كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

الواحدة إلى مائة وأربعين ، وبعد الوضوء ، ودخول المساجد ،.

وروى أنّ «ما ينفق في الطيب ليس من السرف» (١) وأنّ الإمام عليه‌السلام عمل له مسك في بان بسبعمائة درهم (٢).

ويستحبّ للنساء بما ظهر لونه وخفي ريحه ، والرجال بالعكس. ويكره ردّ هديته ، فعن عليّ عليه‌السلام : لا يردّ الهديّة إلا حمار. وعدّ أشياء منها الطيب والوسادة (٣) ، وعنهم عليهم‌السلام «أنّا لا نردّ الطيب» (٤).

(السادس : إظهار النعمة ، وفراهة الدابّة ، وحسن وجه المملوك ، وإظهار الزينة ، ورفع القذارة ، والبذل على العيال والخدّام بلباس وفراش وأواني وغيرها.

ويستحبّ تزيّن الرجال للنساء من الأزواج دواماً أو متعة وربّما لحقت الإماء ، وتزيين النساء للرجال بأنواع الزينة :

منها : وصل الشعر ووشر الأسنان ، ووشم الأبدان ، وما ورد (٥) ممّا ينافيها مُطرح ، أو محمول على الكراهة أو للأجانب أو للتدليس ، إذ مثل هذه الرواية لا قابليّة لها في قطع أصل الإباحة ، والإذن بالتزيين مع استحبابه عقلا وشرعاً) (٦).

ويستحبّ التطيّب بالمسك وشمّه ، والاصطباغ به في الطعام ، والتطيّب بالغالية ، والعنبر والزعفران ، والعود ، وكذا الخلوق مع عدم إدمانه.

وكذا جميع الأدهان خصوصاً دهن البنفسج ، ودهن البان ؛ فإنّ المدهن به لم يضرّه السلطان ، والرازقي من غير إدمان ، وكون التطيّب في الليل ، والبدئة بالرأس قبل اللحية.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥١٢ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ٤٤٣ ب ٩٢ من أبواب آداب الحمّام ح ٢ ، وفي المصدر : ما أنفقت من الطيب فليس بسرف.

(٢) الوسائل ١ : ٤٤٣ ب ٩٢ من أبواب آداب الحمّام ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٥١٣ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٤٤٤ ب ٩٤ ح ٣ ، وفي المصدر : لا يأبى الكرامة إلا حمار قال قلت ما معنى ذلك؟ قال : قال الطيب والوسادة وعدّ أشياء.

(٤) الكافي ٦ : ٥١٢ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٤٤٤ ب ٩٤ من أبواب آداب الحمّام ح ٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٦٠ ح ١٠٣١ ، ١٠٣٢ ، الوسائل ١٤ : ١٣٥ أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب ١٠١ ح ٢ ، ٣ ، ٤.

(٦) ما بين القوسين زيادة في «ح».

٤٢١

وفي الخبر «من دهّن مؤمنا كتب الله له بكلّ شعرة نوراً يوم القيمة» (١).

والدعاء بعد الوضع في الراحة بقوله : «اللهم إنّي أسئلك الزين والزينة ، والمحبّة ، وأعوذ بك من الشين والشنئان والمقت» (٢) ثمّ الوضع على يافوخه ، ويستحبّ شمّ الريحان ، ووضعه على العينين ، وردّه مكروه.

وتقبيل الورد ، والريحان ، والفاكهة الجديدة ، ووضعها على العينين ، والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام حتّى يكتب له من الحسنات مثل رمل عالج ، ويمحى عنه من السيّئات مثل ذلك ، ويقول في دعاء الفاكهة : «اللهمّ فكما أريتنا أوّلها في عافية ، فأرنا آخرها في عافية» (٣).

ثامنها : الأسئار جمع سؤر ؛ وهو فضلة الشرب من قليل الماء من حيوان ناطق أو صامت ، وإن اشتهر في الثاني أو ما أصاب أو أصابه فم حيوان أو جسم حيوان كذلك ، وأظهرها الأوّل.

ويبنى على ذلك ما تعلّق بمصداقه من نجاسة أو كراهة أو ندب أو شفاء من ماء مطلق فقط ، أو ولو كان مضافاً ، أو ولو خرج عنهما من بعض المائعات ، وأظهرها الأوّل ، وهو تابع للحيوان نجاسة كالكافر وأخويه الكلب والخنزير ، وطهارة على الأصح.

ويستحبّ استعمال سؤرا المؤمن ؛ للاستشفاء ، ويكره سؤر الجِل ، وأكل الجيف ، وقد يلحق به المداوم على أكل النجاسات ، من حيوان برّي أو بحريّ ممّا له نفس ، مع خلوّ الفم عن عين النجاسة ، وسؤر الحائض ، والنفساء مع الاتّهام ، بل مطلق عدم الائتمان ، والدجاج ، والبغال ، والحمير الأهليّة ، والفأرة والحيّة ، وولد الزنا ، وعلّل بأنّه لا يطهر إلى سبعة إباء ، وكلّ غير مأمون من النجاسة.

ولو تكرّرت المساورة من أنواع مختلفة أو نوع واحد على الأقوى أو شخص واحد

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٢٠ ح ٧ ، ثواب الأعمال ١٨٢ ح ١ ، الوسائل ١ : ٤٥٢ أبواب آداب الحمّام ب ١٠٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٤٥٢ أبواب آداب الحمّام ب ١٠٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ٤٦١ أبواب آداب الحمّام ب ١١٤ ح ٢.

٤٢٢

أو استمرّت في وجه تضاعفت الكراهة ، ومثل ذلك جار في اشتداد النجاسة بتعدّد مساورة نجس العين في وجه ، وتندفع الكراهة باندفاع النجاسة بالاتّصال بالمعصوم من الماء ، ولو تساوت في عدد الغسل وكيفيّته تداخلت ، وإن اختلفت دخل الأقلّ في الأكثر ، والأشدّ في الأضعف.

ولو اختلفت من الوجهين لوحظ اعتبار الجهتين ، فإن شكّ جمع بين الأمرين ، وإن شكّ في أنّه من الأشدّ أو الأضعف أو الأقلّ أو الأكثر جمع بين الحكمين معاً.

ويحرم أكل النجس وشربه ، ويجب إلقائه من الفم ، ولا يجب استفراغه إلا أن يكون شراباً أو مملوكاً للغير أو جزء إنسان يجب دفنه أو مطلقاً أو محترماً يذهب بالدخول إلى المعدة احترامه.

والماء المشتبه بالمحصور لا يجوز استعماله بوجه في رافع حدث أو مبيح أصغر أو أكبر في استحاضة أو بطن أو سلس على نحو ما يتيمّم به ، وما يسجد عليه ، وما يؤكل وما يشرب ، فالمشتبه فيه كالمتيقّن النجاسة.

ولا يسوغ التكرار فيه لإصابة الواقع ، وحيث لا يحكم بطهارته ولا بنجاسته فلا يكون مطهّراً للخبث مع الاتّحاد وعدم الاحتيال ، ويجوز الاحتيال هنا ، ولا يكون منجّساً ، ولو أُريق أحدهما بقي الحكم السابق.

وفي تسرية الحكم إلى المشتبة من المطلق والمضاف فلا يجوز الجمع بينهما مع بقائهما ، ولا استعمال الباقي منهما مع التيمّم ، وعدمها فيجري فيه الاحتيال كالرافع للخبث فيه وجهان أقواهما الثاني.

وفي إلحاق تراب التيمّم به وجه. ولو اضطرّ إلى الشرب ، وفقد الطاهر ، ودار بين أحد المشتبهين ، وبين المتيقّن نجاسته ، شرب المشتبه من غير شبهة.

وفي الدوران بين المتنجّس أو نجس العين ، وبين المغصوب أو المشتبه منه بمحصوره يأخذ بالمتنجّس ثمّ بالنجس. وإذا تعدّدت محالّ الشبهة فترجيح بعض على بعض يرجع فيه إلى الميزان. وإذا تعارض في مقام صاحب اليد والخارج ، فصاحب اليد أولى ؛ لقضاء حقّ الاختصاص ، ولو دار الأمر بين نجاسة سؤريّة وغيرها من المماثل قدّم الغير في وجه.

٤٢٣

تاسعها : ماء البئر ؛ وهو النابع من الأرض بواسطة الحفر على وجه مخصوص بحسب الطول والسعة ، وحقيقتها تعرف بالعرف ، وإذا اتّصل ما تعدّد من الابار بعض ببعض مع الوقوف أو الانتهاء إليه لم يخرج عن كونه ماء بئر ، ومع الجريان مستمرّاً كالقناة يلحق بالجاري.

وفي القسم الأوّل النزح بما وقعت فيه النجاسة مغنٍ عن نزح الباقيات ، والظاهر عدم إجزاء العكس ، وفي احتسابها بالفرض بئرا واسعة ، فيعتبر الدلو بذلك النحو أو حال نفسها فقط ، وفي العجز فلو صار في البئر لزم نزحها جميعاً ولا يكتفي بالتراوح ، ويحتمل الاكتفاء بالتراوح في تطهير الجميع مطلقاً ؛ وعلى ما هو الأقوى من القول بالاستحباب يسهل الخطب.

والبحث فيه في مقامات :

[المقام] الأوّل : في بيان عصمته

ماء البئر كماء النهر معتصم بالمادّة ، وبقاء عصمته موقوف على بقاء اتّصاله بمادّته ، ولا ينجس إلا بالتغيير ، ويطهر بمجرّد زواله مع بقاء الاتّصال بالمادّة ، ويستوي فيه القليل والكثير.

وما ورد من النزح في غير التغيّر محمول على الندب ، دون التطهير ، ودون الوجوب ، تعبّداً للأصل ؛ واختلاف الأخبار على وجه لا يمكن الجمع بينها إلا بالحمل عليه دون التخيير ، ودون البناء على الأقلّ أو على الأكثر كما يظهر بأدنى نظر (١).

ويدلّ على عدم قصد التطهير وروده في وقوع الأعيان الطاهرة كالعقرب والوزغة ، والجنب مطلقاً ، وملاحظة الاعتبارات المفيدة للقطع ، فإنّه يلزم على التنجيس مطلقاً ، أنه لو كان فيها مائة كرّ ، ووقعت فيها قطرة دم نجّستها ، مع اعتصامها بالمادّة. وإذا خرج منها كرّ واحد فلا يفسده ما وقع فيه ممّا لم يغيّره.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١١ ح ٢٠ وص ١٢ ح ٢٢ وص ١٥ ح ٣٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٤ ، الإستبصار ١ : ٣٠ ، ٣٥ ، الوسائل ١ : ١٣٢ ب ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، وص ١٣٦ ب ١٨ ، ١٧ من أبواب الماء المطلق.

٤٢٤

وأنّه إذا كان كرّاً واحداً خارجاً عنها كان معصوماً ، فإذا دخل فيها ، وكان مائة كرّ ، واختلط بمائها حتّى غلب عليه اسمه خرج عن الاعتصام. وأنّها إذا سطّحت أطرافها وساوت الأرض فخرجت عن الاسم اعتصم ماؤها ، ولو حفر وكان فيه مائة كرّ فما زاد حتّى نبع الماء ، ودخل في الاسم ذهبت عصمته.

ولو كان كرّاً فقط ولم يتّصل بالمادّة ، ويدخل تحت الاسم بقيت عصمته ، وأنّه لو وضع فيها شي‌ء من رمل أو حصى فملأها وأخرجها عن الاسم اعتصم مائها إن كان كرّاً مع بقاء الاتّصال بالمادّة وعدمه ، وأنّها لو انقطعت عنها المادّة لنفسها أو بقاطع اعتصمت ، وكانت كالحياض ، وإذا انفتحت مادّتها ذهبت عصمتها.

وأنّه إذا حفرت عين وهي بحكم الجاري حتّى دخلت في اسمها دخلت في حكمها ، وأنّه إذا ألقي فيها كرّ فيه نجاسة غير مغيّرة ينجس بوصوله إليها ودخوله في اسم مائها ، وأنّها لو كانت فيها عين نجاسة فقطعت مادّتها بقي الماء على نجاسته ، ولو وقعت بعد القطع كان طاهراً ، ثمّ إذا رجعت مادّتها نجس ، وأنّه لو وقع فيها ما يقتضي نزح مائة دلو ، ونزح منها تسعة وتسعون ، ثمّ انقطعت المادّة ، ثمّ عادت وقع إلى المائة وهكذا.

وأنّه إذا وقع فيها مع بقاء المادّة متّصلة جنب أو عقرب أو وزغ ، وكان فيها مائة كرّ تعلّق حكم النزح ، ولو انقطع وكان رطل ماء ، فلا نزح ولا بأس. وأنّه إذا كان فيها ماء قليل أقلّ من نصف كرّ مثلاً ، وجعل له مجرى اعتصم ، وإن كان بألف كرّ ولم يجعل له ذلك انفعل ، وأنّه إذا كان مجمع ماء في حفرة على هيئة البئر كان معتصماً ما لم تنفتح له مادّة فترتفع عصمته ، إلى غير ذلك.

وفي السيرة النبويّة وفي الأخبار الخاصّة (١) ، والسيرة المستمرّة كفاية ، والقول بالوجوب لا يعرف مراد قائله (٢) ، وأنّه أراد الوجوب النفسي أو الغيري ، وأنّه مشروط بقصد الاستعمال في محلّ الطهارة أو يعمّ ما خصّ النجاسة كالمخرج لتنظيف الخلوات

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢٣٤ ح ٦٧٧ ، الإستبصار ١ : ٣٣ ، الوسائل ١ : ١٢٦ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق.

(٢) القائل هو الشيخ في التهذيب ١ : ٤٠٨ ذ. ح ١٢٨٢.

٤٢٥

ونحوه. وهل هو واجب كفائيّ أو عينيّ على مالك الدار أو مالك منفعتها أو مستعيرها أو الساكن فيها منفرداً ، أو السالك في فتحتها.

ومع الاشتراك يكون التوزيع أو الكفائية (١) بينهم وهل يجبرون مع الامتناع أو لا وهل هو فوريّ أو لا ، وفي تولّي الحاكم له أو نائبه أو عدول المسلمين مع غيبة أهل الدار وعدمه؟ وجهان ، والأقوال الباقية واهية.

المقام الثاني : في كيفيّة تطهيره تخفيفاً أو تنزيهاً

وله طرق :

أحدها : نزح الجميع ، وهو عشرون قسماً ؛ وقوع المسكر المائع بالأصالة والفقّاع ، والمنيّ (٢) ودم الحيض ، ودم النفاس ، والاستحاضة والبعير الشامل للكبير والصغير والذكر والأنثى ، كالإنسان والثور ، والعصير النجس ، وعرق الجنب من الحرام ، وعرق الإبل الجِلة ، والكلب حيّاً ، والخنزير كذلك ، والكافر حيّاً وميّتاً ، وخرء نجس العين وبوله ودمه والفيل ، وجميع ما لا نصّ فيه ، وأكثرها مدخولة ، والنصوص منفيّة وعلى القول بالندب يسهل الخطب.

ثانيها : نزح الكرّ لموت الخيل ، والبغال والحمير ، والبقرة الأهليّات وما يشبهها ، وروى ذلك في الجمل (٣) ، وروى في مطلق الدابّة مطلق الدلاء (٤).

ثالثها : نزح سبعين دلواً لموت الإنسان مع نجاسته وإسلامه.

رابعها : النزح إلى زوال التغيير (لا أكثر) (٥) الأمرين على أصحّ القولين.

خامسها : نزح خمسين دلواً للغائط الرطب من الإنسان مائعاً أو لا ، مقطعاً أو لا ، ذائباً أو لا ، والدم الكثير في نفسه أو بالنسبة إلى البئر من طاهر العين ذي النفس السائلة

__________________

(١) في «ح» : الكفاية.

(٢) في «ح» زيادة : النجس.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٥ ح ٦٧١ ، الوسائل ١ : ١٣٢ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٥

(٤) الوسائل ١ : ١٣٥ ب ١٧ من أبواب الماء المطلق ح ٥ و ٦ ، التهذيب ١ : ٢٣٦ ح ٦٨٣.

(٥) في «س» : لأكثر.

٤٢٦

كدم ذبح الشاة.

سادسها : نزح أربعين لموت الثعلب ، والأرنب ، والضبي ، وابن أوى ، والخنزير ، والسّنورُ ، والكلب وشبهه ، وبول الرجل.

سابعها : نزح ثلاثين لوقوع ماء المطر وفيه البول والعذرة ، وخرء الكلاب.

ثامنها : نزح عشرة للعذرة اليابسة ، والدم القليل في نفسه أو بالنسبة إلى البئر كدم ذبح الطير ، والرعاف القليل.

تاسعها : نزح سبعة لموت كبار الطير كالحمامة والنعامة وما بينهما ، والفأرة مع التفسّخ أو الانتفاخ ، وبول الصبيّ إذا أكل الطعام ، واغتسال الجنب أو مجرّد دخوله ، ودخول الكلب وخروجه.

عاشرها : نزح خمسة لذرق الدجاج الجِل.

حادي عشرها : نزح ثلاثة للفأرة مع عدم التفسّخ والانتفاخ ، وللحيّة وللعقرب والوزغة.

ثاني عشرها : نزح دلو للعصفور وشبهه ، وبول الرضيع في الحولين. ومن أراد حصول الاطمئنان بعدم إمكان الجمع بين الأخبار (١) إلا بالحمل على الندب ، فليمعن النظر فيما نذكره من الاختلاف التامّ بينها ؛ فإنّه يعلم منه انحصار طريق الجمع بينها بالحمل عليه ، ففي الخمر مصبوباً فيها نزح الجميع ، وفي مطلق وقوعه نزح عشرين ، وفي قطراته ثلاثون ، وليس لهذا التفصيل في الفتاوى أثر ، وفي البعير نزح الماء كلّه ، وفيه نزح كرّ من ماء ، وفي موت الخنزير نزح الجميع ، ونزح دلاء ، وفي لحمه عشرون ، وفي موت الكلب نزح الجميع ، ودلاء ، وفي مطلق الوقوع من غير تقييد بموت أو حياة نزح الجميع ، وخمس دلاء مع ظهوره في الموت. وفي خروجه حيّا سبعة دلاء.

وفي الدم في قطرة منه ثلاثون دلواً ، وفي مطلق الدم عشرون وفي دم الشاة ما بين الثلاثين والأربعين ، وفي دم مذبوح الحمامة والدجاجة دلاء يسيرة ، وفي الطير المذبوح

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٤ ح ٦٧٦ ، الفقيه ١ : ١٢ ح ٢٢ ، الإستبصار ١ : ٣٥ ، الوسائل ١ : ١٣٢ ب ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ من أبواب الماء المطلق.

٤٢٧

دلاء ، وفي البول مع الإطلاق في قطرة منه ثلاثون دلواً ، وفي مطلقه مصبوباً ، وفي بول الصبي نزح الجميع ، وفيه سبع دلاء ، وفي بول الفطيم دلو واحد ، وفي بول الرجل أربعون ، وفي قطرات البول من غير قيد دلاء.

وفي السرائر أنّ الأخبار متواترة في أنّ بول الإنسان ينزح له أربعون دلواً (١).

وفي الميتة مطلقة عشرون ، ومقيّدة بالريح عشرون ، وفي كلّ جيفة لم تجف عشرة دلاء ، وفيما أجيفت مائة دلو ، وفي السنّور سبع دلاء ، وفيه عشرون أو ثلاثون أو أربعون ، وفيه خمسة دلاء. وفي الهرّ دلاء.

وفي الدجاجة سبعة دلاء ، وخمسة دلاء ، ومطلق الدلاء ، ودلوان أو ثلاثة. وفي الطير سبعة دلاء وخمسة دلاء ، ومطلق الدلاء ، وفي مطلق سام أبرص ثلاثة دلاء وفي تفسّخه سبع دلاء ، وفيه أيضاً مع تفسّخه دلو واحد ، وفي الشاة عشرة دلاء ، وفيها سبعة دلاء.

وفي موت الفأرة نزح جميع الماء ، ونزح دلاء ، وسبعة دلاء وثلاثة دلاء ، وأربعون دلواً ، وفي المتفسّخة سبعة دلاء ، وفي المتغيّر جميع الماء ، وفيه إلى زوال التغيير.

ثمّ ما فيه من الأخبار (٢) عموم في أنواع ما يقع فيها معارض لكثير من الخصوصيات التي أوردناها ، مع أنّ تخصيصها بها يأباه كثير من المقامات :

منها : قولهم عليهم‌السلام : «في الطير المذبوح يقع في البئر دلاء ، وما سوى ذلك ممّا يقع في البئر فيموت فيه ، أكبره الإنسان ينزح له سبعون دلواً ، وأقلّه العصفور ينزح له دلو واحد ، فيكون ما بينهما على النسبة» (٣) وهذا الإبهام شاهد على التسامح التامّ.

ومنها : في ماء المطر يقع في البئر وفيه البول والعذرة ، وأبوال الدوابّ وأرواثها وخرء الكلاب أربعون دلواً ، وفي أخرى ثلاثون (٤) ، وإن كانت منجبرة ، وفيه ما يفيد

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٨ ، الوسائل ١ : ١٣٣ ب ١٦ من أبواب الماء المطلق ح ٤

(٢) التهذيب ١ : ٢٣١ ب ١١ ح ٦٧٥ ، الوسائل ١ : ١٢٥ ب ١٤ ، ١٥ من أبواب الماء المطلق.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٤ ب ١١ ح ٦٧٨ ، الوسائل ١ : ١٤٢ ب ٢١ من أبواب الماء المطلق ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٣ ح ١٣٠٠ ، الوسائل ١ : ١٤٠ ب ٢٠ من أبواب الماء المطلق ح ٣.

٤٢٨

سهولة المجتمع من النجاسات على المنفرد.

ومنها : أنّه إذا سقطت في البئر دابّة صغيرة نزح منها سبع دلاء.

ومنها : إذا مات فيها ثور أو نحوه نزح الماء كلّه.

ومنها : فيما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور إلى الشاة سبع دلاء ، حتّى بلغ الحمار والجمل ، فقال : كرّ من ماء ، وأقلّ ما يقع فيه العصفور دلو واحد (١).

ومنها : في الكلب وشبهه يقع في البئر ينزح له عشرون أو ثلاثون أو أربعون.

ومنها : إن كان الواقع سنّوراً أو أكبر نزح ثلاثون أو أربعون.

ومنها : في الفأرة وأشباهها تقع في البئر سبع دلاء.

ومنها : في الدحاجة ومثلها يموت في البئر ينزح لها دلوان أو ثلاث ، وإن كان شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة.

فإذا أعطيت النظر حقّه في جميع ما ذكرناه ، وتأمّلت في جعل الأشدّ والأكثر والأجمع أضعف من الأضعف والأقلّ أجزاءً ، وإفراداً ، وتأمّلت في هذه العمومات المؤذنة بكمال المسامحات ، وكذا المبهمات ، وفي سيرة أهل الإسلام من أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الأيّام. مع أنّ جزيرة العرب غالباً موردها الابار ، واحتياج الناس إليها في الصحاري والقفار ، وقد يتّفق في القرية الواحدة بئر واحدة ، مع تردّد المسلمين إليها ، والكفّار ، والصغار والكبار ، ونظرت فيما يلزم من الحرج العظيم.

ما احتجت إلى النظر في الأخبار عامّة أو خاصّة ، ودخلت المسألة عندك في القطعيّات ، ولم يبق وجه للقول بالوجوب التعبّدي (٢) ، ولا للفرق بين الكرّ وغيره ، كما عليه البصروي (٣) ، ولا للأخذ بالأكثر ، وطرح الأقلّ ، ولا بالأقل ، وحمل الزائد على الندب ، فلم يبق وجه وجيه سوى الندب ، فيجري الحكم فيها على المختار على

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣٢ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٥.

(٢) القائل هو العلامة في منتهى المطلب ١ : ٦٨.

(٣) حكاه عنه مفتاح الكرامة ١ : ٨٠.

٤٢٩

ما ذكرناه في مياه الأمطار والأنهار.

ثالث عشرها : نزح الجميع ، وإن نقص عن التقرير أو كان بعد التغيير.

رابع عشرها : التراوح ، ومحلّه ما فيه نزح الجميع إذا ظهر تعذّر نزحه أو تعسّره ولو بأُجرة لا تضر بحاله ؛ فإنّه يطهر حينئذٍ بتراوح قوم أقلّهم أربعة رجال لا اثنين ، ولا ثلاثة ، ولو استوفوا الزمان ، اثنين اثنين بأجرة أو بوجه التبرع عن إذن أو لا ، مع نيّة النزح وبدونها لا صبيان ولا إناث ولا خُناثى مشكلة ، ولا ممسوحين ، ولا مركّبين من الاثنين والثلاثة (والأربعة والخمسة ، صحاحاً غير مراض مرضاً يؤثّر نقصاً فيه ، ولا ضعافاً ضعفاً كذلك ، ولا مركّباً من الاثنين والثلاثة) (١).

اثنين اثنين ، ولا واحداً واحداً ، يمتحان معاً لا يختصّ أحدهما بالمتح والآخر يملي له من تحت.

فلو احتاجا إلى من يملي جعلوه خامساً ، من محلّ واحد لا متعدّد ، بحبلٍ وبكرة وأرضٍ وأسبابٍ لا تقتضي تعطيلاً ، متحاً لا ينقص عن المتعارف باعتبار التواني والتكاسل ، يتساوى أو يتقارب عمل كلّ اثنين مع اثنين ، يوماً من طلوع الفجر والأحوط التقدّم قليلاً لتحصيل اليقين إلى غروب الحمرة المشرقيّة ، والأحوط التأخير قليلاً لمثل ذلك ، من غير فصل إلا بمقدار صلاة الفرض والأكل والشرب ومقدّماتها (٢) ، مع عدم الإطالة فيها زائداً على العادة.

ولا بأس بصلاة الجماعة بائتمام بعض ببعض أو بخارج قريب إن لم يكن فيها تعطيل ، وإذا أطال الإمام زائداً على العادة انفردوا عنه ، ولا يجوز الاكتفاء بالليالي ، ولا الاكتفاء بالتفريق على الأيّام أو التشريك بينهما مع المتابعة ، وعدم الفصل المتكثّر.

ولا فرق بين قصير الأيّام وطويلها ومتوسّطها وإن وقعت النجاسة في أطولها وأخّرها إلى أقصرها فراراً من التعب ، ولا يحتاج إلى جعل ناظر عليهم عدل أو غيره ، عدولاً كانوا أو لا ، بل يصدّقون بمجرّد قولهم ، وإذا جاء الليل بعد إتمام عمل اليوم وقد

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٢) في «ح» : مقدّماتهما.

٤٣٠

بقي من الماء شي‌ء يسير كدلو ودلوين فضلاً عن الكثير ، لم يجب نزح الباقي.

وإذا كانت مشتركة بين جماعة لم يلزم أحدهم بالنزح ، وعلى القول بالوجوب يوزّع العمل عليهم ، فإن امتنع أحدهم جبره المجتهد ، وإذا تعذّر استأجر عليه من يقوم مقامه ، ولو كان في قعرها فواصل بين مائها احتاجت إلى أيّام بعددها ، ويحتمل التوزيع عليها.

ولو اشتغلوا بالتراوح ، ثمّ في الأثناء بان اليسر ، فالعمل على ما بان لأعلى ما كان ، ولو بان لهم العسر بعد نزح بعض اليوم على نحو التراوح اكتفوا بالإتمام ، ولو وقع خلل في أثناء اليوم احتيج إلى يوم جديد ، والاثنان على الحقو الواحد مع علامة التعدّد يُحتسبان باثنين مع عدم لزوم الخلل ، على إشكال.

خامس عشرها : نزحها حتّى يخرج تمام مائها وإن قلّ وكان المقدّر أكثر منه بمراتب.

سادس عشرها : غور مائها ، فلو خرج بعد الغور كان طاهراً ، واستغنى عن النزح.

ولو طمّ بتراب ونحوه فجفّ ثمّ خرج قام فيه وجهان ، والأقوى لزوم إخراج ذلك التراب.

وكثير من هذه الأحكام لا تحسن ثمرتها إلا على القول بالتطهير أو الوجوب التعبديّ.

المقام الثالث : في بيان أحكامها ،

وهي أمور :

أوّلها : أنّه يستحبّ التباعد بين البئر المعدّة للاستعمال فيما يراد فيه الطهارة أو الأعمّ منها دون ما أعدّت لخصوص بناء خلاء أو بالوعة أو جدار لا تراد طهارته أو مطلق البئر لمجرّد التعبّد ، ولعلّ الأوّل أولى وبين البالوعة ذات الرأس الضيّق المعدّة لجميع القذارات والنجاسات ، بمجرّد الإعداد ما لم يهجر أو مع الفعليّة ، والإعداد بين المقدّمات ، وجميع ما أُعدّ على نحو إعدادها يتسرّى حكمها إليه. وإن اتّسع رأسه ؛ لأنّه يفعل فعلها ، دون ما يمكث على وجه الأرض ما لم يفعل فعلها. بمقدار خمس أذرع إذا

٤٣١

حصل أحد الأمرين : صلابة الأرض في الأحوال الثلاثة علوّ قرار البئر على قرارها ، وبالعكس ومساواتهما وعلوّ قرار البئر مع الرخاوة ، وسبع مع الرخاوة ، وعلوّ قرار البالوعة والمساواة.

والمدار على القعر فيهما لأعلى سطح مائيهما ، ولو اعتبرا معاً زادت الأقسام ، وتبدلت الأحكام.

ولو كان للبالوعة سيل أو ماء يزيل ما فيها من غير بقاء لم يجر الحكم فيها ، ولو كانت الأرض بعضها رخو (١) ، وبعضها صلب احتمل تغليب إحدى الصفتين ، والتوزيع ، وارتفاع الحكم ، وخير الثلاثة أوسطها.

والفرق بين شدّة الصلابة ، وضعفها في اعتبار المقدار غير بعيد ، وفيما إذا لم يدخل في الاسمين وكان واسطة بين الأمرين يحتمل إلحاقها بالصلبة ، ولو كانت طبقاتها مختلفة في الصلابة والرخاوة أخذ بأخسّ (٢) الأحوال ، ولو شكّ في صفتها أخذ بالأكمل.

ويظهر من بعض الأخبار (٣) والفتاوى (٤) الرجوع إلى واحدة وعشرين صورة محصّلة من إضافة فوقيّة الجهة وتحتيّتها على الأُخرى ، ومساواتهما ، والالتزام باثنى عشرة ذراعاً في الأخر ، وفي الباقي بسبع.

وهذا الحكم على الاستحباب على القول بالتنجيس والوجوب ، والاستحباب ، ولو وضع بناء بينهما مطليّ بالقير مثلاً أُلغي فيه التقدير ، والمخاطب بالأمر كلّ من له الأمر من مالك الدار أو المأذون بالعارية أو الاستئجار ، والظاهر استحباب إحديهما ، مع عدم وضع الفصل بينهما.

ولا يحكم على البئر بنجاسة ما لم يعلم ببلوغ المنجّس ، وإن نقص المقدار نقصاً

__________________

(١) في «س» : رخوة.

(٢) في «س» : بأحسن.

(٣) انظر الوسائل ١ : ١٤٤ ب ٢٤ من أبواب الماء المطلق.

(٤) راجع جامع المقاصد ١ : ١٥٧ ، ومدارك الأحكام ١ : ١٠٤ ، ومفتاح الكرامة ١ : ١٣٤ وفي كلّها : أربع وعشرون صورة.

٤٣٢

فاحشاً ، ولا يلحق بالبئر آبار القنوات ، والذي يظهر أنّ هذا من باب الاحتياط عن تقدير الماء تنزيهاً أو احتراماً ، وأنّ ما قرّر لتحصيل ذلك ، فينبغي النظر إذاً في حال الأرض وكثرة ماء البئر وما في البالوعة ، وقلّتهما وكيفيّة الاحتياج إلى البئر وغلبته وقلّته إلى غير ذلك.

ثانيها : أنّ تنجيس ماء الابار على القول بالاستحباب من غير انفعال أو معه لا مانع منه ، مع عدم المانع من ترتّب ضرر أو تصرّف بملك الغير أو احترام كبئر زمزم وآبار المساجد ، بناءً على أنّ حكم الماء على نحو حكم الأرض ، وعلى القول بالوجوب يحتمل المنع قوّياً.

وأمّا بعد التنجيس فيجب ويترتّب على ذلك وجوب النزح على المفسد ، فإن امتنع جبره الحاكم ، فإن امتنع استؤجر عليه قهراً ، فإن لم يمكن وجب كفاية في المحترمات على جميع المكلّفين. وعلى القول بالوجوب التعبّدي يقوى القول بحرمة التنجيس لذاته.

وعلى تقدير وجوب التطهير في المساجد إذا انحصر العامل بحائض أو نفساء أو جنب فاقد الطهورين وكذا مزيل أعيان (١) النجاسات ، فهل يتولّى أحدهم العمل أو تبقى على حالها. وعلى القول بالوجوب هل يرتفع بالطمّ أو الهدم أو لا ، وجهان الأقوى الثاني في الأوّل ، والثاني في الثاني.

والماء المحمول للاستشفاء من بئر زمزم أو آبار الحرم أو العتبات أو مطعوماتها أو من سؤر العلماء ، وكذا المطعومات والملبوسات يجب احترامها على الحامل والشارب والأكل وفي غيرهم بحث.

ثالثها : إذا كانت البئر مشتركة قسم النزح على وفق الحصص وجوباً أو ندباً على اختلاف الرأيين ، فإذا امتنع لم يجبره النادب ويجبره الموجب.

رابعها : أنّ غرض الموجب إن كان الوجوب النفسيّ صحّ الوضوء والغسل بمائها ، وعصى بترك العمل ، وإن كان للاستعمال بمعنى التوقّف عليه فسد.

__________________

(١) بدلها في «ح» : عبارة.

٤٣٣

خامسها : صغير الحيوان أو كبيره ، وذكره وأُنثاه ، مع الدخول تحت الاسم وجزئه وكلّه إذا تعلّق الحكم بكلّه ، واحد ما لم يقم فيه دليل خصوصية.

سادسها : إذا تغيّر الماء بالنجاسة طهر بزوال التغيير من نفسه أو بالنزح ، ودخل الأقل من المقدّر أو مزيل التغيير في الأكثر ، واكتفى بحكم الواحد مع التساوي مع الاستناد إلى الواحد ، ويحتمل إلغاء المقدّر ، ولو اختلف المغيّر والمقدّر أو تساويا أغنى ما يتحقّق به القدر المشترك ، اتّحد زمان الوقوع أو اختلف.

وكذا الكلام في تعدّد الأنواع مع عدم التغيير على الأقوى ، وأمّا مع تعدّد الآحاد ووحدة النوع فلا بحث في التداخل.

ولو وقعت اللاحقة في أثناء عمل السابقة ، فإن كان الباقي مساوياً لمقدّر الجديد أو زائداً عليه دخل فيه ، وإن كان ناقصاً دخل منه بمقدار ما بقي ، وأتم الباقي ، والتقلّب ظهراً وبطناً ليس من التعدّد ، ولو تغيّر الموضوع فيها من حيات إلى موت أو خرج دم ونحوه يتبدّل الحكم عمّا كان عليه.

سابعها : أنّه يقوي القول بعدم الفرق فيما أطلق فيه الدم والمنيّ والبول ، والغائط بين ما كان من المسلم والكافر ، دون ميّت الإنسان ، والميتة ، والجنب ، وبول الرجل ، والصبي ، فإنّه من الكافر يلحق بما لا نصّ فيه ، وإلحاق جميع ما يكون منها من نجس العين بغير المنصوص قويّ.

ثامنها : لو تغيّرت فطُهرها بزوال التغيّر بأيّ نحو اتّفق ، ولا يحكم بالنجاسة إلا من حين العلم ، ومتى شكّ في منشأ التغيير حكم بالتطهير ، ولو علمها وشكّ في أنّها من ذوات نزح الجميع أو البعض أو الأقلّ أو الأكثر بنى على الجميع ثمّ الأكثر.

تاسعها : يقبل قول صاحب اليد من مالك أو وكيل أو مأمور من حرّ أو مملوك في التنجيس والتطهير وكيفيّته عدلاً أو فاسقاً وإنّما يشترط خصوص البلوغ والعقل.

عاشرها : لو وضع حاجز بين أبعاض الماء قبل وقوع النجاسة أو بعده احتاج كلّ بعض إلى تمام النزح ، ولا يجتزئ بالتوزيع.

٤٣٤

ولو ارتفع الحاجز بين مائي بئر أو كرّ قبل وقوع النجاسة فعادا واحداً اجتزئ بحكم الواحد ، ولو ارتفع بعد وقوع النجاسة فيهما لزم التعدّد.

حادي عشرها : لو أجرى ماء من إحدى البئرين إلى الأُخرى مع قصد الاستمرار أو مطلقاً حين الجريان أو مطلقاً على إشكال أو إلى خارج قبل الملاقاة ، فإنّها بحكم النهر ، وكذا بعد الملاقاة على إشكال ، ولو جعل النهر بئراً قبل الملاقاة أو بعدها جائه حكم البئر قبل الأخذ بالنزح أو بعده على إشكال.

ثاني عشرها : لا بدّ من اعتبار العدد بعد زوال العين أو استحالتها ، ولو شكّ في العدد بنى على الأقلّ إلا أن يكون كثير الشكّ فيبني على الأكثر.

ثالث عشرها : إذا طهرت طهر ما فيها من حطب وخشب وحجر ومدر ، وأواني وثياب وحيوان في الماء أو طاف فوقه وغير ذلك.

وجميع ما تنجّس بماء النزح من بناء وحواشي وآلات من حبل وبكره ، ودولاب ، ودلو والمباشرة من ثيابه ، باقية على حالها إلى حين التطهير سواء كانت قبل الأخذ في التطهير أو في الأثناء وما انفصل قبل التطهير انفصالاً يخرجه عن الانتساب ، فلا يجري فيه الحكم.

رابع عشرها : يجب اجتناب الغسل عن النجاسة ، والغسل عن الحدث أو القذارات السارية إلى الماء ، والاستنجاء ونحوها في الابار المعدّة لشرب المسلمين في الصحاري والبلدان ، وكذا في جميع مواردهم ممّا يستتبع ضررهم ، وتقذير الماء ، وعلى المنجّس والمقذّر رفع النجاسة والقذارة عنها ، ويجبره الحاكم إذا امتنع ويستأجر عليه.

خامس عشرها : لو علم بنجاسة مائها أو أيّ ماء كان أو أيّ شي‌ء كان ، ثمّ غاب عنه ، ورأى المسلمين بعد علمهم يستعملونه استعمال الطاهر حكم بطهارته ، ولا يبعد ذلك مع عدم علمهم ومضيّ الزمان الطويل.

سادس عشرها : يعتبر في الدلو ما يناسب حال البئر وماؤها قلةً وكثرة ، لا عادة أغلب الابار ، ولو توسّعت في أثناء النزح أو تضيّقت تغيّر وضع الدلو ، والقول ببقائه على

٤٣٥

حاله قويّ.

ولا بدّ من السلامة من العيوب الزائدة فيه على العادة ، واعتبار الملاء على وفق العادة والجذب على وفق العادة والتعاقب على وفق العادة ، وتبديل بكرة في الأثناء. ووصل الحبل ونحوهما لا ينافي التعقيب.

ولا بأس بالاستقاء بالدلاء الكبار على وفق عدد الصغار ، وفي تضعيف الصغار حتى تبلغ مقدار ما يخرج بالكبار وجه قويّ ، والأوجه خلاف ، أمّا احتساب الكبار بالزائد عدداً من الصغار فلا يجوز ، كما أنّ إخراج المقدار بغير الدلاء من الأواني الكبار الزائدة على مقدار الدلاء يقوّي عدم جوازه.

ولا يشترط في النازح إسلام مع عدم سريان النجاسة ، ولا إيمان ، ولا بلوغ ولا عقل مع الاطّلاع على العمل ، ولا يشترط فيه نيّة ولا قصد ، فلو استعملوه لقصد انتفاعهم من غير علم وحصل الشرط ترتب الأثر.

والمتّخذة من الجواهر المنطبقة ولو محرّمة الاستعمال والأشياء المحترمة ولو تضمّنت التحريم ، ومن الجلود غير نجسة العين والخزف وغيرها يترتّب عليها الأثر.

سابع عشرها : يحرم استعمال ماء زمزم مطلقاً في إزالة نجاسة أو غسل جنابة ، وإذا وقعت فيها نجاسة وجب إخراجها وتطيرها ، وليس كذلك آبار الحرم وبلدان العتبات حتّى ما دخل في الصحن الشريف ؛ ولو حمل منها ماء للاستشفاء وجب الاحترام. والظاهر تمشية الحكم إلى كلّ ما اتخذ لذلك من المحالّ المشرفة ، والأشخاص المعظّمة.

ثامن عشرها : ليست حال الشركة في ماء البئر كحال الشركة في غيرها ، فيجوز لأحد الشركين أو الشركاء التصرّف بمقدار حاجته من دون إذن ولا قسمة. ومن غير فرق بين يُتم الشريك وجنونه وبلوغه وعقله ومغصوبيّة حقّه وعدمها ، نعم لوجاء المنع من قبله حرم التصرّف عليه.

تاسع عشرها : إذا وجد بئراً ولم يعلم هل انقطعت مادّتها أو لا ، بنى على عدم الانقطاع.

٤٣٦

العشرون : أنّه لا فرق بين خروج المادّة من أسفل الأرض أو من أعلاها ولو قارب سطح الأرض مع حصول الاسم.

الحادي والعشرون : لو اختلف مذهب الشريكين اجتهاداً أو تقليداً أو مع الاختلاف في التنجيس وعدمه أو وجوب النزح وعدمه عمل كلّ بتكليفه ؛ ولا يجوز للمنجّس منع المطّهر عن الاستعمال.

ولو اتّفقا على التنجيس فليس لأحدهما جبر الأخر على نزح ما قابل حصّته ، ولو أتى بتمام النزح لم يكن له منع الأخر عن الاستعمال.

الثاني والعشرون : لو كان لبئرٍ طريقان ، وإذا استسقى الشريكان دفعة تزاحمت الدلاء مثلاً تناوبوا ، وإذا تعارضوا في السبق اقترعوا ، وفي المشتركات العامّة المتقدّم أولى.

الثالث والعشرون : عند المعارضة ترعى الحصص ، لا عند عدمها.

الرابع والعشرون : إذا وجد بئراً أو مورداً يتعاطاه المسلمون فلا يجب عليه السؤال ، ولا حاجة إلى شيوع الوقف فيه.

تتمّة : في تطهير المياه

يطهر الماء المنفعل من قليل ، أو كثير لا مادّة له ، وقد اجتمع أوّلاً فأوّلاً من متنجّس أو كان متغيّراً فزال تغيّره بالاتّصال ولو مع عدم المزج بأحد أقسام المعصوم من أعلى أو مسامت ، وكذا في الأسفل مع التسريح من ماء مطر أو نهر أو كرّ فما زاد أو غير ذلك من الأفراد.

ولا حاجة إلى الدفعة في التطهير بالاتّصال بالكرّ بل المدار على اتّصاله متّصلاً لا منفصلاً حتى لو جمع قِرَب ، أو أواني صغار أو كبار ، واتّصل ماء أفواهها بعضها ببعض طهر بمجرّد ذلك الاتّصال ، ولو تعقّبه بلا فصل الانفصال ، ولا فرق في الواصل بين اتّساعه وضيقه.

ولو دخل البئر على القول بالنجاسة كافر فأسلم خارجاً وجب عليه غسل بدنه ،

٤٣٧

ولو كان كافراً فأسلم فيها احتمل طهارة الماء تبعاً له كأواني الخمر المنقلب ونحوها ، والأقوى خلافها.

القسم الثاني من قسمي المياه : الماء المضاف

وهو ما لا يحسن إطلاق الماء عليه من دون إضافة أو قرينة ، مع مساواته للماء في أكثر الصفات كماء الورد ، والصفصاف ، والهندباء ممّا يعصر أو يصعد أو أعمّ من ذلك فيدخل فيه ما يخالف في الصفات كماء الرارنج (١) والرّمان والعنب ونحوها ، ولعلّ الثاني هو المراد ، وقد يدخل في المضاف باعتبار المزج دون الأصل.

والحاصل : أنّ ما كانت الإضافة أو نصب القرينة من غيرها فيه مسوّغاً للإطلاق فهو المضاف ، وما كانت فيه للتخصيص والتميّز كماء البئر والبحر والثلج والملح والنهر ونحوها فهو من المطلق.

وحكمه كسائر المائعات ينجس قليله وكثيره بإصابة النجاسة إذا وردت عليه أو ورد عليها بنحو التسريح دون القيام ، ولا

يطهر باقياً على حقيقته ، بخلاف المطلق ، نعم إذا امتزج بالماء المعصوم امتزاج استهلاك طهر ، ولا يرفع حدثا ولا خبثاً ، ويصلح أن يكون مكمّلا للمطلق مع الاستهلاك.

ولو شكّ في إطلاق مقدار الكرّ الملاقي لنجاسة غير مغيّرة وإضافته حكم بالإطلاق في حقّ الطهارة دون التطهير ، ولو اشتبه بالمحصور كرّر الطهارة حتى يعلم حصول الطهارة بالمطلق ، بخلاف المشتبه بالمغصوب أو بالنجس ، فإنّه لا يستعمل على حال.

ولو رأى ماء في الأواني المعدّة للماء المطلق في داره أو دار غيره أغنته المظنّة عن تطلّب العلم. ويجب استعمال المضاف في رفع النجاسة من بدن الحيوان الصامت إذا توقّفت عليه الإزالة ليجّف ، فيطهر عند وجوب طهارته ، كما يجب

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر أنّه تصحيف : النارنج.

٤٣٨

ترطيب الأرض اليابسة في المسجد مع الانحصار به ، وعدم إمكان التطهير بغير الشمس.

ولو وقع على ماء معصوم فأصابته نجاسة قبل الاستهلاك أو وقع متنجّسا اختصّ بالتنجيس ، ولا يطهر إلا بالاستهلاك ، ولو وقع في كرّ فقطع عموده تنجّس بإصابة النجاسة وإن كان مجموع الطرفين كرّا فما زاد ، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.

تمّ بعون الله الجزء الثاني

ويتلوه الجزء الثالث

٤٣٩
٤٤٠