كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

إلى يوم القيامة (١).

والصدقة عن الميّت ، فقد روي أنّه إذا تصدّق الرجل بنيّة الميّت أمر الله تعالى جبرئيل عليه‌السلام أن يحمل إلى قبره سبعين ألف ملك ، في يد كلّ ملك طبق ، ويقولون : السلام عليك يا وليّ الله هذه هديّة فلان بن فلان إليك فيتلألؤ قبره نوراً ، وأعطاه الله ألف مدينة في الجنّة ، وزوّجه ألف حوراء ، وألبسه ألف حلّة ، وقضى له ألف حاجة (٢).

وورد في الأخبار الكثيرة (٣) أنّه يصل إلى الميت كلّ عمل يعمل له من صلاة ، وصيام ، وحجّ ، وصدقة ، وغيرها ، وأنّ الله يمنّ بالثواب على العامل والميّت.

والأولى أن يصلّي عن الولد بالليل ، وعن الوالدين بالنهار.

وإهداء الأعمال من صلاة أو قراءة أو صدقة أو غيرها إلى المعصومين أفضل من الإهداء إلى غيرهم ، ويترتّب الفضل على ترتّب المهديّ إليه في الفضل ، وإن روعي في المفضول أشدّية الاحتياج فلا بأس. وأُولي الأرحام أولى من غيرهم ، والأقرب منهم أولى من غيره ، والجار والصديق وأرباب الحقوق على اختلافهم أولى من غيرهم.

ويكره تجصيص القبر وتجديده وتظليله ، والمقام في قبور الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، وكبراء أهل الدين ، والقعود عليه ، والمشي عليه والاستناد إليه ، إلا لداع.

والحدث على القبر وبين القبور خصوص التخلّي. وقد يبعث على الارتداد حيث يكون على قبور سادات العباد. وربّما يلحق به وضع النجاسات والقذارات وجميع ما فيه هتك الحرمة ، ويحرم بين القبور المعظّمة.

المبحث الرابع عشر : في التعزية

ينبغي لصاحب المصيبة أن يجلس للعزاء ثلاثة أيّام ، والأفضل أن يضيف إلى ذلك

__________________

(١) البحار ١٠٢ : ٣٠٠ ح ٣٠.

(٢) إرشاد القلوب : ١٧٦.

(٣) الكافي ٧ : ٥٦ ح ١ ٥ ، المحاسن ١ : ١٥٠ ح ٢١٧ ، البحار ٨٨ : ٣٠٤ ح ١ ، وج ٨٢ : ٦٢ ح ١ ، ٢ راجع الباب.

٣٠١

ما يقتضي إكرام المعزّين من وضع الطيب والماء والقهوة والتنباك ، ووضع الفرش المناسبة وأن يضاف إلى ذلك ترحيم وفاتحة كما يُصنع اليوم ، والغرض المهمّ منها تسلية المصاب ، وتخفيف حزنه ، لا الذكر وقراءة القرآن ، وتعزية سيد الشهداء (ع) إلا إذا كانت لها مدخليّة في ذلك.

وهي مستحبّة قبل الدفن وبعده ، وأجرها عظيم ، روي : «أنّ من عزّى مصاباً كان له مثل أجره» (١). وروى أيضاً : «من عزّى أخاه المؤمن كسي حلّة» (٢). وروى : «أنّ من عزّى حزيناً ألبسه الله من لباس التقوى ، وصلّى على روحه في الأرواح» (٣). وروى : «أنّ من مسح على رأس يتيم كتب الله له بكلّ شعرة مرّت يده عليها حسنة ، ومن سكّت يتيماً من البكاء أوجب الله له الجنة» (٤) ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «التعزية تورث الجنة» (٥).

ويستحبّ أن يقول : «جبر الله وهنكم ، وأحسن عزائكم ، ورحم متوفّاكم» (٦).

ويكفي في تحققها مجرّد الحضور عنده ؛ لإدخال السرور عليه ، والفضل أن يحضر إلى ثلاثة أيّام ، وفوق ذلك أن يظهر لهم شفقته ، وأنّه مصاب بما أصابهم ، ويجوز المبالغة في ذلك ، ولو كانت كذباً.

ويستحبّ للجيران إطعام أهل المصيبة ثلاثة أيّام ، ويتمشّى في الأصدقاء وغيرهم ، بل جميع الإخوان.

وينبغي أن يُتلى عليه ما يبعث على تسليته ، وأقواه ذمّ الدنيا ، وذكر معايبها مفصّلة ، وبيان قرب السفر ، وسرعة الوصول إلى الراحلين ، وأنّ ما ذهب من الأقارب والأحبّاء أكثر من الباقين ، وهم لنا منتظرون ، وعن قريب نحن بهم لاحقون.

__________________

(١) قرب الإسناد : ٥١ ح ١٦٦ وص ١٥٦ ح ٥٧٤ ، الكافي ٣ : ٢٢٧ ح ٤.

(٢) فقه الرضا : ١٧٢.

(٣) مجمع الزوائد ٣ : ٢٠.

(٤) البحار ٨٢ : ٨٠ ذ. ح ١٦.

(٥) ثواب الأعمال : ٢٣٥ ح ١ ، الفقيه ١ : ١١٠ ح ٦ ، الاختصاص للمفيد : ١٨٩.

(٦) الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥.

٣٠٢

ثمّ ذكر ما جرى على الأنبياء والأوصياء خصوصاً ما جرى على سيّد الشهداء (ع) وأهل بيته ، وأصحابه في كربلاء ، وما جرى على العلماء والملوك والأمراء ، وسائر من طحنهم البلاء ، وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أُصيب بمصيبة فليذكر مصيبته فيّ فإنّها من أعظم المصاب» (١).

ثمّ يذكر بعض من صبر ممّن لا يرجى منه ذلك ، كأن ينقل قضيّة أعرابيّ كان عنده ضيف ومات له ولدان ، تساقطا في بئر حين حمل الطعام إلى الضيف ، فأتمّ الضيافة ولم يُعلم الضيف حتّى سار عن محلّه ، فوجد النعشين في الطريق ، ولم تتغيّر بشرة أبيهما ، ولا سمع صوت أمّهما أو أحد أرحامهما.

ووقع مثله في زماننا لبعض العلماء الأواخر الساكنين في أرض الجوازر ، أو يذكر قضيّة بدويّ شيخ كبير السنّ ، له ولزوجته ولد واحد ، فمرض الولد وكلّما دخل أبوه على أمّه فسألها عن حاله حمدت الله تعالى وقالت : هو في أحسن حال ، حتّى قبض فوضعت عليه ثوباً ، حتّى جاء أبوه ، وسألها عن حاله فحمدت الله تعالى ، وقالت هو على أحسن حال على نحو ما كانت تقول ، ثمّ أخرجت طيباً فتطيّبت ، ولاعبته ، حتّى دنى منها دنوّ الرجل من المرأة ، فقالت له : يا أبا فلان إنّك تخون الودائع فقال : معاذ الله تعالى ، فقالت : إنّ ابنك فلاناً وديعة الله عندك ، وقد استردّها ، فقضي حزنهما. وقد وقع مثله لبعض النساء في أيّامنا هذه.

أو يذكر أنّ بدوياً أخبر بقتل ولده أو بموته ، وهو يقصّ على القوم ويحدّثهم عن بعض أحاديث السلف ، فأمر بتجهيزه ، ولم ينقطع كلامه إلى غير ذلك.

ثمّ يتلو ما ورد من الآيات الدالّة على ما أعدّ الله للصابرين من الأجر والثواب ، وأنّ الله تعالى صلّى على من أصيب بمصيبة فصبر وقال (إِنّا لِلّهِ ، وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٢). ثمّ يذكر بعض الروايات المتعلّقة بهذا الباب :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢١ ح ٣ ، كنز العمّال ٣ : ٢٩٩ ح ٦٦٤٤.

(٢) سورة البقرة : ١٥٥.

٣٠٣

منها : ما روي عن الصادق عليه‌السلام : «أنّه رأى رجلاً اشتدّ جزعه على ولده ، فقال : يا هذا جزعت للمصيبة الصغرى ، وغفلت عن المصيبة الكبرى» (١) ، وعنه عليه‌السلام : «أنّه عزّى رجلاً بولده فقال له : الله خير لابنك منك ، وثواب الله خير لك منه ، فلمّا بلغه جزعه عليه عاد إليه ، فقال له : قد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما لك به أسوة؟ (٢) الخبر.

وعنه عليه‌السلام : «أنّه عزّى رجلاً فقال له : لو أنّ الله قال لك : هل ترضى بما أرضى به ما كنت قائلاً؟ فقال : أرضى برضا الله ، فقال : فهذا رضا الله».

ومنها : أن يتلو عليه ما روي فيما أعدّ الله للمصاب من الأجر والثواب ، كما روي عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ من أصيب بمصيبة صبر عليها أو لم يصبر كان ثوابه من الله الجنّة» (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : «من صبر على مصبية زاده الله عزّاً إلى عزّه ، وأدخله جنّته مع محمّد صلوات الله عليه وعليهم» (٤) وعنه عليه‌السلام : «من بُلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب الله له مثل أجر ألف شهيد» (٥).

وعن عليّ عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله يقول : من لم يرضَ بقضائي ، ولم يشكر نعمائي ، ولم يصبر على بلائي ، فليتّخذ ربّا سوائي» (٦).

وقال : «من أصبح حزيناً على الدنيا أصبح ساخطاً على الله ، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنّما يشتكي من الله» (٧) وقال فيما أوحى الله عزوجل إلى عزير : «إذا نزلت بك مصيبة ، فلا تشكني إلى خلقي ، كما لا أشكوك إلى ملائكتي عند صعود

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٩٣ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٥ ح ١٠ وص ٥٢ ح ٢٠٠

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٤ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١١٠ ح ٧ ، التهذيب ٨ : ٤٦٨ ح ١٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ١١١ ح ١٦.

(٤) ثواب الأعمال : ٢٣٥ ح ٢.

(٥) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٢٣ ح ٣٩.

(٦) دعوات الراوندي : ١٦٩ ح ٤٧١ ، مسكّن الفؤاد : ٨١.

(٧) الاختصاص للمفيد ص ٢٢٦ ، دعوات الراوندي : ١٦٦.

٣٠٤

مساويك وفضائحك» (١).

ومنها : ما ورد من الأجر في مصاب الأولاد ، فعن الصادق عليه‌السلام : «ولد واحد يقدّم الرجل أفضل من سبعين ولداً يقومون بعده يدر كون القائم عليه‌السلام» (٢) ، وعنه عليه‌السلام : «ولد واحد يقدّم الرجل أفضل من سبعين ولداً يخلفونه من بعده ، كلّهم قد ركب الخيل ، وقاتل في سبيل الله» (٣) ، وعنه عليه‌السلام : «ثواب المؤمن من ولده الجنّة صبر أو لم يصبر» (٤).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنّة» (٥) ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ للجنّة ثمانية أبواب فلا يأتي من مات منه ولد باباً منها إلا وجد ابنه عندها يشفع له» (٦) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من دفن ثلاثة فصبر واحتسب وجبت له الجنّة وكذا من دفن اثنين وكذا من دفن واحداً» (٧).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ الله يأمر بأطفال المؤمنين إلى الجنّة ، فيقولون : لا ندخل إلا وآباؤنا معنا ، فيأمر الله جبرائيل يخرج آباءهم من بين المحشر ، فيدخلهم معهم الجنّة» (٨) ، وروى «أنّ السقط يقف وقفة الغضبان على باب الجنّة ، فيقول : لا أدخل حتّى يدخل أبواي ، فيدخلهما الله الجنة» (٩) وأمثال ذلك ممّا لا يحصى.

وقد ورد في الأخبار الكثيرة أنّ البكاء على الميّت لا يستلزم الجزع المنهيّ عنه (١٠).

__________________

(١) دعوات الراوندي : ١٦٩ ح ٤٧ ، البحار ٧٨ : ٤٥٣ ح ٢٠.

(٢) مسكّن الفؤاد : ٣٠.

(٣) ثواب الأعمال : ٢٣٣ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٢١٩ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١١٢ ح ١٧ ، مسكّن الفؤاد : ٣٠.

(٥) كنز العمّال ٣ : ٢٨١ ح ٦٥٥٥.

(٦) أمالي الصدوق : ٦٣.

(٧) كنز العمّال ٣ : ٢٩١ ح ٦٦٠٥ ، مسكّن الفؤاد : ٣٧

(٨) مسكّن الفؤاد : ٣٢.

(٩) الأشعثيّات : ٢٠٨ ، مسكّن الفؤاد : ٩٣ و ٩٩.

(١٠) مسكّن الفؤاد : ٩٣.

٣٠٥

وروى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمّا دمعت عيناه على ابنه إبراهيم : «تدمع العين ويوجع القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ» (١). وروى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى على إبراهيم ولده ، وعلى بعض أصحابه (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما كان من حزن في القلب أو في العين ، فإنّما هو رحمة ، وما كان من حزن باللسان أو باليد ، فإنّما هو من الشيطان» (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : «إنّ إبراهيم خليل الرحمن على نبيّنا وآله وعليه‌السلام سأل الله سبحانه ابنة تبكيه بعد موته» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار ، والله وليّ التوفيق.

القسم الرابع : غسل مسّ الأموات

ويتحقّق بمسّ بدن إنسان (٥) بارد بعد الموت (٦) ، ولم يسبق بتغسيل ولا بحكمه ، أو مسّ بعض منه متّصل به حلّته الحياة أو لا ، عدا الشعر ، بما حلّته الحياة أو لا ، عدا الشعر كما ينبئ عنه حكمه في غسل الجنابة ، مع ما دلّ على أنّ غسل الميّت كغسل الجنابة ، أو من أقسامه أو منفصل عنه من عظم مجرّد أو متّصل بلحم ، ونحوه المنفصل عن حيّ ما لم يكن سنّاً مجرّداً عن اللحم.

ولو انفصل من بدن الماسّ جزء لا يخلو من العظم تعلّق به غسل الموت دون المسّ ، ولو أُريد وصله أو كان خالياً من العظم سقط الغسلان على تأمّل في الأوّل ، كما يسقط غسل الجنابة وغيره عن المنفصل ، تعلّق به غسل الموت أو لا.

ولا فرق في الجزء المحكوم بتغسيله من عظم مجرّد أو متّصل بلحم بين البارد منه وغيره ، وجزء الميّت في الحيّ قبل انفصاله بمنزلة الحيّ.

__________________

(١) مسكّن الفؤاد : ٩٤.

(٢) مسكن الفؤاد : ٩٥.

(٣) مسكّن الفؤاد : ٩٤.

(٤) التهذيب ١ : ٤٦٥ ح ١٥٢٤.

(٥) في «ح» زيادة : ميّت.

(٦) في «ح» زيادة : ممّا حلّته الحياة

٣٠٦

ولو مسّ اللحم المجرّد أو ما لا تحلّه الحياة مَن الشعر أو الشهيد أو المعصوم ، أو من غسل قبل موته بعد موته أو سنّاً (١) مجرّداً مقلوعاً من حيّ ، وإن مات بعد قلعه (مجرّداً ، أو مع لحم قليل ، أو بدن مَن تيمّم) (٢) عوض الغسل ، أو عظماً مجرّداً ، أو مع لحم من المستثنيات لم يكن عليه شي‌ء.

ولو مسّه بعد الموت قبل البرد مع الجفاف من الجانبين فليس عليه شي‌ء ، ومع الرطوبة المتعدية ولو من جانب يلزمه الغسل دون الغسل ، وبعد البرودة في القسم الأوّل الغُسل دون الغَسل ؛ وفي القسم الثاني يلزمان معاً (ولو برد البعض فمسّه فلا حكم له. ومن جامع من لم يغسل مع برودته لزمه غُسلان ، وغُسل ، ومع الحرارة غُسل واحد ، وغَسل ، ومن أصابته حرارة عارضيّة لوحظ فيه التقدير بالنسبة إلى الأصليّة ، ولو مسّ حال الكفر فأسلم أو بالعكس لزمه الغسل ، ولو قطعت منه قطعة قبل المسّ فوصلت غسلت وأخلّت بالترتيب في وجه. وما لا تحلّه الروح من السقط لا غسل في مسّه ، ويجري الحكم في مسّ الأطفال ، ويلزمهم بعد البلوغ والعقل ، وفي إجراء الحكم بمسّ الواحد ممّن كانا على حقو واحد مع حياة الأخر أو حرارته إشكال) (٣).

ونجاسة الموت في الإنسان وغيره على نحو غيرها من النجاسات في التعدّي مع الرطوبة ، وعدمه مع عدمها ، والمقطوع بعد حصول السبب ممّا لا غسل فيه ، وقبله كالمقطوع من الشهيد قبل موته ، والمغسّل حيّا قبل قتله بحكم غيره ، ومع اشتباه الموت أو البرودة أو المسّ في الأصل أو بين أفراد محصورة أو غير محصورة لا يلزم الغسل ، ومسّ المغسول قبل التمام ولو كان الباقي مقدار شعرة كمسّ غير المغسول.

ولمس عرقه ودمه ومنيّه وجميع فضلاته لا يجري فيه حكم المسّ ، ويجري الحكم في تماسّ الظاهرين ، والباطنين ، والمختلفين ، والحكم فيه كما في الحدث الأصغر ،

__________________

(١) في «م» ، «س» : شيئاً.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : في غير ما استثني أو من لحم [وكما ترى فإن العبارة فيهما لا تخلو من سقط وارتباك].

(٣) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

٣٠٧

فيجب لما يجب له الوضوء ، ويستحبّ لما يستحبّ له ، ويشترط لما يشترط فيه.

وهيئته وهيئة ما عداه من الأغسال ، كهيئة غسل الجنابة يجري فيها الترتيب والارتماس ، غير أنّ جميع أغسال الأحياء يلزم معها الوضوء للغايات المشروطة بالطهارة دونه ، ولا فرق بين ميّت الكافر والمسلم في ترتّب غسل المسّ على مسّه على نحو التفاصيل المذكورة ، والكافر مكلّف بغسل المسّ وغيره من الأغسال وغيرها إلا أنّها لا تصحّ منه ، وكذلك فاسد العقيدة من المسلمين.

ومسّ الأموات المتعدّدين لا يترتّب عليه سوى غسل واحد ، وأمّا من كان عليه غسل آخر لجنابة أو حيض ونحوهما فيتعدّد عليه ، إلا أنّه يجوز له الاكتفاء بواحد ينوي فيه الأسباب المتعدّدة ، ومن تجدّد عليه سبب موجب للغسل في أثناء الغسل مجانس فسد ما عمل وأعاد ، وغير المجانس لا يقتضي الفساد في غير غسل الجنابة فله إتمامه والعود على الأخر وله العود بقصد التداخل في الكلّ أو البعض على إشكال.

ومن غسل الميّت بالصبّ من دون مسّ ، أو وضع على يده خرقة تمنع المباشرة أو غسّله من وراء الثياب مباشراً لها فقط ، فليس عليه غسل مسّ ، وكذا من مسّ وسخاً في بعض بدنه أو رمصاً أو بعض رطوبات خرجت منه وجفّت ، مع كونها متّصفة بصفة الحجب.

البحث الثاني : في الأغسال المسنونة

وهي أقسام :

الأوّل : ما سُنّ للفعل ، وهو أُمور :

أحدها : ما كان للدوام على الطهارة ؛ لرجحانها في نفسها صغرى كانت أو كبرى فالوضوء والأغسال الرافعة مطلوبة في حدّ ذاتها ، وتختلف مراتب الطلب شدّة وضعفاً باختلاف مراتب السبب.

فالرافع للحدث الأصغر أقلّ رجحاناً من الرافع للأكبر ، والرافع للأكبر متفاوت الرجحان على نحو تفاوت مراتبه ، والرافع للحدث مع عدم ملاحظة الغاية أهمّ من

٣٠٨

الرافع للخبث ، وكلّما طلب له رفع الأصغر طلب له رفع الأكبر دون العكس.

ثانيها : غسل الإحرام لحجّ أو عمرة متمتّعاً أو مفرداً.

ثالثها : غسل طواف الزيارة أو النساء.

رابعها : غسل زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمّة أو الزهراء عليهم‌السلام أو أحد المعصومين من الأنبياء أو الأوصياء السابقين ، وقد يلحق بها زيارة المؤمنين ، والظاهر الاقتصار على الأموات منهم ، وتختلف مراتب رجحانه باختلاف مراتب المزور ، كما تختلف مراتب الزيارة لذلك.

خامسها : غسل تارك صلاة الكسوف والخسوف عمداً ، عالماً بالحكم أو جاهلا به ، وقد احترق تمام القرص.

سادسها : غسل السعي إلى رؤية المصلوب من المسلمين بإذن الشرع أو لا بعد ثلاثة أيّام من موته أو صلبه ، والأقوى الأخير ، لا لغرض صحيح شرعاً من شهادة تتعلّق بعينه ونحوها.

سابعها : غسل التوبة عن كفر أصليّ أو ارتداديّ تقبل فيه التوبة أو عن كبيرة من الكبائر ، والأقوى رجحانه للتوبة عن الصغائر أيضاً.

ثامنها : غسل الاستخارة.

تاسعها : غسل طلب الحاجة.

عاشرها : غسل صلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.

حادي عشرها : غسل مريد المباهلة.

ثاني عشرها : غسل مريد الاستسقاء ، ويختلف مراتب الاستحباب في هذه الأقسام باختلاف قوّة الأسباب وضعفها.

ثالث عشرها : غسل قتل الوزغة قيل : لأنّه يخرج من الذنوب يعني فهو كغسل التوبة (١).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٥ ذ. ح ١٧٤.

٣٠٩

رابع عشرها : غسل رمي الجمار.

خامس عشرها : غسل الوقوفين.

سادس عشرها : لصلاة الشكر كما قيل (١).

سابع عشرها : لكلّ فعل متقرّب به كما قاله أبو علي (٢).

ثامن عشرها : لمسّ الميّت بعد تغسيله.

تاسع عشرها : لتكفين الميّت بعد تغسيله إيّاه.

العشرون : لأخذ التربة الحسينيّة للاستشفاء.

الحادي والعشرون : لإهراق ماء غالب النجاسة عليه على ما قيل (٣).

الثاني والعشرون : للإفاقة من الجنون على ما قيل (٤).

الثالث والعشرون : لوجدان المنيّ في الثوب المشترك.

الرابع والعشرون : لجميع أنواع احتمال الحدث الأكبر احتياطاً.

الخامس والعشرون : لإعادة الغسل الناقص منه جزء أو وصف لعذر إذا ارتفع العذر على ما قيل (٥).

السادس والعشرون : للجنابة قبل الموت فيغسّل لها قبل قبل الموت ، وربّما ألحق به سائر الرافعة للحدث الأكبر.

السابع والعشرون : للمعاودة إلى الجماع قبل الغسل.

الثامن والعشرون : غسل التولّد للمولود.

التاسع والعشرون : غسل الحجامة.

الثلاثون : غسل الحلق والذبح والنحر.

__________________

(١) القائل هو ابن زهرة راجع غنية النزوع : ٥٥٥ ضمن جوامع الفقيه وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٣٣.

(٢) نقله الشهيد في ذكرى الشيعة ١ : ١٩٩ ، الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٥٥ عن الإسكافي.

(٣) القائل هو المفيد (مصنّفات الشيخ المفيد ٩ : ١٨) ، مفاتيح الشرائع ١ : ٥٥.

(٤) القائل هو العلامة في النهاية ١ : ١٧٩ كما نقله عنه الشهيد في ذكرى الشيعة ١ : ٢٠٠.

(٥) القائل هو الشهيد في البيان : ٣٨.

٣١٠

وجميع ما كان للفعل قبل الفعل سوى عشرة : غسل ترك صلاة الكسوفين مع الاحتراق ، وقتل الوزغة ، ومسّ الميّت بعد تغسيله ، وإهراق الماء الغالب النجاسة ، والإفاقة من الجنون ، ووجدان المنيّ في الثوب المشترك ، والشكّ في حصول الحدث الأكبر ، وزوال العذر ، والموت جنباً ، والتولّد وما عداها فوقتها قبل الدخول في الفعل.

القسم الثاني : ما سُنّ للزمان

وهو أُمور :

أحدها : غسل يوم الجمعة ، وهو سنّة للرجال والنساء ، ويتبعهنّ الخنثى المشكل والممسوح ، حضراً وسفراً ، وإن كان الاستحباب في حقّهم خصوصاً في السفر بل مطلق الخروج من البيوت ، ومع قلّة الماء أشدّ.

ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال على الأصحّ ، ولا يجوز تقديمه ، ويستحبّ قضاؤه مع الفوات عمداً أو سهواً إلى غروب الحمرة المغربيّة من ليلة الأحد ، والأحوط قصره على بقيّة يوم الجمعة ، وعلى نهار يوم السبت دون ليلته ، ويقوى جواز القضاء في سائر الأيّام والليالي.

وكلّما قرب إلى الزوال من وقت الأداء على اختلاف مراتبه أفضل أوقات الأداء ، ومن وقت القضاء أفضل أوقات القضاء.

ولو خاف تعذّر الماء أو تعسّره أو حصول المانع من استعماله ساغ تقديمه يوم الخميس ، ويقرب إلحاق ليلة الجمعة به ، وكلّما قرب منه إلى ليلة الجمعة أو صبحها على اختلاف الوجهين فهو أفضل ، وإذا تيسّر له الماء يوم الجمعة صحّ ما سبق ، واستحبّ له الإعادة في وجه ، (ولو ظهر له عدم الإعواز في الأثناء قطعه.

ولو قلنا بأنّ التمكّن يوم الجمعة كاشف عن الفساد قضاه ، والإعواز عن مندوباته ليس بإعواز ، والإعواز وقت الأداء يجري فيه الحكم فإمكان ما بعد الزوال لا ينافيه ، ولو اندفع الإعواز بما لا يضرّ من المال بالحال لم يجر عليه الحكم ، ولو اقتصر عليه في يوم العيد فلا يبعد استحباب تقديمه على صلاة العيد.

٣١١

ولو نذر غسل الجمعة أو عبادة أُخرى ممّا فيه تقديم أو قضاء ففي الامتثال بأحدهما إشكال ، ومن اغتسل للجمعة بقصد يومها فبان في وقت القضاء أو متقدّماً في يوم الخميس مع مصادفة الإعواز قوي الإجزاء ، ولو انعكس الحال كان أولى بالصحّة.

أمّا لو نوى نوعاً آخر من الأغسال لبعض الأيّام فبان أنّه الجمعة أو بالعكس فسد) (١).

والأقوى أنّ أداء الخميس مقدّم على قضاء السبت ، ولا يبعد القول برجحان الإتيان بالممكن منه إذا تعذّر الإتيان بكلّه ؛ لقضاء التعليل ، وعلى ما يقتضيه يختلف مراتب الرجحان بالنسبة إلى الحاضر مع الناس في الجمعة أو غيرها من الصلوات ، وغيره ، والأقوى أنّها حكمة مجرّدة لا تعليل فيها.

ثانيها : غسل أوّل يوم من شهر رمضان ولا سيّما إذا كان من نهر جارٍ وصبّ على رأسه ثلاثين كفّاً ؛ فإنّه يطهّر إلى رمضان القابل.

ثالثها ورابعها وخامسها وسادسها وسابعها : ليلة خمس عشرة ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاثة وعشرين ، وإذا فات من ليالي الأفراد الثلاثة الأخيرة ليلة قضى بعد الفجر.

ثامنها : ليالي العشرة الأواخر ، وفيها وفي ليالي الأفراد ، الأولى إيقاعه بين العشائين ، ورخّص في الغسل في جميع الليالي المذكورة بين الإيقاع أوّل الليل واخره ، وروى في ليلة الثالثة والعشرين غُسلان في أوّلها أولهما ، وفي آخرها الأخر (٢).

تاسعها : غسل ليلة الفطر بعد الغروب ، ولعلّ المراد به وقت المغرب.

عاشرها وحادي عشرها : غسل يومي العيدين : الفطر والأضحى في أيّ وقت من اليومين شاء ، والأولى الاقتصار على ما بين الصبح إلى الزوال كغسل الجمعة.

وعن الصادق عليه‌السلام : «الاغتسال من نهر ، فإن لم يكن نهراً استسقى الماء بنفسه خشوعاً ويكون تحت الظلال أو تحت حائط مع المبالغة في التستّر (٣)».

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

(٢) التهذيب ٤ : ٣٣١ ح ١٠٣.

(٣) ورد هذا المضمون في الوسائل ٢ : ٩٥٥ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٥ ح ٤.

٣١٢

وإذا أراد الدخول في الغسل قال : «اللهمّ إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، واتّباع سنّة نبيّك صلواتك عليه وآله» ثمّ يسمّي ويغتسل ، وإذا فرغ قال : «اللهمّ اجعله كفّارة لذنوبي ، وطهّر ذنبي اللهمّ أذهب عنّي الدنس» (١).

ثاني عشرها وثالث عشرها ورابع عشرها : غسل أوّل رجب ووسطه واخره ليلاً أو نهاراً.

خامس عشرها : غسل يوم المبعث سابع وعشرين في رجب.

سادس عشرها : غسل ليلة نصف شعبان.

سابع عشرها : غسل يوم الغدير قبل زوال الشمس بنصف ساعة.

ثامن عشرها : غسل يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة ، لا الحادي وعشرون ، ولا الخامس والعشرون ، ولا السابع والعشرون على الأقوى.

تاسع عشرها : غسل يوم عرفة ، والأولى كونه عند الزوال.

العشرون : غسل يوم النوروز ، وهو أوّل سنة الفرس ، وقيل (٢) وقت حلول الشمس الحَمَل ، وقيل (٣) عاشر أيار.

الحادي والعشرون : غسل يوم التروية ثامن ذي الحجّة.

الثاني والعشرون : غسل يوم دحو الأرض الخامس والعشرون من ذي القعدة ، ونسب إلى الأصحاب (٤).

الثالث والعشرون : لكلّ يوم شريف أو ليلة شريفة.

الرابع والعشرون : غسل ظهور أية في السماء ذكرها أبو علي (٥).

وجميع ما سنّ للزمان يقع فيه سوى ما رخّص في تقديمه وتأخيره كغسل الجمعة أداءً في الأوّل وقضاءً في الثاني على الأقوى فيهما وما رخّص في قضائه كقضاء غسل

__________________

(١) إقبال الأعمال ١ : ٤٧٥.

(٢) القائل هو ابن فهد في المهذّب البارع ١ : ١٩٢.

(٣) ذكرى الشيعة ١ : ١٩٩.

(٤) ذكرى الشيعة ١ : ١٩٩.

(٥) نقله في مفاتيح الشرائع ١ : ٥٥ عن الإسكافي.

٣١٣

عرفة يوم النحر ، وقيل : بقضاء جميع الأغسال إذا فاتت سوى القسم الرابع والعشرين (١) ، وروى استحباب إعادة الصلاة لتارك غسل الجمعة ، والعيدين مع بقاء وقتها (٢).

القسم الثالث : ما سُنّ للمكان

وهو أُمور :

أحدها : غسل دخول أحد الحرمين.

ثانيها : دخول المسجد الحرام.

ثالثها : دخول مكّة.

رابعها : دخول الكعبة من غير فرق بين المحرم وغيره فيهنّ.

خامسها : دخول مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

سادسها : دخول المدينة.

سابعها : دخول حرم المدينة.

ثامنها : دخول أحد المشاهد المشرّفة.

تاسعها : دخول كلّ مكان شريف ، قاله أبو علي (٣).

ولو كرّر الدخول في أحدها من دون فصل فالظاهر الاكتفاء بغسل واحد ، ولو كرّر مع الفصل أو في المتعدّد مطلقاً مع عدم إرادة التداخل كرّر الغسل ، وكلّما يكون للمكان لا يستحبّ إلا قبل الدخول فيه ، وإن احتمل قويّاً استحبابه بعد الدخول قبل الخروج ، ويختلف مراتب الفضيلة باختلاف مراتب الأمكنة.

المقام الثالث : في الشروط

وهي مضافة إلى ما ذكر في المشتركات العامّة والخاصّة بأقسامها أُمور :

__________________

(١) القائل هو الشهيد الثاني في الدروس الشرعيّة ١ : ٨٧ وليس فيه الاستثناء.

(٢) التهذيب ١ : ١١٢ ح ٢٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٠٣ ح ٣٣٨.

(٣) كما نقله الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦٣ عن أبي علي ، والشهيد في ذكرى الشيعة ١ : ١٩٩.

٣١٤

منها : وجود الأسباب المطلوب رفعها ، أو رفع مانعيّتها ، أو الباعثة على رجحانيّتها ومطلوبيّتها ، فلو فعل شيئاً منها خالياً عن السبب بطل ، فلو اغتسل لجنابة أو حيض أو نفاس أو جمعة أو زيارة ، وهكذا ، فانكشف عدم السبب بطل ، هذا بالنسبة إلى ما اختلف بالنوع ؛ لأنّ كلّ نوع عبادة مستقلّة ، والجميع متساوية في الهيئة ، وإنّما يفرق بينها بملاحظة العنوان.

وأمّا ما اختلف بالشخص كجنابة مخصوصة أو حيض مخصوص أو جمعة قضاءً وأداءً أو زيارة كذلك ، فانكشاف عدمه وظهور شخص آخر لا يبعث على الفساد ، ولا اختلاف نوع بالنسبة إلى الحدث الأصغر ؛ لأنّ الوضوء عبادة واحدة ، والحدث نوع واحد ، ولا دخل لخصوص الأسباب.

وفي تعدّد نوع الزيارة بتعدّد المزور وجه قويّ ، فللكاظميّين والعسكريّين أربعة أغسال إلا مع قصد التداخل ، ولزيارة الأمير (ع) خمسة أو ستّة.

ولو داخل بين الأغسال فنوى أسباباً متعدّدة فانكشف عدم بعضها فسد ، وصحّ الباقي ، ولو فسد اختصّ به الفساد ، إلا أن يكون المفسد رياءً أو عجباً على الأقوى.

ولو انكشف عدم الجنابة بعد إدخالها في النيّة ، أو فسد اعتبارها بحدوث حدث في الأثناء صحّ الباقي على الأصحّ ، ولزم الوضوء في القسم الأوّل.

ولو تجدّد سبب بعد الدخول في العمل لم يفسد ما نوى وأتمّ ، إلا أن يكون فيها جنابة ؛ لأنّ صحّة غسلها على الأصحّ ملزومة لعدم حدث آخر ، ولو اجتمعت أغسال فنوى غسل الجنابة وحده بطل ، ولم يقع في البين غسل ، ولو نوى غيره صحّ ، وبقي حكم الجنابة.

ولو نوى أغسال السنن ولم ينو الجنابة أو نوى الجنابة صحّ المنويّ في المقامين دون غيره من غير فرق ، وكذا لو فسد شي‌ء من القسمين من الجنابة وغيرها ، ولا فساد من غيرها لغيرها. ويستوي في هذا الحكم المقصود أصالة والمقصود تبعاً.

ومنها : المباشرة وعدم الحاجب ، والإتيان بحكم الجبائر مع وجودها ، وقد تقدّم الكلام في مثله.

٣١٥

ومنها : عدم المانع من استعمال الماء ممّا ينقل التكليف من الغُسل إلى التيمّم عقليّاً كان أو شرعيّاً ، ولو نذر بعد دخول الوقت عدم استعمال الماء أو التزم بالتزام من عهد أو قسم لم ينعقد ، وإن تقدّم الوقت جاز فيها وجهان ، والأقوى الانحلال ولزوم استعمال الماء ، ولو نذره لشخص لم يجز استعماله بدون إذنه ، ومع القسم والعهد ينحلان مطلقاً.

ثمّ المانع إن كان في الابتداء فلا كلام ، وإن زعمه في الأثناء فمع العلم بالعروض لا يجوز الدخول فيه ، وإن اتّفق ارتفاعه ، وإن كان محتملاً جاز على إشكال.

ومنها : النيّة المشتملة على التعيين ، ومع التعذّر للإبهام يغني التعيين (١) ، ولا يجب تعيينه ارتماسيّاً أو ترتيبيّاً ، فلو نوى قسماً وأتى بغيره صحّ ما لم يخلّ بشرط.

ولو نوى الارتماس فأدخل رأسه وحده ، ثمّ عدل إلى الترتيب قبل دخول الباقي ، فعلى المختار من أنّ الارتماس عبارة عن الكون الواحد ، ولا يتعلّق حكمه بالأعضاء الداخلة شيئاً فشيئاً لم يصحّ ، وعلى القول الأخر تقوى الصحّة.

ولو انعكس الحال بأن غسل رأسه مثلاً بقصد الترتيب ، ثمّ عدل فارتمس ، فالأقوى الصحّة ، نظراً إلى أنّ حكم الجنابة لم يزل عن ذلك العضو ولا عن غيره ، والارتماس أحد القسمين المخيّر بينهما ، والدخول في أحد فردي المخيّر لا يعيّنه.

نعم لو أراد العود على ما غسله مرتّباً لم يكن للتكرار قبل الإفساد ثمرة ، فلو حاول إدخال غسل لم يأت بشي‌ء من أفعاله ، وقد أتى بشي‌ء غيره ، فابتدأ من الأوّل ، كان المكرّر مخصوصاً بالمتأخّر ، ثمّ يشتركان إن أجزناه.

ولا بدّ من مقارنتها أول أجزاء الغسل أو المقدّمات القريبة المشبهة للأجزاء كغسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق مع اتّصالها بالأجزاء.

ولو نوى وغسل جانبه الأيمن مقدّماً له على الرأس أعاد النيّة مع الإطالة ، أمّا مع الإراقة بحيث لا تكون فاصلة يعتدّ بها ، ومع الإتيان بجزء منه ، ومع عدم الفصل فلا بأس.

__________________

(١) كذا في جميع النسخ والظاهر أنّ الصحيح : التعيّن.

٣١٦

ومن أتى بالنيّة فتعقّبها نسيان أو ذهول بحيث ذهبت عن البال وخرجت عن خزانة الخيال ذهب حكمها إن كان قبل الأخذ في الغسل دون ما كان بعد الأخذ فيه ، ومعظم المباحث تظهر فائدتها على مراعات الخطور ، أمّا على قولنا : من أنّ المدار على كون العمل معللاً بأمر الله تعالى ، فالأمر أسهل من ذلك.

ولو تنقل في العمل المركّب إلى مقاصد مختلفة بأن يكون قصده في الابتداء الأهليّة ، ثمّ ينتقل إلى طلب الرضوان ، ثمّ الفوز بالجنان ، ثمّ السلامة من النيران ونحو ذلك ، فلا بأس.

ولو أطلق في الغسل ، ثمّ عيّنه بنوع خاص بعد الفراغ أو في الأثناء لم يتعيّن ؛ لأنّه لا يطلب من الغسل قدر مشترك ، بل الخصوصيّات.

ولا بأس بالإطلاق في أفراد النوع الواحد ولو بان عدم المعيّن ووجود غيره أو كان موجوداً معه من دون شرط لا ، أو معه على إشكال.

ولو دخل في بعض الأغسال الغير الرافعة محدثاً ساغ له نيّة الوضوء في الأثناء ، ثمّ الإتمام ، دون الأغسال الرافعة للحدث ، بناء على أنّ الحدث الأصغر إنّما يرتفع بمجموع الأمرين.

ولو أراد أن ينوي غسلاً فلا بأس إلا غسل الجنابة ، فلا ينوي في أثناء الرافع ، ويتمّ قبل إتمامه.

ويجوز التفريق في نيّة الأغسال مع الإدخال وعدم الانفصال والجمع ، ولو أطلق في مداخلة الأغسال ، ونوى ما يلزمه أو يُستحبّ له من دون تعرّض للنوع قوي البطلان.

ولو نوى قسماً من الغايات أو فرداً من قسم منها استباح باقي الأقسام والأفراد ، مع عدم اشتراط نفي ما عداه ، واشتراطه حكميّاً أو تقييدياً ما لم يستتبع تشريعاً ، على إشكال ، أشدّه التقييدي.

وفي مسألة نيّة بعض الأعضاء ونيّة بعض العضو أو الملفّق بشرط الانضمام لا إشكال لعوده إلى نيّة الكلّ ، وفي شرط لا ، والخلوّ عن الشرط يقوى البطلان ، وفي نيّة القطع والضمائم كلام ، تقدّم الكلام في مثله.

٣١٧

ومنها : الاتّصال في الأغسال المسنونة للأفعال كما في الوضوءات من غسل لزيارة أو إحرام أو دخول حرم ، ونحو ذلك بحيث يحسن صدق الإضافة إليه ، وإجزاء غسل الليل للنهار ، وغسل النهار لليل غير مناف لذلك على الظاهر ، فما ورد في بعض الخصوصيّات غير مخصوص.

تتمّة في الأحكام

وهي أُمور :

منها : أنّ جميع الأغسال الرافعة إذا وقع في أثنائها حدث مجانس أفسد الغسل المقصود به رفع مجانسه دون غيره ، سوى غسل الجنابة ، فإنّه إذا وقع فيه حدث أصغر أو أكبر مجانس أو غيره أفسده كما في الوضوء.

وأمّا غير الرافعة من أغسال السنن فلا تنتقض بعروض حدث في أثنائها أكبر أو أصغر ، سوى ما ورد فيه النقض بالنوم لو وقع بعده ، وقد يلحق به ما وقع فيه ، وإن كانت الإعادة مطلقاً لا سيّما مع عروض الحدث الأكبر أحوط.

ولو وقع الحدث في أثناء المقدّمات أو بعد تمامها قبل الدخول في الأجزاء أفسدها المجانس دون غيره في غير غسل الجنابة ، وفيه يحتمل القول بإلحاقها بالأجزاء ، فتفسد بالقسمين من غير فرق بين الأصغر والأكبر كما في مقدّمات الوضوء وعدم الإفساد بغير المجانس ، ولعلّه أقوى.

ومنها : أنّه إذا اجتمعت عليه أغسال تخيّر بين جمعها بغسل واحد ونيّة واحدة أو متعدّدة إذا لم تفت المقارنة وبين التفريق في الجميع والجمع بين الجمع والتفريق من غير فرق بين السنن خالصة ، والواجبات كذلك ، والمجتمع منهما مع دخول غسل الجنابة فيها وعدمه ، إلا أنّه مع دخول غسل الجنابة في الأغسال الرافعة يتعيّن في التفريق تأخيره ، وتفسد خاصة لو وقع حدث أصغر في الأثناء.

ولو قدّم بعض أفعاله وداخل في البعض الأخر أو أخّره فسد السابق من الداخل لنقصانه واللاحق ، والأقوى صحّة المضاف إليه. وفي الجمع بعد التفريق وبالعكس

٣١٨

وإدخال الكلّ على البعض إشكال.

ومنها : أنّه لو نذر جمعاً أو تفريقاً وأطلق لم يتعيّن عليه في متعيّن ، وجاء به متى شاء ، وإن عيّنه كما إذا خصّه بما عليه من الأغسال الان فخالف عصى وكفر ، وصحّ عمله على إشكال. وكذا لو نذر المتابعة في الأجزاء أو عيّن في نذره مكاناً أو زماناً أو وصفاً أو جمعاً للمندوبات ونحو ذلك.

ولو نذر التفريق بعد الجمع أو الجمع بعد التفريق أو الإدخال وسطاً مع غسل بعد الإتيان ببعضه بنى على جوازه ورجحانه. والفرق بين نذر المجتمع والمتفرّق والجمع والتفريق فيصحّ الأوّل دون الثاني وجه.

ومنها : أنّ العدول من غسل إلى غسل في الأثناء وبعد الفراغ غير جائزٍ على القاعدة. ولو عدل بنيّته بعد فعل المقدّمات من المستحبّات قبل الأخذ في الأجزاء فلا مانع ، وهل يعيد ما أتى به من السنن أو لا؟ وجهان أقواهما الثاني.

ولو عدل بعد الدخول ملغياً لما فعل معيداً له بقصد ما عدل إليه فلا بأس إذ لا تؤثّر الأجزاء السابقة إلا بعد تمام اللاحقة ولو أكملها بعد التمام قوي الإجزاء.

ومنها : أنّه إذا فاته غسل ولم يعلم بأنّه سنّة عن غير حدث أو عن حدث لم يلزمه شي‌ء. ولو علم أنّه رافع ولم يعيّنه نوى الواقع وتوضّأ أو اغتسل وإن كان احتمال الجنابة قائماً ، وإن فاته غسلان وأمكن التميز بينهما بحسب الزمان كأن علم أنّ أحدهما نهاريّ والآخر ليليّ مثلاً أو المكان ونحوهما نوى الواقع فيهما ، وإن تعذّر التمييز أتى من الأنواع بعددها ، هذا مع التفريق ومع الجمع لا حاجة إلى التعدّد.

ومنها : أنّه إذا ترك عضواً أو بعض عضو ، فغسل بغسلة السنّة أجزأ عن ذلك ، ويجري مثله في غسلات السنّة لوضوء السنّة ، ولا فرق بين الواجبين والندبين والمختلفين ، ولو كان بقصد التبريد مثلاً ونحوه لم يجزِ.

ولو أتى بغسلة بدعة فيه أو في الوضوء أو ببعضها عمداً مُدخلاً لها في أصل الوضوء أو الغسل فسد ، وإلا فلا.

ومنها : أنّه إذا تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة أو بالعكس أو تيقّنهما وشكّ في

٣١٩

المتأخّر أو تيقّن فساداً في غسل في فريضة من يوم أو فريضتين أو ثلاث أو غسلين في يوم أو يومين وهكذا ، جرى فيه ما ذكرناه في مسائل الوضوء ، ويجري نحو ما في المقامين في التيمّم أيضاً.

ومنها : أنّه إذا شكّ في أصل الغسل اغتسل ، ولو شكّ بعد الدخول في الغاية ، فلا عبرة بشكّه ، ويستبيح غيرها على الأصحّ ، وإذا شكّ في أبعاضه أو سننه الداخلة أو الخارجة ، وقد دخل في متأخّر بالرتبة ، فلا اعتبار بشكّه ، بخلاف الوضوء.

ولو شكّ وكان المحلّ باقياً أى بالمشكوك إلا أن يكون كثير الشك متّصفاً بذلك عرفاً ، فلا اعتبار بشكّه ، والظن كالشكّ كثيره ككثيرة ، وقليله كقليله ، ومن رأى الحاجب بعد الفراغ ، وشكّ في وصول الماء تحته ، فإن علم من حاله أنّه لو علمه سابقاً لطرئ عليه هذا الشكّ ، عاد عليه وإلا لم يعد.

ومنها : أنّه أعوز الماء ، ولم يفِ بالأغسال المتعدّدة ، وأمكن جمعه لها جاز التفريق والجمع ، وإلا وجب الجمع ، لو فرّق عصى ، وكان ما أتى به صحيحاً.

ومنها : أنّ الأغسال إذا تعذّر جمعها ، وتعيّن تفريقها كما إذا أذن المالك مع اشتراط نيّة الغسل الواحد لزم اختيار غسل الجنابة وقدّم الحيض والنفاس على ما عداهما ، وغسل الاستحاضة على غسل المسّ ، ولو أتى بالمفضول وترك الفاضل عصى وصحّ غسله على إشكال في دماء النساء.

المطلب الثاني : في الطهارة الترابيّة وهي التيمّم

وهو في اللغة القصد ، وفي الشرع على الأقوى أو عند المتشرّعة أفعال مخصوصة بشرائط مخصوصة تقضي بالصحّة. وينحصر البحث فيه في مقامات :

[المقام] الأوّل : في بيان حقيقته

وهو بدلاً عن الوضوء عبارة عن أربعة أجزاء ، وفي الغسل عن خمسة :

أوّلها : الضرب دون مجرّد الوضع ، أو المماسّة باستقبال الريح ونحوها ، ممّا يدعى

٣٢٠