كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مدنية وجدنا فيها موضعين.

باب

ذكر الموضع الأول

قال عز وجل ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) (١) في هذه الآية خمسة أقوال .. من العلماء من قال هي منسوخة وهي في أهل الأوثان ولا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم والناسخ لها عندهم ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٢) .. ومنهم من قال هي في الكفار جميعا وهي منسوخة .. ومنهم من قال هي ناسخة ولا يجوز أن يقتل الأسير ولكن يمنّ عليه أو يفادى به .. ومنهم من قال لا يجوز الأسر الا بعد الإثخان والقتل فاذا أسر العدو بعد ذلك فللإمام أن يحكم فيه بما رأى من قتل أو من مفاداة .. والقول الخامس أنها محكمة غير ناسخة ولا منسوخة والإمام مخير أيضا .. فممن قال القول الأول ابن جريج وجماعة من ذلك ما حدثنا .. الحسن بن عليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) (١) قال نسختها ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) .. [ قال أبو جعفر ] هذا معروف من قول ابن جريج أن الآية منسوخة وأنها في كفار العرب وهو قول السدي وكثير من الكوفيين .. والقول الثاني أنها في جميع الكفار وأنها منسوخة في قول جماعة من العلماء وأهل النظر وقالوا اذا أسر المشرك لم يجز أن يمنّ عليه ولا أن يفادى به فيرد الى المشركين ولا يجوز عندهم أن يفادى الا بالمرأة لأنها لا تقتل والناسخ لها ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) اذ كانت ( بَراءَةٌ ) آخر ما نزلت بالتوقيف فوجب أن يقتل كل مشرك الا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن تؤخذ منه الجزية قالوا والحجة لنا قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عقبة بن أبي معيط وأبا عزة الجمحي فإن هذين وغيرهما أهل أوثان

__________________

(١) سورة : محمد ، الآية : ٤

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٥

٢٢١

و ( بَراءَةٌ ) نزلت بعد هذا لأن عقبة قتل يوم بدر وأبا عزة قتل يوم أحد .. قالوا فليس في هذا حجة .. فقيل فإن ثبت في هذا حجة فهو القتل كما هو فأما الاحتجاج بما فعله أبو بكر الصديق وعمر وعلي رضوان الله عليهم من المنّ فليس فيه حجة لأن أبا بكر الصديق إنما منّ على الأشعث لأنه مرتد فحكمه أن يستتاب وانما منّ عمر رضي‌الله‌عنه على الهرمزان لأنه احتال عليه بأن قال له اشرب فلا بأس عليك فقال له قد أمنتني وعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه إنما منّ على قوم مسلمين يشهدون شهادة الحق ويصلون ويصومون .. قال أبو أمامة كنت معه بصفين فكان اذا جيء بأسير استحلفه أن لا يكثّر عليه ودفع اليه أربعة دراهم وخلاه وكان هذا مذهبه ولا يقتل الأسير من المسلمين ولا يغنم ماله ولا يتبعه اذا ولّى ولا يجهز على جريح فكانت هذه سنته في قتال من بغى من أهل القبلة حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) قال نسختها ( فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ) (١) وقال مجاهد نسختها ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) .. [ قال أبو جعفر ] ومن ذلك ما حدثنا .. الحسن بن عليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) قال فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى اذا أسر كما قال الله عز وجل .. وقال الأشعث كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ويتلو ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) .. والقول الرابع ورواية شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال لا يكون فداء ولا أسر الا بعد الإثخان والقتل بالسيف .. والقول الخامس قاله كثير من العلماء .. [ قال أبو جعفر ] كما حدثناه .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) .. قال فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخيار في الأسارى إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوا بهم وإن شاءوا منوا عليهم وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما وهو قول حسن لأن النسخ إنما يكون بشيء قاطع فأما اذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى في القول بالنسخ إذ كان يجوز أن يقع التعبد اذا لقينا الذين كفروا قبل الأسر قتلناهم فاذا كان الأسر جاز القتل والمفاداة والمنّ على ما فيه الصلاح للمسلمين وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد وبالله التوفيق.

__________________

(١) سورة : الأنفال ، الآية : ٥٧

٢٢٢

باب

ذكر الآية الثانية

قال جلّ وعزّ ( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) (١) .. من قال هذه ناسخة لقوله ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) (٢) .. احتج بأن في هذه المنع من الميل الى الصلح اذا لم يكن بالمسلمين حاجة عامة.

__________________

(١) سورة : محمد ، الآية : ٣٥

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٦١

٢٢٣

سورة الفتح والحجرات

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدينة .. وقد ذكرنا قول من قال ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (١) الآية ناسخة لقوله ( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (٢) وأن هذا لا يكون فيه نسخ ولم نذكر معنى ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ ) على استقصاء وهذا موضعه .. فمن الناس من يتوهم أنه يعني بهذا فتح مكة وهذا غلط والذي عليه الصحابة والتابعون وغيرهم حتى كأنه إجماع كما روى أبو اسحاق عن البراء ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) قال يعدون الفتح فتح مكة وإنما نعده فتح الحديبية كنا أربع عشر مائة .. وكذا روى الاعمش عن أبي سفيان قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما نعده فتح الحديبية وكذا قال أنس بن مالك وابن عباس وسهل بن حنيف والمسور بن مخرمة وقاله من التابعين الحسن ومجاهد والزهري وقتادة وفي تسمية فتح الحديبية فتحا أقوال للعلماء مثبتة لو لم يكن فيها الا ان الله عز وجل أنزل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (٣) بعد أن عرفه المغفرة له ثم لم ينزل بعد ذلك سخطا على من رضي عنه وأيضا فان الحديبية ورد عليها المسلمون وقد غاض ماؤها فتفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها فجاء الماء حتى عمهم ولم يكن بين المسلمين والكفار إلا ترام حتى كان الفتح وقد كان بعض العلماء يتأول أنه انما قيل ليوم الحديبية الفتح لأنه كان سببا لفتح مكة وجعله مجازا كما يقال قد دخلنا المدينة اذا قاربنا دخولها وأبين ما في هذا ما .. [ قال أبو جعفر ] حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثنا الأجلح عن محمد بن اسحاق عن ابن شهاب بإسناده قال لم يكن في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحروب وقد حجزت بين الناس فلا يتكلم أحد وانما كان القتال فلما كانت الحديبية والصلح وضعت الحرب وأمن الناس فتلاقوا فلا يكلم أحد بعقد الإسلام إلا دخل فيه فلقد دخل في تلك السنين مثل من كان قبل ذلك وأكثر وهذا قول حسن بيّن وقال تعالى( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ

__________________

(١) سورة : الفتح ، الآية : ١ ـ ٢

(٢) سورة : الأحقاف ، الآية : ٩

(٣) سورة : الفتح ، الآية : ١٨

٢٢٤

أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا ) (١) كان هذا في يوم الحديبية أيضا جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لأصحابه هذا فرق ما بينكم وبين الناس وفي الحديث لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم ملء الأرض ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه فهذا مدّ أحدهم يعني الذي يكتال به ونصيفه يعني نصفه قاله الترمذي فهذا الذي أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا.

__________________

(١) سورة : الحديد ، الآية : ١٠

٢٢٥

سورة ق والذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة .. [ قال أبو جعفر ] وجدنا فيهن خمسة مواضع في سورة ق موضع .. قال عز وجل ( فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) (١) .. يجوز أن يكون ( فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ) منسوخا بقوله ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) الآية ويجوز أن يكون محكما أي اصبر على أذاهم فإن الله لهم بالمرصاد .. وهذا أنزل في اليهود جاء التوقيف بذلك لأنهم تكلموا بكلام لحق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه أذى كما قرئ .. على إسحاق بن إبراهيم بن يونس بن هناد بن السري قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد وهو سعيد بن المرزبان عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد قرأته على أبي بكر أن اليهود جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال خلق الله الارض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء بما فيها من منافع وخلق الشجر والماء والمدائن والخرابات والعمارات يوم الأربعاء قال عز وجل ( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) (٣) الى ( سَواءً لِلسَّائِلِينَ ) (٤) قال لمن سأل وخلق السماء يوم الخميس وخلق النجوم والشمس والقمر والملائكة يوم الجمعة الى ثلاث ساعات بقين منه وخلق في أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال حين يموت من مات وفي الثانية القى الآفة على كل شيء ينتفع به الناس وفي الثالثة خلق آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة .. قالت اليهود ثم ما ذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو تممت ثم استراح فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضبا شديدا ونزلت ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ) (٥) .. [ قال أبو جعفر ] ثم قال ( فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ ) (١) فتأول هذا بعض العلماء على انه اذا أحزن انسانا أمر

__________________

(١) سورة : ق ، الآية : ٣٩

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٢٩

(٣) سورة : فصلت ، الآية : ٩

(٤) سورة : فصلت ، الآية : ١٠

(٥) سورة : ق ، الآية : ٣٨

٢٢٦

فينبغي أن يفزع إلى الصلاة قال حذيفة كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلاة وعن ابن عباس أنه عرّف وهو راحل بموت قثم أخيه فأمر بحط الراحلة ثم صلّى ركعتين وتلا ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ ) (١) .. ثم قال ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) .. قال أبو صالح الصبح والعصر وقيل الصبح والظهر والعصر ويكون من الليل المغرب والعشاء .. فأما ( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) فبين العلماء فيه اختلاف .. فأكثرهم يقول الركعتان بعد المغرب .. ومنهم من يقول بعد كل صلاة مكتوبة ركعتان .. والظاهر يدل على هذا إلاّ أن الأولى اتباع الأكثر ولا سيما وهو صحيح عن علي بن أبي طالب .. وقد أمر بما قد أجمع المسلمون عليه نافلة فيجوز أن يكون ندبا لا حتما ويجوز أن يكون منسوخا بما صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا يجب على أحد الا خمس صلوات ونقل ذلك الجماعة وكان التأذين فيها والإقامة في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء الراشدين المهديين لا أحد منهم يوجب غيرها وفي سورة الذاريات موضعان .. فالموضع الأول قوله تعالى ( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (٢) .. من العلماء من قال هي محكمة كما قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي ليس في المال حق سوى الزكاة .. ومن قال هي منسوخة قال هي وان كانت خبرا ففي الكلام معنى الأمر أي اعطوا السائل والمحروم ويجعل هذا منسوخا بالزكاة المفروضة .. [ قال أبو جعفر ] كما قرئ .. على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا مروان بن معاوية قال حدثنا سلمة بن نبيط قال سمعت الضحاك بن مزاحم يقول .. نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن .. [ قال أبو جعفر ] وللعلماء في المحروم ثمانية أقوال فقرئ .. على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال حدثنا زكريا بن أبي زيد عن أبي اسحاق السبيعي عن قيس قال .. سألت ابن عباس عن قول الله تعالى ( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) فقال السائل الذي يسأل والمحروم الذي لا يبقى له مال .. وفي رواية شعبة والثوري عن أبي اسحاق عن قيس عن ابن عباس قال المحروم المحارف .. وقال محمد بن الحنفية المحروم الذي لم يشهد الحرب أي فيكون له سهم في الغنيمة .. وقال زيد بن أسلّم المحروم الذي لحقته جائحة فأتلفت زرعه .. وقال الزهري المحروم الذي لا يسأل الناس .. وقال عكرمة المحروم الذي لا ينمّي له شيء عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل من

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٤٥

(٢) سورة : الذاريات ، الآية : ١٩

٢٢٧

المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد ما يعينه ولا يفطن له فيعطى ولا يسأل الناس. والقول الثامن يروى عن عمر بن عبد العزيز قال المحروم الكلب وانما وقع الاختلاف في هذا لأنه صفة أقيم مقام الموصوف والمحروم هو الذي قد حرم الرزق واحتاج .. فهذه الأقوال كلها داخلة في هذا غير أنه ليس فيها أجلّ مما روي عن ابن عباس ولا أجمع من أنه المحارف. والموضع الآخر قوله ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ) (١) في رواية الضحاك أن التولي عنهم منسوخ بأنه قد أمر بالإقبال عليهم بالموعظة قال عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) (٢) فأمر أن يبلغ كما أنزل الله كما قالت عائشة رضي‌الله‌عنها من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم الفرية قال مجاهد ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ) فأعرض عنهم ( فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ) أي ليس يلومك ربك عز وجل على تقصير كان منك. وفي الطور ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) (٣) للعلماء فيه أقوال .. فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى الجعفي قال حدثني ابن وهب قال حدثني أسامة بن زيد سمع محمد بن كعب القرظي يقول في هذه الآية ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) الآية قال .. حين تقوم الى الصلاة أي تكبر وتقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك .. وهذا قول إن الآية في افتتاح الصلاة وردّ هذا بعض العلماء .. وقد أجمع المسلمون أنه من لم يستفتح الصلاة بهذا فصلاته جائزة فلو كان هذا أمر من الله سبحانه لكان موجبا فإن قيل هو ندب قيل لو صح أنه واجب بما تقوم به الحجة لجاز أن يكون ندبا أو منسوخا .. قال أبو الجوزاء ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) ومن النوم واختار هذا القول محمد بن جرير قال يكون هذا فرضا ويكون هذا النوم القائلة ويعني به صلاة الظهر لأن صلاة الصبح مذكورة في الآية .. والقول الثالث قول أبي الأحوص أن يكون كلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك .. وهذا القول أولاها من جهات آكدها انه قد صح عن عبد الله بن مسعود واذا تكلم صحابي في آية ولم يعلم أحد من الصحابة خالفه لم يسع مخالفته لأنهم أعلم بالتنزيل والتأويل كما قرئ .. على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن

__________________

(١) سورة : الذاريات ، الآية : ٥٤

(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٦٧

(٣) سورة : الطور ، الآية : ٤٨

٢٢٨

أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) (١) .. قال تقوم من المجلس تقول سبحان الله وبحمده .. [ قال أبو جعفر ] فيكون هذا ندبا لجميع الناس .. وقد صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك وكان يقول كلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك وفي بعض الحديث يغفر له كلما كان في ذلك المجلس .. وقد يجوز أن هذا لما كان مخاطبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان فرضا عليه وحده وندبا على قوم وحجة ثالثة أن الكلام عام ولا يخص به القيام من النوم الا بحجة ثم قال ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) (٢) فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال يعني به المغرب والعشاء .. وقال ابن زيد يعني به المغرب حدثنا أبو جعفر .. قال حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد عن ابن علية قال حدثنا ابن جريج عن مجاهد قال قال ابن عباس ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) والتسبيح في ادبار الصلوات ثم قال تعالى ( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) فيه قولان قال الضحاك وابن زيد ( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) صلاة الصبح واختار محمد بن جرير هذا القول لأن صلاة الصبح فرض قالوا فالأولى أن تحمل الآية عليها وهذا القول أولى لأنه جاء عن صحابي لا نعلم له مخالفا كما قرئ .. على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا محمد بن فضل قال حدثنا العلاء بن المسيب عن أبي اسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى ( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) .. قال ركعتان بعد الفجر فان قيل فالركعتان غير واجبتين والأمر من الله تعالى على الحتم الا أن يكون حجة تدل على أنه على غير الحتم .. فالجواب عن هذه أنه يجوز أن تكون حتما ثم نسخ بأنه لا فرض الا الصلوات الخمس ويجوز أن يكون ندبا ويدل على ذلك ما أجمع عليه العلماء أن ركعتي الفجر ليستا فرضا ولكنهما مندوب اليهما لا ينبغي تركهما .. وفي النجم قوله ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) (٣) .. [ قال أبو جعفر ] للناس في هذا أقوال .. فمنهم من قال انها منسوخة .. ومنهم من قال هي محكمة فلا ينفع أحدا أن يتصدق عنه أحد ولا أن يجعل له ثواب شيء عمله قال ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) .. كما قال الله وقال قوم قد جاءت أحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأسانيد صحاح وهي مضمومة الى الآية .. وقال قوم الأحاديث لها تأويل وليس للإنسان على الحقيقة الا ما سعى .. فممن تؤل عليه ان الآية منسوخة ابن عباس .. [ قال أبو جعفر ] كما

__________________

(١) سورة : النصر ، الآية : ١١

(٢) سورة : الطور ، الآية : ٤٩

(٣) سورة : النجم ، الآية : ٣٩

٢٢٩

حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال .. وقوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ ) الآية فأنزل الله تعالى بعد ذلك ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (١) فأدخل الله تعالى الآباء الجنة بصلاح الأبناء قال محمد بن جرير يذهب إلى أن الآية منسوخة .. [ قال أبو جعفر ] كذا عندي في الحديث وكان يجب أن يكون فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء الا انه يجوز أن يكون المعنى على ان الآباء يلحقون بالأبناء كما يلحق الأبناء بالآباء وحدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق وقال أنبأنا الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .. قال ان الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجة الجنة وان كانوا دونه في العمل ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ ) (١) أي نقصانهم حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن داود قال حدثنا أحمد بن سكيت الكوفي قال حدثنا محمد بن بشر العبدي قال حدثنا سفيان الثوري عن سماعة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. قال ان الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وان كان لم يبلغها بعمله لتقرّبهم عينه ثم قرأ ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ ) الآية فصار الحديث مرفوعا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه إخبار عن الله تعالى بما يفعله وبمعنى انه أنزلها جل ثناؤه .. وأما قول من قال لا ينفع أحدا أن يتصدق عنه أحد ولم يتأول الأحاديث فقول مرغوب عنه الا بما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم نسمع أحدا رده قال عز وجل ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) .. وقد صحت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث سنذكر منها شيئا حدثنا .. بكر بن سهل الدمياطي قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس قال كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل بن عباس ينظر اليها وتنظر اليه فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الآخر فقالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع وفي حديث ابن عيينة عن عمرو عن الزهري عن سليمان عن ابن عباس بزيادة وهي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لها أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه قالت نعم فقال فدين الله أولى .. وقال قوم

__________________

(١) سورة : الطور ، الآية : ٢١

(٢) سورة : الحشر ، الآية : ٧

٢٣٠

لا يحج أحد عن أحد واحتج له بعض الصحابة .. فقال في الحج صلاة لا بد منها .. وقد أجمع العلماء على أن لا يصلي أحد عن أحد قيل لهم الحج مخالف للصلاة مع بيان السنة .. [ قال أبو جعفر ] وسنذكر قول من تأول الحديث .. وقد روى شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رجلا قال يا رسول الله ان أمي توفيت وعليها صيام قال فصم عنها .. وقد قال من يقتدى بقوله من العلماء لا يصوم أحد عن أحد .. فقال من احتج لهم بهذا الحديث وإن كان مستقيم الإسناد وسعيد بن جبير وإن كان له المحل الجليل .. فقد وقع في أحاديثه غلط .. وقد خالفه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعبد الله من الإتقان على ما لا خفاء به كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي عن عبد الله بن عباس ان سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها نذر قال فاقض عنها .. وروى الزهري عن أبي عبد الله الاغر عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يلحق المسلّم أو ينفع المسلّم ثلاثة ولد صالح يدعو له وعلم ينشره وصدقة جارية ونذكر قول من تأول هذه الاحاديث .. فإن فيها أقوال .. من العلماء من قال بالأحاديث كلها ولم يجز فيها الترك منهم أحمد بن محمد بن حنبل وكان هذا مذهبه فقال يحج الإنسان عن الإنسان ويتصدّق عنه كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ومن مات وعليه صيام شهر من رمضان أطعم عنه لكل يوم ومن مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه كما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ومن العلماء من قال ببعض الأحاديث فقال يحج الإنسان عن الإنسان ولا يصوم عنه ولا يصلي وهذا مذهب الشافعي .. ومنهم من قال لا يجوز في عمل الأبدان أن يعملها أحد عن أحد وهذا قول مالك بن أنس .. ومنهم من قال الأحاديث صحيحة ولكن هي محمولة على الآية وإنما يحج الإنسان عن الإنسان إذا أمره وأوصى بذلك أو كان له فيه سعي حتى يكون موافقا لقوله عز وجل ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) .. ومنهم من قال لا يعمل أحد عن أحد شيئا فإن عمل فهو لنفسه كما قال عز وجل ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) وقال في الأحاديث سبيل الأنبياء عليهم‌السلام أن لا يمنعوا أحدا من فعل الخير .. [ قال أبو جعفر ] وقول أحمد في هذا بيّن حسن وهو أصل مذهب الشافعي فإن قال قائل فكيف يرد هذا الى الآية ففي ذلك جوابان أحدهما ان ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصح عنه فهو مضموم الى القرآن كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن المنكدر وأبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أو غيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول

٢٣١

لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه .. [ قال أبو جعفر ] وهذا جواب جماعة من الفقهاء أن يضم الحديث الى القرآن كما قال جل ثناؤه ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) (١) ثم حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فكان مضموما الى الآية وكان أحمد من أكثر الناس اتباعا لهذا حتى قال من احتجم وهو صائم فقد أفطر هو وجماعته كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. وفي الأحاديث تأويل آخر فيه لطف ودقة وهو أن الله إنما قال ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) ولام الخفض معناها في العربية الملك والايجاب فليس ( لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله يتفضل عليه بما لم يجب له كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل فعلى هذا يصح تأويل الأحاديث .. وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها أن رجلا قال يا رسول الله ان أمي افتلتت نفسها فماتت ولم توص أفأتصدق عنها؟ قال نعم .. [ قال أبو جعفر ] في هذا الحديث ما ذكرنا من التأويلات وفيه من الغريب قوله افتلتت ماتت فجأة ومنه قول عمر رضي‌الله‌عنه كانت بيعة أبي بكر فلتة فوقى الله شرها أي فجاءة .. وفي ذلك المعنى ان عمر تواعد من فعل ذلك وذلك ان أبا بكر صار له من الفضائل الباهرة التي لا تدفع ما يستوجب به الخلافة وأن يبايع فجأة وليس هذا لغيره وكان له استخلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اياه على الصلاة فجاء ممدود مهموز قال عروة بن حزام :

وما هو الا أن أرادها فجاءة

فأبهت حتى ما أكاد أجيب

قال محمد بن جرير استخلافه إياه على الصلاة بمعنى استخلافه على إمامة المسلمين والنظر في أمورهم لأنه استخلفه على الصلاة التي لا يقيمها الا الأئمة من الجمع والأعياد وروجع في ذلك فقال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر .. وقال غير محمد بن جرير روى شعبة والثوري عن الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال استقيموا ولا تخطوا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الصلاة الا مؤمن فلما استخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر على خير أعمالنا ما كان دونه تابعا له.

__________________

(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٥

٢٣٢

سورة الحديد والمجادلة

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدينة .. [ قال أبو جعفر ] وجدنا في سورة المجادلة له موضعين فأحدهما قوله عز وجل ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) (١) الآية .. فمن العلماء من قال هي ناسخة لما كانوا عليه لأن الظهار كان عندهم طلاقا فنسخ ذلك وجعلت فيه الكفارة .. قال أبو قلابة كان الظهار طلاق الجاهلية فكان الرجل اذا ظاهر من امرأته لم يرجع فيها أبدا قرأ .. عليّ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق عن يوسف بن موسى حدثنا عبد الله بن موسى قال حدثنا أبو حمزة اليماني وهو ثابت بن أبي صفية عن عكرمة عن ابن عباس قال .. كان الرجل في الجاهلية اذا قال لامرأته انت عليّ كظهر أمي حرمت عليه وذكر الحديث .. وقال فيه فأنزل الله تعالى ( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ) (٢) الآية. والموضع الآخر قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) (٣) أكثر العلماء على ان هذه الآية منسوخة كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا موسى بن قيس عن سلمة بن كهيل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) قال أول من عمل بها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم نسخت وقرئ .. على علي بن سعيد بن بشير عن محمد بن عبد الله الموصلي قال حدثنا القاسم بن يزيد الحرمي قال حدثنا سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن علي بن علقمة عن علي بن أبي طالب قال .. لما نزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) قلت يا رسول الله كم قال دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت حبة شعير قال انك لزهيد قال ونزلت ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) (٤) الآية.

__________________

(١) سورة : المجادلة ، الآية : ٣

(٢) سورة : المجادلة ، الآية : ١

(٣) سورة : المجادلة ، الآية : ١٢

(٤) سورة : المجادلة ، الآية : ١٣

٢٣٣

سورة الحشر

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس أنها مدنية لم نجد فيها إلا موضعا واحدا ..قال عز وجل ( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) في هذه الآية ستة أقوال العلماء .. منهم من قال هي منسوخة وقال الفيء والغنيمة واحد وكان في بدوّ الاسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف ولا يكون لمن قاتل عليها شيء الا أن يكون من هذه الأصناف ثم نسخ الله ذلك في سورة الأنفال فجعل لهؤلاء الخمس وجعل الأربعة الأخماس لمن حارب قال الله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) (٢) وهذا قول قتادة ورواه عنه سعيد ومنهم من قال الفيء خلاف الغنيمة فالغنيمة ما أخذ عنوة بالغلبة والحرب ويكون خمسه في هذه الأصناف وأربعة أخماس للذين قاتلوا عليه والفيء ما صولح أهل الحرب عليه فيكون مقسوما في هذه الاربعة الأصناف ولا يخمس هذا قول سفيان الثوري رواه عنه وكيع .. وقال غيره من الفقهاء الفيء أيضا غير الغنيمة وهو ما صولحوا عليه أيضا الا أنه يخرج خمسه في هذه الأصناف ويكون أربعة أخماسه خارجة في صلاح المسلمين .. ومنهم من قال هذه الآية يتبين ما قبلها من قوله ( وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (٣) قال يزيد بن رومان الفيء ما قوتل عليه وأوجف عليه بالخيل والركاب .. والقول السادس حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر في قول الله تعالى ( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) قال بلغني أنه الجزية والخراج خراج القرى يعني القرى التي تؤدي الخراج .. [ قال أبو جعفر ] أما القول أنها منسوخة فلا معنى له لأنه ليست إحداهما تنافي الأخرى فيكون النسخ .. والقول الثاني أن الفيء خلاف الغنيمة قول مستقيم صحيح وذلك أن الفيء مشتق من فاء يفيء اذا رجع فأموال المحاربين حلال للمسلمين فإذا امتنعوا ثم صالحوا رجع الى المسلمين ما صولحوا عليه .. وقول معمر أنها الجزية والخراج داخل في هذه الآية مما صالحوا عليه .. وأما قول

__________________

(١) سورة : الحشر ، الآية : ٧

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٤١

(٣) سورة : الحشر ، الآية : ٦

٢٣٤

من قال ان الآية الثانية مبينة للأولى فغلط لأن الآية الأولى جاء التوقيف أنها نزلت في بني النضير حين أجلوا عن بلادهم بغير حرب وفيهم نزلت سورة الحشر ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ) (١) فجعل الله أموالهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يستأثرها وفرقها في المجاهدين ولم يعط الأنصار منها شيئا الا لرجلين سهل بن حنيف وأبي دجانة سماك بن حرشة ولم يأخذ منها صلى‌الله‌عليه‌وسلم الا ما يكفيه ويكفي أهله ففي هذا نزلت الآية الأولى والآية الثانية لأصناف بعينهم خلاف ما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ويبين لك هذا الحديث حين تخاصم علي والعباس الى عمر بن الخطاب في هذا بعينه كما قرئ .. على أحمد بن شعيب بن علي عن عمرو بن علي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدسان قال أرسل اليّ عمر حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله فقال حين دخلت يا مالك إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت برضخ فخذه فأقسمه بينهم قلت لو أمرت غيري بذلك قال فخذه فجاء يرفأ فقال يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص قال نعم فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه فقال يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي قال نعم فأذن لهما فدخلا فقال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا يعني عليا فقال بعضهم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهما وارحمهما فقال مالك بن أوس خيّل اليّ انهما قدما أولئك النفر لذلك فقال عمر أنشدكم ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « لا نورث ما تركناه صدقة » قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « لا نورث ما تركناه صدقة » قالا نعم قال فإن الله عز وجل خص نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخاصة لم يخص بها أحدا من الناس فقال ( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) وكان الله أفاء على رسوله بني النضير فو الله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأخذ منها نفقة سنة ويجعل ما بقي أسوة المال ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمان ذلك قالا نعم فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أبو بكر الصديق أنا ولي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجئت

__________________

(١) سورة : الحشر ، الآية : ٦

٢٣٥

أنت وهذا الى أبي بكر الصديق فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر الصديق قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لا نورث ما تركنا صدقة » فوليها أبو بكر .. فما توفّي أبو بكر قلت أنا وليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووليّ أبو بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها ثم جئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت إن أدفعها اليكما على أنّ عليكما عهد الله لتليانها بالذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يليها به وأخذتماها على ذلك ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك فو الله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنها فردّاها اليّ أكفكماها فقد تبين بهذا الحديث ان قوله تعالى ( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) (١) الأوّل خلاف الثاني وانه جعل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة وان الثاني خلافه لأنه لا جناس جماعة وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لا نورث ما تركنا صدقة » فأصحاب هذا الحديث يعرفون هذا الحديث فيجعلونه من حديث عمر ثم يجعلونه من حديث عثمان ومن حديث علي ومن حديث الزبير ومن حديث سعد ومن حديث عبد الرحمن بن عوف ومن حديث العباس لأنهم جميعا قد أجمعوا عليه وفي قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لا نورث » قولان أحدهما أنه يخبر عنه وحده كما يقول الرئيس فعلنا وصنعنا وسمعنا والقول الآخر أن يكون لا نورث لجميع الأنبياء عليهم‌السلام وأكثر أهل العلم على هذا القول فان أشكل على أحد قوله عز وجل ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) (٢) وما بعده فقد بين هذا أهل العلم فقالوا انما قال زكرياء عليه‌السلام ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) لأنه خاف أن لا يكون في مواليه مطيع لله يرث النبوة من بعده والشريعة فقال ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٣) ثم قال ( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (٣) وكذلك قوله ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (٤) فإن أشكل على أحد فقال ان سليمان قد كان نبيا في وقت أبيه قيل انه قد كان ذلك الا أن الشرائع كانت الى داود وكان سليمان معينا له فيها وكذلك كانت سبيل الأنبياء عليهم‌السلام اذا اجتمعوا أن تكون الشريعة الى واحد منهم فورث سليمان ذلك .. وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « ما تركنا صدقة » فللعلماء فيه ثلاثة أقوال .. منهم من قال كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تصدق به .. ومنهم من قال هو بمنزلة الصدقة أي لا نورث وانما هو في مصالح المسلمين .. والقول الثالث أن تكون الرواية « لا نورث ما تركنا صدقة » بالنصب ويكون ما بمعنى الذي ويكون في موضع نصب أيضا والمعاني في هذا متقاربة لأن المقصود أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يورث.

__________________

(١) سورة : الحشر ، الآية : ٦

(٢) سورة : مريم ، الآية : ٥

(٣) سورة : مريم ، الآية : ٦

(٤) سورة : النمل ، الآية : ١٦

٢٣٦

سورة الممتحنة

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة فيها أربع آيات .. أولاهن قوله تعالى ( لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) (١) لأهل العلم فيها أربعة أقوال .. منهم من قال هي منسوخة .. ومنهم من قال هي مخصوصة ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ) (٢) .. ومنهم من قال هي في حلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن بينه وبينه عهد لم ينقضه .. ومنهم من قال هي عامة محكمة .. فممن قال هي منسوخة قتادة كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله ( لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) قال نسختها ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٣) .. والقول الثاني قول مجاهد قال الذين لم يقاتلوكم في الدين الذي آمنوا وأقاموا بمكة ولم يهاجروا .. والقول الثالث قول أبي صالح قال هم خزاعة .. وقال الحسن هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف ( أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) قال توفوا لهم بالعهد الذي بينكم وبينهم .. والقول الرابع أنها عامة محكمة قول حسن بيّن .. وفيه أربع حجج منها أن ظاهر الآية يدل على العموم .. ومنها أن الأقوال الثلاثة مطعون فيها لأن قول قتادة أنها منسوخة قد ردّ عليه لأن مثل هذا ليس محظور وأن قوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (٣) ليس بعام لجميع المشركين ولا هو على ظاهره فيكون كما قال قتادة وانما هو مثل قوله ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (٤) الآية ثم ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القطع في ربع دينار فصاعدا فصارت الآية لبعض السراق لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المبين عن الله تعالى فكذا ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) قد خرج أهل الكتاب إن أدوا الجزية وخرج منه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قال أبو وائل عن عبد الله بن مسعود كنت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين وافاه رسولان من مسيلمة فقال لهما تشهدان أني رسول الله فقالا اشهد أنت أن مسيلمة رسول الله فقال آمنت بالله وبرسله لو لا أن الرسول لا يقتل لقتلتكما ونهى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل العسيف فهذا كله

__________________

(١) سورة : الممتحنة ، الآية : ٨

(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٧٢

(٣) سورة : التوبة ، الآية : ٥

(٤) سورة : المائدة ، الآية : ٣٨

٢٣٧

خارج عن الآية .. وقد علم أن المعنى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) على ما أمرتم فلا يمتنع أن يكون ما أمرنا به من الإقساط اليهم وهو العدل فيهم ومن برهم أي الاحسان اليهم بوعظهم أو غير ذلك من الإحسان ثانيا .. فمن ذلك أنه قد أجمع العلماء على أن العدوّ اذا بعد وجب أن لا يقاتل حتى يدعا ويعرض عليه الإسلام فهذا من الإحسان إليهم والعدل فيهم .. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان اذا غزا قوما الى بلاد أمرهم أن لا يقاتلوا حتى يدعوا من عزموا على قتاله الى الإسلام .. وهذا قول مالك بن أنس في كل من عزم على قتاله وهو مروي عن حذيفة .. وقول الحسن والنخعي وربيعة والزهري والليث بن سعد انه لا يدعى من بلغته الدعوة وهو قول الشافعي وأحمد واسحاق .. والقول الثاني انها مخصوصة للمؤمنين الذين لم يهاجروا مطعون فيه لأن أول السورة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ) (١) والكلام متصل فليس من آمن ولم يهاجر يكون عدوا لله وللمؤمنين .. والقول الثالث يرد بهذا فصح القول الرابع .. وفيه من الحجة أيضا ان بر المؤمن من بينه وبينه نسب أو قرابة من أهل الحرب غير منهي عنه ولا محرم لأنه ليس في ذلك تقوية له ولا لأهل دينه بسلاح ولا كراع ولا فيه إظهار عورة للمسلمين .. والحجة الرابعة أن تفسير الآية إذا جاء عن صحابي لم يسع أحدا مخالفته ولا سيما اذا كان مع قوله توقيف سبب نزول الآية .. [ قال أبو جعفر ] وقد وجدنا هذا حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي الطحاوي قال حدثنا اسماعيل بن يحيى قال حدثنا محمد بن ادريس عن أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء ابنة أبي بكر .. قالت قدمت عليّ أمي وهي في عهد قريش اذ عاهدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستفتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت يا رسول الله ان أمي قدمت عليّ وهي مشركة أفأصلها قال نعم صلي أمك وحدثنا .. أحمد بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قدمت قتيلة ابنة العزى بن أسعد على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر بهدايا سمن وتمر وقرظ فأبت أن تقبلها ولم تدخلها منزلها فسألت عائشة رضي‌الله‌عنها عن ذلك فنزلت ( لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ) (٢) .. [ قال أبو جعفر ] فقد بان ما قلنا بهذين الحديثين وبما ذكرنا من الحجج.

__________________

(١) سورة : الممتحنة ، الآية : ١

(٢) سورة : الممتحنة ، الآية : ٨

٢٣٨

باب

ذكر الآية الثانية

قال عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ) (١) .. فنسخ الله بهذا على قول جماعة من العلماء ما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاهد عليه قريشا أنه اذا جاءه أحد منهم مسلما رده اليهم فنقض الله هذا في النساء ونسخه وأمر المؤمنين اذا جاءتهم امرأة مسلمة مهاجرة أن يمتحنوها فان كانت مؤمنة على الحقيقة لم يردوها اليهم .. واحتج من قال بهذا بأن القرآن ينسخ السنة .. ومنهم من قال هذا كله منسوخ في الرجال والنساء ولا يجوز للإمام أن يهادن الكفار على أنه من جاءه منهم مسلما رده اليهم لأنه لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقيم مسلّم بأرض الشرك تجري عليه أحكام الشرك .. واختلفوا في التجارة الى أهل الشرك .. وسنذكر ذلك بعد ذكر الحديث الذي فيه خبر صلح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما في ذلك من النسخ والأحكام والفوائد .. فمن ذلك ما قرئ .. على أحمد بن شعيب بن علي بن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان عن الزهري قال ونبأني معمر بعد عن الزهري عن عروة بن الزبير ان مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد احدهما على صاحبه قالا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها ثم بعث عينا له من خزاعة وسار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى اذا كان وذكر كلمة .. [ قال أبو جعفر ] الصواب حتى اذا كان بعد برّ الاشطاط أتى عينه فقال ان قريشا أجمعوا لك جموعا وجمعوا لك الأحابيش وأنهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت .. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشيروا عليّ أترون ان نميل على ذراري هؤلاء القوم الذين أعانوا علينا فان يحينوا يكن الله قد قطع عنقا من الكفار والا تركتهم محروبين موتورين .. فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله انما خرجت بهذا الوجه عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد فتوجه له فمن صدّنا عنه قاتلناه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم امضوا على اسم الله .. [ قال أبو جعفر ] احسب ان أبا عبد الرحمن اختصر هذا الحديث بما فيه والذي فيه يحتاج الى تفسيره والحكمة فيه أو يكون جاء بما يقدر انه يحتاج اليه منه لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بتمامه فذكروا نحو هذا قال فراحوا يعني إذ كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بغبرة الجيش وانطلق يركض

__________________

(١) سورة : الممتحنة ، الآية : ١٠

٢٣٩

نذيرا لقريش ثم سار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا كانوا بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت قالوا خلأت القصوى خلأت فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « ما خلأت القصوى وما ذلك بخلق لها ولكن حبسها حابس الفيل .. ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألون خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم اياها ثم زجرها فوثبت به » .. قال فعدل عنهم حتى نزلت بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء انما يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبث الناس ان نزحوه فشكي الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم ان يجعلوه فيه فو الله ما زال يجيش بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكان عيبة نصح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اهل تهامة فقال اني تركت كعب بن لؤي لإعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وان قريش قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم فان شاءوا ان يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا والا فقد جموا وان أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله فيهم أمره .. قال بديل سأبلغهم ما تقول حتى أتى قريشا فقال إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا ان شئتم ان نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا ان تحدثنا عنه بشيء وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عروة بن مسعود الثقفي أي قوم ألستم بالوالد قالوا بلى ألست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون اني استنفرت أهل عكاظ عليكم جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت ان استأصلت قومك هل سمعت ان أحدا من العرب اجتاح أصله قبلك وان تكن الأخرى فو الله اني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس خلقاء أن يفرّوا ويدعوك فقال أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه امصص بظر اللات أنحن نفرّ وندعه فقال من ذا فقالوا أبو بكر فقال والذي نفسي بيده لو لا يدلك عندي لم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه السيف وعلى رأسه المغفر فكلما أهوى عروة بيده الى لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب يده بنصل السيف .. وقال أخّر يدك عن لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرفع عروة رأسه .. وقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر أو لست أسعى في غدرتك وكان المغيرة قد صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلّم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه

٢٤٠