شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[وصلّى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم]

أما بعد حمد الله تعالى على توالى نعمه ، والصلاة على رسوله محمد وعترته المعصومين ، فقد عزمت على أن أشرح مقدمة ابن الحاجب فى التصريف والخط ، وأبسط الكلام فى شرحها كما فى شرح أختها بعض البسط ، فإن الشرّاح قد اقتصروا على شرح مقدّمة الإعراب ، وهذا ـ مع قرب التصريف من الاعراب فى مساس الحاجة إليه ، ومع كونهما من جنس واحد ـ بعيد من الصواب ، وعلى الله المعوّل فى أن يوفقنى لإتمامه ، بمنه وكرمه ، وبالتوسل بمن أنا فى مقدّس حرمه ؛ عليه من الله أزكى السّلام ، وعلى أولاده الغرّ الكرام.

قال المصنف : «الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين ؛

وبعد فقد التمس منّى من لا تسعنى مخالفته أن ألحق بمقدّمتى فى الإعراب مقدّمة فى التّصريف على نحوها ، ومقدّمة فى الخطّ ، فأجبته سائلا متضرّعا أن ينفع بهما ، كما نفع بأختهما ، والله الموفّق ؛

التّصريف علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم الّتى ليست بإعراب».

أقول : قوله «بأصول» يعنى بها القوانين الكلية المنطبقة على الجزئيات ،

١

كقولهم مثلا «كل واو أو ياء إذا تحركت وافتح ما قبلها قلبت ألفا» والحق أن هذه الأصول هى التصريف ، لا العلم بها (١)

قوله «أبنية الكلم» المراد من بناء الكلمة ووزنها وصيغتها هيئتها التى يمكن أن يشاركها فيها غيرها ، وهى عدد حروفها المرتبة وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كلّ فى موضعه ؛ فرجل مثلا على هيئة وصفة يشاركه فيها عضد (٢) ، وهى كونه على ثلاثة أولها مفتوح وثانيها مضموم ، وأما الحرف الأخير فلا تعتبر حركته وسكونه فى البناء ، فرجل ورجلا ورجل على بناء واحد ، وكذا جمل على بناء ضرب ؛ لأن الحرف الأخير لحركة الإعراب وسكونه وحركة البناء وسكونه ، وإنما قلنا «يمكن أن يشاركها» لأنه قد لا يشاركها فى الوجود كالحبك ـ بكسر الحاء وضم الباء ـ فانه لم يأت له نظير (٣) ، وإنما قلنا «حروفها المرتبة» لأنه إذا تغير النظم والترتيب تغير الوزن ،

__________________

(١) يريد الاعتراض على ابن الحاجب حيث قال «التصريف علم بأصول» ولم يقل التصريف أصول ، وذلك أن عبارة ابن الحاجب تشعر بأن التصريف غير الأصول المذكورة ، مع أنه نفس الأصول المذكورة ، والحق أن عبارة ابن الحاجب مستقيمة ، ولا وجه للاعتراض المذكور عليها ، وذلك أنه قد تقرر عند العلماء أن لفظ العلم يطلق إطلاقا حقيقيا على الأصول والقواعد ، وهى القضايا الكلية التى يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها ، وعلى التصديق بهذه الأصول والقواعد ، وعلى ملكة استحضارها الحاصلة من تكرير التصديق بها ، فقول ابن الحاجب «التصريف علم بأصول» يجوز أن يراد من العلم فيه القواعد ، فتكون الباء فى قوله «بأصول» للتصوير ، وأن يراد منه التصديق فتكون الباء للتعدية ، وأن يراد منه ملكة الاستحضار فتكون الباء للسببية إلا أن القواعد سبب بعيد للملكة ، والسبب القريب التصديق بها

(٢) العضد ـ كرجل وفلس وعنق وقفل وكتف ـ من الأنسان وغيره الساعد وهو ما بين المرفق إلى الكتف

(٣) الحبيكة ـ كسفينة ـ الطريق فى الرمل ونحوه ، واسم الجمع حبيك ، والجمع

٢

كما تقول : يئس على وزن فعل وأيس على وزن عفل ، وإنما قلنا «مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية» لأنه يقال : إن كرّم مثلا على وزن فعّل ، ولا يقال : على وزن فعلل أو أفعل أو فاعل مع توافق الجميع فى الحركات المعينة والسكون ، وقولنا «كل فى موضعه» لأن نحو درهم ليس على وزن قمطر (١) لتخالف مواضع الفتحتين والسكونين ، وكذا نحو بيطر (٢) مخالف لشريف (٣) فى الوزن لتخالف موضعى الياءين ، وقد يخالف ذلك (٤) فى أوزان التصغير فيقال : أوزان التصغير ثلاثة : فعيل ، وفعيعل ، وفعيعيل ؛ فيدخل فى فعيعل أكيلب وحميّر ومسيجد ونحوها ، وفى فعيعيل مفيتيح وتميثيل ونحو ذلك ؛ [وذلك](٥) لما سيجىء

__________________

حبائك وحبك ، كسفين وسفائن وسفن ، وقد قرىء فى الشواذ : (والسماء ذات الحبك) بكسر الحاء وضم الباء ، وهذه هى التى عناها الشارح المحقق بأنها لا نظير لها

(١) القمطر : الجمل القوى السريع ، وقيل : الجمل الضخم القوى ، ورجل قمطر : قصير ، وامرأة قمطرة : قصيرة عريضة ، والقمطر والقمطرة : ما تصان فيه الكتب

(٢) بيطر : عالج الدواب ، فهو بيطار. وبطر كفرح وبيطر كجعفر وبيطر كهزبر ومبيطر ، وأصله بطر الشىء يبطره شقه ، وبابه نصر

(٣) شريف الزرع : قطع شريافه ، وهو ورقه إذا كثر وطال وخشى فساده ، ويقال : شرنفه ، أى قطع شرنافه ، وهو بمعنى الأول

(٤) اسم الأشارة فى قوله «ذلك» يعود إلى اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كل فى موضعه فى الوزن ؛ فأكيلب وزنه التصريفى أفيعل والتصغيرى فعيعل ، وحمير وزنه التصريفى فعيل والتصغيرى فعيعل ، ومسيجد وزنه التصريفى مفيعل والتصغيرى فعيعل ، ومفيتيح وزنه التصريفى مفيعيل والتصغيرى فعيعيل وتميثيل وزنه التصريفى تفيعيل والتصغيرى فعيعيل ، وسيأتى للشارح توجيه هذه المخالفة عند قول المصنف «ويعبر عنها بالفاء والعين واللام»

(٥) هذه الزيادة عن النسخة الخطية

٣

قوله «أحوال أبنية الكلم» يخرج من الحد معظم أبواب التصريف ، أعنى الأصول التى تعرف بها أبنية الماضى والمضارع والأمر والصفة وأفعل التفضيل والآلة والموضع والمصغر والمصدر ، وقد قال المصنف بعد مدخلا لهذه الأشياء فى أحوال الأبنية : «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع» الخ وفيه نظر (١) ، لأن العلم بالقانون الذى تعرف به أبنية الماضى من الثلاثى والرباعى

__________________

(١) هذا النظر فى قول المصنف بعد مدخلا لهذه الأشياء فى حد التصريف «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع والأمر واسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل والمصدر واسمى الزمان والمكان والآلة والمصغر والمنسوب والجمع والتقاء الساكنين والابتداء والوقف ، وقد تكون للتوسع كالمقصور والممدود وذى الزيادة ، وقد تكون للمجانسة كالامالة ، وقد تكون للاستثقال كتخفيف الهمزة والاعلال والابدال والادغام والحذف» والحاصل أن قول المصنف «تعرف بها أحوال الأبنية» إن جعلت الاضافة فيه بيانية دخل فيه الأصول التى تعرف بها أبنية الماضى والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل وأسماء الزمان والمكان والآلة والمصغر والمنسوب والجمع ، وخرج منه الأصول التى تعرف بها أحوال الأبنية كالأصول التى يعرف بها الابتداء والامالة وتخفيف الهمزة والاعلال والابدال والحذف وبعض الادغام ، وهو إدغام بعض حروف الكلمة فى بعض نحو مد وامتد وشد واشتد ، وبعض التقاء الساكنين وهو ما إذا كان الساكنان فى كلمة نحو قل وبع ، وخرج منه الأصول التى يعرف بها الادغام فى كلمتين نحو «منهم من ينظر» و «منهم من يقول» و «منهم من يستمع» «فماله من وال» «قل لزيد» والتى يعرف بها التقاء الساكنين فى كلمتين نحو «ادخل السوق» «واشتر الكتاب» وإن جعلت الاضافة على معنى اللام خرج من الحد النوع الأول والثالث ، ثم ذكر الشارح المحقق أن قول المصنف «وأحوال الأبنية قد تكون الخ» مشكل على كل حال ، وذلك أن الماضى وما ذكر معه إلى الجمع ليست أبنية ولا أحوال أبنية كما أن الادغام من كلمتين والتقاء الساكنين من كلمتين كذلك ، فلا يستقيم قوله «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع الخ» سواء أجعلت الاضافة بيانية أم على معنى اللام

٤

والمزيد فيه وأبنية المضارع منها وأبنية الأمر وأبنية الفاعل والمفعول تصريف بلا خلاف ، مع أنه علم بأصول تعرف به أبنية الكلم ، لا أحوال أبنيتها ، فان أراد أن الماضى والمضارع [مثلا] حالان طارئان على بناء المصادر ففيه بعد ؛ لأنهما بناءان مستأنفان بنيا بعد هدم بناء المصدر ، ولو سلمنا ذلك فلم عدّ المصادر فى أحوال الأبنية؟ فان القانون الذى تعرف به أبنيتها تصريف ، وليس يعرف به حال بناء ، والماضى والمضارع والأمر وغير ذلك مما مر كما أنها ليست بأحوال الأبنية ليست بأبنية أيضا على الحقيقة ، بل هى أشياء ذوات أبنية ، على ما ذكرنا من تفسير البناء ، بلى قد يقال لضرب مثلا : هذا بناء حاله كذا ، مجازا ، ولا يقال أبدا : إن ضرب حال بناء ، وإنما يدخل فى أحوال الأبنية الابتداء ، والامالة ، وتخفيف الهمزة ، والاعلال ، والابدال ، والحذف ، وبعض الادغام ، وهو إدغام بعض حروف الكلمة فى بعض ، وأما نحو «قل لّه» فالادغام فيه ليس من أحوال البناء ، لأن البناء على ما فسرناه لم يتغير به ، وكذا بعض التقاء الساكنين ؛ وهو إذا كان الساكنان من كلمة كما فى قل وأصله قول ، وأما التقاؤهما فى نحو «اضرب الرجل» فليس حالا لبناء الكلمة ، إذ البناء ـ كما ذكرنا ـ يعتبر بالحركات والسكنات التى قبل الحرف الأخير ؛ فهذه المذكورات أحوال الأبنية ، وباقى ما ذكر هو الأبنية ؛ إلا الوقف والتقاء الساكنين فى كلمتين والادغام فيهما ؛ فان هذه الثلاثة لا أبنية ولا أحوال أبنية

قوله «التى ليست باعراب» لم يكن محتاجا إليه ، لأن بناء الكلمة ـ كما ذكرنا ـ لا يعتبر فيه حالات آخر الكلمة ، والاعراب طار على آخر حروف الكلمة ، فلم يدخل إذن فى أحوال الأبنية حتى يحترز عنه ، وإن دخل (١) فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء ، فهلّا احترز عنه أيضا؟!

__________________

(١) قول الشارح المحقق «وإن دخل فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء فهلا

٥

واعلم أن التصريف (١) جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصناعة ، والتصريف ـ على ما حكى سيبويه عنهم ـ هو أن تبنى (٢) من الكلمة بناء لم

__________________

احترز عنه أيضا» نقول : قد يقال : إن المراد من الأعراب ما يشمل البناء ، وإطلاق الاعراب على ما يشمل البناء كثير فى كلامهم ؛ من ذلك قول المصنف «أن ألحق بمقدمتى فى الاعراب مقدمة فى التصريف على نحوها» فهو إما حقيقة عرفية أو مجاز مشهور ، وكلاهما لا يضر أخذه فى التعريف.

(١) قول الشارح المحقق «واعلم التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصنعة» نقول : هذا على طريقة المتقدمين من النحاة ؛ فانهم يطلقون النحو على ما يشمل التصريف ، ويعرف على هذه الطريقة بأنه علم يعرف به أحكام الكلم العربية إفرادا وتركيبا ، أو بأنه العلم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التى ائتلف منها ، والمتأخرون على أن التصريف قسيم النحو لا قسم منه ، فيعرف كل منهما بتعريف يميزه عن قسيمه وعن كل ما عداه فيعرف النحو بأنه علم يبحث فيه عن أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء ، وأما التصريف فيستعمل فى الاصطلاح مصدرا واسما علما ، فيستعمل مصدرا فى تغيير الكلمة عن أصل وضعها ، ويتناول هذا المعنى نوعين من التغييرات : الأول : تحويل الكلمة إلى أبنية مختلفة لضروب من المعانى لا تحصل إلا بذلك التحويل ، وذلك كتحويل المصدر إلى اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل واسم الزمان والمكان والآلة ، وكالتحويل إلى التثنية والجمع والتصغير والنسب ، والثانى : تغيير الكلمة عن أصل وضعها لقصد الالحاق أو التخلص من التقاء الساكنين أو التخفيف ، وذلك التغيير كالزيادة والحذف والاعلال والابدال وتخفيف الهمزة والادغام ، ويستعمل التصريف اسما علما فى القواعد التى يعرف بها أبنية الكلمة وما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وحذف وإبدال وإدغام وابتداء وإمالة ، وما يعرض لآخرها مما ليس باعراب ولا بناء كالوقف والادغام والتقاء الساكنين ، وهذان التعريفان غير التعريف الذى حكاه الشارح عن إمام أهل الصنعة سيبويه.

(٢) قول الشارح «أن تبنى من الكلمة بناء لم تبنه العرب الخ» نقول : يريد

٦

تبنه العرب على وزن ما بنته ثم تعمل فى البناء الذى بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم ، كما يتبين فى مسائل التمرين إن شاء الله تعالى ، والمتأخرون على أن التصريف علم بأبنية الكلمة ، وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال وإدغام وإمالة ، وبما يعرض لآخرها مما ليس باعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك.

قال : «وأبنية الاسم الأصول ثلاثيّة ورباعيّة وخماسيّة ، وأبنية الفعل ثلاثيّة ورباعيّة» (١)

__________________

أن تأخذ من الكلمة لفظا لم تستعمله العرب على وزن ما استعملته ثم تعمل فى هذا اللفظ الذى أخذته ما يقتضيه قياس كلامهم من إعلال وإبدال وإدغام ؛ فاذا بنيت من وأيت مثل قفل قلت وؤى ، فاذا خففت الهمزة بابدالها من جنس حركة ما قبلها صار وويا ، فعلى أن قلب الواو الأولى همزة فى مثل هذا واجب يقال : أوى ، وعلى أنه جائز يقال : «أوى» ، أو «ووى» ، وإذا بنيت من وأيت مثل كوكب قلت : ووأى ، تعل الياء بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم تحذف الألف لالتقاء الساكنين ، فاذا خففت الهمزة بنقل حركتها إلى ما قبلها ثم حذفها ، فعلى القول بوجوب القلب فى مثله يقال : أوى ، كفتى ، وعلى القول بعدم وجوبه يقال : أوى ، أو ووى

(١) قول المصنف «وأبنية الاسم الأصول ثلاثية ورباعية الخ» مقتضاه أن الأبنية الأصول للاسم والفعل لا تكون أقل من ثلاثة ، وهو كذلك بالنظر إلى أصل الوضع وأما بالنظر إلى الاستعمال فقد تكون على حرفين وعلى حرف واحد ، مثال ما كان على حرفين من الاسم وهو محذوف اللام أب وأخ ويد وثبة وأمة ، ومثاله محذوف الفاء عدة وزنة ودية وشية ، ومثاله محذوف العين وهو قليل لم يسمع إلا فى ثلاث كلمات : سه اتفاقا ، وأصله سته بدليل جمعه على أستاه ، ومذ على رأى من يقول : إن أصلها منذ ، استدلالا بأنك لو سميت بمذ صغرته على منيذ وجمعته على أمناذ ، قال الشارح فى شرح الكافية : ومنع منه صاحب المغنى فى الموضعين وقال : قولهم منيذ وأمناذ غير منقول عن العرب ، وأما تحريك ذال مذفى نحو «مذ اليوم» بالضم للساكنين

٧

أقول : لم يتعرض النحاة لأبنية الحروف لندور تصرفها ، وكذا الأسماء (١) العريقة البناء كمن وما

__________________

أكثر من الكسر فلا يدل أيضا على أن أصله منذ ، لجواز أن يكون للاتباع ، وضم ذال مذ ـ سواء كان بعده ساكن أولا ـ لغة غنوية ، فعلى هذا يجوز أن يكون أصله الضم فخفف فلما احتيج إلى التحريك للساكنين رد إلى أصله كما فى «لهم اليوم» والكلمة الثالثة ذا الاشارية ، على رأى من يقول : إن المحذوف منها العين ، وإن أصلها ذوى ، لكثرة باب طويت ، وورود الامالة فى ألفها ولا سب لها هنا إلا انقلابها عن ياء ، وهذا ما اختاره الشارح فى باب التصغير والاعلال ، ولكن اختار فى شرح الكافية أن أصله ذيى ، وأن المحذوف منه اللام ، لأن حذف اللام اعتباطا أكثر من حذف العين ، والحمل على الأكثر عند خفاء الأصل أولى ، ومثال ما كان على حرف واحد فى الاسم «م الله» على رأى من يقول : إن أصله «أيمن الله» وأما على رأى من يقول : إنه موضوع للقسم هكذا ابتداء وليس مختصرا من ايمن ، فهو حرف قسم كالباء والواو ، وأما الفعل فقد يكون على حرفين ، والمحذوف منه العين كقل وبع وسل ، وقد يكون كذلك والمحذوف منه الفاء كضع ودع وذر ، وقد يكون على حرف واحد والمحذوف منه الفاء واللام المعتلان نحو «ع كلامى» و «ق نفسك»

(١) قول الشارح «وكذا الأسماء العريقة البناء» يريد المتأصلة فى البناء ، وهو مستعار من قولهم : أعرق الرجل ، إذا صار عريقا ، أى : أصيلا ، وهو الذى له عروق فى الكرم أو اللؤم ، هذا ، ولم يتعرض الشارح للسر فى أن أقل الأبنية ثلاثة ، ولا للسر فى أن الاسم لا يكون سداسيا ، ونحن نذكر لك ما قيل فى ذلك : قال أبو حيان : إنما كان أقل الأصول ثلاثة لأنه لا بد من حرف يبتدأ به ، وحرف يسكت عليه ، وحرف يحشى به الكلمة لأن بعض الكلم يحتاج إليه فى بعض الأحكام ، ألا ترى أن التصغير لا يتصور فى اسم على حرفين لأن ياءه إنما تقع ثالثة وحرف الاعراب بعدها ، وفيه أن هذا إنما يتم فى الاسم لا الفعل ، وقال الجاربردى : «الأصل فى كل كلمة أن تكون على ثلاثة أحرف : حرف يبتدأ به ، وحرف يوقف عليه ، وحرف يكون واسطة بين المبتدأ به والموقوف عليه ؛ إذ

٨

واعلم أنه لم يبن من الفعل خماسى ، لأنه إذن يصير ثقيلا بما يلحقه مطّردا من حروف المضارعة وعلامة اسم الفاعل واسم المفعول (١) والضمائر المرفوعة التى هى كجزء الكلمة ، وإنما قال «الأصول» لأنه يزاد على ثلاثىّ الفعل واحد كأخرج ، واثنان كانقطع ، وثلاثة كاستخرج ، وعلى رباعيّه واحد كتدحرج ، واثنان كاحرنجم (٢) ويزاد على ثلاثىّ الاسم واحد نحو ضارب ، واثنان كمضروب ، وثلاثة كمستخرج ، وأربعة كاستخراج ، وعلى رباعيّه واحد كمدحرج ، واثنان كمتدحرج ، وثلاثة كاحربحام (٣) ، ولم يزد فى خماسيّه غير حرف مد قبل الآخر نحو سلسبيل (٤) وعضر فوط (٥) أو بعده مجرّدا عن التاء كقبعثرى (٦)

__________________

يجب أن يكون المبتدأ به متحركا والموقوف عليه ساكنا ، فلما تنافيا صفة كرهوا مقارنتهما ؛ ففصلوا بينهما بحرف لا تجب فيه الحركة ولا السكون ، فكان مناسبا لهما» وهو منقوض بما كان على حرفين من الحروف والأسماء المشبهة لها ، قال : «وإنما جوزوا فى الاسم رباعيا وخماسيا للتوسع ، ولم يجوزوا سداسيا لئلا يوهم أنه كلمتان ؛ إذ الأصل فى الكلمة أن تكون على ثلاثة أحرف» هذا ، وأكثر أنواع الأبنية وقوعا فى الكلام الثلاثى ، ويليه الرباعى ، ويليه الخماسى

(١) قول الشارح «وعلامة اسم الفاعل والمفعول» ظاهره أن علامة اسم الفاعل والمفعول تلحق الفعل وليس كذلك ، والصواب حذفه والتعليل تام بدونه

(٢) الاحرنجام : الاجتماع ، يقال : احرنجم القوم ، إذا اجتمع بعضهم إلى بعض ، وحرجمت الابل : إذا رددت بعضها إلى بعض ، فاحرنجمت : أى ارتد بعضهما إلى بعض واجتمعت

(٢) الاحرنجام : الاجتماع ، يقال : احرنجم القوم ، إذا اجتمع بعضهم إلى بعض ، وحرجمت الابل : إذا رددت بعضها إلى بعض ، فاحرنجمت : أى ارتد بعضهما إلى بعض واجتمعت

(٣) يقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل ، إذا كان سهل المدخل فى الحلق ، واختلف علماء اللغة فى قوله تعالى : (عينا فيها تسمى سلسبيلا) فقيل : إنه اسم عين فى الجنة ، وصرف وحقه المنع للعلمية والتأنيث ؛ للتناسب ، وقيل : إنه وصف للعين ، وعليه فلا إشكال فى صرفه

(٤) العضرفوط : دويبة بيضاء ناعمة ، وقيل : ذكر العظاء

(٥) القبعثرى : العظيم الشديد ، والأنثى قبعثراة ، قال المبرد : ألفه ليست

٩

أو معها كقبعثراة ، وندر قرعبلانة (١) وإصطفلينة (٢)

قال : «ويعبّر عنها بالفاء والعين واللّام ، وما زاد بلام ثانية وثالثة ، ويعبّر عن الزّائد بلفظه ، إلّا المبدل من تاء الافتعال فإنّه بالتّاء ، وإلّا المكرّر للإلحاق أو لغيره فإنّه بما تقدّمه وإن كان من حروف الزّيادة إلّا بثبت ، ومن ثمّ كان حلتيت (٣) فعليلا لا فعليتا ، وسحنون (٤)

__________________

للتأنيث ولا للالحاق ، وإنما هى لمجرد تكثير البنية

(١) القرعبلانة : دوية عريضة عظيمة البطن ، قال ابن سيده : وهو مما فات الكتاب من الأبنية ، قال الجوهرى : أصل القرعبلانة قرعبل ، فزيدت فيه ثلاثة أحرف ؛ لأن الاسم لا يكون على أكثر من خمسة أحرف ، وقيل : إن هذه اللفظة لم تسمع إلا فى كتاب العين ، وهو غير موثوق به

(٢) فى القاموس : «الاصطفلين ـ كجردحلين بزيادة الياء والنون ـ : الجزر الذى يؤكل ، الواحدة إصطفلينة ، وفى كتاب معاوية إلى قيصر : «لأنتزعنك من الملك انتزاع الاصطفلينة ، ولأردنك إريسا من الأرارسة ترعى الدوبل» اه والاريس : الأكار : أى الحراث ، والدوبل : الخنزير أو الذكر من الخنازير خاصة أو ولده ، قال ابن الأثير : ليست اللفظة ـ بعنى الاصطفلينة ـ بعربية محضة لان الصاد والطاء لا يكاد ان يجتمعان إلا قليلا ، وقول الشارح «وندر قرعلانة وإصطفلينة» نقول : ذكر بعضهم أنه زيد فى الخماسى حرفا مدقبل الآخر ، نحو مغناطيس ، قال : فان صح ذلك وكان عربيا جعل نادرا ، وقد حكاه ـ أعنى مغناطيس ـ ابن القطاع ، ونقول : «فى اللسان المغنطيس حجر يجذب الحديد ، وهو معرب» وفى القاموس «المغنطيس والمغنطيس والمغناطيس : حجر يجذب الحديد ، معرب» اه

(٣) قال فى اللسان : قال أبو حنيفة : «الحلتيت عربى أو معرب ولم يبلغنى أنه ينبت ببلاد العرب ولكن ينبت بين بست وبين بلاد القيقان ، وهو نبات يسلنطح ثم يخرج من وسطه قصبة تسمو وترفع ، والحلتيت أيضا : صمغ يخرج فى أصول ورق تلك القصبة ، وأهل تلك البلاد يطبخون بقلة الحلتيت ويأكلونها وليست مما يبقى على الشتاء» اه

(٤) لم نجد هذه الكلمه فى القاموس وشرحه ولا فى اللسان ، وفى شرح الجاربردى أنه أول الريح والمطر

١٠

وعثنون (١) فعلولا لا فعلونا لذلك ولعدمه ، وسحنون إن صحّ الفتح ففعلون لا فعلول كحمدون ، وهو مختصّ بالعلم ؛ لندور (٢) فعلول وهو صعفوق (٣) ، وخرنوب ضعيف ، وسمنان (٤) فعلان ، وخزعال (٥) نادر وبطنان (٦) فعلان ، وقرطاس (٧) ، ضعيف مع أنّه نقيض ظهران»

__________________

(١) قال فى القاموس : «العثنون اللحية ، أو ما فضل منها بعد العارضين ، أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا ، أو هو طولها ، وشعيرات طوال تحت حنك البعير ومن الريح والمطر أولهما ، أو عام المطر ، أو المطر ما دام بين السماء والأرض»

(٢) مرجع الضمير فى قوله : «وهو مختص بالعلم» فعلون (بفتح أوله وبالنون) وقوله «لندور فعلول» تعليل لحمله على فعلون ونفى كونه فعلولا

(٣) قوله «وهو صعفوق» يريد الذى ندر من فعلول بفتح أوله ، قال فى اللسان : «وقال الأزهرى كل ما جاء على فعلول فهو مضموم الأول مثل زنبور وبهلول وعمروس وما أشبه ذلك ؛ إلا حرفا جاء نادرا وهو بنو صعفوق لخول باليمامة. وبعضهم يقول صعفوق بالضم ، قال ابن برى : رأيت بخط أبى سهل الهروى على حاشية كتاب : جاء على فعلول (بالفتح) صعفوق وصعقول لضرب من الكمأة وبعكوكة الوادى لجانبه ، قال ابن برى : أما بعكوكة الوادى وبعكوكة الشر فذكرها السيرافى وغيره بالضم لا غير ، أعنى بضم الباء ، وأما الصعقول لضرب من الكمأة فليس بمعروف ولو كان معروفا لذكره أبو حنيفة فى كتاب النبات وأظنه نبطيا أو أعجميا» ا ه وقد ذكر المجد فى القاموس الصندوق بضم أوله وفتحه فهو مزيد على ما حكاه ابن برى عن الهروى

(٤) سمنان كما قال الشارح : اسم موضع ، قيل : هو من أرض نجد ، وقيل : هو مدينة بين الرى ونيسابور

(٥) سيأتى فى كلام الشارح تفسير الخزعال بأنه ظلع يصيب الناقة

(٦) بطنان : اسم لباطن ريش الطائر ، وظهران : اسم لظاهره ، وسيأتى لهذا القول تكملة

(٧) القرطاس ـ بضم أوله ، وقد يفتح ، والأشهر فيه الكسر ـ وهو الكاغذ : أى ما يكتب فيه

١١

أقول : يعنى إذا أردت وزن الكلمة عبرت عن الحروف الأصول بالفاء والعين واللام : أى جعلت فى الوزن مكان الحروف الأصلية هذه الحروف الثلاثة كما تقول : ضرب على وزن فعل

اعلم أنه صيغ لبيان الوزن المشترك فيه كما ذكرنا لفظ متصف بالصفة التى يقال لها الوزن ، واستعمل ذلك اللفظ فى معرفة أوزان جميع الكلمات ؛ فقيل : ضرب على وزن فعل ، وكذا نصر وخرج ، أى : هو على صفة يتصف بها فعل ، وليس قولك فعل هى الهيئة المشتركة بين هذه الكلمات ، لأنا نعرف ضرورة أن نفس الفاء والعين واللام غير موجودة فى شىء من الكلمات المذكورة ، فكيف تكون الكلمات مشتركة في فعل؟ بل هذا اللفظ مصوغ ليكون محلا للهيئة المشتركة فقط ، بخلاف تلك الكلمات ، فانها لم تصغ لتلك الهيئة بل صيغت لمعانيها المعلومة ، فلما كان المراد من صوغ فعل الموزون به مجرّد الوزن سمى وزنا وزنة ، لا أنه فى الحقيقة وزن وزنة ، وإنما اختير لفظ فعل لهذا الغرض من بين سائر الألفاظ لأن الغرض الأهم من وزن الكلمة معرفة (١) حروفها

__________________

(١) المراد أن يعرف المتعلم باختصار الفرق بين الأصلى والزائد ومحل الأصلى ، فاذا قيل له إن وزن منطلق منفعل ، كان أخصر من أن يقال الميم والنون زائدتان ، وكذا إذا قيل له أن ناء فلع كان أخصر من أن يقال له إن اللام مقدمة على العين ، وهكذا ، وبما ذكرنا اندفع ما يقال : كيف تعرف الأصالة والزيادة من المقابلة بالفاء والعين واللام مع أن المقابلة فرع معرفة الأصالة والزيادة ، وذلك أن المعلم إذا عرف الأصالة والزيادة من أدلتهما وأراد أن يعرف المتعلم باختصار الأصالة والزيادة قابل له حروف الكلمة التى يريد أن يعرفه حالها بحروف الميزان ، ثم إن ما ذكر من أن المقابلة بالفاء والعين واللام تدل على الأصالة إنما هو فى غير المكرر أما هو سواء أكان تكراره للألحاق أم لغيره فانما تعرف الأصالة والزيادة فيه من أمر آخر وهو أن كل تضعيف فى كلمة زائدة على ثلاثة أحرف فأحد الضعفين فيها زائد كقطع وجلبب وركع (جمع راكع) ، وقردد ؛ إذا لم يفصل بين المثلين

١٢

الأصول وما زيد فيها من الحروف وما طرأ عليها من تغييرات لحروفها بالحركة والسكون ، والمطّرد فى هذا المعنى الفعل والأسماء المتصلة بالأفعال كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والآلة والموضع ، إذ لا تجد فعلا ولا اسما متصلا به إلا وهو فى الأصل مصدر قد غيّر غالبا إما بالحركات كضرب وضرب أو بالحروف كيضرب وضارب ومضروب ، وأما الاسم الصريح الذى لا اتصال له بالفعل فكثير منه خال من هذا المعنى كرجل وفرس وجعفر وسفرجل ، لا تغيير فى شىء منها عن أصل

ومعنى تركيب «ف ع ل» مشترك بين جميع الأفعال والأسماء المتصلة بها ؛ إذ الضّرب فعل ، وكذا القتل والنّوم ، فجعلوا ما تشترك الأفعال والأسماء المتصلة بها فى هيئته اللفظية مما تشترك أيضا فى معناه ، ثم جعلوا الفاء والعين واللام فى مقابلة الحروف الأصلية ، إذ الفاء والعين واللام أصول ، فان زادت الأصول على الثلاثة كرّرت اللام دون الفاء والعين ، لأنه لما لم يكن بدّ فى الوزن من زيادة حرف بعد اللام لأن الفاء والعين واللام تكفى فى التعبير بها عن أول الأصول وثانيها وثالثها كانت الزيادة بتكرير أحد الحروف التى فى مقابلة الأصول بعد اللام أولى ، ولما كانت اللام أقرب كرّرت هى دون البعيد

فان كان فى الكلمة المقصود وزنها حرف زائد فهو على ضربين : إن كانت الزيادة بتكرير حرف أصلى كتكرير عين قطّع أو لام جلبب كرّرت العين فى وزن الأول نحو فعّل واللام فى وزن الثانى نحو فعلل ، ولا يورد ذلك المزيد بعينه ؛ فلا يقال : فعطل ولا فعلب ؛ تنبيها فى الوزن على أن الزائد حصل من تكرير حرف أصلى ، سواء كان التكرير للالحاق كقردد (١) أو

__________________

حرف أصلى ، وإن لم تزد على الثلاثة فالمثلان فيها أصليان كمد وعد وبر وجب.

(١) قردد : اسم جبل ، وما ارتفع من الأرض ، ومن الظهر أعلاه ، ومن الشتاء شدته وحدته ، ويقال : جاء بالحديث على قردده : أى وجهه

١٣

لغيره كقطّع ، وإن لم تكن الزيادة بتكرير حرف أصلى أورد فى الوزن تلك الزيادة بعينها ، كما يقال فى ضارب : فاعل ، وفى مضروب : مفعول

وقد ينكسر هذا الأصل الممهّد فى أوزان التصغير ، إذ قصدوا حصر جميعها فى أقرب لفظ وهو قولهم : أوزان التصغير ثلاثة فعيل ، وفعيعل ، وفعيعيل ، ويدخل فى فعيعل دريهم مع أن وزنه الحقيقى فعيلل ؛ وأسيود وهو أفيعل ، ومطيلق وهو مفيعل ، وجويرب وهو فويعل ، وحميّر وهو فعيّل ، ويدخل فى فعيعيل عصيفير وهو فعيليل ، ومفيتيح وهو مفيعيل ، ونحو ذلك ، وإنما كان كذلك لأنهم قصدوا الاختصار بحصر جميع أوزان التصغير فيما يشترك فيه بحسب الحركات المعينة والسكنات ، لا بحسب زيادة الحروف وأصالتها ، فان دريهما مثلا وأحيمر وجديولا ومطيلقا تشترك فى ضم أول الحروف وفتح ثانيها ومجىء ياء ثالثة وكسر ما بعدها ، وإن كانت أوزانها فى الحقيقة مختلفة باعتبار أصالة الحروف وزيادتها ، فقالوا لما قصدوا جمعها فى لفظ للاختصار : إن وزن الجميع فعيعل ، فوزنوها بوزن يكون فى الثلاثى دون الرباعى ، لكونه أكثر منه ، وأقدم بالطبع ، ثم قصدوا ألا يأتوا فى هذا الوزن الجامع بزيادة إلا من نفس الفاء والعين واللام ، إذ لا بد للثلاثى ـ إذا كان على هذا الوزن ـ من زيادة ، واختيار بعض حروف «اليوم تنساه» للزيادة دون بعض تحكم ، إذ لو قالوا مثلا أفيعل باعتبار نحو أحيمر أو مفيعل باعتبار نحو مجيلس أو فعيّل باعتبار نحو حميّر أو غير ذلك كان تحكما ، فلم يكن بدّ من تكرير أحد الأصول ، وفى الثلاثى لا تكون زيادة التضعيف فى الفاء فلم يقولوا ففيعل ، بل لا تكون إلا فى العين كزرّق (١) أو فى اللام كمهدد (٢) وقردد ،

__________________

(١) الزرق بوزان سكر طائر صياد وبياض فى ناصية الفرس والجمع زراريق

(٢) مهدد : اسم امرأة ، قال ابن سيده : وإنما قضيت على ميم مهدد أنها أصل

١٤

فلو قالوا فعيلل لا لتبس بوزن جعيفر ، أعنى وزن الرباعى المجرد عن الزيادة ، وهم قصدوا وزن الثلاثى كما ذكرنا ، فكرروا العين ليكون الوزن الجامع وزن الثلاثى خاصة ، وإن لم يقصدوا الحصر المذكور ورنوا كل مصغر بما يليق به ، فقالوا : دريهم فعيلل ، وحميّر فعيّل ، ومقيتل مفيعل ، ونحو ذلك.

هذا ، وقد يجوز فى بعض الكلمات أن تحمل الزيادة على التكرير ، وأن لا تحمل عليه ، إذا كان الحرف من حروف «اليوم تنساه» وذلك كما فى حلتيت ، يحتمل أن تكون اللام مكررة كما فى شمليل فيكون وزنه فعليلا فيكون ملحقا بقنديل ، وأن يكون لم يقصد تكرير لامه وإن اتفق ذلك ، بل كان القصد إلى زيادة الياء والتاء كما فى عفريت (١) فيكون فعليتا ، وكذا سمنان : إما أن يكون مكرر اللام للالحاق بزلزال ، أو يكون زيد فيه الألف والنون لا للتكرير بل كما زيد فى سلمان ، ولا دليل فى قول الحماسى : ـ

١ ـ نحو الأميلح من سمنان مبتكرا

بفتية فيهم المرّار والحكم (٢)

ـ بمنع صرف سمنان ـ على كونه فعلان ، لجواز كونه فعلالا وامتناع صرفه لتأويله بالأرض والبقعة لأنه اسم موضع ، قال المصنف : لا يجوز أن يكون مكرر اللام للالحاق لأن فعلالا نادر كخزعال ، ولا يلحق بالوزن النادر ، ولقائل أن يقول : إن فعلالا إذا كان فاؤء ولامه الأولى من جنس واحد نحو زلزال (٣)

__________________

لأنها لو كانت زائدة لم تكن الكلمة مفكوكة وكانت مدغمة كمسد ومرد ، وهو (مهدد) فعلل اه وقال سيبويه : الميم من نفس الكلمة ، ولو كانت زائدة لأدغم الحرف مثل مفر ومرد ، فثبت أن الدال ملحقة ، والملحق لا يدغم ا ه

(١) العفريت : النافذ فى الأمر المبالغ فيه مع دها.

(٢) الأميلح : ماء لبنى ربيعة ، وسمنان تقدم ذكره ، ومبتكرا : ذاهبا فى بكرة النهار ، وهى أوله ، والمرار والحكم أخوا الشاعر ، وهو زياد بن منقذ

(٣) الزلزال : التحريك الشديد ، والخلخال : حلى يلبس فى الساق ، وخلخال : بلد ويقال : ثوب خلخال ، أى رقيق

١٥

وخلخال غير نادر اتفاقا ، فهلا يجوز أن يكون سمنان ملحقا به ، وليس نحو زلزال بفعفال على ما هو مذهب الفراء كما يذكره المصنف فى باب ذى الزيادة ، ولا يجوز أن يكون التاءان أصليتين فى حلتيت وكذا النونان فى سمنان لما سيجىء من أن التضعيف فى الرباعى والخماسى لا يكون إلا زائدا إلا أن يفصل أحد الحرفين عن الآخر بحرف أصلى كزلزال على ما فيه من الخلاف كما سيجىء ، ولا يجوز أن يكون كرر اللام فيهما لغير الالحاق كما فى سودد (١) عند سيبويه لأن معنى الالحاق حاصل فيهما ، وإنما امتنع ذلك فى نحو سؤدد عند سيبويه (١) لعدم نحو جخدب عنده

وأما نحو سحنون وعثنون فهما مكررا اللام للالحاق بعصفور ، ولا يجوز أن يكون زيد الواو والنون كما فى حمدون لعدم فعلون فى أبنيتهم ، وأما سحنون ـ بفتح الفاء ـ فليس بمكرر اللام للالحاق بصعفوق ، لأنه نادر ، ولا يلحق بالنادر ، وليس التكرير لغير الالحاق كما فى سؤدد (١) لعدم فعلول مكرّر اللام فهو إذن فعلون لثبوت فعلون فى الأعلام خاصة ، وسحنون علم

وأما بطنان فليس بمكرر اللام ، لأنه جمع بطن (٢) ، وليس فعلال من

__________________

(١) هذا الكلام الذى ذكره الشارح هاهنا فى كلمة سؤدد مخالف لما سيأتى له ، فقد قال فى مبحت الالحاق : ولا تلحق كلمة بكلمة مزيد فيها إلا بأن يجىء فى الملحقة ذلك الزائد بعينه فى مثل مكانه ، فلا يقال إن اعشوشب واجلوذ ملحقان باحرنجم لأن الواو فيهما فى موضع نونه ، ولهذا ضعف قول سيبويه فى نحو سؤدد إنه ملحق بجندب المزيد نونه ، وقوى قول الأخفش إنه ثبت نحو جخدب وإن نحو سؤدد ملحق به. وقال فى باب الاعلال عند التعليل لتصحيح كلمة عليب : وهو عند الأخفش ملحق بجخدب وعند سيبويه للألحاق أيضا كسؤدد وإن لم يأت عنده فعلل اه فهاتان العبارتان صريحتان فى أنه يرى أن مذهب سيبويه أن كلمة سؤدد ملحقة بنحو جندب

(٢) الذى قاله المصنف هنا هو الذى ذكره المجد فى القاموس والجوهرى فى

١٦

أبنية الجموع ، وفعلان منها كقفزان (١) ولو كان بطنان واحدا لجاز أن يكون فعلالا مكرر اللام للالحاق بقسطاس (٢) كما فى قرطاط (٣) وفسطاط (٤) ، أو يقال فى الثلاثة إنها مكررة اللام لا للالحاق كما فى سؤدد عند سيبويه (٥) وقال المصنف : لا يجوز أن يكون بطنان ملحقا بقرطاس لأنه ضعيف ، والفصيح قرطاس ـ بكسر الفاء ـ ولقائل أن يقول : قرطاس غير ضعيف ، وقد قرىء في الكتاب العزيز بالكسر والضم ، وما قيل «إنها لغة رومية» لم يثبت والظاهر أن المصنف بنى على أن بطنانا وظهرانا مفردان (٦) فحمل بطنانا فى كونه فعلان على ظهران الذى هو فعلان بيقين ، ولو جعلهما جمعين لم يحتج إلى ما ذكر ، لأن فعلالا ليس من أبنية الجموع ، والحق أنهما جمعا بطن وظهر كما ذكر أهل اللغة

رجعنا إلى تفسير كلامه ، قوله «يعبر عنها» أى عن الأصول : أى

__________________

الصحاح وابن منظور فى اللسان عن ابن سيده ، لكن قال الجاربردى فى شرحه على الشافية إن ظهرانا اسم لظاهر الريش وبطنانا اسم لباطنه فهما على ذلك مفردان كما يقتضيه كلام المصنف

(١) القفزان : جمع قفيز ، وهو مكيال يسع ثمانية مكاكيك (والمكاكيك : جمع مكوك ـ بزنة تنور ـ وهو مكيال يسع صاعا ونصف صاع). والقفيز من الأرض يساوى مائة وأربعا وأربعين ذراعا

(٢) القسطاس ـ بالضم والكسر ـ الميزان

(٣) القرطاط ـ بالضم والكسر ـ ما يوضع تحت رحل البعير ، وهو الداهية أيضا.

(٤) الفسطاط ـ بضم أوله أو كسره ـ المدينة التى فيها مجتمع الناس ، وكل مدينة فسطاط ، ومنه قيل لمدينة مصر التى بناها عمرو بن العاص فسطاط ، وقال الزمخشرى : الفسطاط : ضرب من الأبنية فى السفردون السرادق ، وبه سميت المدينة ، ويقال لمصر والبصرة الفسطاط اه عن اللسان

(٥) أنظر (ص ١٦ ه‍ ١ من هذا الجزء) (٢ ـ ١)

١٧

يجعل فى الوزن مكان أول الأصول الفاء ، ومكان ثانيها العين ، ومكان ثالثها اللام.

قوله «وما زاد» أى : وما زاد على ثلاثة من الأصول يعبّر عنه بلام ثانية إن كان الاسم رباعيا ، كما تقول : وزن جعفر فعلل

قوله «وثالثة» أى : إذا كان الاسم خماسيا كما تقول : وزن سفرجل فعلّل

قوله «ويعبر عن الزائد بلفظه» : أى يورد فى الوزن الحرف الزائد بعينه فى مثل مكانه ، كما تقول : مضروب على وزن مفعول

قوله «إلا المبدل من تاء الافتعال» يعنى تقول فى مثل اضطرب وازدرع (١) افتعل ، ولا تقول افطعل ولا افدعل ، وهذا مما لا يسلّم ، بل تقول : اضطرب على وزن افطعل ، وفحصط (٢) وزنه فعلط ، وهراق (٣) وزنه هفعل ، وفقيمجّ وزنه (٤) فعيلجّ ؛ فيعبر عن كل الزائد المبدل [منه] بالبدل ، لا بالمبدل منه وقال عبد القاهر فى المبدل عن الحرف الأصلى : «يجوز أن يعبر عنه بالبدل ؛ فيقال فى قال : إنه على وزن فال» اه ، قال فى الشرح (٥) : إنما لم يوزن المبدل من تاء

__________________

(١) أصل ازدرع ازترع ، فأبدلوا التاء دالا لوقوعها بعد الزاى ، وهى بمعنى زرع أى طرح البذر

(٢) فحصط : هو فحصت بتاء المتكلم ، فأبدلت طاء تشبيها لها بالتاء فى نحو اصطبر والابدال فى فحصت شاذ ؛ إذ التاء فيه من الأسماء العريقة فى البناء

(٣) هراق : أصله أولا أريق ثم أعل بالنقل والقلب فصار أراق ثم ، أبدلت همزته هاء شذوذا

(٤) فقيمج (بالتصغير والجيم مشددة) أصله فقيمى ، وهو المنسوب إلى فقيم ، وفقيم : بطن من كنانة ، أبدلت فيه الياء المشددة جيما كما قالوا : علجا وعشجا فى على وعشى

(٥) المراد بالشرح فى هذه العبارة شرح ابن الحاجب على شافيته

١٨

الافتعال بلفظه إما للاستثقال أو للتنبيه على الأصل ، قلنا : هذان حاصلان فى فحصط وفى فزد (١) ولا يوزنان إلا بلفظ البدل ، ولو قال : ويعبر عن الزائد بلفظه ، إلا المدغم فى أصلىّ فانه بما بعده ، والمكرر فانه بما قبله ، ليدخل فيه نحو قولك : ازّيّن وادّارك (٢) على وزن افّعّل وافّاعل ، وقولك قردد وقطّع واطّلب على وزن فعلل وفعّل وافعّل ؛ لكان أولى وأعم

قوله «وإلا المكرر للالحاق» أى : لا يقال فى قرد فعلد ، بل فعلل

قوله «أو لغيره» أى : لا يقال فى نحو قطّع فعطل ، بل فعّل ، قال : (٣) «إنما وزن المكرر للالحاق بأحد حروف فعل لأنه فى مقابلة الحرف الأصلى ، وهذا ينتقض عليه بقولهم فى وزن حوقل وبيطر : فوعل وفيعل ، بل العلة في التعبير عن المكرر للالحاق [كان] أو لغيره عينا كان أو لا ما ما ذكرته قبل

قوله «فانه بما تقدمه» أى : فانّ المكرر يعبر عنه فى الوزن بالحرف الذى تقدمه ، عينا كان ذلك الحرف أو لاما

قوله «وإن كان من حروف الزيادة» أى : وإن كان أيضا ذلك الحرف المكرر من حروف «اليوم تنساه» لا يعبر عنه بلفظه ، بل بما تقدمه ، فالنون من عثنون من حروف «اليوم تنساه» ولا يعبر عنه فى الوزن بالنون ، بل باللام الذى تقدمه.

__________________

(١) فزد : أصلها فزت ، فعل ماض من الفوز مسند إلى ضمير المتكلم ، فأبدلت التاء دالا تشبيها لها بالتاء فى نحو ازدجر وازدرع

(٢) ازين : أصله تزين ، فأبدلت التاء زايا ثم أدغم ثم أتى بهمزة الوصل توصلا إلى النطق بالساكن ، وادارك : أصله تدارك أبدلت التاء دالا ثم فعل به ما فعل بسابقه ، واطلب : أصله اطتلب أبدلت تاء الافتعال طاء لوقوعها بعد حرف الأطباق ثم أدغمت الطاء فى الطاء

(٣) القائل هو المصنف فى الشرح المنسوب إليه

١٩

قوله «إلا بثبت» أى : إلا أن يكون هناك حجة تدل على أن المراد من الاتيان بحروف «اليوم تنساه» ليس تكريرا كما قلنا فى سحنون ـ بالفتح ـ إنه فعلون لا فعلول.

قوله «ومن ثم» أى : من جهة التعبير عن المكرر بما تقدمه وإن كان من حروف «اليوم تنساه» ، ونحن قد ذكرنا أنه لا مانع أن يقال إنه فعليت

قوله «لذلك» أى : لوجوب التعبير عن المكرر بما تقدمه وإن كان من حروف الزيادة.

قوله «ولعدمه» أى : لعدم فعلون.

قوله «وسحنون إن صح الفتح» إنما قال ذلك لأنه روى الفتح فيه ، والمشهور الضم ، وحمدون وسحنون : علمان.

قوله «وهو صعفوق» أى : الفعلول النادر صعفوق ، وهو اسم رجل ، وبنو صعفوق : خول باليمامة (١)

قوله «وخرنوب ضعيف» المشهور ضم الخاء ، وقد منع الجوهرى الفتح ، ولو ثبت أيضا لم يدل على ثبوت فعلول ؛ لأن النون زائدة لقولهم الخرّوب ـ بالتضعيف ـ بمعناه ، وهو نبت.

قوله «وخزعال نادر» قال الفراء : لم يأت من غير المضاعف على فعلال إلا قولهم : ناقة بها خزعال : أى ظلع ، وزاد ثعلب قهقارا ، وأنكره الناس ، وقالوا :

__________________

(١) الخول ـ بفتحتين ـ الخدم والرعاة إذا حسن قيامهم على المال والغنم ، الواحد خولى كعرب وعربى. قال ابن الأثير : الخولى عند أهل الشأم القيم بأمر الابل واصلاحها ، من التخول التعهد وحسن الرعاية

٢٠