كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

سورة الشعراء

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد بن اسماعيل قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال .. وسورة الشعراء نزلت بمكة فهي مكية سوى أربع آيات من آخرها أنزلن بالمدينة في ثلاثة نفر من الأنصار وهم شعراء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وهو قوله ( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (١) استثنى هؤلاء الثلاثة من جملة الشعراء الى آخر السورة .. وقد أدخل هذه الآيات بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ حدثنا .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال ( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) قال نسختها الآية التي بعدها يعني ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) قال هم الكفار يتبعهم ضلاّل الجن والإنس .. قال ثم قال ( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ) (١) يقول في كل لغو يخوضون ( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ) يقول أكثر قولهم يكذبون قال ثم استثنى المؤمنين منهم فقال ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) في كلامهم ( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) (١) ردّوا على الكفار الذي كانوا يهجون به المؤمنين .. وهذا أحسن ما قيل في الآية ويزيده بيانا قوله للكفار يدل على صحة الاستثناء الذي بعده وقولهم يتبعهم ضلاّل الجن والإنس يدل على صحته أن الكلام عام .. وقد روى عكرمة عن ابن عباس ( يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) قال الرواة والأول أولى لعموم الظاهر ( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ) كما قال وهو تمثيل في كل وجه من الباطل يفتنون فيمدحون بالباطل والتزيد وكذا يهجون بالكذب والزور .. وقوله أكثر قولهم يكذبون تصحيحه في النحو أكثر قولهم الكذب ودل يكذبون على الكذب وقوله ثم استثنى المؤمنين منهم قول صحيح في العربية هذا الذي تسميه العرب استثناء لا نسخا يقول جاءني القوم الا عمرا لا يقال هذا نسخ والاستثناء عند سيبويه بمنزلة التأكيد لأنك تبين فيه كما تبين بالتوكيد .. وقوله تعالى

٢٠١

( وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) (١) في كلامهم قول حسن لعموم اللفظ وغيره يقول ( وَذَكَرُوا اللهَ ) في شعرهم والأول أولى لعموم ( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) كما قال أي انتصروا من الكفار الذين ظلموا المؤمنين بهجائهم إياهم.

__________________

(١) سورة : الشعراء ، الآية : (٢٢٤_٢٢٧)

٢٠٢

سورة النمل والقصص والعنكبوت والروم

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا يموت .. بإسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة .. [ قال أبو جعفر ] لم نجد فيهن الا موضعين .. أحدهما في سورة القصص قوله تعالى ( وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ ) (١) .. للعلماء فيه أربعة أقوال .. منهم من قال هي منسوخة بالنهي عن السلام على الكفار .. ومنهم من قال هي منسوخة بالأمر بالقتال .. ومنهم من تأولها فأباح السلام على الكفار .. والقول الرابع أن هذا قول جميل ومخاطبة حسنة وليس من جهة السلام ولا نسخ فيه .. والقول الأول يحتج قائله بما صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكفار لا تبدءوهم بالسلام قال ففي هذا نسخ وهذا القول وان كان قد صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكفار لا تبدءوهم بالسلام فهو غلط لأن الآية ليست من هذا في شيء وانما هي من المتاركة كما يقول الرجل للرجل دعني بسلام لم تستعمله العرب الا للمتاركة .. والقول الثاني انها منسوخة بالأمر بالقتال قول جماعة من العلماء وقد بينا ذلك في قوله ( وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) (٢) .. والقول الثالث قول من أباح السلام على الكفار غلط لأن الآية ليست من السلام في شيء إنما هي من السلّم وبيّنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. قال عزّ وجلّ ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ) (٣) وكذا كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قيصر ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ) .. والقول الرابع انها مخاطبة حسنة وقول حسن .. قال أبو زيد هؤلاء قوم من أهل الكتاب أسلموا فكانوا يمرون على قوم من أهل الكتاب يقرءون شيئا قد بدلوه من التوراة قد أوقفوهم على ذلك فيعرضون عنهم .. وقال مجاهد أسلّم قوم من أهل الكتاب فكان المشركون يؤذونهم وكانوا يصفحون عنهم ويقولون سلام عليكم .. أصل اللغو في اللغة الباطل وما يجب أن يلغى ويطرح ومعنى أعرضوا عنه لم يصغوا اليه ولم يستمعوا ويدلك على صحة قول مجاهد ان بعده ( لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ) أي قد رضينا بأعمالنا لأنفسنا ورضيتم بأعمالكم لأنفسكم ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) أي منّة لكم منّا انا لا نحاوركم

__________________

(١) سورة : القصص ، الآية : ٥٥

(٢) سورة : الفرقان ، الآية : ٦٣

(٣) سورة : طه ، الآية : ٤٧

٢٠٣

ولا نسابّكم ( لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ ) لا نطلب عمل أهل الجهل .. والموضع الآخر في سورة العنكبوت قوله تعالى ( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) (١) .. فيه ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال هو منسوخ .. ومنهم من قال هو محكم يراد به ذوو العهد منهم .. ومنهم من قال هو محكم يراد به من ليس منهم .. فمن قال هو منسوخ احتج بأن الآية مكية فنسخ هذا بالأمر بالقتال كما حدثنا .. محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا حسين قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله تعالى ( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال نسختها .. ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) .. والقول الثاني قول ابن زيد قال لا يجادل المؤمنون منهم اذا أسلموا لعلهم يحدثون بالشيء فيكون كما قالوا ( إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) منهم من أقام على الكفر يجادل ويقال له الشر .. والقول الثالث قول مجاهد ( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) من قاتل ولم يعط الجزية .. ومن قال هي منسوخة احتج بأنها مكية .. وقول مجاهد أحسن لأن أحكام الله تعالى لا ينبغي أن يقال فيها أنها منسوخة الا بدليل يقطع العذر أو حجة من معقول فيكون المعنى ( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ ) الا بالقول الجميل أي بالدعاء الى الله والتنبيه على حججه واذا حدثوكم بحديث يحتمل أن يكون كما قالوا فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فهذا الذي هو أحسن ويدل على صحته انه قرئ .. على أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى عن عثمان وهو ابن عمر قال حدثنا علي وهو ابن المبارك قال حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير عن ابن سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا ( آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (١) ويكون الذين ظلموا كما قال مجاهد أهل الحرب وان كان الكفار كلهم ظالمين لأنفسهم وانما التقدير هاهنا ( إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) منهم أهل الايمان وقولوا ( آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) من التوراة والانجيل والزبور ( وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ ) أي معبودنا واحد لا ما اتخذتموه إلها ( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) أي خاضعون متذللون لما أمرنا به ونهانا عنه.

__________________

(١) سورة : العنكبوت ، الآية : ٤٦

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٢٩

٢٠٤

سورة لقمان والم السجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة لقمان نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة .. وذلك لما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى المدينة أتته أحبار اليهود فقالوا يا محمد بلغنا أنك تقول ( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) (١) أفعنيتنا أم عنيت غيرنا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنيت الجميع فقال له اليهود يا محمد أو ما تعلم أن الله أنزل التوراة على موسى وخلفها موسى فينا ومعنا فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لليهود التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله فأنزل الله تعالى بالمدينة ثلاث آيات وهي قوله تعالى ( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) (٢) الى تمام الآيات الثلاث .. قال وسورة الم السجدة نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة في رجلين من قريش شجر بينهما كلام فقال أحدهما للآخر أنا أذرب منك لسانا وأحد منك سنانا وأردّ للكتيبة فقال له الآخر اسكت فإنك فاسق فأنزل الله تعالى ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٣) الى تمام الثلاث الآيات .. [ قال أبو جعفر ] في سورة الم السجدة موضع واحد .. قال عز وجل ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٤) قال عن مشركي قريش ( وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ) (٤) حدثنا .. أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) قال عن مشركي مكة ( وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ) قال .. نسختها آية السيف في ( بَراءَةٌ ) (٥) لقوله عز وجل ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٦) الى آخر الآية.

__________________

(١) سورة : الإسراء ، الآية : ٨٥

(٢) سورة : لقمان ، الآية : ٢٧

(٣) سورة : السجدة ، الآية : ١٨

(٤) سورة : السجدة ، الآية : ٣٠

(٥) سورة : التوبة ، الآية : ١

(٦) سورة : التوبة ، الآية : ٥

٢٠٥

سورة الأحزاب

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الاحزاب نزلت بالمدينة فهي مدنية.

باب

ذكر الآية الأولى منها

قال عز وجل ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ ) (١) فكان هذا ناسخا لما كانوا عليه من التبني .. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تبنى زيد بن حارثة فنسخ التبني وأمروا أن يدعوا من دعوا الى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبوه الى ولائه المعروف فإن لم يكن له ولاء معروف قال يا أخي يعني في الدين قال عزّ وجلّ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (٢) وهذا من نسخ السنة بالقرآن كما حدثنا .. علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة أن سالم بن عبد الله حدثه عن عبد الله بن عمر عن زيد بن حارثة قال ما كنا ندعوه الا زيد بن محمد حتى نزلت ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) .. [ قال أبو جعفر ] وقد ذكرنا ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (٣) وكذا ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَ ) (٤).

__________________

(١) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥

(٢) سورة : الحجرات ، الآية : ١٠

(٣) سورة : الأحزاب ، الآية : ٦

(٤) سورة : الأحزاب ، الآية : ٤٩

٢٠٦

باب

ذكر الآية الثانية

قال الله عز وجل ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) (١) .. للعلماء في هذه الآية ثمانية أقوال .. منهم من قال هي منسوخة بالسنة .. ومنهم من قال هي منسوخة بآية أخرى وكان الله تعالى قد حظر عليه التزويج بعد من كان عنده ثم أطلقه له وأباحه بقوله عز وجل ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) (٢) .. ومن العلماء من قال الآية محكمة ولم يكن له صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتزوّج سوى من كان عنده ثوابا من الله لهن حين اخترن الله ورسوله والدار الآخرة .. ومنهم من قال هي محكمة ولكن لما حظر عليهن أن يتزوجن بعد موته حظر عليه أن يتزوّج غيرهن .. ومنهم من قال المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه القصة يعني ( إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ ) (٣) الآية .. ومنهم من قال ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ ) بعد المسلمات ولا تتزوج يهودية ولا نصرانية .. ومنهم من قال المعنى لا تبدل واحدة من أزواجك بيهودية ولا نصرانية .. والقول الثامن أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قال الله عز وجل ( ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) (٤) كان له أن يتزوج من النساء من شاء بغير عدد محظور كما كان للأنبياء قبله .. والقول الأول أن الآية منسوخة بالسنة يدل عليه حديث عائشة عليها‌السلام كما قرئ .. على علي بن سعيد بن بشير عن أبي كريب قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت .. ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أحل له النساء فدل هذا الحديث على أن عائشة قد كان عندها أنه حظر عليه التزويج ثم أطلق له وأبيح وكان هذا على قول من أجاز أن ينسخ القرآن بالسنة .. والقول الثاني عن جماعة من أجلة الصحابة والتابعين كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا عمرو بن أبي بكر الموصلي قال حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن

__________________

(١) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥٢

(٢) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥١

(٣) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥٠

(٤) سورة : الأحزاب ، الآية : ٣٨

٢٠٧

عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت لم يمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أحل له أن يتزوج من النساء من شاء إلاّ ذات محرم وذلك قوله تعالى ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) (١) وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية وهو وقول عائشة رضي‌الله‌عنها واحد في النسخ .. وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك .. وقد عارض بعض الفقهاء الكوفيين فقال محال أن تنسخ هذه الآية يعني ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) (٢) وهي قبلها في المصحف الذي أجمع المسلمون عليه .. وقوي قول من قال نسخت بالسنة لأنه مذهب الكوفيين .. [ قال أبو جعفر ] وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط لأن القرآن نزل جملة واحدة الى السماء الدنيا في شهر رمضان وتبين لك أن اعتراض هذا لا يلزم قوله ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ ) (٣) منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم خلافا بالآية التي قبلها ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (٤) .. والقول الثالث أن المعنى أنه عليه الصلاة والسلام حظر عليه أن يتزوج على نسائه لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة فعوّضن .. هذا قول الحسن وابن سيرين وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ فإن قال كيف يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا قيل يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب فيكون هذا نسخ وعوضن منه انهن أزواجه في الجنة وهذا أعظم خطرا وأجل قدرا كما قال حذيفة لامرأته لا تتزوجي فان آخر أزواج المرأة زوجها في الجنة فلذلك حظر على نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتزوجن بعده .. والقول الرابع انه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن قول أبي أمامة بن سهل بن حنيف .. والقول الخامس أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه القضية قول أبي رزين وهو يروى عن أبيّ بن كعب وهو اختيار محمد بن جرير .. والقول السادس أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد المسلمات قول مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة قال مجاهد لئلا تكون كافرة أمّا للمؤمنين وهذا القول يبعد

__________________

(١) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥١

(٢) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥٢

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢٤٠

(٤) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣٤

٢٠٨

لأنه يقدره من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر .. والقول السابع أنه محرم عليه أن يبدل بعض نسائه بيهودية أو نصرانية أبعد من ذلك لأن نص القرآن ( وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ) (١) وليس في القرآن ولا ان تبادل .. وحكى ابن زيد عن العرب أنها كانت تبادل بأزواجها يقول أحدهم خذ زوجتي وأعطني زوجتك وهذا غير معروف عند الناقلين لأفعال العرب .. والقول الثامن أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان له حلال أن يتزوج من شاء من النساء ثم نسخ ذلك قول محمد بن كعب القرظي قال وكذا كانت الأنبياء صلوات الله عليهم قبله تزوج سليمان عليه‌السلام سبعمائة امرأة حرة وكان له ثلاثمائة مملوكة فذلك ألف وكان لداود مائة امرأة منهن أم سليمان امرأة أورياء بن حيان قال عمر بن عفرة لما قالت اليهود ما لمحمد شغل الا التزويج فحسدوه على ذلك فأنزل الله ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) (٢) كان لسليمان ألف امرأة منها سبعمائة حرة وكان لداود مائة امرأة.

__________________

(١) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥٢

(٢) سورة : النساء ، الآية : ٥٤

٢٠٩

سورة سبإ وفاطر ويس والصافات

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة إلا آية واحدة في الصافات ..قال تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) (١) الى تمام القصة .. للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال هي منسوخة احتج بقوله ( قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ) (١) وان بعده ( وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (٢) وأجاز قائل هذا أن ينسخ الشيء قبل أن يعمل به .. واحتج بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة ثم نقلت الى خمس .. واحتج بقوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) (٣) وان بعده ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ) (٤) الآية وبقوله تعالى ( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ) (٥) .. واحتج بقول الشافعي إن الله اذا فرض شيئا استعمل عباده منه بما أحب ثم نقلهم اذا شاء فهذا قول .. والقول الثاني أن هذا ما لا يجوز فيه نسخ لأنه أمر بشيء ليس بممتد فلا يجوز النسخ في مثل هذا لو قال قائل لرجل قم ثم قال لا تقم لكان هذا بدءا ولا يجوز أن يكون هذا من صفات الله تعالى أن يقال اذبح ثم يقال لا تذبح فهذا عظيم من القول لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ وقال قائل هذا الذبح في اللغة القطع وقد فعل ذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام .. والقول الثالث إن هذا أيضا لا يكون فيه نسخ وانما أمر إبراهيم بالذبح والذبح فعله وقد فعل ما تهيأ له وليس منعه من ذلك المنسوب اليه انه لم يفعل ما أمر به هذا قول صحيح حسن عليه أهل التأويل .. قال مجاهد لما أمر الله عز وجل إبراهيم بذبح ابنه إسحاق قال يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي فلا أوذيك اذا وجدت حز السكين فلما وضع السكين على حلقه .. وفي بعض الأخبار فلما أمرّ السكين على حلقه انقلبت فقال له مالك يا أبت قال انقلبت قال فاطعن بها طعنا قال ففعل فانثنت فعلم الله تعالى منه الصدق ( وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) .. وقد فعل إبراهيم ما أمر به ..

__________________

(١) سورة : الصافات ، الآية : ١٠٢

(٢) سورة : الصافات ، الآية : ١٠٧

(٣) سورة : المجادلة ، الآية : ١٢

(٤) سورة : البقرة ، الآية : ٢٤

(٥) سورة : الأنفال ، الآية : ٦٦

٢١٠

والدليل على هذا قوله ( وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ ) (١) ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ) (٢) فهذا مما يجب أن يقف عليه المسلمون لئلا ينسب الى الله البداء وانما أشكل على قائل ذلك القول الأول قوله ( وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) لأنه جهل معناه ولم يدر من المفدى على الحقيقة وانما المفدى ابن إبراهيم عليهما‌السلام قد فعل ما أمر به .. وأما القول الثاني فلو صح عن أهل التأويل لما امتنع القول به .. والقول الأول عظيم من القول واحتجاج صاحبه بحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه أمر أن يأمر أمته بخمسين صلاة ثم نقل ذلك الى خمس لا حجة له فيه لأنه ليس فيه نسخ ولا يعلم ان أحدا من العلماء قال ينسخ الشيء من قبل أن ينزل من السماء الى الارض الا القاشاني فانه خرج عن قول الجماعة ليصح له قوله ان البيان لا يتأخر وإنما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأمر أمته بخمسين صلاة فمن قبل أن يأمرهم راجع وانما مثل هذا أن يأمر الله جبريل بشيء فيراجع فيه فينقض منه أو يزاد فلا يقال له نسخ .. وأما الاحتجاج بقوله ( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ) (٣) فمن أين لقائل هذا أن الآية الأولى لم يعمل بها .. وأما احتجاجه بقوله ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ) فمن أين له أيضا أن الآية الأولى لم يعمل بها وقد حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا إبراهيم عن موسى بن قيس عن سلمة بن نهيك ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) (٤) قال .. أول من عمل بها علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ثم نسخت .. وأما قوله ( كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (٥) ثم قال ( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) (٦) وانما فعل هذا واحد .. واحتجاجه بقول الشافعي لا معنى له لأن قول الشافعي اذا فرض الله شيئا استعمل عباده بما أحب منه لا دليل فيه على أن الشيء ينسخ قبل أن يستعمل أو يستعمل بعضه فكان أولى بالصواب .. والدليل على ان الشيء لا ينسخ قبل أن يستعمل أن احتجاج العلماء في النسخ ان معناه اذا قلت افعل كذا وكذا فمعناه الى وقت كذا أو يشترط بكذا فاذا نسخ فانما أظهر ذلك الذي كان مضمرا فاذا قيل صلّوا الى بيت المقدس فمعناه الى أن أزيل ذلك أو الى وقت كذا رحمهم‌الله وعلى أن أزيل ذلك الى وقت كذا وقد علم الله حقيقة ذلك ولا يجوز أن يقال

__________________

(١) سورة : الصافات ، الآية : ١٠٤

(٢) سورة : الصافات ، الآية : ١٠٥

(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢٤

(٤) سورة : المجادلة ، الآية : ١٢

(٥) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٣

(٦) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٧

٢١١

صلّ الظهر بعد الزوال على أن أزيلها عنك مع الزوال فهذا بين .. وأقوال العلماء ان البيان يجوز أن يتأخر وخالفهم قائل هذا وجعله نسخا ولو جاز أن يقال لهذا نسخ لجاز أن يقال في قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) (١) ثم يبين ما هي ولا يقول أحد من الأمة إن هذا نسخ واحتجاجه بقول الشافعي يخالف فيه لأن أصحاب الشافعي الحذق لا يعلم بينهم خلافا ان البيان يتأخر .. فممن احتج بتأخيره ابن شريح لقول الله تعالى ( فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) (٢) ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) (٣) ثم في اللغة يدل على أن الثاني بعد الأول وهذا دليل حسن والدليل على ان البيان خلاف النسخ أن البيان يكون في الاخبار وأيضا فان البيان يكون معه دليل يدل على الخصوص اذا كان اللفظ عاما أو كان خاصا يراد به العام كما قال تعالى ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٤) فلما قال ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) (٥) دل على ان الانسان بمعنى الناس وقال تعالى ( وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها ) (٦) دل على ان الملك بمعنى الملائكة هذا على الخصوص والعموم وهكذا التخصيص في الأشياء لا يسمى نسخا .. وهذا الباب من اللغة يحتاج اليه كل من نظر في العلم وبالله التوفيق.

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٦٧

(٢) سورة : القيامة ، الآية : ١٨

(٣) سورة : القيامة ، الآية : ١٩

(٤) سورة : العصر ، الآية : ٢

(٥) سورة : العصر ، الآية : ٣

(٦) سورة : الحاقة ، الآية : ١٧

٢١٢

سورة ص والزمر

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس انهما نزلتا بمكة سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة فإنه أسلّم ودخل المدينة فكان يثقل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النظر اليه حتى ساء ظن وحشي وخاف ان الله لم يقبل إسلامه فأنزل الله تعالى بالمدينة ثلاث آيات وهن قوله تعالى ( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) (١) الى تمام الثلاث الآيات .. [ قال أبو جعفر ] في ص ثلاثة مواضع مما يصلح في هذا الكتاب. فالموضع الأول .. قوله تعالى ( اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ) (٢) ثم أمر بعد ذلك بالمدينة بالقتال .. وقد يجوز أن يكون هذا غير منسوخ ويكون هذا تأديبا من الله له وأمر لأمته بالصبر على أذاهم لأن التقدير ( اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ) (٢) مما يؤذونك به والدليل على هذا ان قبله ما قد آذوه قال تعالى ( وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ ) (٣) لأنهم قالوا هذا استهزاء وإنكارا لما جاء به كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا ) قال العذاب وقال قتادة نصيبنا من العذاب قال ذلك أبو جهل اللهم ان كان ما جاء به محمد حقا ( فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (٤) .. وقال السدي قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرنا منازلنا من الجنة حتى نتبعك قال اسماعيل بن أبي خالد عجل لنا قطنا أي رزقنا .. [ قال أبو جعفر ] قرئ .. على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي المقدام عن سعيد بن جبير ما روي فيه وأصل القط في كلام العرب الكتاب بالجائزة وهو النصيب وهو مشتق من قولهم قط أي حسب أي يكفيك ويجوز أن يكون مشتقا من قططت أي قطعت .. وقد ذكرنا قول أهل التأويل فيه وأهل اللغة في اشتقاقه الا شيئا حكاه القتيبي انهم لما أنزل الله تعالى ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) (٥) الآية ( قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا ) كتبنا حتى ننظر أتقع في أيماننا أم في شمائلنا استهزاء فأنزل الله تعالى ( وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا ) وهذا القول أصله عن الكلبي وكثيرا ما

__________________

(١) سورة : الزمر ، الآية : ٥٣

(٢) سورة : ص ، الآية : ١٧

(٣) سورة : ص ، الآية : ١٦

(٤) سورة : الأنفال ، الآية : ٣٢

(٥) سورة : الحاقة ، الآية : ١٩

٢١٣

يعتمد عليه القتيبي والقراء وأهل الدين من أصحاب الحديث يحظرون ذكر كل شيء عن الكلبي لا سيما في كتاب الله تعالى. والموضع الثاني .. قوله تعالى ( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ ) (١) .. فمن العلماء من قال أبيح هذا ثم نسخ وحظر علينا .. قال الحسن قطع سوقها وأعناقها فعوضه الله مكانها خيرا منها وسخر له الريح وأحسن من هذا القول ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال ( فَطَفِقَ مَسْحاً ) يمسح أعناقها وعراقيبها حبا لها وهذا الاولى لأنه لا يجوز أن ينسب الى نبي من الأنبياء انه عاقب خيلا ولا سيما بغير جناية منها انما اشتغل بالنظر اليها ففرط في صلاته فلا ذنب لها في ذلك وروي الحديث عن علي بن أبي طالب قال الصلاة التي فرط فيها سليمان صلاة العصر. والموضع الثالث .. قوله تعالى ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) (٢) .. فمن العلماء من قال هذا منسوخ في شريعتنا فاذا حلف رجل أن يضرب انسانا عشر مرات ثم لم يضربه عشر مرات حنث .. وقال قوم بل لا يحنث اذا ضربه بما فيه عشر بعد أن تصيبه العشرة .. وهذا قول الشافعي ومن قبله عطاء قال هي عامة .. وقال مجاهد هي خاصة وأهل المدينة الى هذا القول يميلون.

__________________

(١) سورة : ص ، الآية : ٣٣

(٢) سورة : ص ، الآية : ٤٤

٢١٤

سورة آل حم

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا .. يموت بإسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة وانما نذكر ما نزل بمكة لأن فيه أعظم الفائدة في الناسخ والمنسوخ لأن الآية اذا كانت مكية وكان فيها حكم وكان في غيرها نزل بالمدينة حكم غيره علم أن المدنية نسخت المكية وجدنا في آل حم ثمانية مواضع .. منها في حم عسق خمسة مواضع.

باب

ذكر الموضع الأول منها

قال الله تعالى ( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) (١) حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا إبراهيم بن خالد قال حدثنا داود بن قيس الصنعاني قال .. دخلت على وهب بن منبه مع ذي حولان فسألته عن قوله تعالى ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) قال نسختها الآية التي في الطوال ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر من الله تعالى ولكن يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد هذه الآية على نسخة تلك الآية لا فرق بينهم وكذا يجب أن يتأول للعلماء ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم اذا كان لما قالوه وجه .. والدليل على ما قلنا ما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) قال المؤمنين منهم.

باب

ذكر الموضع الثاني

قال جلّ وعزّ إخبارا ( لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ ) (٣) .. فيها قولان محتملان .. فمن ذلك حدثناه .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. وقوله تعالى ( لَنا

__________________

(١) سورة : الشورى ، الآية : ٥

(٢) سورة : غافر ، الآية : ٧

(٣) سورة : الشورى ، الآية : ١٥

٢١٥

أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ )مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم ( لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ ) أي لا خصومة هذا لليهود ثم نسختها ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١) هذا قول .. والقول الثاني أن تكون غير منسوخة أي لا حجة بيننا وبينكم لأن البراهين قد ظهرت والحجة قد قامت .. والقول الأول يجوز لأن معنى لا حجة بيننا وبينكم على ذلك .. والقول الثاني لم نؤمر أن نحتج عليكم ونقاتلكم ثم نسخ كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة لا تصلّ الى الكعبة ثم حول الناس بعد لجاز أن يقال نسخ ذلك.

باب

ذكر الموضع الثالث

قال الله عز وجل ( مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) (٢) .. فيه قولان من ذلك ما حدثناه .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. في قوله تعالى ( مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) من كان من الأبرار يريد بعمله الصالح ثواب الآخرة ( نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) أي في حسناته ( وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا ) أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا نؤته منها ونسخ ذلك في سورة سبحان ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) (٣) .. والقول الآخر أنها غير منسوخة وهو الذي لا يجوز غيره لأن هذا خبر والأشياء كلها بارادة الله تعالى ألا ترى أنه قد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت إلا أنه يجوز أن يتأول الحديث الأول أن يكون معناه هذه على نسخة هذه فيصح ذلك وربما أغفل من لم ينعم النظر في مثل هذا فجعل في الإخبار ناسخا ومنسوخا فلحقه الغلط .. والدليل على أنها غير منسوخة أنه خبر .. وقد قال قتادة في الآية من آثر الدنيا على الآخرة وكدح لها لم يكن له في الآخرة الا النار ولم يزدد منها شيئا الا ما قسم الله له.

__________________

(١) سورة : التوبة ، الآية : ٢٩

(٢) سورة : الشورى ، الآية : ٢٠

(٣) سورة : الإسراء ، الآية : ١٨

٢١٦

باب

ذكر الموضع الرابع

قال الله تعالى ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) .. في هذه الآية أربعة أقوال .. فمن ذلك ما حدثناه .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) قل لا أسألكم على الإيمان جعلا الا أن تودوني لقرابتي وتصدقوني وتمنعوا مني ففعل ذلك الأنصار رحمهم‌الله ومنعوا منه منعهم عن أنفسهم وأولادهم ثم نسختها ( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ ) (٢) ومذهب عكرمة أنها ليست بمنسوخة قال كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قطعوه فقال ( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) الا أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني .. وفي رواية قيس عن الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لما أنزل الله تعالى ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين نودهم قال علي وفاطمة وولديهما .. والقول الرابع من أجمعها وأبينها كما قرئ .. على عبد الله بن الصقر عن نصر عن زياد بن أيوب قال حدثنا هشام قال أنبأنا عوف ومنصور عن الحسن ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال التقرب الى الله والتودد اليه بطاعته .. وهذا قول حسن ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدي يعني الطحاوي قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا قزعة وهو ابن سويد البصري قال حدثنا عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال .. قل لا أسألكم على ما أنبئكم به من البيان والهدى أجرا إلاّ أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته .. فهذا المبين عن الله قد قال هذا وكذا الأنبياء عليهم‌السلام قبله ( إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ ).

باب

ذكر الموضع الخامس

قال الله عز وجل ( وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) (٣) .. زعم ابن زيد انها

__________________

(١) سورة : الشورى ، الآية : ٢٣

(٢) سورة : سبإ ، الآية : ٤٧

(٣) سورة : الشورى ، الآية : ٣٩

٢١٧

منسوخة قال المسلمون ينتصرون من المشركين ثم نسخها أمرهم بالجهاد .. وقال غيره هي محكمة والانتصار من الظالم بالحق محمود ممدوح صاحبه كان الظالم مسلما أو كافرا كما روى اسباط عن الزهري ( وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) قال .. ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يتعدوا وهذا أولى من قول ابن زيد لأن الآية عامة ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) (١) أولى ما قيل فيه معاقبة للمسيء بما يجب عليه وسميت الثانية سيئة أنها مساءة للمقتص منه والنحويون يقولون هذا على الازدواج .. وأكثر العلماء على ان هذا في العقوبات والقصاص وأخذ المال لا في الكلام الا ابن أبي نجيح كما حدثنا .. علي بن الحسين عن الحسين بن محمد بن علية عن ابن أبي نجيح ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) قال اذا قال له أخزاك الله قال له أخزاك الله .. قال ابن زيد هذا كله منسوخ بالجهاد وكذا عنده ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ) (٢) انما هو للمشركين خاصة .. وقال قتادة إنه عام وكذا يدل ظاهر الكلام والله أعلم.

باب

ذكر الموضع الذي في الزخرف

قال الله عز وجل ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (٣) جماعة من العلماء يقولون إنها منسوخة بالقتال فمن ذلك ما حدثناه .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) أي فأعرض عنهم ( وَقُلْ سَلامٌ ) أي معروفا أي قل لمشركي أهل مكة ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .. ثم نسخ هذا في سورة ( بَراءَةٌ ) بقوله ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٤) الآية .. [ قال أبو جعفر ] أي قل لمشركي أهل مكة كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أحمد بن نيزك عن الخفاف عن سعيد عن قتادة ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) قال .. ثم نسخ ذلك وأمر بالقتال.

__________________

(١) سورة : الشورى ، الآية : ٤٠

(٢) سورة : الشورى ، الآية : ٤١

(٣) سورة : الزخرف ، الآية : ٨٩

(٤) سورة : التوبة ، الآية : ٥

٢١٨

باب

ذكر الموضع الذي في الجاثية

قال عزّ وجلّ ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (١) .. قال جماعة من العلماء هي منسوخة .. فمن ذلك ما حدثناه .. عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) نزلت في عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة فأراد أن يبطش به فأنزل الله تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) يعني عمر بن الخطاب ( يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ) يتجاوزوا للّذين ( لا يَخافُونَ ) مثل عقوبات الايام الخالية ( لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .. ثم نسخ هذا في ( بَراءَةٌ ) بقوله ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وحدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ) (٢) .. قال نسختها ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ).

باب

ذكر الآية التي في الاحقاف

قال عزّ وجلّ ( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (٣) قرئ .. على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن سفيان ( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) قال يرون أنها نزلت قبل الفتح .. وفي رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (٤) محال أن يكون فيها ناسخ ولا منسوخ من جهتين .. أحدهما انه خبر .. والآخر أن من أول السورة الى هذا الموضع خطابا للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم فوجب أن يكون هذا أيضا خطابا للمشركين كما كان قبله وما بعده ومحال أن يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ولم يزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أول مبعثه الى وفاته

__________________

(١) سورة : الجاثية ، الآية : ١٤

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٥.

(٣) سورة : الأحقاف ، الآية : ٩

(٤) سورة : الفتح ، الآيتان : (١ ـ ٢)

٢١٩

يخبر ان من مات على الكفر يخلد في النار .. ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة فقد درى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يفعل به وبهم وليس يجوز أن يقول ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير الى خفض ودعة أو الى عذاب وعقاب .. والصحيح في معنى الآية قول الحسن كما قرئ .. على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا وهذا أصح قول وأحسنه لا يدري صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة وغنى وفقر وغلاء ورخص ومثله ( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (١).

__________________

(١) سورة : الأعراف ، الآية : ١٨٨

٢٢٠