الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

عبد العزيز دولتشين

الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

المؤلف:

عبد العزيز دولتشين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٦

طبقة الحجاج المعدمة

هناك عامل آخر ييسر انتشار مختلف الأمراض الوبائية ويزيد من سوء الظروف الصحية في جميع النقاط الآهلة في الحجاز التي يجري فيها تجمع الحجاج ، هو النسبة الكبيرة من الحجاج المعدمين.

لقد سبق أن قلنا أن إداء فريضة الحج مرة واحدة في الحياة ليس ، بموجب الشريعة ، فرضا الزاميا إلا على أولئك المسلمين الذين يملكون ما يكفي من الأموال لأجل القيام بهذه السفرة لأجل تأمين عيالهم حتى عودتهم ؛ وهذه القاعدة تلقى تفسيرا واحدا عند جميع مذاهب السنيين الأربعة وعند الشيعيين. ولكن إلى جانب تفسير الشريعة ، قامت عند بعض الشعوب عادات تتطلب إداء هذه الفريضة من قبل جميع الأفراد ممن يملكون الكفاءة البدنية ، ولهذا يظهر في الحجاز عدد كبير من الحجاج تتلخص جميع أموالهم واحتياطياتهم لكل مدة هذه السفرة الطويلة في إناء لأجل الماء وقطعة من قماش ما لأجل توفير الظل في أماكن التوقف. وأمثال هؤلاء الحجاج ، كما قيل لي ، تعطي أكبر عدد منهم اليمن (قبيلة حضر موت) والهند وافريقيا الشمالية ؛ ومن قبل كانت مصر تعطي هذا العدد الكبير أيضا. وفضلا عن هؤلاء الأشخاص الذين يتوافدون إلى الحجاز تحقيقا للعادة المتبعة ، يتوافد في وقت الحج عدد كبير من شتى المتشردين والفقراء من أبناء جميع القوميات وجميع البلدان. وأكبر عدد من هؤلاء يأتي بالطبع من الأماكن القريبة ، ولكن يوجد بينهم أفراد من سكان آسيا الوسطى وقشغر وافغانستان والقفقاس وايران وتركيا وغيرها ، بل أني تقابلت مع شخص من روسيا يقيم في محافظة كوفنو (١). وجميعهم يأتون عادة سيرا على الأقدام ، وبعض منهم

__________________

(١) المركز ـ مدينة كوفنو. منذ سنة ١٩١٧ كاوناس ، مدينة في ليتوانيا.

مكتبة فرع لينينغراد لمعهد الاستشراق لدى اكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي ، ـ.

٣٢١

يتجوب عدة سنوات ؛ المتحدرون من آسيا الوسطى وقشغر يأتون عبر افغانستان وايران إلى بغداد أو دمشق حيث ينضمون إلى احدى قوافل الحجاج أو يمضون إلى القسطنطينية أو إلى أحد مرافئ آسيا الصغرى وسوريا لكي يركبوا هناك على البواخر التركية التي تحمل الحجاج ؛ وسكان الهند وافغانستان وايران يمضون عادة إلى بغداد أو البصرة ، وسكان افريقيا الشمالية يذهبون مع قوافل مواطنيهم الذين يسافرون برا عبر السويس والعقبة.

وجميع هؤلاء الحجاج المعدمين يعيشون في الطريق كله من جمع الحسنات بوجه الحصر ؛ وحين يصلون إلى مكة ، يقيمون عادة في الحرم أو مباشرة في الشوارع ، ويأكلون جزئيّا في التكيات ، وبصورة رئيسية من الحسنات من جديد ، ولذا تكون شوارع مكة على الدوام حافلة بهم طوال اليوم كله.

ومع سائر الحجاج ينطلقون إلى عرفات ويتوزعون هناك ، بعض تحت الجنبات ، وبعض تحت الصخور ، ثم يمضون إلى منى مدبرين أمورهم في هذه الأيام الثلاثة تحت صخور السفوح الجبلية المحيطة. وبعد حياة مديدة من الجوع ينقض هؤلاء الفقراء هنا بنهم على اللحم المجاني ويستغلون وفرته فلا يحاولون سد جوعهم بفيض وحسب ، بل يحضرون أيضا اللحم المجفف لأجل مواصلة السفر. وقد قال لي طبيب من الأطباء المحليين عاش طويلا في مكة وشهد كثرة من أوبئة الكوليرا في منى أن هذا الوباء يبدأ دائما ، حسب مراقباته ، من أمثال هؤلاء الحجاج الذين لا مأوى لهم ، رغم انه فسر السبب ، لا بالظروف التي يواجهونها ، بل بكونهم يرتدون البسة من قماش الأكياس التي ينقل بها

__________________

ـ XXVII (٢٧) ١٢ / ٣٤. النص الرسمي مع الختم «سري» نشر سنة ١٨٩٩ في بطرسبورغ في مطبعة هيئة الأركان العامة

٣٢٢

الرز من الهند ؛ ومع هذه الأكياس ، برأيه ، تنتقل مسببات الأمراض.

بعد الحج يمضي قسم من الحجاج المعدمين إلى جدة حيث تجبر السلطات المحلية ربان كل باخرة بقبول بضع عشرات من هؤلاء الفقراء مجانا. والبواخر التركية التي تنقل الحجاج في رحلة ثانية من الحجاز تكون على الأغلب مشغولة مجانا بأمثال هؤلاء الركاب. وقسم آخر من هؤلاء الحجاج ينضم إلى قافلة وينتقل معها إلى المدينة المنورة ؛ وهنا يقيمون ، عادة ، نهارا في الحرم ، وليلا في الشوارع المجاورة ، حين يغلق الحرم أبوابه. أما المصدر الرئيسي لطعامهم في المدينة المنورة فهو هنا أيضا الصدقة ، وجزئيّا التكية المصرية. وبقدر ما تنطلق قوافل الحجاج من المدينة المنورة ، يتفرق هؤلاء الحجاج المعدمون تدريجيّا في جميع الاتجاهات ؛ بعضهم يمضي مع المحمل السوري إلى دمشق ، وآخرون يمضون إلى بغداد أو البصرة ، وبعض ثالث إلى ينبع بأمل الحصول على مكان في باخرة. وفي المحاجر الصحية ، يتمتع الحجاج المعدمون بالمؤونة على حساب الحكومة.

يبدو أن كثيرين من هؤلاء الأفراد ، إذ يصلون سيرا على الأقدام أو ركوبا إلى مدينة ما ، يبقون فيها حتى الحج التالي ويعودون من جديد إلى الحجاز. فقد تسنى لي في بيروت ودمشق أن اقابل في أوقات مختلفة مع بضعة أفراد فقراء من إيرانيين وبخاريين وقشغريين عادوا من مكة. وسألتهم : كيف يعتزمون السفر إلى أوطانهم البعيدة ، فأجاب الجميع أنهم ينتظرون رمضان المقبل ، ويركبون باخرة تركية ويعودون إلى مكة حيث قد يوافق مواطن من مواطنيهم القادمين إلى الحج بنقلهم إلى الوطن.

هذه الطبقة المعدمة من الحجاج التي تواجه اسوأ الظروف الصحية هي بلا ريب عنصر غير مرغوب فيه إطلاقا. وليس من المتوقع أن تسنح الفرصة بمنعهم كليّا من الدخول إلى الحجاز. ولكن إذا حظيت وسائل المسافر المادية بمزيد من الاهتمام لدن منح جوازات السفر للحج ، وإذا

٣٢٣

رفضت البواخر التركية نقل الحجاج مجانا إلى الحجاز ، وإذا منع المحمل السوري الفقراء من اللحاق به ، لقل كثيرا ، أغلب الظن ، عدد هذا الطراز من الحجاج.

التدابير التي ينصح بها الدكتور المختص

لتنظيم قضايا الحج ينصح الطبيب باتخاذ التدابير التالية :

١ ـ «مطالبة كل حاج بشهادة تفيد انه يملك ما يكفي من الأموال لأجل رحلته ولأجل إعالة نفسه». هذا التدبير يجري تطبيقه منذ حين في مصر ؛ فعند منح جواز السفر لأجل الحج ، كان المطلوب في سنة ١٨٩٩ توفر تذكرة بالسفر ذهابا وإيابا على الباخرة وتقديم ضمانة قدرها ١٥٠ قرشا ، ٥٠ قرشا منها في صالح المحجر الصحي ، و ١٠٠ قرش تنفق على أطعام الحاج إذا تبين انه صار خالي الوفاض. ولتقليل عدد الحجاج المعدمين ، من المرغوب فيه أن تطبق الحكومات الأخرى أيضا هذا التدبير. أما المسلمون الروس ، فإن المعدمين بينهم ظاهرة استثنائية ، نادرة جدّا. وإذا هوى أحد منهم إلى هذا الوضع من جراء حادثة مشؤومة ما ، فإن مواطنيه يساعدونه عادة.

٢ ـ «بدون إذن خاص من السلطات المعنية على الأقل ، يمنع الحج على :

أ ـ الأولاد ممن لم يبلغوا العشرة من العمر.

ب ـ النساء في المرحلة الأخيرة من الحمل.

ج ـ العميان.

د ـ الشيوخ الهرمين.

ه ـ الأفراد الذين ليس لديهم إفادات بالتلقيح ضد الجدري في غضون السنوات الثلاثة الأخيرة».

٣٢٤

وقد سبق أن ذكرنا انه من النادر جدّا أن يسافر الحجاج من روسيا مع عائلاتهم ؛ وإذا سافروا مع زوجاتهم ، فعادة يسافرون بدون الأولاد. ولكن يوجد بينهم كثيرون من الشيوخ ، علما بأن الشيوخ يموتون بمعظمهم أثناء هذه السفرة الصعبة.

٣ ـ «تزويد الحجاج بتعليمات مطبوعة بصدد التدابير الصحية الرئيسية الضرورية أثناء السفر إلى الحجاز :

أ ـ أية مؤونة يصح أخذها.

ب ـ أية اساليب لتنقية الماء بواسطة المصافي.

ج ـ أية البسة مناسبة للمناخ.

د ـ أية اشياء ضرورية للسفر ، كالأغطية وما إلى ذلك.

ه ـ أية أدوية يجب أخذها تحوطا للأمراض المفاجئة».

٤ ـ «من الضروري تواجد الصيدليات في مكة ومنى وينبع».

في مكة توجد صيدليات منذ حين ؛ في منى يجري توزيع الأدوية من الحجر الصحي.

٥ ـ «الزام كل باخرة تنقل الحجاج بأن يكون على متنها طبيب مختص». الأطباء من هذا النوع يعملون منذ حين على جميع البواخر.

٦ ـ «من الضروري في جدة وينبع نقل قذر البواليع إلى خارج المدينة ، عوضا عن طمرها في الشارع ، لأن الماء في الأحواض المجاورة يتلوث نظرا للتربة الرخوة».

٧ ـ «وصل ينبع التي يمر عبرها عدد كبير من الحجاج ، بالتلغراف ، مع جدّة أو نقطة آهلة أخرى».

٨ ـ «حرق جيف الأغنام في منى عوضا عن طمرها. أما إذا استحال تنفيذ هذا التدبير ، تعين على الحجاج الامتناع عن تقديم الأحاضي في

٣٢٥

جميع الأيام الثلاثة من الإقامة في منى ، والأكتفاء بتقديمها في اليوم الأخير قبل الرحيل من منى ، الأمر الذي تسمح به الشريعة». التدبير الأخيرة ، إذا لم يستتبع التسرع البالغ والهرج والمرج وشتى ضروب الفوضى ، من شأنه أن يمارس تأثيرا خيرا في الوضع الصحي في منى. ولكن ، من جهة أخرى ، لا يستطيع الحجاج ، بموجب الشعيرة ، أن يخلعوا ثياب الأحرام إلا بعد تقديم الأضاحي. ولهذا سيتعين عليهم أن يبقوا خلال اليومين الأولين في هذا اللباس غير المريح ، الأمر الذي ينعكس بأقصى الضرر على صحة الأغلبية.

٩ ـ «تجنبا للتماس بين الحجاج القادمين من الجنوب ، مثلا ، من الهند وجزر السند حيث الكوليرا يتواجد في شكل مرض مستوطن ، وبين سائر الحجاج القادمين من الأقطار السليمة ، يجب أقرار دور يجيز لسكان الهند وغيرها الدخول إلى الحجاز في سنة ، وللحجاج من البلدان الشمالية في سنة أخرى». هذا التدبير الهام من شأنه على كل حال أن يكون نافعا جدّا لأنه يقضي على خارق تجمع الحجاج فيمكة وعند عرفات وفي منى ، الأمر الذي يشكل على الصعيد الصحي إحدى سلبيات الحج الرئيسية.

١٠ ـ أخيرا. لأجل تسهيل حركة الحجاج في طريقهم الرئيسي ، يوصي صالح صبحي بوصل جدّة بمكة بالسكة الحديدية. ولكن ، أغلب الظن ، لن يرى الحجاز عم قريب السكة الحديدية في ربوعه.

هذه هي التدابير المرغوب ، برأيي ، في تطبيقها بأسرع وقت ممكن ؛ وهذه التدابير لا تتنافى ، لا مع مفاهيم الجموع ، ولا مع الشريعة ، ولا تتطلب نفقات كبيرة جدّا.

ولو كان الحجاز خاضعا لحكومة أخرى ، أشد همة ونشاطا من الحكومة العثمانية ، لحظى أغلب الظن ، بقدر معين من الرفاه واليسر ؛ ولتوفرت في النقاط الآهلة التي يتجمع فيها الحجاج ظروف صحية

٣٢٦

أفضل ، ولجرى تعقيم الأغنام المذبوحة في منى بأسلوب من الأساليب الفعالة ، ولجري استعمال هذه الأموال الكبيرة المصروفة عبثا في مهب الريح لما فيه فائدة القضية ، ولتم مد السكك الحديدية في ربوع الحجاز ولجرى الحج كله ، باستعمال واسطة المواصلات هذه ، في غضون ٧ ـ ١٠ أيام ، ولصار ظاهرة عادية ، ولفقد الحجاز سمعته الرهيبة كبؤرة للأمراض المعدية ؛ ولكن ، من جهة أخرى ، لو كانت هناك حكومة أشد همة ونشاطا ، لأستفادت ، بالتأكيد ، من تجمع الحجاج هذا في أغراضها السياسية أيضا.

لا ريب في انه لن يكون من الممكن في وضع الأمور القائم تطبيق هذه التدابير غير المعقدة من قبل السلطات التركية بالذات رغم جميع المطالب على الورق ؛ ولهذا قد يكون من الأصوب تعيين قناصل أو نواب قناصل الدول الغربية في مكة بالذات عوضا عن جدّة ، وتعيينهم من عداد المسلمين وتكليفهم بالإشراف على كل الجانب الصحي وانفاق المبالغ المعتمدة لهذا الغرض.

أما فيما يتعلق بالجانب المالي من المسألة ، فقد يكون من الممكن والعادل والصائب أجبار جميع الحجاج المسافرين إلى مكة على دفع مبلغ خاص من المال ، مثلا ، خمسة روبلات ، عند منحهم جوازات السفر ، ونظرا لمتوسط عدد الحجاج ـ ١٠٠ ألف شخص ، يبلغ الرسم المحصل بالأجمال زهاء نصف مليون روبل ، أي ما يكفي تماما لأجل تطبيق التدابير الصحية في غضون سنة بكاملها.

وعلى العموم أعتقد أن تنظيم قضايا الحج حاجة حيوية وملحة ، ولربما تجد حكومتنا من الضروري ، نظرا لوضعها السياسي بين الشعوب الإسلامية ، أن تأخذ زمام المبادرة في هذا المجال الهام.

٣٢٧

٣٢٨

٣٢٩

٣٣٠

الملاحق

٣٣١
٣٣٢

الملّا ميرزا عليم

ابن دام الله ميرزا رحيم طشقندي

يصف طريق الحج

[الورقة ١٥٥ ـ أ] في السابع من شهر رجب ١٣٠٥ (٢١ كانون الثاني ـ يناير ١٨٨٨) انطلقنا في اتجاه المدينتين المقدستين ، مكة المكرّمة والمدينة المنورة. خرجنا من مدينة قوقند ووصلنا إلى محلة بش أريك ، ومنها إلى ناحية محرم. غادرنا هذه الناحية ، ودخلنا مدينة خوجند. وهنا زرنا الشيخ مصلح الدين ، ثم واصلنا السفر. توقفنا في ناحية بيقاباد ، وبعدها في ناحية جاما ، ثم توقفنا في دجيزاك. ثم واصلنا السفر وتوقفنا في ناحية يانغي كورغان ، أجتزنا هذه النقطة وتوقفنا في ناحية آك تبه. ثم واصلنا السفر حتى مدينة سمرقند المحمية من شتى الأحوال الطقسية [.....] ، وقضينا الليل فيها. هنا قمنا (الورقة ـ ١٥٥ ب) بالحج إلى شاه زنده وإلى (ضريح) صاحب العظمة الأمير تيمور ، وطلبنا العون من روحه ، ثم واصلنا السفر ، ووصلنا إلى ناحية الوديل. وهنا توقفنا للاستراحة ، ثم واصلنا السفر ، ووصلنا إلى كاتّا ـ كورغان وتوقفنا في ناحية تشاخار شنبه. ومن هنا انطلقنا ووصلنا إلى محلة أسمها كرنب ـ اتاباته ، ومن بعدها دخلنا إلى عاصمة الولاية ، مدينة بخارى. وهنا قمنا بالحج إلى ضريحي الولي بهاء الدين نقشبند ومير قولال ، وصلينا كذلك أمامهما. في جامع تك أب ، قمنا بصلاة الظهر ، ومن بعدها واصلنا السفر. [الورقة ١٥٦ ـ أ] وتوقفنا للاستراحة في ناحية قره

٣٣٣

قول ، وصلنا إلى مدينة شاردجو حيث أمضينا الليل. ثم وصلنا بالقطار إلى مدينة مرو. دفعنا ثلاث روبلات بدلا للركوب. قبل ذاك كانت هاتان المدينتان تخصان يوسف بك وأحمد بك. ومن هنا واصلنا السفر بالقطار. في يوم واحد وصلنا بالقطار إلى عشق آباد ، وهنا قضينا الليل. هذه المنطقة القديمة كانت مدينة رستم دستان. ثم واصلنا السفر في القطار المذكور ، وفي غضون يوم واحد وصلنا إلى محلة اوزون آطا (كراسنوفودسك). دفعنا لقاء السفر بالقطار أحد عشر روبلا وعشرين كوبيكا. خرجنا من هناك ، وركبنا باخرة ؛ في غضون يوم وصلنا إلى مدينة باكو. وباكو هي بالفعل ، كما يقولون ، مدينة بلقيس. لقاء السفر بالباخرة دفعنا روبلين ونصف روبل. وليعرف القارئ انه كان لهذه الباخرة (الورقة ١٥٦ ـ ب) مروحتان وأن هيكلها كان من طابقين. طول الباخرة تسعون خطوة.

شعر :

النبي رأى الله ، وموسى سمعه ،

وهل يمكن تسبيه المسموع بالمرأي.

إن شاء الله ، يذهب كل امرئ في طريق الحج،

ويؤكد كل هذا إذ يجربه بنفسه.

خرجنا من مدينة باكو المذكورة ، وواصلنا السفر ؛ وفي غضون يوم واحد وصلنا إلى مدينة تفليس ، هذه المحلة كانت تخص السلطان ابن قور ، وكانت مدينته. ومن هنا واصلنا السفر ودخلنا مدينة باطوم. كانت هذه بالفعل مدينة أبي مسلم صاحب ل [.....] (أي أبو مسلم المنتصر). بدل السفر إلى هاتين المدينتين بلغ ١٨ روبلا. في الطريق عبرنا انفاقا جبلية كبيرة منورة. ثم واصلنا السفر بالباخرة. في غضون يوم واحد وصلنا بالباخرة إلى (الورقة ١٥٧ ـ أ) مدينة طرابزون ؛ وقد كانت

٣٣٤

من مدن الاسكندر (المقدوني). حجم الباخرة المذكورة : الطول مائة وأربعون خطوة ، العرض ثلاثون خطوة ، الهيكل من ثلاثة طوابق.

وليعرف القارئ أن مرفأ استنبول تدخله (كل يوم) مائة باخرة ويغادره العدد نفسه من البواخر. ومن هنا واصلنا السفر بالباخرة ؛ وفي غضون يوم واحد وصلنا إلى مدينة سمسون. بعد يوم وصلنا بالباخرة إلى مدينة انبولا وأمضينا الليل فيها. بعد يوم دخلنا بالباخرة إلى استنبول المحمية وتوقفنا فيها. بدل الركوب إلى مدينة استنبول أثنا عشر روبلا.

في استنبول يوجد جسر. طوله ألف خطوة وعرضه يكفي لسير العربات بثلاثة صفوف. المدخول اليومي من هذا المكان يبلغ ستمئة قطعة نقدية ذهبية (الورقة ١٥٧ ـ ب). منكل عربة يأخذون ، كبدل المرور على الجسر ، تانغا واحدة ، ومن كل فارس تانغا ونصف تانغا ، ومن كل ماش كوبكين. كذلك رأينا جامع آجيا صوفيا الشهير. طول هذا الجامع مائة وأربعون خطوة ، عرضه مائة وعشرون خطوة ، قسمه الأعلى ـ بشكل قبة. من جانبي المحراب توجد شمعتان طول كل منهما قولاتشان (١) وسماكة كل منهما سبعة قاريشات(٢) ، وهناك أعمدة من المرمر سماكة كل منها أحد عشر قاريشا ، وطوله خمسة قلاتشات. عدد الأعمدة الأجمالي في الجامع المذكور سبعون ؛ وفيه سبعون ثريا. وفي كل ثريا تشتعل سبعون شمعة.

حكينا عن استنبول بايجاز ، وإلا لما كفت ٥ ـ ١٠ أوراق [الورقة ١٥٨ ـ أ] لأجل وصفها. ولهذا الوصف لم يتوفر الوقت.

خرجنا من استنبول ، وركبنا الباخرة [......] ، وبعد ثلاثة أيام

__________________

(١) قولاتش ـ مقياس طول تحدده المسافة بين طرفي الاصبعين الوسطيين لليدين الممدودتين.

(٢) قاريش ـ مقياس طول تحدده المسافة بين طرفي الابهام والخنصر الممدودين.

٣٣٥

كنا في الإسكندرية. ومن الإسكندرية انطلقنا بالقطار ، وبعد خمس ساعات وصلنا إلى القاهرة. دفعنا لقاء السفر بالقطار خمسة روبلات.

أيها الأعزاء ، أعلموا أننا قمنا بالحج إلى قبور بيبب زينب ، ابنة صاحب العظمة علي ، والإمام حسن والإمام الشافعي ، وشاهدنا بئر صاحب العظمة يوسف ، فليحل السلام عليه. طول البئر مائتان وخمسون خطوة. شاهدنا كذلك جامع [......] علي. طول السجادة فيه ثلاث وعشرون خطوة وعرضها ست عشرة خطوة. يقولون أن معلمي العمار بنوا هذا الجامع في غضون ستين سنة. إنطلقنا من القاهرة بالقطار. بعد عشر ساعات بلغنا السويس. دفعنا عن السفر ستة روبلات [الورقة ١٥٨ ـ ب]. الباخرة الراسية في السويس تتسع لألف راكب. خرجنا من السويس على متن الباخرة ، وبعد يومين وصلنا إلى رائق (؟) ، ودفعنا عن السفر سبعة وعشرين روبلا ، لبسنا لباس الحجاج ، بعد يوم دخلنا مدينة جدّة المقدسة. في مدينة جدّة المقدسة ، أمضينا ليلتين. قمنا بالحج إلى ضريح صاحبة العظمة امنا حواء. ثم ، بعد صلاة الظهر ، إنطلقنا على الجمال باتجاه مدينة مكة المكرّمة. في الطريق توقفنا في ناحية [....]. بعد الصلاة ، وقبل مغيب الشمس راكبنا الجمال من جديد ، ووصلنا قبل الفجر إلى مدينة مكة المكرّمة. بعد وصولنا ، توضأنا في الحال بموجب الشعيرة ، ودخلنا رواقا مكشوفا ، وهنا رأينا ساحة الحرم الشريف [الورقة ١٥٩ ـ أ]. قلنا ثلاث مرات : «الله أكبر». بعد هذا ، اقتربنا من مقام صاحب العظمة إبراهيم ، عليه‌السلام ، ورأينا هنا الكلمات : «ومن دخل كان أمينا» ؛ وفي الحال ركعنا ركعتين. تذكرنا الأصدقاء والأقارب وصلينا من أجلهم. بعد هذا شرعنا في الطواف حسب الشعائر حول المكان المقدس وطفنا حوله سبع مرات بكل تقوى ، وفي كل مرة كنا ننحني أمام الحجر الأسود. ثم صلينا وقوفا بين «الملتزم الشريف» وأبواب الحرم. وبعد الصلاة أمام الكعبة ، اقتربنا جميعا من

٣٣٦

ضريح إبراهيم ، عليه‌السلام ، وركعنا هنا ركعتين. وبعد ذاك سعينا سبع مرات بين الصفا والمروى ، وقصصنا شعرنا ، وبعد العودة إلى حيث منا قد توقفنا ، [الورقة ١٥٩ ـ ب] خلعنا الاحرام ولبسنا البستنا. ثم نزلنا في بيوت جيدة وتمتعنا بضعة أيام ب [...] المستطاب ، وكل يوم كنا نأكل معا حتى التخم البطيخ والخندلاق (١) والخيار ونشرب العصائر ، ومن جراء ذلك ارتفعت حرارتنا ومرضنا مدة يومين تقريبا. ووزعنا الصدقات باسم الله ، وبعد ذلك شفي الجميع أي أن طبيعتنا صارت متناسبة مع طبيعة مكة العظيمة. وبعد هذا ، صلينا خمس مرات في المسجد. وكما من قبل قمنا خمس مرات بالطواف. تذكرنا جميع الرفاق ، وصلينا من أجلهم ، ثم رحنا باتداه المدينة المنورة. يا رب ، لتكن سفرتنا على خير وسلامة.

وهنا يصف بوابات كعبة الله والأماكن المقدسة.

__________________

(١) خندليق (هندلاق) ـ نوع سريع النضوج من الشمام مستدير الشكل.

٣٣٧
٣٣٨

وصف بوابات كعبة الله والأماكن المقدسة

حيث يمكن أن يقبل [الله] صلوات المؤمنين

بعد تمجيد الله وأنبيائه زمنا طويلا ، يرد : [الورقة ١٦٠ ـ ب] الحجر الأسود ، الكعبة ، مقام إبراهيم ، عليه‌السلام ، وبئر زمزم المقدسة ، في القسم الشرقي من كعبة الله ، أي الحرم الشريف. اضرحة الأنبياء المقدسين نوح عليه‌السلام ، وهود عليه‌السلام ، وشعيب عليه‌السلام ، وصالح عليه‌السلام ، تتواجد هنا. وهذه قصة الشيخ التقي حسن البصري. وهذا القسم يسمى ركيزة الحجر الأسود. الخاتم المقدس ، ماسورة تصريف الماء عليها رحمة الله ، [الورقة ١٦١ ـ أ] مقام (اتباع) أبو حنيفة ، عليه رحم ـ الله ، حجر إسماعيل (.....) عليه‌السلام ، ضريح بيبي حجر ، عليها رضى الله ، تتواجد في القسم الشرقي من حرم الله ، وهذان القسمان يسميان بالركيزة العراقية. (مقام) المالكيين يقع في القسم الغربي من حرم الله ؛ وهنا تقع مدافن سبعين نبيا ؛ هذا القسم يسمى بالركيزة اليمني. لكعبة الله ـ حرم الله ، أربعة وأربعون بابا. باب السلام يتألف من ثلاثة أبواب ، باب علي يتألف من ثلاث أبواب ، باب البعلي يتألف من بابين ، باب [.....] يتألف من بابين ، باب الصفا يتألف من خمسة أبواب ، باب الشريف يتألف من بابين ، باب الجهاد يتألف من بابين ، باب التكية يتألف من بابين ، باب الأمهات يتألف من بابين ، باب الوداع يتألف من بابين ، باب إبراهيم يتألف [الورقة ١٦١ ـ ب] من باب

٣٣٩

واحد ، باب النقيب الأشرف يتألف من باب واحد ، باب العتيق يتألف من باب واحد ، باب الماسك يتألف من باب واحد ، باب البيطار يتألف من باب واحد ، باب [.....] يتألف من باب واحد ، باب زياد يتألف من ثلاثة أبواب ، باب القاضي يتألف من باب واحد ، باب مدرسة السليمانية يتألف من باب واحد ، باب الداودية يتألف من (ثلاثة) أبواب. الحاصل ٤٤ بابا.

لبوابة المكان المقدس سبع مآذن. لكل مئذنة مؤذن واحد يؤذن بوقت كل من الصلوات الخمس. وليكن واضحا ومفهوما أننا سنحكي [أدناه] عن مكانين للحج في مكة المكرّمة. في جنة (الجنة المعلا) يوجد مدفن أم المؤمنين خديجة الكبرى ومدفن آمنة بنت وهب ، أم نبي الله ، ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ ومدفن صاحب العظمة عبد الرحمن أبن أبو بكر ، ومدفن السيد عثمان المرغيناني ، ومدفن مالك الأجدر. جميع هذه المدافن هي محجات [الورقة ١٦٢ ـ أ]. يتلو الناس سورة وجيزة ويصلون ، وبخاصة من أجل المذكورين أعلاه والباقين الموجودين في جنة المعلا. المسجد (هنا هو ذلك) المكان الذي أصبح فيه شياطين الليل مسلمين بعد أن اتفقوا مع النبي ، ولهذا فإن جميع الأماكن من هذا النوع هي محجات.

في جبل أبو قبيس توجد علامة هي محج. المكان الذي أقيم فيه مؤقتا الحجر الأسود ، أثناء الطوفان العالمي في عهد صاحب العظمة نوح عليه‌السلام ، هو محج. بيت العجب هو أيضا محج. مكان ولادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هو محج.

مكان ولادة صاحب العظمة علي والغرفة التي كان يصلي فيها (عادة) ؛ محراب خديجة العظيمة ؛ مضرب أبو بكر الصديق ، عليه رضى الله ؛ الحجر الحاكي أي حجر الذي كان شاهدا على عظمته (محمد) ؛ مكان ولادة صاحب العظمة الأمير حمزة ؛ [الورقة ١٦٢ ـ ب] المكان الذي كان يصلي فيه صاحب العظمة عمر (عادة) ؛ مدرسة صاحب العظمة

٣٤٠