الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

عبد العزيز دولتشين

الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

المؤلف:

عبد العزيز دولتشين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٦

الآبار بقرب كبيرة خاصة وبمساعدة دواب الجر. فتحات الآبار واسعة جدّا ، قطر كل منها ساجين ونصف ساجين أو ساجينان ؛ من طرف ينتصب عمودان حجريان بينهما يضعون بكرات خشبية على درجتين. القربة المليئة بالماء يرفعونها بواسطة حبلين موصولين بطرفي القربة ، وممررين عبر البكرات الخشبية. حين ينبسط الطرف المفتوح من القربة على البكرة الدنيا ، يواصل الطرف المقابل الصعود ويجعل القربة في وضع عمودي ، فينسكب الماء كله منها. وعادة تعمل قربتان بصورة متوازية ، يرفعونهما بواسطة دابتين ، وعلى الأغلب بواسطة جمال فتية تدور إلى الوراء إلى الأمام في ساحة منحنية قرب البئر. بهذا الأسلوب يستخرجون بالمتوسط زهاء ليتر واحد في الثانية.

عدا أشجار النخيل يتعاطون في البساتين زراعة نوع صغير من أشجار الليمون الحامض ، والكروم والحنّاء والفلسنك وغير ذلك. والفسحات الحرة بين الأشجار يزرعونها بالفصفصة. ومن الخصراوات يزرعون ، فيما يزرعون ، البطاطا. وبعض من سكان المدينة المنورة ينقلون إلى البساتين لقضاء الصيف كله إذا توفرت لهم الأسباب لعدم التخوف من إعتداءات البدو. أما بالنسبة للآخرين ، فإن البساتين تشكل مكانا للنزهة ؛ فيأتون جماعات كبيرة ، ويختارون بستانا ما حرا ، علما بأن صاحبه لا يحول أبدا ، بحكم العادة ، دون دخول الغرباء إلى بستانه ، فيبقون لبضعة أيام ، مستفيدين كذلك من الثمار مجانا.

المدينة المنورة بوصفها منفى

المدينة المنورة ، مثلها جزئيّا مثل مكة والطائف ، تشكل في عهد السلطان العثماني الحالي منفى للأشخاص المستبعدين لأسباب سياسية ، وللنساء والخصيان المطرودين من الباب العالي. وبين الأشخاص من

٢٢١

الفئة الأولى ، يمكن ذكر غازي محمد باشا ، وهو من أبناء الإمام شميل المعروف.

ينبع. موقع المدينة والبيوت

مدينة ينبع أو ، كما يسمونها تمييزا لها عن ينبع أخرى واقعة على بعد ٢٥ فرستا تقريبا في الجبال ، ينبع البحر ، هي أقرب مرفا إلى المدينة المنورة. تقع ينبع على بعد ٢٠٠ فرستا تقريبا ، إذا حسبنا بالخط المباشر ، إلى الجنوب الغربي والغرب من المدينة المنورة ، وعلى بعد ١٩٠ فرستا تقريبا إلى الشمال من جدّة ؛ تنتصب ينبع على ساحل رملي مستو من البحر الأحمر ، ويحيط بها من جهة البر سور حجري ذو بوابتين. بيوت ينبع من الهندسة المعمارية المتواجدة في مكة ، ولكن مع فارق وحيد هو أن جميع الطوابق السفلى في ينبع مأهولة كذلك أن حطام الشعب المرجانية التي تقوم عليها المدينة تشكل مادة لأجل البناء أيضا. والبيوت متزاحمة في الجانب الجنوبي من المحلة المحاطة بالسور حيث يوجد شارع واحد وبازار وبضعة أزقة. أما في القسم الشمالي من المدينة فإن المباني موزعة على نطاق واسع ودون أي نظام ؛ وفي الطرف الشرقي تقوم بنايات غير سكنية يستعملونها لجمع الماء وحفظه.

السكان وأشغالهم

في ينبع يعيش ٥٠٠٠ نسمة من السكان الدائمين ؛ وهم أساسا من السكان المحليين ، الأصليين. وشغلهم في زمن الحج ، ممارسة التجارة ؛ أما في الوقت العادي ، فيتعاطون صيد السمك والملاحة الساحلية ، وما إلى ذلك. والتجار القادمون من مصر وجدّة والمدينة المنورة في زمن تدفق الحجاج هم تجار أكبر من تجار ينبع. سلع التجارة هي كالتي في المدن المذكورة ، ولكن بمقادير أقل بكثير. ومن سلع التصدير التمر

٢٢٢

المستجلب إلى هنا من ينبع النخلة الصفراء والحمراء وكذلك الصدف على أنواعها والسلاحف ، وغير ذلك من المواد المستخرجة من البحر.

وهناك ملاحة أكثر إنتعاشا على السنابك ـ وهي زوارق شراعية غير كبيرة بلا متون يصنعونها في جدّة ـ تجري في اتجاه هذه المدينة. وأثناء إقامتي في ينبع كان يأتي إليها ويغادرها كل يوم بضعة سنابك ناقلة الركاب وتلك البضائع التي تفرغها البواخر في جدّة لأنها لا تعرج على ينبع. تمضي السنابك بمحاذاة الساحل ؛ ونظرا لمخاطر الملاحة بسبب الشعب التحتمائية ، تتوقف ليلا ويستغرق الطريق بين المينائين المذكورين يومين أو ثلاثة أيام إذا جرت «الرياح بما تشتهي السفن». كذلك ينطلق سكان ينبع إلى مرافى البحر الأحمر الأخرى بما فيها السويس والحديدة ضمنا. ويوجد في ينبع مكلأ صغير ولكنه محمي جيدا من جميع الرياح ؛ والمكلأ عميق إلى حد أن السفن ترسو على بضعة ساجينات فقط من الشاطئ. ولكن الدخول إلى المكلأ الذي تتخلله الشعب والذي لا يمكك إنارة ، غير ممكن إلا نهارا.

الظروف الصحية في ينبع

الظروف الصحية في ينبع اسوأ مما في جميع النقاط الأخرى في الحجاز. ينقصها الضروري جدّا في المناخ الحار أي الماء الجيد. وهنا يستعملون ماء المطر ؛ ولأجل جمعه يبني السكان ضمن حدود المدينة اقبية غير كبيرة من الحجر سعة الواحد منها ٥ ـ ٨ ساجينات مكعبة ، مع مبنى في أعلى القبو بشكل عنبر. في أحد جدران العنبر ، يتركون قرب سطح الأرض فتحة ينسكب منها في القبو ماء المطر السائل في الشوارع. وللعنبر باب يغلقونه بالقف. ولأخذ الماء يدخلون إلى العنبر ويستقون الماء بالدلو. خارج سور المدينة ، على بعد نصف فرستا تقريبا ، تقع

٢٢٣

صهاريج عامة مقاييسها أكبر. وفضلا عن ذلك يستجلب البدو من خزاناتهم الماء على ظهور الجمال لبيعه.

منذ ٤ سنوات هطل الوابل الأخير الذي ملأ جميع صهاريج ينبع وضواحيها ؛ ولذا كانت جميع الأقبية في المدينة أثناء إقامتي فيها فارغة من زمان. وبعد فترة وجيزة شرب الحجاج كل مضمون الصهاريج العامة أيضا. كما نفد احتياطي الماء عن البدو ، ولذا شرعوا بحكم الضرورة يستجلبون الماء من على بعد ٢٥ فرستا من منابع ينبع النخلة ويبيعونه ب ٦٠ كوبيكا للدلو الواحد. وكان ماء الصهاريج كثيفا ، وغير مستطاب الطعم ، وكان يباع بنحو ٥٠ كوبيكا للدلو الواحد.

وبسبب رداءة الماء القصوى أغلب الظن لم ار أثناء إقامتي مدة أسبوع في ينبع إنسانا واحدا لم يتذمر من ألم في البطن ومن انحطاط القوى العام. وكان عدد الوفيا كبيرا. وكانوا كل يوم يدفنون ٥ ـ ٦ أشخاص من الحجاج البالغ عددهم حوالي ٣٠٠٠.

وفي المدينة يسود قذر فظيع وعلى الأقل في زمن تجمع الحجاج. ونظرا لقلة البيوت يعيش الحجاج في الأراضي الخالية والساحات على مقربة من البحر. وهنا بالذات يرمون كل النفايات. والأماكن المخيفة المعزولة إلةى هذا الحد أو ذاك والمضحل العريض تستعمل لقضاء الحاجة. والمضحل يغطيه الماء على عمق تافه أثناء المد ويتعرى أثناء الجزر فتفوح منه إذ ذاك رائحة كريهة رهيبة. ولم يتسنّ لي أن أرى في أي مكان وزمان مثل هذه الكثرة من الذباب كما في ينبع. وهنا لا يمكن السير في الشوارع ، ناهيك عن البازار القذر ، دون أن يكون في اليد شيء ما لطرد الذباب على الدوام ؛ وفي النهار يستحيل كليا الجلوس للأكل ؛ وفي البازار لا يمكن إيجاد أي شيء من المآكل لم يترك عليه الذباب آثاره.

٢٢٤

الظروف المناخية

المناخ في ينبع ابرد قليلا مما في المدينة المنورة بفضل تأثير البحر والرياح الشمالية المتكررة ؛ ولكن التبخرات الخارقة الوفرة من البحر تخلق رطوبة غير مستطابة إطلاقا ؛ ففي الصباح ينهض المرء من الفراش كأنما مبلل بالماء ؛ وجميع الالبسة وسائر الأشياء لا تجف أبدا ؛ والتربة تترطب في الليل كما بعد مطر قوى. والريح من البحر ، وان تكن باردة نوعا ما ، لا تمارس فعلا منعشا وتحمل رائحة ما ثقيلة وكريهة ناجمة ، أغلب الظن ، عن نفسخ البقايا العضوية.

ومن جراء هذا المناخ الرطب غالبا جدّا ما تقع إصابات الحمى في ينبع.

الإسعاف الطبي

في ينبع حيث يتكدس أحيانا ، بانتظار القوافل أو البواخر ، زهاء عشرة آلاف حاج ؛ لا مستشفى ، ولا صيدلية ولا طبيب خاص لأجل الحجاج.

سلطات المدينة

تدخل ينبع في قوام سنجق المدينة المنورة ويديرها قائمقام خاص.

جدّة

جدّة أهم مرفأ على ساحل البحر الأحمر ؛ وعبره تمر حركة الحجاج الرئيسية ، سواء عند نزولهم على ساحل الجزيرة العربية أم في طريق العودة إلى الوطن. ولم أر شخصيا جدّة إلا من البعيد ، لأنها كانت مغلقة بسبب الحجر الصحي لدن ذهابي إلى مكة ؛ أما في الطريق العودة من

٢٢٥

الحجاز ، فقد رحت عبر ميناء ينبع ، ولذا كانت المعلومات المساقة أدناه عبارة عن أجوبة عن اسئلة طرحتها على الناس.

تشبه جدّة مكة شبها كبيرا من حيث طابع عماراتها ومواقع الشوارع والبازارات والحالة الصحية.

يعتبرون أن عدد السكان يبلغ زهاء ٢٠٠٠٠ نسمة ، بينهم زهاء ٥٠ أوروبيا. يتعاطى السكان على الأغلب التجارة ثم صيد السمك واستخراج اللآلئ والمرجانات من البحر ، والملاحة الساحلية ، وبناء السفن ، والقيام بوظائف المرشدين ، الخ ..

يعتبر مناخ جدّة سيئا جدّا ، غير صحي ، من جراء التبخرات الشديدة من البحر. ةالحمّى هي المرض السائد.

في الوقت الحاضر تستعمل جدّة مياه نبع مجرورة إلى المدينة من الجبال القربية ، ولكن المياه لا تتميز بطعم مستطاب.

مرفأ جدّة خطر جدّا على السفن بسبب كثرة الشعب التحتمائية ، ولذا لا تدخله البواخر وتخرج منه إلا نهارا ، وترسو على بعد ٤ ـ ٥ فرستات تقريبا من الشاطى ؛ وتجري الإتصالات معه بواسطة زوارق شراعية كبيرة.

على مقربة من جدّة يعرضون مدفن جدتنا الأولى ، حواء ؛ وإليه يمضي كثيرون من الحجاج للسجود والصلاة.

٢٢٦

الفصل الرابع

عن الحج عموما

ما هو الحج

الحج هو زيارة مكة المكرّمة لأداء الفرائض التي تنص عليها الشريعة وادائها في وقت معين.

والحج مرة في العمر واجب من الواجبات الرئيسية الخمسة (الإيمان ـ التشهد ، الصلاة خمس مرات في اليوم ؛ الصوم ؛ الزكاة أي تخصيص قسم معين من الأموال في السنة في صالح الفقراء ؛ الحج) المترتبة على كل مسلم ذي أهلية ، سواء من الذكور أم من الأناث ، ولكن شرط كفاية المال لأجل السفر ولأجل تأمين العائلة حتى العودة ، وشرط أمن الطريق. والامتناع عن الحج في حال عدم توفر الشروط المذكورة ، تهدده الشريعة بعقوبات شديدة جدّا في الآخرة وتجعل المزدرين بهذا الواجب في مستوى الكفار ؛ أما الذين يقومون بالحج ، فإنها تعدهم ، على العكس ، بغفران جميع الخطايا المقترفة قبل ذاك. ومن لا يملك الإمكانية البدنية بهذه السفرة يسمح له بإرسال أشخاص آخرين بالنيابة عنه ويسمى هذا «البدل». يجري الحج لكي يؤدي المؤمن واجبا من أهم الواجبات من وجهة نظر الإسلام. وفريضة الحج الرئيسية يؤديها المؤمنون في مسجد مكة الكبير ، المسجد الحرام ، أو الحرم

٢٢٧

الشريف كما يسمونه عادة الذي توجد فيه أكبر المقدسات الإسلامية ، الكعبة.

المسجد الكبير في مكة

حرم مكة الواقع في قاع الوادي وفي وسط المدينة تقريبا مبني بنفس التصميم الذي بنيت به جميع المساجد القديمة في دمشق والقاهرة ؛ وهو عبارة عن ساحة شاسعة مربعة مخططة ، محاطة من جميع الجهات برواق مسقوف ؛ ولكن هناك فرق واحد ، هو أن الوجه الموجه إلى مكة في المساجد العادية يكون اوسع ، ويقام فيه محراب ومنبر ؛ أما في الحرم ، فإن جميع الجهات متساوية من حيث العرض ، والمحراب تحل محله الكعبة ، والمنبر مقام في مكان مكشوف في وسط المسجد. الرواق الذي يحيط بالمسجد يتألف من أعمدة أغلبيتها منتصبة في ثلاثة صفوف ، وموصولة بعضها ببعض بالأقواس ومغطاة بقبب غير كبيرة مخروطية الشكل. أرضية الرواق مرصوفة بصائح حجرية ؛ أما القسم المكشوف منه ، فهو مغطى بالرمل فقط. في الزوايا الأربع ، وفوق الوجه الشمالي والوجه الشرقي ، تنتصب سبع مآزن مبنية في أزمان مختلفة وبأساليب هندسية معمارية مختلفة. للدخول إلى المسجد توجد أربعة أبواب كبيرة ـ من الواجهة الشرقية باب السلام ؛ ومن الواجهة الجنوبية باب الصفا ، من الواجهة الغربية باب إبراهيم ، ومن الواجهة الشمالية باب الزنده ؛ وعداها ، يوجد ١٨ مدخلا صغيرا. الرقعة التي يشغلها المسجد أدنى من سطح الشوارع المحيطة ، ولهذا يجب النزول بضع درجات مبنية تحت الأبواب لأجل الدخول إلى الحرم.

في وسط الحرم تقريبا ، تنتصب الكعبة ، أو كعبة الله ، أو بيت الله. ويستفاد م ن أقوال العرب أن الكعبة ـ ومعناها في اللغة العربية القديمة «المربّع» ـ قد بناها جدنا الأول آدم بصفة محراب لأجل

٢٢٨

الصلاة ، ثم بناها النبي شيت ثم إبراهيم. ويستفاد من أساطير أخرى أن إبراهيم هو أو من بنى هذا المعبد. إن الكعبة التي كانت من قبل أيضا معبد العرب في مرحلتهم الوثنية ، أي الجاهلية ، قد أعيد بناؤها غير مرة ، وبقيت حتى أيامنا بالصورة التي جددها بها منذ ٣٠٠ سنة السلطان العثماني مراد الرابع. والكعبة في الوقت الحاضر موشور سداسي عال (حوالى ٧ ساجينات) ذو أوجه متوازية السطوح غير صحيح الشكل تماما ، مبنى من أحجار ضخمة منحوتة من الغرانيت ، وله بابان متواجدان على علو ساجين واحد تقريبا عن سطح الأرض.

في الزاوية الجنوبية من الكعبة ، من الخارج ، على علو أرشينين تقريبا عن سطح الأرض يوجد حجر يكرمه المسلمون تكريما خاصّا هو الحجر الأسود. ويقال أن رئيس الملائكة جبرائيل هو الذي حمل هذا الحجر إلى إبراهيم عند ما بنى الكعبة. في سنة ٩٢٩ نقلوا الحجر الأسود إلى اليمن وفي سنة ٩٥١ أعادوه من جديد إلى مكة ؛ وفي سنة ١٨٧٣ وضعوه في إطار فضي ضخم مستدير وثبتوه في الجدار في المكان المذكور أعلاه (١). القسم المنظر من الحجر يبلغ قطره نصف أرشين ، ولونه قاتم مع تلوين ضارب إلى الأحمر ، وعليه آثار شقوق ، ونقر في الوسط. سطح الحجر مملس جدّا من جراء لمسه من قبل الحجاج على مر القرون.

في الزاوية الغربية ، وعلى العلو ذاته ، يوجد حجر مثبت آخر يكرمه المسلمون هو أيضا ، ويسمى باسم هذه الزاوية ـ ركن اليمن.

جدران الكعبة مكسوة من الخارج على كل علوها بقماش أسود يسمى الكسوة أو كسوة السعادة. وللمرة الأولى أخذ أحد حكام اليمن ، أبو كرب أسعد ، يغطي جدران المعبد دليلا على الاجلال والتكريم

__________________

(*) كتاب «الحجاز».

٢٢٩

الخاص. وفي عهد خليفة بغداد المشهور ، المأمون ، كانوا يغيّرون هذه الكسوة المصنوعة آنذاك من قماش فاتح اللون ثلاث مرات في السنة ؛ ولكن الملك المصري الصالح إسماعيل شرع في سنة ١٣٤٩ يرسل الكسوة من قماش أسود ويغيرها مرة واحدة فقط في السنة ؛ وهذه العادة بقيت حتى الوقت الحاضر (١).

والكسوة عبارة عن قماش أسود حريري سميك جدّا مخيط من ٨ قطع ومطوق ثلثها الأعلى بآيات من القرآن الكريم موشاة بالذهب. وهذا القماش يصنعونه كل سنة في مصر بمبلغ خاص من أموال الأوقاف قدره ٤٥٠٠ ليرة مصرية (حوالي ٤٥٠٠٠ روبل) ، ويرسلونه إلى مكة المكرّمة مع المحمل. وكل سنة يجري تغيير الكسوة في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة ؛ وتوضع الكسوة القديمة تحت تصرّف نظار الكعبة ، فيبيعها هؤلاء قطعا من الحجاج ؛ أما الكتابات بخيوط الذهب ، فتوضع تحت تصرف الشريف ؛ وفي السنوات التي يصادف فيها اليوم العاشر من شهر ذي الحجة يوم الجمعة ، يرسلون الكسوة إلى السلطان في القسطنطينية.

من بابي الكعبة ، يفتحون الباب الشرقي المزين بوفرة من الفضة ، في أيام معينة ، عشر مرات في السنة ؛ وإذ ذاك يسمحون بالدخول إلى داخل المعبد لجميع من يرغبون في الصلاة هناك. وداخل الكعبة عبارة عن قاعة بسيطة ، خالية من أي زخرف وزينة ، وجدرانها مكسوة بقماش حريري يرسله السلاطين الأتراك عند صعودهم إلى العرش.

من الوجه الشمالي ، يلتصق بمبنى الكعبة حاجز غير عال ، بشكل حدوة ، يطوق مكانا للصلاة يسمى الحطيم. والكعبة والحطيم مطوقان على بعد ٧ ساجينات تقريبا بدرابزين اهليلجيّ الشكل ؛ وعبر هذه الفسحة المبلطة ببلاطات من المرمر يطوف الحجاج سبع مرات حول الحرم ،

__________________

(*) كتاب «الحجاز».

٢٣٠

٢٣١

قائمين بفريضة الطواف. من الجهة الشرقية ، يوجد في الدرابزين المذكور باب الشيبة. وإذا دخل المرء عبر هذا الباب إلى مكان الطواف ، فإنه يجد إلى اليمين ، في خط الدرابزين ، مقام إبراهيم ـ وهو عبارة عن هيكل من مصبّع برونزي كثيف في داخله ، ضمن صندوق حديدي مكسو بقماش حريري مطرز بالذهب ، مرسل من مصر مع الكسوة ، حجر بقامة الإنسان ، كان سقالة لإبراهيم عند بناء الكعبة ، كما تقول الأسطورة ، وبمقدوره ، حسب رغبة الباني ، أن يزداد ويقل علوا. وإلى جانب مقام إبراهيم ، منبر من المرمر من صنع اليد يلقي الإمام من عليه الخطبة أثناء صلاة الظهر في أيام الجمعة.

إلى شمال الباب ، توجد تحت عمارة خاصة بئر زمزم المقدسة. فعندما ضل إسماعيل وامه هاجر متضورين من العطش وباحثين عن الماء ، كما تقول الأسطورة ، تفجر فجأة في المكان الذي توجد فيه البئر الآن ، نبع غزير رويا منه عطشهما. وفي سنة ٧٦٢ ، وفي عد الخليفة أبي جعفر المنصور ، بنيت عمارة فوق البئر. وفي سنة ٨٣٨ جفت البئر ؛ وبأمر من الخليفة المأمون جرى تعميقها فظهر الماء من جديد. وأخيرا في ١٦١١ ، بنى حول فتحة البئر حاجز حجري عال ، لأنه تواجد متعصبون كانوا يرمون بأنفسهم هناك قصد الانتحار.

عمق البئر في الوقت الحاضر زهاء ٥٠ أرشينا وقطرها أرشينان. يستقي الماء معا أربعة أشخاص خصوصيين ؛ يقفون على الحاجز ويعملون بدلاء جلدية موصولة بحبال طويلة ممررة عبر بكرات معدنية مثبتة في أعلى. لماء زمزم طعم مرّ نوعا ما ؛ وهو يؤثر في اناس كثيرين ، كمسهّل خفيف وهو ساخن جدّا عند استخراجه من البئر.

على خط الدرابزين ، من جانبه الخارجي ، توجد ، مقابل كل من واجهات الكعبة ، أربعة إنشاءات من طراز خفيف ، هي ضرب من تعاريش

٢٣٢

٢٣٣

يقف عليها ، أثناء الصلوات العامة ، مؤذنون من المذاهب السنية الأربعة ـ مذاهب الحنفيين ، والشافعيين ، والمالكيين ، والحنبليين.

من الجانب الشرقي من الحرم يمتد شارع المسعى ، وطوله نصف فرستا ، ويصل بطرفه الشمالي إلى جبل المروة وبطرفه الجنوبي إلى جبل الصفا ، وينتهي عن الجبلين ببضع درجات واسعة في أعلاها ساحة صغيرة. بين هذين الجبلين ، كما تقول الأسطورة ، فتشت هاجر ، وقد اضناها العطش ، عن الماء راكضة من جبل الصفا إلى جبل المروة ذهابا وإيابا. وعلى ذكرى هذا الحدث يقطع الحجاج هذه المسافة سبع مرات ؛ وهذا الفرض يسمى «السعي» والمكان الذي يؤدي فيه «المسعى». في المساء ينيرون الحرم وبعض أمكنة المسعى بعدد هائل من المصابيح ؛ وهذه عبارة عن أنصاف كرات زجاجية معلقة في سلسلة ؛ وفي قاعها يسكبون الزيت ويضعون عواما فيها فتيل.

وهكذا يشكل حرم مكة مكانا لأجل فريضة الحج ، ومسجدا جامعا يؤمونه لأجل الصلاة خمس مرات ؛ وهو ، فضلا عن ذلك ، قاعة شاسعة للمحاضرات لأجل جميع المدارس الدينية في مكة ، ومأوى شاسع لقضاء الليل ، يتوافد فيه مساء جميع الحجاج الذين لا مأوى لهم.

يعتبر وإلى الحجاز قيّما على الحرم. وهناك مجموعة كبيرة من الخصيان الذين يرتدون بدلات بيضاء خاصة ويقومون بدور الخدم.

شائر الحج الرئيسية ، ومنها الاحرام ، والطواف ، والسعي ، كانت قائمة ، كما هو معلوم ، عند العرب قبل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أيضا. وقد أكد القرآن بعضا من عادات العبادة هذه. أما بعد محمد ، فقد تم على أساس القرآن كما على أساس أقوال النبي ومثاله الشخصي ، وضعت جملة من قواعد الحج التي يتقيد بها جميع الحجاج بكل دقة.

٢٣٤

الآيات القرآنية

المتعلقة بالحج

فيما يلي جميع آيات القرآن المتعلقة بالحج ، كما وردت في تسلسل السور.

سورة البقرة. الآية ١٢٥ : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.)

الآية ١٢٧ : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.)

الآية ١٥٨ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ.)

الآية ١٩٦ : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.)

الآية ١٩٧ : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ.)

الآية ١٩٨ : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ.)

الآية ١٩٩ : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.)

٢٣٥

الآية ٢٠٠ : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.)

الآية ٢٠٣ : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.)

سورة آل عمران. الآية ٩٦ : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ.)

الآية ٩٧ : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.)

سورة المائدة. الآية ١ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ.)

الآية ٢ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.)

الآية ٩٤ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ.)

الآية ٩٥ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.)

الآية ٩٦ : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ

٢٣٦

عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.)

الآية ٩٧ : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.)

الآية ٩٨ : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

سورة الحج. الآية ٢٥ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.)

الآية ٢٦ : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).

الآية ٢٧ : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّعَمِيقٍ.)

الآية ٢٨ : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ.)

الآية ٢٩ : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.)

سورة الصافات. الآية ١٠٠ : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ.)

الآية ١٠١ : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ.)

الآية ١٠٢ : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.)

الآية ١٠٣ : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.)

الآية ١٠٤ : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ.)

٢٣٧

الآية ١٠٥ : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.)

الآية ١٠٦ : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.)

الآية ١٠٧ : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.)

شعائر الحج

يجري الحج مرة في السنة من اليوم الثامن إلى اليوم الثاني عشر من الشهر الأخير من السنة القمرية ذي الحجة ؛ وإذا صادف اليوم العاشر من هذا الشهر يوم الجمعة ، فإن الحج يسمى «الحج الكبير» ، ويعتبر اصلح واقرب حج إلى الله ويجتذب عددا كبيرا جدّا من الحجاج.

إن أداء الحج يقتضي أداء ثلاث شعائر هي :

١ ـ على الحجاج الذين يعتزمون الحج أن يرتدوا لباسا خاصا ويتوجهوا بجميع أفكارهم إلى الله العي القدير.

٢ ـ على الحجاج أن يقوموا بالطواف مرة واحدة.

٣ ـ على الحجاج أن يبقوا عند جبل عرفات طوال اليوم التاسع من الشهر المذكور.

وإذا لم يتحقق شرط واحد من هذه الشروط الرئيسية الثلاثة ، فإن الحج يعتبر لاغيا ؛ ومن قام به لا يعفى من إداء هذه الفريضة.

وهناك أيضا شعائر أقل شأنا يؤديها جميع الحجاج الزاما وأن تكن لا تشكل أعمالا جوهرية. وسندرس جميع الشعائر معا حسب الترتيب الذي تتحقق به عادة ، وكما تأتي لي شخصيّا أن أقوم بها.

قبل ٤ ـ ٥ مراحل من مكة ، يخلع الحجاج جميع ملابسهم في النقاط المؤشرة خصيصا لأجل كل وجهة ، ويرتدون لباسا خاصا يسمى «الاحرام» ويتألف من قطعتين كاملتين (غير مخيطتين) من القماش الأبيض. من قطعة يتشكل ضرب من تنورة مثبتة على الخصر بزنار ؛

٢٣٨

والقطعة الأخرى تغطي القسم الأعلى من الجسم (رداء). إن ارتداء الجميع بلا فرق لهذا اللباس الواحد ، المتماثل الذي يشبه الكفن قد تقرر ، كما يفسرون ، لتذكير الحجاج بيوم الحساب وبالمساواة بين جميع الناس أمام الله ؛ وعدا هاتين القطعتين من القماش لا يسمح إلا بلبس خفين مفتوحين في القدمين. أما النساء فيبقين في البستهن العادية. ومنذ ارتداء «ثوب الاحرام» ، يتعين على الحجاج الاستنكاف عن كل دنيوي ، والانصراف إلى الصلاة حصرا. وممنوع عليهم في هذا الوقت حلق الرأس وحلق الذقن وانتزاع الشعر من الجسم ، والصيد ، وذبح الحيوانات أيا كانت ، وخلاف ذلك. وعند الوصول إلى مكة ، يتجه الحجاج رأسا من الطريق إلى الحرم للقيام بالطواف الأول والسعي الأول. وهاتان الشعيرتان يؤديهما الحجاج عادة بقيادة من يسمون «بالمطوّقين» أو «الادلة» ـ وهذه وظيفة وراثية لفرد معين من كل قومية. وهؤلاء القادة يقومون على رأس حجاجهم بهاتين الشعيرتين ، رافعين بصوت مدو الاتهالات المقررة ، فيرددها الحجاج وراءهم.

تتلخص شعيرة الطواف في واقع أن الحجاج يدخلون إلى الحرم من باب السلام ويقتربون من الزاوية الجنوبية من الكعبة التي يتواجد فيها الحجر الأسود ؛ ومع تلاوة الابتهالات يبدأون الطواف حول الحرم شرط أن يكون دائما من جهة اليد اليسرى ، ويتوقفون كل مرة أمام الحجر الأسود ويقبلونه (علامة) ويسعون في المطافات السبعة إلى تقبيله بالشفتين ولو مرة واحدة ، ويمدون اليد مرة واحدة إلى لمس ركن اليمن. وبعد إنتهاء الطواف يؤدون صلاة وجيزة في مقام إبراهيم ، ويخرجون من الحرم عبر باب الصفا لأجل إداء الشعيرة الأخرى ، شعيرة السعي.

هذه الشعيرة تتلخص فيما يلي. في البدء يتجه الحجاج إلى جبل الصفا ، ويصعدون على درجاته ، ويذهبون ، مرددين الابتهالات المقررة ، إلى طرف الشارع المقابل نحو جبل المروة ، قاطعين قسما غير كبير من

٢٣٩

الطريق المعلّم بعلامات خاصة ركضا ، ويستريحون عند جبل المروة ويرجعون إلى جبل الصفا ، وهكذا دواليك. والناس الضعفاء يؤدون الشعيرة الأخيرة على ظهور الاحصنة أو الحمير ؛ أما المرضى ، فيحملونهم على الحمالات سواء في الطواف أم في السعي. ويعد إداء هاتين الشعيرتين ، يحلق الحجاج قسما من شعر الرأس أو يقصونه ويرتدون ، عادة ، البستهم العادية (حج العمرة) ؛ أما الذين يؤدون الشعائر ميزيد من الدقة ، فيبقون في ثوب الأحرام حتى نهاية الحج.

وأولئك الحجاج الذين لبسوا ثيابهم العادية يرتدون من جديد ثوب الأحرام في اليوم الثامن من ذي الحجة ، ويقومون للمرة الثانية بالطواف ، ويمضون جميعهم إلى جبل عرفات.

تقول أسطورة عربية أن أبا البشر ، آدم ، تقابل مع حواء للمرة الأولى عند جبل عرفات بعد طردهما من الجنة وانهما عاشا في عرفات في الآونة الأولى ورزقا ولدهما الأول في عرفات. وعلى ذكرى هذا الحدث ، يبقى الحجاج عند هذا الجبل طوال اليوم التالي ، التاسع ، من شهر ذي الحجة. وتتلخص الشعيرة كلها بنظر الحنفيين في انه يتوجب عليهم في هذا اليوم أن يلجأوا إلى التوبة والصلاة في خيامهم. أما اتباع الائمة الثلاثة الآخرين ، فإنهم يغطون جميع سفوح الجبل قبل ثلاث ساعات تقريبا من غروب الشمس لكي يستمعوا إلى جملة من الابتهالات التي يتلوها قاضي مكة من على ظهر هجين على قمة الجبل. وعند غروب الشمس ينهي القاضي التلاوة بالقول أن خطايا جميع الذين تابوا حقا وصدقا قد شملها الغفران ؛ ويتجه الحجاج جميعهم إلى جمالهم لكي ينطلقوا في اتجاه مكة.

ويقضي الحجاج الليلة التاسع إلى العاشر من شهر ذي الحجة في المزدلفة ، وينطلقون منذ الصباح الباكر من اليوم العاشر إلى منى لكي يبقوا هنا حتى مساء اليوم الثاني عشر.

٢٤٠