كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بن المدرع قال حدثني أبو حاتم قال حدثني أبو عبيد حدثني يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال .. وسورة الأعراف نزلت بمكة فهي مكية .. [ قال أبو جعفر ] فلم نجد فيها مما يدخل في الناسخ والمنسوخ الا آية واحدة مختلف فيها قال الله عز وجل ( خُذِ الْعَفْوَ ) (١) .. فيها خمسة أقوال .. من العلماء من قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة .. ومنهم من قال هي منسوخة بالأمر بالغلظة على الكفار .. ومنهم من قال خذ العفو أي الزكاة المفروضة .. ومنهم من قال هو أمر بالاحتمال وترك الغلظة والفظاظة غير منسوخة .. فممن روى انها منسوخة بالزكاة ابن عباس قال ( خُذِ الْعَفْوَ ) يقول خذ ما عفا وما أتوك به ثم قال وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرض الزكاة وتفصيلها وجعلها موضعها .. وقال الضحاك نزلت الزكاة فنسخت كل صدقة في القرآن وحدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا حسين بن الاسود عن عمرو عن أسباط عن السدي ( خُذِ الْعَفْوَ ) قال الفضل من المال نسخته الزكاة .. والقول الثاني أنها منسوخة بالغلظة قول زيد قال ( خُذِ الْعَفْوَ ) قال فأقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة عشر سنين لا يعرض عن أحد ولا يقاتله ثم أمره الله عز وجل أن يقعد لهم كل مرصد وأن لا يقبل لهم الا الاسلام وأنزل ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (٢) وقال ( قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) (٣) فنسخ هذا العفو .. والقول الثالث أن العفو الزكاة .. قال مجاهد وكان إبراهيم بن محمد بن عرفة يميل الى هذا القول قال لأن الزكاة يسير من كثير .. والقول الرابع أن العفو شيء من المال سوى الزكاة قول القاسم وسالم قالا هو فضل المال ما كان عن ظهر غنى .. والقول الخامس قول عبد الله وعروة ابني الزبير كما قرئ .. على أحمد بن شعيب عن هارون بن اسحاق قال حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن الزبير قال انما أنزل الله تعالى ( خُذِ الْعَفْوَ ) من اخلاق الناس .. وهذا أولى ما قيل في الآية لصحة اسناده وانه عن صحابي يخبر بنزول الآية واذا جاء الشيء هذا

__________________

(١) سورة : الأعراف ، الآية : ١٩٩

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٧٣

(٣) سورة : التوبة ، الآية : ١٢٣

١٤١

المجيء لم يسع أحدا مخالفته والمعنى عليه ( خُذِ الْعَفْوَ ) (١) أي السهل من أخلاق الناس ولا تغلظ عليهم ولا تعنف بهم وكذا كانت أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ما لقي أحدا بمكروه في وجهه ولا ضرب أحدا بيده وقيل لعائشة رضي‌الله‌عنها ما كان خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي مدحه الله تعالى به فقال ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) فقالت كان خلقه القرآن .. وزعم محمد بن جرير أن هذا أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكفّار أمره بالرفق بهم واستدل على أنه في المشركين بان ما قبله وما بعده فيهم قال لأن قبله احتجاجا عليهم قال ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون وبعده واخوانهم يمدونهم في الغي وخالفه غيره فقال أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاخلاق السهلة اللينة لجميع الناس بل هذا للمسلمين أولى .. وقد قال ابن الزبير وهو الذي فسر الآية والله لأستعملن الأخلاق السهلة ما بقيت كما أمر الله في الآية ( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) (١) قال عروة والسدي العرف المعروف .. [ قال أبو جعفر ] والذي قالاه معروف في اللغة يقال أولاني فلان معروفا وعرفا وعارفة .. وفي الحديث العرف أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك .. وهذا من كلام العرب ومن اختصار القرآن المعجز لأنه قد اجتمع في قوله ( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) هذه الخصال الثلاث ويدخل فيه الأمر بالمعروف والقبول عن الله ما أمر به وما ندب اليه وهذا كله من العرف وفيها ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) (١) زعم ابن زيد أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال .. وقال غيره ليست بمنسوخة وانما أمر باحتمال من ظلم وما بعده هذه الآية أيضا يدل على أن القول كما قال ابن الزبير وأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بالسهل من الأخلاق وترك الغلظة لأن بعدها ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ ) (٣) أي واما يغضبنك من الشيطان وسوسة تحمل على ترك الاحتمال ( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ) (٣) أي استجر به مما عرض لك انه سميع لاستجارتك وغيرها عليم بما يزيل عنك ما عرض لك وبعدها أيضا يدل على ما قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) (٤) أي اتقوا الله تعالى بأداء فرائضه وترك معاصيه ( إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ ) (٤) أي عارض وسواس منه ( تَذَكَّرُوا ) (٤) وعد الله ووعيده وعقابه ( فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (٤) الحق آخذون بما أمرهم الله تعالى به من التحامل عند الغضب والغلظة على ما قد نهوا عن الغلظة عليه.

__________________

(١) سورة : الأعراف ، الآية : ١٩٩.

(٢) سورة : القلم ، الآية : ٤.

(٣) سورة : الأعراف ، الآية : ٢٠٠.

(٤) سورة : الأعراف ، الآية : ١٩٩.

١٤٢

سورة الأنفال

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بن المدرع باسناده عن ابن عباس قال ونزلت سورة الانفال بالمدينة فهي مدنية قال الله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) (١) الآية .. للعلماء في هذه الآية أقوال وأكثرهم على انها منسوخة بقوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) (٢) فاحتج بعضهم بأنها لما كانت من أول ما نزل في المدينة من قبل أن يؤمر بتخميس الغنائم وكان الامر في الغنائم كلها الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجب أن تكون منسوخة بجعل الغنائم حيث جعلها الله قائلو هذا القول يقولون الانفال هاهنا الغنائم ويجعل بعضهم اشتقاقه من النافلة وهي الزيادة قال والغنائم أنفال لان الله تعالى أنفلها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خصهم بذلك .. وقال بعضهم ليست بمنسوخة وهي محكمة والآية أن يعملوا بها فينفلوا من شاءوا اذا كان في ذلك صلاح للمسلمين واحتجوا ان هذه هي الانفال على الحقيقة لا الغنائم لانها زيادات يزاد الرجل بها على غنيمته أو يزيدها الامام من رأى .. والقول الثالث ان الانفال ما ند من العدو من عبد أو دابة فللامام ان ينفل ذلك من شاء اذا كان به صلاحا .. والقول الرابع ان الانفال للسرايا خاصة .. والقول الخامس ان الانفال الخمس خاصة سألوا لمن هو فأجيبوا بهذا .. [ قال أبو جعفر ] فممن روي عنه .. القول الاول ابن عباس من رواية ابن أبي طلحة قال الانفال الغنائم التي كانت خالصة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس لأحد فيها شيء ثم أنزل الله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ) الآية وهو قول مجاهد كما حدثنا .. علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني سليم مولى ابي علي عن مجاهد قال .. نسخت نسختها ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ) وهو قول عكرمة كما قرئ .. على إبراهيم بن موسى الحوري عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع قال حدثنا اسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة قالا .. كانت الانفال لله ولرسوله ثم نسخ ذلك قوله ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ) وهذا قول الضحاك والشعبي والسدي وأكثر الفقهاء الا ان أكثرهم يقول لا يجوز للامام أن ينفل أحدا شيئا من الغنيمة الا من سهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لان الاسهم الاربعة قد صارت لمن شهد من

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ١

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٤١

١٤٣

الجيش الحرب وكذا قال الشافعي في السهم الخامس سهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكون للأئمة والمؤذنين أي لما فيه صلاح للمسلمين وكذا التنفيل منه .. فالقول على هذا ان الآية منسوخة اذا صارت الأنفال تقسم خمسة أقسام وكان بعضهم يقول انما ذكرت الاصناف التي يجب أن يقسم السهم فيها فان دفع الى بعضها جاز فهذا كله يوجب ان الآية منسوخة لانهم قد أجمعوا ان الاربعة الاسهم لمن شهد الحرب وانما الاختلاف في السهم الخامس ومما يحق أيضا نسخها حديث سعد بن أبي وقاص في سبب نزولها كما قرئ .. على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا سماك بن حرب قال حدثني مصعب بن سعد عن أبيه قال أنزل فيّ آيات وذكر الحديث .. فقال فيه وأصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غنيمة عظيمة فاذا فيها سيف فأخذته فأتيت به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت نفلنيه فانا من قد علمته قال رده من حيث أخذته فانطلقت حتى أردت أن القيه في القبض لامتني نفسي فرجعت الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. فقلت اعطينيه قال فشد صوته وقال رده من حيث أخذته فأنزل الله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) الآية .. وحكى أبو جعفر بن رشد عن عمرو بن جلد قال القبض الموضع الذي تجمع الغزاة فيه ما غنموا وقرئ .. على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني أبو صخر عن الفرضي قال وحدثني أبو معاوية البجلي عن سعيد بن جبير ان سعدا ورجلا من الانصار خرجا يتبقلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه جميعا .. فقال سعد هو لي وقال الانصاري هو لي قال لا أسلمه حتى أتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقصا عليه القصة .. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس هو لك يا سعد ولا للانصاري ولكنه لي فنزلت ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ ) (١) يقول سلما السيف الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ثم نسخت هذه الآية .. فقال تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ ) (٢) الى آخر الآية .. [ قال أبو جعفر ] هذه الزيادة حسنة وان كانت غير متصلة فانها عن سعد في سبب نزول الآية .. ثم ذكر نسخها وقد سمعت .. أحمد بن محمد بن سلامة يقول قال لي أحمد بن شعيب يقول نظرت في حديث يحيى بن سليمان عن ابن وهب فما رأيت شيئا أنكره الا حديثا واحدا ثم رفع يحيى في الحديث .. والقول الثاني انها غير منسوخة وان للامام ان يزيد من حضر الحرب على سهمه لبلاء أبلاه

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ١

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٤١

١٤٤

وأن له أن يرضخ لمن يقاتل اذا كان ذلك في صلاح للمسلمين يتأول قائل هذا ما صح عن ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن العباس عن الأنفال فقال الفرس من النفل ثم عاد يسأله فقال ابن عباس ذلك أيضا ثم عاد فقال أما الأنفال التي قال الله تعالى في كتابه فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه فقال ابن عباس أتدرون ما مثل هذا مثله مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر فغنموا إبلا كثيرا فصارت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا .. [ قال أبو جعفر ] ففي هذا التنفيل ولم ينفل فيه من الخمس واحتج قائل هذا أيضا باللغة وأن معنى التنفيل في اللغة الزيادة وكان محمد بن جرير يميل الى هذا القول .. والقول الثالث أن الأنفال ما ند من المشركين الى المسلمين بغير قتال قول عطاء والحسن كما قرئ ..على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن أبي سليمان قال حدثنا ابن (١) أو أمة أو متاع أو دابة فهو النفل كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصنع به ما شاء قال حدثنا يحيى بن سليمان وحدثنا حفص بن غياث عن عاصم بن سليمان عن الحسن قال فذلك الى الامام يصنع به ما شاء .. والقول الرابع أن الأنفال أنفال السرايا قول علي بن صالح يرجى .. والقول الخامس أن الانفال الخمس قول مجاهد رواه عنه ابن أبي نجيح .. وقال المهاجرون لم يخرج منها هذا الخمس فقال الله تعالى ( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) فهذه خمسة أقوال وان كان بعضها يدخل في بعض .. لأن قول من قال هو ما ند من المشركين الى المسلمين يدخل في قول من قال للامام أن ينفل .. وكذا قول من قال هي أنفال السرايا .. وقول مجاهد هي الخمس يرجع الى قول من قال التنفيل من الخمس .. واختلفوا أيضا في الآية الثانية من هذه السورة.

باب

ذكر الآية الثانية

قال الله تعالى ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (٢) للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال .. منهم

__________________

(١) هكذا في الأصل وفيه سقط بين.

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ١٦

١٤٥

من قال هي منسوخة .. ومنهم من قال هي مخصوصة لأهل بدر لأنها فيهم نزلت .. ومنهم من قال هي محكمة وحكمها باق الى يوم القيامة .. فممن قال هي منسوخة عطاء بن أبي رباح قال نسختها ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) (١) الى تمام الآيتين أي فنسخ التخفيف عنهم والاطلاق لهم أن يولوا ممن هو أكثر من هذا العدد .. والقول الثاني انها مخصوصة قول الحسن كما حدثنا .. محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال ليس الفرار من الكبائر انما كان في أهل بدر خاصة هذه الآية ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ ) وقرئ .. على أحمد بن شعيب عن أبي داود حدثنا أبو زيد الهروي قال حدثنا شعبة قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ) الآية في أهل بدر .. والقول الثالث أن حكمها باق الى يوم القيامة قول ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وذكر الكبائر قال الفرار من الزحف لأن الله قال ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) .. [ قال أبو جعفر ] وهذا أولى ما قيل فيه ولا يجوز أن تكون منسوخة لأنه خبر ووعيد ولا ينسخ الوعيد كما لا ينسخ الوعد فان قيل فحديث أبي سعيد الخدري متصل الاسناد .. وقد أخبر بنزول الآية في أهل بدر وحكمها باق الى يوم القيامة وأهل بدر كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم فكان لهم أن ينحازوا اليه فكذا كل امام والدليل على أن حكمها باق الى يوم القيامة ما حدثناه .. عليّ بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال كنت في غزوة مشايحا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلقينا العدوّ فحاص الناس حيصة ويقال جاض الناس جيضة وكنت فيمن جاض فرجعنا إلى أنفسنا فقلنا كيف يرانا المسلمون وقد بؤنا بالغضب قال ثم قرأ ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) فقلنا نأتي المدينة فنبيت بها ثم نخرج فلا يرانا أحد فلما أتينا المدينة قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرصدناه حين خرج الى صلاة الفجر فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون قلنا انا قد هممنا بكذا وكذا قال لا إنا فئة المسلمين ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ]

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ٦٥

(٢) هكذا في الأصل ولم يظهر لنا تطبيق معنى ما أراده على ما استشهد به فليحرر.

١٤٦

وفي هذا الحديث بيان معنى الآية لمن كان من أهل العلم وذلك ان ابن عمر لم يقبله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للحرب الا بعد يوم بدر فتبين بهذا ان حكم الآية باق وتبين ان لمن حارب العدوّ اذا خاف على نفسه أن ينحاز الى فئة يتقوى بها والعكارون الكرارون الراجعون يقال عكر وعكّر واعتكر إذا كر ورجع فلما رجع ابن عمر ومن معه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قابلين منه كانوا هم العكارين الراجعين الى ما كانوا عليه من بذل أنفسهم الى الجهاد والقبول من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يأمرهم به .. واختلفوا أيضا في الآية الثالثة اختلافا كثيرا لأنها مشكلة.

باب

ذكر الآية الثالثة

قال الله تعالى ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (١) .. للعلماء في هذه الآية خمسة أقوال .. قال الحسن نسخ ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) قوله ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] النسخ هاهنا محال لأنه خبر خبّر الله به ولا نعلم أحدا روي عنه هذا الا الحسن وسائر العلماء على انها محكمة .. وقالوا فيها أربعة أقوال فمن ذلك ما حدثناه .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) قال .. يقول سبحانه ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) وفيهم من قد سبق له من الدخول في الايمان وهو الاستغفار ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) يوم بدر بالسيف .. [ قال أبو جعفر ] شرح هذا ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ ) يعني الكفار جميعا وقد علم ان فيهم من يسلّم فيكون وهم يراد به البعض مثل قول العرب قتلنا بني فلان وانما قتلوا بعضهم ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) اذا أسلّم منهم من قد سبق في علمه أنه يسلّم فهذا القول يجوز الا أن فيه هذا التعسف .. وقال مجاهد ( وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) أي يسلمون وهذا كالأوّل .. وروى أبو رميل عن ابن عباس ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ ) في الدنيا ( وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) كانوا يقولون غفرانك غفرانك ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) في الآخرة .. [ قال أبو جعفر ] وهذا القول ظاهره حسن الا أن فيه انهم انما استعجلوا بعذاب الدنيا لا بعذاب الآخرة أيضا فقد علم انهم يعذبون في

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ٣٣

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٣٤

١٤٧

الآخرة ان ماتوا على الكفر فهذان قولان لمن قال إنها محكمة .. والقول الثالث قول الضحاك كما قرئ .. على إبراهيم بن موسى الحوري عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع قال حدثنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قول الله تعالى ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (١) قال المؤمن من أهل مكة .. [ قال أبو جعفر ] جعل الضميرين مختلفين وهو قول حسن وإن كان محمد بن جرير قد أنكره لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر فيكنى عنهم وهذا غلط لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة فإن قيل لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع فالجواب أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع وذلك ان من قال من الكفار اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء انما قال هذا مستهزئا ومتعنتا ولو قصد الحق لقال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله يبعث رسولا بوحي من السماء أي اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهلك الجماعة من الكفار والمسلمين فهذا معنى ذكر المسلمين فيكون المعنى كيف يهلك الله المسلمين فهذا المعنى ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) يعني المؤمنين ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) يعني الكافرين وقول ابن أبزى كقول الضحاك ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) يعني الفئة المسلمة التي كانت بمكة فلما خرجوا قال الله عز وجل ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) يعني الكفار .. والقول الخامس قول قتادة والسدي وابن زيد قالوا ( وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) أي لو استغفروا .. [ قال أبو جعفر ] وهذا أبين ما قيل في الآية لا تعسف فيه كما يقول ما لي لا أسيء اليك وأنت تحسن الرأي لو أحسنت اليّ ما أسأت اليك فيكون المعنى ( وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ ) وهذا حالهم أي لو استغفروا من الكفر وتابوا ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) أي وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم مصرون على الكفر والمعاصي فقد استحقوا العذاب .. واختلفوا في الآية الرابعة.

باب

ذكر الآية الرابعة

قال الله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) (٢) حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ٣٣

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٦١

١٤٨

قال أنبأنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ) قال الصلح ( فَاجْنَحْ لَها ) قال نسختها ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) وروي عن ابن عباس ان الناسخ لها ( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] القول في أنها منسوخة لا يمتنع لأنه أمر بالاجابة الى الصلح والهدية بغير شرط فلما قال عز وجل ( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) (٢) حظر الصفح والهدية مع قوة اليد والاستعلاء على المشركين والبين في باب النظر أن تكون منسوخة وأن تكون الثانية مثبتة الأولى .. ومن العلماء من يقول في الآية الخامسة أنها منسوخة.

باب

ذكر الآية الخامسة

قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (٣) في رواية ابن أبي نجيح وعثمان عن عطاء عن ابن عباس قال نسختها ( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ) (٤) الآية .. وقرئ .. على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا جرير بن حازم عن الزبير بن حريث عن ابن عباس قال .. كان فرض على المسلمين أن يقاتل الرجل منهم العشرة من المشركين قال ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ ) (٣) فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى التخفيف فجعل على الرجل أن يقاتل اثنين فخفف عنهم ونقصوا من الصبر بقدر ذلك .. [ قال أبو جعفر ] وهذا شرح بيّن حسن أن يكون هذا تخفيفا لا نسخا لأن معنى النسخ رفع حكم المنسوخ ولم يرفع حكم الأول لأنه لم يقل فيه لم يقاتل الرجل عشرة بل ان قدر على ذلك فهو الاختيار له ونظير هذا افطار الصائم في السفر لا يقال انه نسخ للصوم وانما هو تخفيف رخصة والصيام له أفضل .. قال ابن شبرمة وكذا النهي عن المنكر لا يحل له أن يفرّ من اثنين اذا كانا على منكر وله أن يفرّ من أكثر منهما .. ومن العلماء من أدخل الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ.

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٥

(٢) سورة : محمد ، الآية : ٣٥

(٣) سورة : الأنفال ، الآية : ٦٥

(٤) سورة : الأنفال ، الآية : ٦٦

١٤٩

باب

ذكر الآية السادسة

قال الله تعالى ( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) (١) حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) كان ذلك والمسلمون قليل يومئذ فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله بعد هذا في الأسرى ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) (٢) فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا عذبوهم واستعبدوهم وان شاءوا فادوهم .. [ قال أبو جعفر ] وهذا كله من الناسخ والمنسوخ بمعزل لأنه قد قال الله تعالى ( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) فأخبر بهذا فلما أثخن في الأرض كان له أسرى .. واختلفوا في الحكم فيهم وسنذكر ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى .. وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ.

باب

ذكر الآية السابعة

قال الله تعالى ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (٣) حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) فكان هذا ناسخا لما تقدم من حكم الله تعالى في حظر الغنائم لأنها لم تحل لأحد قبل أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانما كانت تنزل نار من السماء فتأكلها .. والدليل على هذا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم تحل الغنائم لأحد قبلنا .. وفي الحديث انهم لما أسرعوا الى أكلها أنزل الله تعالى ( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٤) قيل المعنى لو لا أن الله سبق منه أن لا يعذب أحدا الا بعد التقديم اليه لعاقبكم .. قيل وقيل لو لا أنه سبق من الله أنه لا يعذب أحدا على صغيرة اذا اجتنب الكبائر لعاقبكم .. وفيه غير هذا وقد ذكرته .. وأكثر العلماء يقول في الآية الثامنة انها منسوخة.

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ٦٧

(٢) سورة : محمد ، الآية : ٤

(٣) سورة : الأنفال ، الآية : ٦٩

(٤) سورة : الأنفال ، الآية : ٦٨

١٥٠

باب

ذكر الآية الثامنة

قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) (١) حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) قال .. كان المسلمون يتوارثون بالهجرة كان الرجل اذا أسلّم ولم يهاجر لم يرث أخاه ونسخ ذلك قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (٢) وقرئ .. على علي بن سعيد بن بشير عن محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) فتوارثوا بالنسب .. [ قال أبو جعفر ] فتكلم العلماء على ان هذه الآية ناسخة للتي قبلها وان التوارث كان بالهجرة والمواخاة فنسخ ذلك قال عكرمة فأقام الناس برهة من الدهر لا يرث الأعرابي المهاجر ولا المهاجر الأعرابي حتى أنزل الله ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) الآية .. وقال قتادة أي بالوصية.

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ٧٢

(٢) سورة : الأحزاب ، الآية : ٦

١٥١

سورة براءة

قال أبو بكر الأدفوي قرأت على أبي جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحوي لا أعلم اختلافا أنها من آخر ما نزل بالمدينة ولذلك قال لا منسوخ فيها ويدلك على ذلك ما حدثناه .. أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف الاعرابي عن يزيد الفارسي قال حدثنا ابن عباس قال قلنا لعثمان بن عفان رضي‌الله‌عنهما ما حملكم على أن عمدتم الى الانفال وهي من المثاني والى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما فلا تكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ما حملكم على هذا؟ .. قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد فاذا نزلت الآية .. قال اجعلوها في سورة كذا وكذا فكانت الانفال أول ما نزل بالمدينة وكانت ( بَراءَةٌ ) (١) من آخر ما نزل وكانت قصتها تشبه قصتها ولم يبين لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك شيئا فلذلك قرنت بينهما ولم اكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وقرئ .. على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو اسامة قال حدثنا عوف وذكر باسناده نحوه غير انه زاد فيه قال عثمان فظننت انها منها قال وكانتا تدعيان في زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرينتين فلذلك جعلتهما في السبع الطوال .. [ قال أبو جعفر ] ففي هذا ظن عثمان ان الانفال من براءة وتحقيق ابن عباس انها ليست منها وفيه البيان ان تأليف القرآن عن الله تعالى وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا مدخل لأحد فيه ولو لم يكن في تلك إلا الأحاديث المتواترة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر البقرة وآل عمران وسائر السور وانه كان يقرأ في صلاة كذا بكذا وانه قرأ في ركعة بالبقرة وآل عمران وانه قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتيان يوم القيامة كانهما غمامتان أو قال غيايتان وصح ان أربعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا يحفظون القرآن في وقته ولا يجوز أن يحفظوا ما ليس مؤلفا كما حدثنا .. أبو علي محمد بن جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ بن جبل قال قتادة قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي قال وهؤلاء الاربعة من الأنصار كانوا يقرءون وأبو زيد سعد بن عبيد من بني عمرو بن عوف من الأنصار .. قال

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ١

١٥٢

الشعبي وأبو الدرداء حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومجمع بن حارثة بقيت عليه سورتان أو ثلاث قال ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء الا عثمان بن عفان وسالم مولى أبي حذيفة بقي عليه منه شيء فان قيل فقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأخذ القرآن عنه قيل ليس في هذا دليل على حفظه اياه كله ولكن فيه دليل على أمانته ومما يدل على أن القرآن كان مؤلفا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي بكر الهذلي عن أبي رافع .. قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطيت السبع مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الزبور وأعطيت المثاني مكان الانجيل وفضلت بالمفصل فهذا التأليف من لفظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا أصل من أصول المسلمين لا يسعهم جهله لأن تأليف القرآن من إعجازه ولو كان التأليف عن غير الله ورسوله لسوعد بعض الملحدين على طعنهم .. وقد أشكل على بعض أصحاب الحديث ما طعن به بعض أهل الاهواء بالحديث ان عثمان رضي‌الله‌عنه أمر زيد بن ثابت أن يجمع القرآن وضم اليه جماعة فتوهم ان هذا هو التأليف وهذا غلط عظيم وقد تكلم العلماء في معنى هذا بأجوبة .. فمنهم من قال انما أمر بجمعه وان كان مجموعا لأنهم كانوا يقرءونه على سبعة أحرف فوقع بينهم الشر والخلاف وأراد عثمان رضي‌الله‌عنه أن يختار من السبعة حرفا واحدا هو أفصحها ويزيل الستة وهذا من أصح ما قيل فيه لأنه مروي عن زيد بن ثابت انه قال هذا ويدلك على صحته أن زيد بن ثابت كان يحفظ القرآن فلا معنى لجمعه اياه الا على هذا وما أشبهه .. وقد قيل انما جمعه وان كان يحفظه لتقوم حجته عند أمير المؤمنين عثمان رضي‌الله‌عنه انه يستبد برأيه وقد عارض بعض الناس في هذا فقال لم يخص زيد بن ثابت بهذا وفي الصحابة من هو أكبر منه منهم عبد الله بن مسعود وأبو موسى الاشعري وغيرهما واحتج بما حدثنا .. إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا شعيب بن أيوب قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله ان أبا بكر الصديق وعمر رضي‌الله‌عنهما بشراه بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد فالجواب عن هذا ان زيد بن ثابت قدّم لأشياء لم تجتمع لغيره منها انه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنها انه كان يحفظ القرآن في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ومنها ان قراءته كانت على آخر عرضة عرضها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جبريل عليهما‌السلام وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قول عبد الله بن مسعود ما قال قد تأوله هذا المعارض على غير تأويله وليس التأويل على ما ذهب اليه ولو كان على ما ذهب اليه ما وسع أحدا أن يقرأ إلا بحرف عبد الله بن مسعود والتأويل عند أهل العلم منهم الحسين بن علي الجعفي أن عبد الله بن

١٥٣

مسعود كان يرتل القرآن فحض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ترتيل مثل ترتيله لا غير ويدلك على ذلك الحديث انه سئل عن ( طسم ) فقال لا أحفظها سل حبانا عنها فان قيل فقد حضر عبد الله بن مسعود العرضة الآخرة قيل قد ذكرنا ما لزيد بن ثابت سوى هذا على ان حرف عبد الله الصحيح انه موافق لمصحفنا يدلك على ان أبا بكر بن عياش قال قرأت على عاصم وقرأ عاصم على زر وقرأ زر على عبد الله. وقرئ .. على أحمد بن شعيب بن علي عن محمد بن يسار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن أبي اسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول آخر آية نزلت آية الكلالة وآخر سورة نزلت ( بَراءَةٌ ) .. [ قال أبو جعفر ] وقد ذكرنا أنه لا يكاد يوجد فيها منسوخ لهذا فأما الناسخ فيها فكثير .. وقد اختلف في الآية الأولى منها.

باب

ذكر الآية الأولى منها

قال الله عز وجل ( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١) .. للعلماء في هذه الآية سبعة أقوال منها ما حدثناه .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال أنبأنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. كان لقوم عهود فأمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يؤجلهم أربعة أشهر يسيحون فيها ولا عهد لهم بعدها وأبطل ما بعدها وكان قوم لا عهود لهم فأجلهم خمسين يوما عشرين من ذي الحجة والمحرم كله فذلك قوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٢) هذا قول .. والقول الثاني رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أجل من له عهد أربعة أشره ولم يقل فيه أكثر من هذه الرواية فيمن لا عهد لهم كالأولى .. والقول الثالث أنهم صنفان صنف عاهده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقل من أربعة أشهر وصنف عاهده الى غير أجل فرد الجميع الى أربعة أشهر .. والقول الرابع انهم صنفان (٣). أيضا صنف عوهد الى أقل من أربعة أشهر وصنف عاهده الى غير أجل وصنف عوهد الى أكثر من أربعة أشهر فأمر بالوفاء له .. قال تعالى ( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) (٤) .. والقول الخامس انه رد الجميع الى أربعة أشهر من عوهد الى أقل منها أو أكثر .. [ قال أبو جعفر ] وهذا قول مجاهد والسدي قالا وأول هذه

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ١

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٥

(٣) هكذا بالاصل على انهم ثلاثة أصناف كما عدهم فليحفظ.

(٤) سورة : التوبة ، الآية : ٤

١٥٤

الاشهر التي هي أشهر السياحة يوم الحج الاكبر الى عشر يخلون من شهر ربيع الآخر وسميت الحرم لأن القتال كان فيها محرما .. [ قال أبو جعفر ] وحدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أنبأنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (١) .. قال شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم .. [ قال أبو جعفر ] ولا أعلم أحدا قال هذا الا الزهري .. والدليل على غير قوله صحة الرواية أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه انما قرأ عليهم هذا ونبذ العهد اليهم بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذي الحجة يوم الحج الأكبر فيجب أن يكون هذا أول الشهور .. ومن احتج للزهري انما حمل هذا على نزول براءة .. [ قال أبو جعفر ] وهذا غلط كيف ينبذ العهد اليهم وهم لا يعلمون وأيضا فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجه أبا بكر الصديق يحج بالناس سنة تسع ثم اتبعه علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه بهذه الآيات ليقرأها في الموسم ودل هذا على انه قد نسخ بها ما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقر المشركين على حج البيت وطوافهم به عراة وسنذكر الحديث بهذا .. والقول السابع أن الذين نبذ اليهم العهد وأجلوا أربعة أشهر هم الذين نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر بنبذ العهد اليهم وتأجيلهم أربعة أشهر فأما من لم ينقض العهد فكان مقيما على عهده .. قال الله عز وجل ( فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) (٢) ومن لم يكن له عهد أجل خمسين يوما كما قال ابن عباس وهذا أحسن ما قيل في الآية وهو معنى قول قتادة .. والدليل على صحته ما حدثناه .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أبي اسحاق الهمداني عن زيد بن تبيع عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال .. أمرني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربع أن لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة وأن يتمّ لكل ذي عهد عهده .. [ قال أبو جعفر ] فان قيل فقد روي في الرابعة وأن ينبذ الى كل ذي عهد عهده .. فالجواب انه يجوز أن يكون هذا لمن نقض العهد على ان الرواية الأولى أولى وأكثر وأشبه والله أعلم .. [ قال أبو جعفر ] وقد حدثنا .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. لم يعاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد هذه الآية أحدا .. قال السدي لم يعاهد عليه الصلاة والسلام بعد هذا الا من كان له عهد قبل .. [ قال أبو جعفر ] هذا وان كان قد روي فالصحيح غيره قد عاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة منهم أهل نجران .. قال

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٢

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٧

١٥٥

الواقدي عاهدهم وكتب لهم سنة عشر قبل وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيسير .. وقد اعترض قوم من أهل الأهواء فقالوا قد أجلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أهل نجران الى الشام بعد ان أمنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكتب لهم كتابا أن لا يحسروا وأرادوا بهذا الطعن على عمر رضي‌الله‌عنه وهذا جهل ممن قاله أو عناد لأن عمر رضي‌الله‌عنه في رواية سالم بن أبي الجعد قال أمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل نجران وكتب لهم أن لا يحسروا ثم كتب لهم بذلك أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم كتب لهم بذلك عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فكثروا حتى بلغوا أربعين ألف مقاتل فكره عمر رضي‌الله‌عنه أن يميلوا على المسلمين فيفرقوا بينهم وقالوا لعمر نريد أن نتفرق ونخرج الى الشام فاغتنم ذلك منهم فقال نعم ثم ندموا فلم يقلهم فلما ولي علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أتوه فقالوا كتابك بيمينك وشفاعتك بلسانك .. فقال ان عمر كان رشيدا وفي غير رواية سالم قال لهم علي اني ما قعدت هذا المقعد لأحل عقدا عقده عمر ان عمر كان رجلا موفقا وقرئ .. على عمران بن موسى يعرف بابن الطبيب عن أبي يعقوب اسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن ميمون قال أنبأنا أبو داود الحفري قال حدثنا سفيان الثوري عن الاعمش عن أبي وائل قال قال .. عبد الله بن مسعود لو وضع علم عمر في كفة ووضع علم أحياء العرب في كفة لرجح علم عمر ولقد كنا نقول ذهب عمر بتسعة أعشار العلم .. وقرئ على عمران بن موسى عن اسحاق قال حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعد بن أبي حسين عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس .. قال كنت فيمن يزدحم على عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه حين وضع على سريره فجاء رجل من خلفي فوضع يده على منكبي وترحم عليه وقال ما من أحد ألقى الله بعلمه أحب اليّ من هذا ان كنت أظن ليجمعنه الله مع صاحبيه كنت أسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول كنت أنا وأبو بكر وعمر قلت أنا وأبو بكر وعمر وكنت أظن ليجمعنك الله معهما فالتفت فاذا هو علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فهذا قول علي فيه الأسانيد الصحاح فلا مطعن فلو طعن على شيء لم يغيره من ينتحل محبته وقد قرئ .. على أحمد بن شعيب عن عمرو بن منصور قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا نافع عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه والروايات بمثل هذا كثيرة ولم نقصد جمعها وانما قصدنا بعضها لأن فيه كفاية وبيانا عما أردناه .. وقد اختلف في الآية الثانية من هذه السورة.

١٥٦

باب

ذكر الآية الثانية

قال الله عز وجل ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) الآية .. للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال هي منسوخة وقال لا يحل قتل أسير صبرا وانما يمن عليه أو يفادى وقالوا الناسخ لها قوله تعالى ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) (٢) .. فممن قال هذا الحسن رواه عنه أشعب أنه كان يكره قتل الأسير صبرا وقال ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) .. وهذا قول الضحاك والسدي قال نسخ ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) قوله ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) وهو قول عطاء كما قرئ .. على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني ابن جريج عن عطاء في قوله ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) قال هذا في الأسارى اما المن واما الفداء وكان ينكر القتل صبرا .. [ قال أبو جعفر ] فهذا قول .. ومن العلماء من قال لا يجوز في الأسارى من المشركين الا القتل ولا يجوز أن يؤخذ منهم فداء ولا يمن عليهم وجعلوا قوله ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ناسخا لقوله ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) فاما السيف والقتل واما الاسلام .. والقول الثالث أن الآيتين جميعا محكمتان .. هو قول ابن زيد وهو قول صحيح لأن احداهما لا تنفي الأخرى قال ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ ) أي خذوهم أسرى للقتل أو المنّ أو الفداء فيكون الامام ينظر في أمور الأسارى على ما فيه من الصلاح من القتل أو المن أو الفداء .. وقد فعل هذا كله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حروبه فقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث أسيرين يوم بدر ومنّ على قوم وفادى بقوم .. [ قال أبو جعفر ] وحدثنا .. أحمد بن شعيب قال أنبأنا قتيبة قال أنبأنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. دخل مكة وعليه المغفر فقيل له ان ابن خطل متعلق بأستار الكعبة قال اقتلوه .. [ قال أبو جعفر ] فهذا في عداد الأسارى وقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد بن سليمان قال حدثنا يوسف بن بهلول قال حدثنا عبد الله بن إدريس قال حدثني محمد بن إسحاق قال قال الزهري حدثني عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن العباس بن عبد المطلب حمل أبا

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٥

(٢) سورة : محمد ، الآية : ٤

١٥٧

سفيان على عجز بغلته في الليلة التي كان في صبيحتها ما كان من دخول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة قال العباس فكنت اذا مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فاذا نظروا قالوا عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى اذا مررت بنار عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال من هذا وقام اليّ فرآه في عجز البغلة فقال أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله منك ومر يشتد الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فركضت البغلة فسبقت كما تسبق الدابة البطيء الرجل البطيء ثم اقتحمت فدخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم جاء عمر فدخل فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عهد ولا ميثاق فدعني فأضرب عنقه فقلت يا رسول الله اني قد أمنته .. [ قال أبو جعفر ] فهذا عمر بن الخطاب أراد قتل أبي سفيان وهو أسير فلم يقل له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يجوز قتل الأسير ولا أنكر عليه ما قاله من همه بقتله ففي هذا بيان أن الآية محكمة .. وقد أدخلت الآية الثالثة في الناسخ والمنسوخ.

باب

ذكر الآية الثالثة

قال الله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (١) .. فكانت الآية ناسخة لما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صالح عليه المشركين أن لا يمنع من البيت أحد وقد قال تعالى ( لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ) (٢) ومعنى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) امنعوهم من دخوله فانهم اذا دخلوه فقد قربوه والمسجد الحرام هو الحرم كله كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عطاء قال قوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) يريد الحرم .. [ قال أبو جعفر ]( بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) يعني سنة تسع .. قال ابن عباس قالوا اذا لم تحج الكفار خفنا الفقر إذ قل من نبايعه .. واختلف العلماء في حكم هذه الآية وفي دخول المشركين الحرم وسائر المساجد .. فقال عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس يمنع المشركون كلهم من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ومن دخول كل المساجد وهو قول قتادة قال لأنهم ( نَجَسٌ ) قال وقيل لهم ( نَجَسٌ ) لأنهم لا يستحمون من الجنابة وكذا لا يدخل المسجد جنب فهذا قول .. وقال الشافعي يمنع المشركون جميعا من دخول الحرم ولا يمنعون من دخول سائر المساجد .. وقال أبو حنيفة ويعقوب ومحمد وزفر لا

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٢٨

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٩١

١٥٨

يمنع اليهود ولا النصارى من دخول المسجد الحرام ولا من سائر المساجد لأن المشركين هم أهل الاوثان فجعلوا قول الله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١) مخصوصا به من لا كتاب له .. [ قال أبو جعفر ] وهذا القول في كتاب الله نصا ما يدل على خلافه قال الله تعالى ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (٢) الى قوله ( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) فهذا شيء قاطع فان أشكل على أحد أنهم لم يجعلوا لله شريكا فكيف يقال لهم مشركون .. قيل لهذا نظائر من أصول الدين يعرفها أهل اللغة ويحتاج الناس جميعا الى معرفتها وهي الأسماء الديانية وذلك أنه يقال آمن بكذا اذا صدق ثم قيل مؤمن لمن صدق محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو اسم دياني وكذا منافق اسم وقع بعد الاسلام وكذا لكل ما أسكر كثيره خمر اسم اسلامي كما صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل مسكر خمر وكذا كل من كفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مشرك .. وفي هذا قول آخر كان أبو اسحاق الزجاج يخرجه على أصول الاشتقاق المعروفة قال لما كان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جاء من البراهين بما لا يكون الا من عند الله تعالى وكان من كفر به قد ينسب ما لا يكون الا من عند الله الى غير الله كان مشركا .. وقد أدخلت الآية الرابعة في الناسخ والمنسوخ.

باب

ذكر الآية الرابعة

قال عز وجل ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) الآية .. من العلماء من يقول هذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين لأنه كان قتالهم ممنوعا منه فنسخ الله ذلك كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) فنسخ بهذا العفو عن المشركين .. وقيل هذا ناسخ لقوله ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (٣) .. وقيل بل هو تبيين لما قال الله تعالى ( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (٤) وأمر في أهل الكتاب بأخذ الجزية علم انه يراد بالمشركين غير أهل الكتاب .. وقيل لما قال جل ثناؤه ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وجب قتل كل مشرك الا من نص عليه من أهل الكتاب ومن قامت

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٢٨

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٢٩

(٣) سورة : التوبة ، الآية : ٥

(٤) سورة : التوبة ، الآية : ٣٦

١٥٩

بترك قتله الحجة من النساء والصبيان .. ومن قامت بأخذ الجزية منه الحجة وهم المجوس وقائل هذا يقول بقتل الرهبان اذا لم يؤدوا الجزية لقول الله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) ولم تقم الحجة بتركهم الا بعد اداء الجزية بالآية الاخرى .. ومن الفقهاء من يقول لا تقتل الرهبان وان لم يؤدوا الجزية ليس في نص القرآن ما يدل على ذلك يعرفه أهل اللسان الذي نزل القرآن بلغتهم قال الله تعالى ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) وقاتلوا في اللغة لا يكون الا من اثنين فخرج من هذا الرهبان والنساء والصبيان لأنهم ليست سبيلهم أن يقاتلوا ومعنى ( لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) لا يؤمنون بانه لا معبود الا الله قال سيبويه الاصل إله وقال الفراء الاصل الإله ثم القيت حركة الهمزة على اللام ثم أدغم فالتقدير قاتلوا الذين لا يؤمنون بالإله لانه لا تصلح الألوهة إلا له لانه ابتدع الاشياء ولا باليوم الآخر لأنهم لا يقرون بنعيم أهل الجنة ولا بالنار لمن أعدها الله له حتى يعطوا الجزية عن يد وهي فعلة من جزى فلان فلانا يجزيه أي قضاه أي لا يؤدون ما عليهم مما يحفظ رقابهم ويدينون به عن يد .. وقد تكلم العلماء في معناه فمما حفظ فيه عن صحابي ان معنى عن يد أي يؤديها وهو قائم والآخذ منه قاعد هذا عن المغيرة بن شعبة وهو قول عكرمة وقيل عن يد عن انعام عليهم وقيل عن يد أي يؤديها بيده ولا يوجه بها مع رسول .. [ قال أبو جعفر ] معنى عن يد من كلام العرب وهو دليل يقول ادّ أداءك عن يده وعن يد وحكى سيبويه بايعته يدا بيد وهم صاغرون قال عكرمة إعطاؤه اياها صغارا له وقال غيره وأحكام المسلمين جارية عليهم .. وقد أدخلت الآية الخامسة في ذكر الناسخ والمنسوخ.

باب

ذكر الآية الخامسة

قال عز وجل ( إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) (١) .. حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ( إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) .. قال نسختها ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ) (٢) الآية وكذا قال الحسن وعكرمة .. وقال غيرهما الآيتان محكمتان لأن قوله تعالى ( إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) معناه اذا احتيج اليكم واذا استنفرتم .. هذا مما لا ينسخ لأنه وعيد وخبر وقوله

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٣٩

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ١٢٢

١٦٠