كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

القرآن يجوز أن ينسخ بالسنة قال نسخها لا وصية لوارث .. ومن قال من الفقهاء لا يجوز أن ينسخ القرآن إلا قرآن قال نسخها الفرائض. كما حدثنا عليّ بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قوله ( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (١) فإن كان ولد الرجل يرثونه فللوالدين والأقربين الوصية فنسخها ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) (٢) وقال مجاهد نسخها ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٣) الآية .. والقول الثالث قاله الحسين قال نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس .. وقال الشعبي والنخعي الوصية للوالدين والأقربين على الندب لا على الحتم .. والقول الخامس أن الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص الكتاب إذ كانوا لا يرثون [ قال أبو جعفر ] وهذا قول الضحاك وطاوس (٤). قال طاوس من أوصى لأجنبي وله أقرباء انتزعت الوصية فردت الى الأقرباء قال الضحاك من مات وله شيء ولم يوص لأقربائه فقد مات على معصية الله عز وجل وقال الحسن اذا أوصى رجل لقوم غرباء بثلثه وله أقرباء أعطي الغرباء ثلث الثلث ورد الباقي على الأقرباء [ قال أبو جعفر ] تنازع العلماء معنى هذه الآية وهي متلوة فالواجب أن يقال أنها منسوخة لأن حكمها ليس ينافي حكم ما فرض الله من الفرائض فوجب أن يكون ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) (٥) الآية .. كقوله عز وجل ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) (٦).

باب

ذكر قوله كتب عليكم الصيام

كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون

وهي الآية السادسة [ قال أبو جعفر ] في هذه الآية خمسة أقوال .. قال جابر بن سمرة هي ناسخة لصوم يوم عاشوراء يذهب الى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بصوم يوم عاشوراء فلما فرض

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٠

(٢) سورة : النساء ، الآية : ٧

(٣) سورة : النساء ، الآية : ١١

(٤) قلت وحكاه ابن سلامة عن الحسن البصري أيضا والعلاء بن زيد ومسلم بن يسار بعد حكايته مذهب من قال انها منسوخة وناسخها الكتاب والسنة .. وقال ابن حزم هي منسوخة وناسخها قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) الآية.

(٥) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٠

(٦) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٣

٢١

صيام شهر رمضان نسخ ذلك فمن شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطر وإن كان قد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حديث أبي قتادة صوم عاشوراء يكفر سنة مستقبلة .. وقال عطاء ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) كتب عليكم صيام ثلاثة أيام من كل شهر [ قال أبو جعفر ] فهذان قولان على أن الآية ناسخة .. وقال أبو العالية والسدي هي منسوخة لأن الله تعالى كتب على من قبلنا اذا نام بعد المغرب لم يأكل ولم يقرب النساء ثم كتب ذلك علينا فقال تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ثم نسخه بقوله عز وجل ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) (٢) وبما بعده .. والقول الرابع أن الله تعالى كتب علينا الصيام شهرا كما كتب على الذين من قبلنا وان نفعل كما كانوا يفعلون من ترك الأكل والوطء بعد النوم ثم أباح الوطء بعد النوم الى طلوع الفجر .. والقول الخامس أنه كتب علينا الصيام وهو شهر رمضان كما كتب صوم شهر رمضان على من قبلنا .. قال مجاهد كتب الله صوم شهر رمضان على كل أمة وقال قتادة كتب الله صوم شهر رمضان على من قبلنا وهم النصارى [ قال أبو جعفر ] وهذا أشبه ما في هذه الآية وفي حديث يدل على صحته قد مر قبل هذا غير مسند ثم كتبناه مسندا عن محمد بن محمد بن عبد الله. قال حدثنا الليث بن الفرج قال حدثنا معاذ بن هشام عن أبي عبد الله الدستوائي قال حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « قال .. كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض رجل منهم فقالوا لئن الله عز وجل شفاه لنزيدن عشرا ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه فقالوا لئن الله عز وجل شفاه لنزيدن سبعا ثم كان ملك آخر فقال لنتمن هذه السبعة الايام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خمسين » [ قال أبو جعفر ] اما قول عطاء إنها ناسخة لصوم ثلاثة أيام فغير معروف وقول من قال نسخ منها ترك الأكل والوطء بعد النوم لا يمتنع وقد تكون الآية ينسخ منها الشيء (٣) .. كما قيل في الآية السابعة.

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٣

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٧

(٣) قال ابن حزم وابن سلامة الآية منسوخة .. وقال ابن سلامة اختلف الناس في الإشارة ( أي في قوله ) ( كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) إلى من هي فقالت طائفة هي الأمم الخالية وذلك أن الله تعالى ما أرسل نبيا إلا وفرض عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان فكفرت الأمم كلها وآمنت به أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيكون التنزيل على هذا الوجه مدحا لهذه الأمة وقال الآخرون الإشارة إلى النصارى.

٢٢

باب

باب ذكر الآية السابعة

قال الله عز وجل ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) [ قال أبو جعفر ] في هذه الآية أقوال أصحها منسوخة .. شأو الآية يدل على ذلك والنظر والتوقف من رجلين من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن قتيبة بن سعيد. قال حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال .. لما نزلت هذه الآية ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) كان من شاء منا صام ومن شاء أن يفتدي فعل حتى نسختها الآية التي بعدها [ قال أبو جعفر ] حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قول الله عز وجل ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) قال كان الرجل يصبح صائما والمرأة في شهر رمضان ثم إن شاء أفطر وأطعم مسكينا فنسختها ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٢) [ قال أبو جعفر ] فهذا قول .. وقال السدي وعلى الذين يطيقونه كان الرجل يصوم من رمضان ثم يعرض له العطش فأطلق له الفطر وكذا الشيخ الكبير والمرضع ويطعمون عن كل يوم مسكينا فمن تطوع خيرا فأطعم مسكينين فهو خير له .. وقال الزهري فمن تطوع خيرا صام وأطعم مسكينا فهو خير له وقيل المعنى الذي يطيقونه على جهد [ قال أبو جعفر ] الصواب أن يقال الآية منسوخة بقول الله عز وجل ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) لأن من لم يجعلها منسوخة جعلها مجازا قال المعنى يطيقونه على جهد أو قال كانوا يطيقونه فأضمر كان وهو مستغن عن هذا وقد اعترض قوم بقراءة من قرأ يطوّقونه ويطوقونه ولا يجوز لأحد أن يعترض بالشذوذ على ما نقلته جماعة المسلمين في قراءتهم وفي مصاحفهم ظاهرا مكشوفا وما نقل على هذه الصورة فهو الحق الذي لا يشك فيه أنه من عند الله ومحظور على المسلمين أن يعارضوا ما ثبتت به الحجة والعلماء قد احتجوا بهذه الآية وان كانت منسوخة لأنها ثابتة في الخط وهذا لا يمتنع وقد أجمع العلماء على أن قوله تعالى ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) (٣)

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٤

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٥

(٣) سورة : النساء ، الآية : ١٥

٢٣

أنه منسوخ وتبينوا منها شهادة أربعة في الزنا فكذا وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فان كانت منسوخة ففيها حجة أنه قد أجمع العلماء على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة فلهم الإفطار .. وقال ربيعة ومالك لا شيء عليهم إذا أفطروا غير أن مالكا قال لو أطعموا عن كل يوم مسكينا مدا كان أحب اليّ وقال أنس بن مالك وابن عباس وقيس بن السائب وأبو هريرة عليهم الفدية وهو قول الشافعي اتباعا منه لقول الصحابة وهذا أصل من أصوله وحجة أخرى فيمن قال عليهم الفدية إن هذا ليس بمرض ولا هم مسافرون فوجبت عليهم الفدية لقول الله تعالى ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (١) والحجة لمن قال لا شيء عليهم أنه من أفطر ممن أبيح له الفطر فإنما عليه القضاء اذا وصل اليه وهؤلاء لا يصلون الى القضاء وأموال الناس محظورة إلا بحجة يجب التسليم لها ولم يأت ذلك .. ومما وقع فيه الاختلاف الحبلى والمرضع اذا خافتا على ولديهما فأفطرتا .. فمن الناس من يقول عليهما القضاء بلا كفارة هذا قول الحسن وعطاء والضحاك وإبراهيم وهو قول أهل المدينة .. وقال ابن عمر ومجاهد عليهما القضاء والكفارة وهو قول الشافعي .. وقول ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة عليهم الفدية ولا قضاء عليهما والحجة لمن قال عليهما القضاء بلا كفارة أن من أفطر وهو مأذون له في الفطر فانما عليه يوم يصومه كاليوم الذي أفطره وحجة من قال عليهما القضاء والكفارة أنهما أفطرتا من أجل غيرهما فعليهما القضاء لتكمل العدة وعليهما الكفارة لقول الله عز وجل ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) وحجة من قال عليهما الفدية من غير قضاء الآية وليس في الآية قضاء واحتج العلماء بالآية وان كانت منسوخة وكان بعضهم يقول ليست بمنسوخة والصحيح أنها منسوخة (٢) .. والآية الثامنة ناسخها باجماع.

باب

ذكر الآية الثامنة

قال الله عز وجل ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) (٣) الآية .. قال أبو

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٤

(٢) قلت وكذا قال ابن حزم وابن سلامة ونص كلامهما الآية نصفها منسوخ وناسخها قوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) الآية.

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٧

٢٤

العالية وعطاء هي ناسخة لقوله تعالى ( كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (١) وقال غيرهما هي ناسخة لفعلهم الذي كانوا يفعلونه. حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أحمد بن عبد الملك قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو اسحاق عن البراء .. أن الرجل منهم كان اذا نام قبل أن يتعشى في رمضان لم يحل له أن يأكل ليلته ومن الغد حتى يكون الليل حتى نزلت ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (٢) نزلت في أبي قيس (٣) وهو ابن عمرو أتى أهله وهو صائم يعني بعد المغرب فقال هل عندكم من شيء فقالت له امرأته لا تنم حتى أخرج فألتمس شيئا فلما رجعت وجدته نائما فقالت لك الخيبة فبات وأصبح صائما الى ارتفاع النهار فغشي عليه فنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين .. وقال كعب بن مالك في رمضان اذا نام أحدهم بعد المساء حرم عليه الطعام والشراب والنساء فسمر عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة فأتى منزله فأراد امرأته فقالت اني قد نمت فقال ما نمت فوقع عليها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فأتى عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره فنزلت ( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ) (٤) الآية واتفقت الاقوال أنها ناسخة إما بفعلهم وإما بالآية فذلك غير متناقض وفي هذه الآية ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٤) .. قال الضحاك كانوا يجامعوهن وهم معتكفون في المساجد فنزلت يعني هذه الآية .. وقال مجاهد كانت الأنصار تجامع يعني في الاعتكاف .. قال الشافعي فدل أن المباشرة قبل نزول الآية كانت مباحة في الاعتكاف حتى نسخت بالنهي عنه وقال الله أعلم .. واختلف العلماء في الآية التاسعة والصحيح أنه لا نسخ فيها.

باب

ذكر الآية التاسعة

.. قال الله عز وجل ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .. قال سعيد عن قتادة فنسختها آية السيف وقال عطاء ( وقولوا للنّاس كلّهم حسنا ) .. قال سفيان قولوا للناس حسنا مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وهذا أحسن ما قيل فيها لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٣

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٧

(٣) قلت : سماه ابن حزم صرمة .. وقال ابن سلامة صرمة بن قيس بن أنس من بني النجار.

(٤) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٧

٢٥

من الله كما قال ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (١) فجميع المنكر النهي عنه فرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأطران عليه أطرا (٢) أو ليعمنكم الله بعذاب .. فصح أن الآية غير منسوخة وان المعنى ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (٣) أدعوهم الى الله كما قال الله جل ثناؤه ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (٤) .. والبيّن في الآية العاشرة أنها منسوخة والله أعلم.

باب

ذكر الآية العاشرة

قال الله عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا ) (٥) قرأ عليّ عبد الله بن الصفراء بن نصر عن زياد بن أيوب عن هاشم قال حدثنا عبد الملك عن عطاء ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا ) قال كانت لغة الأنصار في الجاهلية فنزلت هذه الآية [ قال أبو جعفر ] فنسخ هذا ما كان مباحا قوله .. وكان السبب في ذلك أن اليهود كانت هذه الكلمة فيهم سبا (٦) فنسخها الله من كلام المسلمين لئلا يتخذ اليهود ذلك سببا الى سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. قال مجاهد كانت فيهم سبا فنسخها الله من كلام المسلمين لئلا يتخذ اليهود ذلك سببا الى سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال مجاهد راعنا خلافا وهذا ما لا يعرف في اللغة .. ومعنى راعنا عند العرب فرّغ لنا سمعك وتفهم عنا ومنه أرعني سمعك [ قال أبو جعفر ] ولراعنا موضع آخر يكون من الرعية وهي الرقبة .. وأما قراءة الحسن راعنا بالتنوين فشاذة ومحظور على المسلمين أن يقرءوا بالشواذ وأن يخرجوا عما قامت به الحجة مما أدته الجماعة .. والبيّن في الآية الإحدى عشرة أنه قد نسخ منها.

__________________

(١) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٤

(٢) قال ابن الاثير في تفسيره لحديث .. حتى تأخذوا على يدي الظالم وتأطروه على الحق أطرا .. قال أي تعطفوه عليه.

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٨٣

(٤) سورة : النحل ، الآية : ١٢٥

(٥) سورة : البقرة ، الآية : ١٠٤

(٦) قال الراغب .. لا تقولوا راعنا .. وراعنا ليا بألسنتهم. كان ذلك قولا يقولونه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سبيل التهكم يقصدون رميه بالرعونة ويوهمون أنهم يقولون راعنا أي احفظنا.

٢٦

باب

ذكر الآية الإحدى عشرة

قال الله عز وجل ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) (١) الآية. حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا حسين قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي .. ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) قال هي منسوخة نسختها ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) [ قال أبو جعفر ] وانما قلنا إن البين أن منها منسوخا وهو ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) لأن المؤمنين كانوا بمكة يؤذون ويضربون فيقتلون على قتال المشركين فحظر عليهم وأمروا بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره ونسخ ذلك (٣) .. والبين في الآية الثانية عشرة أنها غير منسوخة.

باب

الآية الاثنتي عشرة (٤)

قال الله عز وجل ( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٥) .. قال ابن زيد هي منسوخة نسخها ( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) (٦) وعن ابن عباس أنها محكمة .. روى عنه ابن أبي طلحة ( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا ) قال لا تقتلوا النساء والصبيان وهكذا ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى اليكم السلم وكف يده فمن فعل ذلك فقد اعتدى [ قال أبو جعفر ] وهذا أصح القولين من السنة والنظر .. فأما السنة ، فحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٠٩

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٢٩

(٣) قال ابن سلامة وكذا ابن حزم أخبار العفو منسوخة بآية السيف.

(٤) قال ابن سلامة الآية جميعها محكم الا قوله ( وَلا تَعْتَدُوا ) أي فتقاتلوا من لا يقاتلكم كان هذا في الابتداء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى ( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) وبقوله عز اسمه ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ).

(٥) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٠

(٦) سورة : التوبة ، الآية : ٣٦

٢٧

مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان .. وهكذا يروى أن عمر بن عبد العزيز كتب : لا تقتلوا النساء ولا الصبيان ولا الرهبان في دار الحرب فتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .. والدليل على هذا من اللغة أن فاعلا يكون من اثنين فإنما هو من أنك تقاتله ويقاتلك وهذا لا يكون في النساء ولا الصبيان .. ولهذا قال من قال من الفقهاء لا يؤخذ من الرهبان جزية لقول الله عز وجل ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١) الى ( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (١) وليس الرهبان ممن يقاتل .. والمعنى وقاتلوا في طريق الله وأمره الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فتقتلوا النساء والصبيان والرهبان ومن أعطى الجزية فصح أن الآية غير منسوخة (٢) .. وقد تكلم العلماء في الآية الثالثة عشرة.

باب

ذكر الآية الثلاث عشرة

قال الله عز وجل ( وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ) (٣) هذه الآية من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ .. فزعم جماعة من العلماء أنها غير منسوخة واحتجوا بها وبأشياء من السنن .. وزعم جماعة أنها منسوخة واحتجوا بآيات غيرها وبأحاديث من السنن .. فمن قال أنها غير منسوخة مجاهد روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال فإن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم لا يحل لأحد أن يقاتل أحدا في الحرم إلا أن يقاتله فإن عدا عليك فقاتلك فقاتله وهذا قول طاوس أيضا والاحتجاج لهما بظاهر الآية ومن الحديث بما حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن رافع قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا مفضل وعمر بن مهلهل عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس .. قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة : « ان هذا البلد حرام حرمه الله لم يحل فيه القتال لأحد قبلي وأحل لي ساعة وهو حرام بحرمة الله عز وجل » .. وأما من قال أنها منسوخة فمنهم قتادة كما قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٢٩

(٢) قلت قال ابن حزم الآية منسوخة وناسخها قوله تعالى ( فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) .. وقال ابن سلامة الآية منسوخة بآية السيف.

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ١٩١

٢٨

روح عن سعيد عن قتادة .. ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فكان هذا كذا حتى نسخ فأنزل الله عز وجل ( وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) (١) أي شرك ( وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) (٢) أي لا إله الا الله عليها قاتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإليها دعا ( فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٣) من أبى أن يقول لا إله إلا الله يقاتل حتى يقول لا إله إلا الله [ قال أبو جعفر ] وأكثر أهل النظر على هذا القول ان الآية منسوخة وان المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسنة قال تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٤) وبراءة نزلت بعد سورة البقرة بسنتين وقال ( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) (٥) .. وأما السنة ، فحدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا قتيبة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. دخل مكة وعليه المغفر فقيل إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه. قرأ عليّ محمد بن جعفر بن أعين عن الحسن بن بشر بن سلام الكوفي قال حدثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس قال .. أمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل مكة يوم الفتح إلا أربعة من الناس : عبد العزى بن خطل ومقيس بن ضبابة الكناني وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وأم سارة فأما ابن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة وذكر الحديث .. وقرأ أكثر الكوفيين ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فان قتلوكم فاقتلوهم وهذه قراءة بينة البعد وقد زعم قوم أنه لا يجوز القراءة بها لأن الله تعالى لم يفرض على أحد من المسلمين أن لا يقتل أحدا من المشركين حتى يقتلوا المسلمين .. وقال الأعمش العرب تقول قتلناهم أي قتلنا منهم وهذا أيضا المطالبة فيه قائمة غير أنه قد قرأ به جماعة والله أعلم بمخرج قراءتهم .. وقد تنازع العلماء أيضا في الآية الاربع عشرة.

باب

ذكر الآية الاربع عشرة

قال جل ثناؤه ( الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (٥) .. [ قال أبو جعفر ] حدثنا محمد بن جعفر

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٣

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٣

(٣) سورة : التوبة ، الآية : ٥

(٤) سورة : التوبة ، الآية : ٣٦

(٥) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٤

٢٩

الأنباري قال حدثنا عبد الله بن أيوب وعبد الله بن يحيى قالا حدثنا حجاج عن ابن جريج قال قلت لعطاء .. قول الله تعالى ( الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ) (١) قال هذا يوم الحديبية صدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البيت الحرام وكان معتمرا فدخل في السنة التي بعدها معتمرا مكة فعمرة في الشهر الحرام بعمرة في الشهر الحرام .. وقال مجاهد ردته قريش في ذي القعدة وفخرت بذلك فاعتمر في ذي القعدة من العام القابل [ قال أبو جعفر ] التقدير عمرة الشهر الحرام بعمرة الشهر الحرام والشهر الحرام هاهنا ذو القعدة بلا اختلاف وسمي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال. كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة فمنعوه من مكة .. قال ابن عباس فرجعه الله عز وجل في السنة الأخرى فأقصه منهم والحرمات قصاص .. وروي عن ابن عباس أنه قال والحرمات قصاص منسوخة كان الله تعالى قد أطلق للمسلمين إذا اعتدى عليهم أحد أن يقتصوا منه فنسخ الله ذلك وصيره إلى السلطان فلا يجوز لأحد أن يقتص من أحد إلا بأمر السلطان ولا تقطع يد سارق ولا غير ذلك .. وأما مجاهد فذهب إلى أنّ المعنى فمن اعتدى عليكم فيه أي في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .. والذي قاله مجاهد أشبه بسياق الكلام لأن قبله ذكر الحرم وهو متصل به إلا أنه منسوخ عند آخرين من أكبر العلماء .. وقد أجمع المسلمون أنّ المشركين أو الخوارج لو غلبوا على الحرم لقوتلوا حتى يخرجوا منها .. فإن قيل فما معنى الحديث أحلت لي ساعة وهي حرام بحرمة الله تعالى .. فالجواب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخلها غير محرم يوم الفتح فلا يحل هذا لأحد بعده إذا لم يكن من أهل الحرم .. فأما والحرمات قصاص فإنها جمع والله أعلم لأنه أريد به حرمة الإحرام وحرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام .. وأما فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فسمي الثاني اعتداء وأما الاعتداء الأول ففيه جوابان أحدهما أنه مجاز على ازدواج الكلام فسمي الثاني باسم الأول مثل وجزاء سيئة سيئة مثلها والجواب الآخر حقيقة يكون من الشدّ والوثوب أي من شد عليكم ووثب بالظلم فشدوا عليه وثبوا بالحق .. وقد تكلم العلماء من الصحابة وغير هم بأجوبة مختلفة في الآية الخمس عشرة.

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٤

٣٠

باب

ذكر الآية الخمس عشرة

قال الله عز وجل ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ) (١) الآية فقال قوم هي ناسخة لحظر القتال عليهم ولما أمروا به من الصفح والعفو بمكة .. وقال قوم هي منسوخة وكذا قالوا في قوله ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) (٢) والناسخ لها ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (٣) .. وقال قوم هي على الندب لا على الوجوب .. وقال قوم هي واجبة والجهاد فرض .. وقال عطاء هي فرض إلا أنها على غيرنا يعني أن الذي خوطب بهذا الصحابة [ قال أبو جعفر ] هذه خمسة أقوال .. فأما القول الأول وانها ناسخة فبين صحيح .. وأما قول من قال هي منسوخة فلا يصح لأنه ليس في قوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة نسخ لفرض القتال .. وأما قول من قال هي على الندب فغير صحيح لأن الأمر اذا وقع بشيء لم يحمل على غير الواجب إلا بتوقيف من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو بدليل قاطع .. وأما قول عطاء إنها فرض على الصحابة فقول مرغوب عنه وقد رده العلماء حتى قال الشافعي في الرامة من قال وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إن هذا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ولا يصلي صلاة الخوف بعده فعارضه بقول الله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (٤) .. فقول عطاء أسهل ردا من قول من قال هي على الندب لأن الذي قال هي على الندب قال هي مثل قوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) (٥) الآية [ وقال أبو جعفر ] وليس هذا على الندب وقد بيناه فيما تقدم .. وأما قول من قال إن الجهاد فرض بالآية فقوله صحيح وهذا قول حذيفة وعبد الله بن عمرو وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض فإن احتيج الى الجماعة نفروا فرضا واجبا .. لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام .. قال حذيفة : الاسلام ثمانية أسهم الاسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم والصيام سهم والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٦

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٤١

(٣) سورة : التوبة ، الآية : ١٢٢

(٤) سورة : التوبة ، الآية : ١٠٣

(٥) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٠

٣١

والنهي عن المنكر سهم .. ونظير الجهاد في أنه فرض يقوم به بعض المسلمين عن بعض الصلاة على المسلمين اذا ماتوا ومواراتهم .. وقال أبو عبيد وعيادة المريض ورد السلام وتشميت العاطس .. وأما قول من قال الجهاد نافلة فيحتج بأشياء وهو قول ابن عمر بن شبرمة وسفيان الثوري ومن حجتهم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رواه ابن عمر بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصلاة والزكاة وحج البيت [ قال أبو جعفر ] وهذا لا حجة فيه لأنه قد روي عن ابن عمر أنه قال استنبطت هذا ولم يرفعه ولو كان رفعه صحيحا لما كان فيه أيضا حجة لأنه يجوز أن يترك ذكر الجهاد هاهنا لأنه مذكور في القرآن أو لأن بعض الناس يحمله عن بعض .. فقد صح فرض الجهاد بنص القرآن وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما روى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة .. فسره العلماء أنه في الغزو وفي ذلك أحاديث كثيرة كرهنا أن يطول الكتاب بها لأن فيما تقدم كفاية .. والصحيح في الآية الست عشرة أنها منسوخة.

باب

ذكر الآية الست عشرة

قال الله عز وجل ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) (١) الآية .. أجمع العلماء على أن هذه الآية منسوخة وان قتال المشركين في الشهر الحرام مباح غير عطاء فانه قال الآية محكمة ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم ويحتج بما حدثناه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا الليث عن أبي الأزهر عن جابر قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزا أو يغزو فاذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ [ قال أبو جعفر ] وهذا الحديث يجوز أن يكون قبل النسخ للآية .. وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وقتادة والأوزاعي على أن الآية منسوخة فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. وقوله عز وجل ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ) (١) أي في الشهر الحرام ( قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) أي عظيم فكان القتال محظورا حتى نسخته آية السيف في براءة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأبيحوا القتال في الأشهر الحرم وفي غيرها. حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٧

٣٢

عبيد الله قال حدثنا يزيد قال أنبأنا سعيد عن قتادة في قوله ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) فكان كذلك حتى نسخ هاتان الآيتان في براءة ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) ثم قال عز وجل ( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) (٢) والأشهر الحرام عهد كان بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين مشركي قريش انسلاخ أربعة أشهر بعد يوم النحر لمن كان له عهد ومن لم يكن له عهد فإلى انسلاخ المحرم فأمر الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اذا انسلخت الأشهر الحرم الاربعة أن يقاتل المشركين في الحرم وغيره حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله [ قال أبو جعفر ] هذه الأشهر التي ذكرها قتادة وقال هي الحرم هي أشهر السياحة فسماها حرما لأنه حظر القتال فيها .. فأما الأشهر الحرم فهن أربعة والعلماء يختلفون باللفظ فيها .. فمن أهل المدينة من يقول أولها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب .. ومنهم من بدأ برجب .. وأهل الكوفة يقولون أولها المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة وينكرون ما قاله المدنيون وقالوا قولنا أولى ليكون من سنة واحدة .. ومن قال من المدنيين أولها رجبا احتج بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول فوجب أن يكون أولها رجبا على هذا [ قال أبو جعفر ] والأمر على هذا كله سهل لأن الواو لا تدل على الثاني بعد الأول عند أحد من النحويين علمته فإذا كان الأمر على هذا فالأولى أن يؤتى بالأشهر الحرم على ما لفظ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدى عنه بالأسانيد الصحاح وهو قول المدنيين الأول .. وروى أبو بكرة وغيره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب فقال ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والارض والسنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان [ قال أبو جعفر ] وقد قامت الحجة بأن قوله عز وجل ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ) منسوخ بما ذكرناه من نص القرآن وقول العلماء وأيضا فان النقل يبين ذلك لأنه نقل الينا أن هذه الآية نزلت في جمادى الآخرة أو في رجب في السنة الثانية من هجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى المدينة وقد قاتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هوازن بخيبر وثقيفا بالطائف في شوال وذي القعدة وذو القعدة من الأشهر الحرم وذلك في سنة ثماني من الهجرة [ قال أبو جعفر ] فهذا ما في القتال والجهاد من الناسخ والمنسوخ في هذه السورة مجموعا بعضه الى بعض .. ثم نرجع الى ما فيها من ذكر الحج في الآية السبع عشرة.

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٥

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٣٦

٣٣

باب

ذكر الآية السبع عشرة

قال الله عزوجل ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (١) الآية .. وقد صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحج ففسخوه وجعلوه عمرة .. واختلف العلماء في فسخ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحج بعد أن أهلوا به إلى العمرة فقالوا فيه أربعة أقوال .. فمنهم من قال أنه منسوخ كما روي عن عمر رضي‌الله‌عنه أنه قال في أتموا الحج والعمرة لله إتمامها أن لا يفسخهما .. وقد قيل وإتمامهما غير هذا كما قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الازهر قال حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه في قول الله عز وجل .. وأتموا الحج والعمرة لله قال أن تحرم من دويرة أهلك .. وقال سفيان الثوري إتمام الحج والعمرة أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة .. وقيل إتمامهما أن تكون النفقة حلالا .. وقال مجاهد وإبراهيم إتمامهما أن يفعل فيهما كل ما أمر به وهذا قول جامع .. وذهب أبو عبيد الى أن فسخ الحج إلى العمرة أن فسخ الحج إلى العمرة منسوخ بما فعله الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر الصديق وعمر وعلي وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين لأنهم لم يفسخوا حجهم ولم يحلوا إلى يوم النحر فهذا قول في فسخ الحج أنه منسوخ .. والقول الثاني أن فسخ الحج إنما كان لعلة وذلك أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ويرون أن ذلك عظيم فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفسخ الحج وتحويله إلى العمرة ليعلموا أن العمرة في أشهر الحج جائزة والدليل على أنهم كانوا يتحينون العمرة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة في قول ابن عمر .. وفي قول ابن عباس شوال وذو القعدة ومن ذي الحجة عشر والقولان صحيحان لأن العرب تقول جئتك رجبا ويوم الجمعة وإنما جئتك في بعضه فذو الحجة شهر الحج لأن الحج فيه لأن أحمد بن شعيب حدثنا قال حدثنا ابن عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا أبو أسامة عن وهيب بن خالد قال حدثنا عبد الأعلى بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال .. كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الارض ويجعلون المحرم صفرا ويقولون اذا برأ الدّبر وعفا الوبر وانسلخ صفر أو قال دخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي الحلّ نحلّ قال الحل كله فهذان قولان ..

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٦

٣٤

والقول الثالث أن ابن عباس كان يرى الفسخ جائزا ويقول من حج فطاف بالبيت فقد حل لا اختلاف في ذلك عنه .. قال ابن أبي مليكة قال له عروة يا ابن عباس أضللت الناس قال بم ذلك يا عروة؟ قال تفتي الناس بأنهم اذا طافوا بالبيت حلوا وقد حج أبو بكر وعمر فلم يحلا إلى يوم النحر فقال له ابن عباس قال الله عز وجل ( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) فأقول لك قال الله ثم تقول لي قال أبو بكر وعمر .. وقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفسخ [ قال أبو جعفر ] وهذا القول انفرد به ابن عباس كما انفرد بأشياء غيره .. فأما قوله ( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) فليس فيه حجة لأن الضمير للبدن وليست للناس ومحل الناس يوم النحر على قول الجماعة وهذا سمي يوم النحر الحج الأكبر وذلك صحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وعن ابن عباس وإن كان قد روي عن ابن عباس أنه يوم عرفات فهذه ثلاثة أقوال في فسخ الحج .. والقول الرابع أصحها للتوقيف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو له مخصوص. حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد العزيز بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث عن بلال عن أبيه قال .. قلنا يا رسول أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال بل لنا خاصة .. وقال أبو ذر كان فسخ الحج لنا خاصة رخصة وان احتج محتج بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غير هذا الحديث ذلك لأبد الأبيد فلا حجة له فيه لأنه يعني بذلك جواز العمرة في أشهر الحج .. فأما حديث عمر أنه قال في المتعة أن أنبئت بمن فعلها عاقبته وكذلك المتعة الاخرى فاحداهما المتعة المحرمة بالنساء التي هي بمنزلة الزنا والأخرى فسخ الحج فلا ينبغي لأحد أن يتأول عليه أنها المتعة في أشهر الحج لأن الله تعالى قد أباحها بقوله ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) واختلف العلماء في العمرة .. فقال بعضهم هي واجبة بفرض الله .. وقال بعضهم هي واجبة بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. وقال بعضهم ليست بواجبة ولكنها سنة .. فمن يروى عنه أنه قال إنها واجبة عمر وابن عباس وابن عمر وهو قول الثوري والشافعي .. وأما السنة فحدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة قال سمعت النعمان بن سالم قال سمعت عمرو بن أوس يحدث عن أبي ذر بن العقيلي أنه قال .. يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال حج عن أبيك واعتمر .. واحتج قوم في وجوبها بظاهر قول الله عز وجل ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٣) والحج القصد فهو يقع للحج والعمرة وقال عزّ وجلّ ( يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (٤) والحج الأصغر العمرة الا أن أهل

__________________

(١) سورة : الحج ، الآية : ٣٣

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٦

(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ٩٧

(٤) سورة : التوبة ، الآية : ٣

٣٥

اللغة يقولون اشتقاق العمرة من غير اشتقاق الحج لأن العرب تقول اعتمرت فلانا أي زرته فمعنى العمرة زيارة البيت ولهذا كان ابن عباس لا يرى العمرة لأهل مكة لأنهم بها فلا معنى لزيارتهم والحج في اللغة القصد .. وممن قال العمرة غير واجبة جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وهو قول مالك وأبي حنيفة وقال من احتج لهم روى الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال .. قيل يا رسول الله العمرة واجبة؟ قال لا وإن تعتمروا خير لكم [ قال أبو جعفر ] وهذا لا حجة فيه لأن الحجاج بن أرطاة يدلس عمن لقيه وعمن لم يلقه فلا تقوم بحديثة حجة إلا أن يقول حدثنا أو أنبأنا أو سمعت ولكن الحجة في ذلك قول من قال الفرائض لا تقع باختلاف وإنما تقع باتفاق .. ومما يدخل في هذا الباب الاشتراط في الحج وهو أن يقول إذا لبّى بالحج إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني .. فمن قال بالاشتراط بالحج عمر وعليّ وابن مسعود ومعاذ وسعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة وابن سيرين وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقول الشافعي بالعراق ثم تركه بمصر .. وممن لم يقل به مالك وأبو حنيفة والشافعي بمصر .. وحجة الذين قالوا به ما خلا أحمد بن شعيب. قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. دخل على ضباعة فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا ساكتة فقال حجي واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال إسحاق قلت لعبد الرزاق الزهري وهشام قالا عن عائشة قال نعم كلاهما قال أحمد بن شعيب لم يصله إلى عبد الرزاق عن معمر ولا أدري من أيهما ذلك. حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمر أن يزيد قال حدثنا شعيب وهو ابن إسحاق قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا وعكرمة يخبران عن ابن عباس قال جاءت ضباعة بنت الزبير الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت .. إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فكيف تأمرني أن أصنع؟ فقال أهلّي واشترطي أن محلي حيث حبستني [ قال أبو جعفر ] أهلي معناه لبي وأصله من رفع الصوت ومنه استهل المولود صارخا ومنه ( وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ) (١) فقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الاشتراط في الحج فقال بهذا من ذكرنا واتبعوا ما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. وكرهه قوم واحتجوا بحديث الزهري عن سالم عن أبيه أنه كره الاشتراط في الحج وقال أما حسبكم بسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام أنه لم يشترط .. واحتج بعض من كرهه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما قال لها اشترطي أن محلي حيث حبستني ولم يقل لها أنه ليس

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٧٣

٣٦

عليك حج إن حصرت وفي الآية ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) فكان هذا ناسخا لما كانوا يعتقدونه من أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج وجاز القران ولم يكونوا يستعملونه .. ثم اختلف العلماء في حجة الوداع .. فقال قوم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفرد الحج فيها .. وقال قوم بل تمتع بالعمرة الى الحج .. وقال قوم بل قرن وجمع بين الحج والعمرة وكل هذا مروي بأسانيد صحاح حتى طعن بعض أهل الاهواء وبعض الملحدين في هذا وقالوا هذه الحجة التي حجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجمع ما كان أصحابه فقد اختلفتم فيها وهي أصل من أصول الدين فكيف يقبل منكم ما رويتموه من أخبار الآحاد وهذا طعن من أحد شيئين إما أن يكون الطاعن به جاهلا باللغة التي خوطب بها القوم وإما ان يكون حائرا عن الحق وسنذكر أصح ما روي من الاختلاف في هذا ونبين أنه غير متضاد وقد قال الشافعي رحمة الله هذا من أيسر ما اختلفوا فيه وان كان قبيحا وهذا كلام صحيح لأن المسلمين قد أجمعوا انه يجوز الإفراد والتمتع والقران وإن كان بعضهم قد اختار بعض هذا كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن خالد الترابي عن خلف بن هشام المقري قال سمعت مالك بن أنس يقول .. في الافراد في الحج أنه أحب إليه لا التمتع والقران قال وليس على المفرد هدي .. قال الترابي. وحدثنا عبد الله بن عون قال حدثنا مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها .. أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفرد الحج .. وهذا اسناد مستقيم لا مطعن فيه والحجة لمن اختار الإفراد أن المفرد أكبر تعبا من المتمتع لإقامته على الإحرام فرأى أن ذلك أعظم لثوابه والحجة في اتفاق الاحاديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أمر بالتمتع وبالقران جاز أن يقال تمتع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرن كما قال جل ثناؤه ( وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ ) (٢) وقال عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه رجمنا ورجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانما أمرنا بالرجم. وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قطع في مجنّ قيمته ثلاثة دراهم وإنما أمر من قطع .. فلما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمر بالتمتع والقران جاز هذا ومن الدليل على أمره بذلك أن أحمد بن شعيب قال أنبأنا يحيى بن حبيب بن عردي قال حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت .. خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مواقتين لهلال ذي الحجة فقال من شاء منكم أن يهل بحجة فليهل وإن من شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة [ قال أبو جعفر ] وهذا احتجاج لمن رأى إفراد الحج وسنذكر غيره .. فأما التمتع بالعمرة الى الحج فهذا موضع ذكره. قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٦

(٢) سورة : الزخرف ، الآية : ٥١

٣٧

بكير عن الليث بن سعد قال حدثني عقيل عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قال تمتع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعمرة إلى الحج والهدي من ذي الحليفة وبدأ فأهلّ بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعمرة الى الحج وساق الحديث .. قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تمتعه بالعمرة الى الحج مثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [ قال أبو جعفر ] فان قال قائل هذا متناقض رويتم عن القاسم عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفرد الحج ورويتم هاهنا عن الزهري عن عروة عن عائشة التمتع قيل له الحديثان متفقان وذلك بيّن ألا ترى أن في هذا الحديث نصا وبدأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج أفلا ترى الحج مفردا من العمرة وهذا بين جدا. حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال .. قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالبطحاء فقال بم أهللت؟ فقلت بإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال هل سقت من هدي؟ قلت لا قال طف بالبيت وبالصفا والمروة وحل فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي فلم أزل أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر وأني لقائم بالموسم إذ أتاني رجل فقال إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك فقلت يا أيها الناس من أفتيناه بشيء فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم فأتموا به فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما أحدثت في النسك؟ قال أن تأخذوا بكتاب الله فقد قال الله عز وجل ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (١) وأن تأخذوا بسنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه لم يحل حتى نحر الهدي [ قال أبو جعفر ] قوله فليتئد معناه فليتثبت مشتق من التؤدة وقوله لم يحل أي لم يحل من احرامه أي لم يستحل لبس الثياب والطيب وما أشبههما وفي هذا الحديث من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أبا موسى بالتمتع وفيه ان أبا موسى توقف عن الفتيا بالتمتع وقد أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى أن وافى عمر رضي‌الله‌عنه فلما وافى منع من التمتع فلم يراده أبو موسى لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أجاز غيره فدل هذا على أن إمام المسلمين إذا اختار قولا يجوز ويجوز غيره وجب أن لا يخالف عليه ونظير هذا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أنزل القرآن على سبعة أحرف فرأى عثمان رضي‌الله‌عنه أن يزيل منها ستة وأن يجمع الناس على حرف واحد فلم يخالفه أكثر الصحابة حتى قال علي رضي‌الله‌عنه لو كنت موضعه لفعلت كما فعل وفي هذا الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبي موسى طف بالبيت وبين الصفا والمروة وحل ولم يقل له أحلق ولا قصر فدل على أن الحلق والتقصير غير واجبين وفيه أهللت بإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدل

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٩٦

٣٨

هذا على أن هذا جائز أن يلبي الرجل ولا يريد حجا ولا عمرة ثم يوجب بعد ذلك ما شاء واستدل قائل هذا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبّى مرة بالإفراد ومرة بالتمتع ومرة بالقران حتى نزل عليه القضا قرن .. وقال بعض أهل العلم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قارنا واذا كان قارنا فقد حج واعتمر واتفقت الاحاديث .. وممن أحسن ما قيل في هذا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهلّ بعمرة فقال من رآه تمتع ثم أهل بحجة فقال من رآه أفرد ثم قال لبيك بحجة وعمرة فقال من سمعه قرن فاتفقت الأحاديث والدليل على هذا أنه لم يرو أحد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال أفردت ولا تمتعت وصح عنه أنه قال قرنت. كما حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني معاوية بن صالح قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا حجاج قال حدثنا يونس عن أبي اسحاق عن البراء قال كنت مع عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه .. حين أمّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اليمن فلما قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال علي ـ نضر الله وجهه ـ أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ذا صنعت؟ قال أهللت بإهلالك قال فإني سقت الهدي وقرنت ثم أقبل على أصحابه فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكني سقت الهدي وقرنت. وحدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا يعقوب قال حدثنا هشيم قال حدثنا حميد قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني قال سمعت أنس بن مالك يقول .. سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلبي بالحج والعمرة والحج جميعا فحدثت بذلك ابن عمر فقال لنا بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته فقال ما يعدّوننا إلا صبيانا أنا سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لبيك حجة وعمرة معا فهذه أحاديث بينة ونزيدك في ذلك بيانا ، أن بكر بن سهل حدثنا قال عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت .. قلت يا نبي الله ما بال الناس قد حلوا من عمرتهم ولم تحل؟ قال إني لبدت رأسي وسقت هديي فلا أحل حتى أنحر .. بيّن أنه كان قارنا لأنه لو كان متمتعا أو مفردا لم يمتنع من نحر الهدي .. فهذا ما جاء في الحج من ناسخ ومنسوخ واحتجاج ونذكر ما في الخمر بعده من النسخ ونذكر قول من قال إن الآية التي في سورة البقرة ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر .. وقول من قال إنها منسوخة ونذكر ما هو بمنزلة الخمر من الشراب وما يدل على ذلك من الأحاديث الصحاح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يدل من المعقول ومن الاشتقاق واللغة على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام وأنه خمر ونذكر الشبه التي أدخلها قوم وهذا كله في الآية الثماني عشرة.

باب

ذكر الآية الثماني عشرة

قال الله عز وجل ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ

٣٩

وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) (١) .. قال جماعة من العلماء هذه الآية ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر .. وقال آخرون هي منسوخة بتحريم الخمر في قوله فاجتنبوه [ قال أبو جعفر ] وسنذكر حجج الجميع .. فمن قال إنها منسوخة احتج بأن المنافع التي فيها إنما كانت قبل التحريم ثم نسخت وأزيلت كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله عن محمد بن يزيد عن جوهر عن الضحاك في قوله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ) (١) قال المنافع قبل التحريم. وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا محمد بن هارون قال حدثنا صفوان عن عمر بن عبد العزيز عن عثمان بن عطاء عن أبيه ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ) الآية قال نسختها آية ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٢) يعني المساجد ثم أنزل ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) (٣) ثم أنزل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) (٤) الآيتين .. واحتج من قالها إنها ناسخة بالأحاديث المتواترة التي فيها علة نزول الخمر وبغير ذلك [ قال أبو جعفر ] فمن احتج. ما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج أن عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص حدثهم سنة تسع وعشرين ومائتين قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا اسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن عمر رضي‌الله‌عنه أنه قال .. اللهم بين لنا في الخمر فنزلت ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) الآية فقرئت عليه فقال اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب العقل والمال فنزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) وكان منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدعا عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فانها تذهب العقل والمال فنزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (٤) الى قوله ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (٥) فقال عمر انتهينا انتهينا .. قال أحمد بن محمد بن الحجاج وحدثنا عمر بن خالد سنة خمس وعشرين ومائتين قال حدثنا زهير قال حدثنا سماك قال حدثني مصعب بن سعد عن سعد قال .. مررت بنفر من المهاجرين والأنصار فقالوا لي تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٩

(٢) سورة : النساء ، الآية : ٤٣

(٣) سورة : النحل ، الآية : ٦٧

(٤) سورة : المائدة ، الآية : ٩٠

(٥) سورة : المائدة ، الآية : ٩١

٤٠