الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

عبد العزيز دولتشين

الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

المؤلف:

عبد العزيز دولتشين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٦

خاصة تألفت في سنة ١٨٩٨ من ٥٥٠ شخصا من الخيالة بينهم ١٥٠ شخصا على الهجائن و ٢٠٠ من الضبطية الخيالة ، بصحبة مدفعين جبليين ، وبرئاسة باشا خاص يعهد إليه بأن ينقل إلى مكة المكرّمة والمدينة المنورة ، عدا مختلف الأشياء لأجل الحرمين في هاتين المدينتين ، مبالغ مالية لكل نفقة الولاية السنوية. وعادة يقطع المحمل السوري الطريق إلى المدينة المنورة في غضون ٢٧ ـ ٣٠ يوما ، ومن المدينة إلى مكة في غضون ١٢ يوما ، وبعد إنتهاء المراسم ، يعود في الحال إلى دمشق بالطريق ذاته.

المحمل الآخر ـ المصري ـ ينطلق من القاهرة. قبل أن يحتل الإنجليز القطر المصري ، كان المحمل ينطلق في طريق البر عبر السويس والعقبة والوجه وينبع واربغ إلى مكة ويعود بالطريق ذاته ، معرجا على المدينة المنورة. أن الآن فينقلون المحمل المصري من السويس إلى جدّة بالباخرة ، ويعيدونه عبر المدينة المنورة إلى الوجه حيث تنتظره باخرة خاصة. ومع المحمل المصري ينقلون «الكسوة» المهيئة كل سنة في القاهرة ، وهي غطاء حريري أسود لأجل الكعبة. وفي سنة ١٨٩٨ وصل المحمل المصري إلى جدّة ودون أية حماية لأن الإنجليز ، كما شاع ، لم يوافقوا على إعطاء العساكر ؛ ولذا خفرته فصيلة تركية في ربوع الحجاز.

في القرن العاشر الهجري كان ينطلق محمل آخر من مدينة حيس (١) في اليمن ، ولكنه توقف فيما بعد. قبل تطور الملاحة بالبواخر وشق قناة السويس كانت المحامل تتسم بأهمية هائلة بالنسبة للحج. فآنذاك كانت

__________________

(١) هنا ، وفي جميع المنشورات الأخرى الواردة في هذا الكتاب ، لا نعلق من وجهة نظر العلم الحديث على هذه أو تلك من آراء المؤلفين التاريخية. وهي بمجملها تعكس مستو الاطلاع على القضايا المتعلقة بتاريخ الإسلام والعالم العربي في روسيا وفي كثير من الأحوال في أوروبا إجمالا ، المر الذي يتسم بجد ذاته بجانب من الأهمية والفائدة.

١٦١

دمشق والقاهرة تشكلان نقطتي التجمع الرئيسيتين بالنسبة لجميع الذاهبين إلى الحجاز من الشمال ومن الغرب ؛ ولكن إذا كان المحمل قد احتفظ في الوقت الحاضر ببعض الأهمية ، فهو المحمل السوري فقط؟

سبل الحجاج في الحجاز

إن السبل في الحجاز هي بوجه الحصر دروب لمطايا الحمل ؛ أما الحركة على العجلات ، حتى ولو توفرت المركبات ، فيحول دونها الرمل الواعس في بعض الإنحاء وأحيانا انهيالات الحجارة. والسبيل الوحيد الممكن لأجل حركة العجلات هو السبيل بين جدّة ومكة ومنها حتى عرفات ؛ وفي هذا الاتجاه ينطلق الشريف والوالي اللذان يملكان وحدهما المركبات في الحجاز ويسافران بالعربات المكشوفة.

تربة جميع الطرق رمل خشن جدّا ، مكثف في المعتاد ، ونادرا ما يكون وعسا جدّا. والطرق في كل مكان ، بجوار الجبال ، تتناثر فيها أحجار متفاوتة الكبر ؛ أما الضيقة والمعبر ، فتعترضها كسور من الصخور تصعّب الحركة كثيرا.

وعلى الأغلب يستعملون في الطريق ماء الآبار ؛ والآبار تختلف كثيرا من حيث العمق ـ ٥ ساجينات إلى ١٥ ساجينا ؛ وهي اسطوانية الشكل ، وقطرها كبير ٢ / ١ ٢ ـ ٣ أرشينات ، وجميعها ملبسة جيدا بالحجارة ومزودة في غالب الأحيان بمزاريب من المادة نفسها لأجل السقاية. ويستقون الماء بقرب جلدية كبيرة يعلقونها بالحبال ، علما بأن عرض الآبار يتيح لبضعة أشخاص العمل في آن واحد. ونادرا ما تقع العين على ادوات من نوع البكرات الخشبية.

وبحكم العادة عند البدو ، يستطيع جميع المارة أن يستقوا الماء من الآبار بلا عائق ومجانا ؛ أما الماء من الصهاريج ، فلا يمكن الحصول عليه إلا بالشراء ، بدفع الثمن.

١٦٢

وقد تسنى لي شخصيا أن اسافر من الرأس الأسود (وتقع على ساحل البحر جنوبي جدّة على بعد زهاء ٢٠ فرستا) إلى مكة ومنها إلى عرفات ثم من مكة في طريق غاير إلى المدينة ومنها إلى ينبع. أما الطرق الأخرى ، فكنت استفيد بصددها من المواصفات التي وضعها محمد صادق باشا الذي قاد مرارا المحمل المصري والذي عبر جميع الطرق الرئيسية في الحجاز.

الطريق من جدّة إلى مكة ومنها إلى عرفات

الطريق بين جدّة ومكة هو أكثر السبل انتعاشا وانسبها في الحجاز ؛ طوله زهاء ٧٠ فرستا ؛ وتحرسه علة كل امتداده مخافر يضم كل منها ١٠ ـ ١٢ رجلا ، ويبعد الواحد منها عن الآخر ٥ فرستات تقريبا. وفي النقاط التي يتوفر فيها الماء ، توجد سقائف من القصب ، وهي ضرب من خانات قهوة أي مقاه يمكن الحصول فيها على القهوة والشاي. وعلى طول الطريق حتى حدة غير مستطاب في كل مكان. وبمحاذاة الطريق ينطلق الخط التلغرافي الواصل حتى مكة على أعمدة جيدة من الحديد الصب ، ومنها عبر عرفات إلى مدينة الطائف على أعمدة خشبية.

من جدّة إلى البحرة ، تتجه الطريق شرقا ، وتتصاعد بصورة غير ملحوظة ، وتعبر قاعا منبسطا لواد عريض محاط بجبال غير عالية ، مغطاة هنا وهناك باجمات من الشعب القاسي والشجيرات الشائكة «الشوك» ؛ والتربة صلبة في كل مكان. وعلى بعد ٦ فرستات تقريبا عن نقطة الانطلاق ، تقع أول قهوة في الرأس القائم ، وتقع «القهوة» التالية في رغامه ، على بعد ٤ فرستات تقريبا ، ثم ، على البعد ذاته ، قهوة جراده ، ثم على بعدين متساوين ، زهاء ٢ / ١ ٢ فرستا ، قهوة فرقاد وقهوة عوض ؛ وعلى بعد ٦ فرستات تقريبا من عوض يدخل الطريق وادي فاطمة العريض وينعطف إلى الشمال الشرقي ، متواجدا دائما في وسط الوادي المذكور.

١٦٣

١٦٤

وعلى بعد ١٥ فرستا من عوض تقع بلدة البحرة العربية ، في وسط الطريق إلى مكة تقريبا ؛ وفيها مقر الطابور الذي يحرس الطريق. ويحتفظ الطريق بالاتجاه الشمالي الشرقي ، في وادي فاطمة ويصل على بعد ٧ فرستات عن البحرة إلى حدّة ، ـ وهذه أول بلدة فيها بساتين. صحيح أن الماء عذب نسبيّا ، ولكنه يعج بحشرات ما. وعلى بعد ٢ فرستا تقريبا عن هذه النقطة الأخيرة ، يمضي الطريق في الرمال ثم ينعطف من الوادي صوب الشرق ، ويحتفظ عموما بهذا الاتجاه حتى مكة بالذات ، ويتلوى بين الجبال ، متحاشيا المرتفعات والمنحدرات ؛ وبدءا من حدّة ، تتزايد الجبال علوا بصورة تدريجية ، وتتزايد الفجاج ضيقا ، ويصبح الماء أعذب. وعلى بعد ٤ فرستات تقريبا عن جدّة ، تقع سالم ، ثم على بعد ٩ فرستات ، تقع شميسي ؛ وبين هاتين النقطتين توجد علامة بصورة أعمدة مركبة من الحجارة تشير إلى حدود الحرم. ثم تأتي مقتله على بعد ٤ فرستات ، ثم علة بعد ٣ فرستات تأتي بستان ، وعنها تبعد مكة زهاء ٥ فرستات ؛ في المرحلة الأخيرة يتميز قاع الفجاج ، الذي تمر به الطريق بتعرجات كبيرة لا يمهدها الماء ؛ ومرد ذلك إلى أن التربة صخور بصخور. وفي مثل هذه الأماكن ، نحت الناس في قديم الزمان على كل عرض المضيق درجات عريضة تصعّب التحرك على العجلات ولا تسهل التحرك على مطايا الحمل أيضا ؛ وعلى مثل هذه الدرجات تقع العين في كثير من الطرق في ضواحي مكة والمدينة المنورة.

المسافة بين جدّة ومكة تقطعها القوافل عادة في غضون يومين ، مع وقفة لمبيت الليل في البحرة أو في حدّة ؛ أما المسافرون على ظهور الحمير فإنه يتسنى لهم قطع المسافة في يوم واحد.

وبعد مكة ، تنطلق الطريق ، مع احتفاظها بالاتجاه السابق ، ولكن مع تميزها بارتفاع أكبر ، في قاع فج عميق وضيق ، هو وأدي المنى ؛ الجبال المحيطة ، التي تبلغ علوّا كبيرا ، تخلو من اية نباتات ، وتتألف

١٦٥

حصرا من كتل صخرية. وعلى بعد زهاء ٧ فرستات من مكة ، يضيق الفج كثيرا (حتى ٢٠ ـ ٣٠ ساجينا) ، ثم يبدأ يتسع من جديد تدريجيا بشكل قنينة ؛ وفي هذا الموقع المحصور بين جبال عالية ، تقع بلدة منى المؤلفة من زهاء ٢٠٠ بيت غير كبير ، لا يسكنها الناس إلا في غضون ٣ أيام من السنة ، أثناء الحج.

ومن منى يتسع الفج ، ويقل ارتفاع الجبال ؛ ويستمر طابع المحلة هذا زهاء ٦ فرستات حتى المزدلفة التي لا تتميز إلا بمسجد وحيد لا شأن له إلا في زمن الحج. وعلى بعد زهاء فرستا اثنين من النقطة الأخيرة ، يضيق الفج من جديد حتى ٤٠ ـ ٥٠ ساجينا ، وتمتد الطريق زهاء ثلاثة فرستات بين جدارين جبليين متوازيين وتخرج على وهدة رملية شاسعة ينتصب على طرفها الشمالي الشرقي جبل عرفات. والتربة على امتداد الطريق كله رميلة ، وتغدو واعسة بدءا من منى. ويستعملون الماء من مجرور مكة الذي يمتد في هذا الفج.

إن طريق الحج تنتهي فعلا عند عرفات ولكن الدرب الذي لا يجيز غير تحرك الحمير يستمر إلى أبعد ، حتى مدينة الطائف ، عابرا جبل القرى في محلة على علو ٥٨٢٠ قدما. وهذا الدرب هو في الصيف اقصر السبل وأكثرها إنتعاشا بين مكة والطائف.

السبل بين مكة والمدينة المنورة

بين مكة المكرّمة والمدينة المنورة توجد أربع طرق ، أحداها تتلوى حول جبال الحجاز من الشرق ، والأخرى من الغرب. واختيار هذه الطريق أو تلك عند الإنطلاق من مكة يجري عادة بإشارة من الشريف الذي يعرف العلاقات بين مختلف القبائل كما يعرف على العموم وضع الأمور بين البدو. وهناك طريق خامسة هي السبيل البحري ولكن نظرا

١٦٦

للمصاعب المذكورة أعلاه في المواصلات بين ينبع والمدينة ، لا يستفاد في السنوات الأخيرة من هذا الاتجاه مع انه أسهل.

فيما يلي أسوق أسماء النقاط التي تجد فيها القوافل المواقف في المعتاد ؛ ولكن لا بد من الإشارة إلى أن البدو الذين يملكون ما يكفي من القرب لأجل الماء ليس دائما يمضون في هذه المسيرة ، غالبا جدّا ما يأخذون احتياطيا من الماء ويتوقفون أيضا ، حسب الظروف ، في أماكن خالية تماما من الماء.

إن الطريق السلطاني هو بين الطرق الثلاثة انسبها وأسهلها.

جميع القوافل والركب التي تنطلق إلى المدينة المنورة تجتمع قرب جامع عمر الواقع على نحو خمسة فرستات إلى الشمال الغربي من مكة المكرّمة.

المرحلة الأولى حتى وادي فاطمة ؛ حوالي ٢٥ فرستا من مكة. يتجه الطريق إلى الشمال الغربي بين كثبان الرمال التي تتخللها مرتفعات ومنحدرات طفيفة ، ويدخل قبل النقطة النهائية بزهاء فرستا اثنين إلى مضيق وادي فاطمة الواسع الذي يتواجد قرب طرفه الغربي نبع كبير ذو ماء عذب وبساتين بالأسم نفسه تتوقف القوافل قربها.

المرحلة الثانية ، حوالي ٥٠ فرستا ، حتى آبار وبلدة اسفان وبئر الطفلة. التربة في هذه المرحلة رمل وعس في كثير من الأحيان ؛ والجبال الصخرية العالية التي تحيط بالطريق غالبا ما تفترق وتشكل سهولا رميلة عريضة. وهناك كثرة من الأشجار ، وأعشاب قاسية ، والسنا المكي. وقبل اسفان توجد مزروعات شاسعة من الذرة الصفراء والقرعيات. الماء في الآبار ممتاز ، ووفير. وفي القرية يمكن شراء البيض والحليب والخبز. وهناك أكواخ بناها السكان من الأغصان والعشب الجاف يؤجرونها من عابري السبيل لقاء مبلغ معين.

١٦٧

المرحلة الثالثة ، حوالي ٣٥ فرستا ، حتى نبع خليص. الطريق في الفرستات الأربعة الأولى صعبة جدّا ، وتمر في شق ضيق جدّا تسده الحجارة مع تربة رملية وعسة. على السفوح المجاورة تظهر ساحات كبيرة من قطاعات مطهرة من الحجارة ومعدة لأجل الزرع والسقاية بماء السماء. ثم يتجه الطريق بين مجموعات متفرقة من الجبال. التربة في كل مكان رملية جدّا ؛ النباتات كثيرة. في خليص مزارع من النخيل والقرعيات.

المرحلة الرابعة ، حوالي ٣٥ فرستا ، حتى بئر وبلدة قضيمة. الطريق من خليص تنحرف أبعد من الشمال ، وتتجه في الفرستات ال ١٠ الأولى في رمال وعسة. الجبال أقل ارتفاعا وأكثر تفرقا. ثم يخرج الدرب إلى شريط ساحلي مسطح ، متساو (تهامة) ، ويتجه بموازاة ساحل البحر ، بعيدا عنه زهاء ٦ ـ ٧ فرستات. التربة في تهامة مناسبة جدّا في كل مكان لأجل الحركة ـ رمل بحري مرصوص دون نتوءات ووهاد واوقاط وما إلى ذلك. غالبا ما تقع العين على شجيرات العشّر والأعشاب. قبل الوصول إلى البلدة ، تنبسط مزارع القرعيات على جانبي الطريق. الماء في الآبار مالح نوعا ما. وفي البلدة ، كما في اسفان توجد أكواخ لأجل عابري السبيل.

المرحلة الخامسة ، حوالي ٦٠ فرستا ، حتى بلدة رابغ. تنطلق الطريق دائما على ساحل البحر ؛ وهي مستوية تماما ومناسبة جدّا لأجل الحركة. رابغ بلدة غير كبيرة تقع على بعد نحة فرستا اثنين من ساحل البحر. نظرا لموقعها في عقدة طريق بين مكة والمدينة المنورة ، ونظرا لوجود أكثر البدو ميلا للشغب والتمرد بين الرحل ، وأكثرهم تعديا وسلبا لقوافل الحجاج ، تعلق السلطات التركية عليها أهمية خاصة وتحتفظ هنا على الدوام بنصف طابور من القوات المسلحة المرابطة في قلعة خاصة. وفي هذه البلدة ٣٦٩ نسمة و ١١٦ بيتا مبنية من الطوب الأخضر. أثناء

١٦٨

تحرك قوافل الحجاج يفتحون هنا زهاء ٦٠ دكانة تتاجر على الأغلب بالمؤونة. وفي البلدة سبع آبار ذات ماء مالح نوعا ما ؛ ولذا يستقون الماء عادة من الصهاريج المقامة خارج البلدة. القوافل التي تعبر رابغ تتوقف عادة في خارجها. من الجانب الشمالي والغربي تقع بلصق البلدة مزارع شاسعة من النخيل.

المرحلة السادسة ، حوالي ٢٥ فرستا. حتى بئر مستوره. تنطلق الطريق باستمرار على شاطئ البحر ؛ وهي ملائمة جدّا لأجل الحركة. بين آبار مستوره بئر واحدة فقط يصلح ماؤها للشرب.

المرحلة السابعة ، حوالي ٤٠ فرستا. حتى آبار بير الشيخ. تستمر الطريق على شاطئ البحر ، وتنعطف إلى الشمال قبل الوصول إلى الآبار المذكورة ، وتدخل الجبال. ماء الآبار عذب.

المرحلة الثامنة ، حوالي ٤٥ فرستا. حتى بلدة الصفراء. تنعطف الطريق صوب الشمال الشرق وتستمر صعودا في مضيق وادي الصفراء. في هذه البلدة زهاء ٥٠٠ نسمة ؛ وبفضل الينابيع توجد بساتين ومزارع ، وعلى الأغلب من النخيل ومن أشجار الليمون والحناء والفلسنك.

المرحلة التاسعة ، حتى آبار بير العباس ؛ حوالي ٤٠ فرستا. تنطلق الطريق في الفج نفسه الذي يزداد ضيقا بعد الصفراء. على بعد زهاء ١٠ فرستات من نقطة البداية تقع بلدة شبيهة ببلدة الصفراء ؛ اسمها الحمراء وهي بلدة ذات بساتين وماء عذب. على البعد نفسه عن النقطة الأخيرة ، بلدة الجديدة ـ وهي عبارة عن مجموعة من البيوت من الطوب الأخضر ، ولها نبع ذو ماء غير لذيذ وغير صحي ، وبضع مزارع من النخيل. قرب هذه النقطة ، يضيق الفج كثيرا ، حتى ٧ ساجينات في بعض الأماكن ، مع صخور عالية رأسية تقريبا ؛ واحد هذه الافاجيج يقع أدنى من البلدة بقليل ويسمى «بوغاز الجديدة» ، ويحظى بسمعة سيئة جدّا من جراء قيام رجال قبيلة بني حرب باعتراض طريق القوافل العابرة هنا.

١٦٩

والبلدات الثلاث المذكورة آنفا تسترعي الإنتباه بواقع انه يوجد بين أصحاب البساتين عدد كبير من الزنوج ، العبيد السابقين. وقرب بير العباس تشكل الجبال سهلا عريضا توجد في وسطه البئر ؛ وقرب البئر تنتصب قلعة مهملة كانت ترابط فيها فيما مضى حامية تركية لأجل حماية القوافل العابرة. وتوجد قلاع مماثلة في النقاط السابقة ـ الحمراء ـ الجديدة ، الصفراء. الماء في البئر جيد.

المرحلة العاشرة ، حوالي ٤٠ فرستا ، حتى آبار الشهداء. على بعد نحو فرستا واحد من بير العباس تدخل الطريق من جديد في مضيق ، هو هنا أقل عمقا ، واعرض ؛ ثم تتصاعد بشكل ملحوظ وتمر قرب آبار بير الراحة العذبة الماء الواقعة تقريبا في منتصف هذه المرحلة ، وتصل إلى آبار الشهداء.

المرحلة الحادية عشرة ، حوالي ١٥ فرستا ، حتى آبار بير الشربوفي. تحتفظ المحلة بالطابع نفسه. الماء في الآبار عذب.

المرحلة الثانية عشرة ، حتى المدينة المنورة ؛ حوالي ٥٠ فرستا. منذ منتصف الطريق يتوارى المضيق ، وتتلوى الطريق بين جبال غير عالية. قبل المدينة بنحو ١٠ فرستات ، تدخل الطريق من جديد في مضيق واسع تظهر لمحاذاته آبار في جوارها بساتين. ومجموعة من هذه الآبار تقع على بعد نحو ٥ فرستات من المدينة المنورة وتسمى بيار العلي ، وتشكل مكانا لأجل جمع القوافل المنطلقة من المدينة المنورة إلى مكة أو إلى ينبع. النصف الثاني من الطريق المذكور أعلاه شحيح النبات ، باستثناء الساحل. ونادرا ما تقع العين على أشجار الشوك ، ومنها يقتطع سواقو الجمال العيدان لأجل الوقود أثناء الوقفات.

يبلغ الطريق السلطاني زهاء ٤٦٠ فرستا ، وهو ملائم لأجل حركة القوافل لخلوه من المرتفعات والمنحدرات الشديدة ، ولوفرة الماء الجيد في الآبار ولكن غالبا ما يقع الاختيار على سبيل آخر اقصر ولكنه أصعب ،

١٧٠

هو الطريق الفرعي ، تخوفا من أن يمنع رجال قبيلة بني حرب من اجتياز الطريق السلطاني عبر بوغاز الجديدة.

إن الطريق الفرعي ينفصل عن الطريق السلطاني في رابغ ، متجها إلى اليمين صوب الشمال الشرقي ، ويدخل في الجبال على بعد نحو ١٥ فرستا ؛ ثم يتجه بمحاذاة مضيق خرشان ويتصاعد حتى آبار رضوان (ذات الماء العذب). طول هذه المرحلة السادسة ، إذا حسبنا بدءا من مكة ، حوالي ٥٠ فرستا.

المرحلة الأولى ، حوالي ٣٠ فرستا ، حتى بلدة أبو دباغ حيث يوجد نبع زمزارع من النخيل ؛ الطريق في هذه المرحلة ضيق جدّا بين الجبال ويجتاز افاجيج ضيقة.

المرحلة الثانية ، حوالي ٢٥ فرستا حتى بلدة الريّان حيث يوجد نبع وبساتين. في هذه المرحلة توجد كثرة الينابيع تجاورها مزارع النخيل وبلدات صغيرة للبدو من قبيلة عوف.

المرحلة الثالثة ، حتى مضيق وادي الغدير العريض والخالي من الماء ؛ حوالي ٢٥ فرستا ؛ من الريّان يزداد الانحراف بروزا. على بعد ١٥ فرستا تقريبا مرتفع ضيق وصعب في معبر ري الهيف ثم منحدر معتدل حتى الغدير.

المرحلة الرابعة ، حتى بئر الوايا ، حوال ٣٥ فرستا. الطريق يتحاشى الجبال ، ينعطف بحدة صوب الشمال الغربي ، ثم يتجه شمالا بعد نحو ١٠ فرستات قرب بئر العظم ، حتى نهاية المرحلة.

المرحلة الخامسة ، حوالي ٥٥ فرستا ؛ حتى المدينة المنورة. من الوايا يتجه الطريق إلى الشرق حتى نقطة بئر الماشي الواقعة وسط سهل عريض تنتصب فيه قلعة تركية كبيرة مهجورة توجد في جوارها بئر عذبة الماء. من هنا تنطلق الطريق بمحاذاة وقط عريض ، وتنعطف تدريجيا

١٧١

صوب الشرق وتصل إلى آبار بيار العلي حيث يتحد الطريق الفرعي مع الطريق السلطاني.

طول الطريق الفرعي زهاء ٤٢٥ فرستا ؛ والطريق غني بالماء في السفح الغربي من الجبال. بفضل كثرة القرى تتوفر كثرة من احتياطيات العلف. قبيلة عوف التي يمر هذا الطريق في أراضيها أكثر مسالمة من قبيلة بني حرب ، ولكن المرتفع من جهة رابغ حجري جدّا وعسير جدّا.

الطريق الثالث اقصر أيضا بعض الشيء ، ولكن نظرا للمعبر الصعب لا يصلح للحركة إلا على ظهور الهجائن الخفيفة ـ اسم هذا الطريق طريق الغاير ، وهو ينفصل عن الطريق السلطاني ، مثل الطريق الفرعي ، في رابغ.

المرحلة الأولى ، حوالي ٤٥ فرستا ؛ حتى آبار مبيرك. على امتداد ٨ فرستات تقريبا ، يتجه الطريق صوب الشمال الشرقي ويجتاز شريطا ساحليا ، مستويا ، ثم يدخل تلالا سفحية ، ويعبر أفاجيج صغيرة ، ويدخل واديا عريضا دون أن يصل إلى الآبار. في هذه المرحلة تتواجد نتوءات حجرية غير ملائمة للعبور. الماء عذب تقريبا.

المرحلة الثانية ، حوالي ٤٥ فرستا ؛ حتى آبار الرصفة. الطريق يمر دائما في مضيق متصاعد ذي انحدار طفيف. الماء غير لذيذ اطلاقا.

المرحلة الثالثة ، حوالي ٢٥ فرستا ؛ حتى اسافل جبال الغاير. الطريق يتجنب الفج إلى اليمين ، وينحرف إلى الشمال ويعبر بضعة نتوءات عالية ؛ وقبل زهاء خمسة فرستات من وصوله إلى الجبال ، ينحدر إلى سهل عريض رملي يتاخم الغاير ، ويمتد في هذا السهل ، وينعطف بمحاذاة الجبال صوب الشمال الغربي. لا ماء.

المرحلة الرابعة ، حوالي ٧٠ فرستا ، حتى بئر الماشى. يبدأ صعود الجبال في الإتجاه الشمالي الشرقي بمحاذاة مضيق غير كبير ؛ طول

١٧٢

الصعود زهاء ١٠ فرستات ؛ الطريق في البدء ينحدر تدريجيا ، ثم ، في الفرستات الستة الأخيرة ، يشتد انحداره ، ويتلوى بين كتل كبيرة من الحجارة. الصعوبة الكبرى لا تشكلها المنحدرات الكبيرة (لا تربو على الخمس) ، بل تشكلها هذه الحجارة المتراكمة في بعض الأماكن بصورة حيود ، والتي تترك في أماكن أخرى ممرا ضيقا جدّا بحيث أن الجمل ينقل قوائمه بصعوبة. ولا يمكن الصعود إلا بالترجل ، سيرا على الأقدام. والمعبر نفسه بصورة نتوء يفترق من جانبيه فجان ؛ وفي المعبر ، آبار عميقة محفورة في الصخر لأجل تكديس ماء المطر. النزول في المضيق الواسع معتدل جدّا ؛ وهناك كثرة كثيرة من أجمات أشجار الشوك الكبيرة ، وكذلك كثرة من الساحات الأفقية المحّضرة بواسطة جدران داعمة والمعدة لأجل المزروعات. أثناء الوفقة ، تستعمل الركب ماء المطر من الخزانات القائمة على بعد نحو فرستا اثنين من الطريق. في بئر الماشي تلتقي طريق الغاير مع الطريق الفرعي.

المرحلة الخامسة ، حوالي ١٥ فرستا ، حتى المدينة المنورة. طول طريق الغاير زهاء ٤٠٠ فرستا. والطريق ـ عدا الصعود الصعب في المعبر من جهة رابغ وبعض النتوءات الحجرية عند دخول الجبال ـ مناسب جدّا لأجل الحركة على كل امتداده الباقي. الجانب المطل على البحر غني باجمات الشوك ؛ أما الماء فقليل ، وسيء جدّا. وهذا اقصر طريق بين مكة والمدينة المنورة ، ويمكن اجتيازه بدون صعوبة خاصة على الهجائن في غضون خمسة أيام. يقولون انه يمكن في الحالات الاستثنائية قطع هذه المسافة علة الهجائن ذاتها في يومين. الغاير طريق تاريخي ؛ فعليها هاجر محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في سنة ٦٢٢ من مكة إلى المدينة المنورة.

الطريق الرابع بين مكة والمدينة المنورة يدور حول الجبال من طرفها الشرقي ويمتد على الحدود بين الحجاز ونجد ؛ وهو يسمى الطريق الشرقي.

١٧٣

المرحلة الأولى ، حتى بلدة وادي الليمون ، حوالي ١٥ فرستا. الطريق يمتد بين جبال عالية في الاتجاه الشمالي الشرقي. ولهذا الوادي ، كما لوادي فاطمة ، ماء جار بفضله يتعاطى البدو المحليون زراعة الخضراوات والقرعيات ، مزودين مكة بالبطيخ والخضراوات.

المرحلة الثانية ، حوالي ٣٠ فرستا ، حتى بئر المضيق ذات الماء المالح نوعا ما.

المرحلة الثالثة ، حوالي ٥٠ فرستا ، حتى وادي البركة. على بعد زهاء ١٥ فرستا عن البئر السابقة ، عند الخروج من الجبال ، توجد حفرة يتجمع فيها ماء المطر ، اسمها الحفائر ومنها تأخذ القوافل احتياطيات الماء لأجل مواصلة الطريق ، لأنه لا وجود للماء في البركة.

المرحلة الرابعة ، حوالي ٥٠ فرستا ، حتى بئر الحاضه الطريق ينعطف صوب الشمال بدءا من النقطة السابقة ؛ وبما أن الحاضه تقع في الجبال ، فإن الطريق ينعطف صوب الشمال الغربي ويصل إلى هذه الآبار ذات الماء العذب.

المرحلة الخامسة ، حوالي ٦٠ فرستا ، حتى الآبار ذات الماء العذب في سفيان. يخرج الطريق من جديد إلى طرف الجبال ويتجه شمالا.

المرحلة السادسة ، حوالي ٧٥ فرستا ، حتى آبار الحجرية.

المرحلة السابعة ، حوالي ٣٠ فرستا ، حتى آبار غراده ؛ لماء هذه الآبار رائحة الكبريت ، ولكنه يتواجد في كل مكان على عمق غير كبير ـ مقدار ارشين أو ارشينين.

المرحلة الثامنة ، حوالي ٦٠ فرستا ، حتى حفرة «حنك» أو «غدير» ، التي يتجمع فيها ماء المطر. في هذه المرحلة يتجه الطريق صوب الشمال الغربي.

المرحلة التاسعة ، حوالي ٣٥ فرستا ، حتى المدينة المنورة. ينعطف

١٧٤

الطريق إلى الغرب ، ويدخل الجبال ، ويمضي فيها حتى المدينة المنورة بالذات.

الطريق الشرقي البالغ طوله زهاء ٤٠٠ فرستا يمر في محلة أكثر خلّوا من الماء ، ولذا يستعملونه بصورة نادرة نسبيّا ، وذلك حين تكون الطرق الأخرى فادحة الخطورة بسبب إعتداءات البدو ، رغم انه توجد في هذا الطريق ، كما يقولون ، كثرة من الأعشاب لأجل الجمال ، ورغم أن الحر هنا في الصيف اخف.

الطريق بين المدينة المنورة وينبع

بين المدينة المنورة وينبع يوجد طريق كبير للقوافل يتطابق اتجاهه حتى بلدة الحمراء مع اتجاه الطريق السلطاني.

على بعد زهاء ٣ فرستات عن الحمراء ، تخرج الطريق من مضيق وادي الصفراء وتنحرف إلى الشمال الغربي وتمضي في هذا الاتجاه حتى بئر السيّد ، وغالبا ما تقطع نتوءات حجرية غير عالية. من الحمراء إلى بئر السيد حوالي ٣٥ فرستا ، الماء في الآبار جيّد.

من البئر المذكورة آنفا تمتد الطريق في الاتجاه ذاته وبابع المحلة ذاته زهاء ٣٠ فرستا ، وتخرج على شريط ساحلي مستو ، ثم تتصل بالسبيل المنطلق بمحاذاة شاطئ البحر وتنعطف في الاتجاه الشمالي الغربي بموازاة الشاطئ ، وتصل على هذا النحو إلى ينبع بالذات. طول هذه المرحلة الأخيرة زهاء ٧٥ فرستا.

طول الطريق من المدينة المنورة إلى ينبع زهاء ٢٣٠ فرستا. والقوافل تقطعه عادة في خمسة أيام ؛ وكما سبق أن قلنا ، غالبا ما يقطع رجال قبيلة بني حرب هذا الطريق في افاجيج الجديدة ، ولهذا يفضل الحجاج في بعض السنين العودة من المدينة المنورة إلى مكة لكي يغادروا الحجاز عبر جدّة. وإن احتياطي الحبوب الذي ارسلته الحكومة المصرية

١٧٥

١٧٦

لأجل «التكية» في المدينة المنورة قد تم تفريغه في خريف هذه السنة (١٨٩٨) في جدّة ، ومنها نقلوه على ظهور الجمال إلى المكان المقصود.

مسيرة المحمل السوري

٨٨ وقفة على التوالي

اسم مكان الوقفة

عدد ساعات السير لأجل الجمال

٠

دمشق

 ـ

١

الكسوة

ساعة ١

٢

الكتيبة

ساعة ٢

٣

المضاربة

ساعة ٣

٤

الرمة

ساعة ٥

٥

المفرق

ساعة ١٠

٦

الزرقاء

ساعة ١٣

٧

البلقاء

ساعة ١٦

٨

الكسنا

ساعة ١٤

٩

الحسا

ساعة ١٣

١٠

عنيزه

ساعة ١٣

١١

مصان

ساعة ١٩

١٢

مدورة

ساعة ١٨

١٣

عقبة

ساعة ١٨

١٤

زياد الحج

ساعة ٨

١٥

قاع الصغير

ساعة ١٣

١٦

آسي حرمه

ساعة ١٢

١٧

الأخضر

ساعة ١٨

١٨

معدم

ساعة ١٤

١٩

دار الحمراء

ساعة ١٦

٢٠

مدائن صالح

ساعة ١٨

٢١

بيار الغنم

ساعة ١٠

٢٢

بئر الزمرد

ساعة ١٦

٢٣

بئر الجديد

ساعة ٨

٢٤

حضينه

ساعة ١٨

٢٥

فحل التين (ملالح)

ساعة ١٨

٢٦

بيار ناصيف (دايني)

ساعة ١٠

٢٧

المدينة المنورة

ساعة ١٠

٢٧

ساعة ٣٣٤

١٧٧

مسيرة المحمل المصري

(من المدينة المنورة إلى الوجه)

٠

المدينة المنورة

ساعة ١٠

٦

فقير

ساعة ٨

١

دايني

ساعة ١٠

٧

عقاله

ساعة ١٣

٢

ملالح

ساعة ١٠

٨

مطير

ساعة ١٥

٣

شجيوه

ساعة ١٢

٩

حوسيله

ساعة ٨

٤

آبار الحلوه

ساعة ١٠

١٠

أم حرز

ساعة ١٥

٥

حفاير

ساعة ١٠

١١

الوجه

ساعة ٩

١٧٨

الفصل الثالث

مكة المكرّمة والمدينة المنورة وغيرهما

من النقاط الآهلة في الحجاز وأهميتها

مكة المكرّمة

مكة أو بكة ، أو كما يسمونها عند المسلمين ، خارج الحجاز ، مكة المكرّمة ، تضم مقدسات الإسلام الرئيسية ؛ وهي الآن المركز الإداري والتجاري الرئيسي في الحجاز.

موقع المدينة

تقع المدينة على بعد ٧٠ فرستا تقريبا شرقي جدّة ، في محلة تحفل كثيرا بالجبال الصخرية ، ضمن فج ضيق ، متشعبة في تفرعاته ، متصاعدة إلى السفوح المجاورة حيث يتيح انحدارها. ومكة غير مطوقة بسور مثل سائر مدن الحجاز ، ولكن تنتصب في مرتفعين مهيمنين قلعتان غير كبيرتين تشغلهما الحامية التركية.

البيوت

البيوت في مكة مبنية في المعتاد من ثلاثة طوابق ، مع انه توجد كذلك بيوت من ٤ أو ٥ طوابق. الهندسة المعمارية أصلية جدّا. جميع الجدران تحفل بصفوف من نوافذ ناتئة تسمى «مشربية». أما مادة البناء

١٧٩

١٨٠