شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

وكلتا عند سيبويه (١) ، وقولهم منت (٢) بسكون النون مثلها ، لكنها

__________________

قال : وأصل التاء فيها هاء وإنما صارت تاء فى الوصل» اه بتصرف. وأما ذيت. فالقول فيها كالقول فى كيت تماما. وأما ثنتان فقد قال فى اللسان : «والاثنان ضعف الواحد ، والمؤنث الثنتان ، تاؤه مبدلة من ياء ، ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيت لأن الاثنين قد ثنى أحدهما إلى صاحبه ، وأصله ثنى (كجبل) يدلك على ذلك جمعهم إياه على أثناء بمنزلة أبناء وآخاء ، فنقلوه من فعل (بفتح الفاء والعين) إلى فعل (بكسر الفاء وسكون العين) كما فعلوا ذلك فى بنت ، وليس فى الكلام تاء مبدلة من الياء فى غير افتعل إلا ما حكاه سيبويه من قولهم : أسنتوا ، وما حكاه أبو على من قولهم : ثنتان اه ، وقوله أسنتوا قال عنه ابن يعيش (١٠ : ٤٠) : «وقولهم أسنتوا أى أجدبوا ، وهو من لفظ السنة على قول من يرى أن لامها واو ؛ لقولهم سنة سنواء واستأجرته مساناة ؛ ومنهم من يقول التاء بدل من الواو ، ومنهم من يقول إنها بدل من الياء ، وذلك أن الواو إذا وقعت رابعة تنقلب ياء على حد أوعيت وأغزيت ثم أبدل من الياء التاء ، وهو أقيس» اه

(١) قال ابن يعيش فى شرح المفصل (ح ١ ص ٥٥): «وقد اختلف العلماء فى هذه التاء (يريد تاء كلتا) فذهب سيبويه إلى أن الألف للتأنيث والتاء بدل من لام الكلمة كما أبدلت منها فى بنت وأخت ووزنها فعلى كذكرى وحفرى ـ وهو نبت ـ وذهب أبو عمر الجرمى إلى أن التاء للتأنيث والألف لام الكلمة كما كانت فى كلا ، والأوجه الأول ، وذلك لأمرين : أحدهما : ندرة البناء وأنه ليس فى الأسماء فعتل (بكسر الفاء وسكون العين وفتح التاء) ، والثانى : أن تاء التأنيث لا تكون فى الأسماء المفردة إلا وقبلها مفتوح نحو حمزة وطلحة وقائمة وقاعدة ، وكلتا اسم مفرد عندنا ، وما قبل التاء فيه ساكن فلم تكن تاؤه للتأنيث مع أن تاء التأنيث لا تكون حشوا فى كلمة ، فلو سميت رجلا بكلتا لم تصرفه فى معرفة ولا نكرة كما لو سميت بذكرى وسكرى لأن الألف للتأنيث ، وقياس مذهب أبى عمر الجرمى ألا تصرفه فى المعرفة وتصرفه فى النكرة ؛ لأنه كقائمة وقاعدة إذا سمى بهما فاعرفه» اه. ويؤخذ مما ذكره المؤلف فى باب النسب أن من العلماء من ذهب إلى أن التاء بدل من الواو التى هى لام الكلمة وليس فيها معنى التأنيث كالتاء فى ست ، وأصله سدس ؛ وكالتاء فى تكلة وترات وأصلها وكلة ووراث

(٢) منت : أصله من زيدت فيه التاء عند الحكاية وقفا للدلالة على تأنيث المحكى

٢٢١

ليست بدلا من اللام ، إذ لا لام لمن وضعا ، وتقول فى تصغيرها : أخيّة ، وبنيّة ، وهنيّة ، وهنيهة ، لأن لامها ذات وجهين كسنة ، وتصغير سنة أيضا على سنيّة وسنيهة ، وتقول فى منت : منيّة كما تصغر من على ما ذكرنا ، وتقول فى كيت وذيت : كييّة وذييّة ؛ لقولهم فى المكبر ذيّة وكيّة أيضا ، ومن قال أصلهما كوية وذوية لكون باب طوى أكثر من باب حيى قال : كويّة وذويّة ، وإنما فتحت ما قبلها فى التصغير ووقفت عليها هاء لأنك إذا رددت اللام لم يكن التاء بدلا منها ، وإذا سميت بضربت قلت : ضربة كما مر فى العلم وتصغرها على ضريبة ، وتقول فى تصغير فل (١) فلين ؛ لأن لامه نون من قولهم

__________________

والأفصح فيه أن يقال : منه ، بتحريك نونه وإبدال تائه هاء

(١) هذا الذى ذهب إليه المؤلف فى هذه الكلمة هو مذهب الكوفيين فى «فل» التى تختص بالنداء فى نحو قولهم يافل ويافلة وهو مذهب جميع النحاة فى فل التى تستعمل فى غير النداء من مواقع الكلام نحو قول الشاعر

* فى لجّة أمسك فلانا عن فل*

ومذهب البصريين فى المختص بالنداء أن لامه ياء وأنه يقال فى تصغيره فلى. قال أبو الحسن الأشمونى : «لا يستعمل فل فى غير النداء ويقال للمؤنثة : يا فلة ، واختلف فيهما ، فمذهب سيبويه أنهما كنايتان عن نكرتين ففل كناية عن رجل وفلة كناية عن امرأة ، ومذهب الكوفيين أن أصلهما فلان وفلانة فرخما ، ورده الناظم ، لأنه لو كان مرخما لقيل فيه فلا ، ولما قيل فى التأنيث فلة ، وذهب الشلوبين وابن عصفور وصاحب البسيط إلى أن فل وفلة كناية عن العلم نحو زيد وهند بمعنى فلان وفلانة ، وعلى ذلك مشى الناظم وولده. قال الناظم فى شرح التسهيل وغيره : إن يافل بمعنى يا فلان ويافلة بمعنى يا فلانة. قال : وهما الأصل ، فلا يستعملان منقوصين فى غير نداء إلا فى ضرورة فقد وافق الكوفيين فى أنهما كناية عن العلم وأن أصلهما فلان وفلانة وخالفهم فى الترخيم ورده بالوجهين السابقين» اه. وقال بعد ذلك : «وجر فى الشعر فل ؛ قال الراجز : فى لجة ... ؛

٢٢٢

فلان ، وتقول فى تصغير قط ورب وبخ مخففات : قطيط وربيب وبخيخ (١) وتقول فى تصغير ذه مسكن الهاء ذيىّ لأن الهاء بدل من الياء ، والأصل ذى كما مر فى أسماء الإشارة

__________________

والصواب أن أصل هذا فلان وأنه حذف منه الألف والنون للضرورة كقوله :

* درس المنا بمتالع فأبان*

أى درس المنازل وليس هو فل المختص بالنداء ، إذ معناهما مختلف على الصحيح كما مر أن المختص بالنداء كناية عن اسم الجنس ، وفلان كناية عن علم ومادتهما مختلفة ، فالمختص مادته من ف ل ى فلو صغرته قلت فلى وهذا مادته ف ل ن فلو صغرته قلت فلين» اه. وقال ابن منظور فى اللسان : «قال ابن بزرج : يقول بعض بنى أسد : يافل أتبل ويافل أقبلا ويافل أقبلوا وقالوا للمرأة فيمن قال يافل أقبل يا فلان أقبلى وبعض بنى تميم يقول يا فلانة أقبلى ، وبعضهم يقول يا فلاة أقبلى ، وقال غيرهم : يقال للرجل : يافل أقبل وللاثنين يا فلان ويافلون للجميع أقبلوا وللمرأة يافل (بفتح اللام) أقبلى ويا فلتان ويا فلاة أقبلن نصب فى الواحد لأنه أراد يا فلة فنصبوا الهاء. ثم قال قال الخليل : فلان تقديره فعال (بضم الفاء) وتصغيره فلين (بتشديد الياء) قال : وبعض يقول : هو فى الأصل فعلان (بضم الفاء وسكون العين) حذفت منه واو. قال : وتصغيره على هذا القول فليان ، وروى عن الخليل أنه قال : فلان نقصانه ياء أو واو من آخره والنون زائدة لانك تقول فى تصغيرة فليان فيرجع إليه ما نقص وسقط منه ولو كان فلان مثل دخان لكان تصغيره فلين مثل دخين (بتشديد الياء فيهما) ولكنهم زادوا ألفا ونونا على فل (بفتح اللام)» اه ملخصا

(١) قال ابن هشام : قط على ثلاثة أوجه ـ أحدها ـ أن تكون ظرف زمان لاستغراق ما مضى ، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة فى أفصح اللغات ...

... وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين وقد تتبع قافه طاءه فى الضم وقد تخفف طاءه مع ضمها أو إسكانها ـ والثانى : أن تكون بمعنى حسب ؛ وهذه مفتوحة القاف ساكنة الطاء ، ويقال فيها : قطى وقطك ... ـ والثالث : أن تكون اسم فعل بمعنى يكفى فيقال قطنى بنون الوقاية» اه ومثل هذا فى شرح الكافية للمؤلف (ح ٢

٢٢٣

قوله «بخلاف ميت وهار وناس» الأصل ميّت وهائر (١) وأناس ، حذفتها لا لعلة موجبة ، بل للتخفيف ؛ وهذه العلة غير زائلة فى حال التصغير ، ولا حاجة ضرورية إلى رد المحذوف ، كما كانت فى القسم المتقدم ، إذ يتم بنية التصغير بدونها ، وكذا لا ترد المحذوف فى تصغير يرى وترى وأرى ونرى ، ويضع وتضع ، وخير وشر ، بل تقول : يرىّ وترىّ وأرى ونرىّ ويضيع وتضيع وخيير وشرير ؛ وحكى يونس أن أبا عمرو كان يقول فى مر : مرىء كمريع ، يهمز ويكسر كمعيط فى معط ؛ فألزمه سيبويه أن يقول فى ميت وناس مييت وأنيس ، وكان المازنى يرد نحو يضع وهار إلى أصله ، نحو يويضع وهو يئر

__________________

ص ١١٧) وزاد أنه يقال فى قط الظرفية قط بضم القاف مع تخفيف الطاء مضمومة ومراد المؤلف هنا قط الظرفية المخففة على أى وجه من وجوهها. وقال صاحب المغنى : «وفى رب ست عشرة لغة ضم الراء وفتحها وكلاهما مع التشديد والتخفيف والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو محركة ومع التجرد منها فهذه اثنتا عشرة والضم والفتح مع إسكان الباء وضم الحرفين مع التشديد ومع التخفيف». وبخ : كلمة نقال عند تعظيم الشى ، أو استحسانه وهى بسكون الخاء وبكسرها منونة أو بغير تنوين وبتشديدها مكسورة مع التنوين وبضمها مخففة مع التنوين ؛ فان كررتها سكنتهما أو نونتهما مع الكسر أو نونت الأولى وسكنت الثانية

(١) قال فى اللسان : «هار البناء هورا هدمه. وهار البناء والجرف يهور هورا وهؤورا فهو هائر وهار على القلب» اه ، فالفعل لازم ومتعد ؛ وقوله وهار على القلب يريد أن أصله هاور ثم قدمت الراء على الواو فصار هاروا ثم قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة فصار هاريا ثم أعل إعلال قاض. وقال فى اللسان أيضا : «الناس قد يكون من الانس ومن الجن ، وأصله أناس فخفف ، ولم يجعلوا الألف واللام فيه عوضا من الهمزة المحذوفة ، لأنه لو كان كذلك لما اجتمع مع المعوض منه فى قول الشاعر :

«إنّ المنايا يطّلع

ن على الأُناس الآمنينا»

اه

٢٢٤

قال السيرافى : فيلزمهم أن يقولوا : أخيّر وأشيّر ، وقد حكى يونس عن جماعة هو يئر ، فقال سيبويه : هذا تصغير هائر لا تصغير هار (١) ، كما قالوا فى تصغير بنون أبينون ، وهو تصغير أبنى مقدرا كأضحى ، وإن لم يستعمل كما مر فى شرح الكافية (٢) فى الجمع ، ولو كان تصغير بنون على لفظه قلت بنيّون

__________________

(١) يريد أنك إذا صغرت هائرا الذى بقى على أصله من غير قلب مكانى قلت هو يئر كما تقول سويئل ونويئل وصويئم فى تصغير سائل ونائل وصائم ، وإذا أردت تصغير هار الذى قدمت لامه على عينه قلت هوير كما تقول قويض وغويز فى تصغير قاض وغاز

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٧٠ ، ١٧١): «الشاذ من جمع المذكر بالواو والنون كثير منها أبينون ، قال :

زعمت تماضر أنّنى إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتى

وهو عند البصريين جمع أبين وهو تصغير أبنى مقدرا على وزن أفعل كأضحى فشذوذه عندهم لأنه جمع لمصغر لم يثبت مكبره. وقال الكوفيون : هو جمع أبين ، وهو تصغير أبن مقدرا وهو جمع أبن كادل فى جمع دلو ، فهو عندهم شاذ من وجهين كونه جمعا لمصغر لم يثبت مكبره ومجىء أفعل فى فعل وهو شاذ كأجبل وأزمن ، وقال الجوهرى : شذوذه لكونه جمع أبين تصغير ابن بجعل همزة الوصل قطعا ، وقال أبو عبيد : هو تصغير بنين على غير قياس» اه. قال البغدادى (ح ٣ ص ٤٠١): «وقال ابن جنى فى إعراب الحماسة : ذهب سيبويه إلى أن الواحد المكبر من هذا الجمع أبنى على وزن أفعل مفتوح العين بوزن أعمى ثم حقر أيضا فصار أبين كأعيم ثم جمع بالواو والنون فصار أبينون ثم حذفت النون للأضافة فصار أبينوها ، وذهب الفراء إلى أنه كسر ابنا على أفعل مضموم العين ككلب وأكلب ، ويذهب البغداديون فى هذه المحذوفات إلى أنها كلها سوا كن العين فأبين عنده كأديل كما أن أبن ذلك المقدر عندهم كأدل وكأن سيبويه إنما عدل إلى أن جعل الواحد من ذلك أفعل اسما واحدا مفردا غير مكسر لأمرين أحدهما أن مذهبه فى ابن أنه فعل (بفتح العين) بدلالة تكسيرهم إياها على أفعال ،

٢٢٥

قال «وإذا ولى ياء التّصغير واو أو ألف منقلبة أو زائدة قلبت ياء ، وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها نحو عريّة وعصيّة ورسيّلة ، وتصحيحها فى باب أسيّد وجديّل قليل ، فإن اتّفق اجتماع ثلاث ياآت حذفت الأخيرة نسيا على الأفصح ، كقولك فى عطاء وإداوة وغاوية ومعاوية : عطىّ وأديّة وغويّة ومعيّة ، وقياس أحوى أحىّ غير منصرف ، وعيسى يصرفه ، وقال أبو عمرو : أحىّ ، وعلى قياس أسيود أحيو»

أقول : قوله «وإذا ولى ياء التصغير» إلى قوله «وجديل قليل» من باب ما يعرض فيه للتصغير سبب القلب (١)

__________________

وليس من باب فعل (كقفل) أو فعل (كجذع) ـ والآخر ـ أنه لو كان أفعل لكان لمثال القلة ولو كان له لقبح جمعه بالواو والنون وذلك أن هذا الجمع موضوع للقلة فلا يجمع بينه وبين مثال القلة ، لئلا يكون ذلك كاجتماع شيئين لمعنى واحد وذلك مرفوض فى كلامهم» اه

(١) شملت هذه العبارة أربعة أنواع عرض فيها سبب القلب عند التصغير ـ الأول ـ الواو التالية لياء التصغير سواء أكانت أصلية وهى لام كعروة ودلو وحقو أم كانت زائدة كعجور ورسول وجزور. وهذا النوع تقلب واوه ياء بسبب عرض وهو اجتماع الواو والياء فى كلمة وسبق إحداهما بالسكون ـ الثانى ـ الألف المقلبة عن واو أو ياء ولا تكون إلا لاما كفتى وعصا ورحى. وهذا النوع ترد فيه الألف إلى أصلها إذ قد زال بسبب التصغير سبب قلب الواو والياء ألفا وهو تحرك كل منهما مع انفتاح ما قبله ، وعرض سبب آخر موجب للقلب فى الواو وهو اجتماعها مع الياء وسبق إحداهما التى هى ياء التصغير بالسكون وللأدغام فى الياء وهو اجتماع المثلين فى كلمة وأولهما ساكن ، والظاهر أن المؤلف رحمه‌الله لم يراع رد الألف إلى أصلها بل قلبها من أول الأمر ياء ـ الثالث ـ الألف الزائدة التالية لياء التصغير كألف رسالة وقلادة وقضاعة وقحافة وسحابة وشهامة. وهذا النوع تقلب فيه الألف ياء لما قد تقرر من أنه يجب كسر الحرف التالى لياء التصغير فيما زاد على الثلاثة والألف حرف

٢٢٦

قوله «فان اتفق اجتماع ـ إلى آخر ما ذكر» من باب ما يزول فيه فى التصغير سبب القلب الذى كان فى المكبر ويعرض فى التصغير سبب الحذف

قوله «قلبت ياء» ليس على إطلاقه ، بل بشرط أن لا يكون بعد الواو أو الألف حرفان يقعان فى التصغير موقع العين واللام من فعيعل ، فإنه إن كان بعدهما حرفان كذا وجب حذفهما ، وكذا كل ياء فى مثل موقعهما ، تقول فى تصغير مقاتل : مقيتل ، بحذف الألف ، إذ مفيعّل ـ بتشديد الياء ـ ليس من أبنية التصغير ، وكذا تقيتل فى تصغير تقوتل علما بحذف الواو ، وكذا حميرير فى تصغير احميرار بحذف الياء مع همزة الوصل ، كما يجىء ، وإنما تقلب الألف والواو ياء إذا وقعا إما موقع اللام من فعيل ، نحو أذىّ فى تصغير إذا علما ، وعريّة فى تصغير عروة ، أو موقع العين من فعيعل ، كرسيّلة في رسالة ، وعجيّز فى عجوز ، وإنما قلبتا ياءين لأنهما إذن لا بد من تحريكهما ، فاذا تحركت الواو وقبلها ياء ساكنة وجب قلبها ياء ، وإذا قصدت تحريك الألف فجعلها ياء أولى ، لأنها إن جعلتها واوا وجب قلبها ياء لما ذكرنا ، وجعلها همزة بعيد ، لأن اعتبار التقارب فى الصفة فى حروف العلة أكثر من اعتبار التقارب فى المخرج ، فلذلك لا تقلب الألف همزة إلا فى موضع لو قلبت

__________________

لا يقبل الحركة ولم يجز قلبها إلى حرف آخر من غير حروف العلة لأن حروف العلة بعضها أنسب ببعض ، ولم يجز قلبها واوا لأنها لو قلبت واوا لاجتمعت مع الياء الساكنة السابقة عليها ؛ فكان ينبغى قلبها ياء فآثرنا الاختصار بقلبها ياء من أول الأمر ـ الرابع ـ الهمزة المنقلبة عن واو أو ياء التالية لألف زائدة مثل كساء وبناء وقضاء وسماء وعواء وزهاء. وهذا النوع تقلب فيه الألف الزائدة ياء لما تقدم فى النوع الثالث ، فيزول سبب قلب الواو أو الياء همزة ، فتعود كل منهما ، ثم تقلب الواو ياء لتطرفها إثر كسرة ، وكأن المصنف والشارح لا يريان رجوع الهمزة إلى أصلها بل يقلبانها ياء من أول الأمر ، ولهذا لم يفرقا بين الواوى واليائى. واعلم أن النوع الرابع كما عرض فيه سبب القلب قد عرض فيه سبب الحذف

٢٢٧

فيه واوا أو ياء لانقلبت ألفا أيضا ، كألف التأنيث فى حمراء (١) والألف فى نحو الضّالّين ودابة (٢) ، وأما العألم والبأز فنادران (٣)

__________________

(١) أصل حمراء حمرى كسكرى ثم قصد مد الصوت فزيدت ألف قبل ألف التأنيث فاجتمع ألفان فلزم قلب الثانية همزة لأنه لو قلبت الأولى لفات الغرض المأتى بها لأجله ، ولو قلبت الثانية واوا أو ياء رعاية للتقارب فى الصفة بين حروف العلة لصارت حينئذ حمراى أو حمراو فتقع كل من الواو والياء متحركة مفتوحا ما قبلها إذ لا اعتداد بالألف لزيادتها فيجب انقلابهما ألفا فتعود الكلمة سيرتها الأولى.

(٢) يحكى عن أيوب السختيانى فى الشواذ (ولا الضألين) بهمزة مفتوحة ـ فرارا من التقاء الساكنين ، وحكى أبو زيد عنه دأبة وشأبة ـ بهمزة مفتوحة أيضا ـ للعلة المتقدمة. وإنما قلب الألف همزة ولم يقلبها ياء ولا واوا لأنه لو قلبها إلى إحداهما لصارت كل واحدة منهما متحركة مفتوحا ما قبلها فيلزم قلبها ألفا. قال أبو البقاء العكبرى فى كتابه وجوه القراءات (ج ١ ص ٥): «وقرأ أيوب السختيانى بهمزة مفتوحة : ، وهى لغة فاشية فى العرب فى كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو ضال ودابة وجان والعلة فى ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين» اه وقال أبو عبد الله القرطبى فى تفسيره (ج ١ ص ١٣١) الأصل فى الضالين الضاللين ، حذفت حركة اللام الأولى ثم أدغمت اللام فى اللام فاجتمع ساكنان مدة الألف واللام المدغمة. وقرأ أيوب السختيانى ولا الضألين ـ بهمزة غير ممدودة ـ كأنه فر من التقاء الساكنين وهى لغة ، حكى أبو زيد قال : سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن) فظننته أنه قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة. قال أبو الفتح : وعلى هذه اللغة قول كثير :

* إذا ما الغوانى بالعبيط احمأرّت*

اه كلامه

(٣) إنما كان ذلك نادرا لأن الألف لو قلبت واوا أو ياء لم يلزم قلبهما ألفا لعدم تحركهما. وقد قال المؤلف فى باب الابدال : وعن العجاج أنه كان يهمز

٢٢٨

ثم إن الواو الواقعة بعد ياء التصغير ـ أعنى التى لا تحذف ـ لا يخلو إما أن تكون لاما أو غير لام

فاللام تقلب ياء لا غير ، تقول : غزىّ وعريّة فى غزو وعروة ، وكذا غزيّان وعشيّاء وغزيّيّة بياءين مشددتين ، فى تصغير غزوان وعشواء (١) وغزويّة منسوبة إلى الغزو

وأما غير اللام فان كانت ساكنة فى المكبر فلا بد من قلبها ياء ، نحو عجيّز

__________________

العالم والخاتم ، وليس ذلك فرارا من التقاء الساكنين ولكن لتقارب مخرجى الألف والهمزة» اه كلامه ، نقول : ومن شواهد قلب الألف همزة فى العالم قول العجاج.

يا دارسي يا اسلمى ثمّ اسلمى

فخندف هامة هذا العألم

ومن شواهد قلبها همزة فى البأز قول الشاعر

كأنّه بأزدجن فوق مرقبة

جلىّ القطا وسط قاع سملق سلق

الجمع فقالوا : أبؤز وبئزان كما استمر قلب الواو ياء

فى عيد لسكونها إثر كسرة عند جمعه فقالوا أعياد

(١) قال فى اللسان : «والغزو السبير إلى قتال العدو وانتها به. غزاهم غزوا وغزوانا ، عن سيبويه ، صحت الواو فيه كراهية الاخلال. وغزاة ، اه وقوله. صحت الواو فيه كراهية الأخلال ، يريد به أن حق الواو فى غزوان أن تقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، لكنها لم تقلب لأنها لو قلبت لاجتمع ألفان فكان يجب حذف إحداهما دفعا لالتقاء الساكنين فيصير غزان فيلتبس فعلان (بفتح العين) بفعال. والعشواء أنثى الأعشى ، قال فى اللسان : «العشا مقصور سوء البصر بالليل والنهار يكون فى الناس والدواب والابل والطير ، وقيل : هو ذهاب البصر وقيل : هو ألا يبصر بالليل ، وقد عشى يعشى عشى (كعمى يعمى عمى) وهو عش وأعشى والأنثى عشواء ، اه ملخصا

٢٢٩

وجزير فى عجوز (١) وجزور ، وإن كانت فيه متحركة أصلية كانت كأسود ومزود ، أو زائدة كجدول فالأكثر القلب ، ويجوز تركه كأسيود وجديول (٢) ، لقوة الواو المتحركة ، وعدم كونها فى الآخر الذى هو محل التغيير ، وكون ياء التصغير عارضة غير لازمة ؛ وقال بعضهم : إنما جاز ذلك حملا على التكسير ، نحو جداول وأساود ، ولو كان حملا عليه لجاز فى مقام ومقال مقيوم ومقيول كما فى مقاول ومقاوم

قوله «وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها» أى : الهمزة المنقلبة عن الألف المنقلبة عن واو أو ياء بعد الألف الزائدة التى تلى ياء التصغير يعرض فيه سبب قلب الألف ياء كما مر ، ويزول سبب قلب اللام ألفا ؛ إذ من جملته الألف الزائدة والفتحة التى

__________________

(١) أجمعوا على أنه يقال للمرأة المسنة : عجوز ـ بلا تاء ـ واختلفوا فى أنه هل يقال لها عجوزة ـ بالتاء ـ وفى أنه هل يقال للرجل عجوز أيضا ، وقد حكى صاحب اللسان عن بعض أئمة اللغة أنه يقال للرجل عجوز ؛ كما حكى أنه يقال للمرأة عجوزة بالتاء مع القلة. والجزور : المجزور من الابل ، يقع على الذكر والأنثى وهو مؤنث بلا تاء تقول : هذه جزور بنى فلان وجزور بنى فلان ذبحتها وإن عنيت بذلك المذكر

(٢) المزود : وعاء يجعل فيه الزاد. والأسود : أصله صفة من السواد ، وقد سمى به نوع من الحيات وهو العظيم الذى فيه سواد وقد قالوا فى مؤنثه أسودة وقالوا فى مؤنث الصفة سوداء. ولم يفرق المؤلف رحمه‌الله بين الصفة والاسم فى جواز الوجهين ـ وهما التصحيح وقلب الواو ياء فى التصغير ـ ، والذى حكاه أبو الحسن الاشمونى فى شرحه على الألفية فى باب الابدال أنه إن جمعت الكلمة على صيغة منتهى الجموع جاز فيها الوجهان فى التصغير ، وذلك كأسود الاسم وجدول فقد قيل فى جمعهما أساود وجداول ، وأما إن كانت الكلمة لم تجمع على هذه الزنة فليس فيها إلا الاعلال وذلك كأسود وأعور وأحول وأحور إذ جاء جمعها على فعل ـ بضم فسكون ـ وإنما أجاز الوجهين : أما الاعلال فلأنه الأصل ، وأما التصحيح فحملا للتصغير على التكسير ، وإنما لم يفرق المؤلف هذا الفرق لأنه جعل علة جواز التصحيح قوة الواو بالحركة

٢٣٠

قبلها ، ويعرض سبب آخر لقلب اللام ياء ، إن كان واوا ؛ ثم سبب آخر لحذف ذلك اللام ، وذلك أنه إذا اجتمع ثلاث ياآت والأخيرة متطرفة لفظا كما فى أحىّ أو تقديرا كما فى معية وثانيتها مكسورة مدغم فيها ، ولم يكن ذلك فى الفعل كما فى أحييّ ويحيىّ ولا فى الجارى عليه نحو المحيى ؛ وجب حذف الثالثة نسيا ، كما يجىء فى باب الاعلال تحقيقه

فاذا حقر نحو عطاء قلب ألفه ياء كما فى حمار : فيرجع لام الكلمة إلى أصلها من الواو لزوال الألف قبلها ، ثم تنقلب ياء لتطرفها مكسورا ما قبلها ؛ فتجتمع ثلاث ياآت : الأولى للتصغير ، والثانية عوض من الألف الزائدة ، والثالثة عوض عن لام الكلمة ، فتحذف الثالثة نسيا ، فيبقى عطىّ ، ويدور الاعراب على الثانية

وكذا إداوة ، لا فرق بينهما ، إلا أن لام إداوة لم تنقلب ألفا ثم همزة ؛ لأنها لم تتطرف كما تطرف لام عطاء

وأما غاوية فانك تقلب ألفها واوا كما فى ضارب ؛ فتجتمع ياء التصغير والواو التى هى عين الكلمة ، فتنقلب ياء لسكون الأولى ، فيجتمع ثلاث ياآت : ياء التصغير ، وبعدها العين ، ثم اللام

وأما معاوية فانك تحذف ألفها كما فى مقاتل ؛ فتزيد ياء التصغير ، وتنقلب العين ياء لما ذكرنا ؛ قال

٣٧ ـ وقاء مّا معيّة من أبيه

لمن أو فى بعقد أو بعهد (١)

__________________

(١) هذا البيت من كلام الصمة الأصغر ـ وهو معاوية بن الحارث ، وهو والد دريد ابن الصمة الشاعر المعروف ـ وكان الصمة أسيراهو وابنه معية ، فقتل الصمة ، فقال هذا البيت وهو يجود بنفسه ، يريد أن فى ابنه الباقى بعده أحسن الخلف والعوض منه والوقاء ـ بكسر الواو وفتحها بعدها قاف ـ : ما حميت به شيئا أو حفظته و «ما» زائدة وقوله معية مبتدأ مؤخر خبره وقاء ، و «من أبيه» متعلق بوقاء أو بمحذوف حال من ضمير المبتدأ و «أو فى» مثل وفى مخففة ، والعقد : إحكام العهد ، «والعهد» الأمان وقد

٢٣١

وكذا يجتمع فى أحوى (١) ثلاث ياآت بسبب قلب العين ياء ، فبعد حذف

__________________

أنشد المؤلف هذا البيت دليلا على أنه يقال فى تصغير معاوية معية ـ بحذف الألف وقلب الواو ياء وإدغامها مع ياء التصغير وحذف الياء التالية لها لكونها ثالثه. قال فى القاموس وشرحه : «تصغير معاوية معيوة على قول من يقول أسيود ، ومعية وهذا قول أهل البصرة لأن كل اسم اجتمع فيه ثلاث ياءات أو لا هن ياء التصغير حذفت واحدة منهن فان لم تكن أولا هن ياء التصغير لم تحذف منه شيئا ، تقول فى تصغير مية ميبة ، وأما أهل الكوفة فلا يحذفون منه شيئا. يقولون فى تصغير معاوية معيية (يريد أنهم لم يحذفوا من الياءات شيئا ولا شك أنهم حذفوا الألف) على قول من يقول أسيد. ومنهم من يقول معيوية» اه ومثله أيضا فى صحاح الجوهرى

(١) الأحوى : وصف من الحوة بضم الحاء وتشديد الواو ـ وهى سواد إلى الخضرة أو حمرة تضرب الى السواد. قال الجوهرى : «تصغير أحوى أحيو فى لغة من قال أسيود. واختلفوا فى لغة من أدغم. قال عيسى بن عمر : أحي فصرف. قال سيبوية قد أخطأ هو ، ولو جاز هذا لصرف أصم لأنه أخفّ من أحوى ولقالوا أصيم فصرفوا. وقال أبو عمرو بن العلاء أحى كما قالوا أحيو :

قال سيبويه : ولو جاز هذا لقلت فى عطاء عطى. وقال يونس أحى قال سيبويه : هذا هو القياس والصواب» اه كلام الجوهرى. واليك ما ذكر سيبويه فى هذا الموضوع بحرفه (ح ٢ ص ١٣٢) قال : «واعلم أنه إذا كان بعد ياء التصغير ياء ان حذفت التى هى آخر الحروف ويصير الحرف على متال فعيل ، ويجرى على وجوه العربية (يريد أنه يعرب بالحركات الظاهرة) وذلك قولك فى عطاء عطى وقضاء قضى وسقاية سقية وإداوة أدية وفى شاوية شوية وفى غاو غوى إلا أن تقول شويوية وغوبو فى قول من قال أسيود وذلك لأن هذه اللام إذا كانت بعد كسرة اعتلت واستثقلت إذا كانت بعد كسرة فى غير المعتل فلما كانت كسرة فى ياء قبل تلك الياء ياء التحقير ازدادوا لها استثقالا فحذفوا وكذلك أحوى ، إلا فى قول من قال أسيود ، ولا تصرفه لأن الزيادة ثابتة فى أوله ، ولا يلتفت إلى قلته كما لا يلتفت إلى قلة يضع ، وأما عيسى فكان يقول : أحى ويصرفه وهذا خطأ ، لو جاز ذا لصرفت أصم

٢٣٢

الياء الثالثة كان سيبويه يمنع صرفه ، لأنه وإن زال وزن الفعل لفظا وتقديرا أيضا بسبب حذف اللام نسيا ، لكن الهمزة فى الأول ترشد إليه وتنبه عليه ، كما منع صرف نحو يعد ويرى اتفاقا ، وإن نقص عن وزن الفعل بحذف الفاء والعين وجوبا ، وكان عيسى بن عمر يصرفه ، نظرا إلى نقصان الكلمة عن وزن الفعل نقصانا لازما ، بخلاف نحو أرس فى تخفيف أرأس ، فان النقص فيه غير لازم (١) وليس بشىء ، لأن الواجب والجائز كما ذكرنا فى مثله سواء مع قيام حرف المشابهة وكان أبو عمرو بن العلاء لا يحذف الثالثة نسيا ، بل إنما يحذفها مع التنوين حذف ياء قاض ومع اللام والاضافة يردها كالأحيّى ، قال الفارسى : إنما فعل ذلك لمشابهته فى اللفظ الفعل ، فكأنه اسم جار عليه مثل المحيّ وكذا يلزمه أن يقول فى تصغير يحيى يحىّ ، ورد سيبويه على ابن العلاء بقولهم فى عطاء : عطىّ ، بحذف الثالثة

__________________

لأنه أخف من أحمر وصرفت أرأس إذا سميت به ولم تهمز فقلت أرس. وأما أبو عمرو فكان يقول : أحى (أى بالأدغام وحذف الثالثة معتدا بها فيعربه كقاض) ولو جاز ذا لقلت فى عطاء عطى (كقاض) لأنها ياء كهذه الياء وهى بعد ياء مكسورة ، ولقلت فى سقاية سقيبة وشاوشوى. وأما يونس فقوله : هذا أحى (بمنع الصرف) كما ترى وهو القياس والصواب» اه. قال السيرافى : «ورأيت أبا العباس المبرد يبطل رد سيبويه بأصم قال : لأن أصم لم يذهب منه شىء لأن حركة الميم الأولى فى أصمم قد ألقيت على الصاد ، وليس هذا بشىء ؛ لأن سيبويه إنما أراد الخفة مع ثبوت الزائد ، والمانع من الصرف لا يوجب صرفه ، وأصم أخف من أصمم الذى هو الأصل ولم يجب صرفه وكذلك لو سميت رجلا بيضع ويعد لم تصرفه وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل» اه

(١) الأرأس العظيم الرأس والأنثى رأسى ، وقد يخفف الأرأس بالقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها ثم حذفها فيصير الأرس ـ بفتح الهمزة والراء ـ وهو قبل التخفيف وبعده غير منصرف للوصفية ووزن الفعل إجماعا

٢٣٣

إجماعا ، ولا يلزمه ذلك على ما اعتذر له أبو على وقد مر جميع هذا فى باب غير المنصرف (١)

ومن قال أسيود قال فى معاوية وغاوية : معيوية ، وغويوية ، وفى أحوى احيو ، إذ لم يجتمع ثلاث ياآت حتى تحذف الثالثة نسيا.

والكلام فى صرف أحىّ عند أبى عمرو ومنع صرفه ، وكذا فى صرف أحيو ومنعه ، والبحث فى أن التنوين فيهما للصرف أو للعوض كما مر في جوار فى باب مالا ينصرف سواء (٢).

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ١ ص ٥٢) ما نصه : «واعلم أنك إذا صغرت نحو أحوى قلت أحى بحذف الياء الأخيرة نسيا لكونها متطرفة بعد ياء مكسورة مشددة فى غير فعل أو جار مجراه كأحيى والمحيى وقياس مثلها الحذف نسيا كما بحىء فى التصريف إن شاء الله تعالى ، فسيبويه بعد حذف الياء نسيا يمنع الصرف لأنه بقى فى أوله زيادة دالة على وزن الفعل ، وعيسى بن عمر يصرفه لنقصانه عن الوزن بحذف الياء نسيا ، بخلاف نحو جوار فأن الياء كالثابت بدليل كسرة الراء كما ذكرنا ، فلم يسقط عن وزن أقصى الجموع والأولى قول سيبويه ، ألا ترى أنك لا تصرف نحو يعد ويضع علما وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل ، وأبو عمرو بن العلاء لا يحذف الياء الثالثة من نحو أحى نسيا بل يعله إعلال أعيل وذلك لأن فى أول الكلمة الزيادة التى فى الفعل وهى الهمزة بخلاف عطى تصغير عطاء فجعله كالجارى مجرى الفعل أعنى المحيى فى الاعلال فأحى عنده كأعيل سواء فى الاعلال ومنع الصرف وتعويض التنوين من الياء كما ذكرنا ؛ وبعضهم يقول أحيو فى تصغير أحوى كأسيود فى تصغير أسود كما يجىء فى التصريف ؛ ويكون فى الصرف وتركه كأعيل على الخلاف المذكور» اه

(٢) قد سبق لنا القول فى نحو جوار وبيان أنه معل ممنوع من الصرف وبيان مذهب سيبويه فى مثله (ص ٥٨ من هذا الكتاب). وقال المؤلف فى شرح الكافية (ح ١ ص ٥١) ما ملخصه : «اختلفوا فى كون جوار رفعا وجرا منصرفا أو غير منصرف ، فقال الزجاج : إن تنوينه للصرف وإن الاعلال مقدم على منع

٢٣٤

وقول المصنف «حذفت الأخيرة نسيا على الأفصح» يومى إلى أنه لا تحذف على غير الأفصح ، وليس كذلك ، بل الواجب فى الياء المقيدة بالقيود المذكورة الحذف اتفاقا ، إلا فى نحو أحىّ مما فى أوله شبه حرف المضارعة ، فان أبا عمرو لا يحذفها نسيا كما مر ، قال السيرافى : تقول فى عطاء : عطى ، وفى قضاء قضى ، وفى سقاية سقيّة ، وفى إداوة أديّة ، ثم قال : فهذا لا يجوز فيه غيره ، وقال ابن خروف فى مثله : إن القياس إعلاله إعلال قاض ، لكن المسموع حذف الثالثة نسيا ، بل قال الاندلسى والجوهرى : إن ترك الحذف مذهب الكوفيين ، وأنا أرى ما نسبا إليهم وهما منهما

وكذا تحذف الياء المشددة المتطرفة الواقعة بعد ياء مشددة ، إذا لم يكن الثانية للنسبة كما إذا صغرت مروية اسم مفعول من روى قلت : مرية ، والأصل مريّيّة ، وكذا تصغر أرويّة فيمن قال أنها أفعولة ، وأما من قال فعليّة والياء

__________________

الصرف لقوة سبب الاعلال وسر ما ذهب إليه أن الاسم بعد الاعلال لم يبق على صيغة أقصى الجموع ، ويمنع بأن الياء الساقطة فى حكم الثابت بدليل كسرة الراء ، وكل ما حذف لاعلال موجب فهو بمنزلة الباقى. وقال المبرد التنوين عوض من حركة الياء ، ومنع الصرف مقدم على الاعلال ، وقال سيبويه والخليل : إن التنوين عوض من الياء. واختلف فى تفسير هذا القول ففسره بعضهم بأن منع الصرف مقدم على الاعلال وفسره السيرافى بأن الاعلال مقدم على منع الصرف فالتنوين عوض من الياء ، بخلاف نحو أحوى وأشقى ؛ فانه قدم الاعلال فى مثلهما أيضا ووجد علة منع الصرف بعد الاعلال حاصلة ؛ لأن ألف أحوى المنون ثابت تقديرا ، فهو على وزن أفعل ، فحذف تنوين الصرف ، لكن لم يعوض التنوين من الألف المحذوفة ولا من حركة اللام ، كما فعل فى جوار ؛ لأن أحوى بالألف أخف منه بالتنوين ، وأما جوار فهو بالتنوين أخف منه بالياء ، والخفة اللفظية مقصودة فى غير المنصرف بقدر ما يمكن ، تنبيها بذلك على ثقله المعنوى بكونه متصفا بالفرعين» اه

٢٣٥

للنسبة فأنه يقول فى تصغيرها (١) أريّيّة بيائين مشددتين ، كما إذا صغر غزوىّ المنسوب إلى الغزو قيل : غزّييىّ ، وكذا يصغر علوى وعدوى على عليّىّ وعديّىّ بياءين مشددتين

وإنما لم تحذف شيئا إذا طرأ التصغير على المنسوب كما فى الأمثلة المذكورة وحذفت ياء التصغير إذا طرأ النسب على المصغر فى نحو أموىّ وقصوىّ المنسوبين إلى أميّة وقصىّ لأن المنسوب في مصغر المنسوب هو العمدة إذ هو الموصوف ، ألا ترى أن معنى علّييّ علوى مصغر فلم يجز إهدار علامته ، وكذا لا يهدر علامة المصغر

__________________

(١) قال فى اللسان : «والأروية بضم الهمزة وعن اللحيانى كسرها : الأنثى من الوعول ، وثلاث أراوى ـ على أفاعيل ـ إلى العشر ؛ فاذا كثرت فهى الأروى ـ على أفعل ـ على غير قياس ، قال ابن سيده : وذهب أبو العباس إلى انها فعلى ؛ والصحيح أنها أفعل ، لكون أروية أفعولة. قال : والذى حكيته من أن أراوى لأدنى العدد وأروى للكثير قول أهل اللغة ، قال : والصحيح عندى أن أراوى تكسير أروية ، كأرجوحة وأراجيح ، والأروى اسم للجمع» اه. ثم قال : «قال ابن برى : أروى تنون ولا تنون ؛ فمن نونها احتمل أفعلا مثل أرنب وأن يكون فعلى مثل أرطى ملحق بجعفر ؛ فعلى هذا القول يكون أروية أفعولة ، وعلى القول الثانى فعلية ، وتصغير أروى إذا جعلت وزنها أفعلا أريو (منقوصا مثل قاض) على من قال أسيود وأحيو ، وأرى (منقوصا أيضا) على من قال أسيد وأحى ، وأما أروى فيمن لم ينون فوزنه فعلى (أى : والألف للتأنيث) وتصغيرها أريا (مثل ثريا) ، وأما تصغير أروية إذا جعلتها أفعولة فأريوية عند من قال أسيود ، ووزنها أفيعيلة ، وأرية عند من قال أسيد ، ووزنها أفيعة ، وأصلها أريييه : فالأولى ياء التصغير ، والثانية عين الفعل ، والثالثة واو أفعولة ، والرابعة لام الكلمة ، فحذفت منها اثنتين ، ومن جعل أروية فعلية فتصغرها أرية ووزنها فعيلة ، وحذفت الياء المشددة. قال : وكون أروى أفعل أقيس ؛ لكثرة زيادة الهمزة أولا ، وهو مذهب سيبويه لأنه جعل أروية أفعولة» اه

٢٣٦

إذ هو الطارىء ، والطارىء إذا لم يبطل حكم المطرو عليه لمانع فلا أقل من أن لا يبطل حكمه بالمطرو عليه ، وأما المنسوب إلى المصغر فليس المصغر فيه عمدة ؛ إذ ليس موصوفا ، بل هو من ذنابات المنسوب ، إذ معني قصوىّ منسوب إلى قصى فجاز إهدار علامته إجابة لداعى الاستثقال ، وأما النسبة فطارئة فلا تهدر علامتها فعلى هذه القاعدة ينسب إلى جهينة جهنى بحذف الياء ، ثم إذا صغرت جهنيّا زدت الياء فقلت جهينى

قال : «ويزاد فى المؤنّث الثّلاثىّ بغير تاء تاء كعيينة وأذينة ، وعريب وعريس شاذّ ، بخلاف الرّباعىّ كعقيرب ، وقديديمة ووريّئة شاذّ ، وتحذف ألف التّأنيث المقصورة غير الرّابعة كجحيجب وحويلىّ فى جحجبى وحولا يا وتثبت الممدودة مطلقا ثبوت الثّانى فى بعلبكّ»

أقول : أعلم أن التصغير يورد فى الجامد معنى الصفة ، ألا ترى أن معنى رجيل رجل صغير ، فالاسم المصغر بمنزلة الموصوف مع صفته ، فكما أنك تقول : قدم صغيرة. بالحاق التاء فى آخر الوصف ، قلت : قديمة ، بالحاق التاء فى آخر هذا الاسم الذى هو كآخر الوصف ، والدليل على عروض معنى الوصف فيه أنك لا تقول رجلون لعدم معنى الوصف وتقول فى تصغير رجال : رجيلون ، وإنما لم يرفع المصغر (١) لا ضميرا ولا ظاهرا مع تضمنه معنى الوصف كما ترفع سائر الأوصاف من اسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمنسوب لأنها إنما ترفع من الضمير والظاهر أصحابها المخصوصة التى لا تدل ألفاظ الوصف عليها إذ الصفات لم توضع لموصوفات معينة ، بل صالحة لكل موصوف ، فان حسنا فى قولك «رجل حسن» لا يدل على رجل فرفع ضميره ، وكذا لا يدل على وجهه فى قولك «رجل حسن وجهه» فرفعه ، والموصوف

__________________

(١) سبق القول فى هذا الموضوع بما لا نحتاج معه إلى زياده

٢٣٧

المخصوص فى رجيل مدلول عليه بتركيب هذا اللفظ مع الوصف ، فلا يحتاج إلى رفع ما هو موصوفه حقيقة ، ولما رأى بعض النحاة أن التصغير يورد فى الاسم معنى الوصف ورأوا أن العلم لا معنى للوصف فيه قالوا : تصغير الأعلام ليس بوجه ، وليس ما توهموا بشىء ؛ لأنك لا تجعل بالتصغير عين المكبر نعتا حتى يرد ما قالوا ، بل تصف بالتصغير المكبر ، إلا أنك تجعل اللفظ الواحد ـ وهو المصغر ـ كالموصوف والصفة ، ووصف الأعلام غير مستنكر ، بل شائع كثير ، وإنما لم يلحقوا التاء بآخر ما زاد على ثلاثة من الأسماء فى التصغير لأنهم لما قصدوا فيه ذكر الموصوف مع صفته بلفظ واحد توخّوا من الاختصار ما يمكن ، ألا ترى إلى حذفهم فيه كل ما زاد على أربعة من الزائد والأصلى ، وهذا هو العلة فى تخفيفات الملحق به ياء النسب ، لأن المنسوب أيضا كالصفة مع الموصوف مع ثقل الياء المشددة فى آخر الاسم الذى هو موضع الخفة ، لكنك لم تحذف فى النسب الزائد على الأربعة لكون علامة النسبة كالمنفصل من المنسوب ، بخلاف علامة التصغير ، فالمقصود أنهم اجترؤا فى الثلاثى الذى هو أخف الأبنية ـ لما طرأ فيه معنى الوصف ـ على زيادة التاء التى تلحق آخر أوصاف المؤنث ، فلما وصلوا إلى الرباعى وما فوقه والتاء وإن كانت كلمة برأسها إلا أنها كحرف الكلمة المتصلة هى بها لم يروا زيادة حرف على عدد حروف لو زاد عليها أصلى طرحوه فى التصغير ، فقدروا الحرف الأخير كالتاء ، إذ هى محتاج إليها لكون الاسم وصفا ، فقالوا : عقيّب وعقيرب (١)

__________________

(١) العقاب بزنة غراب ـ طائر من العتاق مؤنثة ، وقيل : العقاب يقع على الذكر والأنثى ، وتمييزه باسم الاشارة والضمير. والعقرب واحدة العقارب ، وهى دويبة من الهوام تكون للذكر والأنثى بلفظ واحد ، والغالب عليه التأنيث ، وقد يقال للأنثى عقربة وعقرباء ممدود غير مصروف ، ويصغر على عقيرب كما تصغر زينب على زيينب ، والذكر عقربان ـ بضم العين والراء ـ وهو دابة له أرجل طوال ، وليس ذنبه كذنب العقارب

٢٣٨

وإذا كان الاسم المؤنث على أكثر من ثلاثة لكنه يعرض فيه فى حال التصغير ما يرجع به إلى الثلاثة وجب زيادة التاء فيه ، نحو سميّة في سماء ، لأنه يجتمع فيه ثلاث ياآت فتحذف الأخيرة نسيا كما ذكرنا

وكذا إذا صغرت الثلاثى المزيد فيه نحو عناق وعقاب وزينب تصغير الترخيم قلت : عنيقة ، وعقيبة ، وزنيبة

وإن كان الثلاثى جنسا مذكرا فى الأصل وصف به المؤنث ـ نحو امرأة عدل أو صوم أو رضى ـ فانك تعتبر الأصل فى التصغير ، وهو التذكير ، ولا تزيد فيه التاء نحو : امرأة رضىّ وعديل وصويم ، كما أن نحو حائض وطالق لفظ مذكر جعل صفة لمؤنث ، وإن كان معناه لا يمكن إلا فى المؤنث ، فاذا سمى بمثله مذكر صرف ؛ لكونه الآن علم مذكر ليس فيه تاء ظاهرة ولا حرف قائم مقامها فى الوضع ، كما كان فى عقرب إذ وضع نحو لفظ حائض ـ كما مر فى غير المنصرف على التذكير كضارب وقاتل (١) ، فاذا صغرت نحوه تصغير الترخيم لم تزد

__________________

(١) قال سيبويه (ح ٢ ص ٢٠): «واعلم أنك إذا سميت المذكر بصفة المؤنث صرفته ، وذلك أن تسمى رجلا بحائض أو طامث أو متئم فزعم أنه إنما يصرف هذه الصفات لأنها مذكرة وصف بها المؤنث كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكر ، وذلك نحو قولهم : رجل نكحة ، ورجل ربعة ، ورجل خجاة ، فكأن هذا المؤنث وصف لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا ، وكأن المذكر وصف لشىء ؛ فكأنك قلت هذا شىء حائض ، ثم وصف به المؤنث ، كما تقول هذا بكر ضامر ثم تقول ناقة ضامر» اه. وقال المؤلف فى شرح الكافية (ح ١ ص ٤٥): «وههنا شروط أخر لمنع صرف المؤنث إذا سمى به مذكر تركها المصنف ـ أحدها ـ ألا يكون ذاك المؤنث منقولا عن مذكر ، فان ربابا اسم امرأة ، لكن إذا سميت به مذكرا انصرف ، لأن الرباب قبل تسمية المؤنث به كان مذكرا بمعنى الغيم ، وكذا لو سميت بنحو حائض وطالق

٢٣٩

التاء ، لكونه مذكرا فى الأصل ، فتقول : حييض وطليق

وإذا سميت مؤنثا بثلاثى مذكر نحو شجر وحجر وزيد ثم صغرته زدت التاء وكذا إذا سميت مؤنثا بمؤنث ثلاثى لم يكن تدخل التاء فى تصغيره قبل العلمية كحرف وناب ودرع

فان قلت : فكيف راعيت الأصل فى نحو امرأة عدل وصوم ، ولم تقل عديلة وصويمة ولم تراع ذلك فى العلم؟؟

قلت : لأن الوصف غير مخرج عن أصله بالكلية ، إذ معنى «امرأة عدل» كأنها من كثرة العدل تجسمت عدلا ، ومعنى «امرأة حائض» إنسان حائض ، فقد قصدت فيهما المعنى الأصلى الذى وضع اللفظ باعتباره ، وأما فى العلم فلم تقصد ذلك ، لأنه منقول ووضع ثان غير الوضع الأول وغرضه الأهم الابانة عن المسمى ، لا معناه الأصلى ، فاذا سميت بالحجر فهو كما لو سميت بغطفان وغيره من المرتجلات ، وقليلا ما يراعى فى العلم معنى المنقول منه

وكذا إذا سميت مذكرا بمؤنث مجرد عن التاء كأذن وعين لم تلحق به التاء في التصغير ، لأنه ـ كما ذكرنا ـ وضع مستأنف ، ويونس يدخل التاء فيه ، فيقول : أذينة وعيينة ، استدلالا بأذينة وعيينة ، علمى رجلين ، وهذان عند النحاة إنما سمى المذكران بهما بعد التصغير ، فلا حجة فيه

وإذا سميت مذكرا بنحو أخت وبنت وصغرته حذفت التاء ، فتقول : أخىّ ، برد

__________________

مذكرا انصرف ، لأنه فى الأصل لفظ مذكر وصف به المؤنث ؛ إذ معناه فى الأصل شخص حائض ؛ لأن الأصل المطرد فى الصفات أن يكون المجرد من التاء منها صيغة المذكر وذو التاء موضوعا للمؤنث ، فكل نعت لمؤنث بغير التاء فهو صيغة موضوعة للمذكر استعملت للمؤنث» اه

٢٤٠