كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

ويعلم من تتبّع ما ذكرناه أنّ فوات بعض الشروط قد يبعث على الفساد في جميع الأحوال كالترتيب ، والبدأة من الأعلى ، وطهارة ما يتيمّم به ، وقابليّة جنسه ، وترك شي‌ء من ممسوح أو قائم مقامه مع الوجود.

وقد يختصّ البطلان بصورة العلم ، وجهل الحكم دون النسيان ، والإجبار كالغصب ، ووجود الماء أو غيره من المراتب المتقدّمة ، وقد يكتفى بالاضطرار من دون تخصيص بالنسيان والإجبار ، كنجاسة محلّ الضرب والمسح ، مع عدم الماء أو عدم قابليّة التطهير وحصول الحاجب.

فإذا تعذّرت تلك المراتب بعد تعذّر الماء وفقد (١) الطهورين ، سقط فرض الصلاة ونحوها ممّا يتوقّف على الطهارة ، ولا يجب قضاؤها كما لا يجب أداؤها وإن كان الاحتياط فيه.

ولو كان فَقَد الطهورين مستنداً إليه ، فإن كان عن اطمئنان بحصول طهور آخر فليس عليه وزر. وإن لم يكن كذلك ، فإن كان قبل دخول وقت الفريضة فكذلك ، وإن كان بعدُ عصى ، ولا يلزم فيه كسابقته أداء ولا قضاء ، وفاقد بعض الضرب كالضرب الثاني للغسل كفاقد التيمّم.

المقام الخامس : في سننه وآدابه ومكروهاته

وهي أمور :

منها : نفض الكفّين وسطاً لا بشدّة ولا ضعف بعد الضرب الأوّل والثاني قبل المسح به ، مع احتمال انفصال شي‌ء من العلوق أو مطلقاً تعبّداً على اختلاف الوجهين ، ويقوى لحوق الوضع ومطلق الإصابة به. وفي كونه جزءاً من التيمّم ، فيدخل في النيّة أو الاداب ؛ لرفع التسوية وجهان ، أقربهما الأوّل ، ولا يستحبّ مسح أحدهما بالأخرى.

ومنها : أن يكون المتيمّم به إن كان تراباً أو أرضاً أو غباراً أو طيناً من العوالي ؛

__________________

(١) في «ح» كان فاقد.

٣٤١

لنزاهتها وزيادة الاطمئنان بطهارتها ؛ لعدم تردّد المستطرفين عليها ، والحجّة في أدلّتها.

ومنها : كثرة الغبار في المضروب عليه لاشتماله عليه.

ومنها : عدم الميعان في الوحل (١) حتّى لا يدعى وحلاً ، وكلّما قرب إلى الجفاف فهو أولى.

ومنها : أقربيّة ما كان من الأرض إلى التراب من رمل ونحوه.

قيل : ويكره التيمّم بالسبخ (٢) ، وكأنّه لمبغوضيّة أرضه ، فيجري في جميع الأراضي المبغوضة ، والمغصوبة أو لشبهة الامتزاج بالملح أو ظهوره عليها.

قيل : وبالرمل (٣) ، وقد مرّ أنّه أولى من غيره بعد فقد التراب.

المقام السادس : في الغايات المرتبطة به

وهي أقسام :

منها : ما اشترط برفع الحدث من الواجبات من العبادات ولا بحث في استباحته بها.

ومنها : ما اشترط بذلك من المندوبات من النوافل وسائر التطوّعات ، وينبغي عدم التأمّل في الاستباحة به ، ويحكم بوجوبه في القسم الأوّل ، وهنا بندبه.

ومنها : ما يكون رفع الحدث له من المكمّلات كالزيارات وقضاء الحاجات والاستخارات ونحوها ، والظاهر قيامه مقام الطهارة فيها ، وتسميته طهارة اضطرارية ، ومبيحة يراد بها إدراك الخصوصيّة. وأمّا ما كان لصلاة الجنازة أو للنوم فمنصوص (٤) ، وفي دخول الوضوء التجديدي فيها بُعد.

ومنها : ما يسنّ رفع الحدث فيه لذاته كالدوام على الطهارة ، ويقرب القول أيضاً بجوازه ، واشتراط دخول الوقت في الموقّتات لا ينافيه.

__________________

(١) في «م» : الأصل.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٢٦٥.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ٦٣.

(٤) الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٢ وج ١ : ٢٦٥ أبواب الوضوء ب ٩ ح ١.

٣٤٢

ومنها : ما لم يكن رافعاً للحدث من الوضوءات والأغسال كغسل الجمعة والزيارة ، وعرفة ، والعيدين ، وكالوضوء لأكل الجنب ، وجماع الحامل ونحوهما. والقول ببدليّته قريب غير أنّ (ما تقدّمه أقرب) (١).

ومنها : ما كان الموجب لرفع الحدث فيه الاحترام كمسّ القرآن ، وأسماء الله تعالى ، ودخول المسجدين ، واللبث في المساجد والوضع فيها ، وقراءة العزائم ونحو ذلك. وفي القول بعدم الاستباحة في هذا القسم لبقاء منافاة الاحترام بناءً على ما هو الأقوى من عدم الرفع فيه قوّة.

وما كان للخروج من المسجدين من المجنب فيهما لا يستباح به غيره ، مع وجود الماء خارجه ، لو قلنا في غيره بالاستباحة على إشكال.

المقام السابع : في الأحكام

وفيها أبحاث :

[البحث] الأوّل : أنّه قد تقدّم أنّ صحّة التيمّم مشروطة بعدم تيسّر استعمال الماء ، ويستثنى من ذلك أمران :

أحدهما : صلاة الجنازة ، فإنّه يجوز لها التيمّم وجد الماء أو لم يجده خاف فوته مع استعماله أو لم يخفه.

الثاني : التيمّم للنوم ؛ لإرادة التعبّد به ليلاً أو نهاراً ، وعلى أيّ حال كان ، محدثاً بالأصغر أو بالأكبر ، ناسياً للطهارة المائيّة أو عامداً لتركها ، وإن كان الثاني لا يستفاد من ظاهر الرواية (٢) ، والظاهر الاقتصار على عدم وجود الماء حول الفراش ، وقرب الأرض غير مناف.

(وفي جواز التنقّل من التراب مع التمكّن منه إلى الأرض وكذا من مرتبة سابقة إلى لاحقة من المراتب الباقية ، مع التمكُّن منها كالتنقّل من الأرض إلى الغبار وهكذا في

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ح» : خلافه أقرب منه.

(٢) المحاسن للبرقي : ٤٧ ح ٦٤.

٣٤٣

صلاة الجنازة) (١) كما يشير إليه التنقّل عن الماء إشكال.

والظاهر عدم استباحة الغايات بهذين القسمين من التيمّم ، ولا سيّما ما كان للنوم اقتصاراً فيما خالف القاعدة على المتيقّن ، كما يقتصر على خصوص حال المبادرة ، وعلى خصوص حال العزم على النوم دون التردّد بقصد الاستعداد.

البحث الثاني : أنّ الاضطرار شرط فيه في ابتداء الدخول في الغاية والاستمرار ، فلو ارتفع الاضطرار بعد الدخول فيه قبل الإتمام أو بعده ، قبل الدخول في العمل الموقوف عليه أو بعده قبل الفراغ مع اتّساع الوقت للإتيان بالشرط والإعادة فسد ، وفي إلحاق إدراك الركعة بإدراك الكلّ نظر. وأمّا بعده فقد وقع العمل في محلّه وأجزأ.

وإنّما يستثني من ذلك خصوص الصلاة فرضها ونفلها ، فإنّها لا تعاد بعد الدخول في الركوع ، بل بمجرّد الدخول فيها ، وإن كان الأولى هنا العدول إلى النفل مع السعة ، ثمّ الإعادة. وفي الطواف ؛ لأنّه صلاة يمكن القول بالاستمرار عليه بمجرّد الدخول دون ما عداه ، فلو دخل في صلاة جنازة قد تيمّمت (٢) ، ثمّ وجد الماء في أثنائها أعيدت ، ومرتفع العذر المانع عن استعمال الماء كواجد (٣) الماء.

ويقتصر في الحكم بالصحّة على تلك الصلاة التي ارتفع العذر في أثنائها. ولا يجوز الدخول به في غيرها ، مع عدم عود العذر قبل الفراغ أو بعد الفراغ مع ضيق الوقت عن الإتيان بالثانية وشرطها.

ويجوز الدخول بتيمّم فريضة أو نافلة ، وسائر ما قصد به الاستباحة في عبادات أُخر ما لم يرتفع العذر.

البحث الثالث : أنّه لا فرق بين المتعمّد للحدث وغيره أصغر أو أكبر ، جنابة أو غيرها ، قبل الوقت أو بعده ، أتياً به بعد حصول العذر أو قبله ، مع العلم بحصوله

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : وفي التنفّل من الأرض التراب إلى المراتب الباقية مع التمكّن منهما في صلاة الجنازة ومن الغبار مع تعمّده إلى الوحل مع وجوده.

(٢) كذا في جميع النسخ والظاهر أنّ الصحيح : تيمّم لها.

(٣) في «س» ، «م» : كفاقد.

٣٤٤

وعدمه ، فلو أجنب عن حلال أو حرام عالماً بعدم التمكّن من استعمال الماء صحّ تيمّمه ، وحرم وفسد غسله مع خوف الضرر المعتبر.

ويجوز لمن له التصرّف بالبُضع الوطء مع الاضطرار إليه وعدمه ومع وجوبه عليه شرعاً وعدمه مع عدم الماء وحصول ما يمنعه من استعماله ، قبل اشتغال الذمّة بما يتوقّف على الطهارة أو بعده مع التوسعة ، ومظنّة إدراك الطهارة. ويجوز له وطؤها مع عدم تمكّنها من الطهارة المائيّة مطلقاً.

والأحوط الاجتناب بعد دخول الوقت ، وخوف عدم التمكّن من استعمال الماء ، ويجوز لها جبره على الوطء بعد مضيّ أربعة أشهر ، واستدعائها منه على التفصيل السابق وإن تعذّر عليه استعمال الماء. والقول بالجواز مطلقاً وقيام التيمّم مقام الماء في جميع الأقسام هو الوجه.

البحث الرابع : في أنّ من أحدث بالأصغر أو بالأكبر في أثناء تيمّم أو بعد تمامه من أصغر أو أكبر رجع حكم الحدث الذي كان على ما كان ؛ لارتفاع الإباحة التي هي أثره ، وضعف القول بالارتفاع إلى غاية ، والظاهر أنّ حدوث الأحداث بالنسبة إلى تيمّم الميّت لا تؤثّر شيئاً ؛ لارتفاع حكمها بالموت. ولو أحدث بعد تيمّم غسل الجنابة أعاده ، ولو أحدث في تيمّم غسل آخر بعد تيمّم الوضوء أعاد التيمّمين معاً.

البحث الخامس : في أنّ ضيق صلاة الخسوف والكسوف وخوف فوات الصلاة مع الناس في الجمعة والعيدين والاستسقاء من الأعذار.

البحث السادس : في أنّه لا يشترط طهارة البدن أو الثياب في صحّة التيمّم ، فلو ترك الاستنجاء وغسل نجاسة أُخرى عمداً أولا وتيمّم صحّ تيمّمه ، ولو كان تركه عن جهل بها وصلّى بتيمّمه صحّت صلاته.

البحث السابع : في أنّه لا يجوز التيمّم لغاية قبل توجّه الأمر إليها ، فلو تيمّم لموقّتة قبل دخول وقتها فسد تيمّمه ، ويصحّ بعد دخول الوقت وبقاء سعته مع اليأس من الماء ، أو حصول الطلب في الجهات ، ولا يتوقّف على الضيق على الأقوى ، وعلى اعتبار الضيق يعتبر في حقّ تمام الصلاة لا مقدار الركعة.

٣٤٥

ولو تيمّم لحاضرة أو فائتة من فرض أو نفل أو لغيرهما من الغايات المشروطة به جاز الدخول به في غيرها ما لم ينتقض بحدث متجدّد ، أو التمكّن من استعمال الماء. ولو تيمّم لاستباحة غاية فعدل عنها جاز له الدخول في غيرها.

ولو انكشف عدمها فإن اتّحدا نوعاً واختلفا شخصاً كأسباب الوضوء حكم بصحّته ، وإن اختلف نوعه كأسباب الغسل حكم ببطلانه ؛ لأنّها عبادات متغايرة لا بدّ من نيّة الخصوصيّة فيها (وفي الاكتفاء بتيمّم الخروج من المسجدين إشكال ، وقد مرّ جميع ذلك) (١).

البحث الثامن : في أنّه إذا وجد ماء أو تراباً أو غيره ممّا يتيمّم به أو مرتبة متقدّمة على غيرها من مراتب ما يتيمّم به ، وكان مشتركاً بين من لا يكفيهم حصصهم في أداء الواجب ، أو مباحاً لا يكفيهم كذلك ، وسلطانهم متساوياً بالنسبة إليه ، وقد كان فيهم المجنب والمحدث بغير الجنابة بأيّ نوع كان ، ومستوجب الغسل من الأموات كان الراجح تخصيص الجنب وإن لم يكن البذل عليهم لازماً.

(ويجري في الاختلاف بين المراتب نحو ذلك) (٢). وفي صورة اختلاف المحدثين بالرتبة كنبيّ أو إمام مع الرعيّة ، مع تساوي الحدث أو اختلافه ، ويقوى الترجيح هنا للراجح مطلقاً ، وفي الاختلاف بالعلم والتقوى لا يبعد الترجيح مع الاتّفاق في نوع الحدث ، ومع الاختلاف فيه يقوى مراعاته.

البحث التاسع : لو تيمّم لصلوات بتيمّمات بعددها ، وعلم الفساد في أحدها أو علم بحدث وتيمّم ، وجهل المتقدم ، جرى فيه مثل ما سبق في مباحث الطهارة المائيّة.

البحث العاشر : في أنّه إذا وجبت عليه طهارة مائيّة بنذر أو عهد أو استئجار ونحوها ،فالظاهر عدم بدليّة التيمّم عند فقد الماء ، وإذا أطلق نذر الطهارة فالظاهر انصرافه إلى المائيّة. ولو صرّح بالترابية وجبت (٣) في مقام جوازها.

__________________

(١) ذكر مضمون ما بين القوسين في «س» ، «م» مستقلا في التسلسل الحادي عشر.

(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٣) في «س» ، «م» : تجري.

٣٤٦

البحث الحادي عشر : لو تيمّم لعبادة بزعم وجوبها مثلاً ، فظهر الخلاف مع مشغوليّة ذمّته بأخرى يسوغ لها ، قوى احتمال جواز الاكتفاء ، والأحوط خلافه.

(البحث الثاني عشر : أنّه يجوز التيمّم بما تيمّم به عن غير الجنابة سابقاً ، وفيما كان عنها لا يجوز في وجه ضعيف مبنيّ على حكم المبدل عنه.

البحث الثالث عشر : أنّه لو علم أنّ عليه تيمّماً وجهل أنّه متعدّد لأنّه عن غسل غير الجنابة أو متّحد عن غسل جنابة أو عن وضوء بنى على الأوّل وأتى بوضوء وغسل معاً ونوى ما في الواقع ، وكذا لو كان بين الأخيرين.

البحث الرابع عشر : أنّه هل يجري التجديد فيه مطلقا أو لا ، أو في الوضوء لا غيره ، وجوه ، أوسطها الأوسط) (١).

القسم الثاني : في الطهارة الخبثية

وهي إمّا صفة عدمية انفعالية عبارة عن ارتفاع حكم الحدث ، والتطهير رفعه ، أو وجودية كما قيل مثله في طهارة الحدث ، مع ادّعاء إدراكها عند حصولها ، وليس من لم يعلم حجّة على من يعلم ، والله أعلم ، وفيها مطالب.

[المطلب] الأوّل : فيما يتطهّر منه من المنجّسات ،

وهي ثلاثة أقسام :

[القسم] الأوّل : منها من المائعات والغائط ملحق بها ، وهي تسعة أمور (٢).

أوّلها وثانيها وثالثها : ما يخرج من ذي النفس السائلة التي يخرج دمها باقتضاء الطبيعة من بعض العروق شخباً لا رشحاً من الجميع من منيّ مطلقاً ، أو بول أو خرء خارجين من إنسان أو حيوان غير مأكول اللحم ، بريّاً أو بحريّاً ، أصالة أو بالعارض لجِلّتة أو وطء ، طيراً أو غيره خُشّافاً أو غيره.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) في «ح» زيادة : ثلاثة مختصّة بالخروج من المخرجين.

٣٤٧

وما يخرج من الأخيرين من حلال اللحم مباحاً أو مكروهاً معتاد الأكل أو غير معتاد طاهر ، والمشكوك في نفسيّته أو مأكوليّته لمجهوليّته في نفسه أو اشتباهه بغيره طاهر ، بمعنى أنّه لا يجب اجتنابه وإن دار بين المحصور مع العلم (ببقاءه واحتمال عدمه بذهاب بعض الأفراد) (١).

وبول الرضيع ذكراً أو أنثى وبول الكبير في النجاسة سواء ، وبين نجاسة البول والخرء ملازمة ، إلا فيما إذا وطء أو تحقّق الجلل بعد خروج أحدهما قبل خروج الأخر ، ولو كان في الأثناء اختصّ اللاحق بالنجاسة دون السابق مع عدم الاختلاط ، والخارج منها من المخرج المعتاد وغيره سواء كما في علامة البلوغ على الأقوى دون الحدث.

وما يخرج من باقي الرطوبات عدا الدم من مذي أو وذي أو ودي من طاهر العين ، إنساناً أو غيره محكوم بطهارته ، ولو تلوّث شي‌ء بأحدها وهي في الباطن (٢) ، وخرج غير ملوّث حكم بطهارته سواء كانت في محلّها أو تحرّكت عنه.

ولو دخلت من خارج نجست ما في الباطن ممّا دخل من خارج وما لم يدخل على اشكال ، ولو خرجت حصاة أو نواة أو حيوان صغير بعد إصابتها باطناً مع عدم التلويث حكم بطهارتها. وهذه فيما خرجت من المخرج المعتاد جامعة بين صفتي الحدثيّة والخبثيّة دون غيرها إلا بعض أقسام الدم فإنّه قد يقضي فيه بهما ، مع عدم الخروج.

ولو تكوّن البول أو أخوه قبل حدوث المحرّم من جلل أو وطء ، فخرج بعد الحدوث حكم بنجاسته ؛ لأنّ المدار على وقت الخروج لا وقت التكوّن. ولو انعكس بأن تكوّن حال حدوث الجلل ثمّ خرج بعد الاستبراء حكم بطهارته ؛ لأنّ المدار على وقت الخروج لا وقت التكوّن.

ولو شكّ في عروض التحريم أو التحليل بنى على الأصل فيهما. ولو شكّ في شي‌ء أنّه ذو غسلة أو غسلتين ، وهكذا جميع ما دار في تطهيره بين الأقلّ والأكثر يبني فيه على الأكثر ، ويجري ذلك في نزح البئر.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : بوجود المحصور.

(٢) في «ح» زيادة : لم تخرج.

٣٤٨

ولو تردّد بين ما فيه أو مقدار قليل فيه العفو وبين ما لا عفو فيه ، بنى على العدم على إشكال ، ولو دار بين ما اختصّ العفو بمقدار منه وما عمّه العفو قليلاً أو كثير الدم على عدم العفو (١) (ثمّ لو رجّحنا العفو اقتصرنا على البعض) (٢).

ولو شرب حلال اللحم بولاً أو أكل خرءاً نجسين ، فتكونا بولاً له أو خرءاً ، كانا طاهرين.

وكلّما تكون بعد الانفعال إلى الأشدّ أو الأضعف فالمدار على ما انتقل إليه لا عنه. والظاهر أنّ ذا النفس من الحيوان له مذي ووذي وودي كالإنسان ، وحكمها فيه كحكمها فيه.

ونجاسة البول أشدّ من نجاسة الغائط فلو لم يمكن سوى غسل أحدهما فلا يبعد تقديم غسل البول ، ولو دار بين غسل ما كان منهما من نجس العين ، وطاهر العين أو المأكول وغيره ، قوي لزوم تقديم الأوّل لجمعه الصفتين (٣) ، وفي الدوران بينهما يحتمل تقديم ما كان من نجس العين لجمعه الثلاث.

وفي ترجيح ما كان من حرام الأصل على ما كان من حرام العارض (٤) وجه بعيد ، ومتى انقلب أحدهما إلى طاهر أو نجس أُعطي حكمه ، ولو شكّ في كون الحيوان من ذوات النفوس أو لا ، أو في كونها خارجة من أيّ القسمين حكم بطهارتها.

الرابع : الدم من ذي النفس السائلة أو متكوّناً فيه كالعلقة ، ودم البيضة ، من نجس العين أو لا ، دم جرح أو قرح أو لا ، من نبيّ أو وصيّ أو شهيد أو لا ، من مأكول اللحم أو لا ، مستبيناً في الماء أو لا ، ناقصاً عن سعة الدرهم أو لا. خلافاً لمن طَهّر غير المستبين منه في الماء ، ولظاهر من طهّر الناقص عن الدرهم في

__________________

(١) وعبارة هذا الفرع في «س» ، «م» كذا : ولو تردّد بين ما فيه العفو في نفسه وغيره وفي مقدار قليل بين ما فيه العفو وبين ما لا عفو فيه بنى على العدم على إشكال. ولو دار بين ما العفو عنه بمقدار منه وبين ما عمّه العفو قليلاً وكثيراً بنى في كثيرة على عدم العفو.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٣) في «س» ، «م» زيادة : مع الأشديّة.

(٤) في «م» ، «س» زيادة : وما كان يعفى عن قليله على غيره.

٣٤٩

سائر النجاسات ، سوى المني ودم الحيض إن لم ينزل على العفو ، وما لا يدخل تحت اسمه لا يدخل في حكمه ، وما شكّ به لا يلحق به.

والمتخلّف في حيوان من دمه فيما ذكاته ذكاة أمّه أو بعد الذبح أو النحر أو الطعن على وفق العادة من غير اكتفاء بمجرّد الخروج ولا التزام بتمام الاستيفاء في ضمن الأعضاء أو خارجاً عنها من حيوان مأكول اللحم شرعاً معتاداً أو غير معتاد ولم يخالط شيئاً من المسفوح بالرجوع إليه بعد الخروج ، إلا ما جرت به العادة كالرجوع بالتنفّس ، ما لم يوضع رأسه على مرتفع ينحدر من المنحر إلى الباطن ، ولا من دم إله الذبح أو يد الذابح مثلا فيغسل دم المذبح أو المنحر والآلة واليد أو يعوّض عنهما بطاهرين ، أو تقطع الرقبة من أسفل بالة طاهرة [طاهر] (١).

ودم غير مأكول اللحم نجس ، ودم غير المأكول في المأكول طاهر على الأقوى ، وما كان بلون الدم كما يتّفق في الأشجار والنباتات ونحوها ليس بدم.

وما كان منه بالتكوين منفرداً (ولم يكن حيوانيّاً كالمتكّون أية لموسى بن عمران (ع) ، و) (٢) كالمتكوّن لقتل سيّد الشهداء (ع) ، ولبعض من سبق من الأنبياء والأوصياء طاهر على الأقوى.

ودم غير ذي النفس طاهر ، والدم المشكوك به فلم يعلم ممّا خرج أو لم يعلم كيفيّة خروجه وأنّه من المسفوح أو لا ، محكوم بطهارتهما ، والمنتقل من ذي النفس إلى غيره أو من غيره إليه ملحق بما انتقل إليه إن انتسب إليه.

والأقوى أنّ المنيّ والدم والبول والغائط محكوم بنجاستها مع استمرارها على البقاء في الباطن انتقلت عن محالّها أو لا ، لكنّها لا تؤثّر تنجيساً في الباطن ، ولا فيما دخل من خارج ما لم يخرج متلوّثاً بها. أمّا لو خرجت ثمّ دخلت فهي كسائر النجاسات تنجّس الباطن بالأصل أو بالعارض.

والظاهر أنّ المشكوك في كونه من الظاهر ليس من الظاهر ، وعدم إخلال وجودها

__________________

(١) الظاهر كلمة «طاهر» قد سقطت من جميع النسخ حيث تكون خبر لقوله : والمتخلف.

(٢) ما القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٥٠

بناءً على ما نذهب إليه من عدم البأس في المحمول واضح ، وعلى الأخر يخصّ المنع بالظاهر ، ولا يجري العفو في الباطن ، ولو دخل بعد أن كان ظاهراً على الظاهر فلا توجب الاستفراغ وشبهه.

ولا يجوز الصلح على دم غير المأكول لو فرض حصول النفع به بعد خروجه ؛ لنجاسته حين وقوع الصيغة ودخوله تحت غير القابل للتطهير ، واستناد المنع إلى النجاسة حال الاستعمال لا يخلو من إشكال.

وأمّا دم مأكول اللحم فقد يدخل في القابل للتطهير وبخروج الدم المسفوح على إشكال.

وإذا حصل في باطن الفم أو الأنف فابتلعه كان شارباً للنجس ، ولدخوله في حكم الخبائث وجه ، ولو نذر ألا يبتلع نجاسة (١) حنث ولو قال ألا أشرب لم يحنث على الأقوى.

الخامس : المسكرات المائعة بالأصالة وإن جمدت بالعارض لا بالعارض كالجامد منها إذا جعل مائعاً وهي كثيرة والمعروف منها خمس : الخمر المعمول من العنب ، والنقيع المعمول من الزبيب ، والفضيخ المعمول من البثر ، والبتع المعمول من العسل ، والمرز بتقديم المهملة المعمول من الشعير أو الذرّة ، أو من أحدهما من أيّ القسمين كان على اختلاف التفاسير ، والظاهر أنّه يكون منهما معاً.

والمدار في النجاسة ابتداءً على حصول الصفة إذ بها يتحقّق الاسم ، والشكّ فيها شكّ فيه ، وانتهاءً على بقاء الاسم وإن زالت الصفة على الأقوى.

والمدار في حصول الصفة على المزاج المعتدل لا على سريع الانفعال وبطيئه. والسكر بالكثير من الشي‌ء قاضٍ بنجاسة قليله ، والمتكوّن في بعض حبّات العنب ، والممزوج بغيره كالترياق الفاروق كغيرهما.

ومن لا يعرف حقيقة الخمر يرجع إلى العارفين ، ويقبل قول ذي اليد من الفاسقين مسلمين كانوا أو كافرين دون غير ذي اليد إلا إذا كانوا من عدول المسلمين.

__________________

(١) في «ح» ألا يتبلّع نجاسته.

٣٥١

والسكر حالة تبعث على نقص العقل بالاستقلال ، والإغماء يقضي به بالتبع ؛ لضعف القلب والبدن ، وقد يقال ؛ إنّ الأوّل يبعث على قوّة النفس وضعف العقل ، والإغماء على ضعفهما.

السادس : الفقّاع كرمّان وهو شراب مخصوص غير مسكر يتّخذ من الشعير غالباً ، وأدنى منه في الغلبة ما يكون من الحنطة ، ودونهما ما يكون من الزبيب ودونها ما يكون من غيرها ، وليس ماء الشعير الذي يتعاطاه الأطبّاء للدواء منه ؛ لأنّ الظاهر أنّه يحصل منه فتور لا يبلغ حد السكر ، وليس ذلك في ماء الشعير ، على أنّه يعتبر فيه أن يوضع في محلّ حتّى يحدث فيه فوران ونشيش ، وأكثر الناس تعاطياً له العبيد والدراويش.

وتحريمه موقوف على تحقّق اسمه ، وتحقيقه من العارفين المعتمدين أو من أصحاب اليد وإن كانوا فاسقين ، والمشكوك فيه لا يجري حكمه فيه.

السابع : العصير العنبي ، لا الزبيبي ، ولا التمري ، ولا الحصرمي ، ولا المنسوب إلى ما عداهما من الفواكه بشرط غليانه بنفسه ، أو بالنار أو بالشمس أو غيرهما ، بأن يصير أعلاه أسفله وبالعكس ، واشتداده بأن يكون له قوام في الجملة.

والمدار على تحقّق الاسم ، فلو وضعت حبّة عنب أو حبّات في مَرَق أو غيره ، أو مزجت مع أُمور آخر ، ولم يتحقّق صدق الاسم ، فلا تعلّق للحكم ، نعم لو وضع قليل منه بعد صدق الاسم على شي‌ء غير معصوم نجّسه وإن زال اسمه ، إلا إذا وضع على مثله قبل الذهاب ثمّ ذهب بعد.

والظاهر أنّ اكتساب طعم الماء منه لا يلحقه بالعصير وإن لم يعصر فيه ، ولو اختصّ الغليان أو الاشتداد بجانب من الانية سرى الحكم إلى غيره. وما شكّ في غليانه أو اشتداده محكوم بطهارته ، مع إمكان الاختبار وعدمه كالمشكوك بعنبيّته.

والظاهر اعتبار غليانه بنفسه أو بالماء المطلق ، فلو غلى بالدهن أو الدبس أو العسل أو الماء المضاف لم يدخل في الحكم على إشكال في الأخير ، والأحوط جري حكم العنبي في الزبيبي والحصرمي والتمري والبُسري مرتّبة في شدّة الاحتياط ، وسيجي‌ء

٣٥٢

تتمّة الكلام في مطهّره.

والظاهر أنّ كلّ مقدّم أشدّ من المتأخّر عنه في الحرمة والنجاسة ، ويحتمل التفاوت بين الخمر وغيره من القسم الأوّل وغيره.

الثامن : عرق الجنب من الوطء الحرام لذاته في أحد المأتيين من الإنسان لأيّ الصنفين مع الموت والحياة ، ومن أيّ الصنفين كان أو الحيوان أو مطلقاً ، فيعمّ وطء الحيض والنفاس والصوم المعيّن للواطئ أو الموطوء وبعد الظهار قبل المسوّغ ، وقبل البلوغ وفي الإحرام ، وفي الإفضاء ، والنذر (وجميع الوطء الممنوع عنه ؛ لمرض أو غيره أو الموطوء الحرام ، فلا يكون داخلا تحت العام) (١).

والخُنثى فاعلاً أو مفعولاً مشكلاً أو لا في وجه ، وجاهل الحكم يجري عليه حكم الحرام.

ومن (٢) الإمناء الحرام لذاته كالاستمناء بغير محلّلاته أو مطلقاً ، فيعمّ الاستمناء بهنّ في الصيام على إشكال. ولعلّ الاقتصار على الذاتي في المقامين أوفق في البين.

والحكم يعمّ العرق الحاصل حال الجنابة أو بعدها ولو في أثناء الغسل دون ما قبلها وإن استمرّ ، إلا أن تميّز (٣) بالحادث. وفي إلحاق عرقه حال الموت به حال الحياة فيجب غسله قبل غسله ، ويختلف بسببه نزح البئر إلى غير ذلك من الأحكام وجه قويّ (وفي جنابة المجنون والصبي بما يحرم على المكلّف وجهان ، أقواهما الطهارة) (٤).

ولو كان في وقت لا ينفكّ فيه العرق عنه اغتسل بالماء المعصوم مرتمساً أو مرتّباً للأعضاء فيه ، أو جلس في هواء أو مكان بارد ليجفّ عرقه ، فيغسله ويغتسل ، فإن تعذّر من جميع الوجوه تيمّم.

ولو كان مجنباً من حرام ثمّ أجنب من حلال فعرق لمباشرته الحلال حكم بنجاسته ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) بدلها في «ح» : وفي.

(٣) في «س» ، «م» : يخرج.

(٤) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٥٣

ولو سبقت جنابته من الحلال فتولّد العرق من الجميع أو المجموع حكم بنجاسته.

ولو شكّ في وجود العرق أو شكّ في أنّه حصل من أيّ الجنابتين بنى على الطهارة ، والمشتبه في وطئه إن لم يعلم إلا بعد النزع أو قبله وأخرج من حينه ، أُلحق بالحلال ، وإن مكث ولو يسيراً لحق بالحرام.

ومن قصد الحرام فوافق الحلال عصى بفعله ، ولم يدخل تحت عنوان الجنب من الحرام إلا في وجه ضعيف ، ولو تعمّد الوطء الحرام قاصداً عدم التقاء الختانين الموجب للجنابة ، فالتقيا من غير شعوره ، ومن دون اختياره دخل في الجنابة من الحرام على إشكال. (ولو كان في بدن الكافر ثمّ أسلم لم يطهر تبعاً على الأقوى ، وكذا لو تاب الجنب أو عقد عليها ووطأها عن حلال) (١).

التاسع : عرق الإبل الجِلة صغاراً أو كباراً ، ويتحقّق وصفها بالتغذّي بعذرة الإنسان دون غيرها من النجاسات ، مستقلّة لا يداخلها غيرها مداخلة تمنع عن استناد التغذّي إليها عرفاً ؛ لكونها ضميمة أو للصدق على المجموع دون الآحاد ، ويعرف بظهور النتن في العرق أو غيره من الرطوبات ، ويرجع فاقد الحاسّة إلى واجدها ، والجاهل إلى العارف ، ومع الاختلاف يؤخذ بالترجيح.

ولا يحكم بثبوته إلا مع العلم أو الظنّ الشرعي القائم مقامه. ولا يجب التجسّس والفحص عنه. وبعد العلم بثبوته لا يرتفع حكمه إلا بالعلم بزواله. ولا بأس بجلال غير الإبل وإن كان الأحوط إلحاقه بها.

والعرق السابق على الجلل طاهر وإن استمرّ إلى وقت حصوله. وما كان حال الجلل فاستمرّ إلى ما بعد ارتفاع الجلل باق على حكمه الأوّل ، ويحتمل الطهارة تبعاً.

ويختلف حصول الوصف سرعة وبطئاً باختلاف الاستعداد في نفس الحيوان أو باختلاف مأكله السابق أو باختلاف الغائط ، لشدة النتن وضعفه.

وما عدا العرق منها من الرطوبات الطاهرة في ذاتها محكوم بطهارته ، وإن لم تجز

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٥٤

الصلاة به ؛ لأنّه من فضلات غير المأكول ، والقول بالطهارة من الأصل هو الأقوى (١) ، وعرقه بعد الممات مثله حال الحياة ، ويختلف الحكم باختلاف الجهات ، ومع القول بعدم النجاسة لا تصحّ الصلاة بشي‌ء منها أو من فضلاتها ممّا كان قبل الاستبراء.

والظاهر إلحاق ما انعقد من أولادها حال الجلل بها ، وكذا جميع ما ترتّب من نسلها في التخوم دون نجاسة العرق. كما أنّ الظاهر لحوق البعض المنعقد حينه ، وما تكون منه من الفراخ وجميع ما ترتّب عليها على إشكال.

القسم الثاني : ما كان من الحيوان

وهو أربعة أقسام :

الأوّل : الكافر ؛ وهو قسمان :

أوّلهما : الكافر بالذات وهو الكافر بالله تعالى أو نبيّه أو المعاد شاكّاً لم يعذر ؛ لبعد الدار أو لكونه في محلّ النظر خالياً عن الاستقرار ، ويمكن أن يجري عليهما حكم الكفّار في غير المؤاخذة كالتعذيب بالنار ، أو منكراً بالقلب واللسان مع إثبات الغير ، كالغلاة وأتباع مسيلمة أو لا ، أو جاحداً بلسانه معترفاً بجنانه كفرعون ، أو منافقاً بعكسه ، أو معانداً مقرّاً بهما معاً (٢) ، وقد خلع ربقة العبوديّة من عنقه كإبليس ، أو غير مقرّ بالمعاد (الجسماني ، ولا بخلقه) (٣) أو مشركاً بالقسمين (٤) الأوّلين ؛ لبعد تصويره في ثالثهما أو هاتكاً لحرمة الإسلام.

(ويلحق به السابّ للنبيّ صلّى الله عليه إله وسلم أو الزهراء أو أحد الأئمّة عليهم‌السلام ، أو جاحداً لنعمة الملك العلام ، أو نافياً لبعض الصفات أو مثبتاً لها مع المنافاة لأمر الربوبيّة ، وفي هذا القسم يحكم بالكفر ، ولا يقبل العذر ، ولا تقبل منه

__________________

(١) كما في المراسم : ٦٣١ ، ومنتهى المطلب ٣ : ٢٣٢ ، ٢٣٥ ، ونهاية الأحكام ١ : ٢٤٠.

(٢) في «س» ، «م» : زيادة : فعلياً أو حكميّاً على وجه العموم.

(٣) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : أو جسمانيته.

(٤) بدلها في «ح» : فالأصلين.

٣٥٥

التوبة ، ويجري فيه حكم الارتداد الفطريّ.

ثانيهما : ما يترتّب عليه الكفر بطريق الاستلزام كإنكار بعض الضروريّات الإسلاميّة ، والمتواترات عن سيّد البريّة ، كالقول بالجبر والتفويض والإرجاء ، والوعد والوعيد ، وقِدَم العالم ، وقِدَم المجرّدات ، والتجسيم ، والتشبيه بالحقيقة ، والحلول والاتّحاد ، ووحدة الوجود أو الموجود أو الاتّحاد ، أو ثبوت الزمان والمكان أو الكلام النفسي.

أو قِدَم القرآن ، أو الرؤية البصريّة في الدنيا أو الآخرة ، أو أنّ الأفعال بأسرها مخلوقة لله ، أو صدور الظلم منه ، أو إنكار الإمامة المستلزمة لإنكار النبوّة ، أو البغض لبعض الأئمّة مع التديّن به وعدمه ، مع التظاهر وعدمه ونحوها.

وهذه إن صرّح فيها باللوازم أو اعتقدها كفر ، وجرى عليه حكم الارتداد الفطري ، وإلا فإن يكن عن شبهة عرضت له واحتمل صدقه في دعواها استتيب ، وقبلت توبته ، ولا يجري عليه حكم الارتداد الفطريّ ، وإن امتنع عزّر ثلاث مرّات وقتل في الرابعة ، وإن لم يمكن ذلك وترتّبت على وجوده فتنة العباد وبعثهم على فساد الاعتقاد أُخرج من البلاد ، ونادى المنادي بالبراءة منه على رؤس الأشهاد.

ويجري نحو ذلك في حقّ المبدعين في فروع الدين المدّعين للاستقلال ، الباعثين على إضلال الجهّال ، العاملين بظاهر الروايات من دون خبرة بالمقدّمات ، أو المتوجّهين للمحاكمات بمجرّد الرجوع إلى فتاوى الأموات) (١).

ولا فرق بين الملّيّ وغيره ، والحربيّ وغيره ، والأصليّ والتبعيّ كأطفال الكفّار ، والمجانين ، من دون أن يكون أحد الأبوين أو الجدّين القريبين مسلماً (وكالمسبيّ في يد المسلم مع عدم مصاحبة أحد أبويه أو جدّيه ، سواء كان السابي مع إسلامه مؤمناً أو لا) (٢).

ومن فسدت عقيدته من المسلمين ولم يخرج عن الإسلام ببعض الأسباب المذكورة مسلم في الدنيا كافر في الآخرة. والظاهر أنّ حلول الموت به يلحقه بحكم الآخرة فلا يجري عليه أحكام المسلمين فيما بعد الموت.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : عبارات قريبة منه من حيث المعنى.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : وبشرط أن لا يكونا منفردين عن الأبوين في يد سابٍ مسلم مؤالف أو مخالف.

٣٥٦

وبدن الكافر وما اشتمل عليه ممّا لا تحلّه الحياة من شعر أو ظفر أو عظم ، أو تحلّه الحياة محكوم بنجاسته.

ومن تجدّد إسلامه أو كفره فالمنفصل منه يتبع حال الانفصال ، والقطعة المبانة منه كذلك ، والمتّصل ولو بواصل ضعيف ، يدور حكمه مدار ما اتّصل به.

ولو اعتقد الإسلام ولم يقرّ بلسانه دخل في حكمه ، وعلى القول بأنّه عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار لم يدخل فيه حتى يقرّ.

وولد الزنا من الطرفين بين مسلمين أو مسلم وكافر يحكم بإسلامه كولد الحلال من الطرفين ، وبين المسلم والكافر ، والزاني هو الكافر فقط كذلك ، ولو كان الزاني هو المسلم فقط ألحق بالكافر ، وولد الحلال من الكافرين أو من أحدهما فقط كافر ، وولد الزنا من الطرفين يحتمل كونه كذلك وأن يحكم بإسلامه ؛ إذ كلّ مولود يولد على الفطرة ، والأوّل أقوى.

الثاني والثالث : الكلب والخنزير البريّان وهما نجسان بجميع ما اشتملا عليه ممّا تحلّه الحياة أو لا تحلّه (١) من شعر أو ظفر أو عظم.

والمتولّد إن دخل في اسم النجس نجس ، وإن دخل في اسم الطاهر أو خرج عن الاسمين لخروج تمامه أو بعضه عنهما أو اجتماع البعضين منهما على إشكال في الأخير طاهر سواء تولّد من طاهرين أو نجسين متجانسين أو مختلفين ، فليس المدار على المبدئين كسائر أقسام المستحيلات من الأعيان النجسة والطاهرة ، بل على تحقّق الاسمين.

وحاصل المسألة أنّ التولّد إمّا بين طاهري العين أو نجسي العين أو المختلفين أو المركّبين أو المختلفين ، مع طاهر العين أو نجس العين لمصداق نجاسة العين أو طهارة العين أو مجتمعين ، والحكم في الجميع واضح ممّا سبق.

فيجري حكم الطهارة والنجاسة وأنواعهما من جهة حكم الولوغ ونزح البئر وكميّته ، ومكروهيّة السؤر وعدمها على الاسم ، وأمّا حكم الإباحة والتحريم فإن ثبت

__________________

(١) في «ح» : زيادة : الحياة.

٣٥٧

ولم يثبت إجماع على حرمة كلّ متفرّع عن الحرام ، تبع الفرع أصله وإلا فحكمه كالسابق.

والبحريّان طاهران ؛ إذ كلّ نوع له شبه في البحر لا يدخل البحري في إطلاقه ، وهما بالنسبة إلى الإطلاق كالمطلق والمضاف بالنسبة إلى الماء ، فلا يطلقان على البحريّين ، إلا مع الإضافة كغيرهما من أشباه حيوانات البر.

الرابع : الميّت من نوع ذي النفس السائلة إنسانا أو غيره حارّ الجسم أو بارده ، ولجته الروح فخرجت منه ، أو لم تلجه كالسقط من إنسان أو حيوان وأفراخ الطيور قبل ولوج الروح ، طاهرة العين أو نجستها ، سوى النبيّ والإمام ، والشهيد ، والمتيمّم في وجه قويّ.

والمنفصل من طاهر العين حيّاً وميّتاً ممّا تحلّه الحياة نجس ، ومن غيره طاهر ، ومن نجس العين نجس مطلقاً. ويستثنى من طاهر العين حيّاً الأجزاء الصغار كالبثور أو الثواليل ونحوها ، ولو كانت مع الشعر ، للزوم الحرج لولاه ؛ إذ لا ينفكّ تنظيف القدمين ، والجسد ، ونتف الشعر ، والتمشيط في اللحية أو الرأس مثلاً وحكّ الجلد ، وحسّ الدابّة ، ونحو ذلك ، عنها ، مضافاً إلى ظهوره من بعض الأخبار. فما يكون في أصول الشعر مع القلع من الحيّ لا بأس به ، بخلاف ما قلع من الميّت.

وما يخرج من جوف المرأة أو الحيوان حين الولادة من لحم ونحوه محكوم بنجاسة.

وفأرة المسك طاهرة ، وكذا الإنفحّة بكسر الهمزة وسكون النون ، وفتح الفاء ، وتشديد الحاء ، وفتحها ويقال فيها بالإنفحة ومنفحة شي‌ء يخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفه فيغلظ كالجُبنّ ، فإذا أكل الجدي فهو كرش ، وقيل نفس الكرش وهو طاهر كجلده أخرج من الحيّ أو الميّت.

والظاهر أن الحيّة ليست من ذوات النفس كالسمك ونحوه ، سوداء كانت أو رقطاء أو بيضاء.

والجلود من الميتة نجسة مدبوغة أو لا. ولو وضع كرّ فما زاد في ظرف متّخذ من جلدها لم يجز استعماله ، ولم تصحّ الطهارة منه ؛ لأنّها تدخل في استعمال جلد الميتة.

ولو لم يكن في الكرّ زيادة فالغرفة الأُولى منه طاهرة دون الباقيات ، وإن حصل

٣٥٨

النقصان بالغرفة الأخيرة كان جميع ماء الغرفات طاهراً ونجس الباقي.

ولبن الميتة من حرام اللحم وحلاله نجس على الأصحّ ، ولو شكّ في أنّها من سائل الدم أو لا ، بنى على الطهارة وحالها كحال النجاسات في السراية مع الرطوبة دون اليبوسة.

القسم الثالث : ما لم يكن من القسمين الأوّلين

وهو ثلاثة أُمور :

أحدها : ما يخرج عن اسم الطاهر بالاستحالة ، فمتى انقلب حقيقة الطاهر ودخلت في اسم النجس صار نجساً.

ثانيها ما يخرج بالانتقال ، فمتى انتقل دم غير ذي النفس إلى بدن ذي النفس ، ودخل في اسمه صار بحكمه من نجس العين وغيره. وربّما رجع هو وما قبله إلى ما تقدّم.

ثالثها : ما عرض له إصابة شي‌ء من النجاسات مع رطوبة في الطرفين أو في أحدهما بحيث يحصل منها العلوق من غير المعصوم كالماء الجاري ونحوه فإنّه يحكم بتنجيسه ، ثمّ يجري الحكم في المتنجّس مرتّبا على نحو النجس في أصل النجاسة دون الخواصّ من لزوم عدد ، أو تعفير وغسل تراب ونحوهما. فهذه ستّة عشر :

منها : ثلاث عشرة من أصول أعيان النجاسات. وما كان منها من نجس العين أشدّ نجاسة ممّا كان من طاهر العين ؛ لنجاسته من وجهين ، وما كان من دمه أو منيّه (١) أشدّ من باقي أجزائه ؛ لأنّه من ثلاثة وجوه.

والظاهر أنّ نجاسة الكلب والخنزير أشد من نجاسة الأخيرين ، وفي المائعات الظاهر أشديّة الخمر على الباقيات ، وضعف نجاسة العرقين عن نجاسة ما عداهما ، وربّما تظهر الفائدة عند التعارض والتدافع وطلب الترجيح ، وليس بعد هذه الثلاث عشر المذكورات شي‌ء يعدّ من النجاسات.

وبعض احتسب بعض المكروهات من النجاسات ، وهي الثعلب والأرنب ،

__________________

(١) وفي «س» : ميتته.

٣٥٩

والفأر ، والوزغة مع حياتها فضلاً عن مماتها وأبوال الخيل ، والبغال والحمير ، وذرق الدجاج والمسوخ والمعروف منها تسعة وعشرون قسماً : الفيل والدبّ والأرنب والعقرب والضبّ والعنكبوت والفأر والدعموص والجري والوطواط والقردة والخنزير والزهرة وسهيل دابّتان من دوابّ البحر والزنبور والخفّاش والبعوض والقمّلة والعنقاء والقنفذ والخنفساء والطاوس والزمير ومارماهي والوبر والورك والعظايه والكلب والحيّة.

ومن جملتها نجس العين ولا كلام فيه ، وكثير من غير ذوات النفوس ممّا يبعد القول بنجاستها وفي بعضها القطع بطهارتها ، فلا معنى لإطلاق نجاسة المسوخ.

وهذه النجاسات بأسرها إذا أصابت غير المعصوم كالكرّ والجاري ونحوهما رطبة أو رطباً مع تأثير الرطوبة نجسته ، ميتة إنسان أو حيوان أو غيرها ، كافراً حيّاً أو غيره ، وكذا المتنجّس بشي‌ء منها إذا أصاب شيئاً فحكمه حكمها (من غير فرق بين وجود العين وعدمها ، ومع عدمها يسقط حكم العدد والتعفير والعفو على الأقوى) (١).

وإذا أصاب بعضها بعضاً أو متنجّساً بغيره فهل يؤثّر شيئاً من تعدّد غَسل أو غسل تراب أو غيرهما أو لا ، وجهان ، أقواهما عدم التأثير في القسم الأوّل وثبوته في الثاني ، ولا يساوي (نجاسة المتنجّس بعين نجاسة ما تنجّس بالمتنجّس) (٢) بها في تعدّد ونحوه.

وإذا حصل شكّ في الرطوبة أو بقائها أو تأثيرها حكم بأصل العدم.

والسؤر تابع للحيوان نجاسة وطهارة وكراهة وخلافها وسيجي‌ء تفصيل القول فيه إن شاء الله.

ولو تعدّدت النجاسات دخل ضعيفها في شديدها وقليل عدد الغسلات في كثيرها ، ومتى انقلب بعضها إلى بعض ارتفع حكم المنقلب واعتبر حال المنقلب إليه من تعدّد أو عصر أو نحوهما أو خلافهما لذهاب حكمه بذهاب اسمه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : من غير تعدّد أو تعفير مع عدم إصابة العين.

(٢) في «ح» : تنجيس المتنجّس بعد ما يتنجّس بالمتنجس.

٣٦٠