كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

تعالى ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ) محكم لأنه لا بد أن يبقى بعض المؤمنين لئلا تخلو دار الاسلام من المؤمنين فيلحقهم مكيدة وهذا قول جماعة من الصحابة ومن التابعين .. وقد أدخلت الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ.

باب

ذكر الآية السادسة

حدثنا .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) (١) الى قوله ( يَتَرَدَّدُونَ ) (٢) نسخ هذه الآيات الثلاث ( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) (٣) .. وقال الحسن وعكرمة ( لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) نسختها الآية التي في سورة النور ( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) .. [ قال أبو جعفر ] وحدثني جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة ( لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) ثم نزل في النور ( فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) .. ومن العلماء من يقول هذه الآيات كلها محكمات كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة قال وقوله ( إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) فهذا يعتبر للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد لغير عذر وعذر الله المؤمنين فقال ( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) .. [ قال أبو جعفر ] وهذا من أحسن ما قيل في الآيات لأن قوله ( إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) صفات المنافقين لأنهم لا يؤمنون بوحدانية الله ولا بعقابه أهل معصيته ولا بثوابه أهل طاعته ثم قال ( وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ ) (٤) أي شكوا على غير بصيرة من دينهم ( فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) متحيرين لا يعملون على حقيقة .. وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ.

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٤٣

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٤٤

(٣) سورة : النور ، الآية : ٦٢

(٤) سورة : التوبة ، الآيتان : ٤٤ ، ٤٥

١٦١

باب

ذكر الآية السابعة

قال الله عز وجل ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (١) أدخلت في الناسخ والمنسوخ لأنها نسخت كل صدقة في القرآن كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق الحربي قال حدثنا علي بن مسلّم قال حدثنا عبيد الله عن سفيان عن جابر عن عكرمة ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) قال .. نسخت هذه كل صدقة في القرآن .. [ قال أبو جعفر ] في هذه الآية الناسخة ما هو مختلف فيه وما هو مجتمع عليه .. وما اختلف فيه منها الفرق بين الفقراء والمساكين اختلف في ذلك أهل التأويل والفقهاء وأهل اللغة وأهل النظر فقالوا في ذلك أحد عشر قولا فحدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) قال الفقراء الذين لهم زمانة والمساكين الأصحاء المحتاجون فهذا قول في الفرق بين الفقراء والمساكين .. وقال الضحاك الفقراء فقراء المهاجرين والمساكين من لم يهاجروا .. وقال عكرمة الفقراء من اليهود والنصارى والمساكين من المسلمين .. وقال عبيد الله بن الحسن المساكين الذين عليهم الذلة والخضوع والفقراء الذين يتجملون ويأخذون في السر .. وقال محمد بن سلمة المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له المسكن والخادم وهذه خمسة أقوال .. وعن جماعة من الفقهاء قالوا المسكين الذي له شيء والفقير الذي لا شيء له .. قال الشافعي والفقراء والله أعلم من لا مال لهم ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن سائلا كان أو متعففا والمساكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا ولا تعينه سائلا كان أو غير سائل فهذه ستة أقوال .. وقال أبو ثور الفقير الذي له شيء والمسكين الذي لا يصيب من كسبه ما يقوته .. وقال أهل اللغة منهم يعقوب بن اسحاق بن السكيت في جماعة معه المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له شيء لا يكفيه قال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين .. وأنشد أهل اللغة :

أما الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد

ومن أجل ما روي فيه ما رواه .. ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال المساكين الطوافون والفقراء فقراء المسلمين وأكثر أهل التأويل على هذا القول .. قال مجاهد

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٦٠

١٦٢

والحسن والزهري وجابر بن زيد وعكرمة والضحاك في اختلاف عنهما المسكين السائل والفقير الذي لا يسأل فهذه تسعة أقوال .. ومن أهل النظر من يقول الفقير هو الفقير الى الشيء وان كان يملك مالا فقد يكون غائبا عنه ويكون فقيرا الى أخذ الصدقة والمسكين الذي عليه الخضوع والذلة .. والقول الحادي عشر أن الفقير هو الذي يعطى لفقره فقط والمسكين الذي يكون عليه مع فقره خضوع وذلة السؤال .. وكان محمد بن جرير يذهب الى هذا القول وان كان لم يذكر كثيرا مما ذكرناه وهو قول حسن وهو مستخرج من قول ابن عباس والجماعة الذين ذكرناهم معه لأن المسكين مشتق من المسكنة وهي الخضوع والذلة .. قال الله تعالى ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) (١) .. [ قال أبو جعفر ] وهذه الأقوال وان كثرت فاذا جمعت بعضها الى بعض ونظرت فيها قرب بعضها من بعض .. وذلك ان قول من قال المسكين كذا والفقير كذا لم يقل إنه لا يقال لغيره مسكين ولا فقير .. وقد قال الشافعي فيما روي عنه اذا أوصى رجل بشيء للفقراء جاز أن يدفع الى المساكين واذا أوصى بشيء الى المساكين جاز أن يدفع الى الفقراء واذا أوصى للفقراء والمساكين لم يجز أن يدفع الى أحدهما .. [ قال أبو جعفر ] فلما اجتمعت هذه الأقوال وقد قلنا إن بعضها يقرب من بعض وجب أن نرجع الى ما هو أجمعها وهو أن المسكين هو الذي يسأل الناس والفقير هو الذي لا يسأل ولا سيما وهذا قول ابن عباس ولا يعرف له مخالف من الصحابة فيه ثم تابعه على ذلك أهل التأويل الذين يرجع الى قولهم في تفسير كتاب الله .. وأيضا فان الاسماء انما ترجع الى التعارف والتعارف بين الناس اذا قيل ادفع هذا الى المساكين انهم الذين يسألون واذا قيل ادفع هذا الى الفقراء فهم الذين لا يسألون .. وقد دل على هذا كتاب الله تعالى قال الله تعالى ( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ) (٢) وسمعت عليّ بن سليمان يقول محتجا لأهل اللغة لأنهم أعلم بالأسماء وبموضوعاتها .. وقد أجمعوا على أن المسكين الذي لا شيء له قال هو مشتق من السكون والسكون ذهاب الحركة حتى لا يبقى منها شيء وهذه صفة من لا يملك شيئا قال والدليل على أن الفقير هو الذي يملك شيئا انه مشتق من قولهم فقر الرجل أي كبرت فقاره فهذا قد بقي له شيء .. [ قال أبو جعفر ] فأما قول الله تعالى ( فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (٣) فاذا صح أن المسكين هو الذي لا شيء له

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٦١

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٧٣

(٣) سورة : الكهف ، الآية : ٧٩

١٦٣

فالكلام على هذا أسهل لأنه يجوز أن ينسب اليهم لأنهم كانوا يعملون فيها كما يقال قصدت فلانا في داره وان كان مكتريا لها وكما يقال سرج الدابة .. وقد يجوز أن يكون نسبوا الى المسكنة وهي الخضوع كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا مسكينة عليك السكينة .. وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسكين مسكين من لا امرأة له ومسكينة مسكينة من لا زوج لها فان قيل فما معنى حديث أبي هريرة كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. قال ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان .. قالوا يا رسول الله فمن المسكين قال الذي لا يجد غناء يغنيه ولا يفطن له فيعطى ولا يقوم فيسأل الناس .. فقيل معنى هذا ان الذي يسأل يجيئه الشيء بعد الشيء .. وقيل المعنى ليس المسكين الذي في نهاية المسكنة على ان هذا الحديث يدل على القول الذي اخترناه من ان المسكين السائل ويكون المعني ليس المسكين الذي في نهاية المسكنة الذي تعدونه فيكم مسكينا هذا كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض انما الغنى غنى النفس ولهذا نظائر .. منها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انما المحروب من حرب ذمة .. المحروب على الحقيقة هو هذا وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما تعدون الرقوب فيكم قالوا الذي لا يعيش له ولد قال بل الرقوب الذي لم يمت له ولد هو أولى بهذا الاسم أي أولى بأن يكون لحقته المصيبة .. واختلفوا في هذه الآية في قسم الزكاة .. فمنهم من قال في أي صنف قسمتها من هذه الاصناف الثمانية أجزأ عنك .. ومنهم من قال تقسم في الاصناف الثمانية كما سماها الله .. ومنهم من قال تقسم على ستة تسقط منهم سهم المؤلفة قلوبهم لأنهم انما كانوا في وقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنهم العاملين اذا فرق الانسان زكاته .. فالقول الأول يروى عن ثلاثة من الصحابة عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس رضي‌الله‌عنهم ان الصدقات جائز أن تدفع الى بعض هذه الاصناف دون بعض ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلافا لهذا وهو مع هذا قول سعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم وأبي العالية وميمون بن مهران ومالك بن أنس وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد .. والقول بانها تقسم فيمن سمى الله تعالى قول الشافعي وحجته ظاهر الآية وان ذلك بمنزلة الوصية اذا أوصى رجل لجماعة لم يخرج منهم أحد .. وحجة غيره ان هذا مخالف الوصية لأن الوصية لا يجوز أن تقسم الا فيمن سميت له فان فقد بعضهم لم يرجع سهمه الى من بقي وقد أجمع الجميع على انه اذا فقد من ذكر في الآية رجع سهمه الى من بقي وأيضا فانه لا يجوز ولا يوصل الى أن يعم كل من ذكر في الآية لأن الفقراء والمساكين لا يحاط بهم .. واحتجوا بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال لسلمة بن صخر حين وطئ في شهر رمضان نهارا أطعم ستين مسكينا فقال ما بتنا ليلتنا الا وحينا لا

١٦٤

يصل الى شيء فقال امض الى بني زريق فخذ صدقتهم فتصدق بوسق على ستين مسكينا وكل أنت وعيالك ما بقي فأعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صدقة هذه القبيلة ولم يقسمها على ثمانية فلما احتمل قوله جل ثناؤه ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) الآية أن يقسم على هذا واحتمل أن يكون المعنى يقسم في هذا الجنس ولا يخرج عنهم ثم جاء عن ثلاثة من الصحابة أحد المعنيين كان أولى مع حجة من ذكرناه .. فأما ( وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) (١) فقال الزهري هم السعادة قال الحسن يعطون بقدر عملهم وقال مجاهد والضحاك لهم الثمن .. ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) فهم عند الشافعي على ضربين .. أحدهما انهم قوم أسلموا ولم يكن اسلامهم قويا فللإمام أن يستميلهم ويعطيهم من الصدقات وان كانوا أغنياء والضرب الآخر قوم في ناحيتهم عدو قد كفوا المسلمين مؤنته فيعانون على ذلك وان كانوا أغنياء .. واما ( وَفِي الرِّقابِ ) (١) فأكثر العلماء على انهم المكاتبون وهو قول أبي موسى الاشعري والحسن وابن زيد والشافعي ومن العلماء من يقول يجوز أن يعتق من الزكاة لعموم الآية وهو قول مالك ..( وَالْغارِمِينَ ) فهم على ضربين عند الشافعي أحدهما أن يدان الرجل في مصلحة نفسه في غير معصية فيقضى دينه والآخر أن يدان الرجل في حمالات وفي معروف وفي ما فيه صلاح المسلمين فيقضى دينه .. ( فِي سَبِيلِ اللهِ ) (١) فأكثر الفقهاء يقول للغزاة .. ومنهم من يجيز أن يعطى في الحج وهو قول الكوفيين .. ( وَابْنِ السَّبِيلِ ) (٢) فهو المنقطع به الذي ليس ببلده يعطى ما يحتمل به وان كان له ببلده مال ولا قضاء عليه .. وفي هذه الآية أيضا ما قد اختلفوا فيه وهو من سبيله أن يعطى الزكاة .. فمن ذلك ما حدثنا .. الحسن بن غليب (٢) قال حدثنا مهدي بن جعفر قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري اذا كان للرجل خمسون درهما فلا يدفع اليه من الزكاة شيء ولا يدفع الى أحد أكثر من خمسين درهما .. [ قال أبو جعفر ] هذا القول يروى عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وهو قول الحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك وعبيد الله بن الحسن وأحمد بن محمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب الحديث لأن فيه حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قرئ .. على أحمد بن شعيب عن أحمد بن سليمان قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود .. قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سأل وله ما يغنيه جاءت يعني مسألته في وجهه يوم القيامة خموشا أو كدوحا قالوا

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٦٠

(٢) غليب أوله معجمة وآخره موحدة وقد مر وضبطناه بالمهملة ولم نتنبه له فليحفظ.

١٦٥

يا رسول الله وما ذا يغنيه أو ما ذا غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب قال ..يحيى بن آدم قال سفيان وحدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن حكيم بن جبير ضعيف في الحديث وانما ذكرناه لقول سفيان حدثنا زبيد هذا قول .. وقال قوم لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاة شيئا .. واحتجوا بحديث عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول من سأل وله أربعون درهما فقد سأل إلحافا وهذا قول الحسين لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاة شيئا وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام قال وهذان الحديثان أصلان فيمن يحل له أخذ الزكاة .. وقد روي عن مالك بن أنس القول بهذا الحديث غير ان الصحيح عنه انه لم يحد في ذلك حدا وقال على مقدار الحاجة ومذهب الشافعي قريب من هذا انه قد يكون للرجل الجملة من الدنانير والدراهم وعليه عيال وهو محتاج الى أكثر منها فله أن يأخذ من الزكاة .. ومن الفقهاء من يقول من كانت معه عشرون دينارا أو مائتا درهم لم يحل له أن يأخذ من الزكاة شيئا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد .. وحجتهم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمعاذ عرفهم ان عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتجعل في فقرائهم فقد صار من تجب عليه الزكاة أغنياء من المال على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. وفي الحديث الذي ذكرنا فيه الخموش تفسير ما فيه من الغريب وغيره والخموش الخدوش واحدهما خمش وقد خمش وجهه يخمشه ويخمشه خمشا وخموشا والكدوح الآثار من الخدش والعض ومنه حمار مكدح أي معضض .. قال أبو عبد الرحمن لم يقل أحد عن سفيان حدثنا زبيد الا يحيى بن آدم وقال غيره لما قال سفيان حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن لم يصل الحديث فقال من يرد عليه لم يحتج أن يصله لأنه قد ذكره بدءا وقد عمر يحيى بن معين على يحيى بن آدم فقال قرأت على وكيع حديث يحيى بن آدم عن سفيان فقال ليس هذا ثورينا الذي نعرفه فأما غير يحيى بن معين فمقدم ليحيى بن آدم حتى قال سفيان بن عيينة بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من العلماء يقوّي الله به الدين قال يحيى بن آدم عندي منهم .. واختلفوا في الآية الثامنة فقالوا فيها قولان.

١٦٦

باب

ذكر الآية الثامنة

قال عز وجل ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) (١) الآية .. من العلماء من قال هي منسوخة بقوله ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) (٢) الآية .. وفي رواية جبير عن الضحاك عن ابن عباس ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) (١) .. فقال لأزيدن على السبعين فنسختها ( سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) (٣) فهذا قول .. ومن العلماء من قال ليست بمنسوخة وانما هذا على التهديد لهم أي لو استغفر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما غفر لهم .. وقال قائل هذا القول لا يجوز أن يستغفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمنافق لأن المنافق كافر بنص كتاب الله تعالى ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) (٤) الى قوله ( ثُمَّ كَفَرُوا ) (٤) .. وقال من احتج بأنها منسوخة الآثار تدل على ذلك كما روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) قال لما مات عبد الله بن أبيّ بن سلول أتى ابنه وقومه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكلموه أن يصلي عليه ويقوم على قبره فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليصلي عليه قال عمر فقمت بينه وبين الجنازة فقلت يا رسول الله أتصلي عليه وهو الفاعل كذا وكذا يوم كذا وكذا وهو الراجع بثلث الناس يوم أحد وهو القائل يوم كذا وكذا كذا وهو الذي يقول ( لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) (٥) فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول أخر عني يا عمر وجعل عمر يردد عليه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخر عني يا عمر فلو أني أعلم أني لو استغفرت لهم أكثر من سبعين مرة غفر لهم لاستغفرت لهم فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووقف على قبره حتى

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٨٠

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٨٤

(٣) سورة : المنافقون ، الآية : ٦

(٤) سورة : المنافقون ، الآيات : ١ ، ٣

(٥) سورة : المنافقون ، الآية : ٧

١٦٧

دفن فما لبثنا الا ليالي حتى نزلت هذه الآية ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ ) (١) قال فكان عمر رضي‌الله‌عنه يعجب من جراءته على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك اليوم وما نزل في ذلك من القرآن .. [ قال أبو جعفر ] فقالوا في الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعّد كلام عمر اياه وان كلام عمر قد أحمد منه بعد ذلك حتى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما بعث الله نبيا قط الا وفي أمته محدّث فان يكن في أمتي محدّث فهو عمر فقيل معنى محدث ينطق عن لسانه الحق .. وفي حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمر رضي‌الله‌عنه ذلك اليوم إن الله لم ينهني عن الصلاة عليهم وانما خيّرني .. [ قال أبو جعفر ] في هذا الحديث التوقيف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أو هاهنا للتخيير أعني في قوله ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) (٢) فإن قيل فكيف يجوز أن يستغفر صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمنافق .. فالجواب على هذا أن يستغفر له على ظاهره على أنه مسلّم وباطنه الى الله عز وجل .. وقد قيل ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) ناسخ لفعله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا للآية الأخرى .. قد توهم بعض الناس أن قوله ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) ناسخ ولهذا كره العلماء أن يجترئ أحد على تفسير كتاب الله تعالى حتى يكون عالما بأشياء منها الآثار ولا خلاف بين أهل الآثار أن قوله ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (٣) ليس هم الذين قيل فيهم ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) .. ويدلّك على ذلك أن بعد ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ) (٤) فكيف لا يصلي على من تاب وأهل التأويل يقولون نزلت ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) في أبي لبابة وجماعة منهم ربطوا أنفسهم في السواري لأنهم تخلفوا عن الغزوة غزوة تبوك الى أن تاب الله عليهم .. وقد ذكرت الآية التاسعة في الناسخ والمنسوخ.

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآيتان : ( ٨٤ ـ ٨٥ )

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٨٠

(٣) سورة : التوبة ، الآية : ١٠٣

(٤) سورة : التوبة ، الآية : ١٠٤

١٦٨

باب

ذكر الآية التاسعة

قال الله عز وجل ( ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ) (١) مذهب ابن زيد انه نسخها ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ) (٢) ومذهب غيره انه ليس هاهنا ناسخ ولا منسوخ وان الآية الأولى توجب اذا نفر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو احتيج الى المسلمين واستنفروا لم يسع أحدا التخلف واذا بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية تخلفت طائفة وهذا مذهب ابن عباس والضحاك وقتادة.

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ١٢٠

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ١٢٢

١٦٩

سورة يونس عليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يونس عن ابن عمرو وعن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت سورة يونس بمكة فهي مكية .. [ قال أبو جعفر ] لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب الا موضعا واحدا .. قال الله عز وجل ( وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) (١) أي اصبر على أذاهم ومكروههم حتى يقضي الله فيهم وهو خير القاضين وأعدل الفاصلين .. فمذهب ابن زيد انها منسوخة وانما نسخ منها الصبر عليهم .. قال أنزل الله بعد هذا الأمر بالجهاد والغلظة عليهم.

__________________

(١) سورة : يونس ، الآية : ١٠٩

١٧٠

سورة هود عليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس .. قال نزلت سورة هود بمكة فهي مكية .. [ قال أبو جعفر ] لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب الا آية واحدة من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. قوله تعالى ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ) (١) قال .. أي ثواب الحياة الدنيا وزينتها مالها ( نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ ) (١) قال .. نوفر لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في المال والأهل والولد ( وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ ) (١) قال ..ينقصون قال ثم نسختها ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] محال أن يكون هاهنا نسخ لأنه خبر والنسخ في الاخبار محال ولو جاز النسخ فيها ما عرف حق من باطل ولا صدق من كذب ولبطلت المعاني ولجاز لرجل أن يقول لقيت فلانا ثم يقول نسخته ما لقيته.

__________________

(١) سورة : هود ، الآية : ١٥

(٢) سورة : الإسراء ، الآية : ١٨

١٧١

سورة يوسف عليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس .. قال نزلت سورة يوسف بمكة فهي مكية .. [ قال أبو جعفر ] رأيت بعض المتأخرين قد ذكر ان فيها آية منسوخة وهي قوله اخبارا عن يوسف عليه‌السلام ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) (١) .. قال نسخه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به .. [ قال أبو جعفر ] وهذا قول لا معنى له ولو لا أنا أردنا أن يكون كتابنا متقصيا لما ذكرناه لأنه ليس معنى ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً ) انه يريد في ذلك الوقت لما كان منسوخا لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انما قال لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فاذا تمنى إنسان لغير ضرّ فليس بمخالف للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد يجوز أن يتمنى الموت من له عمل صالح متخلصا من الكبائر وهذا عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه لما استقامت أموره وفتح الله تعالى على يده الفتوح وأسلّم ببركته ما لا يحصى عدده تمنى الموت .. فقال اللهم كبر سني ودق عظمي وانتشرت رعيتي فاقبضني اليك غير مفرط ولا مضيع .. وعن مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فظاهر هذا الحديث ان السليم من الذنوب محب للقاء الله في كل الاحوال وقد قيل هذا عند الموت.

__________________

(١) سورة : يوسف ، الآية : ١٠١

١٧٢

سورة الرعد

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت باسناده عن ابن عباس قال .. نزلت سورة الرعد بمكة فهي مكية وروى حميد عن مجاهد قال سورة الرعد مكية ليس فيها ناسخ ولا منسوخ وروى سعيد عن قتادة قال سورة الرعد مدنية إلاّ آية واحدة قوله ( وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ ) (١) .. الآية .. والقول الأول أولى لأنه المتعارف كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا عوانة عن أبي يسر قال قلت لسعيد بن جبير ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٢) أهو عبد الله بن سلام .. قال وكيف يكون عبد الله بن سلام والسورة مكية قال وكان سعيد بن جبير يقرأ ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] أنكر هذا سعيد بن جبير لأن السورة مكية وعبد الله بن سلام أسلّم بالمدينة.

__________________

(١) سورة : الرعد ، الآية : ٣١

(٢) سورة : الرعد ، الآية : ٤٣

١٧٣

سورة إبراهيم عليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت باسناده عن ابن عباس قال سورة إبراهيم مكية نزلت بمكة سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) (١) الى آخر الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين .. وروى سعيد عن قتادة قال سورة إبراهيم مكية الا آيتين منها نزلتا بالمدينة قوله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ) الى قوله ( وَبِئْسَ الْقَرارُ ) .. والذي قاله قتادة لا يمتنع قد تكون السورة مكية ثم ينزل الشيء بالمدينة فيأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعله فيها ولا يكون هذا لأحد غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما يأتيه من الوحي بذلك اذ كان تأليف القرآن معجزا لا يوجد الا عن الله تعالى وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن الجماعة الذين لا يلحقهم الغلط ولا يتواطئون على الباطل رحمهم‌الله تعالى.

__________________

(١) سورة : إبراهيم ، الآيتان : ( ٢٨ ـ ٢٩ )

١٧٤

سورة الحجر

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة الحجر بمكة فهي مكية .. [ قال أبو جعفر ] لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب غير حرفين قوله تعالى ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) (١) .. قال سعيد عن قتادة نسخته ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) (٢) والحرف الآخر ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) (٣) روي عن ابن عباس قال نسخته براءة والأمر بالقتل.

__________________

(١) سورة : الحجر ، الآية : ٨٥

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٩١

(٣) سورة : الحجر ، الآية : ٩٤

١٧٥

سورة النحل

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت باسناده عن ابن عباس قال سورة النحل نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها في آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحد وذلك قبل قتل حمزة بن عبد المطلب وقد مثّل به المشركون فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بثلاثين منهم قال أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا رسول الله لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم تمثيلا لم يمثل به أحد من العرب فأنزل الله تعالى بين مكة والمدينة ثلاث آيات وهن قوله تعالى ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) (١) وما نزل بين مكة والمدينة فهو مدني .. [ قال أبو جعفر ] في هذه السورة موضعان يصلحان في هذا الكتاب .. أحدهما قوله تعالى ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) (٢) حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا الثوري عن الاسود بن قيس عن عمرو بن سفيان عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) (٢) قال السكر ما حرم من ثمراتها والرزق الحسن ما حل من ثمراتها قال حدثنا .. عبد الرزاق وأنبأنا معمر عن قتادة ( تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) قال خمور الأعاجم ونسخت في سورة المائدة قال والرزق الحسن ما ينبذون ويخللون ويأكلون .. [ قال أبو جعفر ] والقول في انها منسوخة يروى عن سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وإبراهيم وأبي رزين .. [ قال أبو جعفر ] الحق في هذا انه خبر لا يجوز فيه نسخ ولكن يتكلم العلماء في شيء ويتأول عليهم ما هو غلط لأن قول قتادة ونسخت يعني الخمر يعني نسخت إباحتها .. والدليل على هذا أن سعيدا روى عن قتادة قال نزلت هذه الآية ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) والخمر يومئذ حلال ثم أنزل الله تعالى بعد تحريمها سورة المائدة .. [ قال أبو جعفر ] وهذا قول حسن صحيح أخبر الله تعالى أنهم يفعلون هذا ونزل قبل تحريم الخمر على أن جماعة من أهل العلم والنظر قالوا غير ما تقدم منهم أبو عبيدة قال السكر الطعم وقال غيره السكر ما سدّ الجوع مشتق من قولهم سكرت النهر أي سددته ( تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً ) وعلى هذا

__________________

(١) سورة : النحل ، الآية : ١٢٦

(٢) سورة : النحل ، الآية : ٦٧

١٧٦

السكر ما كان من العجوة والرطب وهو معنى قول أبي عبيدة إذا سرح .. والموضع الآخر قوله تعالى ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) هي الانتهاء الى ما أمر الله به وهذا نسخ.

__________________

(١) سورة : النحل ، الآية : ١٢٥

١٧٧

سورة بني اسرائيل

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة بني اسرائيل بمكة فهي مكية .. [ قال أبو جعفر ] فيها ثلاث آيات تصلح أن تكون في هذا الكتاب.

باب

ذكر الآية الأولى منها

قال الله عز وجل ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما ) (١) الآية .. في هذه الآية ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال في قوله ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ) (٢) هو منسوخ لأن هذا مجمل ولا يجوز لمن كان أبواه مشركين أن يترحم عليهما .. ومنهم من قال يجوز هذا اذا كانا حيين فأما اذا ماتا فلم يجز .. ومنهم من قال لا يجوز أن يترحم على كل كافر ولا يستغفر له حيا كان أو ميتا والآية محكمة مستثنى منها الكفار حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ) ولكن ليخفض لهما جناح الذل من الرحمة وليقل لهما قولا معروفا .. قال الله تعالى ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ) (٣) فنسخ هذا ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ) .. والقول الثاني قول جماعة من أصحاب الحديث واحتجوا بحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبيّن له أنه عدو لله فتبرأ منه واحتجوا بحديث الزهري عن سهل بن سعد ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون .. والقول الثالث يدل على صحة ظاهر القرآن .. قال الله تعالى ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ) وأيضا فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يزل من أوّل أمره يدعو الى الله ويخبر ان الله لا يغفر الشرك ومع هذا فيقول عليه الصلاة والسلام في النصارى وهم أهل كتاب لا تبدءوهم بالسلام واذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم الى أضيقه فكيف يستغفر لمن هذا حاله أو يبجل أو يعظم بالدعاء له

__________________

(١) سورة : اسرائيل ، الآية : ٢٣

(٢) سورة : اسرائيل ، الآية : ٢٤

(٣) سورة : التوبة ، الآية : ١١٣

١٧٨

بالرحمة وأيضا فان الشرك أعظم الذنوب وأشدها وكيف يدعى لأهله بالمغفرة ولم يصح ان الله أباح الاستغفار للمشركين ولا فرضه ولا أبيح أو فرض فأما قول الله تعالى ( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ) (١) فقد قيل ان أباه وعده انه يظهر اسلامه فاستغفر له فلما لم يظهر اسلامه ترك الاستغفار له فان قيل فما معنى ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) فهل يكون هذا في العربية الا بعد استغفار لهم .. فقد أجاب عن هذا بعض أهل النظر فقال يجوز أن يكون بعض المسلمين ظنّ ان هذا جائز فاستغفر لأبويه وهما مشركان فنزل هذا .. [ قال أبو جعفر ] هذا لا يحتاج أن يقول يجوز لأن فيه حديثا قد غاب عن هذا المجيب حدثنا .. أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن أبي الخليل عن علي بن أبي طالب قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له أتستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت ( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ) وهذا من أحسن ما روي في الآية مع استقامة طريقه وصحة اسناده على ان الزهري قد روى عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال يا عم قل لا إله الا الله كلمة أشهد لك بها يوم القيامة فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فأقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرض عليه وهما يعارضانه فكان آخر كلمة قالها على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول لا إله الا الله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فأنزل الله ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ) وأنزل الله في أبي طالب ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) (٢) .. وحديث مسروق عن عبد الله على غير هذا في نزول الآية قال كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجلس على قبر بين القبور فبكى حتى ارتفع نحيبه ففزعنا لذلك فلما قام قال له عمر رضي‌الله‌عنه مم بكيت يا رسول الله قال على قبر آمنة ابنة وهب يعني أمه استأذنت ربي في الاستغفار لها فأنزل الله عز وجل ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) الآية فدخلني ما يدخل الولد لوالديه فبكيت .. [ قال أبو جعفر ] وليست هذه

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ١١٤

(٢) سورة : القصص ، الآية : ٥٦

١٧٩

الاحاديث بمتناقضة لأنه يجوز أن تكون الآية نزلت بعد هذا كله وليس في شيء من الأحاديث ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استغفر لمشرك.

باب

ذكر الآية الثانية

قال الله عز وجل ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (١) حدثني .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا عبد الله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) فكانوا من هذا في جهد حتى نزلت ( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] قال مجاهد أي لا تقربوا مال اليتيم فتستقرضوا منه ( إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) التجارة لهم .. قال ربيعة وزيد بن أسلّم ومالك الاشد الحلم وقيل هو بلوغ ثلاثين سنة .. وقد قال جماعة من أهل التفسير وبلغ أشده ثلاثا وثلاثين سنة وليس هذا بمتناقض يكون أول الأشد بلوغ الحلم فعلى هذا يصح القولان وقد ذكرنا أمر اليتامى في سورة البقرة بأكثر من هذا.

باب

ذكر الآية الثالثة

قال عز وجل ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (٣) .. فيها ثلاثة أقوال .. في رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها الآية في سورة الأعراف ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (٤) قال بالغداة والعشي ( وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ) (٤) قال عن القراءة في الصلاة .. وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجهر بالقرآن فاذا جهر به سبّ المشركون القرآن ومن جاء به فخفض صوته حتى لا يسمعه أحد فنزلت ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) أي أسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك .. والقول الثالث أن المعني في الدعاء وان الصلاة هاهنا الدعاء وهو قول أبي هريرة وأبي موسى وعائشة كما أنبأنا .. أحمد بن

__________________

(١) سورة : الإسراء ، الآية : ٣٤

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٠

(٣) سورة : الإسراء ، الآية : ١١٠

(٤) سورة : الأعراف ، الآية : ٢٠٥

١٨٠