تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

(إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤))

ثم ذكر المقسم عليه فقال : (إِنَّما تُوعَدُونَ) ، من الثواب والعقاب ، (لَصادِقٌ).

(وَإِنَّ الدِّينَ) ، الحساب والجزاء ، (لَواقِعٌ) ، لكائن.

ثم ابتدأ قسما آخر فقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧) ، قال ابن عباس وقتادة وعكرمة : ذات الخلق الحسن المستوي ، يقال للنساج إذا نسج الثوب فأجاد : ما أحسن حبكه (١)! قال سعيد بن جبير : ذات الزينة. قال الحسن : حبكت بالنجوم.

قال مجاهد : هي المتقنة البنيان (٢). وقال مقاتل والكلبي والضحاك : ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح ، وحبك الرمل والشعر الجعد ، ولكنها لا ترى لبعدها من الناس وهي جمع حباك وحبيكة ، وجواب القسم قوله (٣) :

(إِنَّكُمْ) ، يا أهل مكة ، (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) ، في القرآن وفي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تقولون في القرآن سحر وكهانة وأساطير الأولين ، وفي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساحر وشاعر ومجنون. وقيل : لفي قول مختلف أي مصدق ومكذب.

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (٩) ، يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه ، يعني من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالقرآن. وقيل عن بمعنى : من أجل ، أي : يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإيمان من صرف (٤). وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون : إنه ساحر وكاهن ومجنون ، فيصرفونه عن الإيمان ، وهذا معنى قول مجاهد.

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) ، لعن الكذابون ، يقال : تخرّص (٥) على فلان الباطل ، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب مكة ، واقتسموا القول في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإسلام. وقال مجاهد : هم الكهنة.

(الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) ، غفلة وعمى وجهالة (ساهُونَ) لاهون غافلون عن أمر الآخرة ، والسهو : الغفلة عن الشيء ، وهو ذهاب القلب عنه.

(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) (١٢) ، يقولون : يا محمد متى يوم الجزاء ، يعني يوم القيامة تكذيبا واستهزاء.

قال الله عزوجل : (يَوْمَ هُمْ) ، أي يكون هذا الجزاء في يوم هم (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ، أي يعذبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار. وقيل : (عَلَى) بمعنى الباء أي بالنار ، وتقول لهم خزنة النار : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) ، عذابكم ، (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ، في الدنيا تكذيبا به.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨))

__________________

(١) في المخطوط «حبكه».

(٢) في المخطوط «قال مجاهد : المتقن البنيان».

(٣) في المطبوع «وله» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٤) في المطبوع «يصرف» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٥) في المطبوع «تحرص» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

٢٨١

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) ، أعطاهم ، (رَبُّهُمْ) ، من الخير والكرامة ، (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) ، قبل دخولهم الجنة ، (مُحْسِنِينَ) ، في الدنيا.

(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (١٧) ، والهجوع النوم بالليل دون النهار ، و (ما) صلة ، والمعنى : كانوا يهجعون قليلا من الليل أي يصلون أكثر الليل ، وقيل : معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس ، يعني : كانوا قلّ ليلة تمر بهم إلّا صلوا فيها شيئا إما من أولها أو من أوسطها [أو من آخرها](١).

قال أنس بن مالك : كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء. وقال محمد بن علي : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : قلّ ليلة أتت عليهم هجعوها كلها. قال مجاهد : كانوا لا ينامون كل الليل. ووقف بعضهم على قوله : (قَلِيلاً) أي كانوا من الناس قليلا ثم ابتدأ : (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) ، وجعله جحدا أي لا ينامون بالليل البتة ، بل يقومون للصلاة والعبادة ، وهو قول الضحاك ومقاتل.

(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (١٨) ، قال الحسن : لا ينامون من الليل إلّا أقله ، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر ، ثم أخذوا في الأسحار بالاستغفار (٢). وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل : وبالأسحار يصلون ، وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة.

[٢٠٢٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد المخلدي أنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ثنا قتيبة ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل الله إلى السماء (٣) الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول : أنا الملك أنا الملك من الذي يدعوني فأستجيب له؟ من الذي يسألني فأعطيه؟ من الذي يستغفرني فأغفر له».

__________________

[٢٠٢٧] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ قتيبة هو ابن سعيد ، أبو صالح اسمه ذكوان ، مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٤١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٧٥٨ ح ١٦٩ والترمذي ٤٤٦ وأحمد ٢ / ٤١٩ من طريق قتيبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٨٢ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٣٠ من طريقين عن معمر عن سهيل به.

ـ وأخرجه البخاري ١١٤٥ و ٢٣٢١ و ٧٤٩ ومسلم ٧٥٨ وأبو داود ١٣١٥ وأحمد ٢ / ٤٨٧ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٢٧ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٩٢ وابن حبان ٩٢٠ والبيهقي ٣ / ٢ من طرق عن مالك عن الزهري عن أبي عبد الله الأغر ، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة به.

وهو في «الموطأ» ١ / ٢١٤ عن الزهري بالإسناد السابق.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٤٨٠ وابن ماجه ١٣٦٦ وأحمد ٢ / ٢٦٧ من طريقين عن الزهري بالإسناد السابق.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٤٨٣ وأحمد ٢ / ٤٣٣ من طريقين عن سعيد المقبري عن أبي هريرة به.

ـ وأخرجه النسائي ٤٨٤ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٣٠ من طريق عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «بالأسحار في الاستغفار».

(٣) في المخطوط «سماء» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

٢٨٢

[٢٠٢٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس سمع ابن عباس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قام من الليل يتهجد ، قال : «اللهم لك الحمد أنت قيّم السموات والأرض ومن فيهن [ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ، ومن فيهن](١) ، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض (٢) ، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت (٣) ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلّا أنت ـ أو لا إله غيرك».

قال سفيان : وزاد عبد الكريم أبو أمية : «ولا حول ولا قوة إلّا بالله».

[٢٠٢٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[٢٠٢٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن علي المديني ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ سفيان هو ابن عيينة ، طاوس هو ابن كيسان.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ١١٢٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٦٣١٧ ومسلم ٧٦٩ والنسائي ٣ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ وابن ماجه ١٣٥٥ وأحمد ١ / ٣٥٨ وعبد الرزاق ٢٥٦٥ والحميدي ٤٩٥ والدارمي ١ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩ وابن خزيمة ١١٥١ والطبراني ١٠٩٨٧ وأبو عوانة ٢ / ٢٩٩ و ٣٠٠٠ وابن حبان ٢٥٩٧ والبيهقي ٣ / ٤ من طرق عن سفيان به.

ـ وأخرجه البخاري ٧٣٨٥ و ٧٤٤٢ و ٧٤٩٩ ومسلم ٧٦٩ وأحمد ١ / ٣٦٦ والبيهقي ٣ / ٥ من طريق ابن جريج عن سليمان الأحول به.

ـ وأخرجه مسلم ٧٦٩ ح ١٩٩ وأبو داود ٧٧١ والترمذي ٣٤١٨ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٦٨ وأحمد ١ / ٢٩٨ وأبو عوانة ٢ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ وابن السني ٧٥٨ وابن حبان ٢٥٩٨ من طرق عن مالك عن أبي الزبير المكي عن طاوس به.

ـ وأخرجه مسلم ٧٦٩ وأبو داود ٧٧٢ وابن خزيمة ١١٥٢ وابن حبان ٢٥٩٩ والطبراني ١١٠١٢ وأبو عوانة ٢ / ٣٠١ من طرق عن عمران بن مسلم عن قيس بن سعد عن طاوس.

[٢٠٢٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، وقد صرح الوليد بالتحديث عند أحمد وغيره.

ـ صدقة هو ابن خالد الدمشقي ، الوليد هو ابن مسلم ، الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو ، أبو أمية اسمه كبير.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٤٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ١١٥٤ عن صدقة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٥٠٦٠ والترمذي ٣٤١٤ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٦١ وابن ماجه ٣٨٧٨ وأحمد ٥ / ٣١٣ وابن حبان ٢٥٩٦ وابن السني ٧٤٩ والبيهقي ٣ / ٥ من طرق عن الوليد بن مسلم به.

(١) زيادة عن «صحيح البخاري».

(٢) زيد في المطبوع «ومن فيهن» وليست هذه الزيادة في «صحيح البخاري».

(٣) زيد في المطبوع : «وما أنت أعلم به مني» وليست هذه الزيادة في المخطوط و «صحيح البخاري».

٢٨٣

محمد بن إسماعيل ثنا صدقة أنا الوليد عن الأوزاعي حدثني عمير بن هانئ حدثني جنادة بن أبي أمية حدثني عبادة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تعار من الليل فقال : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلّا بالله ، ثم قال : اللهم (١) اغفر لي ، أو (٢) دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى (٣) قبلت صلاته».

(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤))

قوله عزوجل : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١٩) ، السائل الذي يسأل الناس ، والمحروم الذي ليس له في الغنائم (٤) سهم ، ولا يجري عليه من الفيء سهم (٥) ، هذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب ، قال : المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم ، ومعناه في اللغة : الذي منع الخير والعطاء. وقال قتادة والزهري : المحروم المتعفف الذي لا يسأل.

وقال زيد بن أسلم : هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته. وهو قول محمد بن كعب القرظي ، قال : المحروم صاحب الحاجة ، ثم قرأ : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٦٧) [الواقعة : ٦٦ ـ ٦٧].

(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) ، عبر ، (لِلْمُوقِنِينَ) ، إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار وأنواع النبات. (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) ، آيات إذ كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن نفخ (٦) فيها الروح وقال عطاء عن ابن عباس : يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع. وقال ابن الزبير : يريد سبيل الغائط والبول يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من السبيلين. (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، قال مقاتل : أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث.

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) ، قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل : يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق ، (وَما تُوعَدُونَ) ، قال عطاء : من الثواب والعقاب. وقال مجاهد : من الخير والشر. وقال الضحاك : وما توعدون من الجنة والنار ، ثم أقسم بنفسه فقال :

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) ، أي ما ذكرت من أمر الرزق لحق ، (مِثْلَ) ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم : (مِثْلَ) برفع اللام بدلا من الحق ، وقرأ الآخرون بالنصب أي كمثل ، (ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) ، فتقولون : لا إله إلّا الله. وقيل : شبّه تحقق ما أخبر عنه بتحقق نطق الآدمي ، كما تقول : أنه لحق كما أنت هاهنا ، وإنه لحق كما أنك تتكلم ، والمعنى : إنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة : قال بعض الحكماء : يعني كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره كذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له. ولا يقدر أن يأكل رزق غيره.

__________________

(١) في المطبوع «رب» المثبت عن «المخطوط» و «شرح السنة».

(٢) زيد في المطبوع «قال» والمثبت عن «صحيح البخاري» و «شرح السنة».

(٣) زيد في المطبوع «وصلى» وليست هذه الزيادة في «صحيح البخاري» ولا في المخطوط و «شرح السنة».

(٤) في المطبوع «الغنيمة» والمثبت عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «شيء» والمثبت عن المخطوط.

(٦) في المخطوط «ينفخ».

٢٨٤

قوله عزوجل : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) ، ذكرنا عددهم في سورة هود [٧٨] ، (الْمُكْرَمِينَ) ، قيل : سماهم مكرمين لأنهم كانوا ملائكة كراما عند الله ، وقد قال الله تعالى في وصفهم : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] ، وقيل : لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وكان إبراهيم أكرم الخليقة ، وضيف الكرام مكرمون (١) وقيل : لأن إبراهيم عليه‌السلام أكرمهم بتعجيل قراهم ، والقيام بنفسه عليهم وطلاقة الوجه. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : خدمته بنفسه إياهم.

وروي عن ابن عباس : سماهم مكرمين لأنهم جاءوا غير مدعوين.

[٢٠٣٠] وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (٢).

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤))

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ) ، إبراهيم ، (سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، أي غرباء لا نعرفكم ، قال ابن عباس : قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم. وقيل : إنما أنكر أمرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية : أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.

(فَراغَ) ، فعدل ومال (٣) ، (إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) ، مشوي.

(فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ، ليأكلوا فلم يأكلوا ، (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) ، أي صيحة ، قيل : لم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني ، بمعنى أخذ في شتمي ، أي أخذت تولول كما قال الله تعالى : (قالَتْ يا وَيْلَتى) [هود : ٧٢] ، (فَصَكَّتْ وَجْهَها) ، قال ابن عباس : لطمت وجهها. وقال الآخرون : جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا ، كعادة النساء إذا أنكرن شيئا ، وأصل الصك : ضرب الشيء بالشيء العريض. (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ، مجازه : أتلد عجوز عقيم ، وكانت سارة لم تلد قبل ذلك.

(قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) ، أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاما ، (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ).

(قالَ) ، يعني إبراهيم ، (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (٣٢) ، يعني قوم لوط.

(لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً) ، معلّمة ، (عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) ، قال ابن عباس : للمشركين ، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها.

(فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ

__________________

[٢٠٣٠] ـ تقدم في سورة البقرة عند آية : ١٧٧.

(١) في المخطوط «يكرمون».

(٢) في المخطوط «يكرمون».

(٣) في المخطوط «حال».

٢٨٥

الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣))

(فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) ، أي في قرى قوم لوط ، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وذلك قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) [هود : ٨١ ، الحجر : ٦٥].

(فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ) ، أي غير أهل بيت ، (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، يعني لوطا وابنتيه ، وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعا لأنه ما من مؤمن إلّا وهو مسلم.

(وَتَرَكْنا فِيها) ، أي في مدينة قوم لوط ، (آيَةً) ، عبرة ، (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، أي علامة للخائفين تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم.

(وَفِي مُوسى) ، أي وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة. وقيل : هو معطوف على قوله : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠) [الذاريات : ٢٠] ، وفي موسى ، (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ، بحجة ظاهرة.

(فَتَوَلَّى) ، أي فأعرض وأدبر عن الإيمان ، (بِرُكْنِهِ) ، أي بجمعه وجنوده الذين كانوا يتقوى بهم ، كالركن الذي يتقوى (١) به البنيان ، نظيره قوله : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود : ٨٠] ، (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ، قال أبو عبيدة : (أَوْ) ، بمعنى الواو.

(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) ، أغرقناهم فيه ، (وَهُوَ مُلِيمٌ) ، أي آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسل.

(وَفِي عادٍ) ، أي وفي إهلاك عاد أيضا آية ، (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) ، وهي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح شجرا (٢) ولا تحمل مطرا.

(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) ، من أنفسهم وأنعامهم ومواشيهم وأموالهم ، (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) ، كالشيء الهالك البالي ، وهو نبات الأرض إذا يبس وديس. قال مجاهد : كالتبن اليابس. قال قتادة : كرميم الشجر. قال أبو العالية : كالتراب المدقوق. وقيل : أصله من العظم البالي.

(وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) (٤٣) ، يعني وقت فناء آجالهم ، وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم : تمتعوا ثلاثة أيام.

(فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١))

(فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) ، يعني بعد مضي الأيام الثلاثة ، وهي الموت في قول ابن عباس ، قال مقاتل : يعني العذاب ، والصاعقة : كل عذاب مهلك ، وقرأ الكسائي : (الصَّاعِقَةُ) ، وهي

__________________

(١) في المطبوع «يقوى» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «سجرا» والمثبت عن المخطوط.

٢٨٦

الصوت الذي يكون في الصاعقة ، (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ، يرون ذلك عيانا.

(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) ، فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض. قال قتادة : لم ينهضوا من تلك الصرعة ، (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ، ممتنعين منّا. قال قتادة : ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله.

(وَقَوْمَ نُوحٍ) ، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : (وَقَوْمَ) ، بجر الميم ، أي وفي قوم نوح ، وقرأ الآخرون بنصبها بالحمل على المعنى ، وهو أن قوله : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) ، معناه : أغرقناهم ، كأنه قال : أغرقناهم وأغرقنا قوم نوح. (مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل هؤلاء ، وهم عاد وثمود وقوم فرعون. (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) ، بقوة وقدرة ، (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لقادرون. وعنه أيضا : لموسعون الرزق على خلقنا. وقيل : ذو سعة. وقال الضحاك : أغنياء ، دليله قوله عزوجل : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) [البقرة : ٢٣٦] ، قال الحسن : المطيقون.

(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) ، بسطناها ومهدناها (١) لكم ، (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) ، الباسطون نحن : قال ابن عباس : نعم ما وطأت لعبادي.

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ، صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والبر والبحر ، والسهل والجبل ، والشتاء والصيف ، والجن والإنس ، والذكر والأنثى ، والنور والظلمة ، والإيمان والكفر ، والسعادة والشقاوة ، والجنة والنار ، والحق والباطل ، والحلو والمرّ. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فتعملون أن خالق الأزواج فرد.

(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) ، فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه ، بالإيمان والطاعة. قال ابن عباس : فروا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله. (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥١).

(كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧))

(كَذلِكَ) ، أي كما كذبك قومك يا محمد وقالوا ساحر أو مجنون كذلك ، (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من قبل كفار مكة ، (مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ).

قال الله تعالى : (أَتَواصَوْا بِهِ) ، أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضا بالتكذيب وتواطئوا عليه؟ والألف فيه للتوبيخ ، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) ، قال ابن عباس : حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك ، (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) ، فأعرض عنهم ، (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) ، لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وما قصرت فيما أمرت به.

__________________

(١) في المخطوط «مددناها».

٢٨٧

[٢٠٣١] قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واشتدّ ذلك على أصحابه ، وظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر إذا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتولى عنهم. فأنزل الله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥٥) ، فطابت أنفسهم.

قال مقاتل : معناه عظ بالقرآن كفار مكة (١) ، فإن الذكرى تنفع من سبق في علم الله أن يؤمن منهم. وقال الكلبي : عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) ، قال الكلبي والضحاك وسفيان : هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين ، يدل عليه قراءة ابن عباس : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) من المؤمنين (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، ثم قال في آية أخرى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] ، وقال بعضهم : وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلّا لعبادتي والأشقياء منهم إلّا لمعصيتي ، وهذا معنى قول زيد بن أسلم ، قال : هم على ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إلا ليعبدون. أي : إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي ، يؤيده قوله عزوجل : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) [التوبة : ٣١] ، وقال مجاهد : إلا ليعرفوني (٢). وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، دليله قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] ، وقيل : معناه إلّا ليخضعوا إلي ويتذللوا ، ومعنى العبادة في اللغة : التذلل والانقياد ، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، ومتذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق عليه قدر ذرة من نفع ضرر. وقيل : إلا ليعبدون إلّا ليوحدون ، فأما المؤمن فيوحده (٣) في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ، بيانه قوله عزوجل :

(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] ، (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) ، أي أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم ، (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) ، أي أن يطعموا أحدا من خلقي ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه ، لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه.

[٢٠٣٢] كما جاء في الحديث : يقول الله : «يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني» ، أي فلم تطعم عبدي ، ثم بيّن أن الرزاق هو لا غيره فقال :

(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))

__________________

[٢٠٣١] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ٣٢٢٦٠ عن قتادة مرسلا.

وأخرجه ابن منيع وابن راهوية والهيثم بن كليب في مسانيدهم كما في «أسباب النزول» للسيوطي ١٠٤٨ من طريق مجاهد عن علي بنحوه ، وإسناده ضعيف ، مجاهد عن علي منقطع ، فالخبر ضعيف ، ولا يثبت بمثله سبب نزول أول عدم نزول ، فتنبه ، والله أعلم.

[٢٠٣٢] ـ صحيح ، أخرجه مسلم ٢٥٦٩ وغيره ، وتقدم في سورة البقرة عند آية : ٢٤٥.

(١) في المخطوط «قومك».

(٢) في المخطوط «ليعرفون».

(٣) في المطبوع «فيجده» والمثبت عن المخطوط و «ط».

٢٨٨

(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) ، يعني لجميع خلقه ، (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ، وهو القوي المتقدر المبالغ في القوة والقدرة.

(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) ، كفروا من أهل مكة ، (ذَنُوباً) ، نصيبا من العذاب ، (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) ، مثل نصيب أصحابهم الذين أهلكوا من قوم نوح وعاد وثمود ، وأصل الذنوب في اللغة : الدلو العظيمة المملوءة ماء ، ثم استعمل في الحظ والنصيب ، (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) ، بالعذاب يعني أنهم أخروا إلى يوم القيامة.

يدل عليه قوله عزوجل : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٦٠) ، يعني يوم القيامة ، وقيل : يوم بدر.

سورة الطور

مكية وهي تسع وأربعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣))

(وَالطُّورِ) ، أراد به الجبل الذي كلم الله تعالى عليه وموسى عليه‌السلام بالأرض المقدسة أقسم الله تعالى به.

(وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) (٢) ، مكتوب.

(فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) (٣) ، الرق : ما يكتب فيه ، وهو أديم المصحف والمنشور المبسوط ، واختلفوا في هذا الكتاب ، قال الكلبي : هو ما كتب الله بيده لموسى من التوراة وموسى يسمع صرير القلم. وقيل : هو اللوح المحفوظ. وقيل : هو دواوين الحفظة تخرج إليهم يوم القيامة منشورة ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله.

دليله قوله عزوجل : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣].

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠))

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) (٤) ، بكثرة الغاشية والأهل ، وهو بيت في السماء السابعة حذاء العرش بحيال الكعبة يقال له : الضّراح ، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يطوفون به ويصلون فيه ثم لا يعودون إليه أبدا.

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) (٥) ، يعني السماء نظيره قوله عزوجل : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) [الأنبياء : ٣٢].

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٦) ، قال محمد بن كعب القرظي والضحاك : يعني الموقد المحمي بمنزلة التنور

٢٨٩

المسجور ، وهو قوله ابن عباس : وذلك ما روي أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة نارا فيزداد بها في نار جهنم ، كما قال الله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) [التكوير : ٦].

[٢٠٣٣] وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يركبن رجل بحرا إلّا غازيا أو معتمرا أو حاجا ، فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا».

وقال مجاهد والكلبي : المسجور المملوء ، يقال : سجرت الإناء إذا ملأته. وقال الحسن وقتادة وأبو العالية : هو اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب. وقال الربيع بن أنس : هو المختلط العذب بالملح. وروى الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي أنه قال في البحر المسجور : هو بحر تحت العرش ، غمره (١) كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين ، فيه ماء غليظ يقال له : بحر الحيوان. يمطر العباد بعد النفخة الأولى منه أربعين صباحا فينبتون في قبورهم. هذا قول مقاتل : أقسم الله بهذه الأشياء.

(إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) (٧) ، نازل كائن.

(ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) (٨) ، مانع.

[٢٠٣٤] قال جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب ، وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ (وَالطُّورِ) إلى قوله (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) (٨) ، فكأنما صدع قلبي حين سمعته ، ولم يكن أسلم يومئذ ، قال فأسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب. ثم بيّن أنه متى يقع (٢) فقال :

(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) (٩) ، أي تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة. قال قتادة : تتحرك. قال عطاء الخراساني : تختلف أجزاؤها بعضها في بعض : وقيل : تضطرب ، والمور يجمع هذه المعاني فهو في اللغة : الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب.

(وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) (١٠) ، فتزول عن أماكنها وتصير هباء منثورا.

__________________

[٢٠٣٣] ـ ضعيف ، والصحيح موقوف ، والمتن منكر.

ـ أخرجه أبو داود ٢٤٨٩ والبيهقي ٤ / ٣٣٤ من طريق بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.

ـ وإسناده ضعيف ، بشر وبشير كلاهما مجهول.

ـ وقال ابن الملقن في «الخلاصة» ١ / ٧٣ : هو ضعيف باتفاق الأئمة ، وضعفه الخطابي وابن دقيق العيد.

ـ وله شاهد من حديث أبي بكر ، أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» كما في «المطالب العالية» ١٠٦٤ وفيه الخليل ابن زكريا ، وهو ضعيف جدا ، فهذا شاهد لا يفرح به ، والصواب في حديث ابن عمرو كونه من كلامه ، ولا يصح ، فإنه يجوز ركوب البحر في تجارة وطلب علم وصلة رحم وغير ذلك باتفاق ، فهذا حديث لا شيء ، والله أعلم.

[٢٠٣٤] ـ م لم أره بهذا اللفظ ، وأخرج البخاري ٣٠٥٠ عن محمد بن جبير عن أبيه ـ وكان جاء في أسارى بدر ـ قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في المغرب بالطور».

ـ وأخرجه البخاري ٤٠٢٤ من وجه آخر عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي» وعجزه لم أره.

ـ فهذا الذي صح من الحديث ، وانظر «أحكام القرآن» ٢٠٢٨ بتخريجي.

(١) في المخطوط (أ) «عمقه» وفي المطبوع «سقعه» والمثبت عن «ط» والمخطوط (ب)

(٢) في المطبوع «فيقال» والمثبت عن المخطوط و «ط».

٢٩٠

(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١))

(فَوَيْلٌ) فشدة عذاب ، (يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) (١٢) ، يخوضون في الباطل يلعبون غافلين لاهين.

(يَوْمَ يُدَعُّونَ) ، يدفعون ، (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) ، دفعا بعنف وجفوة ، وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيديهم إلى أعناقهم ، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعونهم إلى النار دفعا على وجوههم ، وزجا في أقفيتهم حتى يردوا النار ، فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها.

(هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (١٤) ، في الدنيا.

(أَفَسِحْرٌ هذا) ، وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السحر ، وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر ، فوبّخوا ، به ، وقيل لهم : (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (١٥).

(اصْلَوْها) ، قاسوا شدتها ، (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) ، الصبر والجزع ، (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ) ، معجبين بذلك ناعمين ، (بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ، ويقال لهم :

(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) ، مأمون العاقبة من التخمة والسقم ، (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) ، موضوعة بعضها إلى جنب بعض ، (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ).

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) ، قرأ أبو عمرو : أتبعناهم بقطع الألف على التعظيم ، ذرياتهم ، بالألف وكسر التاء فيهما لقوله : (أَلْحَقْنا بِهِمْ وَما أَلَتْناهُمْ) ، ليكون الكلام على نسق واحد ، وقرأ الآخرون (وَاتَّبَعَتْهُمْ) بوصل الألف وتشديد التاء بعدها وسكون التاء الأخيرة ، ثم اختلفوا في ذريتهم ، قرأ أهل المدينة الأولى بغير ألف وضم التاء ، والثانية بالألف وكسر التاء ، وقرأ أهل الشام ، ويعقوب كلاهما بالألف وكسر التاء في الثانية ، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما ورفع التاء في الأولى ونصبها في الثانية.

واختلفوا في معنى الآية : فقال قوم : معناها والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان يعني أولادهم الصغار والكبار ، فالكبار بإيمانهم بأنفسهم ، والصغار بإيمان آبائهم ، فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعا لأحد الأبوين (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) المؤمنين في الجنة بدرجاتهم ، وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم تكرمة لآبائهم لتقرّ بذلك أعينهم ، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم.

وقال آخرون : معناه والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم البالغون بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان بإيمان آبائهم. وهو قول الضحاك ، ورواية العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ،

٢٩١

أخبر الله عزوجل أنه يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه ، يدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمل أبيه ، من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئا ، فذلك قوله : (وَما أَلَتْناهُمْ) ، قرأ ابن كثير بكسر اللام ، والباقون بفتحها أي ما نقصناهم يعني الآباء ، (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ).

[٢٠٣٥] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله الحديثي ثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا جبارة (١) من مغلّس (٢) ثنا قيس بن الربيع ثنا عمرو (٣) بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل ، لتقربهم عينه» ، ثم قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، إلى آخر الآية.

[٢٠٣٦] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن فنجويه الدينوري ثنا أبو بكر

__________________

[٢٠٣٥] ـ ضعيف ، والصحيح موقوف ، إسناده ضعيف جدا ، جبارة وقيس واهيان. وورد من وجه آخر ، وإسناده لا تقوم به حجة.

ـ وأخرجه ابن عدي في «الكامل» ٦ / ٤٢ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ١٨٦ ـ ١٨٧ من طريقين عن جبارة به.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١١٤ : رواه البزار ، وفيه قيس بن الربيع وثقه الثوري وشعبة ، وفيه ضعيف ، بل هو ضعيف كان يتلقن.

ـ وهو في «كشف الأستار» برقم ٢٢٦٠.

ـ وأخرجه الطبري ٢٢٣٣٨ ـ ٣٢٣٤٢ والحاكم ٢ / ٤٦٨ عن ابن عباس موقوفا ، وهو أصح.

ـ وورد بمعناه من وجه آخر من حديث ابن عباس عند الطبراني في «الكبير» ١٢٢٤٨ و «الصغير» ٦٤٠ وإسناده ضعيف.

ـ قال الهيثمي في «المجمع» ١١٣٦٩ : وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ضعيف.

ـ الخلاصة : المرفوع ضعيف ، والصحيح موقوف ، وانظر : «فتح القدير» ٢٣٤٥ و ٢٣٤٦ و «الكشاف» ١٠٩٣ بتخريجي.

[٢٠٣٦] ـ ضعيف منكر. إسناده ضعيف ، محمد بن عثمان مجهول.

ـ قال الذهبي في «الميزان» ٣ / ٦٤٢ : لا يدرى من هو ، وله خبر منكر ، ثم ذكر هذا الحديث.

ـ وهو في «الوسيط» ٤ / ١٨٧ من طريق أبي بكر القطيفي به.

ـ وهو في «زوائد المسند» ١ / ١٣٤ عن عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٢١٣ م والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤١١ من طريق عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

ـ قال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٢١٧ : رواه عبد الله بن أحمد ، وفيه محمد بن عثمان ، لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ـ وأخرجه أبو يعلى ٧٠٧٧ والطبراني ٢٣ / ١٦ عن عبد الله بن نوفل أو عن عبد الله بن بريدة عن خديجة بنحوه.

ـ وإسناده ضعيف لانقطاعه ، ابن نوفل أو ابن بريدة ، كلاهما لم يدرك خديجة ، وفيه رجل شبه مجهول ، وهو سهل بن زياد الحربي.

ـ وقد أعله الذهبي بالانقطاع في «سير أعلام النبلاء» ٢ / ١١٣. ـ

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «جنادة عن المفلس» والمثبت عن كتب التراجم والمخطوط.

(٣) في المطبوع «عمر» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.

٢٩٢

مالك القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل (١) عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال : سألت خديجة رضي الله تعالى عنها (٢) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هما في النار» ، فلما رأى الكراهية في وجهها ، قال : «لو رأيت مكانهما لأبغضتهما» ، قالت : يا رسول الله فولدي منك؟ قال : «في الجنة» ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار» ، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ).

(كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) ، قال مقاتل : كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن في النار ، والمؤمن لا يكون مرتهنا ، لقوله عزوجل : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (٣٩) [المدثر : ٣٨ و ٣٩] ثم ذكر ما يزيدهم من الخير والنعمة.

(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨) فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠))

فقال : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) ، زيادة على ما كان لهم (وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) ، من أنواع اللحمان.

(يَتَنازَعُونَ) ، يتعاطون ويتناولون ، (فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها) ، وهو الباطل ، وروي ذلك عن قتادة ، وقال مقاتل بن حيان : لا فضول فيها. وقال سعيد بن المسيب : لا رفث فيها. وقال ابن زيد : لاسباب ولا تخاصم فيها. وقال القتيبي : لا تذهب عقولهم فيلغوا ويرفثوا ، (وَلا تَأْثِيمٌ) ، أي لا يكون منهم ما يؤثمهم. قال الزجاج : لا يجري بينهم ما يلغي ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا بشرية الخمر. وقيل : لا يأثمون في شربها.

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) ، بالخدمة (غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ) ، في الحسن والبياض والصفاء ، (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) ، مخزون مصون لم تمسه الأيدي.

قال سعيد بن جبير : مكنون يعني في الصدف. قال عبد الله بن عمرو : ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام ، وكل غلام على عمل ما عليه صاحب.

[٢٠٣٧] وروي عن الحسن أنه لما تلا هذه الآية قال : قالوا يا رسول الله : الخادم كاللؤلؤ المكنون ، فكيف المخدوم؟

__________________

ـ والخبر منكر كما قال الذهبي رحمه‌الله.

ـ وانظر ما تقدم في سورة الروم عند آية : ٣٠.

[٢٠٣٧] ـ لم أقف له على إسناده ، وانظر ما بعده.

(١) في المطبوع «فصل» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.

(٢) زيد في المطبوع «عن».

٢٩٣

[٢٠٣٧] م وعن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا قال : يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم؟ قال : «فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢٥) ، يسأل بعضهم بعضا في الجنة. قال ابن عباس : يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا.

(قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا) ، في الدنيا ، (مُشْفِقِينَ) ، خائفين من العذاب.

(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) ، بالمغفرة ، (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) ، قال الكلبي : عذاب النار. وقال الحسن : السموم اسم من أسماء جهنم.

(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) ، في الدنيا ، (نَدْعُوهُ) ، نخلص له العبادة ، (إِنَّهُ) ، قرأ أهل المدينة والكسائي أنه بفتح الألف ، أي لأنه أو بأنه ، وقرأ الآخرون بالكسر على الاستئناف ، (هُوَ الْبَرُّ) ، قال ابن عباس : اللطيف. وقال الضحاك : الصادق فيما وعد (الرَّحِيمُ).

(فَذَكِّرْ) ، يا محمد بالقرآن أهل مكة ، (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) ، برحمته وعصمته ، (بِكاهِنٍ) ، تبتدع القول (١) وتخبر بما في غد من غير وحي ، (وَلا مَجْنُونٍ) ، نزلت في الذين اقتسموا عقاب (٢) مكة يرمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكهانة والسحر والجنون والشعر.

(أَمْ يَقُولُونَ) ، بل يقولون يعني هؤلاء المقتسمين الخراصين ، (شاعِرٌ) ، أي هو شاعر ، (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ، حوادث الدهر وصروفه فيموت ويهلك كما هلك من قبله من الشعراء ، ويتفرق أصحابه وأن أباه مات شابا ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه ، والمنون يكون بمعنى الدهر ويكون بمعنى الموت ، سميا بذلك لأنهما يقطعان الأجل.

(قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧))

(قُلْ تَرَبَّصُوا) ، انتظروا بي الموت ، (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) ، من المنتظرين حتى يأتي أمر الله فيكم فتعذبوا يوم بدر بالسيف.

(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) ، عقولهم ، (بِهذا) ، وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام والعقول ، فأزرى الله بعقولهم حين لم يتميز (٣) لهم معرفة الحق من الباطل ، (أَمْ هُمْ) ، بل هم ، (قَوْمٌ طاغُونَ).

(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) ، أي تخلق القرآن من تلقاء نفسه ، والتقول : تكلّف القول ، ولا يستعمل ذلك إلّا

__________________

[٢٠٣٧] ـ م ضعيف جدا. أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٣٠١٢ والطبري ٣٢٣٧٠ من طريق معمر عن قتادة مرسلا ، فهو ضعيف ، وذكره بصيغة التمريض.

ـ وعامة مراسيل قتادة في التفسير إنما هي عن الحسن ، ومراسيل الحسن واهية.

(١) في المطبوع «القرآن» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٢) في المطبوع «عقبات» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٣) في المطبوع «تتم» والمثبت عن ط والمخطوط.

٢٩٤

في الكذب وليس الأمر كما زعموا ، (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) ، بالقرآن استكبارا.

ثم ألزمهم الحجة فقال : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) ، أي مثل القرآن في نظمه وحسن بيانه ، (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) ، أن محمدا تقوّله من تلقاء (١) نفسه.

(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) ، قال ابن عباس : من غير رب ، ومعناه : أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق ، وذلك مما لا يجوز أن يكون ، لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم ، فلا بد له من خالق ، فإن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق ، (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) ، لأنفسهم ، وذلك في البطلان أشد ، لأن ما لا وجود له كيف يخلق ، فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به ، ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي ، قال الزجاج : معناه أخلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون؟ وقال ابن كيسان : أخلقوا عبثا وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون ، فهو كقول القائل : فعلت كذا وكذا من غير شيء ، أي لغير شيء ، أم هم الخالقون لأنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر؟

(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، فيكونوا هم الخالقين ، ليس الأمر كذلك ، (بَلْ لا يُوقِنُونَ).

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) ، قال عكرمة : يعني النبوة. قال مقاتل : أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا؟ قال الكلبي : خزائن المطر والرزق ، (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) ، المسلطون الجبارون ، قال عطاء : أرباب قاهرون فلا يكونوا تحت أمر ونهي ، ويفعلون ما شاءوا ، ويجوز بالسين والصاد جميعا ، قرأ ابن عامر بالسين هاهنا وفي قوله : بمسيطر ، وقرأ حمزة بإشمام الزاي فيهما ، وقرأ ابن كثير هاهنا بالسين و (بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : ٢٢] بالصاد ، وقرأ الآخرون بالصاد فيهما.

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥))

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) ، مرقى ومصعد إلى السماء ، (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) ، أي يستمعون عليه الوحي ، كقوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] أي عليها ، أي ألهم سلّم يرتقون به إلى السماء ، فيستمعون الوحي ويعلمون أن ما هم عليه حق بالوحي ، فهم متمسكون به كذلك؟ (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) ، إن ادّعوا ذلك ، (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ، بحجة بينة.

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) (٣٩) ، هذا إنكار عليهم حين جعلوا لله ما يكرهون ، كقوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) (١٤٩) [الصافات : ١٤٩].

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) ، جعلا على ما جئتهم به ودعوتهم إليه من الدين ، (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) ، أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم ، فمنعهم ذلك عن الإسلام.

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) ، أي علم ما غاب عنهم حتى عملوا أن ما يخبرهم الرسول من أمر القيامة والبعث باطل. وقال قتادة : هذا جواب لقولهم : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ، يقول : أعندهم علم الغيب [أي علم ما غاب عنهم](٢) حتى علموا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يموت قبلهم؟ (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) ، قال القتيبي : فهم يكتبون أي

__________________

(١) في المخطوط «قبل».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٢٩٥

يحكمون ، والكتاب الحكم.

[٢٠٣٨] قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للرجلين اللذين تخاصما إليه : «أقضي بينكما بكتاب الله».

أي بحكم الله ، وقال ابن عباس : معناه أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون الناس به؟

(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) ، مكرا بك ليهلكوك ، (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) ، أي هم المجزيون بكيدهم يريد أن ضرر ذلك يعود عليهم ، ويحيق مكرهم بهم ، وذلك أنهم مكروا به في دار الندوة فقتلوا ببدر.

(أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) ، يرزقهم وينصرهم ، (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، قال الخليل : ما في هذه السورة من ذكر أم كلمة استفهام وليس بعطف.

(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً) ، قطعة ، (مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) ، هذا جواب لقولهم : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) ، يقول : لو عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لم ينتهوا عن كفرهم ، (يَقُولُوا) ، لمعاندتهم هذا ، (سَحابٌ مَرْكُومٌ) ، بعضه على بعض يسقينا.

(فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا) ، يعاينوا ، (يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) ، يموتون ، أي حتى يعاينوا الموت ، قرأ ابن عامر وعاصم يصعقون بضم الياء أي يهلكون.

(يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨))

(يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤٦) ، أي لا ينفعهم كيدهم يوم الموت ولا يمنعهم من العذاب مانع.

(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) ، كفروا ، (عَذاباً دُونَ ذلِكَ) ، أي عذابا في الدنيا قبل عذاب الآخرة. قال ابن عباس : يعني القتل يوم بدر وقال الضحاك (١) : هو الجوع والقحط سبع سنين. وقال البراء بن عازب : هو عذاب القبر. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، أن العذاب نازل بهم.

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) ، إلى أن يقع بهم العذاب الذي حكمنا عليهم ، (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) ، أي بمرأى منّا ، قال ابن عباس : نرى ما يعمل بك. وقال الزجاج : معناه أنك بحيث نراك ونحفظك فلا يصلون إلى مكروهك. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) ، قال سعيد بن جبير الضحاك (٢) : أي قل حين تقوم من مجلسك : سبحانك اللهم وبحمدك ، فإن كان المجلس خيرا ازددت فيه إحسانا ، وإن كان غير ذلك كان كفارة له.

[٢٠٣٩] أخبرنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد القفال أنا أبو منصور أحمد بن الفضل

__________________

[٢٠٣٨] ـ تقدم تخريجه.

[٢٠٣٩] ـ صحيح بشواهده. إسناده حسن ، رجاله ثقات ، إلا أن البخاري أعله بأن وهيبا رواه عن ابن عون ـ أي لم يرفعه ـ وبأنه لم يثبت سماع موسى بن عقبة من سهيل.

ـ قلت : وغاية ما فيه ضعف الحديث ، وعدم ثبوت سماع موسى هو على مذهب البخاري علة ، أما على مذهب مسلم فليس بعلة إذا كان الراوي ثقة ، ولم يكن مدلسا ، ومع ذلك فللحديث شواهد يصح بها. ـ

(١) في المطبوع «مجاهد».

(٢) في المطبوع «عطاء» والمثبت عن «تفسير الطبري».

٢٩٦

البرونجردي (١) أنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي ثنا أحمد بن عبيد الله النرسي (٢) ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا كان كفارة لما بينهما».

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : معناه صل لله حين تقوم من مقامك. وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.

[٢٠٤٠] أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ١٣٣٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٤٣٣ والحاكم ١ / ٥٣٦ من طريق حجاج بن محمد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٥٩٤ من طريق أبي قرة عن ابن جريج به.

ـ وأخرجه البخاري في «التاريخ» ٤ / ١٠٥ ، ٢ / ٢ والخطيب ٢ / ٢٨ عن ابن جريج به.

ـ وصححه الحاكم ، لكن قال : وأعله البخاري بحديث وهيب. أي رواه عن ابن عون لم يرفعه ، وللحديث شواهد.

الأول : أخرجه الحاكم ١ / ٥٣٧ والطبراني ١٥٨٦ من حديث جبير بن مطعم ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

الثاني : أخرجه أبو داود ٤٨٥٩ والدارمي ٢ / ٢٨٣ والحاكم ١ / ٥٣٧ من حديث أبي برزة الأسلمي. وسكت عليه الحاكم ، وكذا الذهبي ، وإسناده لا بأس به.

الثالث : أخرجه الحاكم ١ / ٥٣٧ والطبراني ٤٤٤٥ من حديث رافع بن خديج.

ـ وفيه مصعب بن حيان ، وهو لين الحديث ، لكن يصلح حديثه شاهدا.

وقال الهيثمي في «المجمع» ١ / ١٤١ : ورجاله ثقات.

ـ الخلاصة : هو حديث صحيح بشواهده ، وفي الباب أحاديث تعضده.

ـ وانظر «أحكام القرآن» ٢٠٢٠ لابن العربي بتخريجي.

[٢٠٤٠] ـ حسن صحيح بطرقه وشواهده.

ـ إسناده واه لأجل حارثة بن أبي الرجال ، لكن توبع ، وللحديث شواهد.

ـ أبو معاوية هو محمد بن خازم ، عمرة هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٥٧٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٢٤٣ عن الحسن بن عرفة ويحيى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الدار قطني ١ / ٣٠١ من طريق الحسن بن عرفة به.

ـ وأخرجه البيهقي ٢ / ٣٤ من طريق سعدان بن نصر عن أبي معاوية به.

ـ وأخرجه الدار قطني ١ / ٣٠١ من طريق يوسف عن أبي معاوية به.

ـ وأخرجه أبو داود ٧٧٦ والدار قطني ١ / ٢٩٩ والحاكم ١ / ٢٣٥ والبيهقي ٢ / ٣٣ ـ ٣٥ من طريق طلق بن غنام عن عبد السلام الملائي عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة به.

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، رجاله ثقات إن كان سمعه أبو الجوزاء من عائشة ، ففي سماعه منها اختلاف كما في «التهذيب».

ـ قال أبو داود : وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب ، لم يروه إلّا طلق بن غنام ، وقد روى قصة ـ

(١) في المطبوع «البروجردي» وفي المخطوط «البرويجردي» والمثبت عن «شرح السنة» و «ط».

(٢) في المطبوع «الترسى» وفي المخطوط «البرس» وفي «ط» : «القرشي» والمثبت عن «شرح السنة».

٢٩٧

ثنا الحسن بن عرفة ويحيى بن موسى قالا ثنا أبو معاوية عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا افتتح الصلاة قال : «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك».

وقال الكلبي : هو ذكر الله باللسان حين تقوم من الفراش إلى أن يدخل في الصلاة (١).

[٢٠٤١] أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني (٢) أنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد

__________________

ـ الصلاة عن بديل جماعة ، لم يذكروا فيه شيئا من هذا.

ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري :

أخرجه أبو داود ٧٧٥ والترمذي ٢٤٢ والنسائي ٤ / ١٣٢ وابن ماجه ٨٠٤ وأحمد ٣ / ٥٠ والدارمي ١ / ٢٨٢ وأبو يعلى ١١٠٨ والدار قطني ١ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ والبيهقي ٢ / ٣٤.

ـ وإسناده لين لأجل علي بن علي الرفاعي.

ـ قال أبو داود : وهذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن مرسلا ، والوهم من جعفر.

ـ وله شاهد آخر من حديث أنس :

أخرجه أبو يعلى ٣٧٣٥ والدار قطني ١ / ٣٠٠ والطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع» ٢ / ١٠٧.

ـ وإسناده ضعيف ، لضعف الحسين بن علي بن الأسود.

ـ وقال الهيثمي : رواه الطبراني في «الأوسط» ، ورجاله موثقون.

ـ وله شاهد آخر من حديث ابن مسعود.

أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٤٣٠ و ١٠٣٠.

قال الهيثمي : وأبو عبيدة لم يسمع من ابن مسعود ، ورواه في «الكبير» باختصار ، وفيه مسعود بن سليمان قال أبو حاتم : مجهول.

ـ وله شاهد آخر من حديث واثلة بن الأسقع.

أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٨٣٤٥ وإسناده ضعيف.

قال الهيثمي : وفيه عمرو بن الحصين ، وهو ضعيف.

ـ وورد موقوفا عن عمر بأسانيد بعضها صحيح.

ـ وقال الهيثمي : وروي في الاستفتاح ب «سبحانك الله وبحمدك ...» حديث آخر عن ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود عن أبيه مرفوعا ، وليس بالقوي.

ـ وروى ذلك مرفوعا عن حميد عن أنس.

وروي من وجه آخر عن عائشة ، وأصح ما روي فيه الأثر الموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده ، والموقوف على عمر لا يعلل المرفوع ، بل يشهد له ، والله أعلم.

[٢٠٤١] ـ جيد ، إسناده حسن أزهر وعاصم كلاهما صدوق ، وباقي الإسناد ثقات.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٤٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن أبي داود» ٧٦٦ عن محمد بن رافع بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي ٣ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ و ٨ / ٢٨٤ وابن ماجه ١٣٥٦ من طرق عن زيد بن الحباب به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٢٦٠٢ من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح به.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٧٠ وأحمد ٦ / ١٤٣ من طريق خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن ـ

(١) في المطبوع «صلاته» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «الفاساني» والمثبت عن ط و «شرح السنة».

٢٩٨

الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي ثنا أبو داود سليمان [بن] الأشعث ثنا محمد بن رافع (١) ثنا زيد بن حباب (٢) أخبرني معاوية بن صالح أنا أزهر بن سعيد الحرازي عن عاصم بن حميد قال : سألت عائشة رضي الله تعالى عنها بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيام الليل؟ فقالت : كان إذا قام كبّر الله عشرا وحمد الله عشرا ، وسبح الله عشرا وهلّل عشرا ، واستغفر عشرا ، وقال : «اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني» ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩))

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) ، أي صل له ، قال مقاتل : يعني صلاة المغرب والعشاء ، (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) ، يعني ركعتين قبل صلاة الفجر ، وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح ، هذا قول أكثر المفسرين. وقال الضحاك : هو فريضة صلاة الصبح.

[٢٠٤٢] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ في المغرب بالطّور.

[والله أعلم].

__________________

ـ عائشة.

ـ وإسناده حسن ، وهو شاهد لما قبله.

ـ وعلقه فقال أبو داود : ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الخرشي عن عائشة نحوه.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن صحيح بشاهده ، والله أعلم.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر ، مالك بن أنس ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٥٩٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٧٦٥ ومسلم ٤٦٣ وأبو داود ٨١١ والنسائي ٢ / ١٦٩ والطحاوي في «المعاني» ١ / ٢١١ والشافعي ١ / ٧٩ والطيالسي ٩٤٦ والطبراني ١٤٩٢ وأبو عوانة ٢ / ١٥٤ وابن خزيمة ٥١٤ والبيهقي ٢ / ٣٩٢ من طرق عن مالك به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٠٥٠ و ٤٨٥٤ ومسلم ٤٦٣ وابن ماجه ٨٣٢ وأحمد ٤ / ٨٤ وعبد الرزاق ٢٦٩٢ والدارمي ١ / ٢٩٦ وابن خزيمة ٥١٤ والطبراني ١٤٩٥ و ١٤٩٩ و ١٥٠١ وأبو عوانة ٢ / ١٥٤ وابن حبان ١٨٣٣ و ١٨٣٤ والحميدي ٥٥٦ والشافعي ١ / ٧٩ والبيهقي ٢ / ١٩٣ من طرق عن الزهري به.

ـ وانظر المتقدم برقم ٢٠٣٣ و «أحكام القرآن» ٢٠٢٧ و ٢٠٢٨ بتخريجي ، والله الموفق.

[٢٠٤٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

(١) في المطبوع وط «نافع» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «الحباب».

٢٩٩

سورة النجم

مكية وهي اثنتان وستون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩))

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (١) ، قال ابن عباس في رواية الوالبي والعوفي : يعني الثريا إذا سقطت وغابت ، وهويّه مغيبه ، والعرب تسمي الثريا نجما.

[٢٠٤٣] وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : «ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلّا رفع» وأراد بالنجم الثريا. وقال مجاهد : هي نجوم السماء كلها حين تغرب ، لفظه واحد ومعناه الجمع ، سمي الكوكب نجما لطلوعه ، وكل طالع نجم ، يقال : نجم السنّ ، والقرن والنبت إذا طلع (١).

وروي عن عكرمة عن ابن عباس : أنه الرجوم من النجوم ، يعني ما ترمى بها الشياطين عند استراقهم السمع. وقال أبو حمزة الثمالي : هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة. وقيل (٢) : المراد بالنجم

__________________

[٢٠٤٣] ـ غير قوي. أخرجه أحمد ٢ / ٣٤١ و ٣٨٨ والبزار ١٢٩٢ والطحاوي في «المشكل» ٢٢٨٦ و ٢٢٨٧ والعقيلي في «الضعفاء» ٣٤٧ من طرق عن عسل بن سفيان عن عطاء بن أبي هريرة مرفوعا ، واللفظ للبزار.

ـ وإسناده ضعيف كضعف عسل بن سفيان.

ـ وقال العقيلي : عسل بن سفيان في حديثه وهم ، قال البخاري : فيه نظر.

ـ وتابعه أبو حنيفة.

ـ فقد أخرجه الطبراني في «الصغير» ١٠٤ و «الأوسط» ١٣٢٧ والطحاوي في «المشكل» ٢٢٨٢ وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» ١ / ١٢١ من طريق داود الطائي عن أبي حنيفة النعمان قال : حدثنا عطاء عن أبي هريرة به.

ـ وصحح إسناده الأرناءوط في «مشكل الآثار» ٢٢٨٢ وضعفه الألباني في «الضعيفة» ٣٩٧.

ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد ، أخرجه ابن عدي ٥ / ٢٥٧ وإسناده ضعيف جدا ، عطية العوفي ضعيف وأبو طيبة واه.

ـ وله شاهد موقوف.

ـ أخرجه الشافعي ١ / ١٤٩ وأحمد ٢ / ٤٢ و ٥٠ والطحاوي في «المشكل» ٢٢٨٣ و ٢٢٨٤ والطبراني ١٣٢٨٧ والبيهقي ٥ / ٣٠٠ والبغوي في «شرح السنة» ٢٠٧٢ من طرق عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عبد الله بن عمر «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة». قال فسألت ابن عمر : متى ذلك؟ قال : طلوع الثريا. وإسناده صحيح.

ـ ولعل الراجح وقفه على أبي هريرة كحديث ابن عمر. والله تعالى أعلم فإن في ألفاظ حديث أبي هريرة اضطرابا.

(١) في المخطوط «طلعت».

(٢) في المخطوط «يقال».

٣٠٠