كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

والأحوط في تحصيل السنن المذكورة المحافظة على السنّة المأثورة بالطريقة المعروفة المشهورة ، والمسنون في التكرير يشترط فيه التأخير ، ومع التقديم يثبت بسبب التشريع التحريم.

ومتى أخلّ بالترتيب في سنّةٍ (١) فسدت ، وإذا أدخل ذلك فيها في أصل النيّة مع القول بالجزئيّة أفسدت ، ويجري حكم الترتيب في الغسل والتيمّم كما مرّ وما سيأتي.

ثانيها : المباشرة

ويراد بها تولّي الفعل بنفسه ، فيجري في الغاسل والماسح أخذاً من البشر بمعنى الإنسان ، ولو أخذ منه بمعنى الجلد جرى في المسح من جهة الغاسل والمنفعل ، وفي خصوص المنفعل في الغسل.

وهي شرط فيه في الاختيار كما في غيره من الطهارات وجميع العبادات البدنيّات ، سوى المستثنيات من الشرائط الوجوديّة ، فلا يفرّق فيه بين الناسي والغافل والنائم والجاهل.

وتتحقّق بصحّة إسناد الفعل إليه ولو على فرض انفراده. ولو أسند الفعل إلى الغير مستقِلا أو إليه بشرط الاجتماع فلا مباشرة.

ولا فرق حينئذٍ بين استعمال عضو وغيره منه أو من غيره فيما لا تعتبر فيه مباشرة الأعضاء ، وأمّا فيه فلا بدّ من مباشرة أعضائه.

ولا يجزي مجرّد حدوث الفعل عن قوّته ، بل المدار على حصول الاسم ، فلو غسل غيره عضواً أو بعضه ولو قليلاً مع القصد منهما أو من العامل فقط بطل ما غسله وعاد عليه إن لم تفت الموالاة ولو اختصّ القصد لفعل الفاعل بالفاعل دون العامل فإشكال.

ولو صبّ الغير وتولّى هو الإجراء قاصداً به الغسل ، أو صبّ هو وكان الصبّ

__________________

(١) في «ح» : سننه.

٤١

مستغرقاً وتولّى غيره الإجراء لم يخرج عن المباشرة ، وحكم الأبعاض إذا اختلف يعلم ممّا ذكر.

ولا ينافي المباشرة وضع العضو تحت المطر أو الميزاب أو إنية مكفوءة أو غيرها من المياه المنصبّة ولو من يد إنسان خالٍ عن القصد لغسل عضوه أو مع قصده له دون عضو المنوب عنه ، ومع القصد منه دون المنوب عنه أو فعل الحيوان المعلّم إشكال ، وغير المعلّم أقلّ إشكالاً كما مرّ.

ولا ينبغي التأمّل في اعتبار المباشرة في الغسلات المستحبّة والقراءة والأذكار والأدعية الموظّفة ، عملاً بالأصل في الأعمال.

وأمّا غسل الكفّين والسواك والمضمضة ، والاستنشاق فالظاهر أنّه إذا كان المقصد منها رفع القذارة لا مجرّد التعبّد فهي حاصلة بفعل الغير ، لكن يتوقّف حصول الأجر بفعلها على النيّة كما في التكفين والتحنيط ونحوهما والغصب في أعضاء النائب وآلاته مع إمكان حصول النيّة من المنوب عنه لجهله مثلاً لا يترتّب عليه فساد.

ولو اختصّ إمكان المباشرة ببعض دون بعض يتخيّر في التخصيص ، والأقوى تقديم المقدّم ويحتمل ترجيح الممسوح. ولو قدر على مباشرة الأعضاء بفعل غيره قدّم النائب مع مباشرته بأعضاء المنوب عنه ، ولو فعل فعل العاجز ، ثمّ قدر في الأثناء باشر ، ولم يعد على ما فعل على نحو العكس ، ويلزم ملاحظة المنوب عنه فعل النائب للاطمئنان وإن كان بصيراً وفي ظلمة اكتفى بعدالة النائب. ويجوز توزيع الأعضاء أو الأبعاض على النوّاب.

ومباشرة المقدّمات حتّى وضع الماء بالكفّ أو على المغسول مع تلقّي العامل ـ لا مانع منها ، غير أنّها مكروهة ، وتختلف كراهتها شدّةً وضعفاً بالقرب من الغاية والبعد عنها ، والمُعِدّات البعيدة ليست بحكمها.

ولو باشر متكلّفاً على وجه يترتّب عليه ضرر كلّي أو مشقّة لا تتحمّل بطل عمله.

ويتولّى النيّة المنوب عنه دون النائب فمع الاطمئنان تصحّ نيابة المخالف والصبيّ فضلاً عن غيرهما.

٤٢

ثالثها : الموالاة )

وهي أن يدخل في العضو اللاحق قبل جفاف تمام ما تقدّمه بما يسمّى جفافاً ، حتّى لو بقي من الرطوبة شي‌ء يسير بيسير من أحد الأعضاء التي يدخل عملها في الأجزاء في الظاهر دون الباطن ، في وجوب أو ندب ، أو ما عُلّق منها بالعضو المباشر ، دون ما لا يدخل فيها ، فتكفي رطوبة الكفّ الحاصلة من غسل السنّة الداخلة أو المباشرة. ، فلو حصل الجفاف بعد الأخذ في عمل العضو (٢) لم تفت الموالاة ، سواء كان البقاء لذاتها ، أو لرطوبة الهواء ، أو لوضع الماء على الماء ، أو لغير ذلك من الأشياء.

أمّا ما بقي (٣) في محلّ السنن الخارجة ، كباطن الفم أو الأنف من المضمضة والاستنشاق ، أو الكفّين (٤) حيث يعرض لهما حرج (٥) يمنع من وصول ماء غسل اليدين (٦) ففيه إشكال ، والأوّلان أشد إشكالاً (٧) ، ولا بأس بالأخذ من ظاهر الشعر.

(حيث يدخل في الحدود ، فلا يخرج عن محلّ الوضوء ويكفي أن يأخذ من مسترسل اللحية مع الخروج على النحو المعتاد ، دون مسترسل الرأس ونحوه) (٨).

ومن الباطن تحت الشعر حيث يدخل في حدود الوجه وإن لم يجب غسله على الأقوى.

ولو احتفظ بالرطوبة في محلّ آخر (ثمّ نقلها إلى المحلّ لم يجز الأخذ منها) (٩).

__________________

(١) في «ح» زيادة : في الأجزاء في الظاهر دون الباطن في وجه في محل وجوب أو ندب.

(٢) في «ح» : في العمل بعضو.

(٣) في «ح» زيادة : في نفس الحدود أو.

(٤) في «ح» زيادة : في غسل السنّة أو الفرض.

(٥) في «س» ، «م» : جرح.

(٦) في «ح» زيادة : إلى الممسوح.

(٧) في «ح» زيادة : والأخير أقلّ إشكالاً.

(٨) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» كذا : وأنه خرج عن محلّ الوضوء حيث هو ، ومن مسترسل اللحية ، حيث يدخل في الحدود فلا يخرج عن محل الوضوء ، ويكفي أن يأخذ من مسترسل اللحية مع الخروج على النحو المعتاد.

(٩) بدل ما بين القوسين في «ح» : وليس من محالّ الوضوء ولم يجر عليها حكم الباقية في محالّها ولو نقلها إلى المحل لم يجز الأخذ منها في وجه.

٤٣

والأحوط تقديم محالّ الوضوء على مسترسل اللحية ، ثمّ يلزم تقديم الجميع على الأخذ من خارج ، والأخذ من خارج مقدّم على التيمّم.

(وفي تقديم رطوبة ظاهر اليد اليمنى على باطن اليسرى ، وهو على ظاهرها ثمّ ظاهرها على ما في اليد اليمنى الأقرب فالأقرب ، ثمّ اليسرى كذلك ، ثمّ الوجه وجه) (١).

ولو تعذّر الأخذ إلا بعد العلوق بواسطة قدّم على الماء الجديد ، ومع الجفاف عن جميع الأعضاء وإمكان الإتيان بوضوء جامع يبطل الوضوء ، ومع عدم الإمكان لحرّ شديد أو هواء عالٍ ولا علاج يمسح من ماء جديد ، والجفاف مفسد ، ولو قارن الموالاة العرفيّة ، ولا مدار على التقدير.

(وفي الاكتفاء بالرطوبة بعد جمودها أو نجاستها ، والاعتماد على الأصل في بقائها إشكال ، وإن كان الأقوى في الأخير ذلك) (٢).

ولو سقط على الرطوبة تراب فصار طيناً واعتصمت الرطوبة لم يجر عليه حكم الجفاف على إشكال ، بخلاف ما إذا صبّ عليها عسل ونحوه فالتحقت به.

وما في الشعر الداخل (٣) في حدود المغسول وإن لم يجر عليه حكم الغسل بحكم ما في الأعضاء. بخلاف المسترسل عنه الخارج عن العادة كاللحية إذا تجاوز طولها العادة فإنّه لا يجزئ الأخذ من الزائد منها ، لأنّه كالخارج وإن عاد بعد خروجه على المحلّ المغسول وباطن ما يجري عليه الحكم بمنزلة الظاهر.

ويجزئ فيها بقاء الرطوبة على الرأس العالقة من المسح ليأخذ منها ، بل بقاؤها على باطن الكفّين الماسحين.

ولا يجب التتابع مع بقاء الرطوبة على الأقوى ، ولا يفسد الوضوء بتركه من غير

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : والأحوط وهو تقديم رطوبة اليد اليمنى على يد اليسرى وباطن اليسرى على ظاهرها على ما في اليد الأقرب فالأقرب ثمّ الوجه وإن كان الأقوى عدم الوجوب.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٣) في «ح» زيادة : الداخل.

٤٤

شكّ ما لم يؤدّ إلى محو الصورة ، فإن أدّى إلى ذلك ترتّبت عليه المعصية مع الوجوب والضيق والفساد مطلقاً عملاً بظاهر (١) الإطلاق.

كما في سائر المركّبات من الأعمال والمقدّمات الشرعيّة اللازمة والمسنونة ، من تسمية ومضمضة واستنشاق ونحوها في وضوء أو غسل ؛ بعضها مع بعض ، أو مع الغايات ، أو المبادي ، كغسل إحرام أو زيارة ؛ إلا في مقدار الرخصة ، أو تعقيبات أو أذان أو إقامة أو تكبيرات أو دعوات ونحوها إلا ما قام الدليل على خلافه وبمقتضى فاء الجزاء ولفظ المتابعة.

ودعوى الإجماع على الصحّة في خصوص هذا المقام (٢) محلّ منع.

ويجري الكلام في الفصل الطويل في مركبّات المقدّمات كما بين أفراد غسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق ، وأبعاض الدعوات ، والتعقيبات والأذان والإقامة والتكبيرات ونحوها.

والمدار في الجفاف وعدمه على أعضاء المنوب دون النائب إلا فيما قامت رطوبته مقام رطوبته ، كما إذا تعذّر وصول كفّه فناب عنه بالمسح برطوبة كفّه في وجه قويّ.

ولو نذر (٣) الموالاة بمعنى المتابعة في الوضوء أو غيره أو غيرها من الصفات الراجحة في الوضوء أو غيره أو بعض منهما وأتى به غير جامع للصفة ، فإن قصد به الوفاء بالنذر غير معذور في قصده بطل ، وإلا صحّ مع سعة الوقت ولا معصية ، ومع الضيق يتحقّق العصيان به وتلزم الكفّارة ولا فساد ان لم يقصد التقرّب بل قصد العصيان وإلا بطل وفي وجوب الاستنابة وجه قويّ.

وكذا لو نذر عدم الإتيان بالصفة مع عدم رجحانها لنفسها أو لعارض كالموالاة ، والإسباغ والترتيب في غير محلّ اللزوم ، والمكان ، والزمان ، والوضع ، وهكذا. ولو نذرها فيه فلا فساد مطلقاً.

__________________

(١) في «ح» زيادة : الأمر وفاء الجزاء والمتابعة في الأخبار.

(٢) في «ح» زيادة : دون غيره.

(٣) في («ح» زيادة : وضوء.

٤٥

ويلزم عليه الاجتهاد في تحصيل الموالاة بالكون في مكان رطب كالحمّام وإسباغ الماء أو وضع ماء جديد ونحو ذلك ، فإن ترك ثمّ آل إلى الاستحالة عصى وصحّ عمله على تأمّل ، وإلا بطل.

ولو عجز عن الموالاة في الجميع قدّم الموالاة في المقدّم.

ولو دار الأمر بين الموالاة والمباشرة ، قدّمت المباشرة ، وبينها وبين الترتيب كذلك ، على الأقوى ، وغير العالم بالجفاف يحكم ببقاء الرطوبة ، ولا يجب عليه التجسّس على الأقوى.

رابعها : تقديم) الأعلى في غسل الوجه واليدين.

ويكفي تقديمه من وجه واحد وإن وجد أعلى منه في جهة أُخرى فلا يجب طلب أعلى الأعلى ولا يلزم الاستمرار إلى طرف العضو بأن يغسل الأعلى فالأعلى كما يرشد إليه استحباب ابتداء الرجال بظاهر الذراعين والنساء بباطنهما وقضية اللمعة (٢) لا في مسامته ، ولا في غيره ، فلو قدّم الأسفل بعد الابتداء ببعض الأعلى ثمّ عاد إلى الأعلى منه مسامتاً أو غير مسامت فلا بأس. ولو بدأ بالأسفل غافلاً أو جاهلاً أو عامداً مشرّعاً بالدين فجرّ الماء إلى الأعلى ثمّ أجراه إلى الأسفل ونوى الغسل منه فلا بأس.

(وهل يرتفع حكم الغسل والابتداء بالكسر ووضوح العظم أو بقطع العظم أولا ، وجهان وفي انجرار حكم الأعلى للأسفل حينئذٍ وجه. وفي ضمّه الحكم مع التدلّي من الأعلى أو البقاء على [أحدهما] باعتبار الأصل أو الفرع إشكال ، ولا كلام في انتقال الحكم إلى الباطن في غير الوجه) (٣).

ولو تعمّد ردّ الماء من أسفل إلى أعلى بعد غسل الأعلى أشكل وإن كان الجواز أقوى.

__________________

(١) في «ح» تقديم ما هو الأعلى في حقّ مسامته.

(٢) الوسائل ١ : ٥٢٤ أبواب الجنابة ب ٤١ ح ١ وج ٢ ص ١٠٦٩ أبواب النجاسات ب ٤٧ ح ٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٤٦

ولو غسل بالرمس قاصداً له بالإدخال أو الإخراج أو المكث مع القول به أو التلفيق من تلك الأحوال أو بعضها لزمه قصد البدأة بالأعلى كما يؤذن به وضوء المطر. وربّما يقال بأنّه لا يعقل الترتيب بغير النيّة فيما عدا الإجراء والإخراج ويعتبر ذلك في الغسلة الثانية على الأقوى.

وهو على القاعدة شرط وجوديّ في غير التقيّة ، فلو بدأ بالأسفل مع العذر لغفلة أو وجود حاجب لا يعلمه ونحو ذلك بطل فعله ، ولا يكفي عدم البدأة بالأسفل ، فلو غسل العضو دفعة من غير نيّة تقديم الأعلى بطل.

وذو الوجهين والأيدي مع وحدته وأصالة الجميع أو الاشتباه يبدأ بأعلى كلّ واحد منها بالنسبة إلى أسفله ، وفي وجوب الابتداء بالأعلى من آحادها على غيره أو الجمع والتخيير كالتساوي وجوه ، الأقوى الأخير.

(وإذا انكشط شي‌ء أو تقلّص من الأعلى أو الأسفل فانقلب وصفه بقي على الحكم الأوّل ما لم يخرج عن الاسم ، ولو قدّم الأسفل وأخّر الأعلى معذوراً صحّ الأعلى وأعاد الأسفل ، ومع العمد يُبطل ، ويبطل ما لا دخل معه في النّيّة وإلا بطل ولم يُبطل) (١).

وفي الممسوح من الرأس والقدمين يستوي الأعلى والأسفل ، فيجوز المسح مُقبلاً ومدبراً بطول الكفّ أو عرضه على طول الرأس والقدمين أو عرضهما ، مع الابتداء بأعلاها أو أسفلها أو وسطها. وليس كمسح التيمّم فإنّه يعتبر فيه البدأة بالأعلى كما سيجي‌ء في محلّه ، والأحوط العمل على الطور المألوف.

(واندراج أقسام الأعلى بتمامها تحت إطلاقه شرعاً لا كلام فيه ، وفي اللغة والعرف بحث تبتني عليه مسألة الالتزام بنذر وشبهه) (٢). ويرجع في معرفة الأعلى والأسفل بالنسبة إلى الأصلع والأغمّ إلى مستوي الخلقة على نحو ما تقرّر سابقاً. ويلزم إدخال شي‌ء ممّا فوق الأعلى تحصيلاً ليقين الفراغ ، ولو كانت جبيرة على الأعلى بدأ بمسحها قبل غسل الأسفل.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٤٧

خامسها (١) : جمع ما يتطهّر به لعدّة صفات :

أحدها : الطهارة وهي مستتبعة للطهوريّة ، سواء كان الماء ممّا أُزيل به الخبث كماء الاستنجاء والإجماع على العدم في محلّ المنع أو كان الحدث أصغر أو أكبر ، جنابة أو غيرها على الأقوى. فلو كان مقهوراً بالتغيّر أو مصاباً بالنجاسة قليلة أو كثيرة ، دماً أو غيره ، مستبيناً أو لا فيما لم يكن من المعتصم أو الكثير لم تجز الطهارة به.

والظنّ عن غير مأخذ شرعيّ والشكّ والوهم في عروض التنجيس لا عبرة به ، في غسالة ماء الحمّام وغيرها.

ثانيها) : الإطلاق ؛ بأن لا يحتاج إلى قرينة في الدخول تحت الإطلاق ، وأن يحصل الامتثال به مع الإطلاق في طلبه ، وأن يحسن الإطلاق عليه من غير قيد ، ولا قرينة فيما لم يدخل تحت الإطلاق ؛ لحصوله بالاعتصار أو بالتساقط من أجزاء البخار الناشئ من غليان بعض الثمار أو أوراق بعض الأشجار ، أو الخلط بما يخرجه عن إطلاق الماء ، أو لغير ذلك من الأشياء ، فلا يصحّ الوضوء به.

والمرجع في المخلوط بالنسبة في أحد القسمين أو الخروج عن كلا الضربين اللغة والعرف.

وما كان متّصفاً بالإطلاق لا يفرّق فيه بين العذب والمرّ والمالح من بحر أو غيره ، ولا بين المذاب من الثلج أو الملح أو غيرهما ، حتّى لو قصر فأكمل بوضع شي‌ء من الملح فيه أجزأ ، إذ ندرة الفرد غير ندرة الإطلاق.

وهذا الشرط وما قبله وجوديّان يستوي فيهما العالم والجاهل بقسميه ، والناسي والذاكر ، والمتفطّن والغافل ، والمجبور والمختار.

ويجريان في الطهارات المائيّة بأقسامها : حدثيّة أو خبثيّة ، ولا يختلف الحال في

__________________

(١) وفي «ح» كذا : خامسها طهارة الماء شرعاً وعليها مدار الاسم أو الحكم ويجي‌ء مثل ذلك في الإباحة ، جمع ما يتطهّر به لعدّة صفات أحدها : الطهارة حين الاتّصال إلى حين الانفصال وهي.

(٢) وفي «ح» سادسها ، وكذا الترتيب الآتي ولكن ترتيب المتن على حسب «س» ، «م»

٤٨

البعض إلا في اشتراط بقاء الطهارة إلى حين الانفصال بل يجري في الطهارة الترابيّة.

ويستوي فيهما الأجزاء والآداب والسنن ، فيشترطان في غسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق.

ولو قيل بالاستحباب لتحصيل التنظيف من الرطوبات والقذارات (١) ، ثمّ التطهير لقلّة (٢) الماء لم يكن بعيداً.

وأمّا الغسلة الثانية فلا ينبغي الشك في اشتراطهما فيها (والخالي عن الحكم كالمشتبه بالمحصور لا يحكم بتنجيسه ولا بتطهيره في حدث ولا خبث ، والاتّحاد بعد التعدّد والحصر بعد العدم لا يغيّر الحكم.

ولو كان متنجّساً بإصابة بدن الكافر ثمّ أسلم ، وحكمنا بطهارة الباقي تبعاً وأمكن إجراؤه أجزأ.

والمشكوك بإضافة أصليّة بحكم المضاف ، دون العارضيّة ، ويجري فيه خاصّة دون المشكوك بنجاسته احتمال لزوم الجمع بين المائيّة والترابيّة.

والمشتبه بالمحصور من القسمين فاقد لقسمي الطهوريّة ، ويقوي وجوب الجمع بينهما في صورة الإضافة ، وإضافة التيمّم مع بقاء الواحد دون النجاسة ، وما شكّ في محصوريّته من المحصور.

وتتحقّق الواسطة بين المضاف والمطلق ظاهراً وواقعاً ، وفي النجس والطاهر ظاهراً ، ويحتمل إلحاقه بالمضاف) (٣).

ثالثها : جواز استعماله في نفسه وفي آلاته وبعض أقسام متعلّقاته ، فلا يصحّ الوضوء بل جميع الطهارات الحدثيّة ، وسننها وآدابها ، وغير الحدثيّة من أقسام العبادات (٤) بما حرم استعماله لحرمته في نفسه ، أو من جهة ظرفه لغصبيّته أو ميّتيّته أو

__________________

(١) في «س» ، «م» : الندوات.

(٢) في «ح» زيادة : في غير المياه المتسعة.

(٣) كلّ ذلك ليس في «م» ، «س».

(٤) في «ح» زيادة : في غير المياه المتسعة.

٤٩

احترامه أو ذهبيّته أو فضّيّته أو مزجه أو جمعه منهما أو مع غيرهما مع بقاء اسمها ، أو من جهة مصبّه وموضع تقاطره ، أو من جهة ما يمسّه كالجريان تحت العصائب والجبائر المغصوبة فإنّه كالمسح تحت الشراك أو القلنسوه أو العمّامة المغصوبة مع المماسة.

وأمّا ما يحصل من الغسل بمجرّد النفوذ ، والاتّصال فيحتمل فيه عدم المنع ، لكنّه خلاف الأحوط (١).

ويجري مثل ذلك في الغسل والوضوء وإن توجّه النهي إلى خارج ، لانبعاثه عنه ، والشكّ في دخول مثله تحت الإرادة والخطاب ، بخلاف المقارن ، (أو مع قصد التفريغ ، وقصد الانتقال إلى ظرف آخر ، ووجود ماء آخر ولو كانت الصفة فيما يجب الظروف المستعملة.

وحصول الإذن في الابتداء ، والمنع في الأثناء ، ووجود المانع في بعض الحوض مع الوضوء من الجانب الأخر ، واستعمال الشريك مع مغصوبيّة حصّة شريكه إشكال.

ومسألة المحصور وخلافه جارية في النقدين ، والأخذ من يد المسلم مسوّغ فيهما ، وتبنى المسألة على أنّ امتناع الردّ بمنزلة التلف ، فيرجع إلى المثل أو القيمة مع التموّل ، ولا رجوع مع عدمه ، فلا يكون عاصياً أوّلاً وهو الأقوى لأنّ المستند إلى الاختيار اختياريّ) (٢).

ولا شك في تمشية هذا الشرط بالنسبة إلى الاداب والسنن ، واحتمال السقوط لترتّب الغرض مع الإتيان والعصيان لا يخلو من وجه. والأوجه خلافه (٣).

وبقاء غير المتموّل من الماء على بعض الأعضاء لا يرفع حكم الغصب. ومع النسيان (٤) ثمّ التذكّر أو توجّه المنع بعد الخروج عن التموّل مثلاً يحتمل الصحّة ، والأقوى العدم ، ويجري الإشكال فيما لو نوى الغسل في الوضوء أو الغسل في الإخراج أو حال

__________________

(١) بدلها في «ح» : الأقوى.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٣) وفي هامش «ح» زيادة : وهو من الشرائط العلميّة دون الوجوديّة.

(٤) في «س» ، «م» : العذر.

٥٠

المكث الاضطراري.

ولو مزج الحلال من الماء بالحرام فاستهلكه ولم يكن له قابليّة القسمة ولا التقويم لقلّته ، أو عدم ثمرته نزّل منزلة التالف ، وجاز استعماله ، والأحوط استرضاء صاحبه.

أمّا لو لم يستهلكه وأمكن قسمته عن إذن المالك أو الحاكم مع تعذّره وجبت ، وإن تعذّرا تولاها العدول من المسلمين ، فإن تعذّروا تولاها بنفسه على إشكال حيث يكون هو الغاصب.

ولو علم اختلال الغسلة الأُولى ، أو دار الأمر بينها وبين الثانية أجزأت الثانية كأجزاء تكرير الذكر المستحبّ إذا علم عدم التكرير أو فساد الأوّل.

رابعها : إباحة المكان الذي يتوضّأ فيه ؛ (والمراد به هنا ما كان فضاء أو جسماً محيطاً أو غير محيط ، متّصلاً أو منفصلاً ، حاوياً لجميع أعضاء الوضوء أو بعضها ، متعدّداً أو متّحداً ، كلا أو بعضاً ، أو غسلاً أو مسحاً ، أو حاملاً ثقلاً كما فصّل في محلّه. ويدخل المحيط بالمحاط مع دخوله عرفاً ، والخيمة والصهوة (١) ونحوهما ، وفي دخول الهواء والغبار والدخان والبخار والنار بحث وقد يترتّب عليها بعض الثمار) (٢).

فلا يصح وضوء ، ولا غيره من الطهارات الداخلة في قسم العبادات رافعة أولا مع إيجادها أو إيجاد جزء منها غسل أو مسح في مكان مغصوب العين أو المنفعة ، كلّه أو أرضه أو فضائه أو سقفه أو جوانبه ، كلا أو بعضاً ، قليلاً أو كثيراً مملوكاً خاصّاً أو مشتركاً بين المسلمين ، مع الإضرار بهم ، أو وقفاً خاصّاً أو عامّاً مع لزوم الإضرار ما لم يترتّب عليه تضيّع حقّ المالك من الغاصب ، دخلت محالّ الوضوء في محالّ الغصب أولا ؛ على إشكال.

ويلحق بذلك جميع العبادات البدنيّة الفعليّة دون القلبيّة ، وفي القوليّة احتمالان كادا أن يكونا بالسويّة ، والاستناد إلى حكم التصرّف في البطلان مغنٍ عن التعويل فيه على حكم الأكوان ، مع أنّ تمشيته في البعض غنيّة عن البيان.

__________________

(١) صهوة كلّ شي‌ء : أعلاه وهي من الفرس موضع اللبد من ظهره. لسان اللسان ٢ : ٤٤.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٥١

وهذا الشرط وسابقه علميّان لا وجوديّان ، فلو جاء المعذور لجهل بالموضوع أو نسيان أو إجبار مع عدم التقصير بالمقدّمات أمّا معه فإشكال بشي‌ء من العمل مع ذلك المحذور صحّ عمله لارتفاع النهي الباعث على الفساد ولم يلزمه سوى قيمة ما لَهُ قيمة ، أو مثل ماله مثل (١) أو أُجرة ماله أُجرة.

ولو كان الماء أو مصبّه أو محلّ العبادة متّسعاً يلزم في حجب الناس عنه الحرج ، جاز استعماله لغير الغاصب ومقوّميه (٢) ، مع موافقة المذهب ومخالفته ، ودخول الأيتام والمجانين وعدم دخولهم ، وصحّ العمل فيه (٣) من غير استتباع غرامة.

ولو أذن المغصوب منه للغاصب أو لغيره بالعبادة على وجه العموم أو الخصوص فعملا من غير تعدّ عن محلّ الرخصة صحّ العمل ، ولو خصّ المنع بالعبادة عامّة أو خاصّة وأجاز ما عداها فسدت ، ولو أجازها مشروطة بكيفيّة وجب الاقتصار عليها ، وفسدت بدونها.

ولو كانت في محلّ خالٍ عن التحجير ، كبعض الدور الخربة ، والنهر الصغير ، وجرت عادة المسلمين على التصرّف فيها جاز اتّباعهم في ذلك.

ولا تفيد الإجازة من المالك في إباحة ماء أو ظرف أو مكان بعد العمل شيئاً.

وليس الحال هنا كحال العبادات الماليّة من وقف أو زكاة أو خمس ونحوها ممّا تجوز فيها النيابة (٤) وفي نيّتها فإنّه لا يبعد القول بصحّتها من غير الغاصب أو منه للمالك أو له على إشكال معظمٍ في الأخير. وفيمن ينتقل إليه وجوه ثالثها التخيير في القصد.

ولا حال النهي فيهما كحال النهي عن المقارنات ، لدخولها تحت التصرّف في الأفعال ، والباعثيّة على فعل الحرام فيما يترتّب عليه فعل الحرام دونها ، فيشكّ في شمول أدلّة الخطاب له ، فليس حالها (٥) كالنظر إلى الأجنبية والحسد والتكبّر

__________________

(١) في «ح» زيادة : أو قيمة.

(٢) في «م» و «س» مقويته.

(٣) في «ح» زيادة : وإن منع منه فيه.

(٤) في «ح» : الوكالة فيها.

(٥) في «ح» زيادة : كحال المقارنات الخالية عن الترتّب.

٥٢

ونحو ذلك (١).

ولو حرم شي‌ء منها بسبب نذرٍ أو عهدٍ أو خوف ضررٍ أو نحوها جرى الحكم عليها.

ويحتمل ثبوت حكم الغصب بخبر العادل في حقّ الخارج ، وفي الداخل يتوقّف على البيّنة ، وحكم الحاكم في الحكم عليه به كسائر الأحكام.

وما ظنّ بغير الوجه الشرعي أو شكّ أو توهّم إذن المالك فيه فحكمه حكم الغصب ، والقول بدخوله تحت الآية (٢) فيجوز في حقّ المستثنى فيها إلا مع العلم بالمنع غير بعيد ، ولا سيّما فيما كان من العبادة أكلاً أو مقدّمة للأكل.

ولو دخل معذوراً فارتفع العذر في الأثناء صحّ ما مضى وتجنّب ما بقي ، وتصحيح الوضوء بالماء المغصوب بزعم أنّه بعد التقاطر خارج عن التموّل ، فيخرج عن الغصب ، فلو غسل به حينئذٍ لم يغسل بالمغصوب ليس بصحيح (٣) ، وإلا لساغ أخذ الأموال العظيمة بتناولها وإتلافها أوّلاً فأوّلاً ، وأكل الحرام وشربه شيئاً فشيئاً. وأن لا يأكل ولا يشرب أحد حراماً ، لخروج المطعوم والمشروب بمجرّد الدخول في الفمّ فضلاً عن المضغ عن الماليّة والتقوّم ، والأمر من الواضحات.

ولا فرق في فساد العمل بالأخذ من الظرف مع المنع بين الغرفات المتعدّدة والمتّحدة ، الأخيرة وغيرها على الأقوى ، ولا بين وجود الحلال السالم من الإشكال وعدمه.

(وأمّا اللباس ونحوه فمن المقارنات ما لم يستتبع تصرّفاً بالأجزاء أو المسح مع المباشرة.

وفي ملابس القدمين وفيما يكون من النعلين أو نحوهما تحت القدمين أو غيرهما من أعضاء الوضوء من ملابس أو غيرها في غسل أو مسح إشكال ، وفي الأخير أشكل ، وصغر الحجم لا يغيّر الحكم ، وإن كان اختلاف الحال بالنسبة إلى الضلال لا يخلو من وجه. وللفرق بين المسامت وغيره حينئذٍ وجه.

__________________

(١) في «ح» زيادة : ولو دخل شي‌ء مشاع وإن قلّ في مملوك وإن عظم ولو بسبب مقابلة جزءٍ ما بين ثمن مغصوب ، ومنه ما كان من زكاة أو خمس.

(٢) انظر الآية : ٦١ من سورة النور.

(٣) في «ح» زيادة : كما أشرنا إليه سابقاً.

٥٣

وكذا مقارنة نظر الأجنبي أعضاء الوضوء حال غسلها أو مسحها مع إمكان التستّر لا بدونه ، فإنّه لا ريب في إفساده ، ثمّ المنع مع باعثيّته على عمل الوضوء على الكشف.

ولو دخل فيه مأذوناً ثمّ جاءه المنع لم يسمع فيما يحرم فيه القطع ، وفي غيره يحتمل ذلك مع الدخول ؛ لاحتمال الدخول في الفرار المنهيّ عنه في الأخبار ، ولو قارن قصد التفريق من المقدور فلا بأس مع المساواة ، وفي غيره إشكال ويجري مثل ذلك في التيمّم والغسل.

ولو توقّفت المائيّة دون الترابيّة انتقل إلى التيمّم ، ولو توقّف الجميع فلا صلاة ، ونحوه حكم فاقد الطهورين ، ولو خالف في هاتين الصورتين بطل عمله) (١) والله أعلم.

خامسها : عدم المانع من استعمال الماء ) ؛ لضيق وقت أو لخوف عدوّ ، ولا يندفع بمال غير ضارٍّ ، أو لخوف مشقّة لا تتحمّل ، أو لخوفٍ من حدوث أو بقاء شي‌ء من بعض الأمراض والأدواء المؤلمة أو الشائنة ، أو من عطش يخاف منه على نفسه ، وإن كانت مستحقّة للقتل لكفر أو نحوه وممّن لم يلزم حفظها لتأليف ونحوه ما لم يجب عليه إتلافها لحفظ غيره ، وبإيثاره به أو نفس محترمة ، وإن كانت كذلك لاستحقاق حدّ أو قصاص.

وأمّا الكافر (٣) حربيّا أصليّاً أو مرتدّاً فطريّاً أو ملّيّاً ، معتصماً بأمان أو عهد أو صلح أو جزية أو غير معتصم فلا احترام لنفسه في حقّ غيره ما لم يكن من الإباء أو الأُمّهات ، وإن علوا في وجه قويّ أو يدخل ذلك في الشرط. والظاهر احترام الأطفال دون النساء ويقوى إلحاق غير أهل الإيمان بالكفّار نصّاً (٤).

أو يخاف من استعماله على حيوان محترم أو مضطرّ إليه لحاجة أو ماليّة ، فلو توضّأ مع وجود المحترم بطل وضوءه.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) في «ح» زيادة : استعماله في مسح أو غسل ولو في نحو من الأنحاء ، فلا يصحّ مع وجوده ولو في بعض الأعضاء وإن لم يكن موجب للتيمّم هنالك كما سنبيّن ذلك بحول الله.

(٣) في «ح» زيادة : بالأصالة.

(٤) بدلها في «ح» : هنا.

٥٤

ولو عصى بقتله أو قتل نفس مؤمنة غير مؤدّ إلى كفره ثم توضّأ صحّ كما لو أجبر أحداً على إحضار الماء مملوكاً له أو مباحاً على إشكال في الأخير ما لم يقرن بقصد التملّك في الحيازة ، فيدخل في الغصب.

ولو شرب ماء أو شربه حيوان وأمكن استفراغه قبل استحالته من دون مشقّة ، أو كان الحيوان المخوف عليه العطش قابلاً للتذكية مع إمكان بيعه أو ذبحه والانتفاع بلحمه وجلده أو جلده مطلقاً جاز له الوضوء وتركه.

ومع عدم الإمكان في جواز ذبحه وجهان ، ويقوّى مثله فيما يتوقّف استعماله على دفاع غير ضارٍّ ، أو بذل مالٍ ضارٍّ في الجملة.

ولو اختصّ خوف الضرر بالسنن فسدت وصحّ الوضوء ، ولو جاء الضرر في الأثناء وارتفع قبل جفاف الماء عن الأعضاء أتمّ ، وإلا أعاد المقدّم ثمّ المؤخّر.

وهذا الشرط جارٍ في جميع الطهارات المائيّة من العبادات مع تعمّد أسبابها وعدمه ، وتجب الطهارة بالماء على الكافر وإن كان استعمال الماء ممنوعاً منه لنجاسة بدنه ؛ لأنّه مأمور بتطهيره بالإسلام ثمّ الاستعمال.

سادسها : عدم التقيّة في الإتيان بالعمل ) ؛ والمراد بها هنا : الخوف من أهل الإسلام عامّتهم أو خاصّتهم ، أو غير أهل الإسلام ، أو الأُمراء والحكّام وغيرهم على نفس (٢) أو عرض أو مال مضطرّ إليه ، للعامل أو لغيره من أهل الإيمان إذا قُضي بوجوب الحفظ عليه.

وأمّا التقيّة في أمر الكيفيّة فإن كانت من غير العامّة أو منهم في خلاف مذهبهم لم يصحّ عملها ، وإن كانت منهم في أمر المذهب في موضوع عامّ أو خاصّ أو حكم عامّ أو خاصّ بعثت على صحّة العمل.

ثمّ إن كانت للخوف على ما يجب حفظه وجبت ، وإن كانت لرفع عداوتهم وبعثهم على الحكم بأنّه من أهل مذهبهم استحبّت ، فهي ثلاثة أقسام : موجبة ومصحّحة

__________________

(١) في «ح» عدم منافاة التقيّة في الإتيان بالعمل أو عدد أجزائه.

(٢) بدل نفس في «ح» نفسه وزيادة : مطلقاً أو نفس غيره محترمة على نحو ما مرّ.

٥٥

وجامعة بين الصفتين.

ومع التعارض يرجّح بينهم بالكثرة والقلّة ، والضعف والقوّة ، والقرب والبعد ، وهكذا ، والمدار على الميزان.

ولا يجب التخلّص منهم بالبعد عنهم ، ولا ببذل المال ونحوه وإن لم يكن مضرّاً بالحال ، وخوف بلوغ الخبر منهم لمثلهم

يقوم مقام خوف الاطّلاع والنظر.

(وكذا من غيرهم على إشكال ، ومن كان منهم ضعيفاً مستوطناً في مملكة غيرهم ولا يخشى منه إيصال الخبر ففي جواز التقيّة منه نظر ، ولو بَعُد بعد الدخول أو ظهرت منه لمذهب الحقّ دلائل القبول صحّ ما مضى منه ، وجاء بوفق الحقّ فيما بقي.

وفي صورة احتمال وجود من يخاف ، واحتمال الاتّصاف يجري حكمها على الأقوى.

ويجب الهجرة عن محلّها في القسم الأوّل دون الأخيرين ، وتقيّة المخالف في بلاد الشيعة منهم لا تسقط القضاء عنه بعد الإيمان في وجه قويّ) (١).

ولو دار الأمر بين التقيّة في طهارة وصلوات أو طهارات مترتّبة أو صلوات كذلك كلا أو بعضاً جعل التقيّة في الأخير كما في سائر الشطور والشروط ، فلو دار أمره بين غسل الأسفل في الوجه أو اليدين ، وبين غسل الرجلين ، أو المسح على الخفّين ؛ جعل التقيّة في الأخيرين.

(وبناء الوجهين في ذي الأجزاء على التوزيع في الخطاب ، فيكون بحكم العبادات المترتّبة ، وعدمه غير بعيد) (٢).

ومع المقارنة يبني على الترجيح ، فيجعلها في المفضول دون الفاضل. فلو اندفعت بصلاة النفل أو الفرض وصلاة الآيات ، والتحمّل أو الفرائض جعلت في الأوّلين.

ولو دارت بين الأقرب إلى حقيقة المراد والأبعد فالأقرب وجوب جعلها في الأقرب كما إذا دار الأمر بين غسل الرجلين والمسح على الخفّين فإنّه يقدّم الأوّل منهما

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٥٦

فإذا اندفعت بفعل البعض وجب الاقتصار عليه ككفّ واحدة ورجل واحدة.

بل لو أمكن التبعيض اقتصر على البعض من البعض ، ولعلّ ذلك جارٍ في سائر العبادات ، ولو خاف كلّ من الشخصين من صاحبه وجبت على الاثنين.

وهذا الشرط جارٍ في جميع الطهارات من العبادات ، وسائر العبادات المشروطة بالنيّات ، والظاهر أنّه من الشرائط العلميّات دون الوجوديّات (١).

سابعها : النيّة ؛ (ووجوبها وشرطيّتها أو شطريّتها على بعد مستفادة من الأصل والكتاب والسنّة والإجماع ، بل الضرورة وفي استفادتها من الأخبار النبويّة الدالّة على أنّها «لا عمل إلا بنيّة» (٢) بحث.

ومعناها بحسب الحقيقة تعيينيّة أو تعيّنيّة أو بحسب المجاز أو الاشتراك لفظيّاً أو معنويّاً ، ولذلك زيد فيها ونقص) (٣).

وحقيتها قصد العبوديّة للحضرة القدسيّة لجهة من الجهات وغاية من الغايات المبيّنة في مباحث النيّات ، وبها افترقت العبادات من المعاملات لا بما تقدّمها من النيّات.

وهي شرط في الوضوء وجميع الطهارات وسائر العبادات الصرفة ، ولا يطلب منها بعد تعيين النوع أو تعذّر تعيينه زيادة على ذلك سوى التعيّن الحاصل بنفسه أو بالتعيين لرفع الإبهام ، إذ بدونه يلحق العمل بالأعدام ، ولا يتشخّص ما يكتب عند الملك العلام وصفة الوجود لا تتعلّق بالمعدوم ، وتعلّق الخطاب ابتداء أو بجهة نذر أو شبهه من جهة الأوّل لا يقتضي جريانه في جميع الأسباب وسوى معرفة الرجحان

__________________

(١) في «ح» زيادة : حادي عشرها : عدم تعلّق حقّ المخلوق بأعيان أعضاء الوضوء أو منافعها. حيث لا تعارض حقّ الخالق ، كوضوء السنّة مع نهي المالك ، وفي إلحاق الوالدين مع عدم المفسدة في النهي وجه.

ولو نهى المطاع عن العمل الواجب في خصوص وقت مع الاتّساع أو ندب وجب الاتباع في وجه قويّ.

ويرجع الأجير للخدمة في حكمه إلى المتعارف في العبادة ، ولا يلزم عليه تعيين ولا تصريح ولا نقص أُجرة كسائر الشّروط المتعارفة.

(٢) الكافي ٢ : ٨٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٢٥٠ ، الأمالي للطوسي ٣٧٧ ح ٦٨٥ ، تنبيه الخواطر ٢ : ١٧١ ، الوسائل ١ : ٣٣ أبواب مقدمة العبادات ح ١ ، ٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٥٧

الذي يتأتّى معه قصد القربة إجمالاً أو بمعرفة السبب الباعث عليه.

وبعد صحّة الطهارة تكون الآثار المترتّبة عليها كالاثار المترتّبة على باقي الشرائط ، فرفع الحدث وارتفاعه موقوف على حصولها ، كرفع المانعيّة الناشئة من الثوب المتنجّس بإزالة نجاسته ، وعمّا علّق فيه شي‌ء من غير المأكول لحمه برفعه عنه ، وهكذا لو نزعهما.

وما الاستباحة بها إلا كالاستباحة باللباس والاستقبال وباقي الشرائط ورفع الموانع ، وما الوجوب والندب فيها إلا كالوجوب والندب في سائر الشروط ورفع الموانع.

وكما أنّ قصد الوجوب في الستر والاستقبال ونحوهما والندب في التعمّم والرداء والتحنّك ليس بلازم ، كذلك لا يلزم هنا فلا فرق بين قول اغسل بدنك وثوبك وبين قول اغسل وجهك ويديك إلا فيما يجعله عبادة.

بل الظاهر أنّ من جعل الوجوب سبب الإقدام لم يبلغ مرتبة أهل القرب لدى الملك العلام ، وربما أشكل على المقرّبين جعل الإيجاب سبباً للانقياد إلى ربّ الأرباب كيف لا! وليس المحرّك لهم خوف من عقاب يترتّب على ذلك الإيجاب ، بل الداعي لهم على العبادة مجرّد السمع والطاعة.

فقد ظهر أنّ تلك القيود خارجيّة ، وليس لها في تحقيق حقيقة العبادة مدخليّة ، فما نيّة الوجوب في مقام الندب أو بالعكس إلا كنيّة المسجديّة في البيت أو بالعكس ، وكنيّة الوجوب في الساتر في مقام الندب أو بالعكس (ونيّة شدّة الندب في مقام ضعفه أو بالعكس.

فلو اعتبر الخطور أو الوجه المذكور لا بعنوان الاحتياط حذراً من مخالفة المشهور أشبه أن يكون مشرّعاً ولو اعتبر الوجه في الشطور لزم فساد عبادات الجمهور ، وخلوّ الكتاب والمواعظ والخطب والأخبار وكلمات القدماء الأبرار ولزوم التزام ما لا يلتزم في باقي العبادات من الأدعية والتعقيبات والأذكار والزيارات في ترتّب الثواب على سائر ما ندب إليه ؛ أبين شاهد عليه. وما حال المكلّفين مع ربّ العالمين إلا كحال المملوكين مع المالكين) (١).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٥٨

ونيّة الاستباحة وعدمها كنيّتهما فيها ما لم يتوقّف عليها تحقيق القربة أو يلزم منها تشريع ، فليس على المعذور إذا غيّر وبدّل نقص في العمل ولا محذور.

ولو نذر وضوءات متعدّدة الجهات ، كما إذا نذر واجباً لذاته وندباً كذلك منويّاً به الزيارة ، ومنويّاً به القراءة ، ومنويّاً به النوم وهكذا ، وجب اعتبار تعيين صفتي الوجوب والندب قيديّين لا غائيّين ، وهكذا باقي القيود ، فيستباح الدخول في الصلاة وفي جميع الغايات به من دون ملاحظة الجهة.

فالوضوء المطلوب به مطلق الرجحان ، ولم يكن صوريّاً محضاً ، ويتبعه رفع الحدث ، وما كان لغايات من نفلٍ أو فرضٍ صلاة أو غير صلاة ، (مقصود من استباحتها رفع الحدث ، يجوز الدخول به أو لا) (١) في خالية عن القصد ، أو مقصود عدمها ، أو عدم استباحتها ، أو (٢) استباحتها مع قصد فعلها ، وعدمه ، من فرض أو نفل ، صلاة أو غيرها فالانفعالات في الجميع متساوية ، وتفترق الأفعال باشتراط ما يحصل به معنى العبادة.

والاستباحة بالوضوءات الصوريّة كوضوء الحائض والجنب إذا صادف الخلوّ عن الوصفين ذات وجهين أقربهما العدم.

وجميع الضمائم لا تخلّ مع تبعيّتها (٣) أو عدم اختصاصها بالاستقلال ، وكذا جميع المعاصي المقارنة ممّا لم يدخل في المنافيات المشهورة ممّا تتعلّق بالجوارح أو بالقلب ، ما عدا العجب والرياء المقارنين ، وأمّا المتأخّران فالأقوى أنّهما لا يفسدان على إشكال في الأخير.

(ونيّة القطع أو القاطع ذاهلاً عن القطع والعلم بالانقطاع والتردّد فيها غير مخلّة) (٤).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ح» : مقصوداً من استباحتها رفع الحدث ، أو لا يجوز الدخول به.

(٢) بدلها في «ح» : إذ.

(٣) في «س» و «م» : مع تبيّنها.

(٤) بدل ما بين القوسين في «ح» : ونيّة القطع لا لزعم الشرع ، أو القاطع ذاهلاً عن القطع في الأثناء والعلم بالانقطاع شرعاً أو عادةً ، والتردّد فيها لغير السؤال ، فضلاً عمّا كان له مطلقاً فيما بنى على الانفصال ، وحيث لا يخلّ بالاستمرار فيما بنى على الاتصال ؛ لا بأس بها ، وفيما عدا ذلك إشكال.

٥٩

ونيّة الأجزاء في الابتداء مع وصف الجزئيّة من نيّة الجملة ، وبقصد الاستقلال بشرط لا ، مبطلة ، وبلا شرط كذلك إن لم تعد إلى نيّة الكلّ.

ولا ريب في اشتراط النيّة في الغسلة الثانية والدعوات والأذكار.

وأمّا غسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق فذات وجهين ، أقواهما الإلحاق بالعبادة ، فإذا خلت عن النيّة حكم بالإعادة.

ومثل هذه الأحكام جارٍ في الطهارات من العبادات ، وكثير منها جارٍ في سائر العبادات ، وقد مرّ تمام الكلام في غير مقام.

المقام الثالث : في الوضوء الاضطراري

وهو أقسام :

القسم الأوّل : وضوء التقيّة.

والمراد بها الباعثة على ترك الكيفيّة الشرعيّة ، والإتيان بالعمل على وفق الهيئة البدعيّة ، وقد مرّ تفصيل الكلام فيها في غير مقام.

القسم الثاني : وضوء الأقطع.

وحكمه ثابت بالضرورة ، والإجماع ، والأخبار. وفي الاستناد إلى الكتاب والأصل وإلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يسقط الميسور بالمعسور» (١) «وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢) و «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (٣) إشكال.

وصُوَرُهُ مع الاستيصال (في الواحد والاثنين أربع عشر والأربعة خمس عشر) (٤) ؛ لأنّ قطع الوجه والمقدّم لا تبقى معه الحياة غالباً ومع الفرض إن زالا عن الاسم زالا عن الحكم ، وإلا فلا بل يقوم الباطن مقام الظاهر.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٧.

(٣) مجمع الزوائد ١ : ١٥٨ ، عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٦.

(٤) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : عشر.

٦٠