عمدة الطّالب في أنساب آل أبي طالب

السيد جمال الدين أحمد بن علي الحسني [ ابن عنبة ]

عمدة الطّالب في أنساب آل أبي طالب

المؤلف:

السيد جمال الدين أحمد بن علي الحسني [ ابن عنبة ]


الموضوع : التراجم
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

من يحيى بن الحسين. قال : فان يحيى بن الحسين أعقب من رجلين أبي علي عمر وأبي محمد الحسن ، فمن أيهما أنت؟ قلت : من ولد أبي علي عمر بن يحيى. قال : فان أبا علي عمر بن يحيى أعقب من ثلاثة أبي الحسين محمد ، وأبي طالب محمد وابي الغنائم محمد فمن أيّهم أنت؟ قلت من ولد أبي طالب محمد بن أبي علي عمر بن يحيى قال : فكن ابن اسامة!. قال فقلت : أنا ابن اسامة.

وهذه الحكاية تدلّ على حسن معرفة هذا الشريف بأنساب قومه واستحضاره لأعقابهم ، وللشريف جعفر بن أبي البشر عقب ، ومن بني الحسين بن سليمان بن علي بن السلمية ، الشريف الأمير أبو عزيز قتادة (١) بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن الحسين المذكور ، ملك الحجاز سيفا ، وطرد الهواشم عنها سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وقتل الأمير محمد بن مكثر بن فليتة ، والإمارة في ولده الى الآن ، وكان قتادة جبّارا فاتكا فيه قسوة وتشاد وحزم ، وكان الناصر العباسي أو أبوه المستنصر قد استدعى الأمير قتادة الى العراق ووعده ومنّاه ، فأجابه وسار من مكة الى أن وصل العراق فلما قارب الصعود من النجف جبن ، فلما وصل المشهد الشريف الغروي خرج أهل الكوفة لتلقيه وكان من جملة من خرج في غمار الناس قوم معهم أسد قد ربطوه في سلسلة ، فلما رآه قتادة تطير من ذلك وقال : لا أدخل بلادا تذلّ فيها الأسد. ثم رجع من فوره الى الحجاز ، وكتب الى الخليفة الناصر لدين الله الأبيات :

بلادي وإن جارت عليّ عزيزة

ولو أنني أعرى بها وأجوع

ولي كف ضرغام اذا ما بسطتها

بها أشتري يوم الوغى وأبيع

معودة لثم الملوك لظهرها

وفي بطنها للمجدبين ربيع

أأتركها تحت الرهان وأبتغي

لها مخرجا إني إذا لرقيع؟

وما أنا إلاّ المسك في غير أرضكم

أضوع وأما عندكم فأضيع

__________________

(١) كانت وفاة الأمير قتادة بن إدريس سنة ٦١٨ هـ (عن هامش الأصل).

١٤١

ولقتادة أخوة وعمومة لهم أعقاب ، وأعقب هو من تسعة رجال ويقال لعقبه القتادات ، فمن ولده الأمير حسن (١) بن قتادة وليّ مكة بعد أبيه ، وفي أيام حكومته وقعت فتنة بين أهل مكة وقافلة العراق إنجلت عن قتل حاكم القافلة فأخذ الشريف حسن بن قتادة رأسه وعلّقه في ميزاب الكعبة ، ثم سكنت الفتنة وأرسل الشريف حسن يعتذر الى دار الخلافة ، ومنهم الأمير راجح (٢) بن قتادة أمير مكة بعد أخيه الحسن وكان الأقشب مسعود بن كامل قد تغلّب على مكة وقتا ثم طرد عنها الأمير راجح بن قتادة ، وكان شجاعا بطلا ثم شاركه في حكومة مكة بعد أخيه أبو سعد الحسن (٣) بن علي بن قتادة ثم خلصت لأبي سعد ؛ وكان شجاعا بطلا وامه ام ولد حبشية.

فيحكى أن أبا سعد في بعض حروبه للغزو ولغيرهم ـ وأمرهم لا أتحققه الآن إلاّ أن غالب ظني أن تلك الحرب كانت مع الغزو ـ وأتوه بجمع كثير هائل ؛ فلما ترائى الصفان جاءته أمه على بعير في هودج وأمرت من استدعاه لها ؛ فلما أجابها قالت له : إنّك قد وقفت موقفا إن ظفرت فيه أو قتلت قال الناس ظفر ابن رسول الله أو قتل ابن رسول الله ، وإن هربت قال الناس هرب ابن السوداء فانظر أي الأمرين تحب أن يقال لك. فقال : جزاك الله خيرا فلقد نصحت وأبلغت. ثم ردّها فقاتل قتالا لم يسمع بمثله. حتى ظفر ؛ وملك مكة بعد أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة ابنه نجم الدين محمد (٤) أبو نمي بن أبي سعد ؛ وفي ولده

__________________

(١) كانت وفاة الأمير حسن بن قتادة سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

(٢) كانت وفاة راجح سنة أربع وخمسين وستمائة.

(٣) كانت وفاة الأمير أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة سنة إحدى وخمسين وستمائة.

(٤) كانت وفاة الأمير أبي نمي نجم الدين محمد بن أبي سعد الحسن سنة إحدى وسبعمائة.

١٤٢

الإمارة إلى الآن.

وكان في غاية النجدة ونهاية الشجاعة ، شارك أباه في إمارة مكة صبيا وذلك أن راجح ابن قتادة في بعض حروبه مع ابن أخيه أبي سعد استنجد أخواله من بني حسين فخرجوا لمدده في سبعمائة فارس ورئيسهم الأمير عيسى الملقب بالحرون فارس بني حسين في زمانه ؛ وسمع بخروجهم أبو سعد وابنه أبو نمي بينبع فأرسل اليه يطلبه وعمر أبي نمي يومئذ سبع عشرة سنة أو أزيد بقليل ، فخرج من ينبع قاصدا إلى مكة فصادف القوم سائرين اليها فلما صادفهم حمل عليهم وهم سائرون فهزمهم ورجعوا الى المدينة مغلوبين ؛ وفي ذلك يقول النقيب تاج الدين أبو عبد الله جعفر بن محمد بن معية الحسني ؛ وهو إذ ذاك لسان بني حسن بالعراق من قصيدة يذكر فيها تلك الواقعة ويمدح أبا نمي ويحسن أفعاله :

ألم يبلغك شأن بني حسين

وفرّهم وما فعل الحرون؟

يصول بأربعين على مئين

وكم من فئة ظلّت تهون

فلما قدم أبو نمي على أبيه بمكة أشركه في ملكها فلم يزل حاكما على الحجاز مع أبيه وبعده الى أن مات وقد أناف على التسعين ، وقد أخرج من مكة مرارا وحارب العساكر المصرية فظفر بهم ، وكان من الشجاعة بحيث لم ير مثله في عصره وكان له ثلاثون ذكرا منهم الأمير أبو الغيث (١) بن أبي نمي قتله أخوه (٢) حميضة ؛ ومنهم الأمير عطيفة حكم بمكة شرّفها الله وكذا أخوه حميضة ثم قبض عليه وحمل الى مصر فاعتقل بها ثم هرب الى العراق وتوجّه الى السلطان اولجايتو بن أرغون فأكرمه إكراما عظيما ؛ وبذل له عسكرا يذهب به الى مكة ومنها الى الشام أو الى الشام أولا لأنّه وعده أن يملكها له وأحس اولجايتو منه شجاعة

__________________

(١) كان قتل الأمير أبي الغيث بن أبي نمي سنة أربع عشرة وسبعمائة.

(٢) كانت وفاة الأمير حميضة بن أبي نمي سنة عشرين وسبعمائة ؛ ووفاة الأمير عطيفة بن أبي نمي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. (عن هامش الأصل)

١٤٣

عظيمة وهمّة عالية فعيّن له عشرة آلاف فارس وأمر عليهم الأمير طالب الدلنقدي الأفطسي ، وساروا من البصرة الى القطيف متوجهين الى اطراف الشام ، وأرسل الشريف حميضة الى أمراء العرب من كلّ قوم فأجابوه ، وأهم ذلك أهل الشام فالتجأوا الى أمراء طىء وقومهم وهم عرب كثيرون ليس في العرب مثلهم كثرة وتمولا ، وأمراؤهم آل فضل أمراء العرب ، واتفق وفاة السلطان اولجايتو وكاتب الوزير رشيد الدين الطبيب ذلك العسكر أن يتفرّقوا لعداوة كانت له مع السيد طالب ، فتفرّق ذلك العسكر وثارت بهم الأعراب الذين جمعهم السيد حميضة مع أعراب طيء فنهبوهم ، وحارب السيد حميضة في ذلك اليوم حربا لم يسمع بمثله. فيحكى عن السيد طالب الدلنقدي انّه قال : ما زلت أسمع بحملات علي بن بي طالب عليه‌السلام حتى رأيتها من السيد حميضة معاينة.

ومنهم السيد عز الدين الأصغر بن أبي نمي ملك سواكن ، وكانت لجدّه لامه وهي من بني الغمر بن الحسن المثنى ، ثم سمّ هناك وأخرج من سواكن فقدم العراق وكان قد قدمه مرّة اخرى قبل أن يملك سواكن ، وتولّى النقابة الطاهرية بالعراق ؛ وكان زيد كريما جوادا وجيها وتوفي بالحلة ودفن بالمشهد الشريف الغروي بظهر النجف ، وليس لزيد بن أبي نمي عقب ، ومن ولد أبي شميلة بن أبي نمي وكان شاعرا شجاعا فمن شعره :

ليس التعلل بالآمال من شيمي

ولا القناعة بالإقلال من همّي

ولست بالرجل الراضي بمنزلة

حتى أطأ الفلك الدوار بالقدم

والبيت الأول من شعر أبي الطيب المتنبي غيّره الشريف يسيرا ، ومن ولد شميلة بن أبي نمي ، محمد بن حازم بن شميلة بن أبي نمي فارس شجاع شديد الأيد وامه بنت السيد حميضة بن أبي نمي ؛ ورد العراق وتوجه الى تبريز ولاقى السلطان السعيد أويس بن الشيخ حسن فأكرمه وأنعم عليه ثم رجع الى الحجاز وتوفي هناك.

١٤٤

ومن ولد أبي نمي سيف بن أبي نمي ؛ وهو أصغر أولاده وآخر من بقي من ولد أبيه ؛ أدرك أولاد أولاد أولاد أولاد بعض اخوته وله عقب ؛ منهم أحمد بن سيف المذكور وهو الآن بخراسان ، وامه بنت علي بن مالك الهاشمي الحسني أخت الشريف مبارك بن سيف بن علي ، واليه وفد الشريف أحمد وبقي بخراسان ، ومن ولد أبي نمي عضد الدين أبو محمد عبد الله الفارس البطل الشجاع غضب عليه أبوه فأرسله الى بعض بلاد اليمن وأمر حاكمها أن يحصره في دار ولا يمكنه من الخروج ففعل ذلك وكان يكرمه ويزوره ويقوم بكلّ ما يحتاج اليه ولكنّه لا يمكنه من الخروج.

وكان قد اتخذ له بابا عليه شباك من حديد يجلس خلفه وينظر الى الطريق فقبض عليه ذات ليلة واجتذبه فقلعه وخرج من الدار ، فاحتال حاكم البلد حتى ردّه ثم راسل أباه بما كان منه وأخبره أنّه يخاف منه وطلب العفو من القبض عليه ، فاستدعاه أبوه ثم جهّزه الى العراق وأطلق له أوقاف مكة بها فورد العراق وتوجه الى السلطان غازان بن أرغون فأجلّه إجلالا عظيما ؛ وأنعم عليه وأقطعه إقطاعا نفيسا بولاية الحلة بالصدرين منه ـ موضع يقال له الزاوية فيه عدّة قرى جليلة ـ وأقام الشريف بالحلة عريض الجاه نافذ الأمر الى أن مات ، وأعقب من ولده الشريف شمس الدين محمد وحده ، فأعقب الشريف شمس الدين محمد أحمد وأبا الغيث ، امهما بنت السيد زيد بن أبي نمي بنت عمه ، ودرجا معا بشيراز وتوجه اليها أحدهما بعد الآخر في أيام حكومة الأمير أبي إسحاق بن الأمير محمود شاه ، ودفنا بمشهد السادة المجاور لمشهد علي بن حمزة بن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام وعليّا السيد الجليل نور الدين كان عميد السادات بالعراق عريض الجاه ساكن النفس كريم الأخلاق حليما متجاوزا ،أعقب جماعة منهم السيد شمس الدين محمد بن علي امه شمية بنت الشريف شهاب الدين أحمد بن رميثة بن أبي نمي ، وامها ست الشرف بنت الشريف عضد الدين عبد الله بن أبي نمي ، له أولاد ، ومنهم

١٤٥

السيد حسيب الله بن علي بن محمد ، ومغامس وغيرهم كثّرهم الله تعالى.

ومن ولد أبي نمي السيّد رميثة (١) واسمه منجد ويكنى بأبي عرادة ويلقب أسد الدين ، ملك مكة وطالت امرته بها وفي ولده الامارة الى الآن دون ساير أولاد أبي نمي ، وكان له عدّة أولاد ، منهم الشريف شهاب الدين أبو سليمان أحمد بن رميثة كان قد توجه في زمن أبيه الى العراق وذهب الى السلطان أبي سعيد بن السلطان أولجايتو بن أرغون فأكرمه وأحسن مثواه ، فأقام عنده ثم توجه صحبة القافلة وحجّ في تلك السنة الوزير غياث الدين محمد بن الرشيد وجماعة من وجوه العراق وأركان المملكة ، وكان الشريف شهاب الدين أحمد قد أعد رجالا وسلاحا ودراهم مسكوكة باسم السلطان أبي سعيد فلما بلغوا الى عرفات وزالت الشمس وتهيأ الناس للوقوف لبس رجاله السلاح وقدموا المحمل العراقي ـ وهو محمل السلطان أبي سعيد ـ مع أعلامه على المحمل المصري وأصعدوه جبل عرفات قبله ؛ وأوقفوه أرفع منه ولم تجر بذلك عادة منذ انقضاء الدولة العباسية.

ولم يكن للمصريين طاقة على دفعه فالتجأوا الى الشريف رميثة أبيه فاستنجد بني حسن والقواد فتخاذلوا عنه لمكان ابنه أحمد ومحبتهم إيّاه ولإحسانه اليهم قديما وحديثا ، وأمر الشريف أحمد أن يتعامل بتلك الدراهم المسكوكة باسم أبي سعيد فتعومل بها في الموسم خوفا منه وعاد الى السلطان مصاحبا للقافلة العراقية فأعظمه السلطان أبو سعيد إعظاما عظيما وأحلّه مقاما كريما وفوّض اليه أمر الأعراب بالعراق ؛ فأكثر فيهم الغارة والقتل وكثر أتباعه وعرض جاهه وأقام بالحلة نافذ الأمر عريض الجاه كثير الأعوان الى أن توفي السلطان أبو سعيد فأخرج الشريف أحمد الحاكم الذي كان بالحلة وهو الأمير علي بن الأمير طالب الدلقندي الحسيني الأفطسي وتغلّب على البلد وأعماله ونواحيه وجبى الأموال وكثر

__________________

(١) كانت وفاة السيد رميثة سنة ست وأربعين وسبعمائة (عن هامش الأصل).

١٤٦

في زمانه الظلم والتغلّب ، فلما تمكن الشيخ حسن بن الأمير حسين أقبوقا الجلايري من وجه اليه العساكر مرارا فأعجزه لمراوغته مرة ومقاومته اخرى ؛ ثم ان الشيخ حسن توجه اليه بنفسه في عسكر ضخم وعبر الفرات من الأنبار وأحاط بالحلة فتحصن الشريف أحمد بها فغدر به أهل المحلة التي كان قد اعتمد عليها ، وخذله الأعراب الذين جاء بهم مددا وتفرّق الناس عنه حتى بقي وحده ، وملك عليه البلد فقاتل عند باب داره في الميدان قتالا لم يسمع بمثله وقتل معه أحمد بن فليتة الفارس الشجاع وأبوه فليتة ، ولم يثبت معه من بني حسن غيرهما ، وابتليا وقاتلا حتى قتلا.

ولما ضاق به الأمر توجه الى محلة الأكراد وقد كان نهبها مرارا وقتل جماعة من رجالها ، إلاّ انّهم لما رأوه قد خذل أظهروا له الوفاء وواعدوه النصر وتعهدوا له أن يحاربوا دونه في مضايق دروب البلد حتى يدخل الليل ثم يتوجه حيث شاء. وكان الحزم فيما أشاروا لكنه خالفهم وذهب الى دار النقيب قوام الدين بن طاوس الحسني وهو يومئذ نقيب نقباء الأشراف ؛ فلما سمع الأمير الشيخ حسن بذلك أرسل اليه شيخ الاسلام بدر الدين المعروف بابن شيخ المشايخ الشيباني ، وكان مصاهرا للنقيب قوام الدين بن طاوس فآمن الشريف وحلف له وأعطاه خاتم الأمان وأرسل به الى الأمير الشيخ حسن فركب الشريف معه الى الأمير الشيخ حسن وهو نازل خارج البلد ولم يكن الشريف أحمد يظن أو يخظر بباله ان الشيخ حسن يقدم على قتله ، ولعمري لقد كان الشيخ حسن يهاب ذلك لجلالة الشريف ونسبه ولمكان أبيه بمكة شرّفها الله تعالى وخوفا من قبح الأحدوثة والتقلد بدم مثل ذلك السيد ، إلاّ أن بعض بني حسن أغراه بذلك وخوّفه عواقبه وانّه ما دام حيّا لا يصفو العراق له فلما ذهب مع الشيخ بدر الدين وكان في بعض الطريق استلبوا سيفه فأحسّ بالشر فقال للشيخ بدر الدين : ما هذا؟ قال : لا أدري انما كنت رسولا وفعلت ما أمرت به. هذا كلّه والشريف غير

١٤٧

آيس من نفسه ، فلما دخل على الأمير الشيخ حسن أوصل الاعتذار فأظهر الأمير الشيخ حسن القبول منه وطالبه بأموال البلاد في المدة التي حكم فيها وهي قريب من ثماني سنوات أو أزيد ، فأجاب بأنّه أنفقها. فعذّب تعذيبا فاحشا حتى كان يملأ الطشت من الجمر ويوضع على صدره فكان لا يجيب إلاّ : إني انفقت بعضها عند بعض الناس ودفنت بعضها في الأرض ، لا يزيد على ذلك ، فأراد الشيخ حسن إطلاقه فحذّره بعض خواص الشريف فاحتال في قتله بأن جاؤا بالأمير أبي بكر بن كنجاية ، وكان الشريف قد قتل أباه الأمير محمد بن كنجاية واعترف بالقتل وكان قتله في بعض حروبه ، فأمر أبا بكر أن يقتله قصاصا بأبيه فاستعفى فلم يعف فضرب عنق الشريف بسبع ضربات ثم حمل الى داره فغسل وذهب الشيخ حسن بنفسه وأمرائه فصلّى عليه ودفن في داره ثم نقل الى المشهد الغروي ، وانقطعت قافلة العراق عن الحجّ مدة حياة الشريف رميثة ، فلما توفي وملك ابنه عز الدين أبو سريع عجلان احتال بعض الاتباع وأولاد مولديهم وهو حسن بن تركي وكان شهما جلدا ؛ وتقبّل بالسعي في الصلح واستصحب الشيخ سراج الدين عمر بن علي القزويني المحدّث وتوجها الى الشام ثم مضيا مع قافلة الشام الى الحجاز ، وهكذا كان يحجّ من أراد الحج من العراق في تلك المدة ، فلما ورد الحجاز تكلما في الصلح فأجابهما السيد عجلان الى ما أرادا ، وأرسل معهما ابنه خرصا الى بغداد وصحبهم من كان قد حجّ من أهل العراق على طريق الشام ؛ فلما وصل السيد خرص بن عجلان الى الشيخ حسن اكرمه إكراما يتجاوز الوصف وبذل له ما كان قد تقرّر عليه الصلح من الأموال ، وما كان قد اجتمع من الأوقاف المكية في تلك المدة وهي سبع سنوات. وأضاف الى ذلك أشياء اخر ، وكان للشريف أحمد إبنان هما أحمد ومحمود فقرّر لهما من مال الحلة في كلّ سنة مبلغ عشرين ألف دينار تحمل اليهما في كلّ سنة الى الحجاز ، ولم تزل مستمرة يأخذها محمود وأحمد وفيهما يقول الشاعر :

١٤٨

وأحمد أحمد الرجلين عندي

ولست أنا لمحمود بذام

وأعرف للكبير السن حقا

ولكن الشهامة للغلام

 أما أحمد بن أحمد بن رميثة فدرج وأما محمود بن الشريف أحمد بن رميثة فولد محمدا رأيته بمكة شرّفها الله تعالى سنة ست وثلاثين وسبعمائة شابا ، وكان ابن عمّه الشريف شهاب الدين أحمد بن عجلان قد جعله شحنة على مكة.

وأعقب محمد (١) بن محمود بن أحمد غلاما طفلا مات عنه وهو صغير بلغني أنّه يقارب الخمس سنين أو فوقها بقليل ، وليس لمحمد ولد غيره وقد ادّعى الى محمد بن محمود دعي انتسب قبل ذلك الى غيره ممن لا يثبت له نسب ثم ادّعى انه ابن محمد هذا ، ولكنه يخفي هذه النسبة عمّن يعرف حاله والعجب انّه أسن من محمد بن محمود ، وكذبه وافتراؤه أشهر من أن ينبه عليه وأظهر من أن يحتاج الى إظهار ، ولكن الزمان زمان سوء ولولا أنّه قد أطال المقام بهذه الديار أعني كرمان وفارس ويزد وقد استوطنها وأولد بها وظن كثير من أغبياء الجهّال أنّه علوي صحيح النسب من حكّام مكة ، لنزهت قلمي عن ذكره ، ولكن على كلّ نفس ما كسبت.

ومن ولد السيد رميثة بن أبي نمي بقية (٢) بن رميثة له عقب ، والسيد مغامس ؛ له أيضا عقب ، والسيد مبارك بن رميثة ، رأيته بالعراق حين قدمها وافدا على السلطان أويس بن الشيخ حسن وله أيضا أعقاب ، ومن ولد السيد رميثة بن أبي نمي السيد عز الدين أبو سريع عجلان (٣) بن رميثة ، ملك الحجاز

__________________

(١) كانت وفاة الشريف محمد بن محمود ابن أحمد بن رميثة سنة ثلاث وثمانمائة وكان جوادا شاعرا.

(٢) كانت وفاة السيد بقية بن رميثة سنة اثنتين وستين وسبعمائة ووفاة أخيه السيد مغامس سنة ثلاث وستين وسبعمائة. (عن هامش الأصل)

(٣) كانت وفاة الأمير عز الدين عجلان بن رميثة سنة سبع وسبعين وسبعمائة ، ووفاة ابنه شهاب الدين أبي سليمان أحمد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة

١٤٩

بعده ونازعه أخوه وكانت الحرب بينهما سجالا حتى صفت له بعده ، وأعقب جماعة منهم الشريف شهاب الدين أبو سليمان أحمد ، ملك مكة في زمان أبيه سلم اليه أبوه عجلان مكة وأسباب الملك من السلاح وغير ذلك واعتزل عجلان إلى أن مات ، وكان الشريف شهاب الدين عادلا سائسا شديد الحكومة تهابه الأشراف والقواد ومن دونهم ؛ وكانت القوافل في زمانه آمنة من السرّاق والقطّاع ولم يكن لسارق عنده هوادة إن كان شريفا نفاه وان كان غيره قتله أو قطع أعضاءه ، وطال حكمه وعظم أمره واستشعر سلطان مصر منه الاستبداد فطلبه مرارا فاعتذر اليه ، وكان قبل وفاته عدّة سنوات يلبس الدرع أيام الموسم تحت ثيابه ولا يحجّ لعدم تمكّنه من لبس ثياب الإحرام فاحتالوا عليه بكتاب سمّوه وأرسلوه اليه فلم يستتم قراءة ذلك الكتاب حتى انتفخت أوداجه ودماغه وظهرت البثور بوجهه ومات رحمه‌الله ، وفتكوا من بعده بابنه الذي قام بعده نهض عليه رجل في سوق منى فضربه بسكين مسمومة وغاب بين الناس فلم يعرف.

ومن بني عجلان بن رميثة بن أبي نمي محمد بن عجلان (١) له ولد ومنهم علي بن عجلان ، حكم بمكة أيضا ومنهم الشريف حسن بن عجلان. وهو ملك الحجاز اليوم ، نقل إليّ عنه انّه حسن السيرة وله شعر حسن أبقاه الله تعالى وكثّر أهله وانتسب الى الشريف عجلان بن رميثة رجل اسمه كبيش وقبله عجلان وأبوه رميثة أيضا وامه امرأة من عامة أهل مكة شرّفها الله تعالى ، فيها ما فيها ، وأهل مكة

__________________

وابنه الذي قام بالأمر بعده وفتك به عن قريب هو محمد بن أحمد بن عجلان ولقبه كمال الدين.

(١) كانت وفاة الأمير محمد بن عجلان سنة اثنتين وثمانمائة ، وقد قتل الأمير علي بن عجلان سنة ٧٩٧ هـ وكانت وفاة الشريف حسن بن عجلان بمصر سنة تسع وعشرين وثمانمائة بعد وفاة مؤلف هذا الكتاب بسنة. (عن هامش الأصل)

١٥٠

متفقون على حكاية يحكونها لا يصح معها نسب كبيش ولا يتصل بعجلان وان كان قد قبله والله بها أعلم.

وقد رأيت كبيشا هذا بمكة جليل القدر ، كان اليه أمر ساحل جدّة وكان أبوه يوصي به وأخوه يجلّه والناس يخاطبونه بالشريف ، ولكبيش عقب وكان في غاية النجدة والشجاعة ـ آخر بني محمد الأكبر وهم آخر بني موسى الثاني ، وهم آخر بني عبد الله الشيخ الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام ـ.

والعقب من يحيى صاحب الديلم (١) بن عبد الله المحض بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ويقال له الأبتثي «الأثبتي خ ل» وكان يحيى قد هرب الى بلاد الديلم وظهر هناك واجتمع عليه الناس وبايعه أهل تلك الاعمال وعظم أمره وقلق الرشيد لذلك وأهمّه وانزعج منه غاية الانزعاج ، فكتب الى الفضل بن يحيى البرمكي : ان يحيى بن عبد الله قذاة في عيني فاعطه ما شاء واكفني أمره. فسار اليه الفضل في جيش كثيف وأرسل اليه بالرفق والتحذير والترغيب والترهيب ، فرغب يحيى في الأمان فكتب له الفضل أمانا مؤكدا وأخذ يحيى وجاء به الى الرشيد ، فيقال : إنّه صار الى الديلم مستجيرا فابتاعه صاحب الديلم من الفضل بن يحيى بثمانية آلاف درهم ومضى يحيى الى المدينة فأقام بها الى أن سعى به عبد الله بن مصعب (٢) بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الى الرشيد ، فقال له : إن يحيى بن عبد الله أراداني على البيعة له. فجمع الرشيد بينهما بعد أن استقدم

__________________

(١) كانت وفاة يحيى صاحب الديلم في حبس الرشيد سنة خمس وسبعين ومائه ، كذا أرّخه الامام المهدي بالله في كتابه المسمّى بـ (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار). (عن هامش الأصل)

(٢) عبد الله بن مصعب هذا هو جدّ الزبير بن بكار النسابة. (عن هامش الأصل)

١٥١

يحيى من المدينة فلما اجتمعا قال الزبيري ليحيى : سعيتم علينا وأردتم نقض دولتنا. فالتفت اليه يحيى وقال : من أنتم؟ فغلب الرشيد الضحك حتى رفع رأسه الى السقف لئلا يظهر منه ، ثم قال يحيى : يا أمير المؤمنين أترى هذا المشنع عليّ؟ خرج والله مع أخي محمد بن عبد الله جدّك المنصور وهو القائل من أبياته :

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

وليس سعايته يا أمير المؤمنين حبّا لك ولا مراعاة لدولتك ، ولكن والله بغضا لنا جميعا أهل البيت ، ولو وجد من ينتصر به علينا جميعا لفعل وقال باطلا وأنا مستحلفه فان حلف إني قلت ذلك فدمي لأمير المؤمنين حلال فقال الرشيد : إحلف يا عبد الله. فلما أراده يحيى على اليمين تلكأ وامتنع فقال له الفضل : لم تمتنع وقد زعمت آنفا أنّه قال ذلك؟ قال عبد الله : فاني أحلف له. فقال له يحيى قل : «تقلّدت الحول والقوّة دون حول الله وقوّته الى حولي وقوّتي إن لم يكن ما حكيته عنك صحيحا حقّا». فحلف له فقال يحيى : الله أكبر حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن علي بن ابي طالب عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : ما حلف أحد بهذه اليمين كاذبا إلاّ عجّل الله له العقوبة بعد ثلاث. والله ما كذبت وها أنا يا أمير المؤمنين بين يديك فتقدّم بالتوكيل بي ؛ فان مضت ثلاثة أيام ولم يحدث على عبد الله بن مصعب حدث فدمي لأمير المؤمنين حلال ، فقال الرشيد للفضل : خذ بيد يحيى فليكن عندك حتى أنظر في أمره. قال الفضل : فو الله ما صلّيت العصر من ذلك اليوم حتى سمعت الصائح من دار عبد الله بن مصعب فأمرت من يتعرّف خبره فعرفت انّه قد أصابه الجذام ، وانّه قد تورّم واسود. فصرت اليه فما كدت أعرفه لأنّه صار كالزق العظيم ، ثم اسود حتى صار كالفحم ؛ فصرت الى الرشيد فعرفته خبره فما انقضى كلامي حتى أتى خبر وفاته فبادرت الخروج وأمرت بتعجيل أمره والفراغ منه ؛ وتوليت الصلاة عليه ودفنته فلما دلوه في حفرته لم يستقر فيها حتى انخسفت به وخرجت منها رائحة مفرطة في النتن

١٥٢

فرأيت أحمال شوك تمر في الطريق فقلت : عليّ بذلك الشوك. فأتيت به فطرحته في تلك الوهدة فاستقر حتى انخسفت الثانية ، فقلت : عليّ بألواح الساج. فطرحتها على موضع قبره ثم طرح التراب عليها وانصرفت الى الرشيد فعرّفته ذلك فأمرني بتخلية يحيى بن عبد الله وأحضروه وسأله : لم عدلت عن اليمين المتعارفة بين الناس؟ قال : لأنّا روينا عن جدّنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام انّه قال : من حلف بيمين مجدّ الله فيها استحيى الله من تعجيل عقوبته ؛ وما من أحد حلف بيمين كاذبة نازع الله فيها حوله وقوّته إلاّ عجّل الله تعالى له العقوبة قبل ثلاثة.

ويروى ان عبد الله بن مصعب لمّا حلف اليمين المذكورة لم يتمّها حتى اضطرب وسقط لجنبه وأخذوا برحله وهلك ، ثم إن الرشيد صبر أياما وطلب يحيى واعتقل عليه فأحضر يحيى أمانه فأخذه الرشيد وسلّمه الى أبي يوسف القاضي فقرأه وقال : هذا الأمان صحيح لا حيلة فيه. فأخذه أبو البختري من يده وقرأه ثم قال هذا أمان فاسد من جهة كذا وكذا ، وأخذ يذكر شبها فقال له الرشيد : فخرقه فأخذ السكين فخرقه ويده ترعد حتى جعله سيورا ، وأمر بيحيى الى السجن فمكث فيه أياما ثم أحضره وأحضر القضاة والشهود ليشهدوا على انّه صحيح لا بأس به ويحيى ساكت لا يتكلّم ؛ فقال له بعضهم : ما لك لا تتكلّم؟ فأومئ الى فيه : أنّه لا يطيق الكلام. فأخرج لسانه وقد اسود ؛ فقال الرشيد : هو ذا يوهمكم انّه مسموم. ثم أعاده الى السجن فلم يعرف بعد ذلك خبره ؛ فقيل إنّه قتله جوعا وإنّه وجد في بركة عاضا على حمئة وطين ، وقال شيخ الشرف العبيدلي بنى الرشيد عليه أسطوانة. وقيل حبسه في دار السندي بن شاهك في بيت نتن وردم عليه الباب حتى مات ، ويقال إنّه القي في بركة فيها سباع قد جوعت فلاذت به وهابت الدنو منه ، فبنى عليه ركن بالجص والحجر وهو حيّ وفي غدر الرشيد بيحيى يقول أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان من قصيدة يعدّ فيها مساوئ بني العباس :

يا جاهدا في مساويهم يكتمها

غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم؟

١٥٣

ذاق الزبيري غبّ الحنث وانكشفت

عن ابن فاطمة الأقوال والتهم

فأعقب يحيى صاحب الديلم بن عبد الله من محمد بن يحيى وحده ، ويقال له الأبتثي «الاثبتي خ ل» وولده الأبتثيون وهم جماعة بالحجاز والعراق ، وامه خديجة بنت ابراهيم بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب ؛ والعقب منه في رجلين هما عبد الله وأحمد ؛ امهما فاطمة بنت إدريس بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى.

أما أحمد بن محمد الأبتثي فأعقب من ابنه يحيى وحده وأعقب يحيى من ابنه عيسى وحده ؛ وأعقب عيسى من علي وسليمان ـ وعلي الملقب ثعلبا ـ ويحيى الملقب فطيسا ؛ والحسين ؛ وجدت للأولين أولادا والحسين في «صح» وعقب أحمد بن محمد الأثبتي قليل ؛ وأما عبد الله بن محمد الأبتثي فأعقب من ثلاثة محمد وسليمان وابراهيم ، أما محمد بن عبد الله بن محمد الأبتثي فأعقب من سبعة يحيى والحسين وداود وادريس وصالح وعلي وأحمد ، فمن ولد يحيى بن محمد بن عبد الله ابراهيم صاحب البشرى وهي قرية وعين ، في آخرين (١) ولإبراهيم أولاد وعدد ، ومن ولد الحسين بن محمد بن عبد الله (٢) له ولد ، ومن ولد داود بن محمد بن عبد الله داود بن أبي البشر عبد الله بن داود هذا ، في آخرين (٣) وإدريس

__________________

(١) قال العمري في (المجدي) : (ولد محمد بن عبد الله بن محمد الأبتثي ثلاث بنات وثلاثة بنين درجوا ، ويحيى بن محمد ، من ولده الحسين البشراني وابراهيم ابنا يحيى بن محمد ، ومن أولاد يحيى صالح نسبوا اليه عدّة أولاد. وفي كتاب أبي المنذر درج ، وقال مرة اخرى عقبه في (صح).

(٢) كذا في النسخ التي بأيدينا وفيه نقص ، وكان الحسين بن محمد هذا سيدا زاهدا عابدا عديم المال في غاية من الفقر والمسكنة مع عفة وقناعة.

(٣) قال العمري في «المجدي» : داود بن محمد أولد وأكثر فمن ولده داود بن أبي البشر عبد الله بن داود ... كان له ولدان ببلييس). م ص

١٥٤

ابن محمد بن عبد الله له ولد ومن ولد صالح بن محمد بن عبد الله ، علي بن صالح الشاعر له عقب ، وعقب علي بن محمد بن عبد الله في «صح» منهم أبو القاسم علي بن علي ؛ وقع الى المغرب وقتل هناك ولا بقية له بالحجاز. قال ابن طباطبا : لا أدري له ولد بالمغرب أم لا فهو في جملة نسب القطع أسوة نظرائه ، وعقب أحمد بن محمد بن عبد الله ويدعى الصالح ويلقب الصويلح في «صح».

وأما سليمان بن عبد الله بن محمد الأبتثي ويكنى أبا القاسم ، ويقال إن اسمه محمد ، فأولد جماعة كثيرة وعقبه في سليمان بن سليمان ، ويقال إنّه هو الذي يسمّى محمدا ، ويكنى أبا القاسم ؛ أعقب أبو القاسم محمد بن سليمان بن عبد الله من أحد عشر رجلا وهم أبو عبد الله محمد ، ويوسف ، والحسين ، وأحمد ، وموسى ، وعلي والحسن ، وداود ، وحمزة ، وأيوب ، وإدريس وذكر له الشيخ تاج الدين محمد بن معية الحسني يحيى أيضا ومن ولده صاحب الشامة سليمان بن يحيى بن سليمان محمد بن أبي القاسم سليمان بن عبد الله المذكور ، له عقب الآن بالعراق وغيرها.

وأما ابراهيم بن عبد الله بن محمد الأبتثي ، فأعقب من ثلاثة عبد الله الشيخ المكفوف ، ومحمد ، وأبي الحسين أحمد. قال البخاري : وهو أبو الحسين ابراهيم بن ابراهيم ، فمن ولد عبد الله المكفوف بن ابراهيم ، عتيبان بن علي بن الحسن بن علقمة بن الضرير المكفوف ، ومنهم الصوفي الأسود (١) بن الحسن بن علي بن عبد الله بن ابراهيم المذكور ، وابنه أبو طاهر حمزة الجبلي (٢) يعرف

__________________

(١) سمّاه العمري وغيره ميمونا.

(٢) كذا في الأصل بالجيم ثم الباء ، وضبطه العمري في (المجدي) الحنبلي بالحاء المهملة ثم النون بعدها الباء. ولقبه بالناصب وقال : مات ببغداد وله في النصب حكايات. ثم قال : إن لهذا الناصب ابن عم يقال له محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي أمه علوية وكفلته نصرانية اسمها مريم فيعرف بها خاف ببغداد فخرج الى الشام وأولد.

١٥٥

بالسيبي ويقال لولده بنو السيبي كانوا ببغداد والموصل ، منهم فخذ يقال لهم : بنو الصناديقي كانوا ببغداد أيضا ، ومن ولد محمد بن ابراهيم بن عبد الله بن محمد الأبتثي ، الحسين الأعرج بن محمد المذكور ، كذا قال شيخ الشرف. وقال ابن طباطبا : ولم أر للحسين الأعرج غير بنت.

ومن ولد أبي الحسين أحمد بن ابراهيم بن عبد الله بن محمد الأبتثي ـ وهو الذي سمّاه البخاري ابراهيم ـ الورق وهو محمد بن يحيى بن أبي الحسين أحمد المذكور ؛ قال البخاري : ونقل شيخ الشرف العبيدلي أن الورق هو أحمد بن ابراهيم بن عبد الله بن محمد الأبتثي والله أعلم. والعقب من سليمان بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام ويكنى أبا محمد وقتل (١) بفخ ، اما ابنه محمد هرب بعد قتل أبيه ودخل المغرب الى عمّه إدريس وأعقب هناك ؛ وكان له عبد الله وأحمد وإدريس وعيسى وابراهيم والحسن والحسين وحمزة وعلي ، وهم في نسب القطع أي انقطعت أخبارهم عنّا واتصالهم عنّا. قال الشيخ أبو الحسن العمري : قال أبو الحسين يعني شيخ الشرف محمد بن أبي الحسين العبيدلي النسابة : لم أسمع لهذا الفخذ خبرا الى هذه الغاية ، ثم قال العمري : وروى الناس غير هذا ؛ ولا شك أن بني سليمان بن عبد الله بالمغرب الى الآن وهم أقل من ولد إدريس بن عبد الله المحض.

__________________

(١) فخ بفتح أوله وتشديد ثانيه واد بمكة ، قيل هو واد الزاهر قتل به الحسين بن علي بن الحسن العلوي يوم التروية سنة ١٦٩ هـ وقتل معه جماعة من أهل بيته ؛ وفيه دفن عبد الله بن عمر وجماعة من الصحابة. قاله في (مراصد الاطلاع) وسليمان هذا امه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ؛ وهي التي كلّمت أبا جعفر المنصور لما حجّ وقالت : يا أمير المؤمنين أيتامك بنو عبد الله بن الحسن فقراء لا شيء لهم. فرد عليهم ما قبضته من أموالهم. قاله أبو الفرج في (المقاتل). م ص

١٥٦

قال الموضح النسابة : كان عبد الله بن محمد بن سليمان ورد الكوفة وروى الحديث وكان ذا قدر جليل وولد محمدا وإدريس ، وأم عبد الله فاطمة ، وولد الحسن بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن سليمان ، الحسين وإبراهيم أحدهما بالمدينة ، هذا كلّه عن الموضح. وقال الشيخ أبو الحسن العمري : قال أبو الغنائم الحسين فيما وجدته من مسوداته بخطه : سألت ابن خداع نسابة مصر عن ولد سليمان فقال : ولد سليمان بن عبد الله المحض داود مات سنة ثلاث وستين ومائتين ؛ وولد سليمان بن داود خمسة الحسين والحسن المحترق وعليا ومحمدا وأبا الفاتك ، مات بالحجاز سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. قال العمري : وما وجدت في كتاب ابن خداع شيئا من هذا ، ويجب أن يكون هذا ولد سليمان بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى وقد توهّم الكاتب ؛ وقال الشيخ أبو الحسن العمري أيضا : أوقفني أبو الغنائم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الأعرج بن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الصادق عليه‌السلام نقيب عكبرا ـ صديقي على رقعة فيها أبو العشاير المؤمل بن معالي بن علي بن حمزة بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام ويعرف بابن معالي ، فسألني عن الرجل وقال : هو من أهل البصرة؟ فقلت : ما أعرف من هذا نسبه ولا أدري كيف هذا النسب. فشهد الحاجب أبو الفضل ابن أبي محمد بن فضالة صاحب ابن ماكولا الوزير انّه علوي صحيح النسب من البصرة ، وانّه ابن عم الشريف أبي حرب وأطلق خطه بذلك سنة إحدى وثلاثين واربعمائة. ويجب أن يسأل عن هذا الرجل ويكشف حاله ـ آخر ولد سليمان بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام.

والعقب من ادريس بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام ويكنى أبا عبد الله وشهد فخا مع الحسين بن علي العابد صاحب فخ ؛ فلما قتل الحسين انهزم هو حتى دخل المغرب فسمّ هناك بعد أن

١٥٧

ملك ، وكان قد هرب الى فاس وطنجة ومعه مولاه راشد ودعاهم الى الدين فأجابوه وملكوه فاغتم الرشيد لذلك حتى امتنع من النوم ، ودعا سليمان بن جرير الرقي متكلّم الزيدية وأعطاه سمّا فورد سليمان بن جرير الى إدريس متوسما بالمذهب فسر به إدريس بن عبد الله ثم طلب منه غرة ووجد خلوة من مولاه راشد فسقاه السم وهرب ، فخرج راشد خلفه فضربه على وجهه ضربة منكرة وفاته وعاد وقد مضى ادريس لسبيله (١).

وأعقب إدريس بن عبد الله المحض من ابنه إدريس وحده ، وكان إدريس بن إدريس (٢) لما مات أبوه حملا وامه ام ولد بربرية ، ولما مات إدريس بن عبد الله وضعت المغاربة التاج على بطن جاريته ام ادريس فولدته بعد أربعة أشهر. قال الشيخ أبو نصر البخاري : قد خفي على الناس حديث إدريس لبعده عنهم ونسبوه الى مولاه راشد وقالوا إنّه احتال في ذلك لبقاء الملك له ، ولم يعقب إدريس بن عبد الله ، وليس الأمر كذلك فان داود بن القاسم الجعفري وهو أحد كبار العلماء وممن له معرفة بالنسب ، حكى انّه كان حاضرا قصة إدريس بن عبد الله وسمّه وولادة ادريس بن ادريس. قال : وكنت معه بالمغرب فما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجها ، وقال الرضا بن موسى الكاظم عليه‌السلام : ادريس بن ادريس بن عبد الله من شجعان أهل البيت والله ما ترك فينا مثله ، وقال أبو هاشم داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد الله بن جعفر الطيار : أنشدني إدريس بن إدريس لنفسه :

لو مال صبري بصبر الناس كلّهم

في روعتي وضل في جزعي

__________________

(١) كانت بيعة ادريس بن عبد الله في شهر رمضان ١٧٢ واستمر بالامر الى ان توفي ست سنين الا اشهر.

(٢) كانت وفاة إدريس بن إدريس الحسني صاحب المغرب سنة أربع عشرة ومائتين. (عن هامش الأصل).

١٥٨

بأن الأحبة فاستبدلت بعدهم

ها مقيما وشملا غير مجتمع

كأني حين يجري الهم ذكرهم

على ضميري مجبول على الفزع

تأوي همومي اذا حركت ذكرهم

الى خوارج جسم دائم الجزع

 فأعقب إدريس بن إدريس بن عبد الله المحض من ثمانية (١) رجال القاسم وعيسى وعمر. وداود ، ويحيى ، وعبد الله ، وحمزة ؛ وقد قيل انّه أعقب من غير هؤلاء أيضا ولكلّ منهم ممالك ببلاد المغرب هم بها ملوك الى الآن.

أعقب داود بن إدريس بن علي ما قال صاحب السفرة بفاس وبشتاية وصدفية جماعة بها مقيمون ، وقال الموضح النسابة : هم بالنهر الأعظم من المغرب. وأعقب حمزة بن إدريس بن إدريس بالسوس الأقصى ، وأعقب عمر بن ادريس بن ادريس بمدينة الزيتون فمن ولده عيسى بن ادريس بن عمر الذي بني جبل الكوكب وهو مدينة بالمغرب ، ومنهم حمود وهو أحمد بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر ، أعقب من رجلين القاسم الملقب بالمأمون وعلي الملقب (١) بالناصر لدين الله ؛ ملك الأندلس وقلع بني مروان عنها

__________________

(١) لم يذكر الثامن في الأصل والظاهر انّهم سبعة فقط (كذا عن هامش المخطوطة) وقد ادخلت هذه العبارة في متن المطبوعة اشتباها. والذين أولدهم إدريس بن إدريس أحد عشر رجلا وبنتين رقية وام محمد ، والذي أعقب منهم سبعة والذي ملك الأمر منهم في بلاد المغرب محمد ، واستمر بالأمر ثمان سنين ثم توفي في شهر ربيع الأول سنة ٢٢١ هـ وقام بعده أولاده ثم أحفاده وكان آخرهم الحسن بن القاسم كنون بن محمد بن القاسم بن ادريس الذي تولّى الملك سنة ٣٤٨ وقتل سنة ٣٧٥ وبموته انقرضت دولة الأدارسة من بلاد المغرب وقد ملكوا الأمر ٢٠٠ سنة تقريبا.

(١) كانت وفاة الناصر لدين الله علي بن حمود سنة ثمان وأربعمائة ، ووفاة

١٥٩

وأعقب علي الناصر لدين الله ملك الأندلس ؛ يحيى الملقب بالمغيلي وادريس الملقب بالمتأيد وليا الخلافة بالمغرب ؛ فأعقب يحيى المغيلي إدريس الملقب (١) بالمعالي والحسن الملقب بالمستنصر دعى لهما بالخلافة هناك ؛ وأعقب القاسم المأمون بن أحمد حمود بن ميمون وكان قد ولي بعد أخيه ، محمدا الملقب بالمهتدي ملك الجزيرة الخضراء بالمغرب ؛ ومن ولد عمر بن ادريس ، علي بن عبد الله بن محمد بن عمر. قال العمري له عقب يعرفون بالفواطم.

وأما يحيى بن إدريس بن ادريس فكان له بلد صدفية بالمغرب ؛ ومن ولده علي بن عبد الله التاهرتي بن المهلب بن يحيى بن ادريس ، وربما نسب التاهرتي الى محمد بن ادريس بن ادريس ؛ قال الشيخ العمري : وليس ذلك بعيدا والذي يلوح من كلامه انّه صحيح النسب اعتمادا على انّه كتب في السفرة ويجب أن يكون ما كتب في السفرة صحيحا حتى تجيئ حجّة تبطله ، ول علي التاهرتي أولاد منهم بمصر ومنهم بخراسان ، وهذا علي التاهرتي هو الذي ورد رسولا عن صاحب مصر الى السلطان محمود بن سبكتكين وعثر معه على تصانيف الباطنية ، ونفاه عن النسب الحسن بن طاهر بن مسلم العبيدلي فخلي بينه وبينه فقتله ، ثم انّه طلب تركته فلم يعط منها شيئا. وقد حكى قصته صاحب اليميني في كتابه وجزم على انّه دعي فاسد النسب لما كان من نفي الحسن بن طاهر له ؛ وقد عرفت من الظاهر انّه علوي والله أعلم.

وأعقب عيسى بن ادريس بن ادريس ببلد ملكانه ، فمن ولده القاسم كنون بن عبد الله بن يحيى بن أحمد بن عيسى بن ادريس ، وعبد الله بن ادريس بن

__________________

يحيى المغيلي سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، ووفاة أخيه ادريس المتأيد بالله سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.

(١) قيل ان ادريس الملقب بالمعالي مات سنة ست وأربعين وأربعمائة وكانت وفاة الحسن المستنصر بالله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. (عن هامش الأصل)

١٦٠