وحدها والألف زائدة ، لأن تثنيته ذان بحذفها ، والذى حمل البصريين على جعله من الثلاثية لا من الثنائية غلبة أحكام الأسماء المتمكنة عليه كوصفه ، والوصف به ، وتثنيته ، وجمعه ، وتحقيره ، ويضعف بذلك قول الكوفيين ، والجواب عن حذف الألف فى التثنية أنه لاجتماع الألفين ، ولم يرد إلى أصله فرقا بين المتمكن وغيره ، نحو فتيان وغيره ، كما حذف الياء فى اللذان. قال ابن يعيش : لا بأس بأن نقول هو ثنائى كما ، وذلك أنك إذا سميت به قلت : ذاء ، فتزيد ألفا أخرى ثم تقلبها همزة ، كما تقول : لاء ، إذا سميت ب «لا» وهذا حكم الأسماء التى لا ثالث لها وضعا إذا كان ثانيها حرف لين وسمى بها ، ولو كان أصله ثلاثة قلت : ذاى ، رداله إلى أصله» اه كلام المؤلف فى شرح الكافية. وأنت إذا تدبرته وجدته يرجح فيه غير ما رجحه هنا ، فهو هنا يرجح أن أصل «ذا» ذوى ويدفع ما اعترض به على ذلك من حكاية سيبويه فيها الامالة الدالة على كون العين ياء بأن المحذوف هو العين وهذه الألف بدل من اللام التى هى ياء ، مع أنه يرجح فيما نقلناه أن المحذوف هو اللام ، لأن حذف اللام اعتباطا أكثر من حذف العين كذلك ،

٢٨٥

إمالة ذا فلكون الألف لا ما فى ذوى والعين محذوفة ، ثم حذفوا العين شاذا لكون تصغير المبهمات على خلاف الأصل كما مر ، فجرأهم الشذوذ على الشذوذ ؛ ألا ترى أنهم لم يحذفوا شيئا من الياآت فى حيىّ وطوىّ تصغيرى حىّ وطىّ ، ولا يجوز أن يكون المحذوفة ياء التصغير لكونها علامة ، ولا لام الكلمة للزوم تحرك ياء التصغير بحذفها ؛ فصار ذيّا.

ولم يصغر فى المؤنث إلا تاوتى ، دون ذى ؛ لئلا يلتبس بالمذكر ، وأماذه ؛ فأصله ذى كما يجىء فى باب الوقف (١).

__________________

وهذه الألف بدل من الياء التى هى عين (ثم انظر ج ٣ ص ١٢٦ من شرح ابن يعيش للمفصل)

(١) ذكر فى باب الوقف أن بنى تميم يقلبون ياء هذى فى الوقف هاء ، فيقولون هذه بسكون الهاء ، وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة فى الوقف ، والهاء بعدها أظهرتها ، وإنما أبدلت هاء لقرب الهاء من الألف التى هى أخت الياء فى المد ، فاذا وصل هؤلاء ردرها ياء ؛ فقالوا : هذى هند ؛ لأن ما بعد الياء يبينها ، وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء الح ، وقال ابن يعيش : (ج ٣ ص ١٣١): «وأماذه فهى ذى والهاء فيها بدل من الياء وليست للتأنيث أيضا ، فان قيل : فلم قلتم إن الهاء بدل من الياء فى ذى ، وهلا كان الأمر فيهما بالعكس؟ قيل : إنما قلنا إن الياء هى الأصل لقولهم فى تصغير ذا ذيا ، وذى إنما هو تأنيث ذا فكما أن الهاء ليس لها أصل فى المذكر فكذلك هى فى المؤنث لأنها من لفظه ، فان قيل : فهلا كانت الهاء للتأنيث على حدها فى قائمة وقاعدة؟ فالجواب أنها لو كانت للتأنيث على حدها فى قائمة وقاعدة لكانت زائدة وكان يؤدى إلى أن يكون الاسم على حرف واحد ، وقد بينا ضعف مذهب الكوفيين فى ذلك ، وأمر آخر أنك لا تجد الهاء علامة للتأنيث فى موضع من المواضع ، والياء قد تكون علامة للتأنيث فى قولك اضربى ، فاما قائمة وقاعدة فانما التأنيث بالتاء ، والهاء من تغيير الوقف ، ألا تراك تجدها تاء فى الوصل نحو طلحتان ، وهذه طلحة يافتى ، وقائمة يا رجل ، فاذا وقفت كانت هاء ، والهاء

٢٨٦

وحذفوا فى المثنى الألف المزيد عوضا من الضمة ، اكتفاء بياء التصغير ، وذلك لاجتماع ألفى المثنى والعوض ، والقياس فى اجتماع الساكنين حذف الأول ، إذا كان مدا ، كما يجىء فى بابه

وقالوا فى «أولى» المقصور وهو مثل هدى : أوليّا ، والضمة فى أوليّا هى التى كانت فى أولى وليست للتصغير ، فلذا زيد الألف بدلا من الضمة ، وأما «أولاء» بالمد فتصغيره أوليّاء ،

قال المبرد : زيد ألف العوض قبل الآخر ، إذ لو زيدت فى الآخر كما فى أخواته لا لتبس تصغير أولاء الممدود بتصغير أولى المقصور. وذلك أن أولاء كقضاء لما صرفته وجعلته كالأسماء المتمكنة قدّرت همزته التى بعد الألف منقلبة عن الواو أو الياء كما فى رداء وكساء ، فكما تقول فى تصغير رداء : ردىّ ، بحذف ثالثة الياآت ، فكذا كنت تقول أولىّ ثم تزيد الألف على آخره فيصير أوليّا فيلتبس بتصغير المقصور ؛ فلذا زدت ألف العوض قبل الهمزة بعد الألف ، فانقلبت ألف «أولاء» ياء كألف حمار إذا قلت حميّر ، لكنه لم يكسر الياء كما كسرت فى نحو حميّر لتسلم ألف العوض ؛ فصار أوليّاء

وأما الزجاج فانه يزيد ألف العوض فى آخر أولاء كما فى أخواته ، لكنه يقدر همزة «أولاء» فى الأصل ألفا ، ولا دليل عليه ، قال : فاذا دخلت ياء التصغير اجتمع بعدها ثلاث ألفات : الأول الذى كان بعد لام أولاء ، والثانى أصل الهمزة على ما ادعى ، والثالث ألف العوض ؛ فينقلب الأول ياء كما فى حمار

__________________

فى «ذه» ثابتة وصلا ووقفا ، والكلام إنما هو فى حقيقته وما يندرج عليه ، ألا ترى أننا نبدل من التنوين ألفا فى النصب وهو فى الحقيقة تنوين على ما يندرج عليه الكلام. ويؤيد ذلك أن قوما من العرب وهم طيىء يقفون على هذا بالتاء فيقولون شجرت ، وجحفت ، فثبت بما ذكرناه أن الهاء فى «ذه» ليست كالهاء فى قائمة فلا تفيد فائدتها من التأنيث» اه

٢٨٧

ويبقى الأخيران ؛ فيجعل الأخير همزة كما فى حمراء وصفراء ، فتكسر كما كانت فى المكبر

وتقول فى الذى والتى : اللّذيّا واللّتيّا بزيادة ياء التصغير ثالثة وفتح ما قبلها ، وفتح الياء التى بعد ياء التصغير ؛ لتسلم ألف العوض ، وقد حكى اللّذيّا واللّتيّا بضم الأول جمعا بين العوض والمعوض منه

وتقول فى المثنى : اللّذيّان واللّتيّان ، واللّذيّين واللّتيّين ، بحذف ألف العوض قبل علامتى المثنى ؛ لاجتماع الساكنين ؛ فسيبويه يحذفها نسيا فيقول فى المجموع : اللّذيّون واللّذيّين ؛ بضم الياء وكسرها ، يحذف ألف العوض فى المثنى والمجموع نسيا ، كما حذف ياء الذى فى المثنى ، والأخفش لا يحذفها نسيا ، لا فى المثنى ولا فى المجموع ، فيقول فى الجمع : اللّذيّون واللّذيّين [بفتح الياء] كالمصطفون والمصطفين فيكون الفرق عنده بين المثنى والمجموع فى النصب والجر بفتح النون وكسرها ، والمسموع فى الجمع ضم الياء وكسرها كما هو مذهب سيبويه

وإنما أطرد فى المصغر اللّذيّون رفعا واللّذيّين نصبا وحرا وشذ فى المكبر اللّذون رفعا لأنه لما صغر شابه المتمكن فجرى جمعه فى الإعراب مجرى جمعه

وعند سيبويه استغنوا باللّتيّات جمع سلامة اللّتيّات بحذف ألف العوض للساكنين عن تصغير اللاتى واللائى ، وقد صغرهما الأخفش على لفظهما ، قياسا لا سماعا ، وكان لا يبالى بالقياس في غير المسموع فقال فى تصغير اللاتى : اللّويتا ، بقلب الألف واوا كما فى الجمع : أى اللواتى ، وحذف ياء اللاتى لئلا يجتمع مع ألف العوض خمسة أحرف سوى الياء ، وقال فى تصغير اللائى : اللّويئا ، بفتح اللام فيهما ، وقال المازنى : إذا كان لا بد من الحذف فحذف الزائد أولى ، يعنى الألف التى بعد اللام فتصغير اللاتى كتصغير التى سواء ، قال بعض البصريين : اللّويتيا

٢٨٨

واللّويئيا ، من غير حذف شىء ، وكل لك هوس وتجاوز عن المسموع بمجرد القياس ، ولا يجوز ، هذا ما قيل

وأنا أرى أنه لما كان تصغير المبهمات على خلاف الأصل ، كما ذكرنا ، جعل عوض الضمة ياء ، وأدغم فيها ياء التصغير ، لئلا يستثقل الياآن ، ولم يدغم فى ياء التصغير لئلا يتحرك ياء التصغير التى لم تجر عادتها بالتحرك ، فحصل فى تصغير جميع المبهمات ياء مشددة : أولاهما ياء التصغير ، والثانية عوض من الضمة ، فاضطر إلى تحريك ياء العوض ، فألزم تحريكها بالفتح ؛ قصدا للخفة ، فان كان الحرف الثانى في الاسم ساكنا كما فى «ذا» و «تا» و «ذان» و «تان» جعلت هذه الياء المشددة بعد الحرف الأول ؛ لأنها إن جعلت بعد الثانى ـ كما هو حق ياء التصغير ـ لزم التقاء الساكنين ، فألف ذيّا وتيّا ، على هذا ، هى التى كانت فى المكبر ، وإن كان ثانى الكلمة حرفا متحركا كأولى وأولاء جعلت ياء التصغير فى موضعها بعد الثانى ، فعلى هذا كان حق الذى والتى اللّذيّى واللتّيّى بياء ساكنة فى الآخر بعد ياء مفتوحة مشددة ، لكنه خفف ذلك بقلب الثالثة ألفا كراهة لاجتماع الياآت ،

ويلحق بذيّا وتيّا ومثنييهما وجميعهما من هاء التنبيه وكاف الخطاب ما لحقها قبل التصغير ، نحو هذيّا وذيّا لك ، قال

٣٠ ـ * من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر* (١)

قال : «ورفضوا تصغير الضّمائر ، ونحو متى وأين ومن وما وحيث ومنذ ومع وغير وحسبك ، والاسم عاملا عمل الفعل ؛ فمن ثمّ جاز ضويرب زيد وامتنع ضويرب زيدا»

أقول : إنما امتنع تصغير الضمائر لغلبة شبه الحرف عليها مع قلة تصرفها ، إذ

__________________

(١) انظر (ص ١٩٠ ه‍ ١)

٢٨٩

لا تقع لا صفة ولا موصوفة كما تقع أسماء الإشارة ، ولمثل هذه العلة لم تصغر أسماء الاستفهام والشرط ؛ فانها تشابه الحرف ولا تتصرف بكونها صفات وموصوفات

وأما من وما الموصولتان فأوغل في شبه الحرف من «الذى» لكونهما على حرفين ولعدم وقوعهما صفة كالذى

وحيث وإذ وإذا ومنذ مثل الضمائر فى مشابهة الحرف ، وأقلّ تصرفا منها ؛ لأنها مع كونها لا تقع صفات ولا موصوفات تلزم فى الأغلب نوعا من الإعراب

وأما مع فإنه وإن كان معربا لكنه غير متصرف فى الإعراب ، ولا يقع صفة ولا موصوفا ، مع كونه على حرفين

وكذا عند لا يتصرف (١) وإن كان معربا على ثلاثة ، وكذا لم يصغر لدن لعدم تصرفه

وإنما لم يصغر غير كما صغر مثل وإن كانت المغايرة قابلة للقلة والكثرة كالمماثلة ، لقصوره فى التمكن ، لأنه لا يدخله اللام ولا يثنى ولا يجمع بخلاف مثل

ولا يصغر سوى (٢) وسواء بمعنى غير أيضا ، ولا يصغر حسبك لتضمنه معنى

__________________

(١) قال سيبويه (ح ٢ ص ١٣٦): «ولا تحقر عندكما تحقر قبل وبعد ونحوهما لأنك إذا قلت عند فقد قللت ما بينهما وليس يراد من التقليل أقل من ذا ، فصار ذا كقولك قبيل ذاك إذا أردت أن تقلل ما بينهما» اه. وهذا وجه من التعليل لعدم تصغير عند حاصله أنه لما كان مصغرا بمعناه الأصلى لم يحتج إلى التصغير لأن المصغر لا يصغر ، وهو وجه حسن

(٢) هذا الذى ذكره المؤلف فى هذه الكلمة هو ما ذكره سيبويه فى الكتاب (ح ٢ ص ١٣٥) حيث قال : «ولا يحقر غير لأنها ليست بمنزلة مثل ، وليس كل شىء يكون غير الحقير عندك يكون محقرا مثله ، كما لا يكون كل شىء مثل الحقير حقيرا ، وإنما معنى مررت برجل غيرك معنى مررت برجل سواك ، وسواك لا يحقر ، لأنه ليس اسما متمكنا ، وإنما هو كقولك مررت برجل ليس بك ، فكما قبح تحقير

٢٩٠

الفعل ، لأنه بمعنى اكتف ، وكذا ما هو بمعناه من شرعك (١) وكفيك

ولا يصغر شىء من أسماء الأفعال ، وكذا لا يصغر الاسم (٢) العامل عمل الفعل ، سواء كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة ، لأن الاسم إذا صغر صار

__________________

ليس قبح تحقير سوى ، وغير أيضا ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة ، ولا تجمع ولا تدخلها الألف واللام» اه. والذى تريد أن ننبهك إليه هو أن عدم التمكن فى سوى الذى علل به سيبويه عدم تصغيرها ليس معناه عدم التصرف أى ملازمة هذه الكلمة للنصب على الظرفية كما هو المعروف من مذهب سيبويه ، بل معناه أنها ليست كسائر الاسماء المتمكنة كما أشار إليه ، مع أن القائلين بخروجها عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى سائر مواقع الاعراب قد ذهبوا أيضا إلى أنها لا تصغر ، ومنهم من علل عدم تصغيرها بأنها غير متمكنة ؛ فوجب أن يكون التمكن فى هذا الموضع بمعنى آخر ، ويشير إلى ذلك المعنى تعليل بعضهم عدم جواز التصغير بشدة شبه هذه الكلمة بالحرف ودلالتها على معناه وهو إلا الاستثنائية

(١) تقول : هذا رجل شرعك من رجل فتصف به النكرة ولا تثنيه ولا تجمعه ولا تؤنثه ، ومعناه كافيك من رجل ، وقد ورد فى المثل شرعك ما بلغك المحل أى حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك (انظر مجمع الأمثال ح ١ ص ٣١٩ طبع بولاق) قال فى اللسان : «قال أبو زيد : هذا رجل كافيك من رجل ، وناهيك ، وجازيك من رجل ، وشرعك من رجل ، كله بمعنى واحد» اه وفى القاموس : «وكافيك من رجل ، وكفيك من رجل مثلثة الكاف : حسبك» اه زاد فى اللسان أنك تقول : هذا رجل كفاك به ، وكفاك به ، بكسر الكاف أو ضمها مع القصر ، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث

(٢) قد أطلق الشارح القول هنا كما أطلقه المصنف ، وفى المسألة تفصيل خلاصته أنك لو قلت : هذا ضارب زيدا ؛ فأعملت اسم الفاعل فيما بعده النصب لم يجز تصغيره بحال ، وإذا قلت هذا ضارب زيد ؛ فأضفت اسم الفاعل إلى ما بعده فان أردت به الحال أو الاستقبال لم يجز أن تصغره ؛ لأنه حينئذ كالعامل ، وإن أردت به المضى جاز تصغيره. قال سيبويه (ح ٢ ص ١٣٦): «واعلم أنك لا تحقر الاسم إذا كان

٢٩١

موصوفا بالصغر ، كما تكررت الإشارة إليه ، فيكون معنى «ضويرب» مثلا ضارب صغير ، والأسماء العاملة عمل الفعل إذا وصفت انعزلت عن العمل ، فلا تقول : زيد ضارب عظيم عمرا ولا أضارب عظيم الزّيدان ، وذلك لبعدها إذن عن مشابهة الفعل ؛ إذ وضعه على أن يسند ولا يسند إليه ، والموصوف يسند إليه الصفة ، هذا فى الصفات ، أعنى اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، أما المصدر فلا يعزله عن العمل كونه مسندا إليه ؛ لقوة معنى الفعل فيه ، إذ لا يعمل الفعل الذى هو الأصل فى الفاعل ولا فى المفعول إلا لتضمنه معنى المصدر ، كما ذكرنا فى شرح الكافية فى باب المصدر ، فيجوز على هذا أن تقول أعجبنى ضربك الشديد زيدا ، وضريبك زيدا (١)

وقيل : إنما لم يصغر الاسم العامل عمل الفعل لغلبة شبه الفعل عليه إذن ، فكما لا يصغر الفعل لا يصغر مشبهه ، ويلزم منه عدم جواز تصغير المصدر العامل عمل الفعل

__________________

بمنزلة الفعل ألا ترى أنه قبيح هو ضويرب زيدا وهو ضويرب زيد إذا أردت بضارب زيد التنوين ، وإن كان ضارب زيد لما مضى فتصغيره جيد» اه

(١) هذا الذى ذكره المؤلف ههنا من أن المصدر يعمل مصغرا ويعمل موصوفا فى المفعول به أيضا غير المعروف عن النحاة ، أما المصغر فقد قال ابن هشام فى شرح القطر : «ويشترط (أى فى إعمال المصدر عمل الفعل) ألا يكون مصغرا ، فلا يجوز أعجبنى ضريبك زيدا ، ولا يختلف النحويون فى ذلك» اه. بل الذى ذكره المؤلف نفسه فى شرح الكافية يناقض ما قاله هنا ويوافق ما قاله ابن هشام فيما سمعت. قال فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٨٣) «والتصغير يمنع المصدر عن العمل كما يمنع اسم الفاعل والمفعول لضعف معنى الفعل بسبب التصغير الذى لا يدخل الأفعال ، ومن ثمت يمنع الوصف ثلاثتها عن العمل» اه وأما ما ذكره فى المصدر المنعوت فهو رأى ضعيف من ثلاثة آراء وحاصله جواز إعمال المصدر المنعوت مطلقا : أى سواء

٢٩٢

ويصغر الزمان المحدود من الجانبين ، كالشهر واليوم والليلة والسّنة ، وإنما تصغر باعتبار اشتمالها على أشياء يستقصر الزمان لأجلها من المسار (١)

وأما غير المحدود كالوقت والزمان والحين فقد يصغر لذلك ، وقد يصغر لتقليله فى نفسه

وأما أمس وغد فانهما لم يصغرا وإن كانا محدودين كيوم وليلة لأن الغرض الأهم منهما كون أحد اليومين قبل يومك بلا فصل والآخر بعد يومك ، وهما من هذه الجهة لا يقبلان التحقير ، كما يقبله قبل وبعد ، كما ذكرنا فى أول باب التصغير ، ولم يصغرا [أيضا] باعتبار مظروفيهما وإن أمكن ذلك كما لم يصغرا باعتبار تقليلهما فى أنفسهما لما كان الغرض الأهم منهما ما لا يقبل التحقير

ومثل أمس وغد عند سيبويه كل زمان يعتبر كونه أولا وثانيا وثالثا ونحو ذلك ، فلا تصغر عنده أيام الأسابيع كالسبت والأحد والاثنين إلى الجمعة ، وكذا أسماء الشهور كالمحرم وصفر إلى ذى الحجة ، إذ معناها الشهر الأول والثانى ونحو ذلك ، وجوز الجرمي والمازنى تصغير أيام الأسبوع وأسماء الشهور ، وقال بعض

__________________

أكان نعته سابقا على المعمول أم متأخرا عنه ، والرأى الثانى المنع مطلقا ، والثالث إن تقدم المعمول عن النعت جاز وإلا فلا وهذا اختيار ابن هشام. قال فى شرح القطر : «ويشترط ألا يكون موصوفا قبل العمل ؛ فلا يقال : أعجبنى ضربك الشديد زيدا ، فأن أخرت الشديد جاز ، قال الشاعر :

إنّ وجدى بك الشّديد أرانى

عاذرا فيك من عهدت عذولا

فأخر الشديد عن الجار والمجرور المتعلق بوجدى»

(١) المسار : جمع مسرة ، ووقع فى النسخ التى بين أيدينا كافة «من المساد» بدال مهملة ؛ وهو تحريف

٢٩٣

النحاة : إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة ، وليس الغرض تصغيرهما ، وقال : ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضا لقيامه مقام وقع أو يقع ، والفعل لا يصغر ، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما ، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول ؛ وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه

واعلم أنك إذا حقرت كلمة فيها قلب لم ترد الحروف إلى أماكنها تقول فى لاث وأصله لائث وشاك وأصله شائك وفى قسى علما وأينق وأصلهما قووس وأنوق :

لويث وشويك ـ بكسر الثاء والكاف ـ وقسىّ بحذف تالثة الياآت نسيا ، وأيينق ، وذلك لأن الحامل على القلب سعة الكلام ولم يزلها التصغير حتى ترد الحروف إلى أماكنها.

والحمد لله ، وصلّى الله على رسوله وآله

بحمد الله تعالى وحسن توفيقه قد انتهينا من مراجعة الجزء الأول من شرح شافية ابن الحاجب الذى ألفه العلامة المحقق رضى الدين الاستراباذى ، فى أثناء سبعة أشهر آخرها يوم الأثنين المبارك الثالث عشر من شهر ذى الحجة أحد شهور عام ١٣٥٦ ست وخمسين وثلثمائة وألف من الهجرة. ويليه الجزء الثانى مفتتحا بباب «النسب» نسأل الله الذى جلت قدرته أن يعين على إكماله.

٢٩٤