شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ١

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

وأما العلم المنقول عن الشىء فحكمه حكم المنقول عنه ، تقول فى سرحان (١) وورشان وسلطان أعلاما : سريحين ووريشين وسليطين ، تكون قبل التصغير غير منصرفة للعلمية والألف والنون ، وتنصرف بعد التصغير لزوال الألف بانقلابها ياء ، وهذا كما لا ينصرف معزى علما لمشابهة ألفها لألف التأنيث فاذا صغرته صرفته لانقلابها ياء نحو معيز ، وتقول فى ظربان وعقربان وسكران وندمان أعلاما : ظريبان وعقيربان وسكيران ونديمان كما كانت قبل النقل إلى العلمية ، وهذا كما تقول فى أجمال علما : أجيمال ، بالألف على ما ذكره سيبويه

هذا ، ثم إن النحاة قالوا فى تعريف الألف والنون المشبهتين بألف التأنيث : كل ما قلب ألفه فى الجمع ياء فاقلبها فى التصغير أيضا ياء ، وما لم تقلب فى التكسير فلا تقلب فى التصغير ، وهذا رد إلى الجهالة ، ولا يطرد ذلك في نحو ظربان لقولهم ظريبان وظرابين ، وما لم يعرف هل قلب ألفه فى التكسير أو لا اختلفوا فيه : فقال السيرافى وأبو على : لا تقلب ألفه حملا على باب سكران ؛ لأنه هو الأكثر ، وقال الأندلسى : يحتمل أن يقال : الأصل عدم التغيير ، وأن يقال : الأصل الحمل على الأكثر فتغير والله أعلم ، وإنما لم تغير ألف أفعال إبقاء على علامة ما هو مستغرب فى التصغير ، أعنى الجمع ، وذلك لأنهم ـ كما يجىء ـ لم يصغروا من (٢) صيغ الجمع المكسر إلا الأربعة الأوزان التى للقلة ، وهى : أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة ،

__________________

حكى صوت باب ضخم فى حالتى فتحه وإسفاقه وهما حكايتان متباينتان جلن على حده وبلق على حدة ؛ إلا أنهما التزقا فى اللفظ فظن غير المميز أنهما كلمة واحدة» اه

(١) السرحان : الذثب ، وقيل : الأسد بلغة هذيل. قال سيبويه ؛ النون زائدة وهو فعلان ، والجمع سراحين وسراحن وسراحى

(٢) إنما لم يصغروا جموع الكثرة لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد فلم يجمعوا بين تقليل العدد بالتصغير وتكثيره بابقاء لفظ جمع الكثرة لكون ذلك يشبه أن يكون تناقضا

٢٠١

فكان تصغير الجمع مستنكرا فى الظاهر ، فلو لم يبقوا علامته لم يحمل السامع المصغر على أنه مصغر الجمع لتباين بينهما فى الظاهر ، وأما ألف نحو إخراج وإدخال فهى وإن كانت علامة المصدر إلا أنها تقلب فى التصغير ياء ، إذ لا يستغرب تصغير المصدر استغراب تصغير الجمع ، وإذا سميت بأجمال قلت أيضا أجيمال كما ذكرنا.

قال : «ولا يزاد على أربعة ، ولذلك لم يجىء فى غيرها إلّا فعيل وفعيعل وفعيعيل ، وإذا صغّر الخماسىّ على ضعفه فالأولى حذف الخامس ، وقيل : ما أشبه الزّائد ، وسمع الأخفش سفير جل»

أقول : قوله «ولا يزاد على أربعة» عبارة ركيكة ، مراده منها أنه لا يصغر الخماسى ، أى : لا يرتقى إلى أكثر من أربعة أحرف أصول فى التصغير ؛ لأن للأسماء ثلاث درجات : ثلاثى ، ورباعى ، وخماسى ؛ فيصغر الثلاثى ، ويزاد عليه أن يرتقى منه إلى الرباعى أيضا ، فيصغر ، ولا يزاد على الرباعى : أى لا يزاد الارتقاء عليه ، بل يقتصر عليه ؛ فان صغرته على ضعفه فالحكم ما ذكر من حذف الخامس

قوله «ولذلك» أى لأنه لا يرتقى من الرباعى لا تتجاوز أمثلة التصغير عن ثلاثة ، وذلك أنه إن كان ثلاثيا على أى وزن كان من الأوزان العشرة فتصغيره على فعيل ، وإن كان رباعيا فإما أن يكون مع الأربعة مدة رابعة أولا ، فتصغير الأول فعيعيل ، وتصغير الثانى فعيعل ، وحكى الأصمعى فى عنكبوت عنيكبيت وعنا كبيت ، وهو شاذ

قوله «لم يجىء فى غيرها» أى : فى غير ذى تاء التأنيث ، وذى ألف التأنيث ، وذى الألف والنون المشبهتين بها ، وذى ألف أفعال ؛ وأما فيها فيجىء غير الأمثلة الثلاثة ويجىء الأمثلة الثلاثة قبل تاء التأنيث ، كقديرة وسليهبة وز نيميرة (١)

__________________

(١) القدر ـ بكسر فسكون ـ : معروف وهى مؤنثة بغير تاء. قال فى اللسان :

٢٠٢

فى زنبورة ، وكذا قبل ألف التأنيث الممدودة ، نحو حميراء وخنيفساء ومعيّيراء (١) فى معيوراء ، وكذا قبل الألف والنون نحو سليمان وجعيفران وعبيثران بابدال الياء من الواو المحذوفة ، ولا يجىء قبل ألف الجمع إلا فعيل كأجيمال ، وكذا قبل ألف التأنيث المقصورة لا يجىء فعيعل وفعيعيل ، لأنها تحذف خامسة فى التصغير كما يجىء.

وكان على المصنف أن يذكر ياء النسبة أيضا نحو بريدى فى بردىّ (٢) ومشيهدى في مشهديّ ومطيليقى فى منطلقى ، بابدال الياء من النون ، فيقول : لم يجئ فى غيرها وغير المنسوب بالياء إلا كذا

__________________

«وتصغيرها قدير بلا هاء على غير قياس. قال الأزهرى : القدر مؤنثة عند جميع العرب بلاهاء فاذا صغرت قلت لها قديرة وقدير ، بالهاء وغير الهاء ، والسليهبة تصغير السلهبة والسلهبة بفتح السين والهاء بينهما لام ساكنة الجسيمة من النساء ، ويقال فرس سلهب وسلهبة للذكر إذا عظم وطال وطالت عظامه. وزنيبيرة تصغير زنبورة كما قال المؤلف والزنبورة والزنبور والزنبار (كقرطاس) ضرب من الذباب لساع. قال الجوهرى : الزنبور الدبر (النحل) وهى تؤنث ، والزنبار لغة فيه حكاها ابن السكيت ، ويجمع الزنابير ، وأرض مزبرة كثيرة الزنابير كأنهم ردوه إلى ثلاثة أحرف وحذفوا الزيادات ثم بنوا عليه كما قالوا أرض معقرة ومثعلة أن ذات عقارب وثعالب

(١) المعيوراء : اسم لجمع العير ، قال الأزهرى : المعيورا : الحمير ، مقصور ، وقد يقال المعيوراء ممدودة مثل المعلوجاء والمشيوخاء والمأتوناء يمد ذلك كله ويقصر

(٢) البردى ـ بضم الباء وسكون الراء ـ : ضرب من تمر الحجاز جيد معروف عند أهل الحجاز ، وفى الحديث أنه أمر أن يؤخذ البردى فى الصدقة. والبردى ـ بفتح الباء ـ نبت معروف ، واحدته بردية ، وهذه الياء التى فى بردى على اختلاف ضبطيه ليست ياء النسب ، وإنما هى ياء زيدت لا للدلالة على معنى كياء الكرسى وقد صرح بذلك المؤلف فى أول باب النسب من هذا الكتاب ، فتسميته لها هنا ياء النسبة فيه تسامح ، والمراد أنها على صورة ياء النسبة

٢٠٣

فان قال فعيلىّ هو فعيل ، والياء زائدة

قلنا : لا شك فى زيادتها إلا أنها صارت كجزء الكلمة ، مثل تاء التأنيث ، بدليل دوران إعراب الكلمة عليها كما على التاء

وتصح المعارضة بنحو حميزة وحبيلى وحميراء ؛ فانها فعيل ، والتاء والألفان زوائد.

وهلا ذكر المثنى والمجموع نحو العميران والعميرون ، فقال : ويكسر ما بعدها إلا فى تاء التأنيث وألفيه وياء النسبة وألف المثنى ويائه وواو الجمع وألف جمع المؤنث وألف أفعال والألف والنون المضارعتين وكذا فى المركب نحو بعلبك

قوله «فالأولى حذف الخامس» لأن الكلمة ثقيلة بالخمسة الأصول ، فاذا زدت عليها ياء التصغير زادت ثقلا ، وسبب زيادة الثقل وإن كانت زيادة الياء لكنه لا يمكن حذفها إذ هى علامة التصغير ، فحذف ما صارت به الكلمة مؤدية إلى الثقل بزيادة حرف آخر عليها ؛ وذلك هو الخامس ، ألا ترى أن الرباعى لا يستثقل بزيادة الياء عليه ، فحذف الحرف الخامس مع أصالته

فان قيل : أليس فى كلام العرب ما هو زائد على الخماسى نحو قبعثرى وسلسبيل (١) وغير ذلك؟؟

قلت : بلى ؛ لكن تلك الزيادات ليست بقياسية فلا يكثر المزيد فيه بسببها إذ كل واحد كالشاذ فى زنته ، وأما زيادة ياء التصغير فقياس ؛ فلو سنوا قاعدة زيادتها على الخماسى الأصلى حروفه لصارت قياسا ؛ فيؤدى إلى الكثرة ، إذ يصير لهم قانون يقاس عليه

فان قيل : أليس مثل مستخرج قياسا؟

__________________

(١) انظر كلمة قبعثرى (ص ٩ ه‍ ٥) من هذا الجزء و (ص ٥٢ س ١) أيضا وكلمة سلسبيل (ص ٥٠)

٢٠٤

قلت : بلى ، لكنه مبنى على الفعل وجار مجراه ، وجاز ذلك فى الفعل كثيرا غالبا قريبا من القياس ، نحو استخرج واحرنجم ؛ لكونه أقل أصولا من الاسم إذ لا يجىء منه الخماسى الأصلى حروفه ، والثقل بالحروف الأصول لرسوخها وتمكنها أشد وأقوى.

قوله «وقيل ما أشبه الزائد» اعلم أن من العرب من يحذف فى الخماسى الحرف الذى يكون من حروف «اليوم تنساه» وإن كان أصليا لكونه شبيه الزائد ، فاذا كان لا بد من حذف فحذف شبه الزائد أولى ، كما أنه إذا كان فى كلمة على خمسة زائد حذف الزائد أين كان نحو دحيرج فى مدحرج ، لكن الفرق بين الزائد حقيقة وبين الأصلى المشبه له بكونه من حروف «اليوم تنساه» أن مثل ذلك الأصلى لا يحذف إلا إذا كان قريب الطرف بكونه رابعا ، بخلاف الزائد الصرف ؛ فانه يحذف أين كان ، فلا يقال فى جحمرش جحبرش لبعد الميم من الطرف ، كما يقال فى مدحرج دحيرج ، وقال الزمخشرى : إن بعض العرب يحذف شبه الزائد أين كان ، وهو وهم على ما نص عليه السيرافي والأندلسى ؛ فان لم يكن مجاور الطرف شيئا من حروف «اليوم تنساه» لكن يشابه واحدا منها فى المخرج حذف أيضا ، فيقال في فزردق : فريزق ، لأن الدال من مخرج التاء

قوله «وسمع الأخفش سفيرجل» يعنى باثبات الحروف الخمسة كراهة لحذف حرف أصلى ، وبابقاء فتحة الجيم كما كانت ، وحكى سيبويه عن بعض النحاة فى التصغير والتكسير سفيرجل وسفارجل ـ بفتح الجيم فيهما ـ فقال الخليل لو كنت محقرا للخماسى بلا حذف شىء منه لسكنت الحرف الذى قبل الأخير فقلت سفيرجل قياسا على ما ثبت فى كلامهم ، وهو نحو دنينير ، لأن الياء ساكنة

قال «ويردّ نحو باب وناب وميزان وموقظ إلى أصله لذهاب المقتضى ؛ بخلاف قائم وتراث وأدد ، وقالوا عييد لقولهم أعياد»

٢٠٥

أقول : اعلم أن الاسم إما أن يكون فيه قبل التصغير سبب قلب أو حذف أولا : فان كان فإما أن يزيل التصغير ذلك السبب ، أولا ؛ فما يزيل التصغير سبب القلب الذى كان فيه نحو باب وناب ، ونحو ميزان وموقظ ، ونحو طىّ ولىّ ، ونحو عطاء وكساء ، ونحو ذوائب وماء وشاء عند المبرد ، وفم ، ونحو قائم وبائع ، ونحو أدؤر والنّؤر ، ونحو متّلج ومتّعد (١) ؛ وما يزيل التصغير سبب الحذف الذى

__________________

(١) المعروف أن أول المصغر مضموم وثانيه مفتوح دائما وباب وناب المكبران ألفهما مقلوبة عن الواو والياء لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ، فاذا صغرا زال فتح ما قبل الواو والياء الذى هو شطر سبب القلب ، وميزان أصله موزان قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فاذا صغر ضم أوله فزال ، سبب القلب. وموقظ أصله ميقظ أندلت ياؤه واوا لسكونها إثر ضمة فاذا صغر ضم أوله وفتح ثانيه فزال سبب قلب الياء واوا. وطى ولى أصلهما طوى ولوى أبدلت واو هما ياء لاجتماعها مع الياء وسبقها بالسكون فاذا صغرا ضم أولهما وفتح ثانيهما فيزول سبب قلب الواو ياء. وعطاء وكساء أصلهما عطا وكساو أبدلت واوهما ألفا ثم همزة أو همزة من أول الأمر على اختلاف العلماء فى ذلك لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة فاذا صغرا أبدلت ألفهما ياء لوقوعها بعد ياء التصغير فيزول سبب قلب الواو ألفا أو همزة. وذوائب أصلها ذآئب فكرهوا اكتناف همزتين للالف التى هى فى حكم العدم فأندلوا الهمزة الأولى واوا إبدالا شاذا فأذا صغر ذوائب اسم رجل حذفت الألف ، فتقع ياء التصغير فاصلة بين الهمزتين فيزول سبب إبدال الهمزة الأولى واوا. وماء وشاء أصلهما موه وشوه قلبت عينهما ألفا ثم لا مهما همزة لأن الهاء عندهم من الحروف الخفية وكذلك الألف فكرهوا وقوع حرف خفى بعد مثله فأبدلوا الهاء همزة لقربها منها فى المخرج ، فاذا صغرا ضم أولهما فيزول سبب قلب عينهما ألفا وسبب قلب لامهما همزة. وفم أصله فوه حذفت لامه اعتباطا ثم أبدلت واوه ميما لأن الاسم المعرب لا يكون على حرفين ثانيهما لين ، فاذا صغر ردت لامه لتتم بها بنية التصغير فيزول سبب قلب الواو ميما. وقائم وبائع أصلهما قاوم وبايع قلبت عينهما ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها إذ الألف لزيادتها فى حكم العدم ، فاذا صغرا زال سبب قلب عينهما ألفا ،

٢٠٦

كان فيه نحو عصا وفتى وعم (١) والسبب هو اجتماع الساكنين ، وقريب منه ما لم يزل التصغير سبب الحذف لكنه عرض فى التصغير ما يمنع من اعتبار ذلك السبب ، كالثلاثى المحذوف منه حرف إما لقصد التخفيف على غير قياس نحو سه وغد ، ونحو ابن واسم وبنت وأخت وحم ؛ فان قصد التخفيف بالحذف لا يمكن اعتباره فى التصغير ؛ إذ لا يتم الوزن بدون المحذوف ، وإما لإعلال قياسى كعدة وزنة ، وما لا يزيل التصغير سبب القلب الذى كان فى مكبره نحو تراث وأدد (٢) وما لا يزيل التصغير سبب الحذف الذى كان فى مكبره كميت

__________________

لوقوعها بعد ياء التصغير وهى ساكنة. وأدؤر جمع دار وأصله أدور قلبت الواو المضمومة ضمة لازمة همزة جوازا ، فاذا صغر وقعت العين بعد ياء التصغير فى اسم زائد على الثلاثة فوجب أن تكون مكسورة فزال سبب قلب العين همزة. والنؤور بزنة صبور : النيلج ودخان الشحم ؛ وحصاة كالاثمد تدق فتسفها اللثة. والنؤور أيضا المرأة النفور من الريبة ، وأصل النؤر النوور ، قلبت الواو همزة جوازا لكونها مضمومة ضما لازما ، فأذا صغر زال سبب قلبها همزة لأنها تقع ثانيا فى المصغر ، وهو مفتوح على ما قدمنا. وأصل متلج ومتعد موتلج وموتعد (بوزان مفتعل) من الولوج والوعد فقلبت الواو فيهما تاء لوقوعها قبل تاء الافتعال ثم أدغمت فى التاء ، فأذا صغرا حذفت تاء الافتعال لأنها تخل بصيغة التصغير فيزول بحذفها سبب قلب الواو تاء

(١) أصل عصا وفتى عصو وفتى قلبت لامهما ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ، ثم حذفت الألف تخلصا من التقاء الساكنين ، وكذا التنوين ، فاذا صغرا زال سبب قلب لامهما ألفا لوقوعها بعد ياء التصغير التى هى ساكنة ، ومتى زال سبب القلب ألفا زال سبب الحذف. وأصل عم عمى استثقلت الضمة أو الكسرة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء ، فاذا صغر وقعت الياء بعد ياء التصغير الساكنة فلا تستثقل الحركة عليها كما لم تستثقل على نحو ظبى ، فيزول سبب الحذف

(٢) التراث كغراب : المال الموروث ، أصله وراث استثقلوا الواو المضمومة فى أول الكلمة فأبدلوها تاء إبدالا غير قياسى. وأدد : علم شخصى ، وأصله ودد فقلبت

٢٠٧

وهار وناس ويرى وأرى ونرى وترى ويضع وتضع وخير وشر (١)

وإن لم يكن فيه قبل التصغير سبب قلب ولا حذف فإما أن يعرض فى التصغير ذلك كعروض سبب قلب ألف نحو ضارب وحمار ، وواو جدول وأسود وعروة ومزود وعصفور وعروض (٢) ؛ وكعروض سبب حذف خامس نحو سفرجل ، وثالثة ياآت نحو أحوى (٣) ومعاوية وعطاء ، وألف نحو مساجد ، وما يحذف من نحو مستخرج واستخراج ومنطلق وانطلاق ونحوها ، وإما أن لا يعرض فيه ذلك كما فى تصغير نحو رجل وجعفر

__________________

الواو المضمومة ضمة لازمة همزة جوازا ، فاذا صغر واحد من هذين اللفظين لم يزل التصغير سبب القلب فيه لبقاء الضمة.

(١) المحذوف من ميت ياء ، والمحذوف من هار ياء أيضا كقاض ، والمحذوف من ناس همزة ، وأصله أناس ، والمحذوف من يرى وأخواته همزة وأصلهن يرأى وأرأى ونرأى وترأى ، والمحذوف من يضع وتضع واو وهى فاء الكلمة وأصله يوضع وتوضع ، والمحذوف من خير وشر همزة أفعل وأصلهما أخير وأشرر ، وسبب الحذف فى جميع هذه الكلمات هو قصد التخفيف ، وهذا السبب لا يزول عند التصغير ، بل تشتد الداعية إليه

(٢) العروة من الدلو والكوز : المقبض ، ومن الثوب أخت زره. والمزود ـ كمنبر ـ : وعاء الزاد. والعروض : اسم مكة والمدينة وما حولهما ، والناقة الصعبة التى لم ترض ، وميزان الشعر ، واسم الجزء الأخير من النصف الأول من البيت ، والطريق فى عرض الجبل فى مضيق

(٣) الأحوى : وصف من الحوة ـ بضم الحاء وتشديد الواو ـ وهو سواد إلى الخضرة ، أو حمرة إلى السواد ، وفعله حوى كرضى. ومعاوية : أصله اسم فاعل من عاوى ، وتقول : تعاوت الكلاب وعاوى الكلب الكلب ، إذا تصايحا ونبح أحدهما الآخر وأطلقوا معاوية على الكلبة التى تصيح عند السفاد ، وأطلقوه أيضا على جرو الثعلب ، وقالوا أبو معاوية للفهد ، ومن أسمائهم معاوية

٢٠٨

فالقسم الذى أزال التصغير سبب القلب الذى كان فيه اختلف فى بعضه : هل ينتفى المسبب لزوال السبب أولا؟ واتفق فى بعضه على أنه ينتفى ذلك بانتفاء سببه ؛ فمما اتفقوا فيه على رجوع الأصل الألف المنقلبة عن الواو والياء ثانية لتحركها وانفتاح ما قبلها ، تقول فى باب وناب : بويب ونييب ؛ لزوال فتحة ما قبلهما ، وبعض العرب يجعل المنقلبة عن الياء فى مثله واوا أيضا حملا على الأكثر ؛ فإن أكثر الألفات فى الأجوف منقلبة عن الواو ، وهذا مع مناسبة الضمة للواو بعدها ، وبعض العرب يكسر أول المصغر فى ذوات الياء نحو نييب وشييخ ، خوفا على الياء من انقلابها واوا لضمة ما قبلها ، وتفصّيا من استثقال ياء بعد ضمة لو بقيتا كذلك ، وهذا كما قيل فى الجمع بيوت وشيوخ ـ بكسر الفاء ـ وقرىء به فى الكتاب العزيز ، وإذا كان الألف فى نحو باب مجهول الأصل وجب قلبها فى التصغير واوا عند سيبويه ؛ لأن الواو على ما مر أقرب ؛ فتقول فى تصغير صاب وآءة (١) ـ وهما شجران ـ : صويب وأويأة ، والأخفش يحملها على الياء لخفتها فيقول : صييب وأييأة ، وتقول فى «رجل خاف» أى خائف ، و «كبش صاف» برفع لا ميهما : خويف وصويف ، بالواو لا غير ؛ لأنه يجوز أن يكون أصله خائفا وصائفا فحذفت العين ، فتكون

__________________

(١) الصاب : شجر مر ، واحدته صابة ، قيل : هو عصارة الصبر ، وقيل : هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن وربما نزت منه نزية أى قطرة فتقع فى العين كأنها شهاب نار ، وربما أضعف البصر. قال أبو ذؤيب الهذلى : ـ

إنّى أرقت فبتّ اللّيل مشتجرا

كأنّ عينى فيها الصّاب مذبوح

والآء ـ بوزن عاع ـ : شجر واحدته آءة ، قال الليث : الآء شجر له ثمريا كله النعام. قال : وتسمى الشجرة سرحة وثمرها الآء ، ومن كلامه الأخير قال المجد فى القاموس : «الآء ثمر شجر ، لا شجر ، ووهم الجوهرى»

٢٠٩

الألف زائدة ، فوجب قلبها واوا كما فى ضويرب ، وأن يكون خوفا وصوفا كقولك : رجل مال ، من مال يمال كفزع يفزع ، فترد الألف إلى أصلها كما فى بويب ؛ وكذا تقول : إن الألف فى فتى ترد إلى أصلها لزوال فتحة ما قبلها ، وكذا فى العصا ترد إلى الواو ، لكنها تقلب ياء لعروض علة قلبها فى التصغير ياء

ومن المتفق عليه رد الياء المنقلبة عن الواو لسكونها وانكسار ما قبلها إلى أصلها نحو ميقات وريح ، تقول فى تصغيرهما : مويقيت ورويحة ، لزوال الكسر والسكون ، وهذا كما تقول فى الجمع مواقيت ، وحكى بعض الكوفيين أن من العرب من لا يردها فى الجمع إلى الواو ، قال : ـ

٣٦ ـ حمى لا يحلّ الدّهر إلّا بأمرنا

ولا نسأل الأقوام عقد المياثق (١)

__________________

(١) ورد هذا البيت فى نوادر أبى زيد الأنصارى الثقة عند سيبويه (ص ٦٤) منسوبا إلى عياض بن درة ، وهو شاعر جاهلى طائى ، وذكر قبله بيتا آخر ، وهو :

وكنّا إذا الدّين الغلبّى برى لنا

إذا ما حللناه مصاب البوارق

وقال فى شرحه «الدين : الطاعة ، والغلى : المغالبة ، وبرى لنا : عرض لنا ، يبرى بريا ، وانبرى ينبرى انبراء» اه ، ومثل هذا بنصه فى شواهد العينى ، وتبعه البغدادى فى شرح شواهد الشافية إلا أنه ضبط مصابا بفتح الميم ، وقال : هو اسم مكان من صابه المطر ، إذا مطر ، والصوب : نزول المطر ، والبوارق : جمع بارقة وهى سحابة ذات برق. والغلبى : ليس مصدرا للمفاعلة إنما هو أحد مصادر غلبه يغلبه غلبا بسكون اللام وغلبا بتحريكها وغلبة بالحاق الهاء وغلابية كعلانية وغلبة كحذقة وغلبى ومغلبة بفتح اللام كذا فى العباب ، والاستشهاد بالبيت عند المؤلف على أن من العرب من لا يرد الواو المنقلبة ياء فى الجمع

٢١٠

وإنما قالوا عييد فى تصغير عيد ليفرقوا بينه وبين تصغير عود ، وكذلك فرقوا جمعيهما فقالوا أعياد فى جمع عيد وأعواد فى جميع عود (١)

وكذا اتفقوا على ردّ الأصل فى قريريط ودنينير لزوال الكسر الموجب لقلب أول المضعف ياء ، كما قيل قراريط ودنانير.

وكذا اتفقوا على رد أصل الياء التى كانت أبدلت من الواو لاجتماعها مع الياء وسكون أولاهما ، كما تقول فى تصغير طىّ ولىّ : طوىّ ولوىّ ؛ لتحرك الأولى فى التصغير ، وكذا تقول : طويّان ورويّان فى تصغير طيّان (٢) وريّان ، كما تقول فى الجمع : طواء ورواء ، وكذا إذا حقرت قيّا (٣) وأصله قوى كحبر من الأرض القواء : أى القفر.

وكذا اتفقوا على رد أصل الهمزة المبدلة من الواو والياء لتطرفها بعد الألف الزائدة ، نحو عطاء وقضاء ، فتقول : عطىّ ، تردها إلى الواو ، ثم تقلبها ياء لانكسار ما قبلها ، ثم تحذفها نسيا لاجتماع ثلاث ياآت كما يجىء ، وكذا تقلب همزة الإلحاق فى حرباء ياء ، فتقول : حريبى ، لأن أصلها ياء كما يجىء فى باب الاعلال

__________________

(١) هذا الذى ذكره المؤلف وجه غير الوجه الذى يتبادر من عبارة ابن الحاجب ، فحاصل ما ذكره ابن الحاجب أنهم لم يردوا الياء التى فى عيد إلى أصلها وهو الواو عند التصغير حملا للتصغير على الجمع ، أما ما ذكره المؤلف فحاصله أنهم لم يردوها للفرق بين تصغير عيد وعود كما فرقوا بين جمعيهما

(٢) طيان : صفة مشبهة من طوى يطوى ـ كرضى يرضى ـ ومصدره الطوى ـ كالجوى وكالرضا ـ والطيان هو الذى لم يأكل شيئا

(٣) القى ـ بكسر أوله ـ والقواء ـ بفتح القاف ممدودا ومقصورا ـ الأرض القفر الخالية من الأهل. وفى حديث سلمان «من صلى بأرض قى فأذن وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطره»

٢١١

وإن كانت الهمزة أصلية خليتها كأليّئة فى تصغير ألاءة (١) ، وإن لم تعرف هل الهمزة أصل أو بدل من الواو والياء خلّيت الهمز فى التصغير بحاله ولم تقلبه ، إلى أن يقوم دليل على وجوب انقلابه ؛ لأن الهمزة موجودة ، ولا دليل على أنها كانت فى الأصل شيئا آخر ، وكذلك ترد أصل الياء الثانية فى بريّة (٢) وهو الهمزة عند من قال : إنها من برأ أى خلق ؛ لأنها إنما قلبت ياء لكون الياء قبلها ساكنة حتى تدغم فيها ، ومن جعلها من البرى ـ وهو التزاب ـ لم يهمزها فى التصغير ، وكذا النبى أصله عند سيبويه الهمز ، لقولهم تنبأ مسيلمة (٣) فخففت بالإدغام كما فى برية ؛ فكان قياس التصغير نبيّىء ، قال سيبويه : لكنك إذا صغرته أو جمعته على أفعلاء كأنبياء تركت الهمزة لغلبة تخفيف الهمزة فى النبى فتقول فى التصغير نبىّ بياءين على حذف الثالث كما فى أخىّ ، وقد جاء النّبآء

__________________

(١) قال فى القاموس : «الألاء ـ كسحاب ـ ويقصر : شجر مردائم الخضرة واحدته ألاءة وألاء أيضا»

(٢) قال فى اللسان : «فى التهذيب البرية أيضا الخلق بلا همز. قال الفراء : هى من برأ الله الخلق أى خلقهم ، وأصلها الهمز ، وقد تركت العرب همزها ونظيره النبى والذرية. وأهل مكة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون البريئة والنبئ والذريئة من ذرأ الله الخلق وذلك قليل. قال الفراء : وإذا أخذت البرية من البرى وهو التراب فأصلها غير الهمزة. وقال اللحيانى : أجمعت العرب على ترك همز هذه الثلاثة ولم يستثن أهل مكة»

(٣) قال سيبويه (ج ٢ ص ١٢٦) : فأما النبى فان العرب قد اختلفت فيه ، فمن قال النبآء قال كان مسيلمة نبىء سوء (مصغرا) وتقديرها نبيع ، وقال العباس بن مرداس :

يا خاتم النّبئاء إنّك مرسل

بالحقّ كلّ هدى السّبيل هداكا

ذا القياس ، لأنه مما لا يلزم ، ومن قال أنبياء قال نبى سوء (مصغرا) كما قال فى عيد حين قالوا اعياد عييد» وبما نقلناه من عبارة سيبويه يتبين لك ما فى عبارة المؤلف من قصور عن أداء المعنى الذى يؤخذ من عبارة سيبويه

٢١٢

وكذا اتفقوا على رد الألف فى آدم إلى أصلها ، وهو الهمزة ، فى التصغير والجمع ، لكنه يعرض للهمزة فيهما ما يوجب قلبها واوا ، وذلك اجتماع همزتين متحركتين لافى الآخر غير مكسورة إحداهما ، كما يجىء فى باب تخفيف الهمز.

وكذا اتفقوا على أنك إذا صغرت ذوائب اسم رجل قلت : ذؤيئب بهمزتين مكتنفتين للياء ، لأن أصل ذوائب ذآئب بهمزتين ، إذ هى جمع ذؤابة (١) فكره اكتناف همزتين للألف التى هى لخفتها كلا فصل ، فأبدلوا الأولى شاذا لزوما واوا ، وإنما لم يقلبوا الثانية لتعود الأولى إلى القلب فى المفرد : أى فى ذؤابة ، وإنما أبدلت واوا لأنها أبدلت فى مفرده ذلك ، وليكون كأوادم وجوامع ، هذا ، وقال سيبويه فى تصغير شاء : شوىّ ، قال : أصل شاء إما شوى أو شوو قلبت العين ألفا واللام همزة وكلاهما (٢) شاذ ، وفيه جمع بين إعلالين ، والقياس قلب اللام

__________________

(١) الذؤابة ـ بضم أوله ـ : الناصية أو منبتها من الرأس ، وشعر فى أعلى ناصية الفرس ، وأعلى كل شىء

(٢) أما شذوذ قلب العين ألفا مع تحركها وانفتاح ما قبلها فلأن من شرط هذا القلب ألا تكون اللام حرف علة ، وأما شذوذ قلب اللام همزة فلأنها وقعت بعد ألف ليست زائدة. والاعلالان هما قلب العين ألفا واللام همزة. وقد نقل المؤلف عبارة سيبويه بالمعنى والاستنتاج وزاد فيها ، وها نحن أولاء نسوقها إليك بنصها. قال (ج ٢ ص ١٢٦): «وأما الشاء فان العرب تقول فيه شوى ، وفى شاة شويهة ، والقول فيه أن شاء من بنات الياءات أو الواوات التى تكون لامات ، وشاة من بنات الواوات التى تكون عينات ولامها هاء ، كما كانت سواسية ليس من لفظ سى ، كما كانت شاء من بنات الياءات التى هى لامات ، وشاة من بنات الواوات التى هى عينات ، والدليل على ذلك هذا شوى ، وإنما ذا كامرأة ونسوة ، والنسوة ليست من لفظ امرأة ، ومثله رجل ونفر» اه ، وقول سيبويه «وإنما ذا كامرأة ونسوة» يريد به أن شاء اسم جمع لا واحد له من لفظه بل من معناه وهو شاة كما أن نسوة اسم جمع له واحد من معناه دون لفظه وهو امرأة

٢١٣

فقط ألفا ، قال : ليس لفظ شاء من شاة لأن أصلها شوهة بدليل شويهة ، بل هو بالنسبة إلى شاة كنسوة إلى امرأة ، واستدل على كون لامه حرف علة بقولهم فى الجمع شويّ ككليب ، وقال المبرد : شوىّ من غير لفظ (١) شاء ، وأصل شاء شوه فهو من شاة كتمر من تمرة ، قلبت العين ألفا على القياس ، كما فى باب ، ثم قلبت الهاء همزة لخفائها بعد الألف الخافى أيضا ، وهذا كما أن أصل ماء موه ، قال : فتقول فى تصغير شاء : شويه ، كما تقول فى ماء : مويه ، لزوال الألف الخافى فى التصغير ، فترد اللام إلى أصلها ، كما تقول فى الجمع : شياه ، ومياه

وكذا اتفقوا على رد ميم «فم» إلى أصله ، وهو الواو ، لأنه إنما جعلت مما لئلا تحذف باجتماع الساكنين ، فيبقى الاسم على حرف

وما اختلف فى هذا القسم فى رجوع الحرف المقلوب فيه إلى أصله باب قائم ونائم ، وباب أدؤر والّنؤر ، بالهمزة ، وباب متّعد ، قال سيبويه فى الجميع : لا ترد إلى أصولها فى التصغير ، بل تقول : قويئم ، وأديئر ، بالهمزة بعد الياء فيهما وكذا نؤيّر ، بالهمزة قبل الياء ، ومتيعد ومتيزن ، ولعل ذلك لأن قلب العين همزة فى باب قائل ، وقلب الواو تاء فى متعد ـ وإن كانا مطردين ـ إلا أن العلة فيهما ليست بقوية ، إذ قلب العين ألفا فى قائم ليس لحصول العلة فى جوهره ، ألا ترى أن ما قبل العين أى الألف ساكن عريق فى السكون ، بخلاف سكون

__________________

(١) المبرد يخالف سيبويه من وجوه : أحدها أنه جعل شويا اسم جمع له واحد من معناه وهو شاء ، الثانى : أنه جعل شاء اسم جنس جميعا له واحد من لفظه يفرق بينهما بالتاء وهو شاة ، الثالث : أنه قلب العين ألفا قياسا لتحركها وانفتاح ما قبلها مع عدم اعتلال اللام ، وقلب اللام التى هى هاء همزة قلبا غير قياسى ، الرابع : أنه صغر شاء على شويه فى حين أن سيبويه صغره على شوى ، وهذا الوجه نتيجة حتمية للوجوه السابقة

٢١٤

قاف أقوم ، ومع هذا لم يكن حرف العلة فى الطرف الذى هو محل التغيير كما كانت فى رداء ؛ فلا جرم ضعف علة القلب فيه ضعفا تاما حتى صارت كالعدم ، لكنه حمل فى الإعلال على الفعل نحو قال ، فلما كانت علة القلب ضعيفة لم يبال بزوال شرطها فى التصغير بزوال الألف ، وإنما كان الألف شرط علة القلب لأنها قبل العين المتحركة كالفتحة ، أو نقول : هى لضعفها كالعدم فكأن واو قاوم متحرك مفتوح ما قبلها ، وكذا نقول : إن علة قلب الواو فى أو تعد تاء ضعيفة ، وذلك لأن الحامل عليه كراهة مخالفة الماضى للمضارع لو لم تقلب الواو تاء ، لكون الماضى بالياء والمضارع بالواو ، مع كون التاء فى كثير من المواضع بدلا من الواو نحو تراث وتكلة وتقوى (١) ، ونحو ذلك ، ومخالفة الماضى للمضارع غير عزيزة كما فى قال يقول وباع يبيع ، فظهر أن قلب الواو تاء وإن كان مطردا إلا أنه لضرب من الاستحسان ، ولقصد تخفيف الكلمة بالإدغام ما أمكن ، ولضعف العلة لم يقلبه بعض الحجازيين تاء ، بل قالوا ايتعد ياتعد ، كما يجىء فى باب الاعلال ، فلما ضعفت علتا قلب عين نحو قائم وفاء نحو متّعد صار الحرفان كأنهما أبدلا لا لعلة ، فلم يبال بزوال العلتين فى التصغير ، فقيل : قويئم بالهمزة ، ومتيعد بالتاء وحذف تاء الافتعال ، كما في تصغير نحو مرتفع.

وخالف الجرمى فى الأول ، فقال : قويّل وبويّع بترك الهمزة لذهاب شرط العلة ، وهو وقوع العين بعد الألف ، وقد اشترط سيبويه أيضا فى كتابه فى قلب العين فى اسم الفاعل ألفا ثم همزة وقوعها بعد الألف ، واتفق عليه النحاة ، فلا

__________________

(١) يقال : رجل وكل ـ بالتحريك ـ ووكلة ـ كهمزة ـ وتكلة على البدل ، ومواكل ، كل ذلك معناه عاجز كثير الاتكال على غيره. والتقية والتقوى والاتقاء كله واحد ، وأصل تقوى وقيا ؛ لأنه من وقيت ، أبدلت واوه تاء وياؤه واوا

٢١٥

وجه لقول المصنف فى الشرح إن علة قلب العين ألفا فيه حاصلة ، وهى كونه اسم فاعل من فعل معل ؛ فان هذه العلة إنما تؤثر بشرط وقوع العين بعد الألف باتفاق مهم

وحالف الزجاج فى نحو متعد فقال فى تصغيره : مويعد ، لذهاب العلة وهى وقوع الواو قبل التاء ، وذلك لأن التاء تحذف فى التصغير كما فى مرتدع ومجتمع كما يجىء.

وأما نحو أدؤر ونؤر فان سيبويه لم يبال بزوال علة قلب الواو همزة فى التصغير وهى كونها واوا مضمومة ؛ لأنها وإن كانت مطردة فى جواز قلب كل واو مضمومة ضمة لازمة همزة ، كما يجىء ، لكنها استحسانية غير لازمة ، نحو وجوه ونحوه ، فهى علة كلا علة ؛ وخالفه المبرد فقال : إنما همزت الواو لانضمامها ، وقد زالت فى التصغير فتقول فى أدؤر ونؤر المهموزين : أديّر بالياء المشددة ونويّر بالواو الصريحة ،

ولا كلام فى نحو تخمة وتراث وتهمة (١) ؛ لأن قلب الواو تاء لأجل انضمامها فى أول الكلمة ، فكرهوا الابتداء بحرف ثقيل متحرك بأثقل الحركات ، والضمة حاصلة فى التصغير ، وهذا القلب غير مطرد ، بخلافه فى نحو اتّعد

قوله «وأدد» (٢) هو أبو قبيلة من اليمن ، وهو أدد بن زيد بن كهلان بن

__________________

(١) التخمة ـ بضم ففتح : الثقل الذى يصيبك من الطعام ، تاؤه مبدلة من الواو والتهمة ـ بوزن تخمة ـ : ظن السوء ، وأصلها وهمة من الوهم أبدلت واوها تاء

(٢) قال فى اللسان فى مادة ودد : «الود بفتح الواو : صنم كان لقوم نوح ثم صار لكلب ، وكان بدومة الجندل ، وكان لقريش صنم يدعونه ودا (بضم الواو) ومنهم من يهمز فيقول أد ، ومنه سمى عبدود ، ومنه سمى أد بن طابخة ، وأدد جد معد بن عدنان» اه. وقال فى مادة أدّ «وأدد : أبو قبيلة من اليمن ، وهو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير ، والعرب تقول أددا ، جعلوه بمنزلة ثقب ولم

٢١٦

سبأ بن حمير ، وأدّ أبو قبيلة ، وهو أد بن طابخة بن الياس بن مضر ، يعنى أنه فى الأصل ودد بالواو المضمومة ، واستثقل الابتداء بها فقلبت همزة كما فى أجوه وأقّتت ، وإبدال الواو المضمومة ضمة لازمة همزة فى الأول كانت أو فى الوسط قياس مطرد لكن على سبيل الجواز لا الوجوب ، ولا أدرى اى شىء دعاهم إلى دعوى انقلاب همزة أدد عن الواو ، وما المانع من كونه من تركيب «أدد» وقد جاء منه الإدّ بمعنى الأمر العظيم ، وغير ذلك

قال : «فإن كانت مدّة ثانية فالواو لازمة ، نحو ضويرب فى ضارب وضو يريب فى ضيراب ، والاسم على حرفين يردّ محذوفه ، تقول فى عدة وكل اسما وعيدة وأكيل ، وفى سه ومذ اسما ستيهة ومنيذ ، وفى دم وحر دمىّ وحريح ، وكذلك باب ابن واسم وأخت وبنت وهنت ، بخلاف باب ميت وهار وناس»

أقول : قد مر أن نحو ضويرب مما عرض فيه فى التصغير علة القلب

اعلم أن كل مدة زائدة ثانية غير الواو تقلب فى التصغير واوا لانضمام ما قبلها ؛ فتقول فى ضارب وضيراب وطومار : ضويرب وضويريب وطويمير (١) ، وأما إن لم تكن زائدة نحو القير (٢) والنّاب فلا ، بل تقول : قيير ونييب

قوله «والاسم على حرفين يرد محذوفه» هذا من باب ما عرض فيه فى التصغير مانع منع من اعتبار سبب الحذف الذى كان فى المكبر كما ذكرنا

اعلم أن كل اسم ثلاثى حذف فاؤه أو عينه أو لامه وجب فى التصغير ردها ؛

__________________

يجعلوه بمنزلة عمر» اه وهذا الصنيع منه يشعر بوجود خلاف فى همزة أدد ، هل هى أصلية أو منقلبة عن واو ، وأنه لم يترجح عنده أحد المذهبين

(١) الطومار : الصحيفة ، والمؤلف أراد أن يمثل به لما كانت المدة الثانية فيه واوا ، وحكمها أن تبقى فى التصغير ولا تقلب

(٢) القير ـ بالكسر ـ والقار : شىء أسود يطلى به السفن والأبل ، أو هما الزفت

٢١٧

لأن أقل أوزان التصغير فعيل ، ولا يتم إلا بثلاثة أحرف ؛ فاذا كنت محتاجا إلى حرف ثالث فردّ الأصلى المحذوف من الكلمة أولى من اجتلاب الأجنبى ، وأما إن كانت الكلمة موضوعة على حرفين أو كنت لا تعرف أن الذاهب منها أى شيء هو ، زدت فى آخرها فى التصغير ياء ، قياسا على الأكثر ، لأن أكثر ما يحذف من الثلاثى اللام دون الفاء والعين ، كدم ويد وفم وحر ، وأكثر ما يحذف من اللام حرف العلة ، وهى إما واو ، أو ياء ، ولو زدت واوا وجب قلبها ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة قبلها ، فجئت من أول الأمر بالياء ، فقلت فى تصغير من ومن وأن الناصبة للمضارع وإن الشرطية أعلاما : منّى وأنىّ ، وأما إذا نسبت إلى مثل هذه فيجيىء حكمها فى باب النسب ، وتقول في تصغير عدة : وعيدة وهذه التاء وإن كانت كالعوض من الفاء ولذلك لا يتجامعان نحو وصلة ووعدة ، لكنه لم يتم بنية تصغير الثلاثى ـ أى فعيل ـ بها ، لأن أصلها أن تكون كلمة مضمومة إلى كلمة ، فلهذا فتح ما قبلها كما فتح فى نحو بعلبك ، فالتاء مثل كرب فى معدى كرب ، من حيث إنه يدور إعراب المركب عليه ، ومن حيث انفتاح ما قبلها ، واما إذا قامت التاء مقام اللام وصارت عوضا منه كما فى أخت وبنت فانها تخرج عما هو حدها من فتح ما قبلها ، بل تسكن ويوقف عليها تاء ، ولا يعتد بمثل هذه أيضا فى البنية ، بل يقال أخيّه برد اللام حفظا لأصل التاء ، وهو الانفصال ، وكونها كلمة غير الكلمة الأولى ، فاذا لم يعتد بها فى البنية فى نحو بنت مع كونها عوضا من اللام قائمة مقامها لما فيها من رائحة التأنيث فكيف يعتد بها فيها فى نحو عدة مع عدم قيامها مقام المعوض منه بدلالة فتح ما قبلها كما هو حقها فى الأصل وكذا الوقف عليها هاء ، وتقول فى كل اسما : أكيل ، ترد الهمزة التى هى فاء الكلمة ، ولا ترد همزة الوصل ؛ لأنه إنما احتيج إليها لسكون الفاء ، وفى المصغر يتحرك ذلك

٢١٨

قوله «وفى مذ» هذا بناء على أن أصله منذ ، وقد ذكرنا فى شرح (١) الكافية أنه لم يقم دليل عليه

قوله «سه» أصله سته وفيه ثلاث لغات إحداها هذه ، وهى محذوفة العين ، والثانية ست بحذف اللام مع فتح السين ، والثالثة است بحذف اللام وإسكان السين والمجىء بهمزة الوصل

فأما إذا سميت بقم وبع فانك تقول فى المكبر : قوم وبيع ، كما مر فى باب الأعلام (٢) فلا يكون من هذا الباب

قوله «وفى دم وحر» لام دم ياء ، ولام حر حاء ، حذفت لاستثقال الحاءين بينهما حرف ساكن ، وحذف العين فى سه ومذ واللام من حر ودم ليس قياسا بل القياس فى نحو عم وفتى ، وحذف الفاء فى كل شاذ ، وفى عدة قياس كما يجىء فى موضعه

قوله «وكذا باب ابن واسم وبنت وهنت» يعنى إذا حذفت اللام وأبدلت منها همزة الوصل فى أول الكلمة أو التاء فى موضعه فانه لا يتم بالبدلين بنية تصغير الثلاثى ، بل لا بد من رد اللام ، وإنما لم يتم بهمزة الوصل لأنها غير لازمة ، بل لا تكون إلا فى الابتداء ، فلو اعتد بها لم تبق البنية فى حال الدرج إن سقطت

__________________

(١) قد سبق أن تكلمنا على هذه الكلمة فيما مضى من الكتاب (ص ٧)

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٣٤): «ولهذا يرد اللام أو العين إذا سمى بفعل محذوف اللام أو العين جزما أو وقفا كيغز ويرم ويخش واغز وارم واخش ويخف ويقل ويبع وخف وقل وبع ، فتقول : جاءنى يغز ويرم والتنوين للعوض كما فى قاض اسم امرأة ؛ ويخشى كيحي واغزو وارمى واخشى ويخاف ويقول ويبيع وقول وبيع وخاف ، كما مر فى غير المنصرف» اه

٢١٩

الهمزة وإن لم تسقط خرجت همزة الوصل عن حقيقتها ؛ لأنها هى التى تسقط فى الدرج ، وإنما لم يعتد بالتاء فى البنية لما فيها من رائحة التأنيث لاختصاص الإبدال بالمؤنث دون المذكر ، وإنما قلنا إن الهمزة والتاء بدلان من اللام لأنهما لا تجامعانه ، ولم يجىء من الكلمات ما أبدل من لامه تاء فيكون ما قبلها ساكنا ويوقف عليها تاء إلا سبع كلمات : أخت ، وبنت ، وهنت ، وكيت ، وذيت ، وثنتان (١)

__________________

(١) أخت : أصلها أخو ، حذفت لامها اعتباطا وعوض عنها التاء مع قصد الدلالة على المؤنث وغيرت الصيغة من فعل (كجبل) إلى فعل (بضم فسكون) دلالة على أن التاء ليست متمحضة للتأنيث. وبنت : أصلها بنو ، فعل بها ما فعل بأخت إلا أنهم كسروا فاء الكلمة منها. والهن والهنة والهنت : كناية عن الشىء يستفحش ذكره. قال فى اللسان : ويقال للمرأة ياهنة أقبلى فأذا وقفت قلت : ياهنه وقالوا : هنت بالتاء ساكنة النون فجعلوه بمنزلة بنت وأخت ، وهنتان وهنات ، تصغيرها هنية وهنيهة ، فهنية على القياس وهنيهة على إبدال الهاء من الياء فى هنية للقرب الذى بين الهاء وحروف اللين ، والياء فى هنية بدل من الواو فى هنيوة ، والجمع هنات على اللفظ وهنوات على الأصل. قال ابن جنى : أما هنت فيدل على أن التاء فيها بدل من الواو قولهم هنوات قال :

أرى ابن نزار قد جفانى وملّنى

على هنوات شأنها متتابع

أما كيت فقد قال فى اللسان : «وكان من الأمر كيت وكيت ، يكنى بذلك عن قولهم كذا وكذا ، وكان الأصل فيه كية وكية (بتشديد الياء) فأبدلت الياء الأخيرة تاء وأجروها مجرى الأصل لأنه ملحق بفلس والملحق كالأصلى. قال ابن سيده : قال ابن جنى : أبدلوا التاء من الياء لاما وذلك فى قولهم كيت وكيت وأصلها كية وكية ثم إنهم حذفوا الهاء وأبدلوا من الياء التى هى لام تاء كما فعلوا ذلك فى قولهم ثنتان فقالوا كيت فكما أن الهاء فى كية علم تأنيث كذلك الصيغة فى كيت علم تأنيث ، وفى كيت ثلاث لغات ، منهم من يبنيها على الفتح (طلبا للخفة) ومنهم من يبنيها على الضم (تشبيها لها بقبل وبعد) ومنهم من يبنيها على الكسر (على أصل التخلص من التقاء الساكنين).

٢٢٠