كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص قال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت .. إنما الأقراء الاطهار .. وقد رواه الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة رضي‌الله‌عنها .. وممن روي عنه الأقراء الاطهار باختلاف ابن عمر وزيد بن ثابت [ قال أبو جعفر ] كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول .. اذا طلق الرجل امرأته فرأت الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرىء منها ولا ترثه ولا يرثها .. وإنما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر لأن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول .. إذا طلق العبد امرأته طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض [ قال أبو جعفر ] والحديثان جميعا في الموطأ .. فأما حديث زيد ففيه روايتان أحدهما من حديث الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال عدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيضات .. والمخالف له حدثنا إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا ليث عن نافع أن سليمان بن بشار حدثه أن الأحوص وهو ابن حكيم .. طلق امرأته بالشام فهلك وهو آخر حيضتها يعني الثالثة فكتب معاوية الى زيد بن ثابت يسأله فكتب اليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبرىء منها .. قال نافع فقال عبد الله بن عمر مثل ذلك وقرأ عليّ بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي‌الله‌عنها وعن سليمان بن بشار عن زيد بن ثابت قالا ببينها من زوجها اذا طعنت في الحيضة الثالثة [ قال أبو جعفر ] فهؤلاء الصحابة الذين روي عنهم أن الأقراء الاطهار وهم ثلاثة .. فأما التابعون وفقهاء الأمصار .. فمنهم القاسم وسالم وسليمان بن بشار وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان ومالك بن أنس والشافعي وأبو ثور .. وأما الذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا اختلاف عنهم وزيادة اثنين باختلاف كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال وحدثنا خالد بن اسماعيل ووكيع بن الجراح قالا حدثنا عيسى بن عيسى عن الشعبي قال .. أحد عشر من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو اثنا عشر الخير منهم عمر وزاد وكيع وأبو بكر قالا وعلي وابن مسعود وابن عباس اذا طلق الرجل امرأة تطليقة أو تطليقتين فله عليها الرجعة ما لم تغتسل من القرء الثالث .. وقال وكيع في حديثه ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة [ قال أبو جعفر ] الأحد عشر أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وعباد ، وأبو الدرداء ، وابو موسى ، وأنس ، والاثنان باختلاف ابن عمر

٦١

وزيد قرأ علي بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب .. في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين .. قال قال علي هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .. قال سفيان حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عمر وابن مسعود أنهما قالا هو أحق بها ما لم تغتسل .. قال سفيان وحدثنا أيوب عن الحسن عن أبي موسى الاشعري مثل ذلك .. ومن التابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاوس وعطاء والضحاك ومحمد بن سيرين والشعبي والحسن وقتادة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأبو عبيد .. وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه كان يقول الأقراء الاطهار ثم وقف .. وقال الأكابر من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولون غير هذا [ قال أبو جعفر ] فهذا ما جاء من العلماء بالروايات ونذكر ما في ذلك من النظر واللغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع .. فمن أحسن ما احتج به من قال الأقراء الاطهار قول الله عز وجل ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (١) فأخبر أن القروء هي العدد والعدد عقب الطلاق وإنما يكون الطلاق في الطهر فلو كانت الأقراء هي الحيض كان بين طلاق والعدة فصل .. واحتجوا بالحديث حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر .. أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ان شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء .. قال المحتج فتلك إشارة الى الطهر .. وقال في حديث أبي الزبير عن ابن عمر وتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « فطلقوهن في قبل عدتهن » .. قال فقيل عدتهن هو الطهر [ قال أبو جعفر ] ومخالفه يحتج عليه بالحديث بعينه وسيأتي ذلك .. واحتج بعضهم بأنه من قريت الماء أي حبسته فكذا القرء احتباس الحيض وهذا غلط بيّن لأن قريت الماء غير مهموز وهذا مهموز واللغة تمنع أخذ هذا من هذا .. واحتج بعضهم بأن الآية ثلاثة قروء بالهاء فوجب أن تكون للطهر لأن الطهر مذكر وعدد المذكر يدخل فيه الهاء ولو كان للحيضة لقيل ثلاث [ قال أبو جعفر ] وهذا غلط في العربية لأن الشيء يكون له اسمان مذكر ومؤنث فاذا جئت بالمؤنث أنثته واذا جئت بالمذكر ذكرته كما تقول رأيت ثلاث أدؤر ورأيت ثلاثة منازل لأن الدار مؤنثة والمنزل مذكر والمعنى واحد .. وأما احتجاج الذين قالوا الأقراء الحيض فبشيء من القرآن ومن الإجماع ومن السنة ومن القياس .. قالوا وقال الله تعالى ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٨

٦٢

مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) (١) فجعل المأيوس منه الحيض فدل على أنه هو العدة وجعل العوض منه الأشهر إذ كان معدوما .. وقال ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ ) (٢) وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان المعنى فطلقوهن لعدتهن أن تطلق في طهر لم تجامع فيه .. ولا تخلو لعدتهن من أن يكون المعنى ليعتددن في المستقبل أو يكون في الحال أو الماضي ومحال أن تكون العدة قبل الطلاق وأن يطلقها في حال عدتها فوجب أن تكون للمستقبل [ قال أبو جعفر ] والطهر كله جائز أن تطلق فيه وليس بعد الطهر الا الحيض .. وقال تعالى ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٣) قالوا فاذا طلقها في الطهر ثم احتسب به قرأ فلم تعتد إلا قرءين وشيئا وليس كذا نص القرآن .. وقد احتج محتج في هذا وقال الثلاثة جمع واحتج بقول الله تعالى ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) (٤) وإنما ذلك شهران وأيام فهذا الاحتجاج غلط لأنه لم يقل ثلاثة أشهر فيكون مثل ثلاثة قروء .. وإنما هذا مثل قوله عز وجل ( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (٥) فلا يجوز أن يكون أقل منها .. وكذا ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (٦) وأما من السنة فحدثنا .. الحسن بن علبث قال حدثني يحيى بن عبد الله قال أخبرني الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة ابنة أبي حبيش أخبرته أنها .. أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشكت اليه الدم .. فقال : « إنما ذلك عرق فانظري إذا أتاك قرؤك ولا تصلي واذا مر القرء فتطهري ثم صلي من القرء الى القرء » فهذا لفظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمى الحيض قرءوا في أربعة مواضع .. وأما الاجماع فأجمع المسلمون على ان لا يستبرى بحيضة .. وقال عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عدة الأمة حيضتان نصف عدة الحرة ولو قدرت أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت وهذا يدخل في باب الإجماع لأنه لم ينكره عليه أحد من الصحابة .. وقالوا قد أجمع العلماء على أن المطلقة ثلاثا اذا ولدت فقد خرجت من العدة لا اختلاف في ذلك وإنما اختلفوا في المتوفى عنها زوجها .. قالوا فالقياس أن يكون الحيض بمنزلة الولد لأنهما جميعا يخرجان من الجوف وفي سياق الآية أيضا دليل .. قال الله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ ) (٣) وللعلماء في هذا قولان .. قال ابن عباس الحبل .. وقال الزهري الحيض وليس ثم دليل

__________________

(١) سورة : الطلاق ، الآية : ٤

(٢) سورة : الطلاق ، الآية : ١

(٣ ـ ٧) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٨

(٤) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٧

(٥) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٤

(٦) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٦

٦٣

يدل على اختصاص أحدهما فوجب أن يكون لهما جميعا وإنما حظر عليهما كتمان الحيض والحبل لأن زوجها إذا طلقها طلاقا يملك معه الرجعة كان له ان يراجعها من غير أمرها ما لم تنقض عدتها فإذا كرهته قالت قد حضت الحيضة الثالثة أو قد ولدت لئلا يراجعها فتبين عند ذلك .. قال تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ) (١) حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك .. قال هو أحق بردها في العدة .. [ قال أبو جعفر ] التقدير في العربية في ذلك الأجل .. وأما ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) فقال فيه ابن زيد عليه أيضا ان يتقي الله فيها .. وأما ( وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) (١) ففيه أقوال .. فقال ابن زيد عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها .. قال الشعبي اذا قذفها لاعن ولم يحد وإذا قذفته حدت .. ومن أحسن ما قيل فيه ما رواه عكرمة عن ابن عباس .. قال ما أريد أن أستنطف حقوقي على زوجتي .. [ قال أبو جعفر ] ومعنى هذا ان الله تعالى ندب الرجال الى ان يتفضلوا على نسائهم وأن يكون لهم عليهن درجة في العفو والتفضل والاحتمال لأن معنى درجة في اللغة زيادة وارتفاع .. قال أبو العالية ( وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) عزيز في انتقامه حكيم في تدبيره .. [ قال أبو جعفر ] وهذا قول حسن أي عزيز في انتقامه ممن خالف أمره وحدوده في أمر الطلاق والعدة حكيم فيما دبر لخلقه .. واختلف العلماء في الآية التي تلي هذه فمنهم من جعلها ناسخة ومنهم من جعلها منسوخة ومنهم من جعلها محكمة وهي الآية الثالثة والعشرون.

باب

ذكر الآية الثالثة والعشرين

قال الله عز وجل ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) (٢) الآية .. فمن العلماء من يقول هي ناسخة لما كانوا عليه لأنهم كانوا في الجاهلية مدة وفي أول الإسلام برهة يطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق فاذا كادت تحل من الطلاق راجعها ما شاء الله فنسخ الله ذلك بأنه اذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره واذا طلقها واحدة أو اثنتين كانت له الرجعة ما دامت في العدة .. فقال جل ثناؤه ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) أي الطلاق الذي تملك معه الرجعة وهذا معنى قول عروة قرأ .. عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح بن

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٨

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٩

٦٤

عبادة عن سعيد عن قتادة في قوله الطلاق مرتان فنسخ هذا ما كان قبل فجعل الله حد الطلاق ثلاثا وجعل له الرجعة ما لم تطلق ثلاثا فهذا قول .. والقول الثاني أنها منسوخة بقوله ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ ) .. والقول الثالث أنها محكمة وافترق قول من قال أنها محكمة على ثلاث جهات .. فمنهم من قال لا ينبغي للرجل إذا أراد أن يطلق امرأته أن يطلقها إلا اثنتين لقول الله عز وجل ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) ثم إن شاء طلق الثالثة بعد وهذا قول عكرمة .. والقول الثاني أنه يطلقها في طهر لم يجامعها فيه إن شاء واحدة وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثا هذا قول الشافعي .. والقول الثالث الذي عليه أكثر العلماء أن يطلقها في كل طهر طلقة واحدة .. واحتج لصاحب هذا القول بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر رضي‌الله‌عنه مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يجامعها .. [ قال أبو جعفر ] وقد ذكرناه بإسناده فكانت السنة أن يكون بين كل طلقتين حيضة فلو طلق رجل امرأته وهي حائض ثم راجعها ثم طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة وقعت تطليقتان بينهما حيضة واحدة .. [ قال أبو جعفر ] وهذا خلاف السنة ولهذا أمر أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر .. ومن الحجة أيضا ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) لأن مرتين تدل على التفريق كذا هو في اللغة .. قال سيبويه وقد يقول سير عليه مرتين يجعله للدهر أي طرقا فسيبويه يجعل مرتين طرقا فالتقدير أوقات الطلاق مرتان وحدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفيان الثوري قال حدثني اسماعيل بن سميع عن أبي رزين أن رجلا قال .. يا رسول الله أسمع الله يقول ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) فأين الثالثة؟ قال التسريح بإحسان .. وفي هذه الآية ما قد اختلف فيه اختلاف كثير وجعله بعضهم في المنسوخ بعد الاتفاق على أنه في مخالفة الرجل امرأته .. قال الله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ) (١) الى آخر الآية .. قال عقبة بن أبي الصهباء سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل يريد امرأته أن تخالفه فقال لا يحل له أن يأخذ منها شيئا قلت فأين قول الله في كتابه ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (١) قال نسخت .. قلت فأين جعلت؟ قال في سورة النساء ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (٢) والآية الأخرى .. [ قال أبو جعفر ] وهذا قول شاذ خارج عن الإجماع

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٩

(٢) سورة : النساء ، الآية : ٢٠

٦٥

وليس احدى الآيتين رافعة للأخرى فيقع النسخ لأن قوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) ليس بمزال لأنهما إذا خافا هذا لم يدخل الزوج في وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج لأن هذا للرجال خاصة .. ومن الشذوذ في هذا ما روي عن سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين والحسن أنهم قالوا لا يجوز الخلع الا بأمر السلطان .. قال شعبة قلت لقتادة عمن أخذ الحسن الخلع الى السلطان .. قال عن زياد .. [ قال أبو جعفر ] وهو صحيح معروف عن زياد ولا معنى لهذا القول لأن الرجل اذا خالع امرأته فإنما هو على ما يتراضيان به ولا يجوز أن يجبره السلطان على ذلك ولا معنى لقول من قال هو إلى السلطان ومع هذا فقول الصحابة وأكثر التابعين ان الخلع جائز من غير إذن السلطان فممن قال ذلك عمر وعثمان وابن عمر رضي الله تعالى عنهم كما حدثنا .. محمد بن زيان قال حدثنا محمد بن رمح قال أخبرني الليث عن نافع أنه سمع الربيع ابنة معوّذ بن عفراء تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها في عهد عثمان فجاء عمها معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها أفتنتقل فقال عثمان رضي‌الله‌عنه لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليهما ولكن لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل .. فقال ابن عمر عثمان خيرنا وأعلمنا رضي‌الله‌عنهما .. [ قال أبو جعفر ] وفي حديث أيوب وعبد الله عن نافع عن ابن عمر عن عثمان أجاز الخلع على خلاف ما قال زياد وجعله طلاقا على خلاف ما يقول أبو حنيفة وأصحابه ان الخلع لا يجوز بأكثر مما ساق إليها من الصداق وأجاز للمختلعة أن تنتقل وجعلها خلاف المطلقة ولم يجعل عليها عدة كالمطلقة .. وقال هذا القول اسحاق بن راهويه قال ليس على المختلعة عدة وإنما عليها الاستبراء بحيضة وهو قول ابن عباس بلا خلاف وعن ابن عمر فيه اختلاف فلما جاء عن ثلاثة من الصحابة لم يقل بغيره ولا سيما ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه فأما عن غيرهم فكثير .. قال جماعة من العلماء عدة المختلعة عدة المطلقة منهم سعيد بن المسيب وسليمان بن بشار وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز والزهري والحسن وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والاوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل وفي حديث عثمان انه أوجب أن المختلعة أملك بنفسها لا تزوّج الا برضاها وإن كانت لم تطلق إلا واحدة وفيه انه لا نفقة لها ولا سكنى وأنهما لا يتوارثان وإن كان إنما طلقها واحدة وفيه انها لا تنكح حتى تحيض حيضة وفيه أن عبد الله بن عمر خبر أن عثمان خير وأعلم من كل من ولّي عليه .. وأما حديث ابن عباس فحدثناه .. أحمد بن محمد الأزديّ قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو عوانة عن ليث عن طاوس أن ابن عباس .. جمع بين رجل

٦٦

وامرأته بعد ان طلقها تطليقتين وخالعها وهذا شاذ وخارج عن الإجماع والمعقول وذلك أنه اذا قال لامرأته أنت طالق إذا كان كذا فوقعت الصفة طلقت بإجماع فكيف يكون إذا أخذ منها شيئا أو طلق نصفه لم يقع فهذا محال في المعقول وطاوس وإن كان رجلا صالحا فعنده عن ابن عباس مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم منها أنه روى عن ابن عباس أنه قال في رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إنما تلزمه واحدة ولا يعرف هذا عن ابن عباس إلا من روايته والصحيح عنه وعن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أنها ثلاث كما قال الله عزّ وجلّ ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ) (١) أي الثالثة .. فأما العلة التي رويت عن ابن عباس في المختلعة فإنه روي عنه أنه قال وقع الخلع بين طلاقين قال جل ثناؤه ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) (٢) ثم ذكر المختلعة فقال ( فَإِنْ طَلَّقَها ) (١) .. [ قال أبو جعفر ] الذي عليه أهل العلم أن قوله ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٢) كلام قائم بنفسه ثم قال ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) (٢) فكان هذا حكما متشابها ثم قال جل ثناؤه ( فَإِنْ طَلَّقَها ) (١) فرجع الى الأول ولو كان على ما روي عن ابن عباس لم تكن المختلعة إلا من طلقت تطليقتين وهذا مما لا يقول به أحد ومثل هذا في التقديم والتأخير وامسحوا برءوسكم وأرجلكم .. [ قال أبو جعفر ] وهذا بين في النحو وفي الآية من اللغة وقد ذكره مالك أيضا فقال المختلعة التي اختلعت من كل مالها والمفتدية التي افتدت ببعض مالها والمبارئة التي أبرأت زوجها من قبل أن يدخل بها فقالت قد أبرأتك فبارئني قال وكل هذا سواء وهذا صحيح في اللغة وقد يدخل بعضه في بعض فيقال مختلعة وإن دفعت بعض مالها فيكون تقديره إنما اختلعت نفسها من زوجها وكذلك المفتدية وإن افتدت بكل مالها .. فأما من قال لا يجوز أن تختلع بأكثر مما يساق اليها من الصداق فشيء لا توجبه الآية لأن الله عز وجل قال ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (٢) من ذلك ولا منه فيصح ما قالوا على أن سعيد بن المسيب يروى عنه انه قال لا يجوز الخلع الا بأقل من الصداق وقال ميمون بن مهران من أخذ الصداق كله فلم يسرح بإحسان .. وقد أدخلت الآية الرابعة والعشرون في الناسخ والمنسوخ قال ذلك مالك بن أنس.

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٠

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٩

٦٧

باب

ذكر الآية الرابعة والعشرين

قال جل ثناؤه ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (١) في هذه الآية للعلماء أقوال .. فمنهم من قال هي منسوخة .. ومنهم من قال انها محكمة .. والذين قالوا أنها محكمة لهم فيها ستة أقوال .. فمنهم من قال وعلى الوارث مثل ذلك انه الأنصار .. ومنهم من قال ان الوارث عصبة الأب عليهم النفقة والكسوة .. ومنهم من قال الوارث أي الصبي نفسه .. ومنهم من قال الوارث الباقي من الأبوين .. ومنهم من قال الوارث كل ذي رحم محرم .. [ قال أبو جعفر ] ونحن ننسب هذه الأقوال إلى قائلها من الصحابة والتابعين والفقهاء ونشرحها لنكمل الفائدة في ذلك .. حكى عبد الرحمن بن القاسم في الأسدية عن مالك بن أنس أنه قال لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم محرم منه قال وقول الله جل ثناؤه ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (١) منسوخ .. [ قال أبو جعفر ] هذا لفظ مالك ولم يبين ما الناسخ لها ولا عبد الرحمن بن القاسم .. ومذهب ابن عباس ومجاهد والشعبي أن المعنى وعلى الوارث أنه الأنصار والذين قالوا على وارث الأب النفقة والكسوة عمر بن الخطاب والحسين بن أبي الحسن كما قرأ علي .. محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا قبيصة قال حدثني سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر أجبر بني عم على منفوس وفي رواية ابن عيينة الرجال دون النساء .. وقال الحسين اذا خلف أمه وعمه والأم موسرة والعم معسر فالنفقة على العم .. والذين قالوا على وارث المولود النفقة والكسوة زيد بن ثابت قال اذا خلف أما وعما فعلى كل واحد منهما على قدر ميراثهما وهو قول عطاء .. وقال قتادة على وارثي الصبي على قدر ميراثهم وقال قبيصة بن ذؤيب الوارث الصبي كما قرأ عليّ .. محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقري قال أنبأنا حيوة قال حدثنا جعفر بن ربيعة عن قبيصة بن ذؤيب ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) قال الوارث الصبي .. وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري قال اذا كان للصبي أم وعم أجبرت الأم على رضاعه ولم يطالب العم بشيء .. وأما الذين قالوا على كل ذي رحم محرم فهو أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد .. [ قال أبو جعفر ] فهذه جميع الأقوال التي وصفناها من أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء .. وأما قول مالك أنها منسوخة فلم يبينه ولا علمت أن أحدا من الصحابة بيّن ذلك والذي يشبه أن يكون الناسخ لها عنده والله أعلم أنه

__________________

(١) السورة : البقرة ، الآية : ٢٣٣

٦٨

لما أوجب الله سبحانه للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث .. وأما قول من قال وعلى الوارث مثل ذلك أنه الأنصار فقول حسن لأن أموال الناس محظورة فلا يخرج منها شيء إلا بدليل قاطع .. وأما قول من قال على ورثة الأب والحجة له أن النفقة كانت على الأب فورثته لولي من ورثة الابن .. وأما حجة من قال على ورثة الابن فيقول كما يرثونه يقومون به .. [ قال أبو جعفر ] وكان محمد بن جرير يختار قول من قال الوارث هاهنا الابن وهو وإن كان قولا غريبا فالإسناد به صحيح والحجة به ظاهرة لأن ماله أولى به .. وقد أجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له طفل وللولد مال والأب موسر انه لا يجب على الأب نفقة ولا رضاع وان ذلك من مال الصبي فان قيل قد قال الله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ ) (١) قيل هذا الضمير للمؤنث ومع هذا فإن الاجماع حد لأنه مبين بها لا يسمع مسلما الخروج عنه .. وأما قول من قال ذلك على من بقي من الأبوين فحجته أنه لا يجوز للأم تضييع ولدها وقد مات من كان ينفق عليه وعليها .. وأما قول من قال النفقة والكسوة على كل ذي رحم محرم فحجته أن على الرجل أن ينفق على كل ذي رحم محرم إذا كان فقيرا .. [ قال أبو جعفر ] وقد عورض هذا القول بأنه لم يوجد من كتاب الله تعالى ولا من إجماع ولا من سنة صحيحة بل لا نعرف سوى قول من ذكرناه .. وأما القرآن فقال سبحانه ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (٢) فتكلم الصحابة والتابعون فيه بما تقدم ذكره فان كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا إذا ترك خاله وابن عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء فهذا مخالفة نص القرآن لأن الخال لا يرث مع ابن العم في قول أحد ولا يرث وحده في قول كثير من العلماء .. والذين احتجوا به من النفقة على كل ذي رحم محرم أكثر أهل العلم على خلافه .. وأما الآية الخامسة والعشرون فقد تكلم العلماء فيها أيضا فقال أكثرهم هي ناسخة وقال بعضهم فيها نسخ والله أعلم.

باب

ذكر الآية الخامسة والعشرين

قال جل ثناؤه ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (٢) الآية أكثر العلماء على أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٣

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٤

٦٩

وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ ) (١) لأن الناس أقاموا برهة من الإسلام اذا توفي الرجل وخلف امرأة حاملا أوصى لها زوجها بنفقة سنة وبالسكنى ما لم تخرج فتتزوج ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشرا وبالميراث .. واختلف الذين قالوا هذا القول .. قال بعضهم نسخ من الأربعة الأشهر والعشر المتوفى عنها زوجها وهي حامل فانقضاء عدتها اذا ولدت .. وقال قوم آخر الأجلين .. وقال ابن هرمز هو عام بمعنى الخاص أي ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ) لسن حوامل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا .. وقال قوم ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول .. وقال قوم هما محكمتان واستدلوا بأنها منهية عن المبيت في غير منزل زوجها .. [ قال أبو جعفر ] ونحن نشرح هذه الأقوال ونذكر قائلي من نعرف منهم .. فممن قال إن الآية ناسخة فصح ذلك عنه عثمان بن عفان وعبد الله بن الزبير حتى قال عبد الله بن الزبير قلت لعثمان رضي‌الله‌عنه لم أثبت في المصحف والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن اربعة أشهر وعشرا فقال يا ابن أخي لا أغير شيئا من مكانه فبين عثمان رضي‌الله‌عنه أنه إنما أثبت في المصحف ما أخذه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن جبريل عليه‌السلام على ذلك التأليف لم يغير منه شيئا وحدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ) (١) قال نسختها ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (٢) قال متاعا الى الحول غير اخراج نسخها الربع والثمن ونسخ الحول العدة أربعة أشهر وعشرا .. [ قال أبو جعفر ] وحدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن ابن عباس قال وقوله ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ) الآية كانت المرأة اذا مات زوجها وتركها أعتدت سنة وينفق عليها من ماله ثم أنزل الله بعد ذلك ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) الا أن تكون حاملا فانقضاء عدتها أن تضع ما في بطنها ونزل ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) (٣) فبين الله جل ثناؤه الميراث وترك النفقة والوصية .. [ قال أبو جعفر ] وأما قول من قال انه عام بمعنى

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٤٠

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٤

(٣) سورة : النساء ، الآية : ١٢

٧٠

الخاص فقول حسن لأنه قد بين ذلك بالقرآن والحديث وسنذكر ذلك .. وأما قول من قال نسخ منها الحوامل فيحتج بقول ابن مسعود من شاء لاعنته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الطولى يعني أن قوله ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ ) (١) نزلت بعد التي في البقرة وهذا قول أعني وأولات الأحمال ناسخة للتي في البقرة أو مبينة لها قول أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء .. فمنهم عمر وابن عمر وابن مسعود وأبو مسعود البدري وأبو هريرة وسعيد بن المسيب والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور .. وأما قول من قال آخر الأجلين فحجته انه جمع بين الاثنين .. وممن قال به بلا اختلاف عنه علي بن أبي طالب وكان بينه وبين الصحابة فيه منازعة شديدة من أجل الخلاف فيه كما حدثنا .. أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو داود الطيالسي عن شعبة قال حدثنا عبيد بن الحسن قال حدثنا أبو معقل قال شهدت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه .. وقد سئل عن رجل توفي وامرأته حامل فقال تعتد آخر الأجلين فقيل يا أمير المؤمنين ان أبا مسعود البدري يقول لتسع لنفسها .. فقال ان فروخا لا تعلم شيئا فبلغ ذلك أبا مسعود .. فقال بلى أنا أعلم وذكر الحديث .. وممن صح عنه أنه قال تعتد آخر الاجلين عبد الله بن العباس .. [ قال أبو جعفر ] وقد ذكرنا من قال بغير هذا من الصحابة حتى قال عمر إن وضعت حملها وزوجها على السرير حلت وعلى القول الآخر لا تحل حتى تمضي أربعة أشهر وعشرا ثم جاء التوقيف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنها تحل اذا توفي زوجها وهي حامل ثم ولدت قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرا وصح ذلك عنه كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن سئلا عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل .. فقال ابن عباس آخر الأجلين .. وقال أبو سلمة اذا ولدت فقد حلت .. وقال أبو هريرة أنا مع ابن أخي يعني مع أبي سلمة فأرسلوا كريبا مولى ابن عباس الى أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء فأخبرهم ان أم سلمة .. قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال قد حللت .. وقال الحسن والشعبي لا تتزوج حتى تخرج من دم النفاس .. وكذا قال حماد بن أبي سليمان .. [ قال أبو جعفر ] واذا قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا لم يلتفت الى قول غيره ولا سيما ونص القرآن ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ ) وقد أجمع الجميع بلا خلاف بينهم أن رجلا لو توفي وترك امرأته حاملا فانقضت أربعة أشهر وعشرا أنها لا تحل حتى تلد فعلم أن المقصود الولادة .. وأما قول من قال ليس

__________________

(١) سورة : الطلاق ، الآية : ٤

٧١

في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول حجته ان هذا مثل صلاة المسافر لما نقصت من أربعة إلى اثنين لم يكن هذا نسخا وهذا غلط بين لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج فإذا خرجت لم تمنع ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا فهذا هو النسخ وليست صلاة المسافر من هذا في شيء والدليل على ذلك أن عائشة رضي‌الله‌عنها .. قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة المسافر على حالها وهكذا يقول جماعة من الفقهاء ان فرض المسافر ركعتان وقد عورضوا في هذا بأن عائشة رضي‌الله‌عنها كانت تتم في السفر فكيف تتم في السفر وهي تقول فرض المسافر ركعتان هذا متناقض فأجابوا عن ذلك إن هذا ليس بمتناقض لأنه قد صح عنها ما ذكرناه وهي أم المؤمنين عليها‌السلام فحيث حلت فهي مع أولادها فليست بمسافرة وحكمها حكم من كان حاضرا فلذلك كانت تتم الصلاة إن صح عنها الاتمام .. ومما يدلك على أن الآية منسوخة أن بكر بن سهل حدثنا .. قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن نافع بن نافع عن زينب ابنة أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة .. قالت زينب دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مسحت بعارضيها ثم .. قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا » .. قالت زينب وسمعت أم سلمة تقول وجاءت امرأة الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. فقالت يا رسول الله ان ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفأكحلها .. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا .. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت احداكن ترمى في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول » .. قال حميد فقلت لزينب وما ترمى بالبعرة على رأس الحول قال حميد .. فقالت زينب كانت المرأة اذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تلبس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة .. ثم تؤتي بدابة حمار أو شاة أو طائر فتنقض به فقلما تنقض بشيء الا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره .. وفي الحديث من الفقه والمعاني واللغة شيء كثير .. فمن ذلك إيجاب الإحداد والامتناع من الزينة والكحل على المتوفى عنها زوجها على خلاف ما روى اسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن انه كان لا يرى بأسا بالزينة للمتوفى عنها زوجها ولا يرى الإحداد شيئا .. وفيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج » فأوجب ذلك هذا

٧٢

على كل امرأة بالغة كانت أو غير بالغة مدخولا بها أو غير مدخول أمة كانت تحت حرّ أو حرة تحت عبد أو مطلقة واحدة أو ثنتين لأنها بمنزلة من لم تطلق ودل على أنه لا إحداد على المبتوتة وإنما هو على المتوفى عنها زوجها ودل ظاهر الحديث على أنه لا إحداد على كافرة لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تؤمن بالله واليوم الآخر ودل أيضا ظاهره أنه لا إحداد على الحامل بذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة أشهر وعشرا .. فأما معنى ترمى بالبعرة .. فقال فيه أهل اللغة والعلماء بمعاني العرب أنهن كن يفعلن ذلك ليرين أن مقامهن حولا أهون عليهن من تلك البعرة المرمية .. وفيه من اللغة قوله تنقض وقد رواه بعض الفقهاء الجلة تقبض .. وقيل معناه تجعل أصابعها على الطائر كما قرئ فقبضت قبضة فخالفه أصحاب مالك أجمعون .. فقالوا تفيض وهو على تفسير مالك كذا يجب كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال سمعت مالكا وسئل ما تفيض به قال تمسح به جلدها .. [ قال أبو جعفر ] وهذا مشتق من أنفض القوم اذا تفرقوا وزال بعضهم عن بعض .. قال عزّ وجلّ ( حَتَّى يَنْفَضُّوا ) فمعنى تفيض به تزول به لأنها لا تزول عن مكانها إلا بهذا فقد صارت تفيض به .. وأما قول من قال الآيتان محكمتان فاحتج بأن المتوفى عنها زوجها لا تبيت الا في منزلها فليس بشيء لأنه لو كان كما قال لأوجب عليها أن تقيم سنة كاملة كما في الآية المنسوخة وأيضا فليس في مقامها في منزلها إجماع بل قد اختلف فيه الصدر الأول ومن بعدهم .. فممن قال ان عليها المقام عمر وعثمان وأم سلمة وابن مسعود وابن عمر وتابعهم على ذلك أكثر فقهاء الأمصار .. وقال مالك تزورهم بعد العشاء الى أن يهدأ الناس ولا تبيت إلا في منزلها وهذا قول الليث وسفيان الثوري وأبي حنيفة والشافعي .. وقال محمد بن الحسن لا تخرج المتوفى عنها زوجها والمبتوتة من منزلها البتة .. وممن قال غير هذا وقال لها أن تخرج وتحج إن شاءت ولا تقيم في منزلها علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وعلى هذا صح عنه أنه أخرج ابنته أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه .. لما قتل عمر فضمها إلى منزله قبل أن تنقضي عدتها وصح عن ابن عباس مثل هذا روى الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس .. قال ليس على المتوفى عنها زوجها ولا على المبتوتة اقامة في بيتها إنما قال الله عز وجل ( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (١) إنما عليها العدة وليس عليها مقام ولا نفقة لهما .. وممن قال بهذا القول على أنه ليس على المتوفى عنها زوجها اقامة عائشة وجابر بن عبد الله فهؤلاء أربعة من الصحابة لم يوجبوا الإقامة ومنهم من يحتج بالآية والحجة لمخالفهم قوله عز وجل ( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ ) فعليهن أن يحبسن

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٤

٧٣

انفسهن عن كل الاشياء الا ما خرج بدليل .. ومن الحجة أيضا توقيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقوله لفريعة حين توفي عنها زوجها : « أقيمي في منزلك حتى يبلغ الكتاب أجله » وقد قال قوم ان قوله عز وجل ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ) (١) منسوخ بالحديث لا وصية لوارث وأكثر العلماء على أنها منسوخة بالآية التي ذكرناها .. ومما يبين أنها منسوخة اختلاف العلماء والنفقة على المتوفى عنها زوجها وهي حامل فأكثر العلماء يقول لا نفقة لها ولا سكنى فمن الصحابة عبد الله بن عباس وابن الزبير وجابر ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وممن دونهم مالك بن أنس وأبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد وهو الصحيح من قول الشافعي .. وممن قال للمتوفى عنها زوجها وهي حامل النفقة من رأس المال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن مسعود وابن عمر وهو قول شريح والجلاس بن عمرو والشعبي والنخعي وأيوب السختياني وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبي عبيد وفيه قول ثالث عن قبيصة بن ذؤيب قال لو كنت فاعلا لجعلتها من مال ذي بطنها .. وحجة من قال لا نفقة للمتوفى عنها زوجها إجماع المسلمين أنه لا نفقة لمن كانت تجب له النفقة على الرجل قبل موته من اطفاله وأزواجه وآبائه الذين عليه نفقتهم بإجماع اذا كانوا زمناء فقراء فكذلك أيضا لا تجب للحامل المتوفى عنها زوجها .. [ قال أبو جعفر ] واختلفوا أيضا في الآية السادسة والعشرين فمنهم من قال هي محكمة واجبة ومنهم من قال هي مندوب اليها ومنهم من قال قد أخرج منها شيء ومنهم من قال هي منسوخة.

باب

ذكر الآية السادسة والعشرين

قال الله عز وجل ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (٢) فمن قال بظاهر الآية وأنه واجب على كل مسلّم مطلّق المتعة للمطلقة كما قال تعالى ومتعوهن من الصحابة عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ومن التابعين الحسن قال الحسين وأبو العالية لكل مطلقة متعة مدخول بها أو غير مدخول بها مفروض لها أو غير مفروض لها وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك وهو قول أبي ثور وأنبأنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن ابن شهاب أنه كان .. يقول لكل مطلقة

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٤٠

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٦

٧٤

متعة .. وأما قول من قال قد أخرج منها شيء فعبد الله بن عمر كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر .. قال لكل مطلقة متعة الا التي سمي لها صداقا ولم تمس فحسبها نصف ما فرض لها .. وأما قول من قال ومتعوهن على الندب لا على الحتم والإيجاب فهو قول شريح قال متع ان كنت من المحسنين ألا تحب أن تكون من المتقين فهذا قول مالك بن أنس أنه لا يجبر على المتعة لامرأة من المطلقات كلهن .. وأما قول أبي حنيفة وأصحابه وهو يروي عن الشافعي انه لا يجبر على المتعة إلا أن يتزوج امرأة ولا يسمي لها صداقا فيطلقها قبل أن يمسها فانه يجبر على تمتعها .. وأما قول من قال بالنسخ فيها وهو قول سعيد بن المسيب كما أنبأنا .. أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي قال حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب .. قال كانت المتعة واجبة لمن لم يدخل بها من النساء في سورة الأحزاب .. ثم نسختها الآية التي في البقرة .. [ قال أبو جعفر ] يجب أن تكون التي في سورة الأحزاب ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَ ) (١) وهذا ايجاب المتعة والناسخة لها عنده التي في البقرة ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٢) الآية هذا لا يجب فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه ليس في الآية لا تمتعوهن ولكن القول الصحيح البين أنه أخبر بذكر المتعة ثم لم يذكرها هنا ولا سيما وبعده وللمطلقات متاع بالمعروف فهذا أوكد من متعوهن لأن متعوهن قد يقع على الندب فذكر التمتع في القرآن مؤكدا .. قال الله تعالى ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا ) (٣) وكذا ظاهر القرآن وهو قول علي رضي‌الله‌عنه ومن ذكرناه فهذا أحد قولي الشافعي ان على كل مطلق متعة اذا كان الطلاق من قبله فاما تفرضوا لهن فريضة ففيه أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس .. قال الفريضة الصداق .. [ قال أبو جعفر ] الفرض في اللغة الإيجاب ومنه فرض الحاكم على فلان كذا كما كانت فريضة ما ..تقول كما كان الزنا فريضته الرجم .. وقد احتج قوم في أن التمتع ليس بواجب بقول الله تعالى حقا على المحسنين فكذا حقا على المتقين وهذا لا يلزم لأنه اذا كان واجبا على

__________________

(١) سورة : الاحزاب ، الآية : ٤٩

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٧

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٦

٧٥

المحسنين فهو على غيرهم أوجب .. وأيضا فإن الناس جميعا مأمورون بأن يكونوا محسنين متقين لأن معنى يجب أن يكون محسنا يجب أن تكون تحسن إلى نفسك بأن تؤدي فرائض الله تعالى وتجتنب معاصيه فتكون محسنا الى نفسك حتى لا تدخل النار أن تتقي الله بترك معاصيه والانتهاء الى ما كلفك من فرائضه فوجب على الخلق أن يكونوا محسنين متقين .. واختلف العلماء في الآية السابعة والعشرين .. فقال بعضهم هي منسوخة .. وقال بعضهم هي مخصوصة.

باب

ذكر الآية السابعة والعشرين

قال الله تعالى ( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) (١) .. فمن العلماء من قال هي منسوخة ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم الا الإسلام .. فممن قال بذلك سليمان بن موسى وقال نسختها ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) (٢) .. قال زيد بن أسلّم أقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة عشر سنين يدعو الناس الى الإسلام ولا يقاتل فأبى المشركون إلا قتاله فاستأذن الله في قتالهم فأذن له .. وقال بعض العلماء ليست بمنسوخة ولكن لا إكراه في الدين نزلت في أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام اذا أدوا الجزية والذين يكرهون أهل الأوثان فهم الذين نزلت فيهم ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ ) ومما يحتج به لهذا القول ما قرئ على .. أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال أنبأنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلّم عن أبيه .. قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية أسلمي أيتها العجوز تسلمي إن الله تعالى بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحق .. قالت أنا عجوز كبيرة والموت اليّ قريب .. قال عمر اللهم اشهد ثم تلا لا إكراه في الدين .. وممن قال أنها مخصوصة ابن عباس كما قرأ علي .. أحمد بن شعيب عن محمد بن بشار عن ابن أبي عدي في حديثه عن شعبة عن ابن بشير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .. قال كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار .. قالت الأنصار لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .. قول ابن عباس في هذه الآية أولى الاقوال لصحة إسناده وان مثله لا يوجد بالرأي فلما أخبر أن الآية نزلت في هذا أوجب أن يكون أقوى الأقوال وأن تكون الآية مخصوصة

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٥٦

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٧٣

٧٦

نزلت في هذا وحكم أهل الكتاب كحكمهم فأما دخول الألف واللام فللتعريف لأن المعنى لا إكراه في الإسلام .. وفي ذلك قول آخر يكون التقدير لا إكراه في دين الإسلام والألف واللام عوض من المضاف إليه مثل قوله يصهر به ما في بطونهم والجلود أي وجلودهم .. واختلف العلماء في الآية الثامنة والعشرين .. قال بعضهم هي ناسخة .. وقال بعضهم نزلت في شيء بعينه غير ناسخة .. وقال بعضهم هي عامة.

باب

ذكر الآية الثامنة والعشرين

قال عز وجل ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) فمن قال أنها ناسخة احتج بأن الإنسان في أول الإسلام كان اذا أعسر من دين عليه بيع حتى يستوفي المدين دينه منه فنسخ الله ذلك بقوله جل ثناؤه ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) .. ويدل على هذا القول ان أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا .. إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا يحيى بن صالح الوجاطي قال حدثنا مسلّم بن خالد الربحي عن زيد بن أسلّم عن عبد الرحمن بن السلماني .. قال كنت بمصر فقال لي رجل ألا أدلك على رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. فقلت بلى وأشار الى رجل فجئته فقلت من أنت يرحمك الله فقال أنا سرق .. فقلت سبحان الله ما ينبغي لك أن تسمى بهذا الاسم وأنت رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. فقال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سماني سرقا فلن أدع ذلك أبدا قلت ولم سماك سرقا قال لقيت رجلا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه وقلت له انطلق معي حتى أعطيك فدخلت بيتي ثم خرجت من خلف خرج لي وقضيت بثمن البعيرين حاجة لي وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد خرج فخرجت والأعرابي مقيم فأخذني فقدم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته الخبر .. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « ما حملك على ما صنعت؟ قلت قضيت بثمنهما حاجة يا رسول الله قال فاقضه قلت ليس عندي قال أنت سرق اذهب به يا أعرابي فبعه حتى تستوفي حقك » .. قال فجعل الناس يساومونه بي ويلتفت اليهم فيقول ما تريدون فيقولون نريد أن نبتاعه فقال فو الله ما منكم أحد أحوج اليه مني اذهب فقد أعتقتك .. قال أحمد بن محمد الأزدي ففي هذا الحديث بيع الحرّ في الدين وقد كان ذلك في أول الاسلام يباع من عليه دين فيما عليه من الدين إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ الله تعالى ذلك فقال

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٠

٧٧

تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) .. فذهب قوم إلى أن هذه الآية في الربا وأنه إذا كان لرجل على رجل دين ولم يكن عنده ما يقتضيه إياه حبس أبدا فيه حتى يوفيه واحتجوا بقول الله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٢) .. وهذا قول شريح وإبراهيم النخعي كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين في قوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) قال خاصم رجل إلى شريح في دين له فقال آخر يعذر صاحبه أنه معسر وقد قال الله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) فقال شريح كان هذا في الربا وإنما كان في الأنصار فإن الله قال ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (٢) ولا يأمر الله بشيء ثم نخالفه احبسوه الى جنب السارية حتى يوفيه .. وقال جماعة من أهل العلم فنظرة الى ميسرة عامة في جميع الناس وكان من أعسر أنظر .. فهذا قول أبي هريرة والحسن وجماعة من الفقهاء .. وعارض في هذه الأقوال بعض الفقهاء بأشياء من النظر والنحو واحتج بأنه وان كان لا يجوز أن يكون هذا في الربا قال لأن الربا قد أبطل فكيف يقال فيه ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (١) واحتج من النحو بأنه لو كان في الربا لكان وإن كان ذا عسرة لأنه قد تقدم ذكره فلما كان في الشواذ وإن كان ذو عسرة علم أنه منقطع من الأول عام لكل من كان ذا عسرة وكان بمعنى وقع وحدث كما .. قال :

فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

إذا كان يوم ذو كواكب أشهب

 .. [ قال أبو جعفر ] هذا الاحتجاج ظاهره حسن فإذا فتشت عنه لم يلزم وذلك أن قوله الربا قد أبطله الله تعالى فالأمر في قوله قد أبطله الله صحيح ان كان يريد أن لا نعمل به وإلا فقد قال ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) فما الذي يمنع أن يكون الإعسار في مثل هذا وأما احتجاجه بالنحو فلا يلزم قد يجوز أن يكون التقدير وإن كان منهم ذو عسرة .. وقد حكى النحويون والمرء مقتول بما قتل به إن خنجر فخنجر وإن كان يجوز فيه غير هذا .. وأحسن ما قيل في الآية قول عطاء والضحاك قالا في الربا والدين كله فهذا كله يجمع الأقوال لأنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه لا سيما وقد روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في الربا وهذا توقيف من ابن عباس

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٠

(٢) سورة : النساء ، الآية : ٥٨

٧٨

بحقيقة الأمر مما لا يجوز أن يؤخذ بقياس والآراء لأنه أخبر أنها نزلت فيه ( وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) فجعله قتادة على الموسر والمعسر .. وقال السدي على المعسر وهذا أولى لأنه يليه .. واختلفوا في الآية التاسعة والعشرين فجاء الاختلاف فيها عن الصدر الأوّل والثاني.

باب

ذكر الآية التاسعة والعشرين

قال عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) (١) الآية .. وافترق العلماء فيها على ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال لا يسع مؤمنا اذا باع بيعا الى أجل واشترى إلا أن يكتب ويشهد إذا وجد كاتبا ولا يسع مؤمنا اذا اشترى شيئا أو باعه إلا أن يشهد وإلا يكتب اذا لم يكن الى أجل .. واحتجوا بظاهر القرآن .. وقال بعضهم هذا على الندب والإرشاد لا على الحتم .. وقال بعضهم هو منسوخ .. فمن قال هو واجب من الصحابة ابن عمر وأبو موسى الاشعري ومن التابعين محمد بن سيرين وأبو قلابة والضحاك وجابر بن زيد ومجاهد ومن أشدهم في ذلك عطاء قال أشهد إذا بعت أو إذا اشتريت بدرهم أو نصف درهم أو ثلث درهم أو أقل من ذلك فان الله تعالى يقول ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) (١) حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا شجاع قال حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال .. أشهد اذا بعت واذا اشتريت ولو دستجة بقل .. وممن كان يذهب الى هذا محمد بن جرير وأنه لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن لا يشهد وإلا كان مخالفا كتاب الله وكذا إذا كان الى أجل فعليه أن يكتب ويشهد إن وجد كاتبا واحتج بحجج سنذكرها في آخر الاقوال في الآية .. وممن قال انها منسوخة من الصحابة أبو سعيد الخدري كما حدثنا .. محمد بن جعفر الأنباري بالأنبار قال حدثنا إبراهيم بن دسيم الخراساني قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا محمد بن مروان قال حدثنا عبد الملك بن أبي نصرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه تلا ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) الى ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (٢) .. قال

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٢

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٣

٧٩

نسخت هذه الآية ما قبلها .. [ قال أبو جعفر ] وهذا قول الحسن والحكم وعبد الرحمن بن زيد .. وممن قال إنها على الندب والارشاد لا على الحتم الشعبي .. ويحكى أن هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي .. واحتج محمد بن جرير في أنها أمر لازم وأنه واجب على كل من اشترى شيئا الى أجل أن يكتب ويشهد وإن اشتراه بغير أجل أن يشهد بظاهر الآية وانه فرض لا يسع تضييعه لأن الله تعالى أمر به وأمر الله لازم لا يحمل على الندب والإرشاد الا بدليل ولا دليل يدل على ذلك ولا يجوز عنده أن يكون هذا نسخا لأن معنى الناسخ أن يبقي حكم المنسوخ ولم تأت آية فيها لا تكتبوا ولا تشهدوا فيكون هذا نسخا ولأن قول من قال فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ناسخ للأول لا معنى له لأن هذا حكم غير دال وإنما هذا حكم من لم يجد كاتبا أو كتابا قال الله تعالى ( وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) (١) أي فلم يطالبه برهن ( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (١) قال ولو جاز أن يكون هذا ناسخا للاول لجاز أن يكون قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (٢) الآية ناسخة لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) (٢) الآية ولجاز أن يكون قوله تعالى ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ) (٣) ناسخا لقوله ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (٣) .. [ قال أبو جعفر ] فهذا كلام بين غير أن الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا وأكثر الناس على ان هذا ليس بواجب .. ومما يحتجون فيه أن المسلمين مجمعون على أن رجلا لو خاصم رجلا إلى الحاكم .. فقال باعني كذا فقال ما بعته ولم تكن بيّنة ان الحاكم يستحلفه ويحتجون أيضا بحديث الزهري عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عمه وكان من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن النبي ابتاع فرسا من أعرابي ثم استتبعه ليدفع إليه ثمنه فأسرع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المشي فساوم قوم الأعرابي بالفرس ولم يعلموا فصاح الأعرابي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتبتاعه مني أم أبيعه .. قال أليس قد ابتعته منك قال لا والله وما ابتعته مني فأقبل الناس يقولون له ويحك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يقول إلا حقا .. فقال هل من شاهد .. فقال خزيمة أنا أشهد فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « وبم تشهد » .. قال أشهد بتصديقك فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين واحتجوا بهذا الحديث انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابتاع بغير أشهاد .. واما ما احتج به محمد بن جرير فصحيح غير أن ثم وجها يخرج منه لم يذكره وهو

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٣

(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٦

(٣) سورة : النساء ، الآية : ٩٢

٨٠