كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

الفصل الثالث : فيمن يصلّى عليه

إنّما يصلّى على المؤمن أصالة أو تبعاً أو لكونه بعضاً منه أو مبدءاً له ، كالسقط في بعض أحوالهما ، ويستوي في ذلك الشهيد والمقتول حدّا وغيرهما ، ويجري الحكم على الأغلف والمديون المماطل ، وما ورد ممّا يخالف ذلك محمول على التأخير في الجملة تأديباً.

ولا تصحّ على غائب ، وقضيّتها (١) على النجاشي قضيّة في واقعة ، أو من الطيّ أو الحضور كصرح بلقيس من غير رؤية وهما غير بعيدين من سيّد الثقلين ، أو مجهول بين أموات حتّى يعيّنه بالاسم أو الإشارة ومع التعارض تقدّم عليه ، ومع اشتباهه فيمن لا يصلّى عليهم ، يصلّي على الجميع.

ولا بعيد ولا مرتفع أو منخفض أو محجوب لا يصدق فيه اسم الصلاة عليه عرفاً ، ولا على مقلوب رجلاه إلى يمين الإمام ، ولا موضوع على أحد جنبيه مستقبلاً للمصلّي ، أو للقبلة ولا على من خلّي عن التغسيل وبدله ، أو التحنيط أو التكفين ، وما يقوم مقامهما مع القدرة ، ولو بوضع شي‌ء ساتر العورة ، أو الوضع في القبر مع الإمكان. ولا على مدفون أكثر من يوم وليلة ، ولو ملفّقين ما لم يخرج من قبره ، فيرجع إليه حكمه.

ولو صلاها ظانّاً عدم المانع ممّا مرّ فظهر خلافه أعاد الصلاة ، ويُستحبّ الصلاة على العضو التمام ، وعلى السقط المستهلّ ، ومطلق الصبي ، مع عدم البلوغ ستّ سنين.

الفصل الرابع : في كيفيّة الصلاة

يشترط فيها القيام مستقِلا مع الإمكان ، فإن تعذّر فمعتمداً ، فإن تعذّر فجالساً أو راكباً أو ماشياً ، فإن تعذّر فمضطجعاً ، مقدّماً للجانب الأيمن على الأيسر ، فإن تعذّر فمستلقياً ، وجامعاً بين العليا وما تحتها مع تعذّر الإتيان بمرتبة سابقة (٢) وحدها على نحو

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٣٥٧ ح ١٠٣٩ ، كنز العمّال ١٥ : ٥٨٨ ح ٤٢٣٠٥.

(٢) بدله في «م» ، «س» : بالمرتبة الأُولى.

٢٨١

ما تقدّم في صلاة الفرض.

وإباحة المكان للمصلّي والميّت ، إلا المتّسع فتجوز ما لم يكن المصلّي أو الميّت غاصبين أو مقوّمين للغاصب. وإباحة اللباس ، وعدم المانع لكونه حريراً أو ذهباً في وجه قويّ. والاستقبال والاستقرار ، وستر العورة ، ووضع الميّت مستلقياً ورأسه إلى يمين الإمام ، وعدم المانع من صدق اسم الصلاة عليه عرفاً لبعد وغيره ، ولا يعتبر ما لا يتخطّى وإن اعتبرناه في الصلاة.

ولا يشترط فيها طهارة من حدث أصغر ولا أكبر ، ولا خبث في بدن أو ثوب أو غيرهما ، ولا كون الثوب ممّا يؤكل لحمه ، ولا كونه من المعتاد ممّا تجوز الصلاة فيه.

ويفسدها كلّما يخلّ بصورتها من سكوت طويل (أو فعل كثير أو فعل لهو ولعب وإن قلّ) (١) أو غير ذلك ممّا يفسد هيئتها ، ويخرجها عن صدق الاسم لذاته أو كثرته ، والأحوط أن يعتبر ما يعتبر في الصلاة من الشرائط والموانع عدا الطهارة من الحدث.

ويستحبّ الطهارة من الحدث وخصوصاً للإمام ، وتجزي الترابيّة ولو مع التمكّن من الماء والأحوط اعتبار خوف فوت الصلاة مع الناس عليها ، وعلى كلّ حال فالمائيّة أولى.

ووقوف المصلّي عند وسط الرجل وصدر المرأة ، ويتخيّر في الخُنثى المشكل والممسوح ، ولعلّ ملاحظة الصدر أولى ، وفي جريانه في الأبعاض وكيفيّته فيها بحث.

ومع اجتماع الجنائز يقدّم الرجل الحرّ إلى الإمام ، ثمّ الرق ، ثمّ الصبيّ الحرّ بالغاً ستّ سنين ، ثمّ غير بالغها ممّن يصلّى عليه ، ثمّ الصبيّ الرقّ ممّن بلغ ستّ سنين ، ثمّ من لم يبلغ والممسوح كذلك ، ثمّ الخُنثى البالغة الحرّة ، ثمّ صبيّها مرتّبة ، ثمّ الأمة ثمّ صبيّتها كذلك ثمّ النساء على هذا التفصيل.

ولو كان المصلّي امرأة ، وجوّزنا هنا إمامتها للرجال قدّم الإناث ، ثمّ الخناثى ، ثمّ الرجال على ذلك النحو. ولو قيل باستحباب تقديم أهل الشرف والدين من الأموات

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : أو ضحك أو كلام بغير ذكر أو دعاء أو قراءة غير مخلّة بالصورة أو بكاء أو أكل أو شرب وكذا أفعال اللعب واللهو وإن قلّت.

٢٨٢

مرّتبين كان حسناً ، والمعتبر القرب للإمام أو المنفرد دون المأمومين.

وروى أنّ المصلوب إن كان وجهه إلى القبلة قام المصلّي على منكبه الأيمن ، وإن كان مستدبرها قام على الأيسر ، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة قام على الأيمن ، وإن كان منكبه الأيمن على القبلة قام على الأيسر (١) ، ولا بأس بالعمل بها.

ويستحبّ الصلاة جماعة ، ولا يشترط فيها عدد ، ووقوف المأموم وإن كان واحداً خلف الإمام ، إلا في النساء والعراة ؛ فإنّ الإمام منهم يقف وسطا بينهم.

ولو سبق المأموم بتكبيرة استحبّ له إتمام العدد مع الإمام ، ويجوز له الإتمام منفرداً. ولو زاد تكبيرة سهواً أو بقصد الذكر فلا تحريم ولا فساد ، ومع قصد الجزئيّة متعمّداً يكون مشرّعاً عاصياً ، وإن صحّت صلاته ، ولو نواها ستّاً مثلاً من الأصل بطلت.

واختيار الصفّ الأخير للمأموم وكأنّ حكمته خوف التنازع والتدافع حوله عكس الصلاة ، والقرب من الجنازة للإمام والمنفرد ، وزيادة الخضوع والخشوع ، وتذكّر أهوال المعاد ، والاعتبار بالمسجّى بين يديه ، وإكثار المصلّين ونزع الحذاء إلا الخفّ. وإيقاعها في المواضع المعدّة لها ، والأماكن المشرّفة عدا المساجد ، فإنّها تكره فيها إلا بمكّة.

ووضع الجنائز المتعدّدة مدرجة ، رأس كلّ واحد عند ورك الأخر بشرط أن لا ينتهي الحال إلى أن يكون بعضها خلفه ، ثمّ إن بقي منها شي‌ء وضع صفّاً آخر ، وهكذا ، ويقوم المصلّي وسطهنّ ، والأفضل تخصيص كلّ ميّت بصلاة ، والابتداء بالأفضل فالأفضل ، وصورتها أن ينوي التقرّب بها على نحو ما مرّ مراراً.

ولو نوى كلّ من المصلّين دفعة فرادى أو مأمومين أو دخلوا في الأثناء الوجوب في محلّ الوجوب فلا بأس ، بخلاف ما لو أعيدت فإنّها تكون ندباً.

ثمّ يكبّر خمس تكبيرات ، يتشهّد الشهادتين بعد الأُولى ، ويصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الثانية ، ويدعو للمؤمنين بعد الثالثة ، ويدعو للميّت بعد الرابعة ، ويكبّر للخامسة ، وفي المنافق ينصرف على الرابعة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٥ ح ٢.

٢٨٣

وينبغي أن يأتي بالمنقول عن الرضا عليه‌السلام ، وهو أن يكبّر ، ويقول : «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، وأنّ الموت حقّ ، والجنّة حقّ ، والنار حقّ ، والبعث حقّ ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور».

ثمّ يكبّر ثانية ، ويقول : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، أفضل ما صلّيت ، وباركت ، ورحمت ، وترحّمت ، وسلمت على إبراهيم ، وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

ثمّ يكبّر ثالثة ، ويقول : «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات ، إنّك مجيب الدعوات ، ووليّ الحسنات يا أرحم الراحمين».

ثمّ يكبّر الرابعة ، ويقول في الدعاء للميّت إذا كان مؤمناً : «اللهمّ إنّ هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بساحتك ، وأنت خير منزول به اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلا خيراً ، وأنت أعلم به منّا ، اللهمّ إن كان محسناً فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه ، واغفر لنا وله ، اللهمّ احشره مع من يتولاه ويحبّه ، وأبعده ممّن يتبرّأ منه ويبغضه ، اللهمّ ألحقه بنبيّك ، وعرّف بينه وبينه ، وارحمنا إذا توفّيتنا يا إله العالمين».

ثمّ يكبّر خامسة ، ويقول : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ» ثمّ ينصرف.

ويدعو بعد التكبيرة الرابعة لمن لم يبلغ الحلم بقوله : «اللهمّ اجعله لأبويه ، ولنا سلفاً ، وفرطاً وأجراً» (١) ونحو ذلك.

وللمجنون المستمرّ جنونه من الصغر بنحو ذلك ، وللمستضعف ، والمراد منه على الأقوى من لا يوالى ، ولا يعادي ، ويدخل نفسه في اسم المؤمنين والمخالفين ، ولا يعرف ما هم عليه ، بقوله : «اللهمّ (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا ، وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ، وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ)» (٢)

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٧ ح ٢ ، ٣ وص ١٨٦ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٣٦.

٢٨٤

وما شاكله.

ولمجهول الحال بقوله : «اللهمّ أنت خلقت هذه النفوس ، وأنت أمتّها تعلم سريرتها وعلانيتها أتيناك شافعين فيها ، فشفّعنا ، ولها ما تولّت ، واحشرها مع من أحببت» (١). ثمّ يكبّر الخامسة في الجميع ، وينصرف.

ويدعو على المنافق الجاحد للحقّ بعد الرابعة لو صلّى عليه تقيّة ، أو أجزنا الصلاة عليه إجراءً للاسم وإن لم نوجبها ، كما هو الأقوى بقوله : «اللهمّ املأ جوفه ناراً ، وقبره ناراً ، وسلّط عليه الحيّات والعقارب» (٢) ، وينصرف عليها.

ويحرم التسليم والقراءة فيها بقصد المشروعيّة.

ويستحبّ رفع اليدين إلى النحر ، مع كلّ تكبيرة ، بحيث يبتدي به بابتدائها ، وينتهي بانتهائها ، والجهر بالأذكار خصوصاً الإمام ، والإخفات للمأموم ، والصلاة على الأنبياء والأوصياء عند ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإله عليهم‌السلام والإطالة في الدعاء ، والذكر ، ووقوع الصلاة نهاراً ، والوقوف بعد الفراغ منها قدر ما بين تكبيرتين.

ويجوز للمأموم أن ينفرد عن الإمام بعد دخوله معه ، ولا يجوز عدوله إلى إمام آخر إلا إذا تمّت صلاة الإمام أو قطعت لعارض ؛ ولو أدرك بعض التكبيرات معه دون بعض أتمّ ولو مشياً إلى سمت القبلة ولو على القبر مع الذكر أو بدونه.

ولو شكّ الإمام أو المأموم في عدد التكبيرات ، تبع الشاكّ منهما الضابط.

وإذا حضرت جنازة في الأثناء كان له الخيار في إدخالها في التكبيرات الباقية ويتخيّر في رفع الأُولى قبل إتمام تكبيرات الثانية ، أو إبقائها إلى التمام ، وله خلاف ذلك بأن يتمّ الصلاة على الأُولى ، ويبتدأ بها للثانية.

والظاهر كراهة تكرار الصلاة كراهية عبادة بمعنى أنّ الثانية قليلة الثواب ، وربّما يقال باستحبابه للعلماء والأشراف.!

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٨ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٠٥ ذ. ح ٣٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٩ ح ٥.

٢٨٥

ويجوز الأُجرة عليها لندبها ، وعلى مندوبات الصلاة الواحدة ، دون واجباتها.

ولو أخذ على واجباتها عارياً مع الإخلاص في النيّة صحّت صلاته ، ولو جهل الحال حمل على الصحّة ، ولا بأس بقبول الهدايا.

ولو حضرت جنازة قدّمت صلاتها استحباباً على صلاة النافلة ، وكذا على الفريضة مع سعة وقتها ، ولو ضاق وقت الفريضة دونها ، أو ضاق الوقتان قدّمت الفريضة.

ولو صلّى على جنازتين بإذن وليّ أحدهما دون وليّ الأخر صحّت للمأذون فيه وفسدت لغيره ، ولو ظنّها لم تكمل ستّ سنين ، أو أنّها صلّى عليها فنوى الندب ، ثمّ بان وجوبها أو بالعكس ، فنوى الوجوب ، ثمّ بان خلاف ذلك صحّت.

ولا يشترط العلم بكونها رجلا أو امرأة لكنّه ينوي الشخص.

ولو أتى بالضمائر المذكّرة مؤنّثة بقصد الجثّة ، أو المؤنّثة مذكّرة بقصد الشخص مثلاً ، فلا مانع (والأقوى صحّتها مع عدم التعويل أيضاً) (١).

والظاهر وجوب الدعاء بين التكبيرات ، ولا يشترط دعاء مخصوص إلا أنّه يجب ذكر الميّت في ضمن بعضها ، والأحوط المحافظة على نحو ما ذكرناه. والظاهر أنّ اللحن في الأذكار والدعاء لا يفسدها ، وفي التكبيرات يلزم المحافظة على عربيّتها.

ويجوز قطع الصلاة اختياراً على الأقوى ، ولا يتعيّن إتمامها كغيرها من الواجبات الكفائيّة بمجرّد الدخول ، ولا يسقط وجوبها عن الناس إلا بعد التمام.

المبحث التاسع : في الدفن

يُستحبّ إعداد الإنسان قبره في صحّته فضلاً عن مرضه لما فيه من التأهب للقاء الله ، وأن يدخل فيه على الدوام ويقرأ القرآن كما كان يصنعه بعض نوّاب الإمام عليه‌السلام.

وفي حفره لدفن المؤمن فيه ثواب عظيم ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من احتفر لمؤمن قبراً محتسباً ، حرّمه الله تعالى على النار ، وبوّأه بيتاً في الجنّة ، وأورده

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٢٨٦

حوضاً فيه من الأباريق عدد النجوم عرضها ما بين أبلّه بالباء الموحّدة ، وفي بعض النسخ بالتاء كعُتُلّة مضمومتي العين والتاء مفتوحة اللام مشدّدة ، موضع بالبصرة وبين صنعاء اليمن» (١).

ويجب دفن المؤمن وما ألحق به في حفيرة من الأرض باقية على حالها ، أو مستحيلة كحلاً أو ملحاً أو نحوهما ، ومراعاة عدم الاستحالة أولى.

ويجب أن تكون مباحة فلا يجزي الدفن في المغصوبة إلا في الأراضي المتّسعة مع عدم غصبيّة الدافن أو المدفون لها ، وعدم إعانتهما على الغصب. وأن تكون غير هاتكة لحرمة الميّت كخلاء أو بالوعة معدّة للنجاسات ونحوهما ، وأن تكون حافظة له من السباع ، وبذلك اختلف المحال في لزوم الإغراق في العمق وعدمه ، والاحتياج إلى بناء بجصّ وآجر وعدمه ، كاتمة لرائحته حافظة له عن نظر الناس فرضاً ، وإن لم تكن ممّا يصلون إليها.

ولا يجزي وضعه في ماء مثقلاً أو مربوطاً وإن أمن ظهوره ، ولا في بناء على الأرض أو تابوت أو تحت أبنية لا يمكن رفعها أو إنية يحكم ستر رأسها إلى غير ذلك ، إلا مع الضرورة ، وبعد ارتفاعها وبقائه قابلاً للدفن يجب نقله ودفنه.

ويجب أن يوضع على جانبه الأيمن مستقبلاً بوجهه ومقاديمه بما أمكن منها القبلة مع إمكان معرفتها ، ويسقط مع الجهل ، وخوف الفساد بالانتظار لطلب المعرفة. ومع معرفة ما بين المشرق والمغرب يقدّم على غيره.

وراكب البحر أو النهر مع تعذّر البرّ ، ولزوم الفساد بتأخيره إلى حين الخروج إليه يؤتى بالأعمال اللازمة له قبل الدفن ، ثمّ يوضع في ظرف يرسب في الماء ، أو ثقيل ، ويلقى فيه ، والأوّل أولى ، بل الأحوط ؛ لأنّه مع الإلقاء كثيراً ما ينتفخ فيطفح على ظهر الماء ، وتستقبل به حين إلقائه في المقامين القبلة مع الإمكان. ومع تعذّر الدفن بما يجمع الشرائط يجب الإتيان بما أمكن ، وبعد زوال العذر يؤتى بالموظّف مع عدم المانع.

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٣٤٤ ، الوسائل ٢ : ٨٣٣ ب ١١ من أبواب الدفن ح ٢.

٢٨٧

ويجب دفن المؤمن في قبرٍ منفرداً ، أو في مقابر المؤمنين ، ولا يجوز دفنه في مقبرة غير أهل الإيمان ، كما لا يجوز دفن غير المؤمن في مقابر المؤمنين ، إلا أن تكون امرأة حاملاً من مؤمن فتدفن فيها ، مع جعل ظهرها إلى القبلة مضطجعة على يسارها ؛ ليكون وجهه إلى القبلة مضطجعاً على يمينه ؛ لأنّ وجه الولد إلى ظهرها.

وفي عموم الحكم لمن لم تحلّه الروح ولولد الزنا المتكوّن من نطفة أحد الأبوين المؤمنين وجهان أقواهما ذلك (وفي المتكون من الكفّار أضعفهما ذلك) (١).

ويُستحبّ فيه أُمور :

منها : دفنه في مقابر المؤمنين ، واختيار أشرف الأمكنة لدفنه عدا المساجد ، فإنّ المنع فيها قوّي ، واختيار الأفضل فالأفضل ، واختيار الأرض المعدّة للدفن على غيرها ، والوقف على غيرها ، ووضع الجنازة على الأرض دون القبر بذراعين بذارع اليد ، أو ثلاثة وتركه قليلاً من الزمان ، ليأخذ أُهبته.

والتلحيد ، وجعل اللحد إلى جهة القبلة ، وتوسعته بحيث يجلس فيه الجالس ، واختيار الشقّ في الأرض الرخوة التي لا يمكن التلحيد فيها ، أو يخشى سرعة انهياله ، وبناء لَحد فيه ، وإحكام اللَّحد ، وأن يكون في بطن القبر ، وأن يجعل للميّت وسادة من تراب وخلف ظهره حجراً ومدراً ونحوهما يسند إليه حتّى لا يسقط وتفوت هيئته الاستقبال.

ونشر ثوب على القبر حين الإدخال خصوصاً المرأة طلباً للستر والاحترام.

ووضعه دون القبر ثلاث دفعات وإدخاله فيه بعد الثالثة ، والبدأة برأسه إن كان رجلاً ، وإدخاله بالعرض إن كان امرأة ، أو خُنثى مشكلاً أو ممسوحاً ، وتحفّي النازل ، وكشف رأسه ، ونزع ردائه ، وحلّ أزراره ، والوضوء للمُلحد ، والقول عند نزوله : «اللهمّ اجعله روضة من رياض الجنّة ، ولا تجعله حفرة من حفر النار» (٢).

وأخذ الرجل ممّا يلي موضع الرجلين ، والمرأة ممّا يلي القبلة.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) الفقيه ١ : ١٠٧ ذ. ح : ٤٤.

٢٨٨

وجعل التربة الشريفة تحت خدّه ، وكونه أجنبيّا إن كان المدفون رجلاً ، وإن كان امرأة فالزوج ، ثمّ الرحم أولى من المماثل ، وحفر القبر قدر قامة ودونه إلى بلوغ الترقوة ، ولا يسنّ ما زاد على ذلك إلا لعروض بعض الأسباب ويزاد بمقدار الزيادة في الغلظ على مستوي الخلقة من الأموات.

وحلّ عقد الكفن من عند رأسه ورجليه ووضع خدّه على التراب ، وجعل تربة الحسين عليه‌السلام في قبره ، والأفضل أن يكون مقابل وجهه ؛ ويقوى القول باستحباب وضع شي‌ء من تراب أيّ المشاهد المشرفة كان والأماكن المحترمة عدا المساجد ، إلا أن يؤخذ من قمامتها.

وتلقينه العقائد قبل نضد اللبن ، وهو التلقين الثاني ، والدعاء له قبل التلقين وبعده ، والخروج من قبل الرجلين. وإهالة الحاضرين التراب بظهور الأكفّ قائلين (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١). وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا حثى التراب يقول : «إيماناً بك وتصديقاً برسلك ، وإيقاناً ببعثك ، هذا ما وعد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله» ، وقال عليه‌السلام «من فعل مثل فعلي هذا كان له بكلّ ذرّة من التراب حسنة» (٢).

ويكره وضع تراب غير القبر عليه ؛ فإنّه يثقل عليه.

ولا بأس بأن يوضع في فمه فصّ عقيق مكتوب فيه اعتقاده ، واسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسّلم ، والأئمة عليهم‌السلام ومعه شي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام كما صنعه بعض الصالحين والعلماء العاملين.

ويكره فرش القبر بالساج وغيره إلا لضرورة دفع تلوّثه بالنجاسات أو القذارات ، ودفن ميّتين دفعة في قبر واحد ، إلا مع الضرورة ، ومع عدم المماثلة والمحرميّة وشبههما لا يبعد التحريم.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٨ ح ٢ ، دعائم الإسلام ١ : ٢٣٨ ، الوسائل ٢ : ٨٥٥ ب ٢٩ من أبواب الدفن ح ٤.

٢٨٩

المبحث العاشر : في بيان الأولياء

يشترط في الولاية الإيمان ، والعقل ، والبلوغ ، والحضور ، وأن لا يكون قاتله عمداً ، والخطأ لا ينافيها ، وعدم الإباء عن المباشرة ، والإذن من القابل أو الإذن وحدها من غير القابل ، وتزول بالخيانة ، والجنون ، وتعود بارتفاع المانع.

ومع الفقد أو النقص أو البعد أو غيرهنّ من منافيات الولاية هل تنتفي الولاية فيستوي المكلّفون في الحكم ، أو ترجع إلى الحاكم؟ وجهان ؛ والأحوط الرجوع إلى الحاكم خصوصاً مع وجود الولي وعدم إمكان قيامه وإذنه.

وتثبت في الأعمال المستدعية للمباشرة من تغسيل أو تحنيط أو تكفين أو صلاة أو دفن أو أجزائها واجبة أو ندباً وأمّا التشييع والقراءة ، والدعوات والأذكار من دون مباشرة فالظاهر تساوي الناس فيها ، ولو عمل عامل شيئاً ممّا فيه الولاية من دون استئذان عصى وفسد ما كان عبادة كالتغسيل والصلاة ، ووجب إعادته ، وصحّ غيره إماماً أو مأموماً أو منفرداً ويكفي الفحوى عن الإذن الصريحة ، ولا تكفي الإجازة بعد العمل ، ولا تصحّ الصلاة حال الوضع أو الحمل أو نقلها إلى القبر.

ولو حضر الولي أو تجدّدت له الولاية في أثناء العمل وقف عن العمل ، ولزم الاستئذان إلا في الصلاة ، وكذا لو منعه في الأثناء بعد الإذن ، وليس له فيها عزل على الأقوى ، وتثبت على من تعلّقت به الأعمال من سقط أو بعض أو غيرهما.

وأولى الناس الزوج بزوجته دائمة أو متعة ثمّ المالك وإن تعدّدوا اشتركوا في الولاية ، ثمّ الأب ، ثمّ الامّ ، ثمّ الذكر من الأولاد ، ثم الأُنثى منهم (١) ، ثمّ الجدّ ، ثمّ الجدّة ، ثمّ الأخ ، ثمّ الأخت ، ثمّ أولاد الأخ ، ثمّ أولاد الأخت ، ثمّ العمّ ، ثمّ العمّة ، ثمّ الخال ، ثمّ الخالة ثمّ أولاد الأعمام ، ثمّ أولاد الأخوال.

وكلّ من كان أقرب في طبقة أولى من غيره ، ومن تقرّب بسببين أولى من المتقرّب

__________________

(١) في «س» ، «م» زيادة : ثم أولاد الأولاد.

٢٩٠

بسبب واحد ، والذكر ومن كان علقته من جهته أولى من غيره ، وإذا فقد الجميع أو تعدّد المتساوون رجّح الأكثر.

فإن تساووا واختلفوا في تقديم الإمام أو حصل بين الأئمّة تشاحّ قدّم الأفقه ثمّ الأورع ثمّ الأعرف بالأذكار والدعاء ثمّ الأكثر اعتماداً للمصلّين ثمّ الأحبّ إلى أهل الميّت والأكثر اعتماداً عندهم ، ثمّ العلوي مقدّماً من كان في سلسلته من الأئمّة أكثر ، ثمّ الهاشمي ، ثمّ القرشي ، مع تقديم المنتسب بالذكور منهما على غيره ، ثمّ الأخشع صوتاً ، ثمّ الأحسن صوتا ثمّ الأسنّ ثمّ الأصبح وجهاً ومدّع الولاية مصدّق مع عدم المقابل ومعه يرجع إلى البيان ، فإن فقدوا فإلى القرعة.

ومن وجد قائماً بالأمور اجتزئ بإذنه بناءً على ولايته أو مأذونيّة في الإذن.

ولو مات المأذون أو عرض له عارض ائتمّ المأمومون بمن شاءوا من غير استئذان ، ولو تساوى الأولياء في الرتبة وعرفوا الصلاة صلّوا جميعاً ، وليس لأحدهم منع الأخر.

ولو اختلفوا أو مأذونوهم في تعيين الإمام أخذ بالمرجّحات ثمّ بالقرعة ؛ وفيما يمكن قسمته يقسم بينهما ، ويجعل كلّ عمل لواحد ، ولو كان امرأة فأرادت أن تؤمّ النساء أو تأذن لا مرأة في ذلك ، ولا تأذن للرجال ، فالأقوى عدم قبول قولها ، وكذا في التشييع.

المبحث الحادي عشر : في حكم من كان صورة من مبدأ إنسان مؤمن ومن في حكمه ، أو فرداً منه إلى حين البلوغ وفي حكم الأبعاض

أمّا القسم الأوّل : فله أحوال :

منها : السقط حال كونه نطفة منعقدة أو علقة ، والحكم فيه أنّه لا شي‌ء فيه وإن كان دفنهما ولا سيّما الأخير أولى.

ومنها : حاله بعد صيرورته مضغة إلى أن يقارب التمام ، وحكمه الدفن فقط ، ولفّه بخرقة أحوط كاللحم الخالي من العظم.

ومنها : ما لو تمّ فان تمّ له أربعة أشهر ، وسقط من بطن أمّه ميّتاً ، فحكمه التغسيل والتحنيط والتكفين ، والدفن ، ولا صلاة عليه فرضاً ولا نفلاً ، كالعظم المجرد أو مع

٢٩١

اللحم ، ولم يكن عضواً تامّاً ولا صدراً.

ومنها : ما لو استهلّ أي خرج من بطنها حيّاً إلى أن يقارب ستّ سنوات ولم يبلغها ، فهذا تجري عليه الأحكام بتمامها ، غير أنّ الصلاة عليه سنّة ، وليست بفريضة كالعضو التامّ غير الصدر.

ومنها : ما لو بلغ ستّ سنين وحاله حينئذٍ ، كحال البالغين في جميع الأحكام ، كما أنّ الصدر منهم كذلك ، ولو شكّ فيه فلا يدري من أيّ الأقسام هو لوقوعه في نار مثلاً ، وتقلّصه أخذ بالأدنى ؛ لأصالة عدم التكليف ، والأحوط البناء على الأعلى.

ونسبة أعضائه من صدر أو عظم أو غيرها غيرهما بالنسبة إلى أحكامه ، كنسبة أعضاء البالغ إليه في أحكامه فصدره بمنزلته ، وهكذا.

وأمّا القسم الثاني فأقسام :

منها : ما يكون صدراً وحكمه كأصله في جميع الأحكام غير أنّ قطع الكفن ، وماء الغسل على مقداره ، والظاهر إلحاق عظام الإنسان بجملتها به ، وعظام الصدر بالصدر ، والمدار على صدق اسمه عرفاً ، ولا يضرّ نقص لا يخرجه عن الاسم ، ولا يلحق به بعضه مع عدم الصدق.

ومنها : ما يكون عضواً تامّاً ، وفيه الصلاة ندباً مع وجوب الأعمال الأُخر.

ومنها : ما يكون قطعة فيها عظم ، ولو صغيراً أو عظماً مجرّداً من ميّت مطلقاً ، أو من حيّ غير سنّ ، وليس عضواً تامّاً ، وفيه التغسيل والتحنيط والتكفين والدفن ، وليس الظفر من العظم.

ولو كان لحماً بلا عظم ولو قلباً لفّ بخرقة احتياطاً ودفن ، والأحوط في القلب إجراء حكم الميّت.

وكلّما يبقى من الأعضاء أو أبعاضها يتعلّق به الأحكام الثابتة له حين التمام ؛ فالرأس من دون بدن له من الغسل ، والحنوط ، والكفن ، وكيفيّة الدفن ما كان له مع الجملة ، ويسقط الجانبان وللجانبين مع انفرادهما عنه ما كان لهما قبل انفصال الرأس.

ويسقط حكم الرأس ، ولأحد الجانبين ما كان له ، ويسقط حكم الجانب الأخر.

٢٩٢

ولأبعاضها ما كان لها حين اتّصالها ؛ ففي الصدر أو اليدين أو الرجلين كذلك في كلّ غُسل غسَلان مرتّبان ، وحنوط واجب في الركبتين ، وطرفي الإبهامين ، وباطن الكفّين ، ومندوب في الصدر ، وباطن القدمين.

وفي الرأس والقدمين والكفّين اللفافة ، وفي الكتفين واليدين هي مع القميص وفيما عدا ذلك الثلاثة وجوباً فيما يجب شاملة له مع الاتّصال ، والندب فيما يندب.

ويجعل أعلى كلّ عضو في صلاة أو دفن في موضع الرأس ، وما قارب وسطه في موضع الصدر ، وأسفله في موضع الرجلين ، وهكذا ، ووجهه في موضع الوجه ، وهكذا. ولا يبعد مراعاة ذلك في الغسل أيضاً.

ويمكن جعل البعض كميّت تامّ له رأس وبدن تامّ ، ويؤتى بالأعمال المتعلّقة بالرأس والبدن على وجه التمام.

وجعله بتمامه بمنزلة عضو من الأعضاء بأن يفرض عضواً سابقاً ثمّ آخر ، وهكذا في غسله ، وتحنيطه ، وتكفينه يجري عليه تامّاً حكم الأعضاء بتمامها بفرضه (١) رأساً مرّة ، وجانباً أيمن أخرى ، وأيسر كذلك ؛ إلا أنّ الأقوى ما تقدّم ، والأخير أوفق بالاحتياط.

والمقطوع من الحارّ بحكمه وإن كان بارداً حين الاتصال على إشكال ولو بقي (٢) حارّاً حتّى برد أصله كان بحكمه (٣) على إشكال والأقوى عدم الفرق بين الحرارة والبرودة في الأعضاء.

ويُستحبّ وضع الجريدتين مع من لم يبلغ حدّ التكليف أو أبعاضه إقامة لرسم السنّة ، ومع أبعاض المكلّف مطلقاً ، وكذلك التشييع لهما لا يخلو من رجحان ، ولو تعددت قبور الأبعاض تعددت الجريدتان والتشييع.

والعضو المشتبه بأبعاض لا حكم لها لامتزاجها يلزم إجراء الأحكام عليها تبعاً له ،

__________________

(١) في «م» ، «س» زيادة : بفرده.

(٢) في «س» : القي.

(٣) في «م» ، «س» زيادة : وإن كان حاراً.

٢٩٣

كالمشتبه من الأموات بمن لا حرمة له. وأمّا المشتبه بها ولا باعث على إلحاقه ، فالأحوط إجراء الحكم عليه. وأمّا ما شكّ في تغسيله أو تغسيل جملته ، أو في غير ذلك ممّا يجب له من الأعمال ، فيبنى فيه على العدم ويجاء بالعمل إلا إذا قضى الشرع بوقوعه لحجّة شرعيّة ، أو لخروجه من مقابر المسلمين.

وكلّما يشترط في الجملة يشترط في أبعاضها من اعتبار المحرم والمماثل ، واشتراط إيمان الغاسل سوى ما استثني ونحو ذلك ، وفي اشتباه الحال يقوى سقوط الغسل كالخُنثى ، والاحتياط به من وراء الثياب أولى سيّما مع حضور الصنفين ، فيغسل كلّ منهما غسلا على انفراده.

ولو كانت متفرّقة يمكن جمعها في التغسيل والتحنيط ، والتكفين والدفن ، جمعت ، وفي لزوم إدخالها القبر مجموعة حيث لا كفن وجهان ، أقواهما العدم ؛ لكن لا بدّ من وحدة القبر.

ولو تقدّم دفن بعضها نبش القبر وأضيف الباقي إليه ، ومع تعذّر الغسل لزم التيمّم إن بقيت محاله وإن بقي بعضها مسح ذلك البعض ، ولو لم يبق منها شي‌ء قوي سقوط الوظيفتين ، والأحوط أن يؤتى بالمسحات الثلاثة عليه على نحو ما احتملناه في الغسل.

ولو غسّل بعض أو كفّن أو حنّط ثمّ دفن ، فخرج ، أو لم يدفن ، فوجد بعض آخر جرى عليه الحكم ، ولا يعاد ما عمل للأوّل ، ثمّ يجمع معه في الكفن ويدفن.

والمدار في قطع الكفن على ما يناسب المقدار ، ولو لا ذلك لم يجز كِرباس الدنيا إذا جعلت أبعاضه متفرّقة ، فيحكم على بعض له حكم بعد إجراء الحكم على غيره ، ولو أجرى الحكم على بعض ، فحضر ما ليس له حكم ، كلحم وجد بعد عظم إنّ تمّ حكم العظم أضيف إليه في الكفن من غير غَسل ، والأحوط مراعاة الغسل فيه.

ولو وجد مع العظم منفصلاً عنه قبل غسله ألحق بالمتّصل ، وكذا لو حضر قبل غسله قوي لزوم إدخاله معه في الغسل.

ولو خرج من القبر ما حكم عليه بالتيمّم ، وكان الماء حاضراً قوي لزوم تغسيله مع إمكانه ، وفي جري حكم التلقين ، والتشييع والقراءة ، والزيارة على السقط والأبعاض

٢٩٤

فتتعدّد (١) لها لو اتّفق دفنها على التفريق ، وجهان أقواهما ذلك ، ممّا لم يكن من الحيّ ، واعتبار الكبر أو الكثرة لا يخلو من وجه.

ولا ينبغي الشكّ في إلحاق الصدر بالميّت منها ، ولو حنّط جزء من محلّ التحنيط ، ثمّ حضر معه جزء آخر اقتصر على الأوّل ، ويسري حكم الجملة إلى الأبعاض ، فبعض الشهيد ، والمحرم المؤمن ومقابليهم بمنزلتهم ، مع وجود الوصف حال القطع وحال العمل.

ولو اختلفا بأن استشهد أو أحرم أو أحلّ أو كفر أو أمن بعد القطع قبل العمل ، احتمل فيه مراعاة حال القطع ، ولعلّه أولى ، ومراعاة وقت العمل.

ولو قيل بأنّ المنفصل من المحرم أو الشهيد لا يجري حكمهما عليه مطلقاً ، وفي المؤمن ومقابله يعتبر حال القطع كان قويّاً.

المبحث الثاني عشر : في أحكام الخلل

وهو أقسام :

منها : السهو وحكمه أنّه متى سها عن عمل سابق أو عن بعضه حتّى دخل في لاحق أتمّه وعاد على اللاحق ما لم يكن مانع ، ولو سها عن التغسيل أو بعضه حتّى حنّط أو كفّن أعاده ، ثمّ عاد عليهما ، ولو سَها عن أحدهما أو عن التغسيل حتّى صلّى ، عاد على ما فات ثمّ أعاد الصلاة ، وفي التحنيط كلام.

ولو سَها عن أحدها حتّى أدخل القبر ، فإن ذكر قبل الدفن أخرج ، وأتى بما فات ، وإن ذكر بعد الدفن فإن كان صلاة ولم تمض اليوم والليلة صلّى عليه في القبر ، وإن فات الوقت أو كان المنسيّ غير صلاة ، فقيل بلزوم النبش (٢) ، والأقوى عدمه في غير التغسيل والاستقبال.

ومنها : الشكّ ، ولا حكم له ولا التفات إليه من كثير الشكّ ، بل يبني على الصحّة

__________________

(١) في «س» ، «م» زيادة : فتعدّد.

(٢) القائل هو الشهيد في البيان : ٨١.

٢٩٥

والتمام ، وأمّا من غيره فإن كان في عمل بعد الدخول في غيره كالشكّ في الغسل كلا أو بعضاً حتّى كُفّن ، أو دخل في التكفين أو التكفين حتّى صلّى أو دخل في الصلاة أو الصلاة حتّى دفن ، أو وضع في القبر فلا اعتبار به ، ومثله ما لو شكّ في غسل السدر كلا أو بعضاً حتّى دخل في غسل الكافور ، أو في غسل الكافور حتّى دخل في غُسل القراح.

وأمّا الشك في عضو سابق بعد الدخول في عضو لاحق من غسل واحد أو في تكبيرة أو دعاء بعد الدخول في غيرهما ، ففيه وجهان ، وعدم الالتفات أقوى ، وطريق الحائطة لا يخفى.

ومنها : الطواري فما يعرض للفاعل من مانع من موت أو غيره أو ارتداد في أثناء العمل ، فإن لم يكن عبادة صحّ الماضي وأكمل الباقي ، والظاهر إلحاق الغسل بذلك ؛ للانفصال على نحو غيره من الأغسال.

أمّا الصلاة فالظاهر لزوم إعادتها ، والقول بالاكتفاء بتكميلها لأنّها دعاء بعيد ، نعم لزوم عروض مثل ذلك للإمام لا يفسد صلاة المأمومين ، ثمّ إن شاءوا نصبوا إماماً منهم ، وإن شاءوا انفردوا على نحو ما مرّ ، وفي جواز نصب إمام من خارج إشكال (١).

ولو تبيّن فساد صلاة من صلّى وجب على الناس كفاية عوضها ، ولو طرأت نجاسة من أحد المخرجين أو من خارج في أثناء الغسل أو الصلاة عليه أو تحنيطه فلا بطلان ، وإنّما تغسل النجاسة من بدنه أو كفنه ، ثمّ يؤتى بباقي العمل ؛ وكذا الحال لو طرأت قبل الإدخال في القبر مطلقاً.

ولو طرأت بعد الدخول إلى القبر أو لم يعلم بها إلا فيه ، فإن كانت في البدن أو في كلّ الكفن ، أو في كثير منه بحيث يفسده القرض ، ويخرجه عن كونه ساتراً ، أُخرج من القبر ، وغسلت ، ثمّ أُعيد إليه ، وإن كانت قليلة فيه لا يفسد قرضها ، قرضت ، وخيطت إن لم يحصل القرض بضمّ بعض إلى بعض.

__________________

(١) في «س» ، «م» زيادة : إن كان وفي أثناء الغسل صحّ الماضي وأتمّ الباقي.

٢٩٦

والقول بالعفو عن قليل الدم ، وإن كان غير خالٍ من الوجه إلا أنّ الأوجه خلافه ، وبعد الدفن يسقط حكمه.

ومنها : ما لو عدل الوليّ عن الإذن في أثناء العمل أو عادت الولاية إلى غيره ، أو حضر بعد غيبته فمنع ، والحكم هنا أنّه إن كان في تكفين أو تحنيط أو مقدّمات دفن لم يجز الإكمال ؛ وفي الصلاة وجهان ، والأقوى أنّ له الإكمال ، والأحوط القطع والإعادة من رأس ، ولو كان إماماً أتمّ المأمومون ، وكذا لو كانوا منفردين متعدّدين فمنع بعضهم.

ولو شكّ في عضو في الحرم أنّه من مُحلّ أو مُحرم حكم بحلّه ، ولو شكّ في كونه من إنسان أو غيره فلا حكم له ؛ ولو شكّ في وجود عظم فيه بنى على عدمه ، والأحوط البناء عليه ، وكذا شكّه في عظام متعدّدة أنّها من واحد أو لا ، بنى على الوحدة ، فيجتزي بالكفن الواحد ، والقبر الواحد ، والنعش الواحد ، وهكذا ، وفي تسرية حكم وحد القبر ، والنعش ، والتشييع ، ونحوها إلى الأجزاء لا سيّما الصغار بحث.

المبحث الثالث عشر : فيما بعد الدفن

يحرم نبش قبر المؤمن ومن في حكمه احتراماً له ولو لدفن آخر ، بل يحرم الدفن بعد النبش من دون ضرورة لسبق حقّ الأوّل ؛ لتقدّم حيازته في المباح ، وتقدّمه في الأوقاف (١) ، واختصاصه في غير ذلك (٢) ، وإذا انكشف القبر عن الميّت مع عدم صيرورته رميماً وجب على الناس دفنه ، والظاهر أنّ الوليّ أولى به ، وتنتقل الولاية إلى وارثه بعد موته في وجه.

وفي وجوب تكفينه مرّة أُخرى من ماله مع ذهاب كفنه وجه قريب ، ومع عدم سبق تكفينه أو غيره من الأمور الماليّة يبقى تعلّقها بالمال.

ويستثنى من حرمة النبش مواضع :

منها : ما إذا صار رميماً فيخرج عن عنوان النبش.

__________________

(١) في «م» ، «س» : الأوقات.

(٢) في «ح» زيادة : وفي نبشه وإخراجه بعد الدفن إشكال.

٢٩٧

ومنها : تخليصه من نجاسة في القبر أو قذارة تبعث على إهانته.

ومنها : كونه في مقابر الكفّار وغيرهم من أهل الباطل ، فتخرجه منها.

ومنها : أن يخشى على بدنه من إخراج حيوان أو عدوّ يريد إخراجه ليحرقه ، أو يمثّل به أو يهتك حرمته بجعله غرضاً للنشّاب أو ملعبة للصبيان ، وربّما وجب في مثل هذا.

ومنها : أن يكون ذلك لإيصاله إلى محلّ يرجى فوزه بالثواب ، أو نجاته من العقاب كالنقل إلى المشاهد المشرّفة ، بل مقابر مطلق الأولياء والشهداء والعلماء والصلحاء ، وربّما كان هذا القسم أولى من غيره فيخرجه كلا أو بعضاً عظما أو لحماً أو مجتمعاً ، ولو لا قيام الإجماع والسيرة على عدم وجوبه لقلنا بالوجوب في بعض المحالّ.

ومنها : أن يكون في أرض مغصوبة ولم يتعقّبه رضا المالك.

ومنها : أن يكون في بطنه أو في قبره مال معتدّ به للوارث أو غيره ، والقول بجوازه لمطلق المال غير بعيد الوجه.

وفي وجوب بذل المال من أصل المال لدفع النبش أو الشقّ أو الإحراق ونحوها إن أمكن وجه ، وفي تقديمها على الكفن والحنوط وماء الغسل وجه وجيه.

ومنها : أن يتوقّف على رؤيته شهادة تتوقّف مواريثه وأحكامه ، أو ثبوت حقّ جناية ونحوها عليها.

ومنها : أن تكون في حفرة لم يبلغ حدّ الإجزاء.

ومنها : أن يكون موجّهاً لغير القبلة ، وفي إلحاق من جعل على اليسار مستقبلاً وجه ، قيل ومنها : ما إذا لم يكن مغسّلاً أو مكفّناً أو محنّطاً أو مصلّى عليه ، وفات وقت الصلاة عليه في قبره (١) ، وفيه إشكال ، ويقوى في فوات الغسل ، ولو أخرج أو خرج اتّفاقاً أتى له بالفائت له من الأعمال.

والظاهر الاجتزاء بالصلاة على القبر لو وقعت في وقتها ، ولا حاجة إلى إعادتها ، ولو اضمحلّ بدنه أو أكله حيوان عاد الكفن إلى الوارث إن كان من

__________________

(١) كالعلامة في التذكرة ٢ : ١٠٤ ، والشهيد في البيان : ٨١.

٢٩٨

التركة ، وإلى المتبرّع إن كان منه.

ومنها : أن يكون أبعاضاً وقد دفن بعض منها فينبش لإدخال الباقي منه فيه في وجه قوّي.

ومنها : لزوم منافاة التقيّة في بقائه.

ومنها : ما إذا تجدّدت مظنّة حياته.

ومنها : ما إذا لزم من بقائه تضرّر عظيم على المارّة.

ومنها : ما إذا توقّف إصلاح المحلّ الذي جعل مقبرة أو إصلاح المشهد الذي جعل مدفنا عليه.

ومنها : ما إذا علم وجود عدوّ من أعداء الله معه.

ومنها : ما إذا علم وجود امرأة أجنبيّة معه.

ومنها : ما إذا أريد تعمير دار وجد فيها أو نحوها :

ومنها : ما إذا اضطرّ إلى جعله بئراً أو مجرى ماء مضطرّ إليه إلى غير ذلك.

ويُستحبّ رفع القبر قدر أربع أصابع مفرّجات وغايته إلى شبر وتربيعه ، وتسطيحه ، وصبّ الماء عليه من قبل رأسه مستقبل القبلة تجاه الميّت ، ثمّ يدور إلى جوانبه الأربع ، ولا يقطع الماء حتّى ينتهي إلى الرأس ويتمّ الدورة ، ويصبّ فاضل الماء على وسطه.

ووضع الحصباء وهي صغار الحصى والأولى أن تكون حمراً على قبره. ووضع الكفّين عليه ، ودونه وضع الواحدة ، والأولى فيها اليمنى وإن يكونا مؤثّرين ؛ ليكون ذلك كالعلامة عليه.

وأن يقرأ عليه سورة القدر سبع مرّات مستقبل القبلة ، ويدعو له بقوله : «اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه ، وصعّد وفي بعض النسخ وصاعد روحه إلى أرواح المؤمنين في علّيين ، وألحقه بالصالحين» (١).

وأن يوضع عليه لبنة أو لوح يكتب عليه اسمه ليعلم به ، والأولى كون ذلك كلّه

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٨٤٦ ب ٢١ من أبواب الدفن ح ٤ ، البحار ١٠٢ : ٣٠٠ ح ٢٦.

٢٩٩

برضا الولي ، وتلقين الولي أو من يأمره بعد الانصراف مع استقبال القبر والقبلة ، والقيام ، ورفع الصوت إلا لتقيّة.

ويُستحبّ زيارة القبور فعن عليّ عليه‌السلام : «زوروا أمواتكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم ، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه أو أمّه بما يدعو لهما» (١).

وفي الأخبار أنّهم يأنسون بالزائر ، وإذا ذهب استوحشوا (٢) ، والأخبار في هذا الباب كثيرة ، وخصّها بعضهم بالرجال (٣) ، ويقرب استحبابها للنساء مع التستّر ، ويختلف أجرها باختلاف المزور.

وأن يقول في زيارتهم : «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا فرط ، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون» (٤) أو يقول : «السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (٥) وروى غير ذلك (٦).

ويكفي في الزيارة مجرّد الحضور ، ثمّ في السلام فضل آخر ، ثمّ يتضاعف بتضاعف الدعاء والقراءة ، وفي هدية الأعمال فضل آخر. والأفضل أن يكون يوم الاثنين ، وعشيّة الخميس ، وغداة السبت ، ورويت في ساعة الصبح مطلقاً (٧) ، وروى أنّ أدنى الزوّار منزلة من يؤخّر الزيارة من الجمعة إلى الجمعة (٨).

ويستحبّ خلع النعل إذا دخل المقبرة ، وقراءة سورة الإخلاص لهم أحد عشر مرّة ، وسورة يس ، وروى أنّ من قرأ سورة يس لأهل المقبرة كان له بعدد من فيها حسنات (٩) ، ومن قرأ أية الكُرسي وجعل ثوابها لأهل القبور جعل الله له من كلّ حرف ملكاً يسبّح له

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ١٠ ، الوسائل ٢ : ٨٧٨ باب ٥٤ من أبواب الدفن ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٢٨ ح ١ و ٤ ، دعوات الراوندي : ٢٧١ ح ٧٧٥.

(٣) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٣٤٠ فإنه قائل بالكراهية لهُنّ.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٥ ، سنن النسائي ٤ : ٦٤.

(٥) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٨.

(٧) البحار ١٠٢ : ٢٩٧ ح ١١.

(٨) الكافي ٣ : ٢٣١ ح ٥.

(٩) البحار ٨٢ : ٦٣ ح ٣.

٣٠٠