كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

فيما يشترط فيه العصمة ، وفي غيرها مع وجود النجاسة فيه إشكال) (١).

ثانيها : ماء المطر ممّا يصدق عليه ذلك عرفاً ، من غير فرق بين ما جرى منه ، وما لم يجر ، وما ينزل من سحابة واحدة ، وسحاب متكاثرة ، وما يشكّ في الصدق عليه كالقطرة (٢) والقطرتين ، وما يتكوّن من الأبخرة السماوية من بعض القطرات ، وما حجبه عن السماء حاجب كبعض الغمام الداخل في بعض البيوت المبنيّة على رؤوس الجبال ، وما تقاطر من السقف بعد نفوذه في أعماقه إن لم يدخل في عموم قوله عليه‌السلام «لأنّ له مادّة» (٣) فلا يحكم عليه بحكمه.

ومتى انفصل عنه التقاطر وأصابته نجاسة مع قلّته نجّسته ، ومتى عاد طهر من دون حاجة إلى مزج.

وإذا جرى منه شي‌ء إلى باطن ظلال كان معتصماً بمادّة السماء كالماء الجاري. وحال الماء في اعتصامه بمادّة الأرض ، وانقطاعها كاتّصاله بمادّة السماء وانقطاعها.

ولو ترشّح ماء ممّا يقع على نجاسة العين مع بقاء التقاطر فلا بأس به ، ولو وقع على أرض متنجّسة حكماً طهّرها ، وطهر باطنها بما وصل إليه من رطوبة الماء المعتصم ، وهو عاصم لما اتّصل به من الماء ، مطهّر لما وقع فيه ، معصوم لا ينجس إلا بالتغيير ، فلو تغيّر بعض دون بعض اختصّ بالتنجيس.

ولا فرق فيه بين الجريان وعدمه وإن كان الاقتصار عليه أحوط ، ولو علم النزول ، فشكّ في الانقطاع أو بالعكس أخذ بالاستصحاب. والمشكوك في صدق العرف عليه بمنزلة ما علم عدم صدقه.

ولا يحتاج فيه ولا في سائر المعتصمات كما مرّ عصر ، ولا تعدّد ولا تراب ولا جريان في محلّها ، ولا فرق فيه بين ما نزل على الاستقامة ، وبين ما أخذه الريح إلى غير مسامته.

ثالثها : الماء المعصوم ، بالاعتصام بإحدى المياه المعصومة من ماء جاري أو ماء مطر أو كر فما زاد

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ح» : بطهارته ، وفي إلحاق هذه الأقسام به إشكال.

(٢) في «ح» : كالمقطّرات.

(٣) الوسائل ١ : ١٠٥ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١٢ وباب ١٤ ح ٧.

٤٠١

أو ماء بئر على القول بعصمته بالاتّصال بها ولو بواصل ضعيف من دون حاجة إلى الامتزاج مع علوّ سطح العاصم قياماً أو تسريحاً أو مساواته أو علوّ المعصوم عليه تسريحاً (١) لا قياماً (٢) فتجري العصمة فيه تبعاً.

ولو حصلت العصمة بالمجموع وتساويا سطحاً أو اختلفا تسريحاً لا قياماً مع اتّصالهما ولو بواصل ضعيف عصم كلّ منهما صاحبه.

وفي الاختلاف القيامي وما يشبهه يعصم العالي السافل دون العكس ، والحاصل أنّ العالية والسافلة تسريحاً ، والمتساوية ، سطوحاً يعصم ويتقوّم بعضها ببعض ، ويطهّر وينجّس بعضها بعضاً ، وكذا العالي قياماً يفعل بالسافل ذلك ، ولا يفعل السافل فيه شيئاً على الأقوى.

وإذا كان قائماً في شاذروان ونحوه كانا واحداً ، وإذا كانا مستقلّين فلكلّ حكمه ، فإذا فتح بينهما واصل ولو ضعيفا عصما أو تعاصما على نحو ما مرّ.

وأمّا الرشح الواصل من أحدهما إلى الأخر ، فإن كان على نحو النبع جرى فيه الاعتصام ، وإلا فلا. فمتى اتّصل شي‌ء من الماء بماء مطر أو جار أو كرّ فما زاد مثلاً على الشرط السابق اعتصم به ، وطهر إن كان متنجّساً بغير التغيير أو به وقد زال.

والشكّ في وجود الواصل بعد عدمه ، وفي عدمه بعد العلم به يرجع إلى الاستصحاب ، وإذا انقطع عمود الواصل بتغيّر بالنجاسة بطل حكم الوصل ، ومتى انفعل شي‌ء بالتغيير من المعصوم وغيره ، وزال بالاتّصال أو غيره قضى العاصم بتطهيره.

رابعها : الكرّ من الراكد ، وفيه بحثان :

[البحث] الأوّل : في بيان معناه وكيفيّته ، وهو في اللغة مكيال معروف ، ويختلف المكيل به وزناً باختلافه صلابة ورخاوة وثقلاً وخفّة ، ولضبطه بالنسبة إلى الماء لغة وشرعاً طريقان ، إذا حصل أحدهما جرى الحكم فيه ، فلا تعارض بينهما وإن اختلفا

__________________

(١) في «ح» زيادة : لا يشبه القيام.

(٢) في «ح» زيادة : ولا تسريحاً يشبهه.

٤٠٢

فاحشاً ، واختلفت الخصوصيّات في كلّ منهما الغي (١) اعتبار الاختلاف :

أحدهما : الوزن ، وهو ألف ومائتا رطل بالعراقي القديم الذي هو عبارة عن مائة وثلثين درهماً كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة ، فهو واحد وتسعون مثقالاً شرعيّاً عبارة عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، فهو عبارة عن ثمانية وستّين مثقالاً صيرفيّاً وربع.

والدرهم ستّة دوانق ، والدانق ثمان شعيرات ، والشعيرة عرضها سبع شعرات متوسّطات من شعر البرذون ، لا الرطل المدنيّ الذي يكون العراقي ثلثيه ، ولا المكيّ الذي يكون العراقيّ نصفه ، وتسعة أرطال العراقي صاع ، والصاع أربعة أمداد ، فالمدّ رطلان وربع ، والصاع عبارة عن ستّمائة مثقال صيرفي وأربعة عشر وربع.

ولمّا كانت الأوقية بالعطّاري في النجف الأشرف على مشرّفه أفضل التحيّة والسلام خمسة وسبعين مثقالاً صيرفيّاً كانت الحقّة التي هي عبارة عن أربعة أواق بذلك العيار ثلثمائة (٢) مثقال صيرفي ، والوزنة أربعة وعشرين حقّة ، فيكون بعيار العطّاري أحد عشر وزنة وتسع حقق ، ولمّا كان العطّاري ثلاثة أرباع البقّالي أوقية وحقّة ، وما تفرّع عليهما كان الكرّ ثمان وزنات ونصف وثلاث أواق.

والأقرب في الضبط مراعات المثقال الشرعي الذي هو عبارة عن الذهب الأفرنجيّ ذي الصنمين ، وهو المسمّى بالدينار ، إذ لم يختلف في جاهليّة ولا إسلام إلا نادراً لا عبرة به فإنّه نقل أنّ العتيق يزداد على الجديد شيئا يسيراً (٣) ؛ لأنّ الأواسط من الشعرات ، وحبّ الشعير لا ضبط لها.

ولو اختلف الوزّانون أخذ بالترجيح عدالة وضبطاً ، ولا فرق بين صافي الماء ومخبوطه من الأصل دون العارضي كأن يوضع عليه تراب أو طين أو ماء مضاف ونحوها ، ولا بين خفيفه وثقيله ؛ ولو لوحظ الإسقاط من الوزن بمقدار الخليط مطلقا

__________________

(١) في «م» ، «س» : لأنّ الشرع ألغى.

(٢) في «م» ، «س» : ستّمائة.

(٣) التقود الإسلاميّة للمقريزي : ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٣ ، ١٧.

٤٠٣

كان أولى.

ويكتفى بالعدل فضلاً عن العدلين في ثبوته ، وبإخبار صاحب اليد ولو كان فاسقاً ، والحدس مع الاطمئنان يقوم مقام الميزان ، وما شكّ في بلوغه المقدار أو في نقصه بعد البلوغ عوّل فيه على الأصل.

ولو كان الكرّ تامّاً لا زيادة فيه ، وفيه عين نجاسة ، فإن تناولها وحدها ولم تستتبع نقصاً بقي على طهارته ، وإن تناولها مع قدر من الماء كان المأخوذ نجساً والباقي طاهراً.

وكلّ نجاسة أصابته وتشرّبت بشي‌ء منه أو غيّرت منه شيئاً نجّسته ، ولو كان أكثر من كرّ بقليل فوضع عليه خليط من مضاف أو من بول ونحوه فاستهلك فيه حفظاً له عن النقص بالاستعمال لم يكن بأس. ولو اجتمع من ماء متنجّس بقي على نجاسته.

ثانيهما : المساحة ، وهو ما بلغ تكسيره سبعة وعشرين شبراً بشبر أدنى أفراد مستوي الخلقة ، وهو مقدار ما بين طرف الإبهام والخنصر ، فإذا تساوت الأبعاد الثلاثة كان كلّ واحد ثلاثة (أشبار ونصفاً) (١) وإذا اختلفت لوحظ بلوغ المكسّر بأيّ نوع اتّفق اثنين وأربعين مربّعاً ، طوله شبر ، وعرضه شبر ، وعمقه شبر ، وسبعة أثمانه ، ولا يخلو من قوّة.

وما عداهما من القول بمائة شبر أو عشرة ونصف وغيرهما أوهنُ من بيت العنكبوت ، ولو أراد اختيار بعض بالأشبار ، وبعضاً بالوزن فيزن ستّمائة رطل ، ويمسح واحداً وعشرين شبراً ، وثلاثة أثمان ونصف ، وهكذا لم يكن بأس على إشكال.

البحث الثاني : في بيان أحكامه ، وهي أُمور :

منها : أنّه لو تولّى الوزن والمسح واحد فاختلفا أخذ بالأتمّ ، (ويحتمل الناقص ، ويحتمل التخيير ، فلو اختار شيئاً لم يعدل إلى غيره ، ويحتمل جواز العدول) (٢) ولو كان الاختلاف بين اثنين أخذ كلّ منهما بوفق عمله ، ولو علم

__________________

(١) ما بين القوسين لا يوجد في «س» ، «م» وفي «م» زيادة : وإذا اختلف بلوغ المكسّر فمتى بلغ الماء سبعة وعشرين مربّعاً طوله شبر وعرضه وعمقه شبر فذلك الكرّ وفي المشهور أنّه ما بلغ مكسّراً اثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان الشبر ، فإذا تساوت الأبعاد الثلاثة كان لكلّ واحد ثلاث أشبار ونصف وإذا اختلف.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٤٠٤

بحال الاخر المختبر بالطور الأخر تخيّر.

ولو اختبر بنوع فاختلفا عمل كلّ على رأيه ، ولو علم أحدهما بأنّ ذلك أصغر شبراً ولم يخرج شبره عن المعتاد جاز له العمل عليه ، وحال الصفاء وخلافه هنا كحاله في الوزن ، والظاهر اختلاف الأشبار باختلاف الأعصار.

ومنها : أنّه يكفي في إثباته خبر العدلين ، بل العدل الواحد ذكراً أو أُنثى ، ومع التعارض يلحظ الترجيح عدالة وكثرة وضبطاً ومع التعادل تقدّم شهادة المثبت ، وخبر ذي اليد ولو كان فاسقاً مقبول ، ومع الكثرة يؤخذ بالترجيح ، وتقديم المثبت وإن قلّ هنا غير خال عن الإشكال ، وإن كان هو الأقوى. وإذا تعارض ذو اليد فاسقاً والعدل قوي تقديم ذي اليد عليه ، بخلاف العدلين. وفي تقديم قويّ اليد على ضعيفها وجه.

ومنها : أنّه لا يطلب من الشاهدين بها الاستفصال ليعلم مذهبه أو مذهب من قلّده ، ولو كان جاهلاً طلب منه التفسير ، والتقدير على الطريقين تحقيق في تقريب لا تحقيق ولا تقريب ، وعليه تبنى أكثر التقديرات في زكاة أو خمس أو مسافة أو محلّ ترخّص ونحوها.

ومنها : أنّه لو جعل مسح الأشبار بشبر شخص أو أشبار أشخاص ، ولم ينقص شي‌ء منها عن العادة لم يكن بأس ، وليس عليه الإغراق في حد مدّ الإصبعين ، ولا يجزي مع الرخاوة ، بل يأتي بتقديرهما على وجه الاعتدال ، ولو مسح بشبر فنقص شيئاً ، وعلم بأنّه لو مسح بأصغر منه ممّا يدخل في الأشبار المعتادة تمّ الحساب ، تمّ الحساب.

ومنها : أنّه لو اتّصل ماء القِرَب أو غيرها من الأواني من أفواهها ، وكان ما في بطونها كرّاحين الاتّصال اعتصم بعض ببعض.

خامسها : ما نقص عن الكرّ من الراكد الغير المعتصم.

وهذا ينجس بملاقات النجاسة ، وإن كان كرؤوس الإبر من الدم والمتنجس في غير الاستنجاء الجامع للشرائط والرطوبة ، والقطرات المتخلّفة بعد تمام الغسل بالمغسول أو توابعه ، من غير فرق بين الورودين ، مع اشتمال الماء عليها ، ودخولها فيه أو بالحصول على سطحه أو سطح ما اتّصل به من الأعلى وإن كان قياماً. فيتنجّس الأسفل

٤٠٥

بنجاسته الأعلى قياماً أو تسريحاً ، والأعلى بالأسفل في التسريح الضعيف دون القيام ، وما يشبهه. فالسراية من المساوي إلى المساوي ، ومن الأعلى بقسميه إلى الأسفل ، ومن الأسفل تسريحاً لا قياماً إلى الأعلى.

وهذا الحكم متمشّ بالمضاف ، والمائعات ، والمشكوك في كرّيته.

وكلّ مشكوك في عصمته يحكم بنجاسته ما أصابته النجاسة منه ، إلا مع العلم بثبوت الوصل بالعاصم والشكّ في زواله ، ولو شكّ في الإصابة حكم بنفيها.

ويقبل فيها كالمتنجّسة بباقي النجاسات خبر العدلين ، وصاحب اليد وإن كان فاسقاً ، وفي قبول قول العدل الواحد وإن كان أنثى قوة.

والملاقي بما (١) حكم بنجاسته شرعاً كالخارج قبل الاستبراء يجري فيه الحكم ، بخلاف الملاقي لما يجب اجتنابه في الطهارة مثلاً من غير حكم عليه بالتنجيس ، كواحد من المشتبهين المحصورين.

ولو سبقت له حالتان كرّية وقلّة ، وجهل وقت الإصابة بنى على الطهارة ، جهل تأريخهما معاً أو تاريخ أحدهما خاصّة.

سادسها : ماء الاستنجاء من غير المعتصم من البول أو الغائط الخارجين من المخرجين الطبيعيّين وإن لم يكونا معتادين أو من غيرهما مع الاعتياد مع انسدادهما وعدم الانسداد وهو مستثنى من حكم الغسالة ، يحكم بطهارته لا مجرّد العفو عنه ، فيجوز به رفع الحدث والخبث بشروط :

أوّلها : ورود الماء على المحلّ ولو بالإجراء على ما قاربه من الجانب الأعلى ، فلا يعتصم مع مساواته أو أسفليّته.

ثانيها : ألا يتغيّر بالنجاسة في إحدى الصفات على التفصيل المتقدّم ومع الشكّ في تغييره يحكم بطهارته.

ثالثها : ألا يكون خليط من دم أو منيّ بارزين معهما إلى الخارج ، فلو انفصل عنهما ،

__________________

(١) في «س» ، «م» : لها.

٤٠٦

وبقيا داخلاً فلا تأثير لهما.

رابعها : ألا يصيبهما أو محلّهما نجاسة من خارج ولو من الخارج ، فإن أصاب بعضاً دون بعض فلكلّ حكمه.

خامسها : أن يكون المغسول غير متعدّ حتّى لا يخرج غسله عن اسم الاستنجاء ، فلو خرج بعض دون بعض كان لكلّ حكمه.

سادسها : أن يكونا خارجين من المخرجين الطبيعيّين أو المعتادين وفي الخنثى مع الخروج من غير المعتاد إشكال.

سابعها : أن يكون مقصوداً به الغسل فلو اتّفق عن غير قصد لم يجرِ فيه الحكم أخذاً بالمتيقّن (وقد يشعر به لفظ الاستنجاء) (١).

ثامنها : أن يحصل به التطهير ، فلو طهر البعض مقتصراً لم يدخل فيه ، وفي هذين الشرطين بحث.

تاسعها : أن يكون المستنجي مسلماً ، فلو كفر في الأثناء أو أسلم في الأثناء ولم يحصل اختلاط كان لكلّ حكمه.

عاشرها : أن لا يكون منه أجزاء مرئيّة.

(حادي عشرها : حياة من غسل موضع نجوه ، فلو خرج أحدهما من الميّت بعد تطهيره لم يجر الحكم على غسالته.

ثاني عشرها : ألا يصاحبه شي‌ء محترم قصد هتك حرمته كاسم الله أو شي‌ء من القرآن مكتوبين على خاتمه مثلاً ، وقصد إهانتها) (٢).

وأمّا اشتراط سبق الماء على اليد واستمرار اليد على المحلّ حتّى يطهر وعدم زيادة الوزن بالاستنجاء واستمرار الغسل وعدم انقطاعه ، فلا وجه له. وحكمه مختصّ بالإنسان ذَكَرَهُ وأُنثاه صغيره وكبيره ، وفي اشتراط بقاء الحياة ، حتّى أنّه لو خرج من الميّت بعد تغسيله أحد الخبثين وغُسِلا ، ففي إجراء الحكم وعدمه ، وجهان أقواهما الثاني.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : ومع تمام التطهير يحتمل الاكتفاء به.

(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».

٤٠٧

وفي مسألة المتعدّد على الحقو الواحد ، مع كفر أحدهما يجي‌ء البحث في أمر الاستنجاء كما يجي‌ء في مسألة العفو عن الدماء.

ولا فرق بين أن يتولّى الغسل بنفسه وبين أن يتولاه غيره ، ولا فرق فيه بين المنفصل إلى الأرض وغيره ، وفي كونه معصوماً من حين الاتّصال إلى ما بعد الانفصال ، أو ينجس حين الاتّصال ، ويطهره الاتّصال بنحو السيلان أو التقاطر أو الترشّح وجهان ، أقواهما الثاني.

والمشكوك في كونه ماء استنجاء نجس. وحكم المشتبه قبل الاستبراء حكم البول ، ولو تكرّر الاستنجاء بالماء مراراً مع جمع الشرائط لم يتغيّر الحكم.

سابعها : ماء الحمّام ، والظاهر أنّه لا اعتبار لصفة الحمّاميّة في طهارة أو نجاسة أو تطهير أو تنجيس ، بل كلّما كان على وضعه يساويه ، فجاريه حكم الجاري ، وراكده حكم الراكد ، وكرّه ككرّه ، وقليله كقليله ، فغسالة ما علمت نجاسته من محالّه نجسة ، وغسالة ما لم يعلم حاله طاهرة ، من جاري على سطحه أو منتفع (١) ، داخلاً وخارجاً في جيّة وغيرها. ولا اعتبار بالمظنّة في شي‌ء منها.

وما وضعت حياضه كوضع حياضه يجري في حياضه ما يجري في حياضه ، فإن كان حوضان بينهما واصل سابق أو حادث بعد وضع الماء ولو ضعيف متساويا السطحين وكان كلّ منهما كرّاً أو غير كرّ فالحكم واضح ، ولو كان أحدهما فقط كرّاً اعتصم الأخر به عن تأثر كلّ نجاسة لا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة ، ما لم يقطع عمود الواصل قاطع يغيّر نجاسته.

ولو حصلت كريّة من مجموعهما حكم عليهما بحكم الماء الواحد ما لم يكن قاطع ، ومع اختلاف السطحين علوّاً قياميّاً ؛ لأنّ التسريح كالتساوي.

وإن كانت العصمة للأعلى اعتصم بها الأسفل ما دام الاتّصال ، فإن انقطع انقطعت ، وإذا عاد عادت ، فالأعلى في حقّ الأسفل رافع دافع لحكم ما عدا التغيير.

وإن كانت العصمة للأسفل دون الأعلى لم ترفع عن الأعلى ولم تدفع ، وإن كانت العصمة للمجموع دون الآحاد لم يعتصم الأعلى بالأسفل ، وفي اعتصام الأسفل

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر أنّ الصحيح : منقطع ، أو مرتفع.

٤٠٨

بالأعلى قوّة.

ولو علم إصابة النجاسة الغير المغيرة فما كان بينه وبين العاصم واصل ولم يعلم أنّها حين الوصل أو القطع بنى على الطهارة مع جهل تاريخهما ، وتاريخ أحدهما على الأقوى. ولو رأي الأسفل القليل ، ولم يعلم بوصف الأعلى بنى على عصمته ، مع الاطّلاع على استعمال المسلمين بوجه يراد فيه الطهارة.

ويتبعه النظر في آداب كثيرة ، واجبات ومندوبات ومكروهات.

وينحصر البحث في ثلاث مقامات ، وأحكام التوابع :

[المقام] الأوّل : في الواجبات وهي أمور :

الأوّل : حبس النظر واللمس عن عورة المماثل وغير المماثل الأرحام وغير الأرحام وأهل الإسلام وغير أهل الإسلام ، من الذكور أو الإناث ، سوى من لم يبلغ خمس سنين ، والأحوط الثلاث.

ووجوب سترها عن كل ناظر سوى الزوج والزوجة ، والمملوك (١) والمملوكة ما لم تكن محلّلة والمحلّلة للمحلّ له مع الإطلاق في تحليل الجماع أو النظر أو تخصيصها دون تخصيص غيرها ، ومنعها عن اللامس أقوى من النظر من عاقل وغيره صغير مميّز وكبير ، ويقوى استثناء ذي الثلاث سنين في اللمس.

وهي واحدة للممسوح ، وللذكر المقطوع الذكر (٢) ، الخصيتين ، وثنتان للمرأة ، ومقطوع إحداهما من الذكر ، وكليهما من الخنثى ، وثلاث للذكر ومقطوع أحدهما من الخنثى ، وأربعة للخُنثى ، وإن علمت ذكوريتها ؛ لأنّ مدار حرمة النظر على التسمية ومجرّد الصورة على الأقوى والأظهر.

ومن فقدهما جميعاً وبوله وغائطه يخرجان من ثقب أو ثقبين أو من فمه والعياذ

__________________

(١) بدلها في «ح» : المالك.

(٢) في س» ، «م» زيادة : و.

٤٠٩

بالله تعالى فلا عورة له ، ولا ستر عليه ؛ ويحتمل مراعات المكان عوض المكين.

وعورة المصلّي أعمّ من عورة النظر ؛ لأنّ بدن المرأة والخُنثى المشكل ، والممسوح ممّا عدا الوجه ، والكفّين ، والقدمين ممّا تحلّه الحياة وغيره عورة في الصلاة يجب سترها بساتر ، مع وجود بصير أو مبصر أو عدمهما ، وقد مرّ مفصّلاً في محلّ آخر.

ويستوي بدن الرجل والمرأة ممّا عدا المستثنى في حرمة النظر واللمس من غير المحرم والمماثل ومن نقص عمره عن خمس سنين أو لم يصل إلى حدّ التلذّذ به من غير اضطرار ، ولا اختيار لقصد النكاح فإنّه يجوز في الأوّل مطلقاً ، وفي الثاني في بعض الصور ؛ إلا أن التستّر واجب عليها فقط ، وحرمة حبس النظر مشتركة بينهما.

والمراد بالستر ستر اللون دون الشكل ، فيكتفي بستر الطين أو النورة عن الناظر ، والنظر بالارتسام بالمرأة وبعض الأشياء الصيقلة وبواسطة الجسم الشفّاف من بلور أو زجاج أو ملبوس وإن أخفى لونه ، كالنظر بلا واسطة وإن تفاوتت العقوبة.

وظاهر العورة في القسمين عورة ، والمقطوع في القسمين إن كانت له صورة تكشف عن مبدئه لحقه الحكم ، وإلا فلا.

ومقطوع الشعر والأظفار ومقلوع الأسنان الأقوى عدم تعلّق التحريم به ، بخلاف الأعضاء التامّة ، وما بين نصف الساق إلى السرّة لا عورة فيه ، سوى ما ذكر من كفل وعصعص وفخذ وشعر محيط بالعورة أو غير محيط.

وتحريم النظر بل اللمس بل الوطء من حقوق الله ، فلا يجب طلب الإبراء ممّن تعلّقت به ، ولا من زوجها ، ولا من مالكها ، وإن كان الاحتياط فيه. ولو جذبت شيئاً منها عن محلّها إلى غيره أو من الغير إليه بقي حكمه السابق.

والذي يظهر اشتداد الحرمة بمقدار الاحترام أو بالمحرميّة على اختلاف مراتبها. ولو لم يمكن إلا ستر واحد قَدّمَ الذكر والفرج مع ستر الأليتين الدبر ، وإلا تساوت ، ولو قدر على ستر بعض العورة دون بعض اقتصر على الممكن ، وفي ترجيح الذكر على البيضتين وأعلاه على أسفله وجه.

الثاني : حبس النظر واجتناب اللمس من المماثل والمحرم لمماثله ومحرمه عن جميع

٤١٠

بدنه ما حلّته الحياة وما لم تحلّه وقد تلحق به الصور وفروج البهائم بتلذّذ أو ريبة ، من ذكر لمثله أو أنثى لمثلها ، ولا يجب على المنظور مثلاً هنا التستّر ، لكن يجب عليه زجر الناظر ومنعه من باب النهي عن المنكر ، ومتى وقع نظره على محرم وجب حبسه ، وإذا اجتمع من يجوز النظر إليه مع من لا يجوز وجب التجنّب إلا للاختبار.

الثالث : عدم الإسراف في الماء ، أو المكث والبقاء زائداً على المعروف حتى يدخل في المنكر ، ولا يلزم صاحب الحمّام بإخلائه على سبيل القهر ، ولا يفسد مائه بالتغوّط فيه أو البول أو غسل النورة أو الاستنجاء من الغائط الكثير أو غسل بعض القذارات على وجه يخرج عن المتعارفات ، ولا يلقي بدنه بشدّة في الماء حتّى يبعث على إراقته أو الخوف على ابنيته.

الرابع : ألا يدخل الأبعد تسليم أجرته أو العلم برخصته أو الإخبار بعدم مبادرته ، وأن يكون بدنه خالياً عن الأمراض المسرية ، وأن لا يخفي شيئاً ممّا يعلم أنّه لو علم به صاحب الحمّام لمنعه من دخوله.

المقام الثاني : في المندوبات

يستحبّ دخوله لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «نعم البيت الحمّام يذكر النار ، ويذهب بالدرن» (١) أي الوسخ ، وربّما كان فيه تنبيه على تأكّد استحباب دخوله بشدّة حرارته ، وزيادة الوسخ فيمن دخله ، ثمّ يستحبّ فيه أمور :

منها : أن يكون يوماً ويوماً لا ، لقوله : عليه‌السلام : «الحمّام يوم ويوم لا» (٢) وفيه وجوه من الإعراب.

ومنها : إدمانه للجسيم إذا أراد تخفيف لحمه.

ومنها : الاتّزار عند دخوله وفي حال مكثه وعند غسله ، مع أمن الناظر وعدمه.

ومنها : السلام من المتّزرين.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٩٦ ح ١ ، الفقيه ١ : ٦٣ آداب الحمّام ح ٢٣٧ ، الوسائل ١ : ٣٦١ أبواب آداب الحمّام ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٩٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٦٥ آداب الحمّام ح ٢٤٧ ، الوسائل ١ : ٣٦١ أبواب آداب الحمّام ب ٢ ح ١.

٤١١

ومنها : أن يكون على الحالة الوسطى من الشبع والجوع.

ومنها : أن يطعم شيئاً قبل دخوله فيما مضى من يومه.

ومنها : دخوله يوم الأربعاء وإن كره التنوّر فيه.

ومنها : التعمّم عند الخروج منه صيفا وشتاءً.

ومنها : أن يقال للخارج منه : «أنقى الله غسلك» فيجيب بقوله : «طهّركم الله» أو يقال له : «طهر ما طاب منك ، وطاب ما طهر منك» أو يقال له : «طاب حمّامك» فيجيب بقوله : «أنعم الله بالك».

ومنها : وضع الماء الحار على هامته ورجليه ، وابتلاع جرعة منه ، والظاهر رجحانها قبل الدخول فيه.

ومنها : سؤال الجنّة ، والاستعاذة من النار في البيت الثالث.

ومنها : اللبث في البيت الثاني ساعة.

ومنها : صبّ الماء البارد على القدمين بعد الخروج ؛ لأنّه يسلّ الداء.

ومنها : الابتداء بالبسملة والحمدلة عند الدخول ، بل عند الشروع في كلّ عمل يريده فيه ؛ لعموم الابتداء بهما في جميع الأعمال (١).

ومنها : الدعاء عند نزع الثياب بقوله : «اللهمّ انزع عني ربقة النفاق ، وثبّتني على الإيمان».

وإذا دخل البيت الأوّل بقوله : «اللهم إنّي أعوذ بك من شرّ نفسي وأستعيذ بك من أذاه».

وإذا دخل البيت الثاني بقوله : «اللهمّ أذهب عني الرجس النجس ، وطهّر جسدي وقلبي».

وإذا دخل البيت الثالث بقوله : «نعوذ بالله من النار ، ونسأله الجنّة» يردّدها حتّى يخرج من البيت الحار.

ومنها : صلاة ركعتين شكراً على سلامته بعد الخروج منه ، ويتبعها أُمور :

__________________

(١) عدّه الداعي : ٢٦٠ ، البحار ٧٦ : ٣٠٥ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١١٩٤ أبواب الذكر ب ١٧ ح ٤.

٤١٢

أحدها : المداومة على ذكر النار والجنّة.

ثانيها : خضاب اللحية خصوصاً للنساء ، وللقاء الأعداء ، وأدناه الصفرة وأوسطه الحمرة ، وأفضله السواد ، وعنه عليه‌السلام : «درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم في سبيل الله ، وإنّ فيه أربعة عشر خصلة ؛ يطرد الريح من الأذنين ، ويجلو الغشاء عن البصر ، ويلين الخياشيم ، ويطيب النكهة ، ويشدّ اللثة ، ويذهب بالغشيان ، ويقلّ وسوسة الشيطان ، وتفرح به الملائكة ، ويستبشر به المؤمن ، ويغيظ به الكافر ، وهو زينة ، وهو طيب ، وبراءة في قبره ، ويستحيي منه منكر ونكير» (١).

وفي أُخرى : «ويجلو البصر ، ويذهب بالضنا» (٢) أي المرض.

والظاهر أنّ الكتم وحده أو مع الحنّاء ، له مزيد رجحان ، واستحبابه للمرأة في الكفّين لا كلام فيه ، ويقوي رجحانه للرجال للتزيّن للنساء.

ثالثها : خضاب الأظفار بالحنّاء ، ولا يبعد رجحان خضاب الكفّين مطلقاً.

ومنها : طلي موضع النورة بالحنّاء.

رابعها : غسل الرأس بالسدر ؛ ليجلب الرزق ويندفع عنه الهمّ وتذهب عنه وسوسة الشيطان سبعين يوماً ، فلا يعصي الله ، ومن لم يعص الله سبعين يوماً دخل الجنّة.

خامسها : غسل الرأس بالخطمي لينفي فقره ، ويزيد رزقه ، ويذهب درنه وأقذاره ، وليكون له نشره ، ويطهر رأسه ، ويأمن من صداعه ، ويبرء من فقره.

سادسها : طلي العانة بالنورة والقيام حالته ، وهو أفضل من الحلق ، والحلق أفضل من النتف.

وتستحبّ المداومة عليها ، ولو في كل يومين ؛ لأنّها طهور ، فإن أخّر فليكن إلى خمسة عشر ، فإن أخّر فليكن إلى عشرين أو واحد وعشرين على اختلاف الروايتين (٣) ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٨٢ ح ١٢ ، الخصال ٢ : ٤٩٧ ، ثواب الأعمال : ٣٨ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٤٠١ أبواب آداب الحمّام ب ٤٢ ح ١.

(٢) ثواب الأعمال : ٣٨ ح ٣. الخصال ٢ : ٤٩٧ ، الوسائل ١ : ٤٠٢ أبواب آداب الحمّام ب ٤٢ ح ٢.

(٣) الخصال : ٥٠٣ ح ٧ ، الكافي ٦ : ٥٠٦ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٣٧٥ ح ١١٥٧.

٤١٣

فإن لم يكن عنده شي‌ء فليقترض على الله تعالى.

وروى «أنّ من أتي عليه أربعون يوماً ، ولم يتنور فليس بمؤمن ، ولا مسلم ، ولا كرامة ، وأنّ من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يترك حلق عانته فوق الأربعين ، فإن لم يجد فليستقرض بعد الأربعين ولا يؤخّر ، ولا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تدع ذلك عشرين يوماً» (١).

ويستحبّ أن يطلي من قرنه إلى قدمه ، وأن يتبعه بالحنّاء ليأمن من الجنون ، والجذام والبرص.

ويستحبّ خضاب الكفّين ، والأظافير بعدها ، والظاهر استحباب خضاب الكفّين مطلقاً ، ويشمّ ممّا يدل على خلافه رائحة التقيّة. ويتأكّد استحباب الاطلاء بالصيف ، فإن طليت فيه تعدل عشراً في الشتاء.

ويستحبّ الأخذ من النورة وشمّها والوضع على طرف أنفه قائلا : «رحم الله سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة».

ومن فوائدها أنّها طهور ، ونشرة ، ومانعة عن طول شعر الجسد القاطع لماء الصلب المرخي المفاصل المورث للضعف ، والسل ، وأنّها تزيد في ماء الصلب ، وتقوي البدن ، وتزيد في شحم الكليتين ، وتسمن البدن.

ويستحبّ الدعاء عند الاطلاء بها ، والمأثور دعاء طويل (٢) ، وفيه أنّه من قاله طهّره الله من الأدناس في الدنيا ، ومن الذنوب ، وبدّله شعراً لا يعصي ، وخلق الله تعالى بكلّ شعرة من جسده ملكاً يسبّح له إلى أن تقوم الساعة ، وإنّ تسبيحة من تسبيحهم تعدل ألف تسبيحة من تسبيح أهل الأرض.

ويكره التنوّر يوم الأربعاء ، والظاهر عدم دخول ليلته ، وورد فيه وفي يوم الجمعة أنّه يورث البرص (٣) ، وهو معارض في حقّ يوم الجمعة ، والظاهر عدم الكراهة فيها ،

__________________

(١) الخصال : ٥٠٣ ح ٧ وص ٥٣٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٥٠٧ ح ١٥.

(٣) الوسائل ١ : ٣٩٨ أبواب آداب الحمّام ب ٤٠ ح ١ ٤.

٤١٤

ويكره بوله جالساً إلى غير ذلك من الملحقات ، ويطلب من محالها.

ومن الوظائف التي ينبغي المحافظة عليها أن يتذكّر النار لحرارة هوائه ، والحميم لحرارة مائه ، والمحشر بلبس إزاره ، وفقر الآخرة بخلوّ يده وافتقاره ، والحساب بمحاسبة أجرته ، والقبر بضيقه وظلمته ، ويتأمّل في قذاراته ونقصه بالاطلاع على معايبه وعورته.

ويستحضر وقت احتضاره إذا استلقى على قفاه لإزالة أقذاره ، وبتقليب الدلاك في تطهيره وغسله تقليب المغسّل عند مباشرة غسله ، وبأصوات العملة أصوات الملائكة الموكلة ، إلى غير ذلك ممّن تأمّل هاتيك المهالك ، ثمّ بعد الفراغ من الحساب ، وإزالة القذر ، ولبس الثياب يكون كالفارغ من العقبات الداخل في الجنات إلى غير ذلك من الملاحظات.

المقام الثالث : في مكروهاته

وهي عدّة أُمور :

منها : إدمانه لغير من أراد تخفيف اللحم.

ومنها : الكون بلا مئزر حين دخوله ، مع أمن الناظر وعدمه ، ولا سيّما إذا دخل الماء أو اغتسل.

ومنها : الابتداء بالسلام لمن لم يكن عليه مئزر ، وكأنّه في موضع التخفّي عن الناس ، فيجري في سائر التحيّات بل سائر الكلام.

ومنها : الإذن لحليلته في الدخول إلى الحمّام ، كما في الإذن للأعراس والماتم ، ولبس الثياب الرقاق ، والظاهر أنّ الجميع لخشية حصول العوارض من استعمال الملاهي ، والغناء ، والغيبة أو للنوح بالباطل أو استماعها ، والتعرّض لأن ينظر إلى عورة الغير ، وينظر إلى عورتها.

ومنها : دخوله على الريق وعلى الجوع والبطنة ومنها : دخول الوالد مع ولده وبالعكس.

ومنها : الاستلقاء على القفاء ، والاضطجاع على أحد الجانبين.

ومنها : إخلائه لواحد.

٤١٥

ومنها : دلك الوجه بالمئزر ؛ لأنّه يذهب ماء الوجه.

ومنها : غسل الرأس بطين مصر ؛ لأنّه يذهب بالغيرة ، ويورث الدياثة ، وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تغسلوا رؤوسكم بطينها ، ولا تأكلوا بفخارها ؛ فإنّه يورث الذلّة ، ويذهب بالغيرة» (١).

ومنها : غسل الرأس بمطلق الطين ؛ لأنّه يسمّج الوجه ، وفي حديث «يذهب بالغيرة» (٢).

ومنها : التدلّك بمطلق الخزف ؛ لأنّه يورث البرص ، وفي آخر الجذام (٣) ، وفي آخر يبلي الجسد (٤) ، قيل وروي إنّ ذلك طين مصر ، وخزف الشام (٥).

ومنها : صبّ الماء البارد على نفسه لأنّه يضعف البدن.

ومنها : التدلّك بخزفة من الحمّام ، فقد روي أنّ من فعل ذلك فأصابه البرص فلا يلومنّ إلا نفسه (٦).

ومنها : الاغتسال بغسالته.

ومنها : السواك فيه ؛ لأنه يورث وباء الأسنان.

ومنها : تسريح الشعر فيه ؛ لأنّه يضعّفه.

ومنها : شرب الماء البارد ، فإنّه يفسد المعدة كشرب الفقاع فيه.

وأمّا أحكام التوابع ؛ فيقع البحث عنها في مواضع :

الأوّل : في السواك ، وقد مرّ الكلام فيه في مباحث الوضوء.

الثاني : في الشعر يستحبّ خدمة شعر الرأس إذا ربّاه ، وشعر اللحية ، والشارب ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠١ ح ٢٥.

(٢) علل الشرائع : ٢٩٢ ب ٢٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٥٠٠ ح ١٩.

(٤) الفقيه ١ : ٣٢ ح ١١٠.

(٥) الوسائل ١ : ٣٨٢ أبواب آداب الحمّام ب ٢٣ ح ٤.

(٦) الكافي ٦ : ٥٠٣ ح ٣٨.

٤١٦

وغيرها بدهن وتنظيف وغيرهما ، فعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اتّخذ شعراً إمّا أن يحسن ولايته أو ليجزّه» (١). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الشعر الحسن من كرامة كسوة الله ، فأكرموه» (٢).

وللبحث فيه ضروب :

أوّلها : في التسريح ، ويستحبّ التمشيط للشعر بقول مطلقاً وفي خصوص ما قبل كلّ صلاة وبعدها فرض أو نفل في مسجد أو روضة لسيّد الشهداء (ع) أو غيره.

قال عليه‌السلام : «المشط يجلب الرزق ، ويحسن الشعر ، وينجز الحاجة ، ويزيد في ماء الصلب ، ويقطع البلغم» (٣). وروى أنّه يزيد في الذهن (٤).

وهو الزينة عند كلّ صلاة ، ولا سيّما تمشيط الرأس فإنّه يقطع البلغم ، ويذهب بالوباء ، ويشدّ الأضراس ، ويجلب الرزق ، ويزيد في الجماع (٥) ، وتمشيط اللحية ، فإنّه يشدّ الأضراس ، ويذهب بالوباء ، وتسريح العارضين فإنّه يشدّ الأضراس ، وتسريح الذؤابتين يذهب ببلابل الصدر.

وتسريح الحاجبين أمان من الجذام ، وخصوص التسريح بالعاج ينبت الشعر في الرأس ، ويطرد الدود من الدماغ ، ويطفأ المرارة ، وينقي اللثة والعمور أي ما بين الأسنان من اللحم ، ويذهب بالوباء ، وهو الحمّى أو الضعف.

والتمشّط قائماً يركب الدين ، ويورث الفقر ، والضعف في القلب ، والتمشّط من جلوس يقوي القلب ، ويمخخ الجلد.

وإمرار المشط على الصدر بعد تسريح الرأس واللحية يذهب بالهمّ والوباء ، وبلوغ سبعين مرّة في تسريح اللحية مع عدّها مرّة مرّة ، فإنّه لا يقربه الشيطان أربعين يوماً أو

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٨٥ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٧٦ ح ٣٢٩.

(٣) الخصال : ٢٦٨ ح ٣.

(٤) الخصال : ٢٦٨ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٤٢٦ أبواب آداب الحمّام ب ١٧ ح ٤.

(٥) لاحظ الوسائل ١ : ٤٢٤ ٤٢٦ ب ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ من أبواب آداب الحمّام.

٤١٧

أربعين مرّة من تحت ، وسبعاً من فوق ، فإنّه يزيد في الذهن ، ويقطع البلغم ويبدأ بالتحت.

ويقرأ «إنّا أنزلناه» حال التشاغل بالتحت و «العاديات» حال الاشتغال بالفوق ، ويقول : «اللهمّ سرّح عنّي الهموم والغموم ووحشة الصدور».

ثانيها : أنّه يستحبّ جزّ الشعر واستئصاله ؛ فإنّ ثلاثاً من سنن المرسلين ؛ العطر ، وأخذ الشعر ، وكثرة الطروقة ، وإنّ ثلاثاً من عرفهنّ لم يدعهنّ ؛ جزّ الشعر ، وتشمير الثياب ، ونكاح الإماء.

وعنهم عليهم‌السلام «استأصل شعرك ، يقلّ درنه ودوابّه ووسخه ، وتغلظ رقبتك ، ويجلو بصرك ، ويستريح بدنك (١) ، وإنّ بقائه لينحس.

ثالثها : حلق الرأس حتّى يجلو البصر ويزيد في نوره ، وإبقائه يفعل ضدّ الأمرين.

وفرّق شعره إذا طال روي عن الصادق عليه‌السلام : «من اتّخذ شعراً ولم يفرّقه فرّقه الله تعالى بمنشار من النار» (٢).

رابعها : حلق القفاء ، فإنّه يذهب بالغم ، ويكره حلق النقرة وحدها ، وإبقاء ما عداها من شعر الرأس.

خامسها : تخفيف اللحية وتدويرها ، والأخذ من العارضين ، وتبطين اللحية ، وقصّ ما زاد عن القبضة من اللحية ؛ فإنّ ما زاد عن القبضة في النار. وعن الصادق عليه‌السلام : «يعتبر عقل الرجل في ثلاث ؛ في طول لحيته ، ونقش خاتمه وفي كنيته» (٣). ويحرم حلقها ، ويستحبّ توفيرها قدر قبضة من يد صاحبها ، مع استواءها ، واستوائه ، وإلا اعتبر المقدار ممّا يلائم خلقته.

سادسها : الأخذ من الشارب ، ويستحبّ بلوغ الإطار ، وهو ما بين شعر الشارب وحاشية الشفة ، فإنّه كالعانة ، وشعر الإبطين ، وشعر الشارب مخبأ

__________________

(١) الفقيه ١ : ٧٥ ح ٣٢٧.

(٢) الفقيه ١ : ٧٦ ح ٣٣ ، مكارم الأخلاق : ٧٠.

(٣) الخصال : ١٠٣ ، مكارم الأخلاق : ٦٨.

٤١٨

الشيطان ، والأخذ منه نشرة.

سابعها : أخذ الشعر من الأنف ؛ فإنّه يحسن الوجه ، ويزيد في الجمال.

ثامنها : دفن الشعر كالظفر والسنّ والدم والعلقة والمشيمة ، فقد ورد أنّ الإمام عليه‌السلام أمر بإبقاء سنّه إلى حين موته ، ليدفن معه (١). وأنّ بعض شعر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي عند الأئمّة عليهم‌السلام (٢).

تاسعها : كراهة نتف الشيب ، ولا بأس بجزّه ، وعنه عليه‌السلام : «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيمة ، ولا يكلّمهم الله ، ولهم عذاب أليم : الناتف شيبه والناكح نفسه ، والمنكوح في دبره» (٣).

عاشرها : المسح بالماء لمواضع أخذ الشعر ، وموضع قصّ الأظفار ، ويكره تكثير وضع اليد على اللحية ، فإنّه يشينها ، وقرضها بالأسنان ، وقرض الأظفار بها.

الثالث : في قصّ الأظفار ؛ يستحبّ قصّ الأظفار استئصالاً للرجال ، وإبقاءً منها للزينة للنساء ؛ فإنّه روي : «أنّه يدفع الداء الأعظم ، ويدرّ الرزق» (٤). وعنه عليه‌السلام «أنّ الأظفار مقيل الشيطان ومنها يكون النسيان» (٥) و «نهى عن تقليم الأظفار بالأسنان وعن الحجامة يوم الأربعاء والجمعة (٦)

وعنه عليه‌السلام : «ثلاثة من الوسواس أكل الطين ، وتقليم الأظفار بالأسنان ، وأكل اللحية» (٧).

ويستحبّ البدئة بخنصر اليسرى والختم بخنصر اليمنى ، وليوم الخميس والجمعة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٦٢ ح ٤٣ ، الوسائل ١ : ٤٣١ ب ٧٧ من أبواب آداب الحمّام.

(٢) الوسائل ١ : ٤٠٠ أبواب آداب الحمّام ب ٤١ ح ٧.

(٣) الخصال : ١٠٦ ، الوسائل ١ : ٤٣٢ ب ٧٩ من أبواب آداب الحمّام ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٤٩٠ ح ١ ، ثواب الأعمال : ٤٢ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٤٣٣ ب ٨٠ من أبواب آداب الحمّام ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٤٩٠ ح ٦ ، الوسائل ١ : ٤٣٣ ب ٨٠ من أبواب آداب الحمّام ح ٢ ، وفي المصدر : إنّما قصّوا الأظفار لأنّها مقيل الشيطان ومنه يكون النسيان.

(٦) الفقيه ٤ : ٢ ، ٥ ح ١ ، الوسائل ١ : ٤٣٥ ب ٨٢ من أبواب آداب الحمّام ح ١.

(٧) الفقيه ٤ : ٢٦٩ ح ٨٢١ ، الوسائل ١ : ٤٣٥ ب ٨٢ من أبواب آداب الحمّام ح ٢.

٤١٩

مزيد خصوصيّة في باب التنظيف ، وإذا قصّ الأظفار يوم الخميس أبقى منها شيئاً ليوم الجمعة.

الرابع : في الاكتحال ؛ يستحبّ الاكتحال للرجل والمرأة ، والوتر فيه ، وقبل النوم في الليل لأنّه أمان من الماء ، ويعذب الفم ، وينبت الشعر ، ويحدّ البصر ، ويجفف الدمعة ، ويعذب الريق ، ويجلو البصر ، ويزيد في المباضعة ، ويعين على طول السجود.

وعن الرضا عليه‌السلام «من كان يؤمن بالله ، واليوم الأخر فليكتحل» (١) ، وليكون بإثمد خالي عن المسك ؛ لتطيب النكهة ، ويجلي البصر ، ويشدّ أشفار العين ، وينبت الشعر في الجفن ، ويذهب بالدمعة ، ويأمن من الماء الأسود أربعاً في اليمنى ، وثلاثاً في اليسرى ، أو ثلاثاً في كلّ واحدة منهما ، أو ثلاثاً في اليمنى ، واثنين في اليسرى بما اكتحل.

الخامس : في التطيّب ؛ فإنّه من أخلاق الأنبياء ، والعطر من سنن المرسلين كأخذ الشعر ، وكثرة الطروقة ، ويشدّ القلب ، ويزيد في الجماع ، ونشرة كالغسل والركوب والنظر إلى الخضرة.

وعن أبي الحسن عليه‌السلام : «لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كلّ يوم» (٢).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حبّب إلىّ من الدنيا ثلاثاً : النساء والطيب وجعلت قرّة عيني في الصلاة» (٣).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ «الطيب في الشارب من أخلاق الأنبياء وكرامة للكاتبين» (٤).

فهو مستحبّ في نفسه كالسواك والتسريح ونحوهما ، وللصلاة فإنّها تتضاعف به

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٤٠ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٤١١ ب ٥٤ من أبواب آداب الحمّام ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٥١٠ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٤٤١ ب ٨٩ من أبواب آداب الحمّام ح ٢.

(٣) الخصال : ١٦٥ ح ٢١٨ ، الوسائل ١ : ٤٤٢ ب ٨٩ من أبواب آداب الحمّام ح ١١ ، ١٢.

(٤) الكافي ٦ : ٥١٠ ح ٥ ، وفي المصدر :. من أخلاق النبيّين.

٤٢٠