كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

فأتيتهم في حش قال والحش البستان فإذا عندهم رأس جزور مشوي وزق خمر فأكلنا وشربنا فذكرت الأنصار فقلت المهاجرين خير من الأنصار فأخذ رجل منهم أحد لحيي الرأس فجرح به أنفي فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فنزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) (١) الآية [ قال أبو جعفر ] وفي حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس نزل تحريم الخمر في حيين من قبائل الأنصار لما ثملوا شج بعضهم بعضا ووقعت بينهم الضغائن فنزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) إلى ( مُنْتَهُونَ ) (٢) [ قال أبو جعفر ] فهذا يبين أن الآية ناسخة .. ومن الحجة لذلك أيضا ان جماعة من الفقهاء يقولون بتحريم الخمر بآيتين من القرآن بقوله تعالى ( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ) (٣) وبقوله ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ ) (٤) فلما حرم الإثم وأخبر أن في الخمر الإثم وجب أن تكون محرمة .. فأما قول من قال إن الخمر يقال لها الاثم فغير معروف من حديث ولا لغة والقول الأول جائز وأبين منه أنها محرمة بقوله فاجتنبوه واذا نهى الله تعالى عن شيء محرم وفي الأحاديث التي ذكرناها ما يحتاج الى تفسير فمن ذلك ثملوا معناه سكروا وبعضهم يروي في حديث سعد ففرز به أنفي أي فلقه وشقه ومنه فرزت الثوب والفرز القطعة من الغنم وفي الاحاديث في سبب نزول تحريم الخمر أسباب يقول القائل كيف يتفق بعضها مع بعض وعمر يقول شيئا وسعد يقول غيره وابن عباس يقول بسواهما [ قال أبو جعفر ] فالجواب أن الأحاديث متفقة لأن عمر سأل بيانا شافيا في تحريم الخمر ولم يقل نزلت في ذلك لا في غيره فيجوز أن يكون سؤال عمر وافق ما كان من سعد بن أبي وقاص من الحيين الذين من قبائل الأنصار فيتفق الحديث ولا يتضاد .. وفيها من الفقه أن منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدل بهذا على أن القول ليس كما قال بعض الفقهاء إن السكران الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى وأن رجلا لو قال له وأشار الى السماء ما هذه فقال الأرض لم يكن سكران لأنه قد فهم عنه كلامه ولو كان الأمر على هذا لما جاز أن يخاطب من لا يعرف الذكر من الأنثى ولا يفهم الكلام فيقال له لا تقرب الصلاة وأنت سكران .. فبيّن بهذا الحديث أن السكران هو الذي أكثر أمره التخليط .. وقد حكى أحمد بن الحجاج أن أحمد بن صالح سأل عن السكران فقال أنا أجد فيه ما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن يعلى بن أمية عن أبيه قال سألت عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه عن حد السكران فقال هو الذي اذا استقرأته سورة من القرآن لم يقرأها واذا اختلط ثوبه مع ثياب الناس لم

__________________

(١) سورة : المائدة ، الآية : ٩٠

(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٩١

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٩

(٤) سورة : الأعراف ، الآية : ٣٣

٤١

يخرجه .. وفي الحديث من الفقه أن قوله لا يقربن الصلاة سكران يدل على أن قول الله عز وجل ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (١) ليس من النوم وإنه من الشرب حين كان مباحا .. وقد بين أن الآية ناسخة على ما ذكرنا .. وبقي البيان على الخمر المحرمة وما هي لأن قوما قد أوقعوا في هذه شبهة فقالوا الخمر هي المجمع عليها ولا يدخل فيها ما اختلف فيه فهذا ظلم من القوم يجب على قائله أن لا يحرّم شيئا اختلف فيه وهذا عظيم من القول .. واحتج أيضا بأن من قال الخمر التي لا اختلاف فيها محلها كافر وليس كذا غيرها وهذان الاحتجاجان أشد ما لهم .. وأما الأحاديث التي جاءوا بها فلا حجة فيها لضعف أسانيدها ولتأويلهم إياها على غير الحق .. وقد قال عبد الله بن المبارك ما صح تحليل النبيذ الذي يسكر كثيره عن أحد من الصحابة ولا التابعين الا عن إبراهيم النخعي [ قال أبو جعفر ] فأما الاحتجاجان الأولان اللذان يعتمدون عليهما فقد بينا الردّ في أحدهما وسنذكر الآخر .. الخمر المحرمة تنقسم قسمين أحدهما المجمع عليها وهي عصير العنب اذا رغا وأزبد هذه الخمر التي من أحلها كافر .. والخمر الأخرى التي من أحلها ليس بكافر وهي التي جاء بها التوقف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها الخمر وعن الاسانيد التي لا يدفعها إلا صاد عن الحق وجاهل إذ قد صح عنه عليه الصلاة والسلام تسميتها خمرا وتحريمها فمن ذلك ، ما حدثنا به بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت .. سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البتع .. فقال كل شراب أسكر فهو حرام فلو لم يكن في هذا الباب الا هذا الحديث لكفى لصحة إسناده واستقامة طريقه .. وقد أجمع الجميع أن الآخر لا يسكر إلا بالأول فقد حرم الجميع بتوقيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. وفي هذا الباب من لا يدفع ، ما قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ..قال أبو عبد الله هذا إسناد صحيح. قال أبو عبد الله حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. كل مسكر حرام وكل مسكر خمر قال أبو عبد الله. وحدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. كل مسكر خمر وكل مسكر حرام قال أبو عبد الله حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال سمعت

__________________

(١) سورة : النساء ، الآية : ٤٣

٤٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. حين وجه أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال أبو موسى يا رسول الله إنا بأرض يصنع بها شراب من العسل يقال له البتع وشراب من الشعير يقال له المزر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل مسكر حرام .. قال أبو عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. كل مسكر حرام .. هذه الأسانيد المتفق على صحتها قرئ على أبي بكر محمد بن عمرو عن عليّ بن الحسين الدرهمي قال حدثنا أنس بن عياض قال حدثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. ما أسكر كثيره فقليله حرام .. هذا تحريم قليل ما أسكر كثيره نصا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الإسناد المستقيم ..قال أبو بكر أحمد بن عمرو قد روي التحريم عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وجابر وعمر وابن عباس وأنس وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وقرة بن إياس وحوأب بن عمير والديلم بن الهوسع وأبي موسى الأشعري وبريدة الاسلمي وأم سلمة وميمونة وقيس بن سعد وإسناد حديث عائشة وابن عمر وأنس صحيح وسائر الأحاديث يؤيد بعضها بعضا وقرئ على أحمد بن شعيب بن علي أبي عبد الرحمن عن هشام بن عمار قال حدثنا صدقة بن خالد عن زيد بن واقد قال أخبرني خالد بن عبد الله بن الحسين عن أبي هريرة قال .. علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته له في دبا فجئته به فقال ادنه فأدنيته منه فاذا هو ينش فقال اضرب بها الحائط فان هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر .. قال أبو عبد الرحمن وفي هذا دليل على تحريم المسكر قليله وكثيره ليس كما يقوله المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة وتحليلهم ما تقدمها الذي يسري في العروق قبلها .. قال ولا اختلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث عن الشربة الآخرة دون الأولى والثانية بعدها .. قال أبو عبد الرحمن وأخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. ما أسكر قليله فكثيره وقليله حرام .. قال أبو عبد الرحمن إنما يتكلم في حديث عمرو بن شعيب اذا رواه عنه غير الثقات فأما اذا رواه الثقات فهو حجة وعبد الله بن عمرو جد عمرو بن شعيب كان يكتب ما سمع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحديثه من أصح الحديث .. قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا أبو عامر والنضر بن شميل ووهب بن جرير قالوا حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا الحكم يحدث قال قال .. ابن عباس من سره أن يحرّم إن كان محرما ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ .. وقال أبو عبد الرحمن وأنبأنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن عرنة عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا من

٤٣

حبشان وحبشان من اليمن قدم فسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن شراب يشربونه من الذّرة بأرضهم يقال له المزر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمسكر هو؟ قال نعم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل مسكر حرام ان الله عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قال يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال عرق أهل النار أو قال عصارة أهل النار .. ومما يبين أن الخمر يكون من عصير العنب من لفظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن اللغة ومن الاشتقاق .. فأما لفظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما لا يدفع إسناده فانه قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن الاوزاعي قال حدثني أبو كبير اسمه يزيد عن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن الاوزاعي قال حدثنا أبو كبير قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. الخمر من العنب .. وقال سويد في هاتين الشجرتين النخلة والعنبة فوقفنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن الخمر من النخلة .. فخالف ذلك قوم وقالوا لا يكون الا من العنبة ثم نقضوا قولهم نقيع التمر والزبيب خمر لأنه لم يطبخ وقرأ عليّ أحمد بن عمرو أبي بكر عن عليّ بن سعيد المسروقي قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال حدثنا السري بن اسماعيل عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. الخمر من خمسة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل وما خمرته فهو خمر وقرأ عليّ أحمد بن شعيب عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية قال حدثنا أبو حيان قال حدثني الشعبي عن ابن عمر .. سمعت عمر يخطب على منبر المدينة قال يا أيها الناس ألا انه نزل بتحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والزبيب والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل .. فهذا توقيف في الخمر أنها من غير عنب وفيه بيان الاشتقاق وأنه ما خامر العقل مشتق من الخمر وهو كل ما وارى من نخل وغيره فقيل خمر لأنها تستر العقل ومنه فلان مخمور يقال هذا فيما كان من عصير العنب وغيره لا فرق بينهما وما منهما الا ما يريد الشيطان أن يوقع بينهم فيه العداوة والبغضاء ويصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة فالقليل من هذا ومن هذا واحد فهذا أصح ما قيل في اشتقاقها وأجل إسنادا قاله عمر رضي‌الله‌عنه على المنبر بحضرة الصحابة .. وأما سعيد بن المسيب فروي عنه قال إنما سميت الخمر خمرا لأنه صعد صفوها ورسب كدرها [ قال أبو جعفر ] اشتقاق هذا أيضا على أن الصفو ستر الكدر وقال بعض المتأخرين سميت خمرا لأنها تخمر أي تعطي وسمي نبيذا لأنه ينبذ ولو صح هذا لكان النبيذ يخمر .. ومما يشبه فيما تقدم ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال .. كنت اسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الانصاري وأبي بن كعب شراب فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال ابو

٤٤

طلحة يا أنس قم الى تلك الجرار فاكسرها فقمت الى مهراس لنا فقذفتها بأسفله فكسرتها [ قال أبو جعفر ] ففي هذه الاحاديث تصحيح قول من قال إن ما أسكر كثيره فقليله حرام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن الصحابة ثم كان من الصحابة من هو على ذلك وبه يفتون اشدهم فيه علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يخاطبهم نصا بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام .. ثم ابن عمر لما سئل عن نبيذ ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ قال محمد بن سيرين فقال للسائل إني أنهاك عن قليل ما أسكر كثيره وإني أشهد الله عليك فان أهل خيبر يشربون شرابا يسمونه كذا وهي الخمر وان أهل مصر يشربون شرابا من العسل يسمونه البتع وهي الخمر ثم عائشة رضي‌الله‌عنها لما سئلت عن عصير العنب فقالت صدق الله ورسوله سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول .. يشرب قوم الخمر يسمونها بغير اسمها .. فلم يزل الذين يروون هذه الأحاديث يحملونها على هذا عصرا بعد عصر حتى عارض فيها قوم فقالوا المحرم الشربة الأخيرة التي تسكر .. وقالوا قد قال اهل اللغة الخبز المشبع والماء المروي [ قال أبو جعفر ] فان صح هذا في اللغة فهو عليهم لا لهم لأنه لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون معناه للجنس كله أي صفة الخبز أنه يشبع وصفة الماء انه يروي فيكون هذا قليل الخبز وكثيره لأنه جنس وكذا قليل ما يسكر أو يكون الخبز المشبع فهو لا يشبع إلا بما كان قبله وكله مشبع فكذا قليل المسكر وكثيره .. وإن كان قد تأولوه على أن معناه المشبع هو الآخر الذي يشبع وكذا الماء المروي .. فيقال له ما حدّ ذلك المروي والذي لا يروي .. فإن قالوا لا حدّ له فهو كله اذا مرو وإن حدوه قيل لهم ما البرهان على ذلك وهل يمتنع الذي لا يروي مما حددتموه أن يكون يروي عصفورا وما أشبهه فبطل الحد وصار القليل مما يسكر كثيره داخلا في التحريم وعارضوا بأن المسكر بمنزلة القاتل لا يسمى مسكرا حتى يسكر كما لا يسمى القاتل قاتلا حتى يقتل [ قال أبو جعفر ] وهذا لا يشبه من هذا شيئا لأن المسكر جنس وليس كذا القاتل ولو كان كما قالوا لوجب أن لا يسمى الكثير من المسكر مسكرا حتى يسكر وكان يجب أن يحلوه وهذا خارج عن قول الجميع .. وقالوا معنى كل مسكر حرام على القدح الذي يسكر .. وهذا خطأ من جهة اللغة وكلام العرب لأن كلما معناها العموم والقدح الذي يسكر مسكر .. وقد حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكل فلا يجوز الاختصاص الا بتوقيف .. وانما قولنا مسكر يقع للجنس للقليل والكثير كما يقال التمر بالتمر زيادة ما بينهما ربا فدخل في هذا التمرة والتمرتان والقليل والكثير .. وشبه بعضهم هذا بالدواء والبنج الذي يحرم كثيره ويحل قليله وهذه التشبيه بعيد لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام وقال كل مسكر خمر والمسكر هو الخمر وهو الجنس الذي قال الله تعالى فيه ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ

٤٥

الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (١) وليس هذا في الدواء والبنج وإنما هذا في كل شراب يكون هو كذا .. وعارضوا بأن قالوا فليس كل ما أسكر كثيره بمنزلة الخمر في كل أحواله [ قال أبو جعفر ] وهذا مغالطة وتمويه على السامع لأنه لا يجب من هذا إباحة .. وقد علمنا أنه ليس من قتل مسلما غير نبي بمنزلة من قتل نبيا فليس يجب اذا لم يكن بمنزلة في جميع الأحوال أن يكون مباحا كذا من شرب ما أسكر كثيره وإن لم يكن بمنزلة من شرب عصير العنب الذي قد ينش فليس يجب من هذا أن يباح له ما قد شرب ولكنه بمنزلته في أنه قد شرب محرما وشرب خمرا وأنه يحد في القليل منه كما يحد في القليل من الخمر .. وهذا قول من لا يدفع قوله منهم عمر وعلي .. ومعنى كل مسكر خمر يجوز أن يكون بمنزلة الخمر في التحريم وأن يكون المسكر كله خمرا كما سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن ذكرناه من الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة .. وقد عارض قوم بعض الأسانيد من غير ما ذكرناه فمن ذلك ما قرأ علي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن شيبان بن فروخ عن مهدي بن ميمون قال حدثنا أبو عثمان الأنصاري قال حدثنا القاسم بن محمد بن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام [ قال أبو جعفر ] الفرق بفتح الراء لا غير وهو ثلاثة أصول وكذا فرق الصبح وكذا الفرق من الجزع والفرق أيضا تباعد ما بين الشيئين .. فأما الفرق باسكان الراء ففرق السعر وكذا الفرق بين الحق والباطل قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي سعيد الاشج عن الوليد بن كثير قال حدثنا الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره .. قال أبو القاسم وحدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا سليمان بن داود يعني الهاشمي قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا داود بن بكر يعني بن أبي القراب قال حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام [ قال أبو جعفر ] فمن عجيب ما عارضوا به أن قالوا أبو عثمان الانصاري مجهول والمجهول لا تقوم به حجة .. قيل لهم ليس بمجهول والدليل على ذلك أنه قد روى عنه الربيع بن صبيح وليث بن أبي سليم ومهدي بن ميمون ومن روى عنه اثنان ليس بمجهول .. وقالوا الضحاك بن عثمان مجهول قيل لهم قد روى عنه عبد العزيز بن محمد وعبد العزيز بن أبي حازم ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وابن أبي فديك .. وقالوا داود بن بكر مجهول قيل لهم قد روى عنه

__________________

(١) سورة : المائدة ، الآية : ٩١

٤٦

إسماعيل بن جعفر وأنس بن عياض وإنما تعجب من معارضتهم بهذا لأنهم يقولون في دين الله جل ثناؤه بما روى أبو فزارة زعموا عن أبي زيد عن ابن مسعود .. انه كان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الجن وإنما توضأ بنبيذ التمر وأبو زيد لا يعرف ولا يدري من أين هو وقد روى إبراهيم عن علقمة .. قال سألت عبد الله هل كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الجن؟ قال لا وبودي لو كنت معه ويحتجون بحديث رووه [ قال أبو جعفر ] سأذكره بإسناده عن أبي إسحاق عن أبي ذي لعوة أن عمر رضي‌الله‌عنه حد رجلا شرب من أداوته وقال أحدك على السكر وقالوا هذا من عظيم ما جاءوا به وابن ذي لعوة لا يعرف وهذا قول أبي بكر بن عياش لعبد الله بن إدريس حدثنا أبو إسحاق عن أصحابه ان ابن مسعود كان يشرب الشريد فقال له عبد الله بن إدريس أأبيحت لك يا شيخ من أصحابه وأبو إسحاق اذا سمى من حدث عنه ولم يقل سمعت لم يكن حجة وما هذا الشريد هو خل أم نبيذ ولكن حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. كل شراب أسكر حرام .. فأقحم أبو بكر بن عياش وكان عبد الله بن ادريس في الكوفيين متشددا في تحريم قليل ما أسكر كثيره فقال الأوزاعي : قلت لسفيان الثوري إن الله لا يسألني يوم القيامة لم لم تشرب النبيذ ويسألني لم شربته .. وقال لا أفتي به أبدا .. وقال أبو يوسف في أنفسنا من الفتيا فيه أمثال الجبال ولكن عادة البلد ثم اجتمعوا جميعا على تحريم المعاقرة وتحريم النقيع .. قال أبو حنيفة هو بمنزلة الخمر فأما الأحاديث التي احتجوا بها فما علمت أنها تخلو من أحد جهتين إما أن تكون واهية الأسانيد وإما أن تكون لا حجة لهم فيها إلا التمويه فرأينا أن نذكرها ونذكر ما فيها ليكون الباب كامل المنفعة .. من ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا روح قال حدثنا عمرو قال حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال شهدت عمر رضي‌الله‌عنه حين طعن فجاءه الطبيب فقال أي الشراب أحب اليك قال النبيذ قال فأتي بنبيذ فشربه فخرج من إحدى طعناته وكان يقول إنما نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع لحوم الابل قال وشرب من نبيذه فكان كأشد النبيذ [ قال أبو جعفر ] هذا الحديث لا تقوم به حجة لأن أبا إسحاق لم يقل حدثنا عمرو بن ميمون وهو مدلس لا يقوم بحديثه حجة حتى يقول حدثنا وما أشبهه ولو صححنا الحديث على قولهم لما كانت لهم فيه حجة لأن النبيذ غير محظور إذا لم يكن يسكر كثيره ومعنى النبيذ في اللغة منبوذ وإنما هو ما ينبذ فيه تمر أو زبيب أو نظيرهما مما يطيب الماء ويحليه لأن مياه المدينة كانت غليظة فما في هذا الحديث من الحجة .. واحتجوا بما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص بن عياش قال حدثني أبي عن الاعمش قال حدثني حبيب بن أبي ثابت عن نافع عن ابن علقمة

٤٧

قال أمر عمر رضي‌الله‌عنه بنزل له في بعض تلك المنازل فأبطأ عليهم ليلة فجيء بطعام فطعم ثم أتي بنبيذ قد أخلف واشتد فشرب منه ثم قال إن هذا الشريد ثم أمر بماء فصب عليه ثم شرب هو وأصحابه [ قال أبو جعفر ] هذا الحديث فيه غير علة منها إن حبيب بن أبي ثابت على محله لا تقوم بحديثه حجة لمذهبه وكان مذهبه أنه قال لو حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك لكنت صادقا .. ومن هذا انه روى عن عروة عن عائشة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل بعض نسائه ثم صلّى ولم يتوضأ فعتب بعض الناس لأنه رد بهذا على الشافعي لأنه أوجب الوضوء في القبلة فقيل له لا يثبت بهذا حجة لانفراد حبيب به [ قال أبو جعفر ] وفيه من العلل ان نافع بن علقمة ليس بمشهور بالرواية ولو صح الحديث عن عمر لما كانت فيه حجة لأن اشتداده قد تكون من حموضته وقد اعترض بعضهم فقال من أين لكم أن مزجه بالماء لحموضته أفتقولون هذا ظن فالظن لا يغني من الحق شيئا .. قال وليس يخلو من أن يكون نبيذ عمر يسكر كثيره أو يكون خلا وهذه المعارضة على من عارض بها لا له لأنه الذي قال بالظن لأنه قد ثبت بالرواية عمن قد صحت عدالته أن ذلك من حموضته .. قال نافع كان لتخلله وهم .. قد رووا حديثا متصلا فيه أنه كان مزجه إياه لأنه كاد يكون خلا [ قال أبو جعفر ] حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهبان بن عثمان قال حدثنا الوليد بن شجاع قال حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قال حدثنا اسماعيل بن خالد عن قيس قال حدثني عتبة بن فرقد قال .. أتي عمر رضي‌الله‌عنه بعس (١) فيه نبيذ قد كاد يكون خلا فقال لي اشرب فأخذته وما أكاد أستطيعه فأخذه منه فشربه وذكر الحديث فزال الظن بالتوقيف ممن شاهد عمر رضي‌الله‌عنه وهو ممن ورائهم .. وأما قوله لا يخلو من أن يكون نبيذا يسكر كثيره أو يكون خلا أو بين ذينك لأن العرب تقول للنبيذ اذا دخلته حموضة نبيذ حامض فان زادت صار خلا فترك هذا القسم وهو لا يختلّ على من عرف اللغة .. ثم روى حديثا إن كانت فيه حجة فهي عليه حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثني أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا إبراهيم عن همام بن الحارث قال .. أتي عمر رضي‌الله‌عنه بنبيذ فشرب منه فقطب ثم قال ان نبيذ الطائف له عرام ثم ذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصب فيه ثم شرب [ قال أبو جعفر ] وهذا لعمري إسناد مستقيم ولا حجة له فيه بل الحجة عليه لأنه إنما يقال قطب لشدة حموضة الشيء ومعنى قطب في كلام العرب خالطت بياضه حمرة مشتق من قطبت الشيء أقطبه وأقطبه اذا خلطته. وفي الحديث له عرام

__________________

(١) العس بالضم واحد العساس ككتاب الاقداح مطلقا وقيل العظام منها أي الكبار.

٤٨

أي له خبث ورجل عارم أي خبيث .. قال حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثني أبي عن الأعمش قال حدثني أبو إسحاق عن سعيد بن ذي جدان (١) أو ابن ذي لعوة قال .. جاء رجل قد ظمئ الى خازن عمر رضي‌الله‌عنه فاستسقاه فلم يسقه فأتى بسطيحة لعمر فشرب منها فسكر فأتى به عمر فاعتذر اليه فقال إنما شربت من سطيحتك فقال عمر إنما أضربك على السكر فضربه عمر [ قال أبو جعفر ] هذا الحديث من أقبح ما روي في هذا الباب وعليه بينة لمن لم يتبع الهوى .. فمنها أن ابن ذي لعوة لا يعرف ولا يروى عنه إلا هذا الحديث ولم يرو عنه الا أبو إسحاق ولم يذكر أبو إسحاق فيه سماعا وهو مخالف لما نقله أهل العدالة عن عمر [ قال أبو جعفر ] حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد .. أن عمر خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب قد زعم أنه شرب الطلا وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته الحدّ ثمانين فهذا اسناد لا مطعن فيه .. والسائب بن يزيد رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهل يعارض مثل هذا بابن ذي لعوة وعمر رضي‌الله‌عنه يخبر بحضرة الصحابة أنه يجلد في الرائحة من غير سكر لأنه لو كان سكران ما احتاج الى أن يسأل عما شرب فرووا عن عمر رضي‌الله‌عنه ما لا يحل لأحد أن يحكيه عنه من غير جهة لوهاء الحديث فإنه زعم أنه شرب من سطيحته وأنه يحد على السكر وذلك ظلم لأن السكر ليس من فعل الإنسان وانما هو شيء يحدث عن الشرب وانما الضرب على الشرب كما أن الحدّ في الزنا إنما هو على الفعل لا على اللذة .. ومن هذا قيل لهم تحريم السكر محال لأن الله عز وجل إنما يأمر وينهى بما في الطاقة وقد يشرب الإنسان يريد السكر فلا يسكر ويريد أن لا يسكر فيسكر .. وقيل لهم كيف يحصل ما يسكر وطباع الناس مختلفة .. ثم تعلقوا بشيء روي عن ابن عباس حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعيم عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال .. حرمت الخمرة بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب [ قال أبو جعفر ] وهذا الحديث قد رواه شعبة على إتقانه وحفظه على غير هذا كما قرأ عليّ

__________________

(١) قوله سعيد بن ذي جدان هكذا في الأصل بالجيم والذي في الخلاصة سعيد بن ذي حدّان بضم المهملة الاولى وتشديد الثانية الكوفي روى عن علي .. وفي التهذيب وقيل عمن سمع من علي وعنه أبو اسحاق فقط .. وقوله أو ابن ذي لعوة قال الذهبي سعيد بن ذي لعوة الذي روى عن الشعبي ضعفه يحيى وأبو حاتم وجماعة وفيه جهالة وقال ابن حبان دجال يزعم أنه رأى عمر بن الخطاب يشرب المسكر رواه وكيع عن سفيان عن أبي اسحاق عنه ..ثم قال ووهم من قال فيه أنه سعيد بن ذي حدّان.

٤٩

عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال .. حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب .. وقد بينا أن السكر ليس من فعل الإنسان وإذا قد جاء حديث معارض لما قد بينت صحته وقد اختلف رواته فلا معنى للاحتجاج به .. وقد روى يحيى القطان عن عثمان السحام بصري مشهور عن عكرمة عن ابن عباس قال .. نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ .. قال فهذا خلاف ذلك لأن الفضيخ بسر يفضخ جعله خمرا وأخبرنا التنزيل فيه وفي تحريمه. حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن يونس السوسي قال حدثنا أسباط بن محمد القرشي الشيباني عن عبد الملك بن نافع قال سألت ابن عمر فقلت .. إن أهلنا ينبذون نبيذا في سقاء لو نهكته لا أجد فيّ فقال ابن عمر انما البغي على من أراد البغي شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند هذا الركن وأتاه رجل بقدح من نبيذ فأدناه الى فيه فقطب وردّه .. فقال رجل يا رسول الله أحرام هو فرد الشراب ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال اذا اغتلمت عليكم هذه الأسقية فاقطعوا متنها بالماء قال أحمد بن شعيب عبد الملك بن نافع لا يحتج بحديثه وليس بالمشهور .. وقد روى أهل العدالة سالم ونافع ومحمد بن سيرين عن ابن عمر خلاف ما روى وليس يقوم مقام واحد منهم ولو عاضده جماعة من أشكاله [ قال أبو جعفر ] ثم رجعنا الى متن الحديث فقلنا لو صح ما كانت فيه حجة لمن احتج بل الحجة عليه به بينة وذلك أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اذا اغتلمت عليكم وبعضهم يقول اذا رابكم من شرابكم ريب فاكسروا متنه بالماء والريب في الأصل الشك ثم تستعمل بمعنى المخافة والظن مجازا فاحتجوا بهذا وقالوا معناه اذا خفتم أن يسكر كثيره فاكسروه بالماء [ قال أبو جعفر ] وهذا من قبيح الغلط لأنه لو كان كثيره يسكر لكان قد زال المخوف وصار نفيا ولكن الحجة لمن خالفهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أن لا يقرّ الشراب اذا خيف فيه أن ينتقل الى الحرام حتى يكسر بالماء الذي يزيل الخوف ومع هذا فحجة قاطعة عند من عرف معاني كلام العرب وذلك أن الشراب الذي بمكة لم يزل في الجاهلية والإسلام لا يطبخ بنار وإنما هو ما يجعل فيه زبيب أو تمر ليطيب لأن مياههم فيها ملوحة وغلظ ولم يتخذ للذة .. وقد أجمع العلماء منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أيهما نقع ولم يطبخ بالنار وكان كثيره يسكر فهو خمرة والخمر إذا صب فيها الماء أو صب على الماء فلا اختلاف بين المسلمين أنه قد نجس الماء إذا كان قليلا فقد صار حكم هذا حكم الخمر إذا أسكر كثيره فقليله حرام باجماع المسلمين فزالت الحجة بهذا الحديث لو صح [ قال أبو جعفر ] حدثنا أحمد قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعيد

٥٠

الأصبهاني قال حدثنا يحيى بن اليمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن ابن مسعود قال .. عطش النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة فاستسقى فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية فشمه فقطب فصب عليه من ماء زمزم ثم شرب فقال رجل أحرام هو قال لا [ قال أبو جعفر ] قد ذكرنا النبيذ الذي في السقاية بما فيه الكفاية على أن هذا الحديث لا يحل لأحد من أهل العلم أن يحتج به فإن كان من الجهل فينبغي أن يتعرف بما يحتج به من الحلال والحرام قبل أن يقطع به .. قال أحمد بن شعيب هذا الحديث لا يحتج به لأن يحيى بن اليمان انفرد به عن الثوري دون أصحابه ويحيى بن اليمان ليس بحجة لسوء حفظه وكثرة خطئه .. وقال غيره أبو عبد الرحمن أصل هذا الحديث أنه من رواية الكلبي فغلط يحيى بن اليمان فنقل من حديث الى حديث آخر .. وقد سكت العلماء عن كل ما رواه الكلبي فلم يحتجوا بشيء منه قال وحدثنا أحمد قال حدثنا عليّ بن معبد قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا شريك عن أبي اسحاق عن أبي بردة عن أبيه .. قال بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا ومعاذ الى اليمن فقلنا يا رسول الله ان بها شرابين يصنعان من التمر والشعير أحدهما يقال له المزر والآخر يقال له البتع فما نشرب؟ قال فاشربا ولا تسكرا [ قال أبو جعفر ] أتى هذا الحديث من شريك في حروف فيه يبين لك ذلك ما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن أحمد بن عبد الله بن عليّ بن مسروق قال حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن أبي هريرة عن أبي موسى قال .. بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا ومعاذ الى اليمن فقال له معاذ يا رسول الله تبعثنا الى بلد كثير شراب أهله فما نشرب؟ قال اشرب ولا تشرب مسكرا .. واحتجوا بحديثين عن ابن مسعود أحدهما من رواية الحجاج بن أرطاة وقد ذكرنا ما في حديثه من العلة والحديث الآخر حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبيه عن لبيد بن شماس قال حدثنا عبد الله .. أن القوم ليجلسون على الشراب وهو حل لهم فما يزالون حتى يحرم عليهم [ قال أبو جعفر ] وهذا الحديث لا يحتج به لأن فيه لبيد بن شماس وشريك يقول شماس بن لبيد لا يعرف ولم يرو عنه أحد الا سعيد بن مسروق ولا يروى عنه إلا هذا الحديث والمجهول لا تقوم به حجة فلم تقم لهم حجة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا عن أحد من أصحابه .. والحق في هذا ما قاله ابن المبارك قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد قال حدثنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول .. ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحبته الا عن إبراهيم .. قال أبو اسامة وما رأيت أحدا أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك في الشأم ومصر والحجاز واليمن [ قال أبو جعفر ] وأما الميسر فهو القمار

٥١

كما حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (١) .. قال كان أحدهم يقامر بماله وأهله فاذا قمر أخذ ماله وأهله [ قال أبو جعفر ] حكى أهل العلم بكلام العرب أن الميسر كان القمار في الجزر خاصة .. قال أبو إسحاق فلما حرم حرّم جميع القمار كما انه لما حرمت الخمر حرم كل ما أسكر كثيره .. وذكر الشعبي أن القمار كان حلالا ثم حرم ويدل على ما قال حديث ابن عباس .. قال لما أنزل الله عز وجل ( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) (١) وكانت قريش تحب أن تغلب فارس لأنهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن تغلب الروم فخاطرهم أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه إلى أجل [ قال أبو جعفر ] وقيل لا يقال كان هذا حلالا ولكن يقال مباحا ثم نسخ بتحريمه وتحريم الخمر .. وفي هذه الآية قوله تعالى ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] وهذا آخر الآية في عدد المدني والجواب في أول الآية التسع عشرة.

باب

ذكر الآية التسع عشرة

قال الله عز وجل ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) (٢) فيه ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال انها منسوخة بالزكاة المفروضة .. ومنهم من قال هي الزكاة .. ومنهم من قال هي شيء أمر به غير الزكاة لم تنسخ حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس .. في قوله ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) (٢) قبل أن تفرض الصدقة [ قال أبو جعفر ] وقال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن فهذا قول من قال انها منسوخة .. وحدثنا عليّ بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا ورقاء قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد .. في قوله ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قال الصدقة المفروضة [ قال أبو جعفر ] والزكاة هي لعمري شيء يسير من كثير إلا أن هذا القول لا يعرف الا عن مجاهد والقول الذي قبله انها منسوخة بعيد لأنهم إنما سألوا عن شيء فأجيبوا عنه بأنهم سبيلهم أن ينفقوا ما سهل عليهم .. والقول الثالث عليه أكثر أهل التفسير كما حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا

__________________

(١) سورة : الروم ، الآية : ٢

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٩

٥٢

أبو معاوية. قال حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس .. في قوله تعالى ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) (١) قال ما فضل عن العيال .. فهذا القول بين وهو مشتق من عفا يعفو اذا كثر وفضل المعنى ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو قل ينفقون ما سهل عليهم وفضل عن حاجتهم وأكثر التابعين على هذا التفسير .. قال طاوس العفو اليسير من كل شيء .. وقال الحسن قل العفو أي لا تجهد مالك حتى تبقى تسأل الناس .. قال خالد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما عن قول الله تعالى ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) (١) فقال هو فضل المال ما كان عن ظهر غنى [ قال أبو جعفر ] وهذا من أحسن العبارة في معنى الآية وهو موافق لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن سماعة بالكوفة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عمرو يعني بن عثمان بن عبد الله بن موهب قال سمعت موسى بن طلحة يذكر عن حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. « خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول » [ قال أبو جعفر ] فصار القول ويسألونك ما ذا ينفقون قل ما سهل عليكم ونظيره ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) (٢) أي خذ ما سهل من أخلاق الناس وذلك لا ينغص عليهم فهذا العفو من أخلاق الناس وذلك العفو مما ينفقون كما قال عبد الله بن الزبير وقد تلا خذ العفو قال من أخلاق الناس وأيم الله لأستعملن ذلك فيهم وقال أخوه عروة وتلا خذ العفو ما ظهر من أعمالهم وأقوالهم [ قال أبو جعفر ] ومن هذه الآية في عدد المدني الأول ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) (٣) فزعم قوم أنها ناسخة لقول الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) (٤) الآية روي هذا عن ابن عباس [ قال أبو جعفر ] وهذا مما لا يجوز فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر ووعيد ونهي عن الظلم والتعدي فمحال نسخه فان صح ذلك عن ابن عباس فتأويله من اللغة أن هذه الآية على نسخة تلك الآية فهذا جواب اوضح ما عليه أهل التأويل .. قال سعيد بن جبير لما نزلت ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) (٣) اشتد على الناس وامتنعوا من مخالطة اليتامى حتى نزلت ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) (٤) الآية .. والمعنى على هذا القول انه لما وقع بقلوبهم أنه لا ينبغي أن تخالطوا اليتامى في شيء لئلا تحرجوا بذلك فنسخ الله ما وقع بقلوبهم منه أي أزاله بأن أباح لهم

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٩

(٢) سورة : الاعراف ، الآية : ١٩٩

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٠

(٤) سورة : النساء ، الآية : ١٠

٥٣

مخالطة اليتامى .. وبيّن مجاهد ما هذه المخالطة فقال في الراعي والأدام ومعنى هذا أن يكون لليتيم تمرا وما أشبهه ولوليه مثله فيخلطه معه ويأكلان جميعا فتوقفوا عن هذا مخافة أن يأكل الولي أكثر مما يأكل اليتيم فأباح الله ذلك على جهة الإصلاح ولم يقصد الإفساد ودل على هذا ( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (١) قال مجاهد ( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) (١) أي حرم عليكم مخالطتهم [ قال أبو جعفر ] فهذا الظاهر في اللغة أن تكون المخالطة في الطعام لا في الشركة لأن مشاركة اليتيم إن وقع فيها استبدال شيء فهي خيانة وإن كانت الشركة قد يقال لها مخالطة فليس باسمها المعروف فبينت بهذا انه لا ناسخ في هذا ولا منسوخ إلا على ما ذكرناه .. وقد قال بعض الفقهاء ما أعرف أنه في الوعيد أشد ولا آكد على المسلمين من قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) (٢) والذين في اللغة عام فأوجب الله تعالى النار على العموم لكل من فعل هذا .. والآية التي هي تتمة العشرين قد أدخلها العلماء في الناسخ والمنسوخ وإن كان فيها اختلاف بين الصحابة.

باب

ذكر الآية التي هي تتمة العشرين

قال الله عز وجل ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) (٣) فيه ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال هي منسوخة .. ومنهم من قال هي ناسخة .. ومنهم من قال هي محكمة لا ناسخة ولا منسوخة .. فمن قال أنها منسوخة ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح الجهني عن معاوية بن صالح الجهني عن معاوية بن صالح الحضرمي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) (٣). قال ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال جل ثناؤه والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حل لكم اذا آتيتموهن أجورهن يعني مهور هن محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان يقول عفيفات غير زواني [ قال أبو جعفر ] وهكذا في الحديث حل لكم وليس هو في التلاوة وهكذا قال محصنات غير مسافحات .. وفي التلاوة محصنين غير مسافحين فهذه قراءة على التفسير

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٠

(٢) سورة : النساء ، الآية : ١٠

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢١

٥٤

وهكذا كل قراءة خالفت المصحف المجتمع عليه .. وممن قال إن الآية منسوخة أيضا مالك بن أنس وسفيان بن سعيد وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي .. فأما من قال أنها ناسخة فقوله شاذ حدثنا جعفر بن مجاشع قال سمعت إبراهيم بن اسحاق الحربي يقول .. فيه وجه ذهب اليه قوم جعلوا التي في البقرة هي الناسخة والتي في المائدة هي المنسوخة يعني فحرموا كل نكاح مشركة كتابية أو غير كتابية [ قال أبو جعفر ] ومن الحجة لقائل هذا مما صح سنده مما حدثناه محمد بن ريان قال حدثنا محمد بن رمح قال أنبأنا الليث عن نافع أن عبد الله بن عمر .. كان اذا سئل عن نكاح المسلّم النصرانية أو اليهودية قال حرم الله المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله .. والقول الثالث قال به جماعة من العلماء كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) (١) قال المشركات من غير نساء أهل الكتاب .. وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان قال حدثنا حماد قال سألت سعيد بن جبير عن قول الله عز وجل ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) (١) قال هم أهل الأوثان [ قال أبو جعفر ] وهذا أحد قولي الشافعي أن تكون الآية عامة يراد بها الخاصة فتكون المشركات هاهنا أهل الأوثان والمجوس .. فأما من قال انها ناسخة للتي في المائدة وزعم أنه لا يجوز نكاح نساء أهل الكتاب فقول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة لأنه قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة منهم عثمان وطلحة وابن عباس وجابر وحذيفة ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك وفقهاء الأمصار عليه وأيضا فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخة الآية التي في سورة المائدة لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل وإنما الآخر ينسخ الأول .. وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه لأن ابن عمر كان رجلا متوقفا فلما سمع الآيتين بواحدة التحليل وفي الأخرى التحريم ولم يبلغه النسخ توقف ولم يوجد عنه ذكر النسخ وإنما تؤل عليه وليس يوجد الناسخ والمنسوخ بالتأويل .. وأبين ما في هذه الآية أن تكون منسوخة على قول من قال ذلك من العلماء وهو أحد قولي الشافعي وذلك أن الآية اذا كانت عامة لم تحمل على الخصوص الا بدليل قاطع فإن قال قائل فقد قال قوم من العلماء أنه لا يقال لأهل الكتاب مشركون وإنما المشرك من عبد وثنا مع الله تعالى الله عن ذلك فأشرك به [ قال أبو

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢١

٥٥

جعفر ] وممن يروى عنه هذا القول أبو حنيفة وزعم أن قول الله عز وجل ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (١) يراد به أهل الأوثان وإن لليهود والنصارى أن يقربوا المسجد الحرام [ قال أبو جعفر ] وهذا قول خارج عن قول الجماعة من أهل العلم واللغة .. وأكبر من هذا ان في كتاب الله نصا تسميته لليهود والنصارى بالمشركين .. قال الله عز وجل ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٢) هذا نص القرآن .. فمن أشكل عليه إن قيل له اليهود والنصارى لم يشركوا أجيب عن هذا بجوابين .. أحدهما أن يكون هذا اسما اسلاميا ولهذا نظائر قد بينها من يحسن الفقه واللغة .. ومن ذلك مؤمن أصله من آمن اذا صدق ثم صار لا يقال مؤمن الا لمن آمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم اتبع ذلك العمل .. ومن الأسماء الإسلامية المنافق ومنها على قول بعض العلماء سمي ما أسكر كثيره خمرا على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. والجواب الآخر وهو عن أبي إسحاق إبراهيم بن السري .. قال من كفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو مشرك وهذا من اللغة لأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جاء من البراهين بما لا يجوز أن يأتي به بشر الا من عند الله عز وجل فاذا كفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد زعم إن ما لا يأتي به الا الله قد جاء به غير الله فجعل لله جل ثناؤه شريكا [ قال أبو جعفر ] وهذا من لطيف العلم وحسنه .. فأما نكاح إماء أهل الكتاب فحرام عند العلماء إلا أبا حنيفة وأصحابه فإنهم اختاروه واحتج لهم من احتج بشيء قاسه .. قال لما أجمعوا على أن قوله عز وجل ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) يدخل فيه الاحرار والإماء وجب في القياس أن يكون قوله ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٣) داخل فيه الحرائر والإماء لتكون الناسخة من المنسوخة [ قال أبو جعفر ] فهذا الاحتجاج خطأ من غير جهة .. فمن ذلك أنه لم يجمع على أن الآية التي في البقرة منسوخة ومن ذلك أن القياسات والتمثيلات لا يؤخذ بها في الناسخ والمنسوخ وإنما يؤخذ الناسخ والمنسوخ باليقين والتوقيف .. وأيضا فقد قال الله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) (٤) فكيف يقبل ممن قال فتياتكم الكافرات .. وأما نكاح الحربيات فروي عن ابن عباس وإبراهيم النخعي أنهما منعا من ذلك وغيرهما من العلماء يجيز ذلك ونص الآية

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٢٨

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٣١

(٣) سورة : المائدة ، الآية : ٥

(٤) سورة : النساء ، الآية : ٢٥

٥٦

يوجب جوازه وهو قول مالك والشافعي الا أنهما كرها ذلك مخافة تنصر الولد والفتنة .. وأما نكاح الإماء المجوسيات والوثنيات فالعلماء على تحريمه الا ما رواه يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار أنهما سئلا عن نكاح الإماء المجوسيات فقالا لا بأس بذلك وتأوّلا قول الله عز وجل ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) (١) هذا عندهما عقد النكاح لا على الأمة المشتراة واحتجا بسبي أوطاس وأن الصحابة نكحوا الإماء منهن بملك اليمين [ قال أبو جعفر ] وهذا قول شاذ أما سبي أوطاس فقد يجوز أن يكون الإماء أسلمن فجاز نكاحهن وأما الاحتجاج بقوله ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) فغلط لأنهم حملوا النكاح على العقد والنكاح في اللغة يقع على العقد وعلى الوطء فلما قال الله عزّ وجلّ ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) حرم كل نكاح يقع على المشركات من نكاح ووطء .. ومن هذا (٢) فمن اللغة شيء بين حدثني من أثق به قال سمعت أحمد بن يحيى ثعلب يقول أصل النكاح في اللغة الوطء وإنما يقع على العقد مجازا .. قال والدليل على هذا أن العرب تقول أنكحت الارض البر اذا أدخلت البر في الارض [ قال أبو جعفر ] وهذا من حسن اللغة والاستخراج اللطيف ووجب من هذا أن يكون قوله عز وجل ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٣) حتى يطأها وبذلك جاءت السنة أيضا .. وأدخلت الآية التي تلي هذه في الناسخ والمنسوخ وهي الآية الإحدى والعشرون.

باب

ذكر الآية الاحدى والعشرين

قال الله عز وجل ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) (٤) الآية [ قال أبو جعفر ] أدخلت هذه الآية في الناسخ والمنسوخ لأنه معروف في شريعة بني اسرائيل أنهم لا يجتمعون مع الحائض في بيت ولا يأكلون معها ولا يشربون فنسخ الله ذلك من شريعتنا كما قرأ عليّ أحمد بن عمر بن عبد الخالق عن محمد بن أحمد بن الجنيد البغدادي عن عمرو بن عاصم الأحول عن ثابت عن أنس بن مالك قال .. كانت اليهود يعتزلون النساء في المحيض فأنزل الله عزوجل

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢١

(٢) هكذا في الأصل وليحرر.

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٠

(٤) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٢

٥٧

( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) الآية فأمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نواكلهن ونشاربهن ونصنع كل شيء إلا النكاح قالت اليهود وما يريد محمد أن يدع شيئا من أمرنا الا خالفنا فيه [ قال أبو جعفر ] فدل هذا الحديث على أنه لا يحرم من الحائض إلا النكاح في الفرج .. وهذا قول جماعة من العلماء أن الرجل له أن يباشر الحائض وينال منها ما دون الفرج من الوطء في الفرج وهذا قول عائشة وأم سلمة وابن عباس ومسروق والحسن وعطاء والشعبي وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومحمد بن الحسن وهو الصحيح من قول الشافعي [ قال أبو جعفر ] وهذا الحديث المسند دال عليه قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد عن عبيد الله بن عمرو قال حدثنا أيوب السختياني عن أبي معشر عن إبراهيم عن مسروق قال .. سألت عائشة رضي‌الله‌عنها ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قالت كل شيء إلا الفرج [ قال أبو جعفر ] فهذا إسناد متصل والحديث الآخر أنها قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يباشرني فوق الإزار ليس فيه دليل على حظر غير ذلك وقد يحتمل أن يكون المعنى فوق الإزار وهو مفروش فهذا قول .. قال أبو عبيدة اللحاف واجد والفراش مختلف وهذا قول شاذ يمنع منه ما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مباشرة نسائه وهن حيّض .. وقول ثالث أن تعتزل الحائض فيما بين السرة والركبة وهو قول جماعة من العلماء منهم ميمونة ويروى عن ابن عباس ومنهم سعيد بن المسيب ومالك بن أنس وأبو حنيفة .. والحجة لهم ما حدثناه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا الليث يعني ابن سعيد عن الزهري عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض اذا كان إزارها الى نصف فخذها أو الى ركبتها محتجزة [ قال أبو جعفر ] الليث يقول (١) ندبة وغيره يقول بدنة وليس في هذا الحديث دليل على حظر ما تقدمت إباحته .. وقد زعم قوم أن حديث أنس الذي بدأنا به منسوخ لأنه كان في أول ما نزلت الآية وأن الناسخ له حديث أبي إسحاق عن عمير مولى عمر عن عمر رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال له في الحائض .. لك ما فوق الإزار وليس لك ما تحته .. [ قال أبو جعفر ] وهذا

__________________

(١) قلت : عبارة التقريب ندبة بضم النون ويقال بفتحها وسكون الدال بعدها موحدة ويقال بموحدة أولها مع التصغير ويقال بدنة بموحدة مفتوحة ثم مهملة بعدها نون مفتوحة كذا ضبطه بالقلم في التهذيب قال الدار قطني هكذا يقول المحدثون ندبة بفتح الدال في الخلاصة ندبة بموحدة بعد مهملة ساكنة أو تحتانية مفتوحة مشددة انتهى.

٥٨

ادعاء في النسخ ولا يعجز أحدا ذلك والإسناد الأول أحسن استقامة من هذا وهذا القول قال به في موضع المحيض أي في الفرج فيكون المحيض اسما للموضع كما ان المجلس اسما للموضع الذي تجلس فيه وكذا ولا تقربوهن كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح .. قال حدثنا معاوية بن صالح عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (١) .. قال اعتزلوا نكاح فروجهن [ قال أبو جعفر ] ومن هذا قرئ حتى يطهرن فمعناه حتى يحل لهن أن يطهرن كما تقول حلت المرأة للأزواج أي حل لها ان تتزوج ومن قيد قرئ حتى تطهرن جعله بمعنى يغتسلن وقد قرأ الجماعة بالقراءتين فيهما بمنزلة اثنتين لا تحل له حتى تطهر ويطهر وأما قول من قال أنها تحل له إذا غسلت فرجها من الأذى بعد أن تخرج من الحيض فخارج عن الإجماع وعن ظاهر القرآن قال جل ثناؤه ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) (٢) فاطهروا وفي موضع آخر ( وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٣) فجاء القرآن يتطهروا ويغتسلوا بمعنى واحد وكذا حتى يطهرن أي يتطهرن الطهور الذي يصلين به .. وأما قول من قال اذا طهرت من الحيض صلت وإن لم تغتسل إذا دخل عليها وقت صلاة أخرى فخارج أيضا عن الاجماع وليس يعرف من قول أحد وإنما قيس على شيء من قول أبي حنيفة أنه قال اذا طلق الرجل امرأته طلاقا تملك مع الرجعة كان له أن يراجعها من غير اذنها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة إلا أن تطهر من الحيضة الثالثة فيدخل عليها وقت صلاة أخرى ولم تغتسل فقاسوا على هذا .. والدليل على ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو حنيفة قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) (٣) قال من الدم ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ ) قال اغتسلن قال أحمد بن محمد ولا أعلم بين العلماء في هذا اختلافا .. [ قال أبو جعفر ] فأمّا ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) ففي معناه اختلاف فعن ابن عباس ومجاهد قالا في الفرج .. وعن محمد بن علي بن الحنفية قال من قبل الحلال من قبل التزويج .. وعن ابي رزين قال من قبل الطهر لا من قبل الحيض [ قال أبو جعفر ] وهذا القول أشبه لسياق الكلام وأصح في اللغة لأنه لو كان المراد به الفرج كانت هاهنا أولى فإن قيل لم لا يكون معناه من قبل الفرج قيل لو كان كذا لم يجز أن يطأها من دبرها في فرجها والإجماع على غير ذلك ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) قال عطاء أي من الذنوب .. وهذا لا اختلاف فيه واختلفوا في معنى

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٢

(٢) سورة : المائدة : الآية : ٦

(٣) سورة : النساء ، الآية : ٤٣

٥٩

( وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) .. فمن ذلك من أهل التفسير من قال المتطهرين من أدبار النساء وقيل من الذنوب .. قال عطاء المتطهرين بالماء وهذا أولى بسياق الآية والله أعلم .. فأما الآية الثانية والعشرون فقد أدخلها بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ وهو قتادة وذكرناها ليكون الكتاب مشتملا على ما ذكره العلماء.

باب

ذكر الآية الثانية والعشرين

قال الله عز وجل ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٢) الآية [ قال أبو جعفر ] فممن يجعلها في الناسخ والمنسوخ الضحاك عن ابن عباس وقتادة إلا أن لفظ ابن عباس أن قال استثنى ولفظ قتادة نسخ .. قال قال الله جل ثناؤه ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) ثم نسخ من الثلاثة الحيض المطلقات اللواتي لم يدخل بهن في سورة الأحزاب فقال جل ثناؤه ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) (٣) ونسخ الحيض عن أولات الحمل فقال جل ثناؤه ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ ) (٤) [ قال أبو جعفر ] وقال غيرهم من العلماء ليس هذا بنسخ ولكنه تبيين بين الله به تعالى بين الاثنين أنه لم يرد بالأقراء الحوامل ولا اللواتي لم يدخل بهن .. ثم اختلف العلماء في الاقراء .. فقالوا فيها ثلاثة أقوال كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمود بن حسان قال حدثنا عبد الملك بن هشام قال حدثنا أبو زيد الأنصاري قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول .. العرب تسمي الطهر قرءوا وتسمي الحيض قرءوا وتسمي الطهر مع الحيض جميعا قرءوا .. وقال الاصمعي أصل القروء الوقت يقال قرأت النجوم اذا طلعت لوقتها [ قال أبو جعفر ] فلما صح في اللغة ان القرء الطهر والقرء الحيض وانه لهما وجب أن يطلب الدليل على المراد بقوله عز وجل ( ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٢) من غير اللغة الا أن بعض العلماء يقول هي الاطهار ويرده الى اللغة من جهة الاشتقاق وسنذكر قوله بعد ذكرنا في ذلك عن الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار .. فممن قال الأقراء الأطهار عائشة بلا اختلاف عنها كما قرأ عليّ إسحاق بن إبراهيم بن جابر عن

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٢

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٢٨

(٣) سورة : الأحزاب ، الآية : ٤٩

(٤) سورة : الطلاق ، الآية : ٤

٦٠