كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

من كثير التردّد ، وكالخارج من البول أو المني قبل الاستبراء الشرعي ، والخارج من الدم مع احتمال الحيض ، مع عدم مانع يمنع عن الحكم به ، فإنّ الإدراكات الثلاثة هنا قائمة مقام اليقين ، وكما في غير ذلك ممّا حصل فيه ظنّ من طريق شرعي.

القسم الثاني : إذا تيقّن الحدث (أو الحكم أو العلم ، وشكّ أو ظنّ أو توّهم) ) الطهارة ، فالبناء على الحدث ما لم يجر عليها الشارع حكم العلم ، كالحكم بالطهارة لكثير التردّد ، أو لمضيّ عادة أو قضاء وصف ، أو عمل برواية ، وإن كان المظنون الحيض. والظنّ علم إذا كان عن طريق شرعي ، كإخبارها عن حالها ، أو كشهادة العدلين على الناسية أنّ الأيّام تجاوزت العادة فمتى ثبت الحيض لزم الوضوء للصلاة مع الغسل ، وكثرة الظنّ والشكّ والوهم يلغى اعتبارها ، ويبنى على الطهارة.

ولو طرأ عليه الحال في أثناء العمل أو بعده بنى على صحّته ، وفي الحكم بصحّة ما بعده وصحّته لو علم بقدم مأخذ الشك إشكال.

القسم الثالث : أن يتيقّنهما ، ويشكّ في المتأخّر أو حكمهما شرعاً أو على الاختلاف من دون مثبت شرعي مع التعاقب ووحدة العدد ، وكذا مع التعدّد والاتّصال في وجه قويّ.

وهذا لا يخلو من حالين ؛ لأنّه إمّا أن يعلم حاله أو يحكم به بطريق شرعي فيما تقدّمهما من حدث أو طهارة ، فيقوم احتمال البناء على نحو ما تقدم ، نظراً إلى أنّا قد علمنا ثبوت المتقدّم وشككنا في ارتفاعه كلّيا ؛ لعدم العلم بطروء الرافع على قسميه معاً ، فيحكم ببقائه استصحاباً إلى أن يعلم بطروء الضدّ عليهما معاً ، ولأنّه قد علم انتقاض الأوّل ولم يعلم بانتقاض الثاني.

واحتمال العمل على خلافه ، نظراً إلى العلم بانتقاضه والشكّ في تجدّد حكمه ، فيستصحب عدمه ، ولأنّ الأصل بقاء الضدّ ، وعدم فصله بين المتماثلين ، ولأنّ أصل النقض معلوم دون نقض الناقض ، والأصل عدمه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : ويشك.

١٠١

وفيهما : أنّ الاستصحاب إن أُريد لحكم الجنس فلا وجه له ؛ لأنّ الجنس لا انفراد له عن الفصل ، ويتّحد مع الشخص. وإن أُريد استصحاب حكم الشخص فظاهر البطلان. وترجيح الأخر بترجيح التأسيس على التأكيد غير حكم (١) التأسيس ؛ لأنّه من النكت البيانيّة التي لا مدخل لها في الأُمور الشرعيّة.

وإمّا أن يجهل الحال فلا يعلم بحاله السابق كيف كان ، ولا يثبت عنده بوجه شرعي ، وفيه يتعارض الأصلان ، وهو وما تقدّمه سيّان ، فلا تستباح به غاية.

هذا مع جهل التاريخ فيهما ، فلم يعلم السابق من اللاحق ، واحتمال المقارنة وعدمها مع عدم التعيين.

أمّا لو ثبت تاريخ أحدهما بطريق شرعي وجهل تاريخ الأخر مع العلم بعدم المقارنة ، أو احتمالها ، قيل كان البناء على حكم المجهول ؛ لأصالة تأخّره عن وقت المعلوم ومع احتمال المقارنة تكون هي الأوفق بقواعد الأُصول فيحكم بالبطلان قطعاً.

وفيه : أنّ أصالة التأخّر إنّما قضت بالتأخير على الإطلاق ، لا بالتأخّر عن الأخير ، ومسبوقيّته به ، إذ وصف السبق حادث ، والأصل عدمه ، فيرجع ذلك إلى الأُصول المثبتة ، وهي منفيّة ، فأصالة عدم الاستباحة ، وبقاء شغل الذمّة سالمان من المعارض ، ولذلك أطلق الحكم فحول العلماء في مسألة الجمعتين ، ومسألة من اشتبه موتهم في التقدّم وغيرها ، وفي مسألة عقد الوكيلين وغيرها ، أو المشتبهين في سبق الكمال على العقد وتأخّره ، ولم يفصّلوا بين علم التاريخ في أحدهما وعدمه.

والظاهر تخصيص هذه المسائل بغير كثير الظنّ أو الشكّ أو الوهم ، ويبني هو على الصحّة ، وتخصيص البناء على حكم الحدث بما إذا لم يدخل في العمل المشروط أتمّه أو لم يتمّه بالنسبة إلى ذلك العمل هو الوجه.

وأمّا بالنسبة إلى ما يأتي من الأعمال فوجهان ، والحكم في غاية الإشكال ، غير أنّ القول بالبناء على الصحّة فيما سيأتي أقرب إلى الصواب ، وبناء الوجهين على فهم

__________________

(١) في «س» ، «م» : محكّم.

١٠٢

المراد من قولهم عليهم‌السلام : «أنّ الشكّ بعد الدخول في عمل آخر لا اعتبار له» (١) فهل يفهم منه البناء على الحصول مطلقاً فيسري إلى المدخول فيه وغير المدخول فيه ، أو مقيّداً فيختصّ بالمدخول فيه.

وعدم الحكم بالطهارة إنّما يقتضي عدم الحكم بثبوتها وبطلان المشروط بها ، ولا يقتضي الحكم بثبوت الحدث إذا لم يكن مختصّاً بالعلم محكوماً به شرعاً ، فلو نذر ماءً لطهارة المحدثين أو أوصى بوصيّة لهم أو نحو ذلك لم يحتسب الدفع إلى الشاكّ ، وإن كان بحكم المحدث بالنسبة إلى الغايات ، وهذا الحكم جار في جميع الطهارات الرافعة والمبيحة بالنسبة إلى جميع الأحداث.

وأمّا في طهارة الخبث كما إذا علم تطهير الثوب أو البدن أو الأرض أو غيرها وتنجيسها ، وشكّ في السابق ، فالحكم بالطهارة كالحكم بالحدث هناك لا ينتقض إلا في صورة واحدة ، ؛ لأنّ الطهارة هنا أصل بخلاف ما سبق.

وحكم جهل التاريخ وعلمه جار فيه ، وكذا احتمال ملاحظة الحال السابق وتسريته إلى ما اختلفت أحواله في موافقة الأصل ومخالفته كما فيما تكرّرت جلاليّته ، واستبرائه غير بعيدة.

ولا فرق بين تعدّد الوضوءات مع الاتّصال ووحدة الحدث وبين العكس وتعدّدهما ووحدتهما. ولو سبق العلم بتقدّم شي‌ء أو تاخّره ثمّ طرأ الشكّ غير متذكّر لسبب العلم بنى على علمه على إشكال. وإن ذكر سببه ، ورأى أنّه غير قابل لترتّب العلم فلا بناء عليه ؛ لأنّ المراد بعدم نقض اليقين بالشكّ عدم النقض بالشكّ الطاري بعده بقسميه ما اقترن بسبب الاستدامة وغيره دون الطاري عليه والظاهر عدم الفرق في شكّ الصلاة والوضوء بين المنصوص عليه وبين غيره ، لظاهر الإطلاق.

القسم الرابع : إذا جدّد الطهارة ندباً (أو وجوباً بالعارض وهو أقوى صحّة ؛ لأنّ لزوم تعيين الوجه في الوجه على فرض اعتبار الوجه بعيد) (٢) مرّة أو مرّات فعلم

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ١ و ٢ و ٣.

(٢) ما بين القوسين ليس «س» ، «م».

١٠٣

الاختلاف بواحدة بغير الحدث ، لا يدري أنّها أصليّة أو تجديديّة ، أو أتى بطهارة زعم أنّها أصليّة فظهرت تجديديّة وعلم الخلل في إحداهما. فالظاهر الحكم بصحّة الطهارة ، لإغناء (١) التجديديّة ، كما لو توضّأ بزعم التجديديّة فظهرت أصليّة أو بالعكس.

أمّا على القول بعدم اعتبار الوجه والرفع والاستباحة في النيّة فواضح ، وأمّا على القول الأخر ، فلأنّ التجديديّة إنّما شرّعت لاحتمال بطلان الأصليّة ، فتكون هي الأصليّة ، ويكون الوجه داخلاً في النيّة ، فيجتمع نيّة الوجوب قيداً ، والندب غاية ، وملاحظة الحكم يغني عن نيّة الرفع كما تنبئ عنه لفظ التجديد.

نعم لو ظهر الفساد مردّداً بين الحقيقيّة والصوريّة قوى البطلان ، بناءً على عدم اعتبار الصوريّة.

القسم الخامس : لو توضّأ وصلّى ثمّ أحدث وتوضّأ وصلّى اخرى ثم ذكر الإخلال في إحدى الطهارتين لا على التعيين ، فإن كان بينهما اختلاف بالكيفيّة ممّا عدا كيفيّة الصوت أو العدد تطهّر ، وأتى بصلاتين.

وإن كانتا متماثلتين أو مختلفتين بخصوص الجهر والإخفات وعيّن ، صلّى صلاتين ، وإن أطلق كان له ذلك على أصحّ القولين ، مخيّراً في المختلفتين بالجهر والإخفات في الجهر والإخفات ، وأن يكتفي بصلاة واحدة ينوي بها الواقع.

ومن أوجب صلاتين بنى على وجوب التعيين ، وبناءً على اعتبار التعيين بقول مطلق اتّحد النوع أو اختلف اتّحد الصنف أو اختلف إلا أن يفرق بين المجانس وغيره يلزم على من أخلّ بفريضة غير معيّنة في يوم من أيّام عمره أن يأتي منها بعدد الأيّام.

وعلى ما اخترناه لو كان الفساد في طهارة صلاة من يوم ، أو في غيرها من الشرائط ، أو علم فساد صلاة بغير ذلك أو تركها من يوم ، وكان فرضه التمام أتى بثنتين ، وثلاث ، وأربع مُطلقاً لها ، أو مردّداً بين الثلاث على إشكال ومع لزوم الترتيب يأتي برباعيّتين بينهما المغرب مع الإطلاق في الأُولى.

__________________

(١) في «س» ، «م» : لاعتناء.

١٠٤

ولو كان فرضه القصر أتى بثنائيّة مُطلِقاً فيها أو مردّداً كما في السابق وثلاثيّة.

ولو كان مخيّراً تخيّر بين الأمرين وبين أن يُطلق على إشكال.

ومع اختلاف الصلاة يختلف الحكم ، ومع لزوم الترتيب يأتي بثنتين بينهما المغرب ، ولو تذكر بعد الدخول كان ما عمله في حيّز القبول ، ولا حاجة به إلى تعيين النيّة بل يجتزئ بذلك التعيين على الأقوى.

وكذا الحكم لو كان بين مقضيّة وأصليّة وبين فرضيّة ونفليّة ، أو نفليّة ونفليّة يوميّة ، أو غير يوميّة مع اتّحاد الهيئة والكيفيّة ، والإطلاق رخصة لا عزيمة فإن شاء أطلق وإن شاء عيّن.

القسم السادس : ما لو صلّى كلّ فريضة من الخمس بوضوء ، وعلم فساد طهارتين فما زاد ، أو علم الإخلال بصلاتين (منفصلتين فما زاد) (١) ، لتركهما أو الإخلال بشي‌ء يبعث على فسادهما ، ولا يعلمهما بعينهما أعاد الحاضر أربعاً : صبحاً ، ثم أربعاً مغرباً ثم أربعاً يُطلق فيها بين الظهرين ثم مغرباً ثمّ أربعا يعيّنها عشاءً أو يطلق فيها على اختلاف الوجهين.

وإن علم الاتّصال أو قام الاحتمال لزم الإتيان بخمس : ثنائيّة ، وثلاثيّة ، ورباعيّتين يُطلقهما أو يعيّنهما ظهرين قبل المغرب ، ورباعيّة بعده ، يطلقها أو يعيّنها عشاءً ، هذا إذا وجب الترتيب بينها ؛ لأنّها مقضيّات.

وإن كان وقت العشاءين باقياً ، ولم نقل بترتيب الأداء على القضاء أغنى الإتيان برباعيّتين يطلق في أحدهما بين فريضتين ، ويعيّن أُخرى للأُخرى أو يطلق فيهما معاً قبل المغرب أو بعده ، أو يوضع المغرب بينهما.

والمقصّر في الجميع مع الترتيب يأتي بثنائيّتين ، أولهما عمّا عدا العشاء ، ثمّ بثلاثيّة ، ثمّ بثنائيّة يُطلقها (أو يعيّنها عشاءً ، ومع عدمه يضع المغرب حيث شاء) (٢) وإن كان مقصّراً في البعض دون البعض ونسي الخصوصيّة أطلق في الثنائيّة والرباعيّة قبل

__________________

(١) بدل ما بين القوسين «س» ، «م» فما زاد من غير تعيّن اتصال وانفصال.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : عمّا عدا الصبح.

١٠٥

المغرب وبعدها أو عيّن ما بعد المغرب للعشاء.

ولو لم يكن ترتيب كفى الإطلاق في أحد المقامين ، ولو عيّن المقصور في اثنتين اختلف الحكم.

وفقه المسألة أنّ الدوران في اليوم الواحد من الثنتين فما زاد عنهما إلى الأربع ، وفي اليومين إلى التسعة ، وفي الثلاثة إلى الأربعة عشر ، وهكذا فيما زاد ينقص واحدة ، ففي المختلفة (بالكم أو الهيئة ، والمتّفقة) (١) مع لزوم الترتيب يجب التعدّد ، وفي غير ذلك يكفي الواحدة منويّاً بها ما في الواقع ، وبالنسبة إلى بعض اليوم ، أو الأيّام ، أو الملفّقة يجري مثل ذلك ،.

ولو كان في مواضع التخيير تخيّر في إلحاق حكمه بالقسم الأوّل أو الأخيرين ، وله قصد التعيين في الجميع ، والإطلاق ، والتبعيض.

ولو كان في قضاء لا ترتيب فيه كقضاء التحمّل ، تخيّر في الإتيان بعوض الظهرين والعشاء قبل المغرب وبعده.

ولو قصد التعيين في البعض ، والإطلاق في غيره (فلو عيّن) (٢) الظهر ، لزم عليه رباعيّة أُخرى قبل المغرب يُطلقها بين العصر والعشاء ، أو يعيّنها للعشاء ورباعيّة اخرى بعد المغرب يطلقها بين العصر والعشاء يعيّنها للعشاء ، فإن عيّنها للعصر ، فلا بدّ من رباعيّة يعيّنها للظهر ، أو يطلقها بين الظهر والعشاء ، ولا بدّ من رباعيّة أُخرى بعد المغرب يطلقها بين الظهر والعشاء أو يعيّنها للعشاء ، وإذا عيّنها للعشاء كان عليه أن يأتي برباعيّتين قبل المغرب.

وقد علم من ذلك حال التقصير والتخيير ، ولا مانع من الإطلاق مع الانحصار بواحدة ، ولو كان فساد الصلاة الواحدة لفقد طهارة أو غيرها ، وفساد الصلاتين في يوم واحد واشتبه بين يومين أو بين أيّام لم يختلف الحكم إلا باختلافها بالقصر والإتمام والتخيير والتبعيض ، ويعلم الحال ممّا تقدّم ، ولو جهل الجمع والتفريق بين الأيّام زاد

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : الهيئة المعدّدة والملفّقة.

(٢) بدل ما بين القوسين في «ح» : ولا ترتيب يعين.

١٠٦

عليه الاحتياط في هذا المقام.

ولو دار بين الأقلّ والأكثر ، بنى على الأقلّ في وجه ، والأقوى اعتبار المظنّة في الفراغ ، والأحوط قضاء الأكثر.

ولو توضّأ خمساً لكلّ صلاة وضوء ، وعلم فساد واحد ، أو علم فساد صلاة من الخمس بغير ذلك ، فقد مرّ حكمه ، ولو صلّى الخمس بثلاث طهارات ، فإن علم الجمع بين الرباعيّتين بطهارة (١) ، صلّى أربعاً (٢) صبحاً ومغرباً وأربعاً مرّتين (٣).

والمسافر يجتزي بثنائيّتين بينهما المغرب (٤) ، وحكم المقصّر في البعض والمخيّر يظهر ممّا تحرّر.

ولا ينبغي إتعاب القلم صرف العمر في مثل هذا المقام الذي لا تعلّق له بالأحكام ، وإنّما يتعلّق بتدقيقات يستوي فيها العلماء والعوام.

البحث الثاني في الشك بل مطلق التردّد ما لم ينته إلى مثبت شرعي في الوضوء بأقسامه ، ويقع على أنحاء.

الأوّل : الشك في أصله ، وحكمه أنّه إن شكّ وقد دخل فيما يتوقّف أو يترتّب عليه ، فلا اعتبار بالشك بالنسبة إلى المدخول فيه ، وبعد الفراغ منه ، فيه وجهان : أقواهما عدم الالتفات إلى الشك ، فيسوغ الدخول به في غيره كسائر الشروط في سائر العبادات.

الثاني والثالث : في الشك في الشطور والشروط ، والظاهر أنّهما من قسم واحد على تأمّل في القسم الأخير ، سوى (٥) النيّة ؛ لعدم اندراجها تحت الإطلاق وينبغي المحافظة فيها على الاحتياط ، وربما رجع إلى الأوّل.

__________________

(١) في «ح» زيادة : أو شكّ.

(٢) في «ح» : خمساً.

(٣) في «ح» زيادة : قبل المغرب وأربعاً بعده.

(٤) بدله في «س» ، «م» : قبل المغرب وثنائيّة بعده.

(٥) في «ح» : لا سيّما.

١٠٧

والحكم فيهما أنّه إن كان الشك (١) مع بقاء التشاغل فيه عاد على المشكوك وإن دخل في غيره من أفعال الوضوء. وإن فرغ وكان باقياً على هيئته في جلوسه أو قيامه ولم يطل الفصل عرفاً ، فالحكم فيه كالسابق ، وإن دخل في عمل يترتّب عليه ، أو كان ينبغي فعله لأجله في وجه كبعض الأوراد ، أو قام من محلّه ، أو تغيّر عن هيئته فلا يلتفت إلى ظنّه ما لم يكن عن طريق شرعي فضلاً عن شكّه ووهمه بل يبني على الصحّة.

وكثير تلك الإدراكات في نفس الفعل ، أو توابعه (٢) لا يعتبر إدراكه في صحّة أو فساد ، بل يبنى على (٣) الصحّة في جميع الأقسام سوى قسمين : العلم بالوجود ، والعلم بالعدم ، فإنّه يجب فيهما السؤال ونصب العلامات ، لتعرّف الأحوال ، والتزام ذلك في الأقسام الأُخر ضعيف الوجه عند أرباب النظر ، فإن كانت الكثرة غير مخصوصة عمّ الحكم ، وإن كانت مخصوصة اقتصر في الحكم على الخاص ، والكثرة يرجع فيها في غير الصلاة إلى العرف ، وإن قلنا فيها باعتبار العدد ، وذو العادة يقوى في النظر عدم الالتفات إلى شكه ، مع ضبط العادة لأنّه في ذلك الحال أذكر.

ولو علم ثمّ شكّ مع معرفة سبب العلم فهو شاكّ ، وإلا كان كالعالم (والأقوى أنّه) (٤) لا فرق لظاهر الإطلاق.

ولو شكّ فيما لو عاد إليه قام احتمال البدعة عاد ؛ لأنّ الاحتياط يدفعها ، كما لو شكّ في غسل العضو مع احتمال سبق الغسلتين ، أو في المسح مع احتمال فعله.

ولو شكّ فعاد فبان أنّه غسل ثالث لم يلحق بالماء الجديد ، على إشكال.

والفرق بين الكلّ والجزء من خصائص الوضوء ، وفي غيره من الأعمال حال الأجزاء بعضها مع بعض كحال الأعمال.

__________________

(١) في «ح» كذا : في شي‌ء منها مع بقاء التشاغل فيه قبل الفراغ ، أو الدخول في غيره من أفعال الوضوء أو الفراغ منه ، وكان باقياً على هيئته في جلوسه ، أو قيامه ، ولم يطل الفصل عرفاً وعاد الفصل عرفاً على المشكوك ، وإن طال الفصل أو دخل في عمل.

(٢) في «ح» زيادة : مع الاستمرار وعدمه ، صحّةً وفساداً ، ووجوداً وعدماً.

(٣) في «ح» زيادة : الوجود و.

(٤) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : وربّما قيل بأنّه.

١٠٨

ولا فرق في حكم الشكّ بين ما يكون قبل الفراغ وبعده ، ما لم ينتقل إلى حال آخر ، فلا فرق بين الشكّ في الجزء الأخير وما قبله ، وبهذا يفترق عن العبادات الأُخر.

ولو شكّ في فعل سابق وأتى بما بعده فسد اللاحق ، وإن وافق الواقع ، ويعود على المشكوك ، ويتمّ العمل ما لم يلزم إخلال بشرط ، ولو شكّ في السابق بعد فعل اللاحق فعاد ، فبان فعله لم يعد على اللاحق مع عدم اختلال شرط.

والعلم بالعلم والظنّ وبالظنّ والشكّ بالشكّ يرجع كلّ واحد إلى أصله مع الاتّحاد بالزمان ، والعلم إذا تعلّق بأحدها أو بالوهم فمرجعه إليها ، والوهم إذا تعلّق بغيره يرجع إلى نفسه ، بخلاف ما إذا تعلّق بنفسه فإنّه يرجع إلى غيره.

والظنّ إذا تعلّق بالشكّ أو الوهم رجع إليهما ، ووهم الوهم راجع إلى الظنّ في غيره. وبالنسبة إلى الزمان المتقدّم لا يتغيّر شي‌ء منها عن حاله ؛ لأنّ مدخولها الإدراك دون المدرك ، والتعرّض لهذه الدقيقة الجزئيّة ينفع بعض الوسواسيّة.

البحث الثالث : في معارضة الوضوء لغيره من الطهارات

وتفصيل الحال في المعارضة بين الطهارات ينحصر في مبحثين :

أحدهما : في المعارضة بالنسبة إلى المكلّف نفسه.

وفيه مسائل :

الأُولى : أن يدور أمره بين التطهير من الخبث الخالي عن العفو ، والتطهير من الحدث تامّين بأن يرتفعا من رأس.

الثانية : أن يدور الأمر بينهما مبعّضين ، كتخفيف نجاسة متّحدة أو متعدّدة في البدن أو في ثوب واحد أو متعدّدة بين الثياب المتعدّدة ، أو بين البدن والثوب ، وكرفع حدث أكبر مع بقاء حكم الأصغر كالأغسال الرافعة عدا غسل الجنابة.

الثالثة والرابعة : بين تمام الحدث وبعض الخبث وبالعكس ، والحكم في الجميع تقديم الخبث على الحدث وفيما عدا القسم الأوّل بحث ، وفي الأخير إنّما يتمشّى حيث نقول (١)

__________________

(١) في «س» ، «م» : لا نقول.

١٠٩

بوجوب التخفيف فيه ، وعلى القول به في الخبث يتحقّق (١) الاضطرار ، فيرجع إلى التيمّم ولوجود المندوحة لحكم الحدث دون الخبث ، هذا إذا أمكن قيام التيمّم مقامه.

وأمّا في غيره كصلاة منذورة مثلاً أو مستأجر عليها مع اشتراط الطهارة المائيّة فتقدّم طهارة الحدث ، وكذا في فقد التراب ونحوه ممّا يتيمّم به والتمكّن من التيمّم في المراتب المتأخّرة كالتمكّن منه في الأُولى.

ولو أمكنه إزالة شي‌ء من الدم ، بحيث يدخل في العفو ، قدّم الحدث والتمكّن من الفرض لا يدخل في الفرض مع احتماله حيث لا يضّر بحاله وأمّا لو أمكنه نزع ما فيه الخبث والصلاة عرياناً ، فالخبث مقدّم أيضاً.

الخامسة : أن يدور أمره بين الوضوء والغسل ممّا عدا الجنابة وهنا يتعيّن عليه الغسل ؛ لأنّ الوضوء مستقلا لا يرفع حكم الأصغر مع بقاء الأكبر ، بخلاف العكس ، فيلزمه الغسل والتيمّم بدل الوضوء.

أمّا الدوران بين الوضوء وغسل الجنابة فليس له وجه معقول (إلا على القول باستحبابه مستقِلا ، ووجوبه بالالتزام وفيه ينحلّ الملزم ، ويتعيّن الغسل للصلاة ويجري مثل ذلك في الدوران بين أقسام التيمّم على نحو مبدلاتها إذا قصرت إذن المالك على وجه خاص ، والدوران بين الخبث والتيمّم ، ويجري فيه نحو ما مرّ في التيمّم) (٢).

السادسة : أن يدور بين الأغسال بحيث لا يمكنه سوى غسل واحد ، كما إذا أجاز صاحب الماء له تعيين غسل مردّد بين الأغسال ، ومنعه عن التداخل ، فيجب عليه على الأقوى الإتيان بذلك الواحد ؛ لجواز انفكاكها بعض عن بعضٍ ، فهنا يلزم ترجيح غسل الجنابة على ما عداه ، لظهور الفرضيّة (٣) فيه ، وغسل الحيض والنفاس على غسل الاستحاضة والمسّ ، وغسل الاستحاضة على غسل المسّ ، والحيض والنفاس

__________________

(١) في «س» ، «م» : لحقق.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٣) في «س» : الفريضة.

١١٠

متساويان ، فيتخيّر بينهما على أصحّ الوجهين.

المبحث الثاني : في المعارضة بين المتعدّدين.

ويقع ذلك في غير المختصّ فإنّه يجب على صاحبه مع الوجوب عليه ، ويندب مع الندب مع عدم ما ينسخ الرجحان (١) استعماله ، ولا يعارضه أحد فيه.

ويشترط (٢) في تحقّقه في المشترك أن لا تفي حصّة أحدهم بحكمه ، ولا يحصل باذل للتتميم بثمن لا يضرّ بالحال ، ولا يترتّب عليه ذلّ السؤال وعلى فرضه لا يجب على أحدهم (٣) بذل حصّته لغيره مجّاناً ولا بعوض.

نعم لو دفعه مجّاناً إلى غيره ولم تكن غضاضة (٤) في قبوله ، أو بعوض لا يضّر بالحال وجب أخذه مع وفائه بمطلوبه.

وكذا يتحقّق في الماء المباح إذا لم يسبق أحدهم أصحابه في الاختصاص به.

والمعارضة تتحقّق بوجود المحدِث بالأصغر والمحدث بالجنابة ، وبالحيض والنفاس ، والاستحاضة ومسّ الميّت ، والميّت الذي يلزم تغسيله فينبغي حينئذٍ لطالب الرجحان حيث لا يمكن الجمع بجمع الماء أن ينظر في الحال ، فإذا اختصّ أحدهم بالطهارة المائيّة بحيث لا يقوم التيمّم مقامها ، كبعض الفروض السابقة كان الرجحان في تقديمه ، وإلا فالأفضل ترجيح المحدِث بالجنابة ، ثم الوضوء (٥).

وأمّا الأغسال الأُخر فإنّها إذا أمكن الجمع بينها وبين الوضوء قدّمت عليه ؛ لأنّ فيها ما في الوضوء وزيادة ، وإلا فالوضوء الرافع أولى.

وإذا اختلفت أسباب الغسل عدا الجنابة فالحائض والنفساء متساويان ، ومع

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في «س» ، «م».

(٢) في «س» : فيشترط.

(٣) في «ح» : عليه.

(٤) الغضاضة : الذلّة والمنقصة ، مجمع البحرين ٢ : ٣١٧.

(٥) وفي هامش «ح» زيادة : ثمّ الأغسال الأُخر إذا أمكن الجمع إلخ.

١١١

التعارض يقترعان (١) ، ثم هما مقدّمان على المستحاضة ، والمستحاضة على الماسّ ، والماسّ على الميّت ؛ لأنّ تكليف الأحياء بأعمالهم مقدّم على تكليفهم بغيرهم.

والمستحاضة بأقسامها في مرتبة واحدة إلا إنّه يحتمل تقديم ذات كبرى الاستحاضة على ذات الوسطى ، وذات الوسطى على ذات القليلة.

ويجري مثله في تعارض الأخباث أشدّها وأضعفها ، وقليلها وكثيرها ، وبدنيّها وثوبيّها ، وكذا شعارها ودثارها (٢) في وجه ؛ وهذا كلّه بحسب الحقائق.

وقد ينقلب الرجحان ، كما إذا كان المرجوح مع أحد الوالدين ، أو الزوجين ، أو الأرحام ، أو الجيران أو الأصدقاء أو الأنبياء ، أو الأوصياء أو العلماء أو صاحب نعمة ، أو سابقاً بالالتماس ، إلى غير ذلك ، فيتعيّن.

ويحتمل وجوب تقديم الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام مطلقاً ، وربما يقال بتقديمهم على المالك أيضاً. وينبغي ملاحظة الميزان في تحقيق أسباب الرجحان بين أصل الذوات ، ثم بين الخصوصيات ، ثمّ آحادهما بعض مع بعض بالنسبة إلى كلّ صنف صنف ، كالجنب المتعدّد والأموات المتعددين ، وهكذا.

ولو ترتّب الورود بحيث لا يثمر اختصاصاً قوي رجحان تقديم السابق فيه مع المساواة في الرتبة ، ومع الاختلاف فيها يلاحظ الميزان ومع المساواة في القرب يبقى الراجح على رجحانه.

ويلحق بالمسألة ما إذا وجد المحدثين وليس عندهم ثمن للماء فإنّه يرجّح بذل الثمن للراجح ، وإذا دخل المرجوح ، فورد الراجح كان الراجح المتقدّم إلا أن يشتدّ رجحان المتأخّر.

(ويجري مثل ذلك في التيمّم ، وفي التخصيص بالراجح ممّا يتطهّر به ، أو يستباح به العمل وجه قويّ ويتمشّى في الوضوءات والأغسال المسنونة.

__________________

(١) بدله في «س» ، «م» : يقترع المتصفان.

(٢) الشعار بالكسر : ما ولي الجسد من الثياب والدثار : ما يتدثّر به الإنسان ، وهو ما يلقيه عليه من كساء أو غيره فوق الشعار ، المصباح المنير : ٣١٥ ، ١٨٩.

١١٢

وخلاصة البحث : أنّ الترجيح قد يكون لرجحان المقدّمة ، أو الغاية ، أو العامل ، أو العمل شرفاً أو عدداً ، ومع التعارض يلحظ الميزان ، ويجي‌ء البحث في المقدّمات والغايات من المسنونات ، ويتمشّى مثله في اللباس ، والمكان وباقي الشروط) (١).

البحث الرابع لو شكّ فيما يلزمه من الطهارة مع علمه باشتغال ذمّته بإحدى الطهارات الرافعة (دائراً بين وضوءٍ ، وغسل جنابةٍ ، احتمل على ضعفٍ تقديم الوضوء إن أجرينا الأصل في مختلفي الجنس لزيادة في عدد أو كيف.

ولو دار بينه وبين الأغسال الرافعة) (٢) قدّم يقين الوضوء خاصّة ؛ لأنّ المتيقن نقض الطهارة الصغرى المشترك بين الجميع ، ويحتمل وجوب الجمع بين الوضوء والغسل ينوي ما في ذمّته ؛ لأنّه لا يعلم براءة الذمّة بعد يقين الشغل إلا بذلك ، ولأنّه قد يلحق بالأُصول المثبتة ، وقد تدخل هذه المسألة ونحوها في مسألة تيقن الحدث الشاكّ في الطهارة.

ولو دار بين غسل الجنابة وباقي الأغسال جمع بينهما أيضاً مع احتمال تقديم غسل الجنابة على نحو ما قدّمناه ، ولو كان بين غسل ممّا فيه الوضوء ، والوضوء وجب الجمع أيضاً (٣).

ولو دار بين غسل له وضوء ولم يتوضّأ له ، وبين وضوء بعده غسل لم يغتسل بعده ، جمع كذلك.

ولو دار بين الجنابة من حلال أو حرام وكان عرق ، حكم بطهارته ، وفي صوم رمضان بوحدة كفّارته.

ولو دار بين غسل الجنابة والحيض والنفاس ليجري فيها حكم قراءة العزائم مثلاً

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٣) في «ح» زيادة : وفيه وجه آخر يظهر ممّا مرّ.

١١٣

وبين غيرها ، حكم بغيرها ، وطريق الاحتياط غير خفيّ.

ولو علم بأنّه كان محدثاً وتوضّأ واغتسل ، وشكّ أنّه قصد الصورة في الوضوء أو الحقيقة ، أو الغسل الرافع في الغسل أو السنّة بنى على بقاء الحدث ، ما لم يدخل في غاية تترتّب على رفع الحدث.

ولو ترتّب ترتّبَ استحباب كما في صلاة الجنازة ونحوها ، لا ترتّب فرض وإيجاب ، استصحب الحدث في وجه.

البحث الخامس لو قصر الماء عن إتمام الوضوء أو الغسل ، أخذ ما اجتمع من غسل الأوّل ، وأتمّ به ، ويجب عليه غسل الخبث أوّلاً وإحضار إناء لجمع الماء ، ولو بثمن لا يضرّ بحاله ، فيجمع ماء الوضوء للغسل ، أو الغسل للوضوء إذا وجبا.

وكذا ماء غسالة الغير ، ويجب عليه تحصيلها بثمن غير ضارٍّ ، أو مجّاناً من غير غضاضة ، ولا يجب على صاحبه بذله.

ويتسرّى الحكم إلى جميع المياه الطاهرة بعد الاستعمال مستعملة في تحصيل السنّة ، أو في رفع الحدث الأصغر أو غيره من أقسام الأكبر ، أو غسل الخبث كماء الاستنجاء للمستعمل وغيره على الأقوى.

البحث السادس أنّه لا يلزم غسل الخبث قبل الدخول في الوضوء ، أو الأغسال الغير الرافعة ، وإنّما اللازم غسله عن الجزء قبل غسله ، وأمّا الرافعة فلا ينبغي التأمّل فيما عدا الحيض والنفاس والجنابة في أنّ حكمها ما مرّ ، وأمّا غسل الجنابة والحيض الذي غسله وغسل الجنابة واحد ، والنفاس الراجع إليه ، ففيه وجهان ، والأقوى عدم اشتراط ما يزيد على غسل الجزء قبل الدخول فيه.

وأمّا غُسل الميّت فلا بدّ فيه من الغَسل قبل الشروع فيه ، ومقتضى ذلك لحوق غسل

١١٤

الجنابة به ؛ للأخبار (١) الدالّة على ذلك ، ولأنّ الميّت بحكم الجنب ، لكن شمول المنزلة لذلك والعمل على الأخبار المخالفة لظاهر المشهور المعارضة لنفي البأس عن الوقوف على المتنجّس ، وبظاهر الإطلاقات محلّ نظر.

وتستوي العينيّة والحكميّة في حدّ المنفعل من الماء ، ويقوى الاكتفاء بالتداخل في القسم الثاني في غير المنفعل بعد زوال العين.

البحث السابع لو تمكّن من ماء يكفي لبعض الأعضاء ، أو لبعض أبعاضها دون بعض ، لم يلزمه استعمال الماء فيها ، ما لم يكن منتظراً للإتمام من دون فوات شرط ، كالموالاة في الوضوء ، ويجري مثله في التيمّم على الأقوى ، ويجري الحكم في وضوءات السنن وأغسالها ، كما يجري في واجباتها.

ولو احتمل حصول المتمّم قوي جواز الدخول ، والأحوط خلافه.

ولعدم حصول تمام الغرض (٢) في آحاد أغسال الميّت يحتمل ذلك وأن يأتي منها بالممكن ، والأقوى السقوط مع تعذّر البدل (٣).

وأمّا في أبعاض الأغسال ، فلا ينبغي الشكّ في عدم فائدة الاستعمال ، فيكون المرجع إلى التيمّم.

وفيما حكمته التنظيف من الأغسال وغيرها ، يحتمل حصول بعض الأجر بفعل بعض ما يترتّب عليه بعض حكمته من دون احتسابه بعض عبادة.

البحث الثامن في أقسام التراكيب ، وهي بأقسامها جائزة ، سوى أنّه لا تتركّب طهارة مائيّة مع

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٦٨١ أبواب غسل الميّت ب ٢ ح ٥ ، وب ٦ ح ١ و ٢.

(٢) في «س» ، «م» : العزم.

(٣) في «ح» زيادة : وهو الأقوى ويجمع بينه وبين البدل.

١١٥

ترابيّة لا تبعيضيّة ولا كلّية ، فلو كان عليه غسل غير الجنابة ، وقَدَر على ماء الوضوء دون الغسل ، لم يجز له الوضوء ثم التيمّم بدل الغسل ، لا على نحو تركّب حكم آحاد الأعضاء وأبعاضها ، ولا على نحو توجّهها على رفع حكم حدث واحد ؛ لأنّ الوضوء في مثله ليس له استقلال في رفع الحدث الأصغر ، بخلاف الغسل ، فإنّ له استقلالاً في رفع الأكبر بخلاف العكس ، إذ لا معنى لارتفاع الأصغر ، وبقاء الأكبر ، ولا لاستناد رفع الأصغر إلى المركّب من الرافع والمبيح من التيمّم ويبقى حينئذٍ حكم الأصغر مستقِلا.

فيجوز التيمّم بدل الوضوء بعد الغسل لا قبلة ؛ لعدم الاستباحة به مستقِلا قبله ، كما أنّ الوضوء لا استقلال له مع غسل الجنابة فلا معنى لبقائها (١) مع الاستباحة وارتفاع حكم الأصغر بالوضوء.

وإذا حدث موجب الأصغر رفع حكم إباحة الأكبر. فلو تيمّم عنها أو أحدث بالأصغر ، أتى بالتيمّم عوض الغسل ، ولا يجتزئ بالوضوء ، ولا يبدله والقول بتعدّد الجهة في الإباحة فتبقى جهة دون اخرى هنا بعيد.

نعم لو قلنا بالرفع اختلف الحكم ، فرفع الحكم حيث يكون إحدى الطهارتين من الصغرى والكبرى مائيّة مستباحاً بها ، أو رافعة ، والأُخرى تيمّما لا يصّح من صوره الأربع إلا واحدة.

وفي غسل الجنابة للمبطون والمسلوس ، مع مقارنة الحدث ، والانقطاع في أثناء الغسل لو أحدث بعد تمامه احتمل إلحاقه بالرافع ، والأقوى خلافه ، وفي الجمع بين الغسل والتيمّم في الآحاد والأبعاض في أغسال الميّت وجه.

البحث التاسع في أنّ الاستباحة بوضوء وغسل مستدام الحدث ، وبالتيمّم لها حدّ مقرّر في الشرع لا يتجاوزه ، بخلاف الرفع فإنّه لا حدّ له ، فيقوى لما ذكرناه القول بأنّ التيمّم وطهارة

__________________

(١) في «ح» ، زيادة : إذ لا معنى لبقاء الأكبر.

١١٦

مستدام الحدث من المبيح لا الرافع ؛ جمعاً بين الدليلين ، وإلا لم يحدّ بحدّ ؛ لأنّ المعدوم لا يعود لنفسه ، ولم يحصل في البين من رؤيا الماء ، وارتفاع الداء حدث جديد ؛ لأنّ الأحداث محدودة ، ولها أسماء معدودة ، وليس وجدان الماء وارتفاع الداء من جملتها ، فهما مبطلان للحكم ، لا مجدّدان للاسم ، وبناء المسألة على مسألة عود الأعدام ممّا لا ينبغي ذكره في هذا المقام ؛ لأنّ الأُمور الشرعيّة لا تبنى على الدقائق الحِكَميّة.

خاتمة : في الأحداث ،

وفيها أبحاث [البحث] الأوّل : في بيانها مجملة ، سمّيت بذلك لحدوثها أو لإحداثها حالة تمنع من الدخول في بعض العبادات ، (وتطلق على الأفعال والانفعالات والأعيان والصفات عدميّة أو وجوديّة على اختلاف الوجهين ، وقريب منها لفظ الطهارة.

وفي بيان الحقيقي بالاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الملفّق أو المجازي بحث طويل قليل الجدوى ، والظاهر أنّ الطهارة أصل لها) (١) وتسمّى أسباباً ونواقض وموجبات ، لتسبيبها ونقضها وإيجابها وهي على ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : ما يترتّب عليه الوضوء فقط ، وهو الحدث الأصغر وهو ثمانية أُمور :

أحدها : النوم.

ثانيها : ما يغلب على العقل من جنون وسكر وإغماء ، وزيادة فرح أو همّ أو غمّ أو خوف أو دهشة ونحوها.

ثالثها ورابعها وخامسها : الريح والبول والغائط.

سادسها : الاستحاضة القليلة بالنسبة إلى جميع الصلوات.

سابعها : المتوسّطة بالنسبة إلى كلّ صلاة تقدّمها في ذلك اليوم صلاة تقدّمها غسل ،

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١١٧

وهي بالنسبة إلى المستمرّة من أوّل اليوم إلى أخره أربع صلوات من الظهر فما بعد.

ثامنها : الكثيرة بالنسبة إلى كلّ صلاة لم تترتّب على صلاة ذات غسل ، وهي في المستمرّة صلاتان : العصر والعشاء.

القسم الثاني : ما يترتّب عليه الغسل فقط ، وهو الجنابة وحدها ، استقلّت أو انضمّت إلى غيرها من الأحداث.

القسم الثالث : ما يترتّب عليه الوضوء والغسل معاً وهو خمسة :

أوّلها وثانيها : الحيض والنفاس.

ثالثها : الاستحاضة الكبرى بالنسبة إلى كلّ صلاة لم تترتّب على صلاة ذات غسل ، وهي في المستمرّة ثلاث : الصبح والظهر والمغرب.

رابعها : الاستحاضة الوسطى بالنسبة إلى كلّ صلاة لم يسبقها ذلك اليوم صلاة بغسل ، وهي في المستمرة ، الصبح فقط.

خامسها : مسّ الميّت فهذه أربعة عشر صنفاً.

(ويشترط الاعتياد في حدثيّة الأحداث الخارجة ، دون خبثيّتها. وفي علامات البلوغ وجهان. وضروب آحاد النوع مطلقاً ، والأنواع من الأصغر ، كآحاد الأكبر ، بحكم حدث واحد ، بخلاف أنواع الأكبر ، فإنّ الطهارة فيها عبادات مختلفة بخلاف ما تقدّم) (١).

البحث الثاني : في بيانها مفصّلة ، وقد تقدّم أنّ ضروب الحدث الأصغر ثمانية ، ولا ينبغي التعرّض لثلاثة منها هنا ، وهي الاستحاضة بأقسامها الثلاثة ؛ لأنّها سيجي‌ء بيانها بحول الله تعالى في أحكام دماء النساء فينحصر البحث في خمسة منها.

أوّلها : النوم الغالب على حاسّة السمع ، أو حاسّة البصر ، لتلازمهما ، وإذا صحّت سامعة واحدة ، أو باصرة ، أغنت عن أُختها ، وهما أقوى من حواس الذوق والشمّ واللمس ، ولذلك لم يكن عليها مدار.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١١٨

وهو حالة تعرض للإنسان من استرخاء أعضاء الدماغ ، من جهة رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تمنع الحواس الخمس الظاهرة عن الإحساس. والغلبة تعمّ التحقيقيّة الحاصلة مع حصول المنظور والمسموع ، والتقديريّة بفرض وجودهما مع عدمهما ، أو لفقد الحاسّتين ، أو فقد إحديهما كالأعمى والأصمّ (١).

والجامع بين الصفتين (والاثنان على حقو ، مع الحكم بالوحدة ، يعتبر المسامع والعيون الأربع ، والظاهر الملازمة ، ومع الحكم بالتعدّد يسري الحكم إلى الأسفل على إشكال) (٢).

والمدار على مسمّى النظر والسمع عرفاً.

ولا فرق بعد تحقّقه بين العارض حال الاستلقاء على القفا ، أو أحد الجانبين ، والعارض حال الجلوس ، والقيام والمشي ، والركوب مع الاجتماع ، أو الانفراج (٣) أو الطول أو القصر.

وهو حدث في نفسه ، علم أو احتمل صدور حدث آخر منه ، أو لا وكان حدثيّته لغلبته على العقل ، وربما جعل مع القسم الاتي قسماً واحداً.

والمدار على الغلبة بالنسبة إلى الطبيعة البشريّة دون ملاحظة القوة الإلهيّة.

فنوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نوم وإن بقي إحساسه ، وربما يدخل في التقدير بفرضه كآحاد الناس ، ولا يبعد إلحاق الأئمّة عليهم‌السلام به.

ولا يحكم به إلا مع اليقين أو الظنّ المتاخم معه ، فلا عبرة بالسنة ولا بسقوطه ولا بتطأطؤ رأسه أو انخفاضه (٤) أو رؤيا أشباه (٥) تشبه الأحلام ، أو علوّ النفس ، أو سكون الأعضاء ، أو التكلّم بالخرافات.

__________________

(١) في «ح» زيادة : في واحدة أو اثنين.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٣) في «س» «م» : الانفراد.

(٤) في «س» ، «م» : انخفاض رأسه.

(٥) في «ح» : أشياء.

١١٩

ثانيها : كلّما غلب على العقل من جنون أو سكر أو إغماء أو شدّة خوف أو مرض أو فرح أو ألم أو همّ أو غمّ أو دهشة أو نحو ذلك ممّا يغلب على العقل ، فارتفاع العقل وحده من الحدث الأصغر ، كما أنّ ارتفاعه مع الروح من الأكبر ، ويعلم بالآثار أو بالغلبة على الحواس.

وتغني حاسّتا السمع والبصر عمّا عداهما تحقيقاً أو تقديراً (١) ، ولا يكفي الاحتمال ، بل لا بدّ من العلم أو الظنّ المتاخم معه.

ولو أخبره عدلان أو عدل واحد ، ولو امرأة قبل الخبر ، ومع التعارض يبني على الترجيح ، ومع التساوي يحكم بالحدث.

ويعتبر زوال العقل ، أو بطلان تصرّفه ، فالمبهوت وهو الواسطة بين العاقل والمجنون ، ومن طرئ عليه بعض ما سبق ، مع بقاء عقله وذو العقل الناقص لا يحكم عليه بالحدث.

وهذه أحداث في نفسها ، فيحكم بنقضها ، وإن علم بعدم غيرها من الأحداث.

ثالثها : الريح الخارجة من المعدة ، لا من الهواء المجتمع في حلقة الدبر ، وعلامتها إمّا النتن ، أو حصول الصوت الحاصلين باقتضاء الطبيعة ومقتضى العادة.

وفاقدا حاسّتي الشمّ والسمع يقدّران ، أو يتعرّفان ممّن حضر ، وفي لزوم السؤال حذراً من تعطيل الحكم بدونه وجه قويّ.

وقد يعلم الخروج من المعدة بحصول الانتفاخ أو القراقر في المعدة أو قوّة خروجه.

وعلى كلّ حال فالمدار على العلم ، أو الظنّ المتاخم معه ، من أيّ طريق حصلاه ، والمدار على الخروج ، فلو تحرّكت من محلّها ولم تخرج فلا اعتبار لها وإن قاربت المخرج ، وأن يكون من الدبر لأمن الفرج أو الذكر ، ولا من جرح ، مع عدم اعتياد الخروج منه (٢) إلا مع انسداد المخرج الطبيعي ، أو مكثوريته وإن حصل فيها أحد الوصفين.

ولو اعتيد خروجها من غير الطبيعي كان خروجها منه كخروجها منه ، سواء كان

__________________

(١) في «ح» زيادة : ويقوى مراعاة الصورة في الإغماء ونحوه في حقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن حكمه كحكمه.

(٢) في «ح» : منها.

١٢٠