الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

عبد العزيز دولتشين

الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

المؤلف:

عبد العزيز دولتشين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٦

جميع أدلة الحجاج ينقسمون إلى فئتين : «المطوّفين» أو الأدلة ووكلائهم ، وعلى رأسهم شيخ مع وكيله. والشيخ ، مثله مثل الأدلة ، يعين بفرمان خطي من شريف مكة ، بينما الوكلاء يختارهم الأدلة.

ومع تقديم قائمة بالأدلة والوكلاء لأجل رعايا روسيا وبخارى ، يفيد القنصل أن حسن غونغ (وهو من مواليد مكة) يعتبر شيخ جميع الأدلة في جدة ، وأن علي أخضر (وهو أيضا من مواليد مكة) وكيله. وفي المدينة لا وجود لشيخ الأدلة.

إن بعض الأدلة ، ومنهم مثلا المشار إليهم في هذه القائمة بالرقم ٣ و ٩ و ١٠ ، كانوا ، بعد سنة أو سنتين ، يمضون بأنفسهم إلى روسيا وبخارى لأجل جمع الحجاج. وكان آخرون ، ومنهم مثلا ، الوكيل المشار إليه بالرقم ٨ ، يرسلون من طرفهم شخصين أو ثلاثة سواء لأجل بيع الماء من بئر زمزم والمسابح والتمر وغير ذلك أم لأجل الدعوة إلى الحج.

وبما أن مسلمي آسيا الوسطى من رعايا روسيا ، وكذلك التتر والافغان والقشقار وقسم من الفرس كانوا معروفين في جدّة عموما بأنهم بخاريين ، فمن المستحيل تعيين العدد الحقيقي من الحجاج من رعايا روسيا ورعايا بخارى.

في سنة ١٨٩١ بلغ مجمل الحجاج من رعايا روسيا وبخارى القادمين إلى مكة عبر افغانستان والهند زهاء ١٢٦٩ شخصا وعبر القسطنطينية ٧٨٤ شخصا. وفي سنة ١٨٩٢ وصل إلى الحج عبر الطريق الأول ٣٠٤٣ شخصا وعبر الطريق الثاني ٨٠٤ أشخاص. وفي سنة ١٨٩٣ وصل إلى الحج عبر بومباي ٤٣٢٨ شخصا ، وعبر السويس ١٨٠٨ أشخاص ؛ وفي سنة ١٨٩٤ ، بلغ عدد الحجاج من بلادنا ٣٣٤٩ شخصا منهم ٢٩٣١ جاؤوا عبر الهند و ٤١٨ عبر السويس.

٤١

الرقم

١

٢

الادلة في المدينة

محمد علي (من بخارى)

سيد شافي (من المدينة المنورة)

الوكلاء في ينبع

لا

وكلاء

لأي حجاج

من بخارى

القرغيز والتتر

ومن أصل ٣٣٤٩ شخصا لم يستجوبوا في القنصلية الامبراطورية في جدة سوى النصف أي ١٧٩٥ شخصا تبين أن بينهم من :

انديجان

٤٥٦

تركستان

٤

قوقند

٢٤٢

خوجند

٢

مرغلان

٣٥٢

بخارى

١٧٩

نامانغان

٢٠٤

داغستان

٢٠

أوش

٦٨

الشركس

٣٠

سمرقند

٢٧

الذين صرحوا

التتر

٤٦

بأنهم من رعايا

طشقند

٨٠

روسيا فقط

٨٥

وإذا أمعن المرء في هذه القائمة ، لا يصعب عليه أن يلاحظ أن منطقة فرغانة التي اكتسبت شهرة سيئة بالانتفاضة في شهر أيار (مايو) ١٨٩٨ تعطي ثلاثة أرباع مجمل عدد الحجاج عندنا في أقليم تركستان.

ومن حيث نوع الاشغال يشكل الزراع بالطبع العنصر المهيمن ـ فإن عددهم ١٢٥٠ شخصا.

ومن حيث العمر ينقسمون جميعهم كما يلي :

من ٢٠ إلى ٣٠ سنة ٢٩٤

٣١ ـ ٤٠ ٣٥٩

٥١ ـ ٦٠ ٤٤٣

٦١ ـ ٧٠ ٢٢٧

٤٢

٧١ ـ ٨٠ ٦٨

٨١ ـ ٩٠ ١١

العمر غير الواضح ٣٩٣

المجموع ١٧٩٥

جميع هذه الأرقام بعيدة عن الواقع لأن تعيين عدد المسلمين من رعايا روسيا الذين يمضون إلى الحج كل سنة ، وتعيينهم بدقة كافية من مجمل عدد الحجاج المذكور آنفا ، يبدو ، في الظروف الراهنة ، مستحيلا تماما لأنهم ، بأغلبيتهم الساحقة ، يمضون بدون أية جوازات سفر. ويستفاد من المعطيات المتوافرة عند القنصلين في بغداد وجدة أن عدد الحجاج السنيين والشيعيين من رعايا روسيا لا يقل تقريبا بالأجمال عن ١٨ ـ ٢٥ ألف شخص (١).

من المقطع المذكور يتبين أن صاحب المقالة يربط مباشرة انتفاضة انديجان بعدد سكان منطقة فرفانة الذين قاموا بالحج. وللمقارنة نسوق هنا جدولا من «تقرير» دولتشين (٢).

عدد الحجاج في سنة ١٨٩٨ يبلغ :

من روسيا : القرغيز ٢٥٠

التتر ١٠٠

سكان ماوراء القفقاس ١٠٠

من تركستان الصينية ٢٠

الفرس ٨٠٠٠

الأتراك ١٠٠٠٠

__________________

(١) المرجع ذاته ، ٥ ـ ٩.

(٢) دولتشين. تقرير ، ١٢٦.

٤٣

السوريون ٤٥٠٠

المصريون ٥٢٤٥

البدو المصريون ١٥٠٠

من سكان : طرابلس ٦٠٠

تونس ٢٠٠

الجزائر ٢٠٠

فاس ـ المغرب ٣٠٠

الهند ١٠٠٠

ساحل افريقيا

الغربي ٢٠

سكان مكة وضواحيها حتى ٤٠٠٠٠

سكان الجزيرة العربية.

المدينة ٣٥٠٠

اليمن ٤٠٠٠

عمان ٣٠٠

عدن ٢٠٠

نجد وغيرها ٤٠٠٠

الافغان ٢٠

الماليزيون ١٥٠٠٠

الحاصل حوالي ١٠٠٠٠٠

٤٤

ومن تقرير القنصل الروسي في جدة براندت ينجم أن متوسط عدد الحجاج من رعايا روسيا ٨ ـ ١٠ آلاف شخص في السنة ، علما بأنه في سنة ١٩٠١ أعطى الرقم ٦٠٠٠ وفي سنة ١٩٠٢ الرقم ١٦٠٠٠ وفي سنة ١٩٠٣ الرقم ٤٧٤١ (١).

إن أداء فريضة الحج ، كما سبق أن قلنا ، كان محفوفا في ذلك الوقت بخطر نقل أوبئة الطاعون والتيفوس والكوليرا المشؤومة العواقب إلى داخل الامبراطورية الروسية ، علما بأن هذه الأوبئة كانت تزهق ملايين الأرواح في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطى. وآنذاك مثلا نسبوا نشوب وباء الطاعون في محافظة استراخان إلى الحج. وفي كانون الثاني (يناير) ١٨٩٧ ، انشئت لدى وزارة الداخلية لجنة خاصة لمكافحة عدوى الطاعون برئاسة الأمير أ. ب. اولدنبورغسكي. وكان من صلاحية هذه اللجنة البت في مسألة تنظيم حج المسلمين من رعايا روسيا. كان أعضاء اللجنة يدرسون التقارير عن الحج من السفارة الروسية في القسطنطينية والقنصليات في جدة ومشهد وبغداد (٢). وإلى جدة أرسل في مأموريات كل من الأطباء سوكولوف ودالغات وتولانوف وتاكايف ؛ وهؤلاء أرسلوا بدورهم التقارير إلى اللجنة (٣).

__________________

(١) أرشيف الدولة المركزي للاسطول البحري الحربي. المجموعة ٤١٧. الملزمة. الملف ٢٧٥٧. ظهر ص ٧.

(٢) راجع ، مثلا ، أرشيف الدلو التاريخي الحربي. المجموعة ١٢٩٨ ، الملزمة. الملف ٢٨٩٢ ، ص ٩٦ وظهرها ؛ المصدر نفسه ، الملف ٢٨٨٣ ، ص ١٠٠ ـ ١٠١.

(٣) راجع أرشيف الدولة التاريخي المركزي. المجموعة ١٢٩٨ ، الملزمة ، الملمف ٢٨٨٦. تقرير تولاتوف (المرجع ذاته ص ٨ ـ ١٦) والتقارير الشهرية عن عدد الوفيات في جدّة (من سنة ١٨٩٨ إلى سنة ١٩٠٠) المزودة في غالب الأحيان بمعطيات عن عمر المتوفين ومهنهم وإنتمائهم القومي وعن أسباب وفاتهم تتسم بقدر كبير من الأهمية والفائدة. راجع أرشيف الدولة التاريخي المركزي. المجموعة ـ

٤٥

ولكن لأجل تقييم الحج من جميع جوانبه السياسية والدينية (وبخاصة بالارتباط مع الأحداث في انديجان) والطبية الوبائية ، كان ينبغي الحصول على معلومات شاملة وصادقة من مصدرها الأول. وفي هذا الصدد بالذات ، كما تبين مواد أرشيف الدولة العسكري التاريخي المركزي (١) ، نشأت فكرة إرسال ضابط مسلم من الجيش الروسي إلى مكة. وقد وقع الاختيار على عبد العزيز دولتشين ، الذي قدّره وزير الحربية نفسه أ. ن. كوروباتكين رفيع التقدير. وفيما بعد سنتحدث عن شخصية دولتشين ونتائج نشاطه الأساسية. أما هنا ، فتجدر الإشارة إلى أن تقريره المطبوع في المطبعة العسكرية لهيئة الاركان العامة مع الختم «سري» احتوى كمية كبيرة من المعلومات الموضوعية والمختارة اختيارا موفقا لأجل اتخاذ مجموعة من القرارات الصحيحة بصدد القضايا المتعلقة بحج المسلمين من رعايا روسيا. وقد حاول دولتشين أن يستبعد المخاوف القائمة ويبدد الأوهام بصدد الحج ، وأوصى في حال غياب خطر وبائي فعلي ، لا بالتخلي عن جميع الموانع وحسب ، بل أيضا بتسهيل السبيل من روسيا إلى مكة أمام الحجاج.

إن الصيغة الأولى للوثيقة التي اعدتها في هذه المسألة وزارة الداخلية تقيدت أجمالا بهذا الاتجاه. وقد اعتبر الحج ظاهرة دينية محضة ، وظاهرة هامة بالنسبة للسلطات في المقام الأول من حيث

__________________

ـ ١٢٩٨ ، الملزمة ، الملف ٢٨٨٣ و ٢٨٨٦. كان الأطباء الروس في جدّة يستعملون أحدث الأدوية. ففي جدّة مثلا حالف النجاح استعمال اللقاح الحديث المضاد الطاعون ، الذي ابتكره معهد الطب الاختباري في بطرسبورغ. (راجع أرشيف الدولة التاريخي المركزي. المجموعة ١٢٩٨ ، الملزمة ، الملف ٢٨٨٣ ، ص ٢٩٠ ـ الظهر).

(١) راجع أرشيف الدولة التاريخي العسكري المركزي. المجموعة ٤٠٠ ، الملزمة ، الملف ٢٢٣٩ ، ص ١ ـ ٧٢ (الظهر).

٤٦

عواقبها على الصعيد الصحي الوبائي. وورد اقتارح بتقليل الرسوم على جواز السفر لأجل مجموعات الحجاج الذاهبين بغير السكة الحديدية بحيث يحصلون على الأغذية بأسعار رخيصة ، والمساكن للمنام والراحة ، والاسعاف الطبي. وكان من المرتأى أيضا اقرار سعر مهاود لتذاكر السكة الحديدية من أجل الحجاج وتنظيم إيصالهم إلى جدّة بواسطة سفن الشكة الروسية للملاحة والتجارة (١). وقد أدى بحث هذه الوثيقة من قبل السلطات في الوزارات والمحافظات المعنية (٢) إلى ظهور عدد من الصيغ فيها بصدد «التعصب الإسلامي» وبصدد تأثير الحج ، غير المرغوب فيه برأي السلطات ، في الوضع السياسي والإجتماعي في المناطق الإسلامية من الامبراطورية. وفي هذا المجال على الأخص انعكس في الوثيقة المعنية موقف عدد من محافظي المناطق الإسلامية وشهادة الخبير ، عضو المداولة الخاصة في شؤون الدين المذكور آنفا ، ف. تشيريفانسكي ؛ وهذه الشهادة نسوقها كليّا بوصفها ملحقا لهذه المطبوعة. وقد استثار الاقتراح بصدد سفر وعودة جميع الحجاج عبر مرافئ البحر الأسود واسطمبول مجادلات كبيرة. فإن هذا الإجراء الذي يسهل الرقابة ضد الأوبئة كان يتناقض مع محاولات معارضة دعاية الجامعة الإسلامية التي كانت عاصمة الامبراطورية العثمانية مركزها. وتم شطب الاقتراح بصدد الاسعار المهاودة لتذاكر السكة الحديدية من أجل الحجاج. ولكن حتى

__________________

(١) راجع أرشيف الدولة التاريخي المركزي. المجموعة ١٢٩٨ ، الملزمة ، الملف ٢٨٩٢ ، ص ٦٣ ؛ أرشيف الدولة المركزي للاسطول البحري الحربي. المجموعة ٤١٧ ، الملزمة ، الملف ٢٧٥٧.

(٢) راجع ، مثلا ، أرشيف الدولة التاريخي المركزي. المجموعة ١٢٩٨ ، الملزمة الملف ٢٨٩٢ ، ص ٩٦ ـ ٩٦ (الظهر) و ٩٩ ـ ٩٩ (الظهر) وكذلك وثيقة وزارة الداخلية «بصدد المصادقة على مشروع «القواعد الموقتة المتعلقة بحج المسلمين»» المنشورة كملحق لهذا الكتاب.

٤٧

بعد كل هذا ، تبين «القواعد الموقتة بشأن حج المسلمين» والوثيقة المرافقة لها الصادرة عن وزارة الداخلية أن حج المسلمين وحج المسيحيين الارثوذكسيين إلى القدس قد وضعا من حيث الجوهر في شروط متساوية. وإن تطبيق هاتين الوثيقتين سهل كثيرا حج المسلمين من روسيا ، مما أدى إلى ازدياد عدد الحجاج المسلمين إلى ١٦ ألف شخص في سنة ١٩٠٢.

إن الاهتمام بحج المسلمين باعتباره ظاهرة إجتماعية وسياسية ودينية قد استمر في صفوف الجمهور القارئ الروسي. وأكبر عدد من المطبوعات في هذا الموضوع قد ظهر بالطبع في المجلات والجرائد الروسية الصادرة في تركستان. ففي سنة ١٩١٠ نشرت مجلة «آسيا الوسطى» الصادرة في طشقند ترجمة وصف مكة من الكتب المعروف الذي وضعه سنوك خورغونيه ؛ وفي طشقند أيضا صدرت في سنة ١٩١٣ الترجمة الروسية لكتاب أ. راللي «مكة في أوصاف الاوروبيين» (الأصل ـ «المسيحيون في مكة ...»). صحيح أن ميل ازدياد الحجاج من رعايا روسيا قد أخلت به الأوبئة وتعرجات السياسة الداخلية والخارجية (١) ، ولكنه استمر ، على ما يبدو ، حتى الحرب العالمية الأولى والثورة في روسيا.

وختاما بضع كلمات عن حج المسلمين في عهد السلطة السوفييتية. قبل أغلاق حدود الاتحاد السوفييتي الجنوبية بصورة تامة في أوائل

__________________

(١) راجع ، مثلا ، أرشيف الدولة التاريخي المركزي. المجموعة ١٢٨٤ ، الملزمة ١٨٨ ، الملف ٣٥١ «بصدد إقرار رقابة حكومية صارمة في روسيا على تجارة الكتب باللغة التترية واللغة العربية وغيرهما من اللغات الشرقية» (سنة ١٩٠١) ؛ المرجع ذاته ، الملف ١٦٠ «حول منع عملاء المؤسسات الملاحية الأجنبية من بيع التذاكر من الحجج المسلمين لأجل السفر من روسيا إلى الحجاز» (آب ـ اغسطس ١٩١٤).

٤٨

الثلاثينيات استمر الحج من مناطق آسيا الوسطى وما وراء القفقاس ، وإن يكن قد قل على الدوام من حيث العدد. وقد جعلت سياسة ستالين المعادية للدين من المستحيل عمليّا على أغلبية السكان المسلمين ، لا الحج وحسب ، بل أيضا أداء الشعائر الدينية اليومية والاسبوعية. وقامت دعاية جادة ضد الدين (١).

في سنوات الحرب العالمية الثانية ، حين تطلبت المحن الشاقة توطيد قوى المجتمع بأسره لأجل صد العدوان وحين حاول النظام الستاليني أن يكتسب مسحة أكثر حضارة في عيون المجتمع العالمي ، طرأ تغير على السياسة الرسمية حيال الدين. فقد فتح من جديد قسم من الجوامع والكنائس المسيحية والبيع اليهودية ؛ وفي أوائل ١٩٤٥ استؤنف حج المسلمين من الاتحاد السوفييتي. والفريق الأول من الحجاج ترأسه المفتي ايشان باباخان. ومذ ذاك يقوم بالحج كل سنة ٢٠ ـ ٢٥ شخصا. والفرق تشكلها مباشرة الادارات الدينية وتتألف أساسا من الائمة الخطباء ونشطاء الجوامع. وفي السنوات ال ٤٥ المنصرمة ، قام بالحج ٨٥٠ ـ ٩٠٠ شخص ، الأمر الذي لا يتطابق أبدا مع مجمل عدد المسلمين في أراضي الاتحاد السوفييتي (٢).

أدت سياسة البيرويسترويكا (التغيير ، إعادة البناء) إلى انعتاق الحياة الدينية في الاتحاد السوفييتي. تبني وتفتتح الجوامع الجديدة والمراكز التعليمية الإسلامية (مثلا في باكو واوفا). ونظرا لتسهيل قواعد الخروج

__________________

(١) راجع مثلا ل. كليموفيتش. قربان بيرم. عيد الأضحى وحج المسلمين إلى مكة.

موسكو ، سنة ١٩٣٣.

(٢) العمل الوحيد من حيث الجوهر عن الحج من الاتحاد السوفييتي في الآونة الأخيرة ـ إنما هو القصة الساخرة الوصيفة بقلم فضل الدين محمدييف «سفرة إلى العالم الآخر أو قصة عن الحج المبرور» (موسكو ، سنة ١٩٦٩). المؤلف ـ طبيب رافق في الستينيات إلى مكة فريقا من الحجاج من الاتحاد السوفييتي.

٤٩

والدخول بصورة مبدئية ، تتكشف إمكانيات جديدة لنمو عدد الحجاج المسلمين من الاتحاد السوفييتي نموّا كبيرا جدّا ، وقد كان الطابع غير العادي للعلاقات الديبلوماسية بين الاتحاد السوفييتي والمملكة العربية السعودية واستحالة تحويل الروبل السوفييتي إلى العملات الأجنبية بمثابة عقبة خطيرة في هذا المجال. وقد أدى تطبيق سعر خاص للروبل بالنسبة للعملات الصعبة القابلة للتحويل في سنة ١٩٨٩ إلى ازدياد كلفة حج المسلمين السوفييتيين من ٣٥٠٠ روبل إلى ١٦ ألف روبل (وهذا مبلغ يوازي زهاء خمسة مداخيل سنوية متوسطة).

رغم ذلك وصل في عام ١٩٩٠ إلى جدة ١٥٢٥ حاجّا من خمس مدن سوفييتية (طشقند وقازان وباكو ومينير النيى فودى وموسكو) وذلك بطائرات ارسلتها خصيصا شركة «ايروفلوت» السوفييتية. وقد ساعدت السلطات السوفييتية الحجاج في قضية شراء الأشياء الضرورية للسفرة والهدايا التذكارية. وبمساعدة السلطات الرسمية تم تذليل العديد من الصعوبات الناشئة في تنظيم الحج.

إن فرح المسلمين السوفييتيين بسبب الحج الأول الحر حقّا قد عكرته فاجعة هلاك العديد من أخوانهم في الدين في النفق قرب مكة المكرّمة. صحيح انه لم يلحق أي أذى بالمسلمين السوفييتيين ، إلا أن الحجاج وأخوانهم في الوطن قد تلقوا نبأ الكارثة وكأنهم فاجعتهم هم أنفسهم.

لا ريب في أن عدد الحجاج من الاتحاد السوفييتي سيزداد من سنة إلى أخرى ؛ بيد أن التغير النوعي لن يحدث ، أغلب الظن ، إلا بعد حل مسألة تحويل الروبل إلى عملة صعبة ، وفي هذه الحال سيكون عدد الحجاج متناسبا مع عدد المسلمين في البلاد. ومن شأن البرامج الموجودة اليوم للتعاون بين الهيئات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي والمنظمات الإسلامية العالمية أن تسهم بقسطها في حل القضايا القائمة.

* * *

٥٠

يوميات الرحلة

إلى مكة المكرّمة

٥١
٥٢

يوميات الرحلة

إلى مكة المكرّمة

في ٢٦ شباط (فبراير) ، سافرت إلى استخاباد (١) بناء على برقية من المحافظ ؛ وبعد عودتي في ٢٨ شباط ، شرعت أهيئ الشؤون والكتب لأجل التسليم. وفي ٣ آذار (مارس) جاء الملازم الأول بوبلافسكي ليحل محلي ، ـ وهو رجل لا يفهم البتة اللغة المحلية ؛ وسيكون حاله صعبا وعلى الأخص في البداية. وفي ٥ آذار انهيت عملي ، وفي ٦ منه ودعت عائلتي وزملائي في الخدمة ورحت إلى قيزيل أرواط. وصلت قبل انطلاق القطار بنحو ساعتين. توقفت عند براور. نقلوا الامتعة إلى المحطة الحديدية على عربة يجرها يحمور. ركبت القطار وفي الطريق أخذت أحدق بكآبة في جبال كابت داغ حيث كنت أعرف كل مضيق وكل قمة ؛ وودعت بالفكر الآوولات (القرى) الواقعة بمحاذاة السكة. كنت أحب أبناء السهوب المتوحشين هؤلاء (٢) ، وهم أيضا كانوا دائما يعربون لي عن مودتهم. هل

__________________

(*) هكذا يسمون عشق آباد قبل ثورة أكتوبر ١٩١٧. المحرر.

(١) المادة المنشورة للمرة الأولى ترد في المجموعة رقم ٧٠ (الملف رقم ١ في أرشيف المستشرقين بفرع لينينغراد لمعهد الاستشراق لدى اكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي ، «يوميات») أ. دولتشين ـ وهي عبارة عن دفترين (١٧٠* ٢١٠) لكل منها غلاف أسود من الجلد الاصطناعي. قسم من الصفحات في الدفترين مقصوص ـ

٥٣

أراهم من جديد! من قازاندجيك انبأت سلفا فيسكوفنيكوف بوصولي إلى كراسنوفودسك. كل ذلك اليوم وجميع الأيام السابقة بعد وصول البرقية ، شعرت بأقصى الأرهاق والضيق النفسي ، وفقدت الشهية ، وتملكني الأرق. أهذا احساس مسبق أم مجرد أسف على مفارقة الأولاد لزمن طويل؟

في الساعة السابعة صباحا من ٧ آذار وصلنا إلى كراسنوفودسك. وفي القطار تقابلت مع الملازم في قوات القوزاق فولكوداف الذي كان في طريقه إلى منشوريا ؛ وبناء على نصيحته قررت أن اسافر في رحلة مباشرة على باخرة للشركة الشرقية لكي أكسب يوما واحدا. في المحطة الحديدية قابلت شيشكيفيتش. رحب مع فولكوداف إلى الرصيف. في مقر الشركة عرفنا أن السفينة «ميريديان» ستنطلق في الساعة ١٢ ظهرا. بقي فولكوداف ليأمر بنقل الأمتعة ، ورحت أنا إلى آل شيشكيفيتش حيث قابلت مع مدفعيين قوزاقيين اثنين آخرين. تناولنا الفطور بمرح وفي بداية الساعة

__________________

ـ من الكعب. على الغلافين أوراق ملصوق مكتوبة عليها كلمات من قواميس باللغات الأجنبية. النص مكتوب بالحبر الأسود ، ما عدا الصفحات الأخيرة حيث استعمل الحبر الأزرق .. في الدفتر رقم واحد ، يشغل النص الصفحة كلها ؛ في الدفتر رقم ٢ يشكل ٦٠ ميليمترا مربع الهوامش التي أشير فيها إلى تواريخ الكتابة .. وهذا ما يفسر اختلاف كبر النص المطبوع بكل صفحة في القسمين الأول والثاني من «اليوميات». إن صعوبة نشر هذه المواد تتلخص في كون دولتشين قد كتب اليوميات إنطلاقا من انه سيكون قارئها الوحيد. النص مكتوب بخط سريع ، ويتضمن تلخيصات ، ومختصرات من اختراعه بالذات ، لا يمكن تفسيرها في بعض الأحوال ، مثلها مثل بعض الكلمات. في بعض المقاطع ، ترك المؤلف في النص فراغات كان يخطط إملاءها بعد الحصول على معلومات إضافية أو بعد التحقق من صحة المعلومات المتوفرة ، الأمر الذي يتعلق في المقام الأول بالأسماء الجغرافية. وحين تستحيل قراءة كلمى بمفردها بعد هلالين مربعين مع عدة نقاط وضعنا العلامة* ؛ وإذا استحالت قراءة بضع كلمات وضعنا العلامة* * ؛ وأخيرا إذا ورد في النص فراغ ، وضعنا العلامة* * *.

٥٤

الثانية عشرة رحت مع شيشكيفيتش على عربة إلى الرصيف ووعدت مدام شيشكيفيتش بالذهاب مع الضيوف لتوديعنا. في الطريق تقابلنا مع شرطي ؛ وهذا الشرطي قال لي أن الباخرة ستنطلق الآن وأنهم ينتظرونني وحدي. حين اقتربت من الرصيف سمعت الصفارة الثالثة. بفضل تلطيف الربان ، وأساسا بفضل جهود فولكوداف انتظروني ساعة ونصف ساعة. وقد تبين أن العميل أمر بانطلاق السفينة في الساعة ١٠ عوضا عن الساعة. ١٢ وأرسل فولكوداف رجلا يفتش عني في كل مكان ، وأرسل مرارا الرسل إلى رئيس القضاة الذي كنت أنوي الذهاب إليه ، ولكني لم أذهب لأنه كان في اسخاباد. ما أحلى أن يكون للمرء مثل هؤلاء الرفاق.

خرجنا من كراسنوفودسك في الساعة الحادية عشرة والنصف. الربان ومعاوناه شبان ولطيفون جدّا. الثلاثة جميعهم روس. «ميريديان» باخرة مروحية شاحنة ، في مؤخرتها عدد قليل من المقصورات لأجل الركاب. الباخرة نظيفة وجديدة. عند الرحيل قال الربان انه من المحتمل أن تهب ريح مقابلة قوية لأن البارومتر يسقط بشدة. ورحت أنام. كان البحر هادئا نسبيّا. استيقظت في الساعة الثالثة ليلا بسبب تموج قوى وضجة غير عادية. كانت تهب ريح غريبة قوية ، وكانت الباخرة تغطس بشدة ؛ وعندما ارتفعت مؤخرتها ، احدثت المراوح ضجة منفرة جدّا. كنت متمددا ؛ وكلما كنت أقوم بأقل محاولة للوقوف كان يتملكني الدوخان والغثيان. وكان فولكوداف بالذات يعتني بجميع الذين يعانون من التموج. حاول فولكوداف بالحاح اقناعي بأكل المزيد ؛ السيدات من المقصورة المجاورة نقلوا بعضهن إلى المتن ، ونقلوا بعضهن الآخر إلى مقصورة أخرى ؛ وحمل إلىّ قشرة من الخبز الأسود ونصحني بأكلها مع الماء ، وقال أن هذه وسيلة تركية مجربة ، وجاءني أيضا بأقراص النعناع.

في ٨ آذار (مارس) استمر التموج طوال اليوم كله ، وواصلت التمدد ، وواصل فولكوداف العناية بالجميع.

٥٥

في ٩ آذار استيقظت مع فولكوداف (فقد أنزلنا في مقصورة واحدة) في الساعة الرابعة صباحا ؛ كان التموج ضعيفا. وفجأة توقفت الباخرة ، فظننا أن الربان يستدل بمنارة بتروفسك ولكن تبين أننا قد دخلنا المرفأ ونقف إلى حاجز الأمواج. سررت جدّا لنهاية الطريق البحري. في نحو الساعة الثامنة رحت مع فولكوداف إلى المدينة. كان البرد هنا منفرا جدّا (١٥ درجة مئوية تحت الصفر بسلّم ريومور). وعندما رحت كان اللوز قد ازهر في قره قلعة ، أما هنا فكادت أذني تتجمدان من البرد. رحت إلى مركز البرق وأرسلت برقية إلى أخي في فيتبسك طلبت فيها منه أن يذهب إلى بطرسبورغ كما أرسلت برقية ثانية إلى أمي عن مغادرتي وثالثة إلى قره قلعة عن الوصول إلى بتروفسك (١).

في الساعة الثالثة بعد الظهر تقريبا سافرت في قطار للركاب إلى بسلان.

في ١٠ آذار (مارس) ، حوالي الساعة الواحدة ليلا ، انتقلت إلى القطار الذاهب من فلاديقفقاس إلى روستوف ؛ ونظرا للزحمة انتقلت إلى مقعد من الفئة الأولى دافعا بقية ثمن التذكرة حتى بطرسبورغ. بقي رفيقي الدائم فولكوداف في مينيرالني فودي ، وواصلت أنا السفر بصحبة ٤ عقداء ـ آمر الفوج الثاني من الفرقة ٢٨ ، آمر ت. ب. ٢٠ (٢) ، آمر الفوج القوزاقي غ. م. (٣) ، ومهندس متقاعد. إنهم أناس ودودون جدّا ولبقو المعاملة ، ولا يتبجحون بمناصبهم.

في الثاني عشر من آذار ، وصلت في الساعة الرابعة بعد الظهر إلى

__________________

(١) بتروفسك بورت ـ مدينة (١٨٥٧ ـ ١٩٢٢). مرفأ على بحر قزوين. حاليا ـ محج قلعة ، عاصمة جمهورية داغستان.

(٢) ٢٠ ت. ب. ـ اللواء التركستاني (الكتيبة التركستانية؟).

(٣) غ. م. ـ مختصر غير مفهوم.

٥٦

موسكو حيث كنت أحسب أن أجد في محطة نيقولايفسك برقية أخي من فيتبسك. ولكن بسبت تسرعي للحصول على هذه البرقية ، نقلت في البدء أمتعتي إلى محطة بطرسبورغ ، ورحت إلى المدينة لشراء بعض الحاجيات. بدا لي غريبا جدّا ركوب العربات الزحافة التي لم ارها منذ ٧ سنوات : بالكاد تجلس على الأرض ، من جميع الجهات تلوح رؤوس الخيل. وهذا ، بسبب انعدام العادة ، منظر مخيف نوعا ما. عدت إلى المحطة الحديدية إلى أصحابي [......] * * في الساعة السادسة والنصف ، ورحت اسأل عن البرقية ؛ وتبين لما فيه دهشتي أن البرقية ليست من فيتبسك بل من موسكو ؛ وقد اتضح لي فيما بعد أن أخي تلقى برقيتي حين كان ينوي الذهاب إلى عيادة في موسكو لمعالجة أخت زوجته التي ظهرت على وجهها أكزيما.

وكان من المؤسف جدّا أني لم اسأل قبل ذاك عن البرقية. في الساعة الثامنة مساء رحت بالقطار السريع إلى بطرسبورغ.

في ١٣ آذار ، الساعة ٨ والدقيقة ٥٠ صباحا وصلت إلى بطرسبورغ وودعت رفاق الطريق اللطفاء واتجهت إلى زاوية جادة نفسكي وشارع كازافانايا لأفتش عن غرفة صغيرة. وفي اليوم ذاته لبست معطفي العسكريورحت اقدم نفسي لرئيس هيئة الأركان العامة وأعرف متى يستقبلني مدير الوزارة. كان اليوم غير موفق ، لم احرز شيئا ، وارجأت الزيارة إلى الغد.

في ١٤ آذار رحت في الساعة الحادية عشرة والنصف إلى رئيس هيئة الأركان العامة. استقبلني البواب بالقول أن المراجعات قد انتهت. رحت إلى غرفة الاستقبال العامة وأنا موطد العزم على احراز شيء ما. تلقيت ردّا قاطعا من جانب عقيد مكلف بهذا الأمر ، فانتظرت ذهاب هذا العقيد الغاضب ، وخاطبت جنرالا وأوضحت له أني أريد أن اقدم نفسي اليوم حتما لرئيس هيئة الأركان العامة. أصغى الجنرال بكبير الإنتباه وقادني

٥٧

رأسا إلى الجنرال ساخاروف (١). وهذا الأخير أعجبني خارق الأعجاب بمنظره البسيط واللطيف (في الصورة يبدو سمينا بشكل منفر) ؛ وعرفت منه أن الجنرال كوروباتكين (٢) يستقبل اليوم في الساعة الثالثة ، ولكنه سيتأخر ، أغلب الظن ، لأنه سيكون في مجلس الدولة. نحو الساعة الثالثة رحت إلى ديوان وزارة الحربية. جمهرة من الزوار أغلبهم من النساء ، ميدان غني للمراقبة ـ فما أكثر ما تراه هنا من نماذج! وبما أن الجنرال كوروباتكين قد حزر بانه سيتأخر لاستقبال الزوار ، فقد استقبل جنرال مترهل أصحاب الطلبات. والشيوخ من هذا الطراز ظهروا دفعة واحدة من مكان ما بكثرة كثيرة. أغلب الظن انه كانت هناك جلسة في المجلس. بقي من الراغبين في انتظار وصول كوروباتكين ٦ أشخاص. وأخيرا ، حوالي الساعة الخامسة ، رنّ جرس ، فتحرك الجميع ، وصعد الكسي نيقولايفيتش [كوروباتكين] وراح إلى مكتبه وخرج منه في الحال نحونا في غرفة الاستقبال. لم آره منذ كانون الأول (ديسمبر) ١٨٩٧ ؛ كان اشحب بقليل من ذي قبل ، ولا غرابة نظرا لعمله الجهيد. في البدء اقترب من زائرتين ملحافتين بشكل لا يطاق ، ثم اقترب مني ؛ وسأل متى وصلت أنا ؛ وقال انه لا وقت عنده الآن وطلب أن آتي غدا في الساعة الثانية عشرة إلا ربعا إلى شقته. إن جميع ذوي الرتب العالية الذين نظروا إلىّ بتعال قبل وصول الجنرال قد تغيروا كليّا عند ذهابي ، لما فيه دهشتي ؛ فقد رأوا كيف استقبلني الكسي نيقولايفيتش ، ولذا مشيت ببعض الاعتزاز أمام صفهم. في أسفل سألتني إحدى الزائرتين المذكورتين آنفا والبواب عما إذا حالف التوفيق مهمتي ؛ اجبت أني لم آت طالبا. في المساء رحت إلى السيرك. يجب اعتبار اليوم موفقا. ولكن ما عسى أن يقول الكسي نيقولايفيتش غدا؟

__________________

(١) ساخاروف ف. ف. (مواليد عام ١٨٤٨) ـ منذ سنة ١٨٩٨ رئيس الأركان العامة.

(٢) كوروباتكين أ. ن. (١٨٤٨ ـ ١٩٢٥). في سنوات ١٨٩٠ ـ ١٨٩٨ ـ رئيس مقاطعة قزوين. منذ سنة ١٨٩٨ وزير الحربية.

٥٨

في ١٥ آذار ، نحو الساعة الثانية عشرة ، جئت إلى الجنرال في شقته ، على رصيف غاغارين ؛ دعاني مباشرة إلى فطور عائلي تحادثنا خلاله عن رحلتي المقبلة. نظرات الكسي نيقولايفيتش خارقة الطرافة. كان لطيفا ومحتفيا جدّا ؛ وقال لي عند خروجي انه يأمل في أن يراني مرة أخرى عند رحيلي وطلب أن آتي إليه مساء بعد الساعة الثامنة ، حين يكون عادة حرّا. ومن الجنرال رحت إلى الكسي غيورغييفيتش غوليكوف ، وتقابلنا كالأخوة ؛ وقد سررت جدّا لأنه شفي من المرض الخطير الذي أصيب به. ينصح الأطباء بالانتقال إلى الجنوب. تناولت الغداء ، كما في الماضي البعيد ، عند ميلبريت ، ورحت مساء إلى الصالة الكبرى في الكونسرفاتوار لحضور عرض قدمته فرقة خاصة من أوبيرا موسكو ؛ كانوا يعرضون أوبيرا «فاوست» ، ولكن العرض كان ضعيفا جدّا ، زلذا لم يحدث في نفسي لا لحن زيبيل ولا لحن ميفيستوفل المشهور ذلك الانطباع الذي استحوذ علىّ عند مشاهدتي الأوبيرا في مسرح ماريينسكي.

في ١٦ آذار رحت صباحا لتدبير بعض الأمور. كنت في جزيرة فاسيلييفسكي ، واضطررت إلى الذهاب في شارع كاديتسايا لينا. كم وكم من الذكريات بعثتها هذه الأنحاء في نفسي! فهنا أمضيت أفضل سني حياتي : أولا سنتين في مدرسة الامبراطور بافل التي أتذكرها دائما ، على نقيض الجمناز ، بارتياح خاص ؛ وهنا كان العمل وكان النوم الآمن ، والرفاق الطيبون. ولكم استغرقنا آنذاك في هواية المسرح والمطالعة! بعد خمس سنوات ، تأتي لي من جديد أن أعيش في هذه الانحاء بالذات بسعادة ، وأن يكن في أجواء مغايرة تماما. وقد حظي المدعو [ي.] بقسط كبير من السعادة.

حين عدت إلى منزلي نحو الثالثة ، علمت بوصول أخي ، ولكني لن أجده : فقد انتظرني زمنا طويلا ثم راح يتنزه. بعد فترة من الوقت عاد أخي. عاد عليّ اللقاء بمتعة كبيرة إذ أننا لم نتقابل منذ أكثر من سبع

٥٩

سنوات. ولك ذلك النهار ، والمساء ، والليل مرت في الأحاديث. إلّا أني غبت لوقت قصير لإذ رحت إلى دالغات وكوروباتكين لتوديعهما. ودعني الكسي نيقولايفيتش كأخ ، وطلب أن أكتب له ، وعانقني للوداع.

في اليوم التالي ، في السابع عشر ، استغرقت طوال الصباح كله في أموري وتدبير شؤوني المالية. وعند العودة إلى المنزل ، قدمت لأخي ٣٠٠ روبل وطلبت منه أن يقبلها كتسديد لتلك المبالغ العديدة التي غالبا ما كان يقرضني اياها بينما كان غالبا ما يحتاج هو نفسه إلى النقود. رفض أخي قطعا. آنذاك طلبت منه أن يرسل المبلغ إلى أمنا إذا كان هو لا يرغب في أخذه. فوافق على هذا الطلب ، وقبل النقود. في المساء رحنا إلى السيرك ، ولكن السيرك لم يوفر المتعة لا لي ولا له ، كما يخيل إليّ.

في ١٨ آذار رحت صباحا مع أخي إلى حميد الله آخون أثناء الحديث ، وقد آخذ احتياطيّا من بعض الألبسة. وطلب مني آخون أثناء الحديث ، وقد عرف اني مسافر إلى مصر ، أن اقترح على الفقهاء المصريين ، المعروفين بمستواهم العلمي الرفيع ، حل مسألتين خارقتي الأهمية بنظره ، هما التاليتان ، فقد قرأ في كتاب «حوار البياع» (لربما أخطأت في الاسم) أن من يلبس قبعة ، لا بحكم الضرورة ، بل لمجرد أن يشبه الكفار ، إنما هو كافر ، وأن الذين يحزمون الخصر بحزام رقيق دقيق ويعلقون الصلبان (الأوسمة) في كل مناسبة هم بلا ريب كافرون. وطلب آخون أن استوضح هذه المسألة. وهذا واسع الدلالة. ومن الأسئلة علمت انه يوجد في أوديسا آخون (إبراهيم) يحكي عنه الجميع بصورة سلبية جدّا ، ويتهمونه «بسلخ جلود» الذاهبين إلى الحج.

أنقضت بقية الوقت على معاملات جواز السفر. عرجت لفترة وجيزة على بايازيدوف ، والتقيت هناك باراغانسكي ؛ يبدو أنهما فتحا مطبعة بالشراكة. وقد أعطى هو أيضا تقديرا سيئا عن إبراهيم ، آخون أوديسا.

٦٠