شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

مع أن الكسر قريب من الفتح ؛ لقرب مخرج الياء من مخرج الألف (١) فلما لزم كسر العين فى المثالين ـ وقد جرت لحرف الحلق عادة تغيير نفسها أو ما قبلها إلى الفتح ، ولم يمكن ههنا تغيير نفسها لما ذكرنا ولا تغيير ما قبلها إلى الفتح لأنه مفتوح ، وقد عادها عيد الغرام ـ غيّرت حركة ما قبلها إلى مثل حركتها ؛ لأن الكسر قريب من الفتح كما ذكرنا ، فكأنها غيرت ما قبلها إلى إلى الفتح ، ولم يأت فى الأسماء فعل ولا فعيل ـ مضمومى الفاء ـ حتى تتبع الفاء العين بناء على هذه القاعدة ، وأما فعل فى الفعل نحو شهد فلم يتبع لئلا يلتبس بالمبنى للفاعل المتبع فاؤه عينه ، وإنما لم يتبع فى نحو المحين والمعين (٢) لعروض الكسرة ، وأما المغيرة فى المغيرة فشاذ شذوذ منتن فى المنتن وأنبّؤك وأجوءك فى أنبّئك وأجيئك فلم يقولوا قياسا عليه أبوعك وأقرؤك فى أبيعك وأقرئك ، وإنما لم يتبع فى نحو رؤف ورؤوف لأن كسر ما قبل الحلقىّ فى نحو رحم ورحيم إنما كان لمقاربة الكسرة للفتح كما ذكرنا ، والضم بعيد من الفتح

وأما أهل الحجاز فنظروا إلى أن حق حروف الحلق إما فتحها أو فتح ما قبلها ؛ هب أنه تعذر فتحها لما ذكرنا من العلة فلم غيّر ما قبلها عن الفتح وهو حقها إلى الكسر؟ وهل هذا إلا عكس ما ينبغى؟؟

واللغتان اللتان يشترك فيهما الحلقى وغيره : أولاهما : فعل بفتح الفاء وسكون العين ، نحو شهد في الفعل وفخذ فى الاسم ، وفى غير الحلقىّ علم فى الفعل وكبد

__________________

(١) مخرج الياء بين وسط اللسان ووسط الحنك الأعلى ، ومخرج الألف أقصى الحلق فوق الهمزة

(٢) المحين : اسم فاعل من أحانه الله : أى أهلكه ، وأصله محين ـ بضم الميم وكسر الياء ـ فنقلت كسرة الياء إلى الحاء الساكنة وجوبا ، ومعين : اسم فاعل من أعان ، فعل به ما فعل بسابقه

٤١

فى الاسم ، وإنما سكنوا العين كراهة الانتقال من الأخف أى الفتح إلى الأثقل منه أى الكسر فى البناء المبنى على الخفة أى بناء الثلاثى المجرد ، فسكنوه لأن السكون أخفّ من الفتح ، فيكون الانتقال من الفتح إلى أخف منه ، ولمثل هذا قالوا فى كرم الرجل : كرم ، وفى عضد : عضد ، بالاسكان ، وقولهم ليس مثل علم في علم ، وكان قياسه لاس كهاب ، لكنهم خالفوا به أخواته لمفارقته لها فى عدم التصرف ، فلم يتصرفوا فيه بقلب الياء ألفا أيضا ولم يقولوا لست كهبت ، ولا يجوز أن يكون أصل ليس فتح الياء لأن المفتوح العين لا يخفف ، ولا ضمّ الياء لأن الأجوف اليائى لا يجىء من باب فعل (١) ؛ والثانية : فعل ـ بكسر الفاء وسكون العين ـ نحو شهد وفخذ فى الحلقى ، وكبد وكتف فى غيره ؛ ولم يسمع فى غير الحلقى من الفعل نحو علم فى علم فى المبنى للفاعل ، وحكى قطرب فى المبنى للمفعول نحو «ضرب زيد» بكسر الضاد وسكون الراء ـ كما قيل قيل وبيع وردّ ، وهو شاذ. فالذى من الحلقى يجوز أن يكون فرع فعل المكسور الفاء والعين كما تقول فى إبل : إبل ، ويجوز أن يكون نقل حركة العين إلى ما قبلها كراهة الانتقال من الأخف إلى الأثقل ، وكره حذف أقوى الحركتين ، أى : الكسرة ، فنقلت إلى الفاء ، والذى من غير الحلقى لا يكون إلا على الوجه الثانى ؛ لأنه لا يجوز فيه فعل بالاتباع

قوله «ونحو عضد يجوز فيه عضد» قد ذكرنا أن مثله يجوز عند تميم فى الفعل أيضا ، نحو كرم الرّجل ، فى كرم ، ولم يقولوا فيه عضد بنقل الضمة إلى ما قبلها كما نقلوا في نحو كتف ؛ لثقل الضمة ، وربما نقلها بعضهم فقالوا : عضد ، وقد

__________________

(١) لم يجىء من الأجوف اليائى مضموم العين إلا قولهم «هيؤ» أى حسنت حاله وصار ذاهيئة

٤٢

ذكرنا (١) فى فعل التعجب أن فعل الذى فيه معنى التعجب يقال فيه فعل ، قال :

٥ ـ * وحبّ بها مقتولة حين تقتل* (٢).

ولعل ذلك دلالة على نقله إلى معنى التعجب ، وأما قولهم فى الفعل المبنى للمفعول فعل كما فى المثل «لم يحرم من فصد له» (٣) قال أبو النجم

وهو تميمى : ـ

٦ ـ * لو عصر منه المسك والبان انعصر (٤) *

__________________

(١) ذكره فى شرح الكافية فى آخر أفعال المدح والذم ، قال بعد ذكر الشواهد : والتغيير فى اللفظ دلالة على التغيير فى المعنى إلى المدح أو إلى التعجب اه

(٢) هذا عجز بيت للأخطل النصرانى التغلبى وصدره :

* فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها*

وتقتل : تشعشع بالماء وتمزج فيكسر الماء حدتها

(٣) قال فى اللسان : الفصد شق العرق ، وفصد الناقة شق عرقها ليستخرج دمه فيشربه ، ومن أمثالهم فى الذى يقضى له بعض حاجته دون تمامها «لم يحرم من فصد له» بأسكان الصاد مأخوذ من الفصيد الذى كان يصنع فى الجاهلية ويؤكل ، يقول : كما يتبلغ المضطر بالفصيد فاقنع أنت بما ارتفع من قضاء حاجتك وإن لم تقض كلها اه ملخصا

(٤) قبل هذا قوله فى وصف جارية :

بيضاء لا يشبع منها من نظر

خود يغطّى الفرع منها المؤتزر

وقول الشارح إن أبا النجم تميمى لا أصل له ؛ فانه من بكر بن وائل فان اسمه الفضل بن قدامه بن عبيد الله بن عبيد الله ابن الحارث أحد بنى عجل بن لجيم بن صعب ابن على بن بكر بن وائل ، وهذه التفريعات كما تطرد عند بنى تميم تطرد عند غيرهم ومنهم بكر وتغلب ابنا وائل ، قال الأعلم : وهى لغة فاشية فى تغلب بن وائل اه ولعل الذى حمل الشارح على نسبة أبى النجم إلى تميم ما ذكره أولا من أن هذه التفريعات إنما تطرد عند بنى تميم

٤٣

وكذا قولهم غزى بالياء دون الواو فى غزى لعروض سكون الزاى ؛ فليس التخفيف فى مثله لكراهة الانتقال من الأخف إلى الأثقل كما كان فى كتف وعضد ، كيف والكسرة أخفّ من الضمة والفتحة أخف من الكسرة؟ بل إنما سكن كراهة توالى الثقيلين فى الثلاثى المبنى على الخفة ، فسكن الثانى لامتناع تسكين الأول ، ولأن الثقل من الثانى حصل ؛ لأنه لأجل التوالى ، ولتوالى الثقيلين أيضا خفّفوا نحو عنق وإبل بتسكين الحرف الثانى فيهما ؛ وهذا التخفيف فى نحو عنق أكثر منه فى إبل ؛ لأن الضمتين أثقل من الكسرتين حتى جاء فى الكتاب العزيز وهو حجازى رسلنا ورسلهم ، وهو فى الجمع أولى منه في المفرد لثقل الجمع معنى ؛ وجميع هذه التفريعات فى لغة تميم كما مر ؛ وإذا توالى الفتحتان لم تحذف الثانية تخفيفا لخفة الفتحة ، وأما قوله : ـ

٧ ـ وما كلّ مبتاع ولو سلف صفقه

براجع ما قد فاته برداد (١)

فشاذ ضرورة

وقد شبه بفعل المفتوح الفاء المكسور العين نحو قولهم وليضرب وفلتضرب ـ أعنى واو العطف وفاءه مع لام الأمر وحرف المضارعة ـ وذلك لكثرة الاستعمال ؛ فالواو والفاء كفاء الكلمة لكونهما على حرف فهما كالجزء مما بعدهما ، ولام الأمر كعين الكلمة ، وحرف المضارعة كلامها ، فسكن لام الأمر ؛ وقرىء

__________________

(١) البيت للأخطل التغلبى ، ويروى صدره* وما كل مغبون ولو سلف صفقه* والمغبون الذى يخدع وينقص منه فى الثمن أو غيره ، وسلف بسكون اللام أصله سلف بفتحها فسكنها حين اضطره الوزن إلى ذلك ، ومعناه مضى ووجب ، وصفقه مصدر مضاف إلى ضمير المبتاع أو المغبون ، والصفق إيجاب البيع ، وأصله أن البائع والمشترى كان أحدهما يضرب على يد الآخر ، والباء فى براجع زائدة ، ويروى يراجع (فعلا مضارعا) فاعله ضمير المبتاع أو المغبون ، والرداد بكسر الراء وفتحها فسخ البيع

٤٤

به فى الكتاب العزيز ، وشبه به نحو «ثمّ ليفعل» ، وهو أقل ، لأن ثمّ على ثلاثة أحرف ، وليس كالواو والفاء ، مع أن ثم الداخلة على لام الأمر أقل استعمالا من الواو والفاء ، وكذا شبه بفعل وفعل قولهم فهو وفهى ووهو ووهى ولهو ولهى لما قلنا فى وليفعل ، وكذا أهو وأهى ، لكن التخفيف مع الهمزة أقل منه مع الواو والفاء واللام ؛ لكون الهمزة مع هو وهى أقل استعمالا من الواو والفاء واللام معهما ، ونحو (أن يملّ هو) على ما قرىء فى الشواذ أبعد ؛ لأن يملّ كلمة مستقلة ، جعل لهو كعضد ؛ وهذا كما قلّ نحو قولهم : أراك منتفخا ، وقوله :

٨ ـ * فبات منتصبا وما تكردسا (١) *

وقولهم : انطلق ، فى انطلق ، وقوله :

٩ ـ * وذى ولد لم يلده أبوان (٢) *

وإنما قل التخفيف فى هذه لأنها ليست ثلاثية مجردة مبنية على الخفة فلم يستنكر فيها أدنى ثقل ، ويجىء شرحها فى أماكنها (٣) إن شاء الله تعالى

قوله «فى إبل وبلز (أى : ضخمة) ولا ثالث لهما» قال سيبويه : ما يعرف

__________________

(١) هذا بيت من الرجز للعجاج بن رؤبة يصف ثورا وحشيا ، وبعده : ـ

* إذا أحسّ نبأة توجّسا*

ومنتصبا أى قائما واقفا ، ويروى منتصا بتشديد الصاد أى مرتفعا ، وتكردس انقبض واجتمع بعضه إلى بعض ، والنبأة الصوت الخفى أو صوت الكلاب ، وتوجس تسمع إلى الصوت الخفى

(٢) هذا عجز بيت لرجل من أزد السراة وصدره* عجبت لمولود وليس له أب*

(٣) أماكنها فى باب الابتداء ، والعجب من الشارح المحقق فأنه أحال هنا على ما هناك وأحال هناك على ما هنا

٤٥

إلا الإبل ، وزاد الأخفش بلزا ، وقال السيرافى : الحبر صفرة الأسنان ، وجاء الإطل (١) والإبط ، وقيل : الإقط (٢) لغة فى الأقط ، وأتان إبد : أى ولود

قوله «ونحو قفل يجوز فيه قفل على رأى» يحكى عن الأخفش أن كلّ فعل فى الكلام فتثقيله جائز ، إلا ما كان صفة أو معتلّ العين كحمر وسوق فانهما لا يثقلان إلا فى ضرورة الشعر ، وكذا قال عيسى بن عمر : إن كلّ فعل كان فمن العرب من يخففه ومنهم من يثقله نحو عسر ويسر ، ولقائل أن يقول : بل الساكن العين فى مثله فرع لمضمومها كما هو كذلك في عنق اتفاقا ، فان قيل : جميع التفاريع المذكورة كانت أقل استعمالا من أصولها ؛ فان فخذا وعنقا ساكنى العين أقلّ منهما متحرّكيها ، وبهذا عرف الفرعية ، وعسر ويسر بالسكون أشهر منهما مضمومى العين ؛ فيكون الضم فيهما فرع السكون كما أشار إليه المصنف ، فالجواب أن ثقل الضمتين أكثر من الثقل الحاصل فى سائر الأصول المذكورة ، فلا يمتنع أن يحمل تضاعف الثقل فى بعض الكلمات على قلة استعمالها مع كونها أصلا ، وإذا كان الاستثقال فى الأصل يؤدى إلى ترك استعماله أصلا كما فى نحو يقول ويبيع وغير ذلك مما لا يحصى فما المنكر من أدائه إلى قلة استعماله؟

__________________

(١) إطل ـ بكسرتين ، وبكسر فسكون ـ والأيطل : الخاصرة ، قال امرؤ القيس

له أيطلا ظبى وساقا نعامة

و إرخاء سرحان وتقريب تتفل

وقال آخر :

لم تؤذ خيلهم بالثّغر واصدة

ثجل الخواصر لم يلحق لها إطل

(٢) الأقط ـ بكسرتين ، وبفتح فكسر ـ طعام يتخذ من اللبن المخيض ، قال امرؤ القيس

فتملأ بيتنا أقطا وسمنا

وحسبك من غنى شبع ورىّ

٤٦

هذا ، وإن كان عين فعل المفتوح الفاء حلقيا ساكنا جاز تحريكه بالفتح نحو الشّعر والشّعر والبحر والبحر ، ومثلهما لغتان عند البصريين في بعض الكلمات ، وليست إحداهما فرعا للأخرى ، وأما الكوفيون فجعلوا المفتوح العين فرعا لساكنها ، ورأوا هذا قياسا فى كل فعل شأنه ما ذكرنا ، وذلك لمناسبة حرف الحلق للفتح كما يجىء فى باب المضارع

قال : «وللرّباعىّ خمسة : جعفر ، زبرج ، برثن ، درهم ، قمطر ، وزاد الأخفش نحو جخدب ، وأما جندل وعلبط فتوالى الحركات حملهما على باب جنادل وعلابط ، وللخماسىّ أربعة : سفرجل ، قرطعب ، جحمرش ، قذعمل ، وللمزيد فيه أبنية كثيرة ، ولم يجيء فى الخماسىّ إلّا عضر فوط خزعبيل قرطبوس قبعثرى خندريس على الأكثر»

أقول : اعلم أن مذهب سيبويه وجمهور النحاة أن الرباعى والخماسى صنفان غير الثلاثى ، وقال الفراء والكسائى : بل أصلهما الثلاثى ، قال الفراء : الزائد فى الرباعى حرفه الأخير وفى الخماسى الحرفان الأخيران ، وقال الكسائى : الزائد فى الرباعى الحرف الذى قبل آخره ، ولا دليل على ما قالا ، وقد ناقضا قولهما باتفاقهما على أن وزن جعفر فعلل ووزن سفرجل فعلّل ، مع اتفاق الجميع على أن الزائد إذا لم يكن تكريرا يوزن بلفظه ، وكان ينبغى أن يكون للرباعى خمسة وأربعون بناء ، وذلك بأن تضرب ثلاث حالات الفاء فى أربع حالات العين فيصير اثنى عشر تضربها فى أربع حالات اللام الأولى يكون ثمانية وأربعين ، يسقط منها ثلاثة لامتناع اجتماع الساكنين ، وكان حقّ أبنية الخماسى أن تكون مائة وأحدا وسبعين ، وذلك بأن تضرب أربع حالات اللام الثانية فى الثمانية والأربعين المذكورة فيكون مائة واثنين وتسعين يسقط منها أحد وعشرون ، وذلك لأنه يسقط بامتناع سكون العين واللام الأولى فقط تسع حالات الفاء واللام

٤٧

الثانية ، وتسقط بامتناع سكون اللام الأولى والثانية فقط تسع حالات الفاء والعين ، وتسقط بامتناع سكون العين واللامين معا ثلاث حالات الفاء ، يبقى مائة وأحد وسبعون بناء ، اقتصر من أبنية الرباعي على خمسة متّفق عليها ، وزاد الأخفش فعللا بفتح اللام كجخدب ، وأجيب بأنه فرع جخادب ؛ بحذف الألف وتسكين الخاء وفتح الدال ، وهو تكلف ، ومع تسليمه فما يصنع بما حكى الفراء من طحلب وبرقع (١) وإن كان المشهور الضم لكن النقل لا يردّ مع ثقة الناقل وإن كان المنقول غير مشهور ، فالأولى القول بثبوت هذه الوزن مع قلته ؛ فنقول : إن قعددا (٢) ودخللا (٣) مفتوحى الدال واللام ـ على ما روى ـ وسؤددا (٤) وعوططا (٥) ملحقات بجخدب ، ولو لا ذلك لوجب الادغام كما يجىء فى موضعه. ويكون بهمى (٦) ملحقا ؛ لقولهم بهماة على ما حكى ابن الأعرابى ، ولا تكون

__________________

(١) الطحلب : خضرة تعلو الماء إذا طال مكثه ، والبرقع : نقاب المرأة وما يستربه وجه الدابة ، وكلاهما بضم فسكون ففتح ، وقد يكسر أول الثانى ، والأصل فيهما ضم الثالث

(٢) القعدد : الرجل الجبان القاعد عن الحرب والمكاره ؛ قال الشاعر :

دعانى أخى والخيل بينى وبينه

فلمّا دعانى لم يجدنى بقعدد

(٣) دخلل الرجل ودخلله بضم ثالثه أو فتحه ودخيلته : نيته ومذهبه لأن ذلك يداخله

(٤) السؤدد : مصدر قولك ساد الرجل قومه كالسيادة ، والدال الأولى مفتوحة أو مضمومة وقد تخفف الهمزة بقلبها واوا

(٥) العوطط : جمع عائط ، وهو اسم فاعل من قولك : عاطت الناقة تعوط ، إذا لم تحمل فى أول سنة يطرقها الفحل

(٦) قال فى اللسان : وقال الليث : البهمى نبت تجد به الغنم وجدا شديدا مادام أخضر ، فاذا يبس هر شوكه وامتنع ، ويقولون للواحد بهمى والجمع بهمى ، قال سيبويه : البهمى تكون واحدا وجمعا وألفها للتأنيث. وقال قوم ألفها للإلحاق والواحدة بهماة ، وقال المبرد : هذا لا يعرف ، لا تكون ألف فعلى بالضم لغير التأنيث ... قال ابن سيده : هذا قول أهل اللغة ، وعندى أن من قال بهماة فالألف ملحقة له بجخدب

٤٨

الألف للتأنيث كما ذهب إليه سيبويه

قوله «وأما جندل وعلبط» يعنى أن هذين ليسا بناءين للرباعى ، بل هما فى الأصل من المزيد فيه ؛ بدليل أنه لا يتوالى فى كلامهم أربع متحركات فى كلمة ، ألا ترى إلى تسكين لام نحو ضربت لما كان التاء كجزء الكلمة ، قال سيبويه : الدليل على أن هدبدا (١) وعلبطا مقصورا هدابد وعلابط أنك لا تجد فعللا إلا ويروى فيه فعالل كعلابط وهدابد ودوادم (٢) فى دودم ، وكما أن المذكورين ليسا ببناءين للرباعى ، بل فرعان للمزيد فيه ، فكذا عرتن ـ بفتحتين بعد هماضمة ـ وعرتن ـ بثلاث فتحات ـ ليسا بلغتين أصليتين ، بل الأول مخفف عرنتن بحذف النون ، والثانى مخفف عرنتن ، كما أن عرتنا ـ بفتح العين وإسكان الراء وضم التاء ـ فرع عرنتن بحذف النون وإسكان الراء ؛ وعرنتن : نبت ، وفيه ست لغات عرنتن وعرتن فرعه. وعرتن فرع الفرع ، وعرنتن ، وعرتن فرعه ، وعرتن فرع الفرع

وزاد محمد بن السّرىّ فى الخماسى خامسا وهو الهندلع لبقلة ، والحق الحكم بزيادة النون ؛ لأنه إذا تردد الحرف بين الأصالة والزيادة والوزنان باعتبارهما نادران فالأولى الحكم بالزيادة لكثرة ذى الزيادة كما يجىء ، ولو جاز أن يكون هندلع فعللا لجاز أن يكون كنهبل (٣) فعللا ، وذلك خرق لا يرقع فتكثر الأصول

__________________

فاذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه ، وجعل الألف للتأنيث فيما بعد ، فيجعلها للالحاق مع تاء التأنيث ، ويجعلها للتأنيث إذا فقد الهاء اه

(١) قال فى اللسان : الهدبد والهدابد اللبن الخاثر (الحامض) جدا. وقيل : ضعف البصر

(٢) الدودم والدوادم : شىء شبه الدم يخرج من شجر السمر

(٣) الكنهبل ـ بفتح الباء وضمها ـ شجر عظام وهو من العضاه ، قال سيبويه : أما كنهبل فالنون فيه زائدة لأنه ليس فى الكلام على مثال سفرجل (بضم الجيم)

٤٩

قوله «وللمزيد فيه أبنية كثيرة» ترتقى فى قول سيبويه إلى ثلثمائة وثمانية أبنية ، وزيد عليها بعد سيبويه نيف على الثمانين ، منها صحيح وسقيم ، وشرح جميع ذلك يطول ، فالأولى الاقتصار على قانون يعرف به الزائد من الأصل كما يجىء فى باب ذى الزيادة إن شاء الله تعالى

ولما كان المزيد فيه من الخماسى قليلا عده المصنف ؛ وإنما قال «على الأكثر» لأنه قيل : إن خندر يسا فنعليل ؛ فيكون رباعيا مزيدا فيه ، والأولى الحكم بأصالة النون ؛ إذ جاء برقعيد فى بلد ، ودرد بيس للداهية ، وسلسبيل وجعفليق وعلطبيس (١)

فان قيل : أليس إذا تردّد حرف بين الزيادة والأصالة وبالتقديرين يندر الوزن فجعله زائدا أولى؟

قلت : لا نسلم أولا أن فعلليلا نادر ، وكيف ذلك وجاء عليه الكلمات المذكورة؟ ولو سلمنا شذوذه قلنا : إنما يكون الحكم بزيادته أولى لكون أبنية المزيد فيه أكثر من أبنية الأصول بكثير ، وذلك فى الثلاثى والرباعى ، أما فى الخماسى فأبنية المزيد فيه منه مقاربة لأبنية أصوله ؛ ولو تجاوزنا عن هذا المقام أيضا قلنا : إن الحكم بزيادة مثل ذلك الحرف [يكون] أولى إذا كانت الكلمة بتقدير أصالة الحرف من الأبنية الأصول ، أما إذا كانت بالتقديرين من ذوات الزوائد كمثالنا ـ أعنى خندريسا ـ فان ياءه زائد بلا خلاف فلا تفاوت بين تقديره أصلا وزائدا ، ولو قال المصنف بدل خندريس برقعيد لاستراح من قوله «على الأكثر» لأنه فعلليل بلا خلاف ؛ إذ ليس فيه من حروف «اليوم تنساه»

__________________

(١) السلسبيل : اللين الذى لا خشونة فيه ، وربما وصف به الماء ، واسم عين فى الجنة ، قال الله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) والجعفليق : العظيمة من النساء. والعلطبيس : الأملس البراق

٥٠

شىء غير الياء ، ويمكن أن يكون إنما لم يذكره لما قيل : إنه أعجمى ، ولو ذكر علطميسا (١) وجعفليقا لم يرد شىء ؛ لأن حرف الزيادة غير غالب زيادته فى موضعه فيهما

قوله «جعفر» هو النهر الصغير ، و «الزّبرج» الزينة من وشى أو جوهر ، وقيل : الذهب ، وقيل : السحاب الرقيق ، و «البرثن» للسبع والطير كالأصابع للانسان ، والمخلب : ظفر البرثن ، و «القمطر» ما يصان فيه الكتب ، «والجخدب» الجراد الأخضر الطويل الرجلين ، وكذا الجخادب ، «والجندل» موضع فيه الحجارة ، والجنادل : جمع الجندل : أى الصخر ، كأنه جعل المكان لكثرة الحجارة فيه كأنه حجارة ، كما يقال : مررت بقاع عرفج (٢) كلّه ، و «العلبط» الغليظ من اللبن وغيره ، يقال : ما فى السماء قرطعب : أى سحابة ، وقال ثعلب : هو دابة ، و «الجحمرش» العجوز المسنة ، يقال : ما أعطانى قذ عملا : أى شيئا ، والقذ عملة : الناقة الشديدة ، و «العضرفوط» دويبة ، و «الخزعبيل» الباطل من كلام ومزاح ، و «القرطبوس» بكسر القاف ـ الداهية والناقه العظيمة الشديدة ، وفيه لغة أخرى بفتح القاف ،

__________________

(١) العلطميس : الضخم الشديد ، والجارية الحسنة القوام ، والكثير الأكل الشديد البلع ، والهامة الضخمة الصلعاء ، قال الراجز : ـ

لمّا رأت شيب قذالى عيسا

وهامتى كالطّست علطميسا

لا يجد القمل بها تعريسا

(٢) العرفج ـ بزنة جعفر وزبرج ـ نت ، قيل : هو من شجر الصيف لين أغبر له ثمرة خشناء كالحسك ، وقيل : طيب الريح أغبر إلى الخضرة وله زهرة صفراء وليس له حب ولا شوك. وقال المؤلف فى شرح الكافية (ج ١ ص ٢٨٣ طبعة الآستانه) : «ومن النعت بغير المشتق قولهم مررت بقاع عرفج كله : أى كائن من عرفج ، وقولهم مررت بقوم عرب أجمعون : أى كائنين عربا أجمعون» اه

٥١

والأول هو المراد هنا لئلا يتكرر بناء عضرفوط ، و «القبعثرى» الجمل الضخم الشديد الوبر ، وليست الألف فيه للإلحاق ؛ إذ ليس فوق الخماسى بناء أصلى يلحق به (١) ، وليست أيضا للتأنيث لأنه ينوّن ويلحقه التاء نحو قبعثراة ، بل الألف لزيادة البناء كألف حمار ونحوه ، و «الخندريس» اسم من أسماء الخمر.

واعلم أن الزيادة قد تكون للالحاق بأصل ، وقد لا تكون

ومعنى الإلحاق فى الاسم والفعل أن تزيد حرفا أو حرفين على تركيب زيادة غير مطردة فى إفادة معنى ؛ ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة مثل كلمة أخرى فى عدد الحروف وحركاتها المعينة والسكنات ، كلّ واحد فى مثل مكانه فى الملحق بها ، وفى تصاريفها : من الماضى والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول إن كان الملحق به فعلا رباعيا ، ومن التصغير والتكسير إن كان الملحق به اسما رباعيا لا خماسيا

وفائدة الإلحاق أنه ربما يحتاج فى تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب فى شعر أو سجع

ولا نحتم بعدم تغير المعنى بزيادة الإلحاق على ما يتوهم ، كيف وإن معنى حوقل مخالف لمعنى حقل (٢) ، وشملل مخالف لشمل معنى (٣) وكذا كوثر

__________________

(١) كان من حقه ، مراعاة لما سيأتى له ذكره قريبا ، أن يقول هنا : إذ ليس فوق الخماسى لفظ على هذه الزنة يلحق به ، من غير تقييده بأصلى

(٢) حقل يحقل ـ من باب ضرب يضرب ـ زرع ، وحقلت الإبل تحقل ـ من باب تعب يتعب ـ أصيبت بالحقلة ، وهى من أدواء الإبل. وأما حوقل فمعناه ضعف وقد تقدم

(٣) شملت الريح ـ من باب قعد ـ شملا وشمولا : تحولت شمالا ؛ وشمل الخمر ـ من باب نصر ـ عرضها للشمال ؛ وشمل الشاة ـ من باب نصر وضرب ـ علق عليها

٥٢

ليس بمعنى (١) كثر ، بل يكفى أن لا تكون تلك الزيادة فى مثل ذلك الموضع مطردة فى إفادة معنى ، كما أن زيادة الهمزة فى أكبر وأفضل للتفضيل ، وزيادة ميم مفعل للمصدر أو الزمان أو المكان ، وفى مفعل للآلة ، فمن ثمّة لا نقول إن هذه الزيادات للالحاق وإن صارت الكلم بها كالرباعى فى الحركات والسكنات المعينة ومثله فى التصغير والجمع ، وذلك لظهور زيادة [هذه] الحروف للمعانى المذكورة ، فلا نحيلها على الغرض اللفظى مع إمكان إحالتها على الغرض المعنوى ، وليس لأحد أن يرتكب كون الحرف المزيد لإفادة معنى للإلحاق أيضا ، لأنه لو كان كذلك لم يدغم نحو أشدّ ومردّ ؛ لئلا ينكسر وزن جعفر ، ولا نحو مسلّة ولا مخدّة لئلا ينكسر وزن درهم ، كما لم يدغم مهدد وقردد محافظة على وزن جعفر ، وذلك أن ترك الادغام فى نحو قردد ليس لكون أحد الدالين زائدا وإلا لم يدغم نحو قمدّ (٢) لزيادة أحد داليه ، ولم يظهر نحو ألندد ويلندد (٣)

__________________

الشمال (وهو كيس يجعل على ضرعها) وشملهم أمر ـ من باب فرح ونصر ـ وشمولا أيضا : عمهم. وشمل الرجل وانشمل وشملل : أسرع وشمر ، وبهذا تعلم أن المخالفة بين شمل وشملل فى غير المعنى الأخير

(١) الكوثر : الكثير من كل شىء ، قال الشاعر : ـ

و أنت كثير يابن مروان طيّب

وكان أبوك ابن العقائل كوثرا

والكوثر أيضا : النهر ، ونهر فى الجنة يتشعب منه جميع أنهارها ؛ فالمخالفة إذن فى غير المعنى الأول

(٢) القمد ـ بضم أوله وثانيه كعتل ـ القوى الشديد ، قال الشاعر : ـ

فضحتم قريشا بالفرار وأنتم

قمدّون سودان عظام المناكب

(٣) الألندد واليلندد : مثل الألد ، وهو الشديد الخصومة. قال ابن جنى : همزة ألندد وياء يلندد كلتاهما للالحاق. فان قلت : إذا كان الزائد إذا وقع أولا لم يكن للالحاق فكيف ألحقوا الهمزة والياء فى ألندد ويلندد ، والدليل على صحة الالحاق

٥٣

لأصالة الدالين ، بل هو للمحافظة على وزن الملحق به ، فكان ينبغي أيضا أن لا يدغم نحو أشدّ ومردّ ومسلّة لو كانت ملحقة

هذا ؛ وربما لا يكون لأصل الملحق معنى فى كلامهم ، ككوكب (١) وزينب فانه لا معنى لتركيب ككب وزنب

قولنا «أن تزيد حرفا» نحو كوثر وقعدد ، وقولنا «أو حرفين» كألندد ويلندد وحبنطى (٢) فان الزيادتين فى كل واحد منهما للالحاق

وأما اقعنسس واحرنبى (٣) فقالوا : ليس الهمزة والنون فيهما للالحاق ، بل إحدى سينى اقعنسس وألف أحرنبى للالحاق فقط ، وذلك لأن الهمزة والنون فيهما فى مقابلة الهمزة والنون الزائدتين فى الملحق به أيضا

ولا يكون الالحاق إلا بزيادة حرف فى موضع الفاء أو العين أو اللام ،

__________________

ظهور التضعيف؟ قيل : إنهم لا يلحقون بالزائد من أول الكلمة إلا أن يكون معه زائد آخر ؛ فلذلك جاز الألحاق بالهمزة والياء فى ألندد ويلندد لما انضم إلى الهمزة والياء من النون اه ، ولعل هذه القضية المسلمة مأخوذة من استقراء كلام العرب وعليه فلا ترد مناقشة الشارح الآتية

(١) التمثيل بكوكب مبنى على أن الواو فى هذه الكلمة كالواو فى جوهر (زائدة للألحاق) وهو أحد رأيين ، والآخر أن الواو أصلية واحدى الكافين زائدة. قال فى اللسان : قال التهذيب : ذكر الليث الكوكب فى باب الرباعى ذهب أن الواو أصلية قال : وهو عند حذاق النحويين من هذا الباب (يقصد : وك ب) صدر بكاف زائدة والأصل وكب ، أو كوب اه

(٢) تقول : رجل حبنطى ـ بالتنوين ـ أى غليظ قصير بطين

(٣) اقعنسس فهو مقعنسس. والمقعنسس : الشديد ، والمتأخر أيضا ؛ وقال ابن دريد : رجل مقعنسس ، إذا امتنع أن يضام. واحرنبى الرجل : تهيأ للغضب والشر ، واحرنبى أيضا : استلقى على ظهره ورفع رجليه نحو السماء

٥٤

هذا ما قالوا ، وأنا لا أرى منعا من أن يزاد للالحاق لا فى مقابلة الحرف الأصلى إذا كان الملحق به ذا زيادة ، فنقول : زوائد اقعنسس كلها للالحاق باحرنجم.

وقد تلحق الكلمة بكلمة ثم يزاد على الملحقة ما يزاد على الملحق بها ، كما ألحق شيطن وسلقى (١) بدحرج ، ثم ألحقا بالزيادة فقيل : تشيطن واسلنقى كما قيل : تدحرج واحرنجم ، فيسمى مثله ذا زيادة الملحق ، وليس اقعنسس كذلك ؛ إذا لم يستعمل قعسس

ولا تلحق كلمة بكلمة مزيد فيها إلا بأن يجيء فى الملحقة ذلك الزائد بعينه فى مثل مكانه ؛ فلا يقال : إن اعشوشب واجلوّذ (٢) ملحقان باحرنجم لأن الواو فيهما فى موضع نونه ؛ ولهذا ضعف قول سيبويه في نحو سودد : إنه ملحق بجندب (٣) المزيد نونه ، وقوى قول الأخفش : إنه ثبت نحو جخدب ، وإن نحو سودد ملحق به.

وقولنا «والمصدر» يخرج نحو أفعل وفعّل وفاعل ؛ فانها ليست ملحقة بدحرج لأن مصادرها إفعال وتفعيل ومفاعلة ، مع أن زياداتها مطردة لمعان سنذكرها ، ولا تكفى مساواة إفعال وفيعال وفعّال كأخرج إخراجا وقاتل قيتالا وكذّب كذّابا لفعلال مصدر فعلل ؛ لأن المخالفة فى شىء من التصاريف تكفى فى الدلالة على عدم الإلحاق ، لا سيما وأشهر مصدرى فعلل فعللة

__________________

(١) شيطن الرجل وتشيطن : صار كالشيطان وفعل فعله. وسلقاه : ألقاه على ظهره ، وأسلنقى : مطاوعه.

(٢) اعشوشبت الأرض : كثر عشبها. واجلوذ الليل : ذهب. واجلوذ بهم السير : دام مع السرعة ، ومنه اجلوذ المطر

(٣) الجندب : الذكر من الجراد ، وقيل : الصغير منه

٥٥

وقولنا «فى التصغير والتكسير» يخرج عنه نحو حمار ، وإن كان بوزن قمطر ؛ لأن جمعه قماطر ولا يجمع حمار على حمائر بل حمر وأحمرة ، وأما نحو شمائل (١) فى جمع شمال فلا يرد اعتراضا ؛ لأن فعائل غير مطرد فى جمع فعال.

وقولنا «لا خماسيا» لأن الملحق به لا يحذف آخره فى التصغير والتكسير كما يحذف فى الخماسى ، بل يحذف الزائد منه أين كان ؛ لأنه لما احتيج إلى حذف حرف فالزائد أولى ؛ وأما إذا كان المزيد للالحاق حرف لين رابعا فى الخماسى فانه ينقلب ياء نحو كناهير فى جمع كنهور (٢)

قيل : لا يكون حرف الإلحاق فى الأول ؛ فليس أبلم (٣) ملحقا ببرثن ولا إثمد بزبرج (٤) ؛ ولا أرى منه مانعا ، فانها تقع أولا للالحاق مع مساعد اتفاقا ، كما فى ألندد ويلندد وإدرون (٥) فما المانع أن يقع بلا مساعد؟

__________________

(١) الشمال ـ بزنة كتاب ـ الطبع والسجية. قال عبد يغوث بن وقاص الحارثى

ألم تعلما أنّ الملامة نفعها

قليل ، وما لومى أخى من شماليا

والشمال أيضا : ضد اليميين ، قال الله تعالى (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) والشمال أيضا : الشؤم ، قال الشاعر : ـ

ولم أجعل شؤونك بالشّمال

أى : لم أضعها موضع شؤم

(٢) الكنهور ـ بزنة سفرجل ـ العظيم المتراكب من السحاب ، وقيل : قطع من السحاب أمثال الجبال ، والنون والواو زائدتان للالحاق بسفرجل

(٣) الأبلم ـ بضمتين بينهما سكون ، أو كسرتين بينهما سكون ـ هو الخوص ، واحدته أبلمة ، وفى الحديث «الأمر بيننا وبينكم كقد الأبلمة» أى : أنه على نصفين متساويين كما تشق الخوصة نصفين

(٤) الاثمد ـ بكسرتين بينهما سكون ـ حجر يتخذ منه الكحل

(٥) الأدرون ـ بزنة جردحل ـ المكان الذى يوضع فيه علف الفرس. وهو

٥٦

قيل : ولا يقع الألف للالحاق فى الاسم حشوا ؛ لأنه يلزمها فى الحشو الحركة فى بعض المواضع ، ولا يجوز تحريك ألف فى موضع حرف أصلى ؛ وإنما وجب تحريكها لأن الثانى يتحرك فى التصغير ؛ وكذا الثالث والرابع الوسط يتحرك أيضا فى التصغير والتكسير إذا حذف الخامس ؛ وأما الآخر فقد لا يتحرك كسلمي وبشرى

والاعتراض عليه أنه ما المحذور من تحريك ألف فى مقابلة الحرف الأصلى؟ ومع التسليم فانه لا يلزم تحريكها فى نحو علابط لا فى التصغير ولا فى التكسير ، بل تحذف ، فلا بأس بأن نقول : هو ملحق بقذعمل ، وقولهم «الرابع الوسط يتحرّك فى التصغير والتكسير إذا حذف الخامس» ليس بمستقيم ؛ لأن الألف تقلب إذن ياء ساكنة كسر يديح وسراديح فى سرداح (١) ، ومع التسليم يلزمهم أن لا يزاد الألف فى الآخر نحو أرطى (٢) ومعزى لأنه يتحرك بالحركة الاعرابية بعد قلبه ياء فى التصغير والتكسير

واحترز بعضهم من هذا فقال : الألف لا تكون للالحاق أصلا ، وأصلها فى نحو أرطى ومعزى ياء ، ولا دليل على ما قال ؛ وإنما قلبت فى رأيت أريطيا وأراطي لكسرة ما قبلها

ولما لم يؤد الأمر إلى تحريك الألف وسطا فى الفعل حكم الزمخشرى وتقبله المصنف بكون ألف نحو تغافل للالحاق بتدحرج ، وهو وهم ، لأن الألف فى مثله غالبة فى إفادة معنى كون الفعل بين اثنين فصاعدا ، ولو كان للالحاق لم يدغم نحو تمادّ وترادّ ، كما لم يدغم نحو مهدد كما بينا ، ولو كان الألف فى تغافل

__________________

الأصل أيضا ، ويقال : رجع فلان إلى إدرونه ، ويقال : فلان إدرون شر ، إذا كان نهاية فى الشر ، قال ابن جنى : هو ملحق بحردحل ، وذلك أن الواو التى فيها ليست مدا لأن ما قبلها مفتوح فشابهت الأصول بذلك فألحقت بها اه

(١) السرداح ـ بوزن قرطاس ، بكسر القاف ـ الناقة الطويلة والضخم من كل شىء والأسد القوى الشديد

(٢) الأرطى ـ بفتح فسكون ـ شجر ينبت فى الرمل ، واحدته أرطاة

٥٧

للالحاق لكان فى مصدره واسمى فاعله ومفعوله أيضا ، فلم يصح إطلاق قولهم : «إن الألف لا تكون للالحاق فى الاسم وسطا»

وكذا نحو تكلّم ليس التضعيف فيه للالحاق بتدحرج كما ادّعيا ؛ لوضوح كون التضعيف لمعنى ، وما غرهما إلا موافقة البناءين لتدحرج فى تصاريفه ،

وإنما جوز حذف الألف للساكنين فى نحو أرطى ومعزى مع أن الوزن ينكسر به كما ينكسر بادغام نحو مهدد وقردد ؛ لأن هذا الانكسار ليس لازما ، إذ التنوين فى معرض الزوال وترجع الألف مع اللام والاضافة نحو الأرطى وأرطى هذا الموضع

ولبقاء الوزن تقديرا مع سقوط اللام للتنوين حكم سيبويه بكون جوار وأعيل (١) غير منصرفين

هذا ، ولما لم يقم دليل على امتناع كون الألف فى الوسط للالحاق جاز أن يحكم فى نحو ساسم (٢) وخاتم وعالم بكونها للالحاق بجعفر ، وبكونها فى نحو علابط للالحاق بقذعمل

__________________

(١) أعيل ـ بضم الهمزة وفتح العين ـ تصغير أعلى الذى هو أفعل تفضيل من العلو والأصل الأول فى المصغر أعيلو ، ثم قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسره ، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذفت الضمة فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين ، ثم حذف التنوين لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل ، ثم خيف من رجوع الياء لزوال الساكنين فجىء بالتنوين عوضا عن هذه الياء. هذا مذهب سيبويه والخليل على ما ارتضاه المحققون فى تقرير مذهبهما ، وهو مبنى على أن الاعلال مقدم على منع الصرف لقوة سببه وهو الاستثقال الظاهر المحسوس فى الكلمة ، وأما منع الصرف فسببه ضعيف إذ هو مشابهة الاسم للفعل وهى غير ظاهرة. وفى المسألة مذاهب أخرى لا نرى الأطالة بذكرها

(٢) الساسم : شجر أسود ، قيل : هو الآبنوس ، وقيل : شجر يتخذ منه القسى والأمشاط والقصاع والجفان

٥٨

ثم نقول : الاسم الملحق بالرباعى كثير : فوعل ككوثر ، وفيعل كزينب ، وفعول كجدول ، وفعلل مضعف اللام كمهدد ، وفعلى كأرطى ، وفعلن كرعشن (١) ، وفعلنة كعرضنة (٢) ، وفعلن كفرسن (٣) ، وفعلتة كسنبتة (٤) ، وفنعل كعنسل (٥) ، وفعلّ كخدبّ (٦) ، وفنعل كخنفس (٧) وعند الأخفش فعلل مضعّف اللام ملحق بجخدب كسؤدد ؛ ولا يمتنع على ما ذكرنا أن يكون أفعل وإفعل كأبلم وإجرد (٨) للألحاق ، وأما إفعل كإصبع فلا ؛ لإدغام نحو إوزّ ، وكذا يفعل يكون للالحاق كيلمع (٩) وكذا فاعل كعالم

__________________

(١) الرعشن ـ بفتحتين بينهما ساكن ـ المرتعش.

(٢) العرضنة ـ بكسر ففتح فسكون ـ الاعتراض فى السير من النشاط ، يقال : تعدو الفرس العرضنة : أى معترضة مرة من وجه ومرة من آخر ، ونظرت إلى فلان عرضنة : أى بمؤخر عينى.

(٣) الفرسن : طرف خف البعير

(٤) السنبتة : الحقبة وهى المدة من الزمن ، تقول : عشنا فى الرخاء سنبتة. والتاء الأولى فيه زائدة للألحاق على قول سيبويه ، يدل على زيادتها أنك تقول سنبة ، أما التاء الثانية فهى تاء التأنيث وهى موجودة فى الحالين

(٥) العنسل : الناقة السريعة ، وهى مأخوذة من العسلان ، وهو عدو الذئب ، والزائد فيه النون عند سيبويه ، واللام عند غيره

(٦) الخدب ـ بكسر ففتح فباء مشددة ـ الضخم والشيخ والعظيم الجافى

(٧) الخنفس والخنفساء ـ بضم الخاء وسكون النون وفتح الفاء ، وضمها لغة فيهما ـ دويبة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح

(٨) الاجرد ـ بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه وتشديد آخره ـ نبت يدل على الكمأة واحدته إجردة ، قال النضر : ومنهم من يقول إجرد بتخفيف الدال مثل إثمد ، وهذا الذى عناه الشارح

(٩) اليلمع : السراب ، وما لمع من السلاح ، واسم برق خلب

٥٩

وكذا الملحق بالخماسى من الثلاثى والرباعى كثير ؛ فمن الثلاثى الملحق بسفرجل نحو صمحمح (١) وعفنجج (٢) وكروّس (٣) وعملّس (٤) وعثوثل (٥) وهبيّخ (٦) وعقنقل (٧) وخفيدد وخفيفد (٨) والندد ويلندد وحبنطى ، ومن الرباعى جحنفل (٩) وحبوكر (١٠) ، ومن الملحق بقرطعب من الثلاثى

__________________

(١) الصمحمح ـ كسفرجل ـ الشديد القوى ، والأنثى صمحمحة

(٢) العفنجچ ـ كسفرجل ـ الضخم الأحمتى

(٣) الكروس ـ كسفرجل ـ الشديد

(٤) العملس ـ كسفرجل ـ القوى الشديد على السفر. والذئب والكلب الخبيثان ، قال عدى بن الرقاع يمدح عمر بن عبد العزيز : ـ

عملّس أسفار إذا استقبلت له

سموم كحرّ النّار لم يتلثّم

وقال الطرماح يصف كلاب الصيد : ـ

يوزّع بالأمراس كلّ عملّس

من المطعمات الصيّد غير الشّواحن

(٥) العثوثل : الكثير اللحم الرخو

(٦) الهبيخ ـ كسفرجل ـ الرجل الذى لا خير فيه ، والأحمق المسترخى. والهبيخ فى لغة حمير : الغلام الممتلىء ، والهبيخة : الجارية التارة الممتلئة بلغتهم أيضا

(٧) العقنقل ـ كسفرجل ـ الكثيب العظيم من الرمل إذا ارتكم بعضه على بعض

(٨) الخفيدد والخفيفد ـ كسفرجل ـ الظليم (ذكر النعام) الخفيف ، وقيل : الطويل الساقين. قيل للظليم خفيدد لسرعته ، وتقول : خفد ـ كفرح ـ خفدا ، وخفد ـ كضرب ـ خفدا ، إذا أسرع فى مشيته وفى بعض النسخ مكان خفيفد «خفندد» ومعناه صاحب المال الحسن القيام عليه

(٩) الجحنفل : الغليظ

(١٠) الحبوكر : الداهية ، ورمل يضل فيه السالك

٦٠