شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

بالفتح وسكن العين علم أن ذلك حركة العين ، ولا يراعى هنا الفرق بين الواوى واليائى أصلا ؛ لأنه إنما يراعى ذلك إذا حصل العجز عن مراعاة البنية كما مر ، بلى يراعى ذلك فى اسم المفعول من الثلاثى ؛ نحو مقول ومبيع ، كما يجىء ، فمن الواوى قولهم يخاف ويقال وأقيم ونقيم ويقول ويطيح ، عند الخليل ، وأصله (١) يطوح كما يجىء ، ويقوم والمقام والمقام والمقيم والمعون ، ومن اليائى قولهم يهاب ويباع وأقيل ويقيل ويبيع والمقال والمقيل ؛ فقد رأيت كيف قصدوا فى النوعين بيان البنية بنقل الضمة والكسرة والفتحة إلى ما قبلها لمّا لزمهم إعلال العين بسبب حمل الكلمات المذكورة على أصولها ، أعنى الماضى الثلاثى كما يجىء فى باب الاعلال ، ولم يبالوا بالتباس الواوىّ باليائى

ثم الحركة المنقولة : إن كانت فتحة قلبت الواو والياء ألفا ، كما فى يخاف ويهاب ؛ لأن سكونهما عارض ، فكأنهما متحركتان ، وما قبلهما كان مفتوح الأصل ، وقد تحرّك بفتحة العين ؛ فكأن الواو والياء تحركتا وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ، ولا سيما أن تطبيق الفرع بالأصل أولى ما أمكن.

وإن كانت ضمة ـ ولم يجى فى الفعل والاسم المتصل به إلا على الواو ، نحو يقول ـ نقلت إلى ما قبلها وسلمت الواو ، بلى قد جاءت على الياء أيضا فى اسم

__________________

(١) من العرب من قال طوح يطوح (بتضعيف العين فيهما) ، ومنهم من قال : طيح يطيح (بالتضعيف أيضا) ، وقد حكوا طاح يطوح ، فهو من باب نصر عند جميع من حكاه ، وحكوا طاح يطيح ، فأما على لغة من قال طيح يطيح (بالتضعيف) فهو يائى من باب ضرب من غير تردد ، وأما على لغة من قال طوح يطوح فقد اختلف العلماء فى تخريج طاح يطيح ، فذهب الخليل إلى أنه من باب حسب يحسب (بكسر العين فى الماضى والمضارع) ، وذلك أن فعل المفتوح العين لا يكون من باب ضرب إذا كان أجوف واو ياء كما لا يكون من باب نصر إذا كان أجوف يائيا ، وقيل : هو شاذ ، وسيأتى لذلك بحث طويل فى كلام المصنف والشارح فى «باب المضارع» ، وسنعيد الكلام هناك بايضاح أكثر من هذا.

٨١

لمفعول ، لكنه روعى فيه الفرق بين الواوى واليائى كما يجىء ، وقد جاء أيضا في هيؤ يهيؤ ، وقد مرحكمه (١).

وإن كانت كسرة : فإن كانت على الياء سلمت بعد النقل نحو يبيع ، وإن كانت على الواو ـ نحو يقيم ، ويطيح عند الخليل ـ قلبت ياء ؛ لتعسر النطق بها ساكنة بعد الكسرة ، ولا تقول : إن الضم والكسر فى نحو يقول ويبيع نقلا إلى ما قبلهما للاستثقال ؛ إذ لو كان له لم تنقل الفتحة فى نحو يخاف ويهاب ، وهى أخف الحركات ، فلا يستثقل وخاصة بعد السكون ، ولا سيما فى الوسط ، وأيضا فالضمة والكسرة لا تستثقلان على الواو والياء إذا سكن ما قبلهما كما فى ظبى ودلو

فان قيل : ذلك لأن الاسم أخف من الفعل ، والأصل فى الاعلال الفعل كما يجىء فى باب الاعلال

قلت : نعم ، ولكن الواو والياء المذكورين فى طرف الاسم ، وهما فى الفعل فى الوسط ، والطرف أثقل من الوسط

فان قيل : لم تستثقل فى الاسم لكون الحركة الإعرابية عارضة

قلت : نوع الحركة الإعرابية لازم ، وإن كانت كل واحدة منهما عارضة ، ولو لم يعتد بالحركة الإعرابية فى باب الإعلال لم يعلّ نحو قاض وعصا ؛ فإذا تبين أن النقل ليس للاستثقال قلنا : إنه وجب إسكان العين تبعا لأصل الكلمة ، وهو الماضى من الثلاثى ؛ إذ الأصل فى الإعلال الفعل كما يبين فى بابه ، وأصل الفعل الماضى ، فلما أسكنت نقلت الحركة إلى ما قبلها لتدل على البنية كما شرحنا وإنما فرق فى اسم المفعول من الثلاثى بين الواوى واليائى نحو مقول ومبيع ؛ لأن الأصل فى هذا الإعلال ـ أعنى إسكان الواو والياء الساكن ما قبلهما ـ

__________________

(١) انظر (ص ٧٦ من هذا الجزء)

٨٢

هو الفعل كما ذكرنا ، ألا ترى أن نحو دلو وظبى لم يسكن الواو والياء فيهما مع تطرفهما ، ثم حملت الأسماء المتصلة بالأفعال فى هذا الإعلال على الفعل إذا وافقته لفظا بالحركات والسكنات ، كما فى مقام ومعيشة ومصيبة ، واسم المفعول من الثلاثى وإن شابه الفعل معنى واتصل به لفظا ، لاشتقاقهما من أصل واحد ، لكن ليس مثله فى الحركات والسكنات فأجرى مجرى الفعل من وجه ، وجعل مخالفا له من آخر : فالأول بإسكان عينه ، والثانى بالفرق بين واويه ويائيه ، مع إمكان التنبيه على البنية ، فالأولى على هذا أن نقول : حذفت ضمة العين فى مقوول ومبيوع إتباعا للفعل فى إسكان العين ، وضمت الفاء فى الواوى وكسرت فى اليائى كما قلنا فى قلت وبعت دلالة على الواوى واليائى

قال : «وأفعل للتّعدية غالبا ، نحو أجلسته ، وللتّعريض نحو أبعته ، ولصيرورته ذا كذا نحو أغدّ البعير ، ومنه أحصد الزّرع ، ولوجوده على صفة نحو أحمدته وأنحلته ، وللسّلب نحو أشكيته ، وبمعنى فعل نحو قلته وأقلته»

أقول : اعلم أن المزيد فيه لغير الإلحاق لا بد لزيادته من معنى ؛ لأنها إذا لم تكن لغرض لفظى كما كانت فى الإلحاق ولا لمعنى كانت عبثا ، فاذا قيل مثلا : إن أقال بمعنى قال ، فذلك منهم تسامح فى العبارة ، وذلك على نحو ما يقال : إن الباء فى (كفى بالله) و «من» فى (ما من إله) زائدتان لمّا لم تفيدا فائدة زائدة فى الكلام سوى تقرير المعنى الحاصل وتأكيده ، فكذا لا بد فى الهمزة فى «أقالنى» من التأكيد والمبالغة

والأغلب فى هذه الأبواب أن لا تنحصر الزيادة فى معنى ، بل تجىء لمعان على البدل ، كالهمزة فى أفعل تفيد النقل ، والتعريض ، وصيرورة الشىء ذا كذا ، وكذا فعل وغيره

٨٣

وليست هذه الزيادات قياسا مطردا ؛ فليس لك أن تقول مثلا فى ظرف : أظرف ، وفى نصر : أنصر ، ولهذا ردّ على الأخفش في قياس أظنّ وأحسب وأخال على أعلم وأرى ، وكذا لا تقول : نصّر ولا دخّل ، وكذا فى غير ذلك من الأبواب ، بل يحتاج فى كل باب إلى سماع استعمال اللفظ المعين ، وكذا استعماله فى المعنى المعين (١) ، فكما أن لفظ أذهب وأدخل يحتاج فيه إلى

__________________

(١) قال سيبويه رحمه‌الله (ج ٢ ص ٢٣٣): «هذا باب افتراق فعلت وأفعلت فى الفعل للمعنى ، تقول : دخل وخرج وجلس ، فاذا أخبرت أن غيره صيره إلى شىء من هذا قلت : أخرجه وأدخله وأجلسه ، وتقول : فزع وأفزعته ، وخاف وأخفته ، وجال وأجلته ، وجاء وأجأته ، فأكثر ما يكون على فعل (بتثليث العين) إذا أردت أن غيره أدخله فى ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت ، ومن ذلك أيضا مكث (بضم العين) وأمكثته ، وقد يجىء الشىء على فعلت (بتشديد العين) فيشرك أفعلت ، كما أنهما قد يشتركان فى غير هذا ، وذلك قولك : فرح وفرحته ؛ وإن شئت قلت : أفرحته ، وغرم وغرمته ، وأغرمته إن شئت ، كما تقول : فزعته وأفزعته ، وتقول : ملح (بضم العين) وملحته ، وسمعنا من العرب من يقول : أملحته ، كما تقول : أفزعته ، وقالوا : ظرف وظرفته ، ونبل ونبلته (بضم عين الثلاثى فيهما) ، ولا يستنكر أفعلت فيهما ، ولكن هذا أكثر واستغنى به» اه

وقال ابن هشام فى المغنى (فى مبحث ما يتعدى به القاصر): «الحق أن دخولها (يريد همزة التعدية) قياسى فى اللازم دون المتعدى ، وقيل : قياسى فيه وفى المتعدى إلى واحد ، وقيل : النقل بالهمزة كله سماعى» اه ملخصا

وقال فى المغنى أيضا (فى المبحث نفسه): «النقل بالتضعيف سماعى فى اللازم وفى المتعدى لواحد ، ولم يسمع فى المتعدى لاثنين ، وقيل : قياسى فى الأولين» اه ملخصا

فأنت ترى من عبارة سيبويه أنه يسوغ لك أن تبنى على أفعلته للتعدية من الفعل القاصر من غير أن ينكر عليك ذلك ؛ وإن لم تكن سمعت تعديته بالهمزة عن العرب ، وذلك أصرح فى عبارة ابن هشام. وقال سيبويه أيضا (فى ص ٢٣٧ ج ٢ ، فى مباحث فعلت بالتضعيف): «هذا باب دخول فعلت (بتضعيف العين) على فعلت لا يشركه فى ذلك «أفعلت» ، تقول : كسرتها وقطعتها ، فاذا أردت كثرة العمل قلت : كسرته وقطعته ومزقته ، ومما يدلك على ذلك قولهم : علطت البعير وإبل معلطة

٨٤

السماع فكذا معناه الدى هو النقل مثلا ؛ فليس لك أن تستعمل أذهب بمعنى أزال الذهاب أو عرّض للذهاب أو نحو ذلك

والأغلب أن تجىء هذه الأبواب مما جاء منه فعل ثلاثى ، وقد تجىء مما لم يأت منه ذلك ، كألجم وأسحم وجلّد وقرّد واستحجر المكان واستنوق (١) الجمل ، ونحو ذلك ، وهو قليل بالنسبة إلى الأول

__________________

وبعير معلوط ، وجرحته وجرحته (بتضعيف العين) أكثرت الجراحات فى جسده» اه ؛ فهذه العبارة تفيد أن استعمال فعل (بتضعيف العين) فى معنى التكثير بين يديك متى أردت استعمالها من أى فعل ساغ لك ذلك. ومثل ذلك كثير فى عباراته وعبارات غيره من العلماء

والذى نراه أنه إذا كثر ورود أمثلة لصيغة من هذه الصيغ فى معنى من هذه المعانى كان ذلك دليلا على أنه يسوغ لك أن تبنى على مثال هذه الصيغة لأفادة هذا المعنى الذى كثرت فيه وإن لم تسمع اللفظ بعينه

(١) ألجم ـ بالجيم ـ تقول : ألجم الرجل فرسه ؛ إذا وضع فى فمه اللجام ، ولم يأت منه ثلاثى ، ووقع فى جميع النسخ المطبوعة «ألحم» بالحاء المهملة ، وهو تصحيف ؛ فان هذه المادة قد جاء منها الثلاثى والمزيد فيه ، تقول : لحم الرجل يلحم ـ من باب كرم ، وفيه لغة من باب فرح عن اللحيانى ـ إذا كثر لحم بدنه ، وإذا أكل اللحم كثيرا ، وتقول : ألحم الرجل ؛ إذا كثر عنده اللحم ، وتقول : ألحم الرجل القوم ؛ إذا أطعمهم اللحم. وأسحم ـ بالسين المهملة ـ تقول : أسحمت السماء ؛ إذا صبت ماءها ، ولم يذكر صاحبا القاموس واللسان فعلا ثلاثيا من هذه المادة ؛ ولكن ذكرا المصدر كفرح وكسعال وكحمرة ؛ ووقع فى جميع النسخ المطبوعة «أشحم» بالشين المعجمة ـ وهو تحريف ، فانه قد استعمل من هذه المادة الثلاثى والمزيد فيه ، تقول : شحم الرجل القوم ـ من باب فتح ـ وأشحمهم ، إذا أطعمهم الشحم. وجلد ـ بتضعيف اللام ـ تقول : جلد الجزور ، إذا نزع جلده ، ولا يقال : سلخ ، إلا فى الشاة ، وقد ورد من هذه المادة فعل ثلاثى بغير هذا المعنى ، تقول : جلدته ، إذا أصبت جلده ، كما تقول : رأسه وبطنه وعانه ويداه ، إذا أصاب رسه وبطنه وعينه ويده ، وقرد ـ بتضعيف الراء تقول : قرد الرجل بعيره ، إذا أزال قراده (وهو كغراب : دويبة تعض الإبل)

٨٥

فاذا فهم هذا فاعلم أن المعنى الغالب فى أفعل تعدية ما كان ثلاثيا ، وهى أن يجعل ما كان فاعلا للازم مفعولا لمعنى الجعل فاعلا لأصل الحدث على ما كان ، فمعنى «أذهبت زيدا» جعلت زيدا ذاهبا ، فزيد مفعول لمعنى الجعل الذى استفيد من الهمزة فاعل للذهاب كما كان فى ذهب زيد ، فان كان الفعل الثلاثى غير متعد صار بالهمزة متعديا إلى واحد هو مفعول لمعنى الهمزة ـ أى : الجعل والتصيير ـ كأذهبته ، ومنه أعظمته : أى جعلته عظيما باعتقادى ، بمعنى استعظمته ، وإن كان متعديا إلى واحد صار بالهمزة متعديا إلى اثنين أولهما مفعول الجعل والثانى لأصل الفعل ، نحو : أحفرت زيدا النهر : أى جعلته حافرا له ، فالأول مجعول ، والثانى محفور ، ومرتبة المجعول مقدمة على مرتبة مفعول أصل الفعل ؛ لأن فيه معنى الفاعلية. وإن كان الثلاثى متعديا إلى اثنين صار بالهمزة

__________________

وقد ورد من هذه المادة الفعل الثلاثى ، تقول : قرد الرجل والبعير ـ كفرح ـ إذا ذل وخضع ، وقيل : قرد الرجل : أى سكت عن عى. واستحجر المكان : كثرت الحجارة فيه ؛ واستنوق الجمل : صار كالناقة فى ذلها ، لا يستعمل إلا مزيدا ، قال ثعلب : «ولا يقال استناق الجمل (يقصد أنه لا تنقل حركة الواو إلى الساكن قبلها ، ثم تقلب ألفا) وذلك لأن هذه الأفعال المزيدة أعنى «أفتعل واستفعل» إنما تعتل باعتلال أفعالها الثلاثية البسيطة التى لا زيادة فيها ، فلما كان استنوق واستتيس ونحوهما دون فعل بسيط لا زيادة فيه صحت الياء والواو ، لسكون ما قبلهما» اه. وقولهم «استنوق الجمل» مثل يضرب للرجل يكون فى حديث أو صفة شىء ثم يخلطه بغيره وينتقل إليه ، وأصله أن طرفة بن العبد كان عند بعض الملوك والمسيب (كمعظم) بن علس (كجبل) ينشده شعرا فى وصف جمل ثم حوله إلى نعت ناقة ، فقال طرفة : قد استنوق الجمل ، فغضب المسيب ، وقال : «ليقتلنه لسانه» ، فكان كما تفرس فيه. قال ابن برى : البيت الذى أنشده المسيب بن علس هو قوله : ـ

و إنّى لأمضى الهمّ عند احتضاره

بناج عليه الصيّعريّة مكدم

٨٦

متعديا إلى ثلاثة أولها للجعل والثانى والثالث لأصل الفعل ، وهو فعلان فقط : أعلم ، وأرى

وقد يجىء الثلاثى متعديا ولازما فى معنى واحد ، نحو فتن الرجل : أى صار مفتتنا ، وفتنته : أى أدخلت فيه الفتنة ، وحزن وحزنته : أى أدخلت فيه الحزن ، ثم تقول : أفتنته وأحزنته ، فيهما ، لنقل فتن وحزن اللازمين لا المتعديين ، فأصل معنى أحزنته جعلته حزينا ، كأذهبته وأخرجته ، وأصل معنى حزنته جعلت فيه الحزن وأدخلته فيه ، ككحلته ودهنته : أى جعلت فيه كحلا ودهنا ، والمغزى من أحزنته وحزنته شىء واحد ؛ لأن من أدخلت فيه الحزن فقد جعلته حزينا ، إلا أن الأول يفيد هذا المعنى على سبيل النقل والتصيير لمعنى فعل آخر ـ وهو حزن ـ دون الثانى

وقولهم أسرع وأبطأ فى سرع وبطؤ ؛ ليس الهمزة فيهما للنقل ، بل الثلاثى والمزيد فيه معا غير متعديين ، لكن الفرق بينهما أن سرع وبطؤ أبلغ ؛ لأنهما كأنهما غريزة كصغر وكبر

ولو قال المصنف مكان قوله «الغالب فى أفعل أن يكون للتعدية» : «الغالب أن يجعل الشىء ذا أصله» لكان أعم ؛ لأنه يدخل فيه ما كان أصله جامدا ، نحو أفحى قدره : أى جعلها ذات (١) فحا وهو الأبرار ، وأجداه : أى جعله ذا جدى (٢) ، وأذهبه : أى جعله ذا ذهب

وقد يجىء أفعل لجعل الشىء نفس أصله إن كان الأصل جامدا ، نحو أهديت الشىء : أى جعلته هديّة أو هديا (٣)

__________________

(١) الفحا ـ بفتح أوله وكسره مقصورا : البزر ، أو يابسه. والأبزار : التوابل كالفلفل ونحوه ، واحدها بزر ـ بالفتح والكسر ـ وواحد التوابل تابل كخاتم

(٢) الجدى ـ بفتح أوله مقصورا ـ والجدوى : العطية

(٣) الهدية : اسم ما أتحفت به ، والهدى : ما أهدى إلى مكة من النعم (أى : الأبل)

٨٧

قوله «وللتعريض» أى : تفيد الهمزة أنك جعلت ما كان مفعولا للثلاثى معرّضا لأن يكون مفعولا لأصل الحدث ، سواء صار مفعولا له أولا ، نحو أقتلته : أى عرضته لأن يكون مقتولا قتل أولا ، وأبعت الفرس : أى عرضته للبيع ؛ وكذا أسقيته : أى جعلت له ماء وسقيا شرب أو لم يشرب ، وسقيته :

أى جعلته يشرب ، وأقبرته : أى جعلت له قبرا قبر أولا

قوله «ولصيرورته ذا كذا» أى : لصيرورة ما هو فاعل أفعل صاحب شىء ، وهو على ضربين : إما أن يصير صاحب ما اشتق منه ، نحو ألحم زيد : أى صار ذالحم ، وأطفلت : أى صارت ذات طفل ، وأعسر وأيسر وأقلّ : أى صار ذا عسر ويسر وقلة ، وأغدّ البعير : أى صار (١) ذا غدّة ، وأراب : أى صار ذا ريبة ، وإما أن يصير صاحب شىء هو صاحب ما اشتق منه ، نحو أجرب الرجل : أى صار ذا إبل ذات جرب ، وأقطف : أى صار صاحب خيل تقطف (٢) وأخبث : أى صار ذا أصحاب خبثاء ، وألام : أى صار صاحب قوم يلومونه ، فاذا صار له لوّام قيل : هو مليم ، ويجوز أن يكون من الأول : أى صار صاحب لوم ، وذلك بأن يلام ، كأحصد الزرع : أى صار صاحب الحصاد ، وذلك بأن يحصد ، فيكون أفعل بمعنى صار ذا أصله الذى هو مصدر الثلاثى ، بمعنى أنه فاعله ، نحو أجرب : أى صار ذا جرب ، أو بمعنى أنه مفعوله ، نحو أحصد الزرع ، ومنه أكبّ : أى صار يكبّ وقولهم «أكبّ مطاوع كبّه» تدريس (٣) ؛ لأن القياس كون أفعل لتعدية فعل لا لمطاوعته

__________________

(١) الغدة ـ بضم أوله وتشديد الدال مفتوحة ـ : كل عقدة يطيف بها شحم فى جسد الانسان ، وهى أيضا طاعون الأبل

(٢) تقول : قطفت الدابة ـ من باب ضرب ونصر ـ قطفا وقطوفا (كنصر وخروج) أساءت السير وأبطأت ، والوصف منه قطوف ـ بفتح القاف ـ

(٣) قال فى اللسان : «كبه لوجهه فانكب : أى صرعه ، وأكب هو على

٨٨

قوله «ومنه أحصد الزرع» إنما قال «ومنه» لأن أهل التصريف جعلوا مثله قسما آخر ، وذلك أنهم قالوا : يجىء أفعل بمعنى حان وقت يستحق فيه فاعل أفعل أن يوقع عليه أصل الفعل ، كأحصد : أى حان أن يحصد ، فقال المصنف : هو فى الحقيقة بمعنى صار ذا كذا ، أى : صار الزرع ذا حصاد ، وذلك

__________________

وجهه ، وهذا من النوادر أن يقال : أفعلت أنا ، وفعلت غيرى ؛ يقال : كب الله عدو المسلمين ، ولا يقال : أكب» اه. وظاهر قول المؤلف : إن القول بأن أكب مطلوع كب تدريس (أى : تدريب وتمرين) أنه غير موافق على قصة المطاوعة بدليل أنه جعله من أمثلة الصيرورة ، وقد سبقه بذلك الزمخشرى رحمه‌الله ، قال فى تفسير سورة الملك من الكشاف : «يجعل أكب مطاوع كبه ، يقال : كببته فأكب ، من الغرائب والشواذ ، ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ؛ وما هو كذلك ، ولا شىء من بناء أفعل مطاوع ، ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه ، وإنما أكب من باب أنفض وألام ، ومعناه : دخل فى الكب وصار ذا كب ، كذلك أقشع السحاب دخل فى القشع ، ومطاوع كب وقشع انكب وانقشع» اه كلامه بحروفه ، وقد لخص الشهاب الخفاجى هذين القولين تلخيصا حسنا فى شرحه على تفسير البيضاوى فقال فى بيان مذهب من قال بالمطاوعة : «هو على عكس المعروف فى اللغة من تعدى الافعال ولزوم ثلاثيه ، ككرم وأكرمت ، وله نظائر فى أحرف يسيرة : كأنسل ريش الطائر ونسلته ، وأنزفت البئر ونزفتها ، وأمرت الناقة (درت) ومرتها ، وأشف البعير (رفع رأسه) وشففته ، وأقشع الغيم وقشعته الريح : أى أزالته وكشفته ، وقد حكى ابن الأعرابى كبه الله وأكبه بالتعدية فيهما ، على القياس» اه وقال فى بيان رأى من قال بالصيرورة : «وليست الهمزة فيه للمطاوعة كما ذهب إليه ابن سيده فى المحكم ؛ تبعا لبعض أهل اللغة ، كالجوهرى ، وتبعه ابن الحاجب وأكثر شراح المفصل ، قال بعض المدققين : معنى كون الفعل مطاوعا كونه دالا على معنى حصل عن تعلق فعل آخر متعد به ، كقولك باعدته فتباعد ، فالتباعد معنى حصل من المباعدة ، كما يفهم من كلام شراح المفصل والشافية ، ومباينة المطاوعة للصيرورة غير مسلمة ، وفى شرح الكشاف للشريف : الائتمار : معنى صيرورته مأمورا ، وهو مطاوع الأمر ؛ فسوى بين المطاوعة والصيرورة» اه

٨٩

بحينونة حصاده ، ونحوه أجدّ النخل وأقطع (١) ويجوز أن يكون ألام مثله : أى حان أن يلام

ومن هذا النوع ـ أى : صيرورته ذا كذا ـ دخول الفاعل فى الوقت المشتق منه أفعل ، نحو أصبح وأمسى وأفجر وأشهر : أى دخل فى الصباح والمساء والفجر والشهر ، وكذا منه دخول الفاعل فى وقت ما اشتق منه أفعل ، نحو أشملنا وأجنبنا وأصبينا وأدبرنا : أى دخلنا فى أوقات هذه الرياح (٢) قال سيبويه : ومنه أدنف ، أى : حصل في وقت الدّنف (٣) ، ومنه الدخول فى المكان الذى هو أصله ، والوصول إليه ، كأكدى : أى وصل إلى الكدية (٤) وأنجد وأجبل : أى وصل إلى نجد وإلى الجبل ، ومنه الوصول إلى العدد الذى هو أصله ، كأعشر وأتسع وآلف : أى وصل إلى العشرة والتسعة والألف ؛ فجميع هذا بمعنى صار ذا كذا : أى صار ذا الصبح ، وذا المساء ، وذا الشّمال ، وذا الجنوب ، وذا الكدية ، وذا الجبل ، وذا العشرة

قوله «ولوجوده عليها» أى : لوجودك مفعول أفعل على صفة ، وهى كونه

__________________

(١) أجد النخل : حان له أن يجد : أى يقطع تمره. وأقطع النخل أيضا : حان قطاعه

(٢) أشملنا : دخلنا فى وقت ريح الشمال (وهى التى تهب من ناحية القطب) وأجنبنا : دخلنا فى وقت ريح الجنوب (وهى التى تقابل ريح الشمال) ، وأصببنا : دخلنا فى وقت ريح الصبا (وهى ريح مهبها مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار) وأدبرنا : دخلنا فى وقت ريح الدبور (وهى ريح تهب من ناحية المغرب تقابل الصبا)

(٣) الدنف ـ بفتحتين ـ : المرض الملازم ، وقيل : المرض مطلقا

(٤) الكدية ـ بضم فسكون ـ : الأرض الصلبة ، وهى أيضا الصخرة تعترض حافر البئر ، فاذا وصل إليها قيل : أكدى

٩٠

فاعلا لأصل الفعل ، نحو أكرمت فاربط : أى وجدت فرسا كريما ، وأسمنت : أى وجدت سمينا ، وأبخلته : أى وجدته بخيلا ، أو كونه مفعولا لأصل الفعل ، نحو أحمدته : أى وجدته محمودا ، وأما قولهم «أفحمتك : أى وجدتك مفحما» فكأنّ أفعل فيه منقول من نفس أفعل ، كقولك فى التعجب : ما أعطاك للدنانير ، ويقال : أفحمت الرجل : أى أسكتّه ، قال عمرو بن معدى كرب لمجاشع بن مسعود السلمى ـ وقد سأله فأعطاه ـ : لله دركم يا بنى سليم ، سألناكم فما أبخلناكم ، وقاتلناكم فما أجبنّاكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم : أى ما وجدناكم بخلاء وجبناء ومفحمين (١)

قوله «وللسلب» أى : يجىء لسلبك عن مفعول أفعل ما اشتق منه ، نحو أشكيته : أى أزلت شكواه

قوله «وبمعنى فعل» نحو قلت البيع وأقلته. وقد ذكرنا أنه لا بد للزيادة من معنى ، وإن لم يكن إلا التأكيد

وقد جاء أفعل بمعنى الدعاء ، نحو أسقيته : أى دعوت له بالسّقيا ، قال ذو الرمة : ـ

١٢ ـ وقفت على ربع لميّة ناقتى

فما زلت أبكى عنده وأخاطبه

__________________

(١) قال ابن برى : «يقال هاجيته فأفحمته بمعنى أسكته ، قال : ويجىء أفحمته بمعنى صادفته مفحما ؛ تقول : هجوته فأفحمته : أى صادفته مفحما ، قال : ولا يجوز فى هذا هاجيته ؛ لأن المهاجاة تكون من اثنين ، وإذا صادفته مفحما لم يكن منه هجاء فاذا قلت : فما أفحمناكم بمعنى ما أسكتناكم جاز ، كقول عمرو بن معد يكرب : «وهاجيناكم فما أفحمناكم» : أى فما أسكتناكم عن الجواب» اه كلام ابن برى وبهذا يعلم ما فى كلام الشارح المحقق ؛ فأن الشاهد الذى ذكره ليس بمعنى وجده ذا كذا بل معناه جعله ذا كذا

٩١

وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه

تكلّمنى أحجاره وملاعبه (١)

والأكثر فى باب الدعاء فعّل ، نحو جدّعه وعقّره : أى قال : جدعه الله ، وعقره (٢) ، وأفعل داخل عليه فى هذا المعنى ،

والأغلب من هذه المعانى المذكورة النقل ، كما ذكرنا

وقد يجىء أفعل لغير هذه المعانى ، وليس له ضابطة كضوابط المعانى المذكورة كأبصره : أى رآه ، وأوعزت إليه : أى تقدمت ، وقد يجىء مطاوع فعّل ، كفطّرته فأفطر وبشرته فأبشر ، وهو قليل

قال : «وفعّل للتّكثير غالبا ، نحو غلّقت وقطّعت وجوّلت وطوّفت وموّت المال ، وللتّعدية نحو فرّحته ، ومنه فسّقته ، وللسّلب نحو جلّدته وقرّدته ، وبمعنى فعل نحو زلته وزيّلته»

أقول : الأغلب فى فعّل أن يكون لتكثير فاعله أصل الفعل ، كما أن الأكثر في أفعل النقل ، تقول : ذبحت الشاة ، ولا تقول ذبّحتها ، وأغلقت الباب مرة ، ولا تقول : غلّقت ؛ لعدم تصور معنى التكثير فى مثله ، بل تقول : ذبحت الغنم ، وغلّقت الأبواب ، وقولك : جرّحته : أى أكثرت جراحاته ، وأما جرحته ـ بالتخفيف ـ فيحتمل التكثير وغيره ؛ قال الفرزدق : ـ

__________________

(١) هذان البيتان مطلع قصيدة لذى الرمة واسمه غيلان بن عقبة. وتقول : وقفت الدابة وقفا ووقوفا : أى منعتها عن السير. والربع : الدار حيث كانت ، وأما المربع (كملعب) فالمنزل فى الربيع خاصة. ومية : اسم امرأة. وأسقيه : معناه أدعو له بقولى : سقاك الله ، أو بقولى : سقيا لك ، وأبثه ـ بفتح الهمزة أو ضمها ـ أخبره بما تنطوى عليه نفسى وتسره ، والملاعب : جمع ملعب ، وهو المكان الذى يلعب فيه الصبيان

(٢) الجدع : القطع ، وقيل : القطع البائن فى الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها ، وتقول : عقر الفرس والبعير بالسيف ؛ إذا قطع قوائمه ، ثم اتسع فى العقر حتى استعمل فى القتل والهلاك

٩٢

١٣ ـ ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها

حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار (١)

أى : أفتّحها وأغلّقها ، وموّت المال : أى وقع الموتان في الابل فكثر فيها (٢) الموت ، وجوّلت وطوّفت : أى أكثرت الجولان والطواف ، قيل : ولذلك سمى الكتاب العزيز تنزيلا ؛ لأنه لم ينزّل جملة واحدة ، بل سورة سورة وآية آية ، وليس نصافيه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) وقوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً)

ثم إن التكثير يكون فى المتعدى كما فى غلّق وقطّع ، وقد يكون فى اللازم كما فى جوّل وطوّف وموّت

قوله «وللتعدية نحو فرّحته» معنى التعدية فى هذا الباب كما فى باب أفعل على ما شرحنا ، والأولى أيضا ههنا أن يقال فى مقام التعدية : [هو] بمعنى جعل الشىء ذا أصله ؛ ليعم نحو فحّى القدر : أى جعلها ذات فحا ، وشسّع النعل (٣) ، وهذا لا يتعدى إلى ثلاثة كأفعل إلا محمولا على أفعل كحدّث وخبّر ، كما مرّ فى أفعال القلوب

__________________

(١) المراد بأبى عمرو فى البيت هو أبو عمرو بن العلاء ، قال أبو عبيد البكرى فى شرح أمالى القالى : «إن أبا عمرو بن العلاء كان هاربا من الحجاج مستترا ، فحاء الفرزدق يزوره فى تلك الحالة ، فكان كلما يفتح له باب يغلق بعد دخوله ، إلى أن وصل إليه ، فأنشده أبياتا منها هذا البيت» ، والشاهد فيه كما قال الأعلم الشنتمرى دخول أفعلت على فعلت ـ بتشديد العين ـ فى إفادة التكثير ، ولكن الذى يؤخذ من كلام المؤلف أن الشاهد فى البيت دخول فعلت ـ بالتخفيف ـ وأفعلت ، على فعلت ـ بالتشديد ـ

(٢) عبارة المؤلف يفهم منها أن الموتان غير الموت ، وبالرجوع إلى كتب اللغة كاللسان والقاموس والمصباح وغيرها يعلم أنهما بمعنى واحد

(٣) شسع نعله ـ بتضعيف العين ـ جعل لها شسعا ـ ومثله شسعا ـ بالتخفيف من باب منع ـ وكذا أشسعها ، والشسع ـ بكسر فسكون وبكسرتين ـ قبال النعل ، وهو أحد سيورها ، وهو الذى يدخل بين الاصبع الوسطى والتى تليها

٩٣

قوله «ومنه فسّقته» إنما قال ذلك لأن أهل التصريف جعلوا هذا النوع قسما برأسه ، فقالوا : يجىء فعّل لنسبة المفعول إلى أصل الفعل وتسميته به ، نحو فسّقته : أى نسبته إلى الفسق وسميته فاسقا ، وكذا كفّرته ، فقال المصنف : يرجع معناه إلى التعدية ، أى : جعلته فاسقا بأن نسبته إلى الفسق

ويجىء للدعاء على المفعول بأصل الفعل ، نحو جدّعته وعقّرته : أى قلت له جدعا لك ، وعقرا لك ، أو الدعاء له ، نحو سقّيته : أى قلت له سقيا لك

قوله «وللسلب» قد مر معناه ، نحو قرّدت البعير : أى أزلت قراده ، وجلّدته :

أى أزلت جلده بالسّلخ

قوله «وبمعنى فعل» نحو زيّلته : أى زلته أزيله زيلا : أى فرّقته ، وهو أجوف (١) يائى ، وليس من الزوال ؛ فهما مثل قلته وأقلته

__________________

(١) يريد تقرير أنه فعل ـ بالتشديد ـ وليس فيعل ، وهو كما قال ، والدليل على ذلك أنهم قالوا فى مصدره التزييل ، ولو كان فيعل لقالوا فى مصدره زيلة ـ بفتح الزاى وتشديد الياء مفتوحة ؛ كالبيطرة ـ قال فى اللسان : «ابن سيده وغيره : زال الشىء يزيله زيلا ، وأزاله إزالة ، وإزالا ، وزيله فتزيل ، كل ذلك فرقه فتفرق ، وفى التنزيل العزيز (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) وهو فعلت ـ بالتضعيف ـ لأنك تقول فى مصدره تزييلا ، ولو كان فيعلت لقلت : زيلة» اه وقول المؤلف «أجوف يائى» هو هكذا عند عامة أهل اللغة إلا القتيبى ، فانه زعم أنه أجوف واوى ، وقد أنكروه عليه. قال فى اللسان : «وقال القتيبى فى تفسير قوله تعالى» (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) : أى فرقنا ، وهو من زال يزول ، وأزلته أنا ، قال أبو منصور : وهذا غلط من القتيبى ، لم يميز بين زال يزول ، وزال يزيل ؛ كما فعل الفراء ، وكان القتيبى ذابيان عذب ، وقد نحس حظه من النحو ومعرفة مقاييسه» اه

٩٤

ويجىء أيضا بمعنى صار ذا أصله ، كورّق : أى أورق : أى صار ذا ورق ، وقيّح الجرح : أى صار ذا قيح (١)

وقد يحىء بمعنى صيرورة فاعله أصله المشتقّ منه ، كروّض المكان : أى صار روضا ، وعجّزت المرأة ، وثيّبت ، وعوّنت : أى صارت عجوزا وثيّبا وعوانا (٢)

ويجيء بمعنى تصيير مفعوله على ما هو عليه ، نحو قوله «سبحان الذى ضوّأ الأضواء ، وكوّف الكوفة ، وبصّر البصرة» أى : جعلها أضواء وكوفة وبصرة

ويجىء بمعنى عمل شىء فى الوقت المشتق هو منه ، كهجّر : أى سار فى الهاجرة (٣) ، وصبّح : أى أتى صباحا ، ومسّى وغلّس (٤) : أى فعل فى الوقتين شيئا

__________________

(١) القيح : المدة الخالصة التى لا يخالطها دم ، وقيل : هو الصديد الذى كأنه الماء وفيه شكلة دم

(٢) العوان ـ بزنة سحاب ـ من البقر وغيرها : النصف فى سنها ، وهى التى بين المسنة والصغيرة ، وقيل العوان من البقر والخيل : التى نتجت بعد بطنها البكر ، ويشهد للأول قوله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ).) وفى المثل «لا تعلم العوان الخمرة» قال ابن برى : أى المجرب عارف بأمره كما أن المرأة التى تزوجت تحسن القناع بالخمار. ويقال : حرب عوان : أى قوتل فيها مرة ، كأنهم جعلوا الأولى بكرا

(٣) الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ، لأن الناس يستكنون فى بيوتهم كأنهم قد تهاجروا ، وهى أيضا شدة الحر. وتقول : هجرنا تهجيرا ، وأهجرنا ، وتهجرنا : أى سرنا فى الهاجرة

(٤) الغلس ـ بفتحتين ـ : ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح

٩٥

ويجىء بمعنى المشى إلى الموضع المشتقّ هو منه ، نحو كوّف : أى مشى إلى الكوفة ، وفوّز وغوّر : أى مشى إلى المفازة والغور (١)

وقد يجىء لمعان غير ما ذكر غير مضبوطة بمثل الضوابط المذكورة ، نحو جرّب وكلّم

قال : «وفاعل لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلّقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجىء العكس ضمنا ، نحو ضاربته وشاركته ، ومن ثمّ جاء غير المتعدّى متعدّيا [نحو كارمته وشاعرته] والمتعدّى إلى واحد مغاير للمفاعل متعديا إلى اثنين نحو جاذبته الثوب ، بخلاف شاتمته ، وبمعنى فعّل نحو ضاعفته ، وبمعنى فعل نحو سافرت»

أقول «لنسبة أصله» أى : لنسبة المشتق منه فاعل إلى أحد الأمرين : أى الشيئين ، وذلك أنك أسندت فى «ضارب زيد عمرا» أصل ضارب ـ أى الضّرب ـ إلى زيد ، وهو أحد الأمرين ، أعنى زيدا وعمرا ، وهم يستعملون الأمر بمعنى الشىء فيقع على الأشخاص والمعانى

قوله «متعلقا بالآخر» الذى يقتضيه المعنى أنه حال من الضمير المستتر فى قوله «لنسبة» وذلك أن ضارب فى مثالنا متعلق بالأمر الآخر ، وهو عمرو ، وتعلّقه به لأجل المشاركة التى تضمنها ؛ فانتصب الثانى لأنه مشارك ـ بفتح الراء ـ فى الضرب لا لأنه مضروب ، والمشارك مفعول ، كما انتصب فى «أذهبت عمرا» لأنه مجعول

__________________

(١) المفازة : الصحراء ، وأصلها اسم مكان من الفوز ، وإنما سميت بذلك مع أنها مضلة ومهلكة ، تفاؤلا لسالكها بالنجاة ، كما قالوا للديغ : سليم. والغور ـ بفتح فسكون ـ : بعد كل شىء وعمقه ، ومنه قولهم : فلان بعيد الغور ، إذا كان لا تدرك حقيقته. وسموا ما بين ذات عرق إلى البحر الأحمر غورا ، وسموا كل ما انحدر مغربا عن تهامة غورا. والغور أيضا : موضع منخفض بين القدس وحوران ، وموضع بديار بنى سليم

٩٦

ويسمج جعله حالا من قوله «أصله» أو من قوله «أحد الأمرين» لأن الظاهر من كلامه أن قوله «لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا» مقدمة يريد أن يبنى عليها صيرورة الفعل اللازم فى فاعل متعديا إلى واحد ، والمتعدى إلى واحد غير مشارك متعديا إلى اثنين ، مشيرا إلى قوله فى الكافية «المتعدى ما يتوقف فهمه على متعلق» فعلى هذا الذى يتوقف فهمه على هذا الأمر الآخر الذى هو المشارك ـ بفتح الراء ـ ويتعلق به هو معنى فاعل ؛ لكونه متضمنا معنى المشاركة ، لا أصله ؛ فإن قولك «كارمت زيدا» ليس فهم الكرم فيه متوقفا على زيد ؛ إذ هو لازم ، وكذا «جاذبت زيدا الثوب» ليس الجذب متعلقا بزيد ؛ إذ هو ليس بمجذوب ، بلى فى قولك «ضارب زيد عمرا» الضرب متعلق بعمرو ؛ لأنه مفعول له ، لكن انتصابه ليس لكونه مضروبا ، بل لكونه مشاركا ، كما فى قولك «كارمت زيدا» و «جاذبت زيدا الثوب» وكذا ليس أحد الأمرين متعلقا بالآخر في «ضاربت زيدا» تعلقا يقصده المصنف ؛ إذ هو فى بيان كون فاعل متعديا بالنقل ، وإنما يكون متعديا إذا كان معنى الفعل متعلقا بغيره ، على ما ذكر في الكافية ، ومن ثم قال فى الشرح «ومن ثم جاء غير المتعدى متعديا لتضمنه المعنى المتعلّق» يعنى المشاركة ، وفى جعله حالا من المضاف إليه ـ أعنى الضمير المجرور فى قوله «أصله» ـ ما فيه ، كما مر فى باب (١) الحال ، والظاهر أنه قصد جعله حالا من أحد الأمرين مع سماجته ، ولو قال «لتعلق مشاركة أحد الأمرين الآخر فى أصل الفعل بذلك الآخر صريحا

__________________

(١) يريد أنه لا يصح اعتبار قول المصنف «متعلقا» حالا من الضمير المضاف إليه فى قوله «أصله» ؛ لأن المضاف ليس عاملا فى المضاف إليه ، ولا هو جزء المضاف إليه ، ولا هو مثل جزئه فى صحة الاستغناء به عنه وإحلاله محله ، على ما هو شرط مجىء الحال من المضاف إليه

٩٧

فيجىء العكس ضمنا» لكان أصرح فيما قصد من بناء قوله «ومن ثم كان غير المتعدى» الخ عليه.

قوله «صريحا» أى : أن أحد الأمرين صريحا مشارك والآخر مشارك ؛ فيكون الأول فاعلا صريحا والثانى مفعولا صريحا ، «ويجىء العكس ضمنا» أى : يكون المنصوب مشاركا ـ بكسر الراء ـ والمرفوع مشاركا ضمنا ؛ لأن من شاركته فقد شاركك ؛ فيكون الثانى فاعلا والأول مفعولا من حيث الضّمن والمعنى.

قوله «ومن ثم» أى : من جهة تضمن فاعل معنى المشاركة المتعلقة بعد أحد الأمرين بالآخر.

قوله «والمتعدى إلى واحد مغاير للمفاعل» بفتح العين : أى إلى واحد هو غير المشارك فى هذا الباب ـ بفتح الراء ـ أى : إن كان المشارك ههنا ـ بفتح الراء ـ مفعول أصل الفعل كان المتعدى إلى واحد فى الثلاثى متعديا إلى واحد ههنا أيضا ، نحو «ضاربت زيدا» فان المشارك فى الضرب هو المضروب فمفعول أصل الفعل ومفعول المشاركة شىء واحد ، فلم يزد مفعول آخر بالنقل ، وإن كان المشارك ههنا غير مفعول أصل الفعل ، نحو «نازعت زيدا الحديث» فان مفعول أصل الفعل هو الحديث إذ هو المنزوع ، والمشارك زيد ؛ صار الفعل إذن متعديا إلى مفعولين ، وكذا «نازعت زيدا عمرا» فاعلم أن المشارك ـ بفتح الراء ـ فى باب فاعل قد يكون هو الذى أوقع أصل الفعل عليه ك «ضاربت زيدا» فى المتعدى ، و «كارمته» فى اللازم ، وقد يكون غير ذلك نحو «نازعت زيدا الحديث» فى المتعدى ، و «سايرته فى البرية» فى اللازم ، وقد يكون ما زاد من المفعول فى باب المفاعلة هو المعامل ـ بفتح الميم ـ بأصل الفعل ، لا على وجه المشاركة كما فى قول على رضى الله عنه «كاشفتك الغطاءات» وقولك : عاودته ، وراجعته.

٩٨

قوله «بمعنى فعّل» أى : يكون للتكثير كفعل ، نحو «ضاعفت الشّىء» أى : كثرت أضعافه كضعّفته ، و «ناعمه الله» كنعمّه : أى كثر نعمته (١) بفتح النون.

قوله «بمعنى فعل» كسافرت بمعنى (٢) سفرت : أى خرجت إلى السفر ولا بد فى «سافرت» من المبالغة كما ذكرنا ، وكذا «ناولته الشىء» أى : نلته إياه ـ بضم النون ـ أى أعطيته ، وقرىء (إن الله يدفع) و (ويدافع)

وقد يجىء بمعنى جعل الشىء ذا أصله كأفعل وفعّل ، نحو «راعنا سمعك» أى : اجعله ذا رعاية لنا كأرعنا ، و «صاعر خدّه» أى : جعله ذا صعر (٣) و «عافاك الله» أى جعلك ذا عافية ، و «وعاقبت فلانا» أى : جعلته ذا عقوبة

وأكثر ما تجىء هذه الأبواب الثلاثة متعدية.

قال : «وتفاعل لمشاركة أمرين فصاعدا فى أصله صريحا نحو تشاركا ، ومن ثمّ نقص مفعولا عن فاعل ، وليدلّ على أنّ الفاعل أظهر أنّ أصله حاصل له وهو منتف عنه نحو تجاهلت وتغافلت ، وبمعنى فعل نحو توانيت ، ومطاوع فاعل نحو باعدته فتباعد».

__________________

(١) النعمة : المسرة والفرح والترفه

(٢) ظاهر هذه العبارة أن الثلاثى من هذه المادة مستعمل ، ويؤيده ما فى الصحاح واللسان ، قال ابن منظور : «يقال : سفرت أسفر (من باب طلب وضرب) سفورا : خرجت إلى السفر ، فأنا سافر ، وقوم سفر ، مثل صاحب وصحب» اه.

لكن قال المجد فى القاموس : «ورجل سفر وقوم سفر وسافرة وأسفار وسفار : ذوو سفر ، لضد الحضر ، والسافر : المسافر ، لا فعل له» اه

(٣) الصعر ـ بفتحتين ـ : ميل ـ بفتحتين ـ فى الوجه ، وقيل : فى الخد خاصة ، وربما كان خلقة فى الانسان ، يقال : صعر خده وصاعره ؛ إذا أماله من الكبر ، قال الله تعالى : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً)

٩٩

أقول : لا شك أن فى قول المصنف قبل «لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا» وقوله ههنا «لمشاركة أمرين فصاعدا فى أصله صريحا» تخليطا ومجمجة (١) وذلك أن التعلق المذكور فى الباب الأول والمشاركة المذكورة ههنا أمران معنويان ، لا لفظيان ، ومعنى «ضارب زيدا عمرا» و «تضارب زيد وعمرو» شىء واحد ، كما يجىء ، فمعنى التعلق والمشاركة فى كلا البابين ثابت ؛ فكما أن للمضاربة تعلقا بعمرو صريحا فى قولك «ضارب زيد عمرا» فكذا للتضارب فى «تضارب زيد وعمرو» تعلق صريح به ، وكما أن زيدا وعمرا متشاركان صريحا فى «تضارب زيد وعمرو» فى الضرب الذى هو الأصل فكذا هما متشاركان فيه صريحا فى «ضارب زيد عمرا» فلو كان مطلق تعلق الفعل بشىء صريحا يقتضى كون المتعلّق به مفعولا به لفظا وجب انتصاب عمرو فى «تضارب زيد وعمرو» ولو كان مطلق تشارك أمرين فصاعدا صريحا فى أصل الفعل يقتضى ارتفاعهما لارتفع زيد وعمرو فى «ضارب زيد عمرا» فظهر أنه لا يصح بناء قوله فى الباب الأول «ومن ثم جاء غير المتعدى متعديا» على التعلق ، ولا بناء قوله فى هذا الباب «ومن ثم نقص مفعولا عن فاعل» على المشاركة ، وكان أيضا من حق اللفظ أن يقول : تفاعل لاشتراك أمرين ، لأن المشاركة تضاف إما إلى الفاعل أو إلى المفعول تقول : أعجبتنى مشاركة القوم عمرا ، أو مشاركة عمرو القوم ، وأما إذا قصدت بيان كون المضاف إليه فاعلا ومفعولا معا فالحق أن تجىء بباب التفاعل أو الافتعال ، نحو أعجبنى تشاركنا ، واشتراكنا ، هذا ، والأولى ما قال المالكى (٢) وهو أن فاعل

__________________

(١) المجمجة : تغيير الكتاب وإفساده ، ومجمج الرجل فى خبره : لم يبينه

(٢) هكذا فى كافة أصول الكتاب ، ولم يتبين لنا مقصود المؤلف من المالكى ، ويخطر على البال أنه أراد الامام أبا القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلى الخثعمى الأندلسى (المالقى) وهو شارح الجمل للزجاجى ، وتلميذ ابن الطراوة النحوى وأبى بكر بن العربى المالكى ، وكانت وفاته فى سنة ٥٨١ ه‍ (أى قبل وفاة الرضى بنحو قرن)

١٠٠