كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

المطلب الثاني : في أحكام النجاسات

وفيه مقصدان :

المقصد الأوّل : في أحكامها الأصليّة ،

يجب إزالة عين النجاسة أو حكمها عن متنجّس بعين أو به (١) عن ظاهر البدن أو ما يدّعى لباساً عرفاً لا فراشاً ، ولا غطاءً ، ولا وطاءً ، ولا ظلالاً ، ولا يخرج عن الاسم ؛ لأنّ فيه انفصالاً ، ودون الزائد على القامة (٢) ، علواً وسفلاً زيادة خارجة عن العادة ، (وأثرها وهو أجزاء صغار غير محسوسة فيما يطهر بالماء لا بغيره من الأجسام ، وعيناً فقط فيما يطهر بغيره) (٣) مع التعدّي في الإصابة لرطوبة المصيب أو المصاب أو هما.

دون المتّصلة مع الجفاف (والمحمولة على إشكال فيهما ، وليست من غير المأكول اللحم ، والموضوعة على الانفصال عنه ولو منه على إشكال) (٤).

ودون الصفة المجرّدة عن العين والأثر ، بقرض أو تطهير أو تبديل أو تخفيف في سعة (٥) (متجافية أو تقطيع في متنجّس غير ضارٍّ وعلى إشكال) (٦) باعث على العفو أو غير باعث مع تعذّر أو تعسّر ما سبق ، مقدّماً للأشدّ على الأضعف ، والأكثر على الأقلّ ، والبدن على الثوب ، والشعار على الدثار ، في وجه لا يخلو من قوّة.

للدخول في أجزاء الصلاة ، متّصلة أو منفصلة ، مع وجوبها بالأصل أو بالعارض ، لا مع ندبها ، وإن كانت شرطا فيها ، وركعاتها الاحتياطيّة ، وأجزائها المنسيّة المقضيّة ،

__________________

(١) بدلها في «ح» : بمثله.

(٢) في «م» ، «س» : العادة.

(٣) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : عيناً فقط أو مع الأثر وهو أجزاء صغار غير محسوسة فيما يطهر بالماء لا بغيره من الأجسام وحكماً.

(٤) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : وليست من غير المأكول والمجهول على إشكال فيها.

(٥) في «ح» زيادة : لا في حجم.

(٦) ما بين القوسين أثبتناه من «س» ، «م».

٣٦١

وسجود سهوها.

دون الخارج منها من شروط كالنيّة والقيام المتقدّم على التكبيرة ، ومن مقدّمات مطلوبة كالأذان والإقامة ، والتكبيرات الستّ ، ودعواتها ، ودون السلام الثالث إذا أتى بالثاني ؛ لأنّه المخرج وإن قلنا بوجوبه الخارجي وما بعده من التعقيبات.

وللدخول في الطواف على نحو ما فصّل في (حكم الحدث.

ويحرم تلويث المحترمات بها ، ويجب إخراجها منها لو وقعت فيها مع عدم استحالتها ، وإزالتها عنها عيناً وحكماً لو وقعت عليها ، إسلاميّة كانت ، كأسماء الله وأنبيائه والقران ممّا اشتمل عليه الدفّتان ، والكعبة والمساجد ، وما التحق بها من فرش وآلات ونحوها. أو إيمانيّة كضرائح الأئمّة وشبابيكها وروضاتها وما اشتملت عليهما على نحو ما مرّ.

وكتب الأخبار ، وكتب فقه الإماميّة ، والزيارات ، والدعوات ، وما انفصل منها مع ملاحظة أصله لشفاء أو مدخليّة في عبادة كتربة سيّد الشهداء (ع) ، وثوب الكعبة أو الات الضرائح المقدّسة يبقى على احترامه ، وأمّا مع الاضمحلال وعدم ملاحظة الاحترام فلا.

ولا يجب على الأنبياء والأئمّة إزالتها عن أبدانهم ، ولا على بعضهم الإزالة عن بعض ، ولا على الناس مع حياتهم ، ويجب مع الموت.

والإصابة مع عدم السراية لا بأس بها ، إلا في كبار المحترمات ، والأحوط التجنّب في الجميع.

ويستحبّ إجراء ما في المحترمات العظام في المحترمات الباقية ، ولدخول المساجد ، والروضات المقدّسة) (١).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» هكذا : في الصلاة ولِمَسّ القرآن والأسماء المحترمة ، ولدخول المساجد والروضات المقدّسة ، وإصابة بعض الأجسام المعظّمة ، وتطهير التربة الحسينيّة وثياب الكعبة والصناديق المعظّمة ، ونحوها مع التلويث فيها ، والأحوط الترك مع عدمه ولتطهيرها. وفي إجراء ذلك في إصابة أجساد المعصومين أحياءً وأمواتاً مع التلويث وعدمه فلا يصحّ المسّ إلا من المتطهّرين وجه قريب ، وإن كانت الإزالة منهم عنهم ولو مع الاختلاف وكذا الإصابة غير واجبة.

٣٦٢

وهي مستحبّة بحسب الذات كما يفهم من الروايات (١) ، ولفعل المستحبّات المشروطة بها من الغايات ، ما لم تلزم لبعضٍ (٢) في الملتزمات. ولا تجب لصلاة جنازة ، وسجود شكر وتلاوة ، وإن استحبّ لها.

ولا فرق في غير الدم بين قليلها وكثيرها ، وإن ترشّش على الثوب مثل رؤس الإبر منها ، أو ترشّش من البول عند الاستنجاء.

وتجب إزالتها عن أواني الأكل والشرب والتطهير إذا وجبت وتوقّفت على مباشرتها لهما ، مع لزوم السراية ، وتستحبّ لاستحبابها.

وكذا تستحبّ لدخول المساجد ، والمواضع المحترمة ، ولمسّ المحترمات ، ولتطهير المحترمات إذا لم تبلغ في الاحترام إلى حد الإيجاب ، ويجوز أن يختصّ بالتطهير طرف من المتنجّس دون طرف. ولو مع الاتّصال.

ولا تجب إزالتها إلا بعد ثبوتها بطريق علميّ أو ما يقوم مقامه من الظنّ الشرعيّ كشهادة العدلين ، وإخبار صاحب اليد ، وفي قبول خبر العدل احتمال قويّ.

(ولو شكّ في حصول أسباب العفو من وجهة الذات أو المقدار أو اللباس أو المصاب أو لا لبسه أو كونه من ذي الغسل الواحد لزم الأخذ بالاحتياط) (٣).

ويُعفى عن النجاسات بالنسبة إلى العبادات ، وما يتبعها دون المحترمات في مواضع :

منها : ما كان من خصوص الدم ممّا عدا الدماء الثلاثة ودم نجس العين وغير مأكول اللحم ، وفي النجس من الحيوان يجي‌ء المنع من وجهين (ولو كان من كافر فأسلم قبل انفصاله تعلّق به العفو) (٤) وعدا ما أصابته نجاسة (منه أو متنجّس به) (٥) مع الزيادة على المقدار على إشكال ما نقص عن الدرهم البغلي بتشديد اللام وفتح الغين والباء نسبة

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب أحكام الملابس ب ٣٢ ح ١١.

(٢) في «ح» زيادة : الملزمات.

(٣) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٤) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٥) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : غير الدم أو غير المعفوّ عنه منه أو متنجس به قبل الإصابة أو بأحدهما أو به بعدها.

٣٦٣

إلى بغلّة قرية بالجامعين ، أو بفتح الباء وإسكان الغين نسبة إلى رأس البغل لشبهه به ، أو إلى بغل قرية ببابل متّصلة بالجامعين ، أو إلى عامله المسمّى بذلك وهو عبارة عن المضروب من ثمانية دوانيق المقابل للطبري المضروب من أربعة دوانيق ، والإسلامي الذي هو نصف مجموعهما عبارة عن ستّة.

وقدّر بأخمص الراحة أي المنخفض منها ولعلّه الأقوى ، وبسعة العقد الأعلى من الإبهام ، وبسعة العقد الأعلى من الوسطى أو السبّابة ، ويعتبر فيها مستوي الخلقة ، وبدينار ، وبالدرهم المساوي لدرهم وثلث.

ويلزم الأخذ بالمتيقن في باب العفو ، والقول بوجوب الأخذ بالأقلّ ؛ لأنّه المتيقّن لا يخلو من وجه ، ومعرفته مجتمعاً بالتقدير حدساً أو مسحاً ، ومتفرقاً في البدن أو في الثوب أو فيهما أو بين الثياب بالفرض مجتمعاً ، ومع الجهل بالمقدار يحكم بالعفو ، ولا يجب الاستخبار ، على إشكال في المقامين.

ولو نشّ الدم من ثوب غير متجاوز العادة في الثخن قدّر بأوسع الوجهين دون الأخر ، والمتجاوز يقدّر من الوجهين في أقرب الوجهين ؛ ومع الانفصال لا شكّ في اعتبارهما.

ولو بلغ المقدار وخيط بعض ببعض طبقاً على طبق بحيث صارا واحداً ، فنقص ، حكم بنقصانه.

ولو قصر فتمطّى أو فصل الدم فوصل الحدّ حكم بتمامه ، ويجري العفو فيه وفيما خالطه من الرطوبات عن قيح أو عرق أو نحوهما مع الاحتساب من المقدار ، بخلاف ما تنجّس به مع الانفصال ؛ فإنّه كغيره من النجاسات في عدم تمشيه حكم العفو إليه على الأقوى.

ولو اشتبه بغير المعفوّ عنه حكم بعدم العفو ، كالمشتبه (١) بالمقدار ، ولا فرق في اعتبار المقدار بين الثياب والبدن ، والخارج قبل الصلاة ، وفي أثنائها كالرعاف ونحوه.

__________________

(١) في «م» ، «س» : بخلاف المشتبه.

٣٦٤

ولو شكّ في شي‌ء من الدم أو المنيّ أو البول أو الغائط أنّه من ذي النفس أو لا ، بنى على الطهارة.

ولو انتشر بعد الدخول في الصلاة دخل في الكثير ، ولو قلّ فيها بسقوط قطعة من المصاب مثلاً ولم يعلم بالكثرة إلا بعد القلّة جرى فيه حكم القليل.

ولو أسلم الكافر أو كفر بعد خروجه اعتبر حال خروجه. ويحتمل اعتبار الصفة المقارنة لوجوده ، وإذا كان الدم كثيراً وأمكن تطهير بعضه ليعود إلى العفو وجب ، والأقوى الحكم بالتنجيس على فضلات الأنبياء والأوصياء فيكون حالهم كحال الرعيّة في تمشية الأحكام فيها ، ولو كان مع الدم خليط من نجاسة أخرى أو متنجّس من غيره أو منه بعد الانفصال لم يتمشّ العفو على الأقوى.

ولو أصابت الدم نجاسة من غير جنسه أو ممّا لا يعفى عنه من جنسه فزالت بقي العفو ، وإن بقيت عليه أو أصابت المحلّ زال.

ولو تقاطر من الدم قطرات لا تبلغ واحدة منها المقدار ، مع بلوغ المجموع ذلك ، وغسل كلّ واحدة قبل حصول الأخرى استمرّ حكم العفو.

(والمتنجس به بعد زوال عينه بحكمه ، وإذا عاد الجرم وانطبق عليه عادا واحداً كالأعيان المتطابقة منه) (١).

ومنها : دم الجروح والقروح المستديمة ) الخروج من ظاهر البدن في العبادات لا المحترمات قلّت أو كثرت ، في محالّها أولا ، صغر جرحها كتفطير القدمين ، والفصد والحجامة أو لا ، خرج مع الدم غيره من الرطوبات أولا ، أمكن التحرّز منه أولا ، انقطع دمه مع عدم الأمن منه أو مع خشية الضرر أولا ، من طاهر العين حال خروجها أولا بل أسلم بعده في البدن أو الثياب.

أمكن غسلها أو نزعها أو تبديلها أو تخفيفها حتّى تنقص عن الدرهم أو لا ، حصلت له فترات تسع الصلاة ونحوها أو لا ، أمكن التحفّظ منه بعصابة أو حفيظة

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) وفي «ح» : المستدمية.

٣٦٥

أولا ، أصابته نجاسة خارجيّة لم تتجاوز مقداره على إشكال أو لا ، جرح بسلاح متنجّس أو لا.

أمكن علاجه بدواء ، بطبيب أو بدونه وأهمل أولا ، برء الجرح في أثناء الصلاة مثلاً أولا. جرح نفسه بيده عاصياً أو معذوراً أولا ، اندمل بعضه أولا ، اندمل بتمامه مع اتصال جرح يمنع من تطهيره أولا ، انفصل عنه ثوبه الملطّخ به ثمّ لبسه أولا ، مع ابتذال الماء أولا ، مع يقين عدم البرء أولا.

ويختصّ العفو بصاحبه دون غيره ، فلو لبس ثوبه غيره فلا عفو مع بقاء الاتّصال ببدنه أو ثيابه ، فلو انفصل ثمّ عاد فلا عفو ، وحكمه حكم غيره.

ولا بأس مع جمع الشروط بلبسه في أدائه وقضائه ، وأصالته ونيابته ، وفريضته ونافلته.

وما كان خروجه من البواطن كدم البواسير والرعاف والاستحاضة ونحوها يغسل مع الانقطاع ، مع أمن الضرر ، وإن بقي الجرح ، ويحافظ على الحفيظة مع الاستدامة كما في المسلوس والمبطون ، مع عدم التعذّر والتعسّر.

ولو شكّ في كونه منها أو من خارج أو من المندملة أو غيرها أو من الباطن أو غيره فلا عفو. ولا عفو فيما أصابته ممّا لم يكن مصاحباً لها كماء غسالتها ، (وما ينجس منها من خارج ويعتبر فيه كما في القسم السابق عليه ألا تصيبه نجاسة من غير متعلّق العفو من دم وغيره ، بقيت عينها أو حكمها اقتصاراً على المتيقّن ، ولو كان من نجس العين ، ثمّ أسلم ، فالظاهر العفو) (١).

ومنها : ما لا تتمّ صلاة اللابس الذكر الذاكر المختار وفقاً لشكله ، والأنثى كذلك ، مع فرض الذكوريّة بالنسبة إلى عورة النظر باقياً على هيئته ، من غير تصرف بطوله أو عرضه ، بمدّ أو قدّ ، فالأنثى تلحظ ستر العورتين ، والذكر يعتبر ثلاثاً ، والخُنثى أربعاً وإن لم يكن مشكلاً ، بناءً على أنّ الأصليّة والزيادة سيّان ومقطوع الذكر والبيضتين

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٦٦

من الأصل يلحظ واحدة ، والخالي من العورتين لعارض أو مطلقاً يلحظ ما يناسب شكله لو كانتا ، والأقوى ذلك في كلّ ناقص.

ولا يعتبر مستوي الخلقة ، وإلا لزم أن يجوز لمن قامته شبران أن يلبس الثياب المحاطة بالنجاسة ، ولكان ما كان بمقدار عشر ما يستر عورة المتناهي في الطول مفسد لصلاته لو صلّى.

ولا فرق في النجاسة بين أقسامها شديدها وخفيفها ، وفي الملابس بين ما كانت في محالّها أو لا ، فالعمامة والحزام مع صغرهما ، والخفّ والجورب والنعل والتكّة ، والقلنسوة ونحوها مطلقاً داخلة في إطلاق الملبوس ، أو لا ، داخلة في العفو ، فالحليّ والخاتم والسيف والخنجر والسكّين والقوس والسهم وكلّ محمول يلحقه الحكم ، وإن نفيناه عنه حيث لا يكون من هذا القسم.

ولا فرق بين الدماء الثلاثة ودم الكافر وغيرها ، والظاهر أنّ العفو مخصوص بما كان المنع فيه من جهة أصل النجاسة ، أمّا ما كان المنع فيه من جهة الخصوصيّة كجلد الميتة وجلد أو شعر نجس العين ؛ لأنّه ممّا لا يؤكل لحمه فلا.

ولو خلط قطعة نجسة لا تتمّ بها الصلاة بغيرها فتمّت ، أو قطع ممّا يتمّ فلم يتمّ ، بنى الحكم على ما آلت إليه.

ولو جعل الواسع ممّا لا تتمّ به الصلاة بخياطة بعض مع بعض ، أو متّسعاً بالفصل ، فالعمل على ما انتهى إليه الجعل ، لأعلى الأصل ، ولو اختلفت العورة بالتقلّص أو غيره اختلف التكليف باختلافها ، ويحتمل مراعاة الأصل ، وغير الساتر لرقّته لا لعدم سعته لا عفو فيه ، والمشكوك بستره بحكم الساتر ، ولا معنى لتمشية الأصل فيه ، وفي جميع محالّ العفو على الظاهر.

ويجري العفو في عين النجس كالمتّخذ من شعر نجس العين إذا كان إنساناً كشعر الكافر على الأقوى على إشكال.

ومنها : المحمول الذي لا ينصرف إليه إطلاق اللبس والملبوس ، فحمل الحيوان النجس والأعيان النجسة متّصلة مع اليبوسة أو منفصلة في قارورة وشبهها ، وكذا المتنجّسة

٣٦٧

على رأسه أو في حجره أو كمّه أو يده أو على بطنه أو سائر بدنه في الصلاة مثلاً لا بأس به.

والظاهر أنّ السلاح بأقسامه بحكمه وإن أطلق اسم اللبس على أكثر أفراده من سيف أو خنجر ونحوهما لمجازيّته فيه أو لخفاء فرديّته ، وأمّا الرمح والعصا والجنّة ، وما يتّخد من الحديد للقبض باليد فليس منه بلا تأمّل ؛ والدرع والبيضة منه في وجه قويّ. فالحكم يدور مدار اللبس والملبوس ، فإذا كان نجاسته عينيّة كالمتّخذ من شعر نجس العين أو متنجّساً بها مع بقائها أو بقاء حكمها أفسد لبسه لا حمله.

وفي جواز قطع الثالول ، وبعض الأجزاء الصغار من اللحم في الصلاة وليس ما لا تتمّ الصلاة به إرشاد إلى عدم منع الحمل.

وليس من الحمل لو قلنا بمنعه حمل طاهر العين مع نجاسة بدنه أو ما في بطنه ، ولا الحبل مع نجاسة ما يسحب على الأرض من طرفه ، ولا المشدود بشي‌ء نجس ملقى على غيره ، وما كان على رأسه ولو بواسطة أو وسائط يحتسب من حمله ، وعلى القول بحرمة الحمل يجري عليه أحكام اللبس ، والظاهر اغتفار الحمل للصلاة في الذهب والحرير وغير المأكول ونجس العين حتّى جلد الميتة ، والمتنجس بإحدى النجاسات ، وجميع ما يمنع منه سوى المغصوب.

ومنها : ما زاد من اللباس من ثوب أو قباء ونحوهما على القامة بحيث يسحب على الأرض زائداً على المتعارف تحرّك بحركته أو لا ، من غير فرق بين كونها ممّا يأكل لحمه أولا ؛ لأنّه ليس من اللباس ؛ لأنّه المشتمل على البدن ، ولذلك يصّح أن يقال بعضه ملبوس ، وبعضه غير ملبوس.

ولا فرق بين اتّصاله وانفصاله ، حتّى لو كان دم أقلّ من درهم على الثوب المسامت للبدن ، مستطيلاً على المسحوب على الأرض بحيث لو جمع في التقدير بلغ الدرهم أو زاد عليه كان عفواً.

وثوب طويل القامة إن كانت نجاسته في الطرف الأسفل لا بأس بلبسه لقصيرها مع بقاء المقدار المتنجّس على الأرض ؛ كما أن ثوب القصير إذا لم يستر عورتي الطويل لا بأس به له ، ولا يبعد تمشية الحكم إلى المرتفع فوق الرأس زائداً على المعتاد زيادة

٣٦٨

مفرطة تخرجه عن الدخول في الملبوس.

ولا يدخل المقدار النجس المجرور على الأرض والطاهر المربوط بحبل مربوط بالنجس ونحوهما في لبس ولا في حمل ، حتّى أنّا لو منعنا الحمل أجزناه.

وهذا الحكم متمشّ في كل لباس ممنوع منه عدا الغصب فيما يتحرّك بحركته ، وفي غيره وفي جلد الميتة نظر. وفي غيرهما من ذهب أو حرير في لبس الذكر في الصلاة ونحوها ، وغيرهما وفي جلد غير مأكول اللحم ، وما أصابه بعض فضلاته بالنسبة إلى صلاة كلّ من الذكر والأنثى تأتي الرخصة ، وبناء الجميع على تحقّق معنى اللبس.

ومنها : البواطن فإنّها وإن لم تنجّس بالنجاسة المتكوّنة في الباطن ، وإن كانت نجسة في نفسها قبل الخروج لبداهة بطلان القول بالتنجيس (١) وعدم العفو ، وبعد القول بالتنجيس والعفو انتقلت عن محالّها أو لا لكنّها تنجّس بما دخل إليها من خارج من نجاسة أو متنجّس ، لكنّها يعفى عنها وعمّا تنجّس بها إذا دخلت في الجوف ، وتجاوزت أقصى الحلق أو دخلت في الدماغ وتجاوزت أقصى المنخرين ، وأسفل عمق الأذنين أو تجاوزت حلقة الدبر إلى داخل ، ولا يجب إخراجها حينئذٍ بعلاج باستفراغ أو غيره. والقول بوجوب استفراغ الخمر إذا كان حذراً من تأثيره كالمغصوب غير بعيد.

والنجاسة الباطنيّة لا تؤثّر في الباطن ، ولا في الظاهر الداخل إلا إذا خرج متلوّثاً. وباطن نجس العين يفعل فعل ظاهره.

وما تحت الشعر من الظواهر ، وثقب الأنف والأذن ، وباطن السرّة ، وما تحت الأظفار ، وموضع تطبيق الشفتين ، والجفنين ونحوها ؛ في الخبث من الظاهر وفي الحدث من الباطن ، والبواطن القريبة إلى الظواهر كباطن الأنف والفم والعين تنفعل بما ورد إليها من نجاسة أو متنجّس من خارج ، ولا عفو فيها في غير ما يعفى عنه ، ولكن تطهر بالزوال مع المزيل وبدونه. فالبواطن هنا ثلاثة أقسام : ما لا يحكم عليه بشي‌ء ، وما يطهر بالزوال ، وما يحتاج إلى التطهير.

__________________

(١) في «م» ، «س» زيادة : وثبوت الحكم.

٣٦٩

وإذا ابتلع شيئاً من النجس أو المتنجّس ، وبقي له طرف في الخارج يمكن جذبه به وإخراجه وجب ، وما أدخل في الأعضاء من نجس عين ، فمنع عن فعل الطهارة ، لحيلولته وجب قلعه ، ولو دخل في اسم الطاهر حكم بطهارته. وكذا لو كان شيئاً يجب دفنه أو له صاحب يطالب به ليخيطه ببدنه ، والمجعول جزء بدن أولى بالقلع من الحاجب.

ومنها : مطلق اللباس دون البدن متّحداً أو متعدّداً لا يكتفي ببعض أفراده عن بعض ، ولا يتيسّر البدل عنه للمربّي أو المربيّة ، مع الاتّحاد (١) أو التعدّد (٢) ، للمربّي الواحد أو المتعدّد ومع موافقة العددين ، ومساوات العمل (لمن يشاركه) (٣) مع الذكورة أو الأنوثة ، مع إذن وليّه النسبي أو الشرعي فإنّه يعفى عنه يوماً وليلة ، ومع الانكسار يكمل بمقدار المنكسر ، في نجاسة بول طفل المسلم إذا سلم من خليط دم أو نحوه ، مع الغسل مرّة يوقعه بين الليلة واليوم ، أو بين مقداريهما ، أو يتوسّط ملاحظاً للصلاة أو ملاحظاً للركعات ، أو أخذاً بالاجتهاد في ملاحظة كثرة تردّد البول وقلّته ، أو يتخيّر بين جميع الوجوه من الغسل في الابتداء أو قبل الانتهاء أو مع التوسّط ، ولعلّ الحكم بالتخيير أوفق مع مضيّ شطر معتدّ به.

ويكتفي بالصبّ في بول الصبيّ مع جمع الشروط ، كحكم بول الرضيع في غيره ، والأحوط الغسل مرّتين ، ولو حصل لها بدل في الأثناء انقطع حكمها ، ولو اشترك المربيّان بواحد في اليوم والليلة لم يكن عفو.

ولو كان مع الصبي بطن أو بواسير أو نحوهما يوافق البول في الكثرة والميعان ، أو يزيد عليه فلا يبعد لحوقها به (وفي جري الحكم في المسلمين غير المؤمنين مربّين أو غير مربّين بحث) (٤).

ومنها : الخصي الذي يتواتر بوله ، فإنّه يعفى عنه مع غسله مرّة بالنهار ، ويحتمل

__________________

(١) في «ح» زيادة : للواحد.

(٢) في «ح» زيادة : للمتعدّد.

(٣) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : أو تقاربه.

(٤) ما بين القوسين زيادة : «ح».

٣٧٠

لحوق من استمرّت عليه النجاسة من مسلوس أو مبطون أو ذي بواسير ، والأولى الاقتصار على ما تضمنته الأخبار (١).

وأعيان النجاسات لا تنفكّ عن الحكم مع بقاء الاسم ، وكذا المائعات ممّا عدا المياه المطلقة ، ويتساوى في حكم النجاسات ممّا يتعلّق بالبدن أو اللباس جميع الناس ، وطهارة الذات لا تمنع من عروض حكم القذارات ، فلا فرق بين النبيين

والوصيّين وسائر المكلّفين.

(تكميل : كما أنّ الخبث الظاهري يجري فيه العفو وعدمه ، كما فصّل ، كذلك الباطني ممّا يتنجّس به الذات من كفر أو عدم إيمان أو عوارض تنجّسها من رياءٍ أو عجب متعلّق بها ، مقارن لها ، فلا عفو عن حقائقها ، ويعفى عن خطوراتها) (٢).

المقصد الثاني : في بيان أحكامها العارضيّة

وفيه أبحاث :

[البحث] الأوّل : أنّ استعمال المتنجس أو النجس ممّا اختصّ المنع عنه بالغاية المشروطة بالطهارة من الخبث في غير محلّ العفو من العبادات يقع على نحوين :

أحدهما : التعمّد مع العلم بالحكم أو الجهل به من الأصل أو لنسيانه ، ولا شكّ في إفساده.

ثانيهما : الجهل بتحقّق موضوع (٣) النجاسة ، ويصّح معه العمل المشترط بالطهارة ، مع تجدّد العلم قبل الفراغ ، والمبادرة إلى التطهير أو النزع والتبديل ، من دون إخلال ببعض الشروط وإتيان ببعض الموانع ، أو بعد الفراغ قبل خروج الوقت أو بعده كغير المختار ؛ لأنّ الطهارة الخبثيّة من الشروط العلميّة الاختياريّة.

وفي إلحاق الجهل بموضوع العفو (لزعم القلّة فيما يعفى عن قليله أو زعم أنّه ممّا يعفى عن قليله أو ممّا يعفى عن أصله أو يعفى عن محلّه أو عن أهله كالمربيّة أو لزعم

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢١٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩.

(٢) ما بين القوسين زيادة : في «ح».

(٣) في «ح» : موضع.

٣٧١

اضطراره أو لزعم أنّه) (١) من بول الطفل مع الإتيان بالصبّ عليه أو في تغذّيه كذلك ، أو الجهل بالمحصوريّة بزعم أنّه من غير المحصور أو أنّه من المشتبه الخارج بعد أحد الاستبرائين إشكال.

ويقوى الإفساد عملاً بأصل (بقاء شغل الذمّة) (٢) ومثل ذلك ما إذا تعلّق الجهل في أمر التعدّد بزعم أنّه ليس من البول مثلاً ، أمّا لو غسل فزعم استيفاء العدد فيما فيه التعدّد واستغراق محلّ النجاسة ، فظهر النقص لحق بجاهل الأصل.

وكذا ما ثبت زوالها بطريق شرعيّ كإخبار صاحب اليد أو قيام البيّنة ونحو ذلك فيظهر الخلاف ، فلو كانت من دم غير المأكول أو ميّتة أو خرؤه أو بوله أفسدت في جميع الصور ، وشديد النجاسة وخفيفها من غير محلّ العفو واحد ، مع قوّة القول بتقديم الأوّل في الإزالة مع التعارض.

والحادث من رعاف أو غيره بمنزلة المجهول من الأصل ، وفيه ذلك التفصيل ، والعفو يجري في السابق والحادث في الأثناء ، ومسألة العفو عن الباطن ، وقليل الدم ، وما لا تتمّ به الصلاة مخصوص بغير المستحاضة ، وإلا لم يجب التغيير (٣) على الإطلاق ، ولو ضاق الوقت عن الغسل أو النزع مع إمكانهما سقط اعتبارهما ، ولا إعادة.

البحث الثاني : إذا اشتبهت النجاسة في ثياب محصورة ولم يكن سواها كرّر الصلاة حتّى تيقّن حصولها بالطاهر ، ويجري مثله في المشتبه بغير المأكول دون المشتبه بالحرير أو الذهب أو الميتة أو الغصب ، ولو علم وجودها واشتبه في محلّها من الثوب غسل الجميع ، ولا يجزي غسل البعض أو قرضه ، ويثبت التطهير بشهادة العدلين أو العدل الواحد ولو كان أُنثى بخلاف التنجيس فيه على الأقوى ، وبإخبار صاحب اليد ولو بالولاية أو الوكالة مع الحريّة أو الرقيّة مع التكليف ، وإن كان فاسقاً.

__________________

(١) بدله في «س» ، «م» : كزعم قلّة الدم أو أنّه يعفى عن قليله ، فإنّه ليس من دم الحيض وشبهه أو أنه من دم الجرح ونحوه أو أنه مما لا تتمّ الصلاة به وإلحاق الجهل لكونه.

(٢) بدله في «س» ، «م» : شرطية الوجود.

(٣) في «س» ، «م» : التعيين.

٣٧٢

البحث الثالث : إذا وقع صيد مجروح في ماء قليل فلم يعلم استناد موته إلى الموت أو التذكية حكم بحرمته ونجاسته ونجاسة الماء ، ولو اشتبه بمحصور وجب اجتناب جلده ، وحكم بطهارة الماء الواقع فيه.

البحث الرابع : أنّه لو رأى النجاسة بعد الصلاة بنى على حصولها بعدها وصحّتها.

البحث الخامس : أنّه إذا رأى نجاسة في بدن الغير أو ثيابه أو طعامه أو شرابه

فليس عليه إخباره بل لا يرجّح له.

البحث السادس : لا يجُبّ الإسلام حكم نجاسة الخبث كما لا يَجُبّ حكم الحدث.

البحث السابع : النسيان للنجاسة من الأصل ، ويلحق بحال التعمد في جميع أحواله من غير فرق بين حصول الذكر في الأثناء أو بعد الفراغ قبل خروج الوقت أو بعده أمّا لو بقي على العلم بالنجاسة ، ونسي عين المتنجّس ، ففي لحوقه بجاهل الموضوع وجه قويّ.

ولو تعلّق النسيان بواحدة من الملحقات في ذيل البحث الثاني جرى فيها حكم النسيان ، وكلّ من غابت عن نظره النجاسة لغفلة أو دهشة أو همّ أو فرح أو غلبة وجع أو كثرة عمل أو غير ذلك فهو بحكم الناسي أو من بعض أفراده.

ومن تبدّلت عليه الصفتان أو الصفات في الغايات المشترطة بالطهارة من الخبث أخذ بأخسّها ، وهذه الأحكام جارية في كل مشروط بالطهارة ، وفي تمشيتها في مثل النذور المتعلّقة بعنوان الطهارة ونحوها وجه قويّ.

المطلب الثالث : في المطهّرات

وهي أقسام :

أحدها : الماء المطلق

وسيأتي بيانه (١) وهو أكثرها نفعاً ، وأعمّها وقوعاً ، وهو مطهّر لكلّ شي‌ء ، سوى ما لا يقبل التطهير ، مع بقاء حقيقته كالنجاسات العينية عدا ميّت الآدمي ، كما سبق

__________________

(١) في «س» ، «م» : وقد مرّ بيانه.

٣٧٣

بيانه (١) في محلّه ، أو بقاء صفته كالمائعات الباقية على صفة الميعان ، فلا يطهر ظاهرها ولا باطنها الماء ، وبعد الانجماد يطهر ظاهرها ، وباطنها مع نفوذ الرطوبة إليه باقيةً على الصفة ، وعدم الذوبان وهو قسمان :

أحدهما : الماء المعتصم بمادة سماويّة كماء المطر ، أو أرضية منجذبة من بطن الأرض كماء العيون والآبار والأنهار ونحوها ممّا يكون له مادّة غير مختصّة بقطعة صغيرة منها كقليل من الماء في بعض الرمال ونحوها ، أو بالكثرة في كرّ فما زاد ، أو بالاتّصال فضلاً عن الامتزاج بأحد المعصومات.

ويختصّ هذا القسم بتطهير الماء المتنجّس وما يرسب فيه ماء الغسالة من أرض رمليّة أو ترابيّة أو ما يشبههما بسبب التلبيد وغيره.

ولا يلزم فيه تعفير ، ولا عصر ولا تعدّد ، ولا انفصال ماء غسالة ، ولا ورود على المغسول ، ولا جريان في محالّها.

بل يكفي في جميعها مجرّد الاتّصال بمحلّ الانفعال بعد زوال العين ولو قضى الاتّصال بارتفاع العصمة كما إذا نقص الكرّ الخالي عن الزيادة بدخول بعض المتنجّس فيه تنجّس ، ولو نقص بإخراجه أو مكثه بعد تطهيره بقي على طهارته.

القسم الثاني : الماء القليل الخالي عن العاصم ، وتطهيره لا يخلو عن أحوال :

منها : ما يعتبر فيه العصر دون التعدّد.

ومنها : ما يعتبر فيه التعدّد دون العصر.

ومنها : ما يعتبر فيه كلاهما.

ومنها : ما يعتبر فيه الجريان ، ومنها ما لا يعتبر فيه.

ومنها : ما يعتبر فيه التعدّد في غير الماء مع إضافته إليه.

ومنها : ما لا يعتبر فيه شي‌ء. فالمتنجّسات حينئذٍ على أقسام :

أحدها : ما يعتبر فيه العصر فقط ، وهو ما يرسب فيه ماء ، ولا يخرج منه من حينه

__________________

(١) في «س» ، «م» : سيجي‌ء حكمه إن شاء الله.

٣٧٤

بنفسه ، مع قابليته للخروج بمخرج كالثياب والفرش ونحوها ممّا اتّخذ من الصوف أو القطن أو الكتان أو الإبريسم أو نحوها ممّا حصل فيه الوصف ، ولو بالعارض من تلبيد ونحوه إذا تنجّس بمالا يقتضي التعدّد ، والعصر شرط مع العلم والجهل والغفلة والنسيان والجبر والاختيار. وهو يحصل بالليّ والغمز واللكز والجذب والقبض والدق والتثقيل ، والمركب منها على اختلاف أقسامه ، وجميع ما يقضي بالانفصال ، موافقاً للفور عرفاً.

ولا يكفي مجرّد حصول الاسم ، ولا تجب زيادة الإغراق والمبالغة فيها ، بل أمر بين أمرين على وفق العادة السائرة فيهما. والأحوط المحافظة على الترتيب فيها بتخصيص كلّ بما يناسبه ، وتقديم الأقوى في الإخراج على الأضعف.

ولا يكفي الإخراج بتجفيف نار أو شمس أو هواء أو طول مكث وبقاء.

والظاهر أنّه من مقوّمات معنى الغسل في هذا المقام لا مجرّد حكم شرعيّ ، فيحكم على الملتزم بالغسل بنذر أو شبهه بالإتيان به ، ثمّ يطهر المحلّ (١) ورطوبته المتخلّفة والقطرات الباقية بالانفصال (٢).

وماء الغسالة الذي به حصل التطهير نجس قبل الانفصال وبعده ، ولا غرابة في تطهير المتنجّس المتنجّس بجذب حكم النجاسة إليه ، ونقله عن محلّه كما في حجر الاستنجاء ، وأرض القدم والنعل مع وجود النجاسة في المحلّ ، ورفعها بأحدهما.

فلا حاجة إلى التخلّص بتطهير الماء القليل ، أو أنّ المتنجّس لا ينجّس ، أو الفرق بين الورودين أو بين حالها وحال غيرها ، وأنّها طاهرة متّصلة ومنفصلة أو متصلة لا منفصلة ، مع نقضها لقاعدة نجاسة الماء القليل التي تواترت الأخبار (٣) ، والإجماعات (٤) المنقولة على ثبوتها ، وقاعدة تنجيس المتنجّس التي تشبه أن تكون من ضروريّات الدين أو المذهب ، وفيما اخترناه جمع بين الأدلة في الجملة.

__________________

(١) في «ح» زيادة : بالانفصال.

(٢) بدله في «ح» : بعد الانفصال.

(٣) الوسائل ١ : ١١٢ ب ٨ من أبواب الماء المطلق.

(٤) المختلف ١ : ١٣ ، مدارك الأحكام ١ : ٣٨ ، جواهر الكلام ١ : ١٠٥.

٣٧٥

وحالها ليست كحال ما نجس فانفصلت (١) عنه لا من قبل ولا من بعد ، فلا يترتّب على ما أصابته تعفير أو تعدّد ، وإن كان غسالة ممّا فيه أحدهما.

(وتعدّد الغسل ممّا فيه تعدّد معتبر في المحلّ المتنجّس ، فلا يطهر إلا بانصراف ماء الغسالة عنه مرّتين ، وأمّا ما جرى عليه ماء الغسالة ممّا تجاوز عنه من المغسول ، فينجس بماء الغسالة ، ويطهر بانصرافها عنه مرّة ، وإن كان اللازم في الأصل مرّتين أو أكثر) (٢) ولا يحكم بطهارتها ، مع كونها هي المطهّرة بل هي بحكم ما يجب فيه مجرّد الغسل ممّا أصاب بعض النجاسات أو المتنجّسات.

ويتبع العصر الغسل في الوحدة والتعدّد فلا يكفي عصر واحد متوسّط أو متأخّر ، ولو أُريق الماء على ما فيه العصر مكرّراً لم يكن مطهّراً إلا معه.

والعاجز عن العصر كالعاجز عن الغسل يستنيب ولو بأجرة ، لا تضرّ بحاله.

ولا يشترط في النائب سوى الإسلام والتكليف ، دون العدالة ولو مع الغيبة ، والأحوط اعتبار الإيمان.

وصاحب اليد أصالة وولاية ووكالة ، يُعوّل على فعله وقوله ، ومن خرج عن التكليف إن علمت موافقته بمشاهدة أو غيرها حكم بصحّة فعله ، ولا يعمل على مجرّد قوله.

وتطهر الإله العاصرة تبعاً لطهارة المعصور من يد أو غيرها إذا قارن اتّصالها تمام التطهير ، ومع الانفصال قبله تبقى على حكمها ، ولو تكرّرت الآلات مترتّبة فالتطهير مقصور على الأخيرة ، ولو تعدّدت مجتمعة حكم بتطهير الجميع ، ويجري الحكم في جميع الآلات المستعملة في تطهير المتنجّسات.

والشكّ في المعصوريّة كالشك في المغسوليّة وفي جميع المطهّرات الشرعيّة تبنى فيه على العدم ؛ ما لم يكن من كثيري الشكّ وأهل الوسواس الذين هم من شرار الناس.

ثانيها : ما يعتبر فيه التعدّد فقط دون إضافة ) العصر ولا التراب ، وهو قسمان :

__________________

(١) في «ح» : ما انفصلت.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٣) في «س» : إصابة.

٣٧٦

أحدهما : ما تنجّس بالبول مطلقاً ممّا لم يرسب ماء الغسالة فيه من أواني أو صخور أو أخشاب أو أعواد أو بدن أو شعر أو صوف أو وبر غير مفتول ولا منسوج ولا ملبّد ونحو ذلك.

القسم الثاني : ما تنجّس ببول الذكر من الإنسان المسلم رسب فيه الماء أو لا أرضاً أو غيرها إذا لم يتغذّ بالطعام تغذّى بلبن غير أُمّه من النساء أو بلبن الحيوان رضاعاً أو وجوراً (١) أو لا ، تجاوز السنتين مع بقاء الطفوليّة أو لا ، ما لم يخرج عن اسم اللبنيّة بأن يجعل أقِطاً أو جُبنّاً.

وما دخل جوفه من الطعام فاستفرغه لا عبرة به ، ولو خرجت منه رطوبة مشتبهة فلا يبعد الحكم بأنّها منه ، ولو تغذّى ثمّ أهمل بقي على حكم التغذّي والاحتقان وإن كثر ليس من التغذّي ، وفي السعوط والتقطير مكرّراً مع الوصول إلى الجوف وجهان ؛ أقواهما عدم الاعتبار إلا مع الجعل وسيلة إلى التغذّي ، ومع الشكّ بالتغذية يحكم بعدمها. وهل يثبت التغذّي بشهادة المربّية مع عدم العدالة ، الظاهر نعم.

هذا كلّه مع السلامة عن الخليط من نجاسة أخرى دم أو غيره ومن إصابة نجاسة له في وجه أو للمتنجّس به ، فلو كان التنجيس من غير البول أو من غير الذكر بل من الصبيّة أو من غير الإنسان أو غير المسلم منه أو اجتمع مع الخليط أو أصيب هو أو محله بنجاسة أخرى أو تغذّى بالطعام بمقدار ما يقال فيه التغذّي ولا عبرة بمطلقه ، وإلا لم يبق للمسألة حكم ؛ لغلبة التحنيك بالتمر وشبهه لم يجر فيه الحكم ، وكذا لا عبرة بالنادر على الظاهر ، وإلا لم يجر فيه الحكم غالباً.

وحكمه صبّ الماء مع رسوب ماء الغسالة وعدمه مرّتين حتى يصل إلى تمام محلّ الإصابة مع الغلبة على البول ، ولا يلزم فيه الانفصال بعصر ولا بغيره ، ومع انفصال الغسالة يحكم بنجاستها ، ويكون انفصالها كانفصال دم المذبح ومع عدم الانفصال تكون بحكم الرطوبة المتخلّفة والتطهير لثوب المربّية منه مرّة في اليوم والليلة

__________________

(١) الوَجر : أن توجر ماء أو دواء في وسط حلق صبيّ. واسم ذلك الدواء : الوَجور : لسان اللسان ٢ : ٧١٨.

٣٧٧

بهذا النحو على الأقوى ، والطفل من الخنثى المشكل والممسوح بحكم الأُنثى.

وبدون رسوب ماء الغسالة يستوي البولان ، وفي موضع الوحدة كماء الاستنجاء من البول يتّحدان ، وفي تقديم أيّ القسمين مع الاشتباه وجهان ، والأقوى أنّ اللازم حينئذٍ غسلتان ولو أسلم أحد أبويه في أثناء بوله أو حصل الخليط كذلك أُعطي كلّ جزء حكمه مع الانفصال.

ولا تعدّد في غير البول والولوغ ، سواء في ذلك نجاسة الخنزير والمنيّ وغيرهما في إنية أو غيرها. وتواتر الجريات وطول المكث ليس من التعدّد ، ويجري حكم التعدّد في تطهير الميّت على نحو ما سبق في محلّه.

وسهولة نجاسة بول الصبي تقتضي تقديم المتنجّس به على المتنجّس ببول غيره عند التعارض في وجه قويّ ، كما في كلّ شديد وضعيف من النجاسات ، وفي تقديم البعيد عن التغذّي على القريب إليه وجه ضعيف. (ولو حدث ما هو أقلّ عدداً في أثناء غسلات الأكثر تداخلا فيما بقي ، فإن أتمّ وتمّ تمّ) (١).

ثالثها : ما جمع فيه العصر والتعدّد من دون إضافة التراب ، وهو ما جمع الجهتين السابقتين من الكون متنجّساً ببول غير خفيف النجاسة متّصفاً بالرسوب ، ولو حصل الاشتباه بين الخالي من الأمرين والحاوي لأحدهما أو بين الجامع للصفتين والمشتمل على أحدهما قدّم الثاني في الأوّل ، والأوّل في الثاني.

ومع الدوران بين الاثنين تتساويان مع الانحصار في أحد المتنجّسين. وكلّما أصابه ماء الغسالة نجس ما عدا ماء الاستنجاء. وما أصابه من أعضاء المغسول في استمراره من دون انفصال في تحدّره عن محلّ التطهير طاهر ، ولو طالت المسافة ، والأحوط الاستقلال بالغسل.

رابعها : ما جمع فيه بين التعدّد والتراب المطلق ، وهو ما يحسن إطلاقه عليه من دون إضافة ، دون الذي لم يحسن إطلاقه عليه لذاته أو لمزجه كالرمل والحصى والجصّ

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٧٨

والنورة والدقيق ، وكتراب الذهب والفضّة ، والحديد والصفر ، واللؤلؤ ونحوها ، أو الممزوج بشي‌ء منها أو من غيرها ممّا لا يدخل تحت الإطلاق ؛ فإنّه لا عبرة به.

والمدار على تحقّق اسمه واسم الغسل به من غير فرق بين رطبه ما لم يدخل في اسم الطين ويابسه ، ولعلّ اليابس أقرب إلى الاحتياط ولو قلّ فصدق عليه المسح بالتراب دون الغسل لم يجتزء به ، ومسحوق الطين الأرمنيّ ، والمتّخذ لغسل الشعر اتّخاذ المعدن يلحق بالتراب ، والأحوط العدم. ومتعلّقه المتنجّس بالولوغ وهو : إدخال اللسان مع تحريك طرفه أو مطلق إدخاله في الماء ، وقد يسري إلى المضاف ، بل جميع المائعات المتّخذة للشرب.

وقد يلحق به غيره من الكلب البريّ ، دون غيره من البحريّ ، والخنزير بريّا وبحريّاً وغيره ، في باطن الإناء ممّا يسمّى إناء عُرفاً ، دون ما يشبهه من خفّ أو جورب أو نحوها ، ودون الظاهر فإنّه كغيره من المتنجّسات.

والظاهر اختصاصه بواسع الرأس القابل للغسل بالتراب ، كما أنّ الظاهر عدم الفرق في لزوم التراب بين تيسّره وتعسّره وتعذّره ، فلا يكتفى بالماء ، ولا سحيق الأشنان ونحوه لفقده ، أو لحصول مانع من استعماله كما لا يكتفي عن الماء أو عن تعدّد الغسل بالواحد مع التعذّر ، ولزوم التعطيل نادراً لا عبرة به.

وادعّاء الغلبة لخلوّ كثير من الأراضي من التراب مردود بوجود المعصوم من الماء غالباً ، بناءً على أنّ المياه النابعة في الابار بمنزلة مياه الأنهار والأمطار. وحديث : «لا يترك الميسور بالمعسور» (١) لا يتمشّى في جميع الأُمور.

ولا بدّ من طهارة التراب ويكفي مع بقائه على الطهارة في ولوغ آخر ، ولا تجزي مطلق الإراقة فيه من دون إدارة ، ولا مجرّد الإدارة من دون مسح في وجه قويّ ، ولو شكّ في الولوغيّة أو الكلبيّة جرى فيه حكم الولوغ في وجه قويّ ، ولو شكّ في الإصابة بنى على الطهارة.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

٣٧٩

ولا فرق بين تعدّد أفراد الولوغ ووحدتها ؛ للحكم بتداخلها ، ولو تفرّقت أجزاء الإناء بعد الولوغ ، فخرج عن الاسم أو اجتمعت بعده فدخل ، فالمدار على الحال السابقة ، ولا يتسرّى حكم الولوغ إلى ما يتنجّس بالمتنجّس به من ماء غسالة أو غيره ، وفي تسرية حكم اللطع في الإناء أو الماء ، وإدخال الفم للشرب كرعا لمقطوع اللسان أو غيره وجه قويّ.

ولا يجب استغراق الفطور الدقيقة بالتعفير فيه ، والباطن المتشرّب بماء الولوغ يطهر بنفوذ ماء الغسلة الأولى. أو الثانية إليه ، أو بتمام التعفير ، وجوه أوجهها الأخير.

خامسها : ما يلزم فيه الإجراء فقط مع الانفصال من دون حاجة إلى عصر أو تعدّد أو إضافة تراب ، وأمّا الدلك والفرك فغير لازم في شي‌ء من الأقسام إلا مع توقّف إزالة العين عليهما وهو ظواهر جميع المتنجّسات ممّا لم يكن فيه شي‌ء من تلك الصفات من الأواني ، والثمار وأبعاض النباتات والأشجار والأرض الصلبة ، والبناء وجميع ما لا يرسب فيه الماء من جهة فخرٍ كخزف تنّور أو من نفسه كلطوخ قير أو جصّ أو نورة ونحو ذلك ، ولو اشتبه الحال أتى بأحوط الأعمال.

ويتخيّر فيما كان من إناء أو ما يشبهه بين ملأه وإهراقه ، وبين الصّب والإجراء ، وبين الوضع فيه والإدارة للماء على تمام الإناء ، ثم التفريغ أو الإخراج بيده أو بانية أو بخرقة ، ولا يلزم تبديلها ، ولا التحفّظ عن تقاطرها ، ويجري مثله في الخفّ والجورب من ملابس القدم مع الساق وبدونها ، وما يوضع في الرِّجل عند وضعها في الركاب ونحوها.

ولا يختلف الحكم بطهارة الظاهر باختلاف النفوذ في الباطن كما يتّخذ من الخشب والقرع وعدمه ، كما في الأواني المصمتة ، ويكفي في الإجراء حصوله بنفسه أو بإجراء مجرٍ متحرّكاً إلى خارج كأطراف الأصابع أو من جزءٍ إلى جزءٍ ، والمدار على تسميته غسلاً ، جامع اسم المسح أو فارقه.

سادسها : ما لا يحتاج إلى شي‌ء ممّا مرّ كالبواطن من المتنجّسات الجامدة (١) كبطون

__________________

(١) بدلها في «ح» : بعد الجمود ممّا لا ينفذ فيه ماء الغسالة.

٣٨٠