كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

١
٢

٣
٤

كتاب الصيام

٥
٦

الصوم

وهو : تركُ المفطرات ، أو الكفّ عنها ، أو العزم على تركها ، أو مُشترك لفظاً أو معنىً بين الكُلّ ، أو البعض على اختلاف الأقسام.

وفيه مباحث :

الأوّل : في فضيلته

الصوم من جُملة الأركان الّتي بُنيت عليها فروع الإسلام والإيمان

ويمتاز عن باقي العبادات : بأنّه القاطع للشهوات ، المضعف للقوّة الحيوانيّة عن طلب الملاذّ المحظورات ، وللقوّة السبعيّة عن البطش بالمؤمنين والمؤمنات. المقوّي للقوّة الملكيّة بتصفية النفس من شوائب الكدورات. الكاسر للقوّة الشيطانيّة عن طلب الكِبر والرياسات. المقرون بخلاء المِعدة ؛ الّذي هو من أعظم الرياضات ، الّتي كادت تُوصل إلى العلم بالمغيبات. الباعث على إعطاء الصدقات ، ورقّة القلب على الفقراء عند المجاعات. المذكّر بجوع الآخرة وعطشها ؛ يوم العَرض على ربّ السماوات. المعرّف لمقدار النعم ، الباعث على الشكر على ممرّ الأوقات ، المجرّد للعبادة بتركِ مَلاذّ الحيوانات ، المصحّح للمزاج ، المُغني عن الأدوية والعلاجات ، المانع عن الامتلاء المهيّج للأبخرة

٧

الباعثة على النوم والكسل عن العبادات. الرافع لتكليف الخادم من الخدمات ، الباعث على المشقّة الكلّيّة الّتي بها يتضاعف ثواب الطاعات.

وباعتبار تصفيته للنفس ، وبُعده عن الرياء ؛ لخفائه على الحسّ ، واشتماله على المشقّة الكليّة ، وأنّه من الأُمور المتعلّقة بالنفس ، المقصور سلطانها على ربّ البريّة ، وردَ في بعض الأحاديث القدسيّة : «كلّ عمل ابن آدم له ، إلا الصوم ؛ فإنّه لي ، وبه أجزي» (١).

ولكونه مانعاً عن الشهوة الرديّة ، قال فيه سيّد البريّة : «من لم يستطع النكاح فليصُم ، الصوم خِصاء أُمّتي ، يا معاشر الشباب عليكم بالصيام» (٢).

ولأنّه مُكمّل للنفس ، فلا تكون مَغلوبة للهوى ، قال فيه سيّد الأنام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّه يبعد الشيطان كما بين المشرق والمغرب ، ويسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في الله والمؤازرة على العمل الصالح تقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه (٣) ، ولكلّ شي‌ء زكاة ، وزكاة الأبدان الصيام» (٤).

وخُصّت بالصيام ؛ لأنّ ما عداه من زكاة تنمّي الأموال.

وممّا يدلّ على أنّه من أعظم العبادات : خلطه مع الولاية في بعض الروايات ، فعن أبي جعفر عليه‌السلام إنّ الإسلام بُني على خمسة أشياء : الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والصوم ، والولاية (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٣ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٤٤ ح ١٩٨ ، التهذيب ٤ : ١٥٢ ح ٤٢٠ ، الوسائل ٧ : ٢٩٤ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٢٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٨٠ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ ح ٥٤١ ، المجازات النبوية : ٨٥ ح ٥٣ ، الوسائل ٧ : ٣٠٠ أبواب الصوم المندوب ب ٤ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) الوتين : عرق يسقي الكبد ، وإذا انقطع مات صاحبه. مفردات الراغب : ٥١١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٩١ ح ٥٤٢ ، الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٩٧ ، أمالي الصدوق : ٥٩ ح ١ ، وص ٧٥ ح ٥٧ ، الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٦٢ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٤٤ ح ١٩٩ ، أمالي الصدوق : ٢٢١ ح ١٤ ، الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١.

٨

وما روي في عدّة روايات : «إنّ الصوم جُنّة من النار» (١). و «أنّ لكلّ شي‌ء زكاة ، وزكاة الأبدان الصوم» (٢) ، و «أنّ خلوف فم الصائم أي رائحته أو طعمه عند الله أطيب من ريح المسك» (٣). و «الصائم في عبادة ، وإن كان على فراشه ، ما لم يغتب مسلماً» (٤).

وإنّ من صام لله يوماً في شدّة الحرّ ، فأصابه ظمأ وكّل الله به ألفَ ملك يمسحون وجهه ، ويُبشّرونه بالجنّة ، حتّى إذا أفطر ، قال الله تعالى : «ما أطيب ريحك وروحك ، يا ملائكتي ، اشهدوا أنّي قد غفرت له» (٥).

وفي بناء هذا ومثله على الظاهر ، فيلحق ما اشتمل عليه بالأحاديث القدسيّة أو على التأويل وجهان ، أقواهما الثاني ، وفي بناء المسح والبُشرى على الظاهر أو التأويل وجهان.

وأنّ نوم الصائم عبادة ، وصمته ونَفَسه تسبيح (٦) ، وعمله مُتقبّل ، ودعاءه مُستجاب.

وأنّ للصائم فرحتين : فرحة عند إفطاره برفع الحرج عنه أو بتوفيقه أو بالمركّب منهما ، وفرحة عند لقاء ربّه.

وأنّ العبد يصوم مُتقرباً إلى الله تعالى ، فيدخله به الجنّة.

وأنّه يغفر له بصوم يوم.

وأنّ لله ملائكة موكّلين بالدعاء للصائمين (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٢ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٤٤ ح ١٩٦ ، الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٦٥ ح ١٧ ، الفقيه ٢ : ٤٥ ح ١٩٩ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ ح ٥٣٧ ، ٥٤٢ ، أمالي الصدوق : ٥٩ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٦٤ ح ١٣ ، الفقيه ٢ : ٤٥ ح ٢٠٣ ، الوسائل ٧ : ٢٩٠ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٦٤ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ٤٤ ح ١٩٧ ، ٢٠٥ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ ح ٥٣٨ ، ثواب الأعمال : ٧٥ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٢٩١ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١٢.

(٥) الكافي ٤ : ٦٥ ح ١٧ ، الفقيه ٢ : ٤٥ ح ٢٠٥ ، أمالي الصدوق : ٤٧٠ ح ٨ ، ثواب الأعمال : ٧٦ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٢٩٩ أبواب الصوم المندوب ب ٣ ح ١.

(٦) في «ح» زيادة : ويقوى عدم اعتبار النيّة في حصول الأجر.

(٧) انظر الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ، وص ١١٢ من أبواب آداب الصائم ب ٩ ح ١.

٩

وأنّ المؤمن إذا صام شهر رمضان احتساباً ، يُوجب الله له سبع خصال : يذوب الحرام من جسده ، ويقرب من رحمة ربّه ، ويكفّر خطيئة أبيه آدم عليه‌السلام ، ويهوّن الله عليه سكرات الموت ، ويأمن من جوع يوم القيامة وعطشه ، ويعطيه الله البراءة من النار ، ويطعمه من طيّبات الجنّة (١).

وأنّه ما من صائم يحضر قوماً يأكلون إلا سبّحت أعضاؤه على الحقيقة ، أو التأويل كما يجري مثله فيما روي من مثله في الجمادات من الشعر ، والحجر ، والمدر ، ونحوها وصلّت عليه الملائكة (٢).

وأنّ الله تعالى وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين ، وقال الله تعالى : «ما أمرتُ ملائكتي بالدعاء لأحدٍ من خلقي إلا استجبتُ لهم» (٣) وأنّ من كتم صومه ، قال الله تعالى لملائكته : «عبدي استجار من عذابي ، فأجيروه» (٤).

وأنّ الصائم إذا رأى قوماً يأكلون ، سبّحت له كلّ شعرة في جسده (٥).

وأنّ ثلاثة يُذهبن البلغم ، ويزدن في الحفظ : السواك ، والصوم ، وقراءة القرآن ، إلى غير ذلك من الأخبار (٦).

المبحث الثاني : في آدابه

وهي كثيرة ، وأهمّها : استعمال الجوارح في الطاعات ، وعصمتها من المعاصي والتبعات ، فعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ من صام شهر رمضان إيماناً ،

__________________

(١) انظر الوسائل ٧ : ١٧٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١ ح ٤.

(٢) انظر الوسائل ٧ : ١١٢ أبواب آداب الصائم ب ٩.

(٣) الكافي ٤ : ٦٤ ح ١١ ، المحاسن : ٧٢ ح ١٤٩ ، الفقيه ٢ : ٤٥ ح ٢٠٢ ، الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٦٤ ح ١٠ ، الفقيه ٢ : ٤٥ ح ٢٠٢ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ ح ٥٣٩ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ١٢١ ح ١٢٣ ، الوسائل ٧ : ٩٧ أبواب آداب الصائم ب ١ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ٧ : ١١٢ أبواب آداب الصائم ب ٩ ح ١.

(٦) انظر الوسائل ٧ : ٢٩٢ أبواب الصوم المندوب ب ١.

١٠

واحتساباً ، وكفّ سمعه ، وبصره ، ولسانه عن الناس ، قبلَ الله تعالى صومه ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه ، وما تأخّر ، وأعطاه أجر الصابرين» (١).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء ، فإنّ الاستغفار به تُغفر ذنوبكم ، والدعاء يُدفع عنكم به البلاء» (٢).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه قال لجابر : «هذا شهر رمضان ، من صام نهاره ، وقام ورداً من ليله ، وعفّ بطنه وفرجه ، وكفّ لسانه ، خرج من ذنوبه كخروجه من هذا الشهر» فقال جابر : ما أحسن هذا الحديث ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما أشدّ هذه الشروط» (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من عبدٍ صالح صائم يُشتم فيصبر ، ويقول : سلام عليك ، إنّي صائم ، لا أشتمك كما شتمتني ، إلا قال الله تبارك وتعالى : استجار عبدي بالصوم من شتم عبدي ، قد أجرته من النار» (٤).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : «إذا صمتَ ، فليصُم سمعُك وبصرك وشعرك وجلدك». وعدّ أشياء غير هذا. قال : «ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك» (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : «إذا صُمت ، فليصُم سمعُك وبصرك من الحرام ، والقبيح ، ودع المراء ، وأذى الخادم ، وليكن عليك وقار الصائم ، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك».

وعنه عليه‌السلام : «إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، فإذا صمتم فغضّوا أبصاركم ، واحفظوا ألسنتكم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا». قال : «وسمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة تسبّ جاريتها وهي صائمة ، فأمر لها بطعامٍ وقال لها :

__________________

(١) المقنعة : ٣٠٥ ، الوسائل ٧ : ١١٨ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٧ ح ٢٨١ ، الوسائل ٧ : ٢٢٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٨ ح ٤ بتفاوت.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٠ ح ٢٥٩ ، الوسائل ٧ : الوسائل ٧ : ١١٦ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٨٨ ح ٥ ، الوسائل ٧ : ١٢٠ أبواب آداب الصائم ب ١٢ ح ٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٦٧ ح ٢٧٨ ، التهذيب ٤ : ١٩٤ ح ٥٥٤ ، الوسائل ٧ : ١١٦ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ١ ، ولكن الرواية فيه عن أبي عبد الله (ع).

١١

كُلي ، فقالت : إنّي صائمة ، فقال : أنتِ صائمة وتَسبّين جاريتك؟! إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب» (١).

وهو وإن كان محمولاً على المبالغة ، إلا أنّ فيه حثّا عظيماً على ترك المعاصي في الصوم أو خصوص السبّ.

وفي الفقه عن الرضا عليه‌السلام : «إنّ الصوم حجاب ضربه الله تعالى على الألسن ، والأسماع ، والأبصار ، وسائر الجوارح ، وقد جعل الله تعالى على كلّ جارحة حقّا للصيام ، فمن أدّى حقّها ، كان صائماً ؛ ومن ترك شيئاً منها ، نقص من فضل صومه بحسب ما ترك شيئاً منها» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : «ليس الصيام من الطعام والشراب فقط ، ولكن إذا صمتَ ، فليصُم سمعُك ، وبصرك ، ولسانك ، وبطنك ، وفرجك ، واحفظ يدك وفرجك ، وأكثر السكوت إلا من خير ، وارفق بخادمك» (٣).

وعنه عليه‌السلام : «إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، فاحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا ؛ فإنّ الحسد يأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب» (٤).

وفي خُطبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صام شهر رمضان في إنصات ، وسكوت ، وكفّ سمعه وبصره ولسانه وفرجه وجميع جوارحه من الحرام والكذب والغيبة تقرّباً ، قرّبه الله منه حتّى تمسّ ركبتاه ركبتي إبراهيم الخليل عليه‌السلام» (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : «إذا صام أحدكم الأيّام الثلاثة في الشهر ، فلا يجادلنّ

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٧ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٦٧ ح ٢٨٠ مصباح المتهجّد : ٥٦٩ ، التهذيب ٤ : ١٩٤ ح ٥٥٣ ، الوسائل ٧ : ١١٦ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٦٦ أبواب آداب الصائم ب ١٠ ح ٣.

(٣) إقبال الأعمال : ٨٧ ، الوسائل ٧ : ١١٨ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ١٠.

(٤) الكافي ٤ : ٨٩ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ٦٧ ح ٢٨٠ ، الوسائل ٧ : ١١٧ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ٤.

(٥) عقاب الأعمال : ٣٤٤ ، الوسائل ٧ : ١١٧ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ٥.

١٢

أحداً ، ولا يجهل ، ولا يسرع إلى الحلف والايمان بالله ، فإن جَهل عليه أحد ، فليحتمله» (١).

وعن الباقر عليه‌السلام إنّ الكذبة تفطر الصائم ، والنظرة بعد النظرة ، والظلم قليله وكثيره (٢). وفي وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام احذر الغِيبة ، والنميمة ، فإنّ الغيبة تُفطر الصائم ، والنميمة تُوجب عذاب القبر (٣). ويُفهم من مجموع هذه الأخبار : أنّ الحسنات في الصوم يتضاعف ثوابها ، والمعاصي يزداد وِزرُها أو عقابها. ويجري مثل ذلك في جميع الأمكنة المعظّمة ، والأوقات المشرّفة.

وأنّه ينبغي أن يكون الصائم في صيامه على أفضل الأحوال.

ومن الاداب (٤) : استقبال القبلة عند النظر إلى الهلال ، والتكبير ، ورفع اليدين ، ومخاطبة الهلال ، والدعاء بالمأثور ، وهو كثير ، ومن جملته : «ربّي وربّك الله ربّ العالمين ، اللهمّ أهلّه علينا بالأمن ، والإيمان ، والسلامة ، والإسلام ، والمسارعة إلى ما تُحبّ وتَرضى ، اللهمّ بارك لنا في شهرنا هذا ، وارزقنا خيره ، وعونه ، واصرف عنّا ضُرّه وشرّه ، وبلاءه ، وفتنته» (٥).

وعن شيخنا العماني : أنّه أوجب أن يقال عند رؤيته : «الحمد لله الّذي خلقني ، وخلقك ، وقدّر منازلك ، وجعلك مواقيت للناس ، اللهمّ أهلّه علينا إهلالاً مُباركاً ، اللهمّ أدخله علينا بالسلامة والإسلام ، واليقين والإيمان ، والبرّ والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى» (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٨ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٤٩ ح ٢١١ ، التهذيب ٤ : ١٩٥ ح ٥٥٧ ، الوسائل ٧ : ١٢٠ أبواب آداب الصائم ب ١٢ ح ١.

(٢) إقبال الأعمال : ٨٧ ، الوسائل ٧ : ١١٨ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ٩.

(٣) تحف العقول لابن شعبة : ١٤.

(٤) في «م» ، «س» زيادة : التطلع إلى الهلال ليلة الشك وأوجبه البعض كفايةً.

(٥) الفقيه ٢ : ٦٢ ح ٢٦٩ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤ ، المستدرك ٧ : ٤٣٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٣ ح ١.

(٦) نقله عنه العلامة في المختلف ٣ : ٣٦٦ مسألة ٩٤ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٨٥.

١٣

ومنها : السحور ، فعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تسحّروا ولو بجرع الماء ، ألا صلوات الله على المتسحّرين ، إنّ الله وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحّرين» (١).

ويشتدّ استحبابه في شهر رمضان ، ثمّ مُطلق الواجب المعيّن ، وبعدهما الواجب الموسّع ، ثمّ المستحبّ.

والظاهر تضاعف فضله بتضاعف فضل ما هو له. وكلّما قرب من الفجر فهو أفضل.

وأفضله : السويق (٢) ، والتمر ، والزبيب ، والماء.

ويُستحبّ أن يكون في السدس الأخير من اللّيل.

ومنها : تعجيل الفطور ، إلا لمن لا تنازعه نفسه ، فيؤخّره عن الصلاة ، مع عدم المنتظر ، أو يعارضه مرجّح آخر.

ومنها : تقديم الصلاة على الإفطار ، إلا مع وجود المنتظر أو مُنازعة النفس ، كما في الأخبار (٣). ويلحق به حصول الضعف عن الصلاة أو غيرها من العبادات ، أو بعض المكاسب الضروريّات ، أو فساد الزاد بالتأخير ، إلى غير ذلك من المرجّحات.

ومنها : أن يقول عند الإفطار : «اللهمّ لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّله منّا ؛ ذهب الظمأ ، وابتلّت العروق ، وبقي الأجر ، اللهمّ تقبّل منّا ، وأعنّا عليه ، وسلّمنا فيه ، وتسلّمه منّا» (٤). وأن يقول طلباً للدّعوة المستجابة عند أوّل لقمة : «بسم الله ، يا واسع المغفرة ، اغفر لي» فيغفر له (٥) ، وورد غير ذلك (٦).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨٧ ح ٣٨٩ ، التهذيب ٤ : ١٩٨ ح ٥٦٦ ، أمالي الطوسي ٢ : ١١١ ، الوسائل ٧ : ١٠٣ أبواب آداب الصائم ب ٤ ح ٦ و ٩.

(٢) السويق ما يعمل من الحنطة والشعير معروف. المصباح المنير : ٢٩٦.

(٣) الوسائل ٧ : ١٠٧ أبواب آداب الصائم ب ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٩٥ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٦٦ ح ٣٧٢ ، التهذيب ٤ : ١٩٩ ح ٥٧٦ ، مصباح المتهجد : ٥٦٨ ، الوسائل ٧ : ١٠٦ أبواب آداب الصائم ب ٦ ح ١.

(٥) إقبال الأعمال : ١١٦ ، الوسائل ٧ : ١٠٧ أبواب آداب الصائم ب ٦ ح ٩.

(٦) انظر الوسائل ٧ : ١٠٥ أبواب آداب الصائم ب ٦.

١٤

ومنها : الإفطار على الحُلو ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفطر على الرّطَب في وقته ، والتمر في وقته (١) ، فإن لم يكن ، فعلى الماء الفاتر ، فإنّ الماء الفاتر يُنقّي الكبد ، ويغسله من الذنوب ، ويُطيّب النكهة والفم ، ويقوّي الأضراس ، ويسكّن العروق الهائجة ، والمِرّة الغالبة ، ويقوّي الحَدَق (٢) ، ويجلو البصر ، ويقطع البلغم ، ويُطفئ الحرارة من المعدة ، ويذهب بالصداع (٣) ، (٤). وروى استحباب الإفطار على اللّبن (٥).

ومنها : قراءة سورة إنّا أنزلناه عند الفطور والسحور ، مُقارناً أو مُقدّماً أو مُؤخّراً ، مع الاتصال على الأقوى ، روي عن زين العابدين عليه‌السلام : «أنّ من قرأها عند فطوره وسحوره ، كان فيما بينهما كالمتشحّط بدمه في سبيل الله» (٦).

ومنها : إفطاره يوم صومه لدعوة أخيه المؤمن أو أُخته المؤمنة إلى طعام أو شراب ، قليل أو كثير ، في الصوم المندوب. وربّما أُلحق به الواجب الموسّع ، حيث لا مانع من الإفطار. ولو تعارضت الدعوتان ، قُدّمت دعوة الإفطار على تأمّل.

ولو كان الغرض مجرّد إفساد الصيام ، لا تلذّذه بالشراب والطعام ، قوي رجحان الصيام.

روي عن الباقر عليه‌السلام : «من أدخل على أخيه السرور بالإفطار في يوم صومه ، حسب له بعشرة أيّام» (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٣ ح ٦ ، المحاسن : ٥٣١ ح ٧٨٢ ، الوسائل ٧ : ١١٢ أبواب آداب الصائم ب ١٠ ح ١.

(٢) المِرّة بالكسر : خلط من أخلاط البدن. المصباح المنير : ٥٦٨ ، والحَدَق واحدها حَدَقَة وهي سواد العين. المصباح المنير : ١٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٥٢ ح ٤ ، الوسائل ٧ : ١١٣ أبواب آداب الصائم ب ١٠ ح ٦.

(٤) في «م» ، «س» زيادة : وروى أنّ من أفطر على تمر حلال زيد في صلاته أربعمائة صلاة وهي في إقبال الأعمال : ١١٤ والوسائل ٧ : ١١٥ أبواب آداب الصائم ب ١٠ ح ٢٠.

(٥) التهذيب ٤ : ١٩٩ ح ٥٧٤ ، الوسائل ٧ : ١١٤ أبواب آداب الصائم ب ١٠ ح ٧ و ١٢ و ١٣.

(٦) إقبال الأعمال : ١١٤ ، الوسائل ٧ : ١٠٧ أبواب آداب الصائم ب ٦ ح ٧.

(٧) الكافي ٤ : ١٥٠ ح ٢ ، تفسير العياشي ١ : ٣٨٦ ح ١٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ١.

١٥

وعن الصادق عليه‌السلام إذا أكل ولم يخبره بصومه ، حُسب لهُ بصيام سنة (١). وعن الرضا عليه‌السلام أنّ الإفطار أفضل ، ولو بعد العصر بساعة (٢) ، ولا يبعد أن يقال باستحباب دعوته.

ويتضاعف الأجر لمن أفطر ، ولم يُخبر بصيامه ، كما مرّ. وليس له أن يقول : لستُ بصائم ؛ لأنّه كذب.

ومنها : المحافظة في شهر رمضان على أغساله ، وصلواته ، والاعتكاف ولا سيّما في العشر الأواخر ، وتعويذاته ، وحُروزه ، ومُناجاته ، ودعواته الموظّفات ، والتشاغل في أيّامه ولياليه بالذكر والدعاء ، ولا سيّما بالمأثور ، فإنّ دعاء الصائم مُستجاب ، ولو في غير رمضان.

وقراءة القرآن ، ولا سيّما السور الموظّفات لخصوص بعض الأوقات.

وإحياء ليلة القدر ، ويتحقّق باليقظة تمام اللّيل إلا ما شذّ ، مع الاشتغال بالعبادة إلا ما شذّ.

والاعتكاف ، ولا سيّما في العشر الأواخر.

وترك الهذر (٣) ، والمراء.

والصلاة ، والتدريس ، والموعظة ، وصِلة الأرحام ، وقضاء حوائج الإخوان ، وإجابة دعوتهم ؛ كلّ ذلك لمن صام فيه أو لم يصُم ، غير أنّ الصائم أكثر أجراً. ويجري هذا في كلّ صيام.

ويتضاعف أجر العمل بزيادة فضيلة الوقت ، فليلة الثالثة والعشرين أفضل من جميع ليالي شهر رمضان ، وبعدها الواحدة والعشرون منه ، وبعدها التاسعة عشر ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٠ ح ٣ و ٤ ، الفقيه ٢ : ٥١ ح ٢٢٢ ، علل الشرائع : ٣٨٧ ح ٣ ، ثواب الأعمال : ١٠٧ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٤ و ٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٥١ ح ٥ ، الوسائل ٧ : ١١٠ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٧.

(٣) هذر في منطقة هذراً خلط وتكلّم بما لا ينبغي ، المصباح المنير : ٦٣٦.

١٦

وبعدها ليالي الجُمعات منه ، والعشر الأواخر ، وللبواقي أيضا تفاوت في الفضل.

ومنها : الكون حال الصيام خصوصاً شهر رمضان في الأماكن المشرّفة ، كالمشاهد ، والمساجد ، وفي مكان الاجتماع للعبادة ؛ مع التحرّز عن الرياء ، والخضوع ، والخشوع ، وحضور القلب.

ومنها : القيلولة ، ويُراد النوم قبل نصف النهار ، على الأقوى ، وإن فُسّرت في اللغة بالنوم فيه (١). والطيب ، خصوصاً أوّل النهار.

ومنها : الاستهلال لشهر رمضان ، ولا سيّما مع عدم قيام الناس به ، وقيل بوجوبه مطلقاً (٢) ؛ ، وقيل به مع عدم القيام ، وهما ضعيفان ، بل الاستهلال مُستحبّ في سائر الشهور ، خصوصاً مالها رجحان ، كرجب وشعبان.

ومنها : ترك قول : «رمضان» فإنّه يُكره ، بل يقول : «شهر رمضان» وعُلّل في الرواية : بأنّ رمضان اسم من أسماء الله تعالى (٣). حتّى أنّه ورد : أنّ من قال «رمضان» كَفّرَ بصدقةٍ أو صيام (٤).

ومنها : ترك الشعر في شهر رمضان ؛ فإنّه يُكره فيه ليلاً ونهاراً ، كما يُكره في الحرم ، وللمُحرم ، ويوم الجمعة ، وفي اللّيل ، إلا أن يكون شعر حقّ ، وخصوصاً ما كان في أهل البيت عليهم‌السلام ؛ لورود الرخصة ، بل الأمر فيهنّ (٥) ؛ والمعارض محمول على التقيّة.

ومنها : ترك الجماع للمسافر ، والامتلاء في شهر رمضان ، ولكلّ من أُذنَ له في إفطاره لمرضٍ وغيره إلا في التقيّة ، فيقتصر على ما تندفع به ، وما كان لخوف يقتصر فيه

__________________

(١) القائلة : الظهيرة ، وقد تكون بمعنى القيلولة أيضاً ، وهي النوم في الظهيرة ، وقال الليث : القيلولة نومة نصف النهار. لسان العرب ١١ : ٥٧٧. وانظر النهاية لابن الأثير ٤ : ١٣٣ مادة قيل.

(٢) المقنعة : ٢٩٨ ، تحرير الأحكام ١ : ٨٢.

(٣) الكافي ٤ : ٦٩ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ١١٢ ح ٤٧٩ و ٤٨٠ ، معاني الأخبار : ٣١٥ ح ١ ، بصائر الدرجات : ٣٣١ ح ١٢ ، الوسائل ٧ : ٢٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٩ ح ٢.

(٤) إقبال الأعمال : ٣ ، الوسائل ٧ : ٢٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٩ ح ٣.

(٥) الآداب الدينيّة للفضل بن الحسن الطبرسي : ٥٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٩ أبواب المزار وما يناسبه ب ١٠٥ ح ٨.

١٧

على ما يندفع به الخوف.

ومنها : ترك مباشرة النساء في غير الجماع.

ومنها : ترك الاستحمام ؛ لما رُوي من كراهة دخوله على الريق (١).

ومنها : ترك الحجامة ، والفصد ، وإخراج الدم ، مع خوف الضعف. والظاهر جريانه في كلّ فعل يُخشى منه عليه الضعف.

ومنها : ترك الكحل ، والسعوط ، والتقطير بالأُذُن وإن انفصلت إلى الجوف اتّفاقاً ؛ فإنّها مكروهة. وفي السعوط ، والتقطير ، والكُحل الّذي فيه مسك أو يصل طعمه إلى الحلق ، كراهة شديدة.

ومنها : ترك السّواكُ بالعود الرّطب أصالةً ، فإنّه مكروه. وربّما أُلحق به الرطب بالعارض ، وكلّ رطب.

ومنها : ترك شمّ الرّيحان وهو كلّ نبت طيّب ، ولا سيّما النّرجِس ، وتخصيص الحكم بما يُسمّى رَيحاناً عرفاً غير بعيد والمسك ، وكلّ ذي رائحة شديدة ، فإنّها مكروهة. وما عدا ذلك يُستحبّ كما سبق ، وفي بعض الروايات التعليل في شمّ الريحان بالتلذّذ (٢) ، فقد يفيد عدم البأس في الطيب بعدمه.

ومنها : ترك ابتلاع الريق إذا اجتمع في الفم كثيراً ، أو كان فيه طعم ، فإنّه مكروه.

ومنها : ترك ابتلاع الرطوبات الخارجة من الصدر أو النازلة من الدماغ ، والأخير أشدّ كراهيةً.

ومنها : ترك ابتلاع الرطوبة العارضة للريق حتّى يبصق ثلاث مرّات ، ويقوى إلحاق دخول المذوق.

ومنها : أن لا يبادر إلى الإفطار بمجرّد مظنّة الغروب ، حيث يكون في السماء علّة ، وإن جاز له ذلك ؛ ولوجود العلّة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦٤ ح ٢٤٥ ، مكارم الأخلاق : ٥٣ ، الوسائل ١ : ٣٧٧ أبواب آداب الحمام ب ١٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٣ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ ح ٨٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ ح ٣٠١ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢.

١٨

ومنها : أن يتجنّب ما يخشى منه الأوْلَ إلى فساد الصيام أو شبهه فيه ، كملاعبة النساء ، وذَوق المطعومات والمشروبات ، والمضمضة والاستنشاق لغير الصلاة ، والسعوط ، والتقطير ، ونحو ذلك.

ومنها : ترك إظهار الصيام ، مع الخوف من الرياء ، والعُجب ، ونحوهما ، ممّا يفسد العمل ، أو ينقص ثوابه.

ومنها : ترك دخول المرأة إلى الماء حتّى يصل إلى فرجها ؛ لئلا تحتمله به. وفي إلحاق الخُنثى وممسوح الذكر بها قول (١) ، ولإلحاق المائعات بالماء وجه ، والمانع عن دخوله إلى باطن الفرج رافع للكراهة. وجلوسها في الماء أشدّ كراهة. وترك استرخاء الدُّبر فيه أولى.

ومنها : ترك المبالغة في المضمضة ، والاستنشاق ، ولو في وضوء الفريضة.

ومنها : ترك قلع الضّرس.

ومنها : ترك لبس الثوب المبلول ، ومع العصر تخفّ الكراهة ؛ وإلحاق الالتحاف به قويّ. وليس في رشّ الماء على البدن والرأس كراهة. وفي إلحاق وضع الخرقة المبلولة على بعض البدن وجه.

ومنها : ترك الاحتقان بالجامد ، بل مُطلق إدخال الشي‌ء في الدُّبُر أو الفرج ، وكذا مطلق المنافذ ، مع خوف دخول الجوف.

ومنها : ترك النظر بشهوة واللّمس للنساء ، والتقبيل ، والضمّ ، والملامسة مطلقاً.

ومنها : ترك مُعاشرة السفهاء ، وحضور مجالس البطّالين ، والهَذَر ، فلا يجعل يوم صومه كيوم فطره ، بل يكون على أفضل الأحوال من كلّ وجَه.

ومنها : ترك السفر في شهر رمضان ، إلا لعارض قويّ دنيويّ ، كحفظ مالٍ ونحوه ؛ أو أُخرويّ ، كاستقبال مؤمن ، أو تشييعه ، أو زيارة الحسين عليه‌السلام ، أو باقي الأئمّة عليهم‌السلام ، ونحو ذلك إلى ثلاثة وعشرين منه ، فيُرَخّص فيه.

__________________

(١) اختاره الشهيد في اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٣.

١٩

المبحثُ الثالث : في شرائطه

وهي قسمان :

الأوّل : شرائط الوجوب ،

وهي أُمور :

أحدها : البلوغ ، فلا يجب كغيره من العبادات على غير البالغ ، ولا يجب عليه اختبار العلامات ، ولا تحصيلها بمعالجة الإنزال مثلاً. ولو علم الفحولة من دون ظهور شي‌ء منها ، حُكم بالبلوغ على إشكال.

ويعلم بخروج المني في نومٍ أو يقظةٍ من الفرج ، من الذكور والإناث ، وبنبات الشعر الخشن على العانة في القسمين أيضاً ، وبالعدد ، وهو في الذكور بلوغ خمس عشرة سنة تامّة ، وفي الإناث تسع سنوات تامّات.

والخنثى المشكل والممسوح في العدد كالرجال ، وفي العلامتين الأُخريين يُعتبر الحصول في المكانين ، متفقتين أو مختلفتين ؛ إذ المدار على المخرج أو على الموافقة بينه وبين المصدر ، ولو حصلت إحداهما في محلّ ، وغيرها (١) في الأخر من العلامات الاتية ، فكذلك.

وبالإحبال والإيلاد للرجال والخنثى المشكل ؛ والحيض والحمل والولادة للنساء أو الخنثى المشكل.

وقد يُعلم البلوغ باجتماع أمارات تُفيد العلم ، كنبات الشعر على العارض ، وموضع الشارب ، والصدر ، والبطن ، والظهر ، والأُذن ، والأنف ، والإبط ، ونحوها ، وظهور الرائحة الكريهة الدالّة على الفحولة تحت الآباط ، أو في أُصول الأفخاذ ، ونحوها.

وشدّة الرغبة إلى الجماع ، والنظر إلى صور الحسان ، ولمسها ، وقوّة انتصاب

__________________

(١) في «م» ، «س» : غيرهما.

٢٠