الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

عبد العزيز دولتشين

الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

المؤلف:

عبد العزيز دولتشين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٦

الدفاع عن النفس أثناء التنقل في ربوع الحجاز ، وفرة من الأسلحة المماثلة لأسلحة اعدائهم.

في السنوات الأخيرة شرع سكان الجزائر يسافرون إلى الحجاز باكرا جدّا ؛ ففي تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) ، كانت تقع العين في القاهرة على حجاج جزائريين ذاهبين إلى مكة. وقد فسروا لي السبب بالرغبة في السفر في الوقت المناسب تحوطا لمنع قد يصدر فيما بعد عن الحكومة الفرنسية.

في هذه السنة بلغ عدد الحجاج من طرابلس زهاء ٦٠٠ ومن تونس ٢٠٠ ومن الجزائر ٢٠٠ ومن فاس ـ المغرب ٣٠٠ شخص.

الافغان

عدد الحجاج من سكان افغانستان يكون عادة قليلا جدّا ؛ وفي هذه السنة بلغ عددهم زهاء. ٢٠ طريقهم تمر عبر بيشاور ، وعبر كاراتشي أو بومباي ، رغم انه يوجد بينهم أفراد يشقون لأنفسهم طريقا عبر القارة متجنبين المحجر الصحي في كمران.

سكان الهند

في السنوات السابقة كان سكان الهند يشكلون قسما كبيرا من الحجاج ، ولكن عددهم انخفض كثيرا في الأونة الأخيرة من جراء وباء الطاعون في بومباي والحجر الصحي الشديد في كمران ؛ وفي هذه السنة وصلت باخرة واحدة حاملة هؤلاء الحجاج ، وقد بلغ عددهم زهاء ألف راكب. وبين سكان الهند يأتي عدد كبير من التجار مع بضائعهم. الطريق الذي ينطلقون عليه إلى الحجاز طريق بحري ، عبر بومباي أو كاراتشي إلى جدّة ولكن في السنوات الملائمة ، كما قالوا لي في دمشق ، كان قسم منهم ، أكثر من ١٠٠٠ شخص ، ينزل في البصرة قصد زيارة مختلف

٣٠١

المقدسات خارج الجزيرة العربية ، ومن البصرة ينطلق في طريق دائري عبر بغداد إلى دمشق ، ويزور القدس ثم مصر ثم يسافر إلى الحجاز.

الماليزيون

في السنوات الأخيرة يشكل سكان جزر السند وشبه جزيرة ماليزيا الذين يسمونهم في الحجاز «جاوه» العنصر المهيمن بين الحجاج. وجميعهم يصلون بالطريق البحري فقط عبر جدّة.

يشكل الحجاج الماليزيون مجموعات منعزلة تماما ، متراصة بوثوق ، على رأسها آمرون منتخبون. وهؤلاء الامرون يشرفون على كل اقتصاد مجموعاتهم : يشترون تذاكر السفر ، يتزودون بالمؤونة على الباخرة أثناء السفر ، يستأجرون الجمال ، يجدون الغرف للاستئجار ، وما إلى ذلك ، وهم يمضون بقافلتهم من مكة إلى المدينة المنورة ، ويعودون منها على الجمال ذاتها. وغياب النساء والمعدمين بين هؤلاء الحجاج يستلفت النظر.

في هذه السنة بلغ عدد الماليزيين ١٥٠٠٠ شخص ، أما في السنوات الملائمة ، فإن عددهم ، كما يقال ، يبلغ الضعف.

سكان الساحل الشرقي من افريقيا

من زنجبار ومدغشقر والترانسفال ، يكون عدد الحجاج صغيرا جدّا ، ونظرا لعدم وجود اتصال مباشر بالبواخر مع جدّة ، يمضي هؤلاء الحجاج أولا إلى السويس ومنها يسافرون إلى جدّة.

سكان الجزيرة العربية

الجزيرة العربية ذاتها تعطي هي أيضا عددا كبيرا من الحجاج ، ناهيك عن سكان مكة والمدينة المنورة والضواحي القريبة ، الذين

٣٠٢

يشتركون بنحو أو آخر في أداء الشعائر. وقبيل الحج وصلت هذه السنة ثلاث قوافل كبيرة من اليمن (زهاء ٤٠٠٠ شخص) ، وقافلة من عدن (٢٠٠ شخص) وقافلة من عمان (زهاء ٣٠٠ شخص) وبضعة ركب وقافلة من نجد و [......] (حوالي ٤٠٠٠ شخص.

الحاصل

وهكذا يبلغ عدد الحجاج في سنة ١٨٩٨ :

من روسيا

القرغيز

٢٥٠

شخصا

التتر

١٠٠

شخص

سكان ما وراء القفقاس

١٠٠

شخص

من تركستان الصينية

٢٠

شخصا

الفرس

٨٠٠٠

شخص

الأتراك

١٠٠٠٠

شخص

السوريون

٤٥٠٠

شخص

المصريون

٥٢٤٥

شخص

البدو المصريون

١٥٠٠

شخص

 

سكان

طرابلس

٦٠٠

شخص

تونس

٢٠٠

شخص

الجزائر

٢٠٠

شخص

فاس ـ المغرب

٣٠٠

شخص

٣٠٣

الهند

١٠٠٠

شخص

الساحل الشرقي من افريقيا

٢٠

شخصا

سكان مكة والضواحي زهاء

٤٠٠٠٠

شخص

سكان الجزيرة العربية

المدينة المنورة

٣٥٠٠

شخص

اليمن

٤٠٠٠

شخص

عمان

٣٠٠

شخص

عدن

٢٠٠

شخص

نجد وغيرها

٤٠٠٠

شخص

الأفغان

٢٠

شخصا

الماليزيون

١٥٠٠٠

شخص

حوالي

١٠٠٠٠٠

شخص

وإذا صدقنا الأقاصيص لا يقل عدد الحجاج في السنوات الملائمة عن ٢٠٠٠٠٠ شخص ، كما يبلغ عدد الحجاج في الحج الكبير ٥٠٠٠٠٠ شخص.

أما قلة عدد الحجاج في سنة ١٨٩٨ فمردها ، عدا إجراءات الحجر الصحي ، إلى غياب العلف في المراعي لأجل الجمال ، الأمر الذي خفض كثيرا عدد الحجاج القادمين مع القوافل.

تجدر الإشارة إلى أن تقدير عدد الحجاج ، وأن بصورة تقريبية جدّا ، صعب ومعقد جدّا نظرا لغياب الإحصاءات الرسمية ، ونظرا للوقت

٣٠٤

القصير الذي يقضونه معا في مكة وفي عرفات وفي منى ، ونظرا للازدحام والهرج والمرج هناك في أيام الحج. والأسلوب الوحيد الذي لجأت إليه إنما هو الاستعلام ، بعد إداء الشعائر ، من مطوّفي كل قومية ، إذ أنهم ، يعرفون عدد حجاجهم التقريبي ، على الأقل في السنوات التي لا يكون عددهم كبيرا جدّا. وإحصاءات المحجرين الصحيين في الطور وكمران لا تبيّن غير عدد العائدين بحرا.

٣٠٥
٣٠٦

الفصل السابع

الكوليرا في الحجاز

كان وباء الكوليرا ووباء الطاعون معروفين في الجزيرة العربية من سحيق الأزمنة. ومن بداية العهد الاسلامي حتى أيامنا وصل قول مشهور جدّا ينسب للنبي محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يبدو كأنه يقرر الحجر الصحي ، إذ قال أنه لا يجوز دخول بلد يتفشى فيه الطاعون وإذا كان المرء فيه فلا ينبغي أن يفر منه. وفي الوقت الحاضر ، يستعمل العرب كلمة «الطاعون» لتعريف هذا المرض ، وكلمة «الوباء» لتعريف الكوليرا ؛ ولكن هذين المرضين أو الوبائين اختلطا من قبل ، على ما يبدو ، إذ أننا نجد مثلا العبارة التالية : «قال الخليل : الطاعون هو الوباء» ، وما إلى ذلك.

في السنوات المائة الأخيرة لم يسمع أحد عن الطاعون في الحجاز ، فتوطد بين السكان الاعتقاد بأن الله تقبل صلواته نبيّه ومنع هذا المرض إلى الأبد من المساس بالمدينتين المقدستين مكة المكرّمة والمدينة المنورة ، ولكن أوبئة الكوليرا تنشب أحيانا كثيرة في وقت توافد الحجاج إلى الحج وذلك ، بالمتوسط ، مرة كل ثلاث سنوات ، فتسفر في بعض السنوات عن نتائج رهيبة إذ تفتك بأكثر من نصف الحجاج وتمتد إلى أماكن ترحل البدو المجاورة وإلى نقاط آهلة أخرى في الجزيرة العربية.

٣٠٧

طابع أوبئة الكوليرا المحلية

يستفاد من أقوال جميع من تسنى لي أن أتحادث معهم أن هذا الوباء يبدأ أحيانا عند عرفات ، ولكن بشكل ضعيف ، ولذا لا يسترعي الانتباه ، ولكنه ينشب في أغلب الأحيان في منى ويبلغ هنا قوته القصوى. وقالوا لي أنه إذا سارت جميع الأموال على ما يرام عند الانطلاق إلى عرفات وحتى مساء اليوم الأول من الاقامة في منى ، فمن الممكن الأمل في أن الوباء لن ينشب هذه السنة. ويتبين من الآراء العامة أن هذا الوباء يتميز هنا بطابع الانفجار الرهيب ويتواصل بشدة مخيفة طوال ٥ ـ ٧ أيام ثم يهدأ كذلك بسرعة. وبقدر ما استطعت أن أعرف من الأحاديث مع السكان والأطباء المحليين ، لا يوجد وباء الكوليرا في الحجاز بصورة مرض دائم ؛ وفي أغلبية الأحوال يلاحظ أن الحجاج من الهند يجلبونه معهم ؛ وأحيانا ينشب بصورة مستقلة تماما ، على ما يبدو ، في منى أو عند عرفات ، أو لربمان ، حتى في مكة ؛ وإذا كان في مكة لا يسفر عن نسبة كبيرة جدّا من الوفيات ، فإن مراقبته أصعب هناك مما عند عرفات أو في منى حيث كل شيء ظاهر للعيان نظرا لتجمع الحجاج في الخيام.

نشبت أرهب الأوبئة من حيث قوتها في السنوات التي كان يقع فيها الحج الكبير ، الذي يجتذب ، كما سبق أن قلنا ، عددا كبيرا جدّا من الحجاج ، وفي السنوات التي يجري فيها الحج في فصل القيظ. كذلك سمعت من عدد كبير جدّا من الناس أن وباء الكوليرا ينشب عادة في السنوات التي تكون فيها الجبال التي تحيط بفج منى مكسوة بالعتمة ؛ وبقدر من تكون العتمة كثيفة ، بقدر ما يكون الوباء قويا. وهذه الظاهرة تنجم ، أغلب الظن ، عن حالة الجو الخاصة وعن غياب التيارات في الهواء : وعلى هذه الأساس تنبأوا عند وصولنا إلى منى بأن الحج سيجري هذه السنة بسلامة ؛ الأمر الذي تحقق فعلا.

٣٠٨

الأوبئة المعروفة في القرن الحالي

أشهر أوبئة الكوليرا في القرن الحكالي هو الوباء الذي نشب سنة ١٨٣١ والذي جاء إلى الحجاز من الهند ؛ وآنذاك ، كما يقال ، مات ثلاثة أرباع جميع الحجاج وانتشر الوباء في عموم أوربا. والوباء التالي نشب في سنة ١٨٣٤ ، ثم في سنة ١٨٣٧ وسنة ١٨٤٠ ؛ ثم عاث الكوليرا فسادا طوال خمس سنوات على التوالي ـ في سنوات ١٨٤٦ ، ١٨٤٧ ، ١٨٤٨ ، ١٨٤٩ ، ١٨٥٠.

ولكن وباء سنة ١٨٦٥ تميز بشدة خاصة ؛ وقد بدأ من الحجاج القادمين من الهند ودام في السنة التالية ، ١٨٦٦.

إليكم ما رواه لي شيخ شاهد هذا الوباء الرهيب بأم عينيه : «كان الحج الكبير (يوم الجمعة ، ٥ نيسان ـ أبريل) ، وقد توافد عدد خارق من الحجاج. الاقامة عند عرفات ، كما بدا ، جرت بسلامة ؛ انتقلوا إلى منى ، وهنا أيضا كان اليوم الأول هادئا. صحيح أن حجاجا ماتوا ، ولكن عدد الموتى كان قليلا. وآنذاك لم تكن قد ظهرت القاعدة القاضية بطمر الخرفان المذبوحة على سبيل التضحية. كان كل حاج يذبح ويرمى قرب خيمته ؛ وقرب الخيمة أيضا كانوا يرمون بقايا الأغنام المذبوحة لأجل الأكل. قبيل مساء اليوم الأول ، انتشرت من تعفن جيف الأغنام رائحة كريهة إلى حد أنه كان من المستحيل التنفس. في المساء ازداد في الحال عدد الموتى المنقولة جثثهم للدفن ؛ وفي الخيام المجاورة لنا وقعت أيضا حالات مرض وموت ، ولكن لم يخطر بعد في بالنا أن هذا وباء. في اليوم التالي ، ازداد عدد الموتى إلى حد أنه لم يكن يتسنى دفنهم ؛ وقبيل مساء ذلك اليوم ، ازداد عدد الموتى إلى حد أنه لم يكن يتسنى دفنهم ؛ وقبيل مساء ذلك اليوم ، كان شارع منى مكسوا بجثث الحجاج الذين ماتوا أثناء أداء شعيرة رمى الأحجار ؛ ولأداء هذه الشعير كان يتعين السير على الجثث حقا وفعلا. من أصل ثمانية أشخاص كانوا في خيمتنا ، بقي اثنان

٣٠٩

فقط قيد الحياة. بقي الحجاج في منى بحكم العادة ثلاثة أيام ؛ وعندما وصلوا فيما بعد إلى مكة ، كان الوباء هناك أيضا على أشده. قمنا ببالغ السرعة بالطواف والسعي ، وانطلقنا في الطريق إلى جدة ، وكانت الطريق مزروعة بجثث الحجاج الموتى ؛ وفي جدة كان المرض قد سبقنا إليها. رحنا بالباخرة المنطلقة إلى السويس. آنذاك لم تكن المحاجر الصحية قائمة ؛ والباخرة التي كانت تكتظ بالركاب فرغت كثيرا في آخر الرحلة. في السويس لم يسمحوا لنا بالنزول إلى المدينة بل اركبونا في القطار وأرسلونا إلى الاسكندرية ؛ وهنا نقلونا بالطريقة نفسها إلى باخرة راسية في المكلأ. وأثناء مواصلة السفر ، ظلوا يرمون في البحر كل يوم بضع عشرات من الموتى ؛ ولكن المرض ، على ما يبدو ، أخذ يضعف ، وحدثت حالات نقاهة وشفاء. بعد زهاء ١٠ أيام من وصولنا إلى القسطنطينية بدأ الوباء في هذه المدينة أيضا».

إن وباء الكوليرا الذي نشب سنة ١٨٦٥ وعمّ فيما بعد أوروبا بأسرها لفت الانتباه أخيرا إلى الحجاز ؛ وفي ١٣ شباك (فبراير) ١٨٦٦ انعقد في القسطنطينية مؤتمر قرر فيما قرر وجوب طمر جيف الخرفان المذبوحة في مني في حفر.

وبين الأوبئة التي نشبت فيما بعد ، تميز وباء سنة ١٨٨٣ ، بنسبة خارقة العلو من لاوفيات ، وذلك حين وقع الحج يوم الجمعة أيضا (١٢ تشرين الأول ـ أكتوبر).

جميع التواريخ المذكورة ألاه تحققت من صحتها في القاهرة بموجب المصادر الرسمية ؛ أما الاشارات اللاحقة إلى السنوات ، فإنها لا ترتكز إلى على أحاديث أشخاص مختلفين ، متناقضة أحيانا كثيرة ، رغم أن الماضي غير بعيد جدّا. ولكن سكان الحجاز يرون هذه البلايا مرارا وتكرارا إلى حد أنهم لا يتذكرون منها غير الرهيبة والجائحة. وحسب

٣١٠

هذه المصادر ، نشبت أوبئة غير شديدة جدّا في سنوات ١٨٨٤ ، ١٨٨٨ ، ١٨٩٠ ، ١٨٩١ ، ١٨٩٢.

وأخيرا وباء الكوليرا الأخير الذي تسبب هو أيضا بكثرة كثيرة من الضحايا وقع سنة ١٨٩٣ (الحج الكبير. يوم الجمعة. ٢٣ حزيران ـ يونيو). ويستفاد من أقوال شهود العيان أن هذا الوباء ، مثله مثل وباء سنة ١٨٦٥ ، قد بدأ بصورة غير ملحوظة عند عرفات ، وتفجر في منى نحو مساء اليوم الأول من إقامة الحجاج هناك ، وانتقل بسرعة إلى مكة وجدة ، ولكن ، بفضل المحاجر الصحية ، لم يتجاوز حدود الحجاز.

في سنة ١٨٩٥ نشب أيضا وباء ما يشبه ، حسب الأوصاف ، حمى التيفوئيد أو الزحار (الدوسنطاريا) ؛ بدأ هذا الوباء في قالة انطلقت من المدينة المنورة إلى مكة ، واستمر بدرجة ضعيفة عند عرفات ، ولكنه لم ينتشر فيما بعد ، وانتهى في منى ، كما يفترضون. ومن هذا الوباء الأخير عانى قرغيزيونا أشد من غيرهم. فمن أصل ٦٠ قرغيزيا جاؤوا في تلك السنة من كوستاناي عاد ١٨ فقط ، كما يقول شاهد عيان.

وغالبا جدّا ما تسنى لي أن أسمع من السكان المحليين أن القرغيز يصابون في الحجاز بالكوليرا حتى حين لا وجود لأي أثر لهذا المرض في هذا البلد ، ويموت منه في منى وعند عرفات عدد كبير منهم. ولذا إذا عاد إلى الوطن عشر الحجاج القرغيز ، ترتب اعتبار هذا ظاهرة طيبة. أغلب الظن أنه يوجد أيضا مرض ما ترافقه آلام في المعدة ويصيب أقل مواظنينا من الرحل تمالكا واحتراسا في الأكل ، السمان وغير المعتادين للمناخ المحلي. وفي السنة الجارية ، الملائمة خارق الملاءمة ، كما يستفاد من أقوال الجميع ، تجاوزت نسبة الذين ماتوا في الحجاز من القرغيز ، بقدر ما استطعت أن احسب ، ١٢ بالمئة ، ومن سائر حجاجنا زهاء ٨ بالمئة ؛ وتميز المرض بالآلام المتواصلة في المعدة المرفقة بدرجة عالية جدّا من الحرارة وبالهذيان.

٣١١

الأسباب التي تساهم

في نشوب واشتداد الأوبئة في الحجاز

الحجاج الذين يتوافدون من أقطار بعيدة يشكلون بيئة مستعدة تماما لتقبل شتى الأمراض ـ فإن السفر المضني والطويل ، والأزدحام الخارق وكتمة الهواء الفائقة في البواخر ، والمآكل السيئة وغير الصالحة ، والمناخ الحار الرطب ، واللباس غير المألوف ، المفرط الخفة (ثوب الإحرام) ، كل هذا ينهك الجسم ويضعفه إلى أقصى حد. ومنذ الخطوات الأولى بالذات ، يصل الحجاج إلى جدّة أو إلى ينبع اللتين تتميزان بمناخ وخيم جدّا وبظروف صحية خارقة الرداءة ؛ وفي هذا الوضع ، يبقون ، بانتظار إنطلاق القافلة ، في جدّة يوما أو يومين ، وفي ينبع أسابيع أحيانا. ثم السفر المضني من جدّة إلى مكة أو السفر من ينبع عبر المدينة المنورة إلى مكة ، وهو سفر اشد إرهاقا. إن الظروف الصحية غير المرضية في مكة ، وشرب الماء من بئر زمزم بصورة فائقة الحد ، ثم الوضع الصحي الرديء بشكل لا يصدق عند عرفات ، وبخاصة في منى ، والطعام اللحمي الوفير لمناسبة العيد ، وسوء نوعية المشروبات المباعة في البازار ، والانقضاض على البطيخ والشمام وغيرهما من الثمار ـ كل هذا يجعل الحجاج أناسا شبه مرضى وذوي عضوية مستعدة لتقبل أي مرض كان.

إن اقدس المدن في الحجاز ـ المدينة المنورة ، وبخاصة مكة المكرّمة ، حيث يقيم الحجاج أطول ما يقيمون ، ليستا على الصعيد الصحي في الأوقات العادية اقذر من مدن الشرق الأخرى كالأحياء القديمة في دمشق أو القاهرة مثلا ، ولكن تجمع عدد ضخم جدّا من الناس والمواشي ، وضيق موقعي هاتين المدينتين ـ مكة والمدينة المنورة ـ والمناخ الحار ، كل هذا يخلق بيئة ملائمة جدّا لنشوب شتى الأوبئة.

من جراء التلوث الشديد ، يمكن أن يشكل عرفات بؤرة من بؤر

٣١٢

العدوى ، ولكن الشر الأكبر بالطبع يمكن في منى ، بسبب درجة الحرارة العالية جدّا ، وغياب الريح ، ومئات الآلاف من الجيف المتفسخة والمتعفنة التي تلوث الهواء ، وتلوث الماء بالتأكيد.

عدا الأسباب الواضحة جدّا لآلام اختلال أجهزة الهضم مثل اللحم الرديء ، والماء غير المغلي ، والبطيخ والشمام ، يوجد عدد كبير من الأسباب الأخرى. يقول البعض أن الخرفان الجائعة المساقة إلى مكة من أماكن بعيدة تأكل أوراق السنا المكي (الورق الاسكندري) الذي ينبت بوفر في ضواحي مكة ، ويفترضون أن الخواص المسهلة الملازمة لهذه النبتة تنتقل مع اللحم إلى الإنسان. لا أعرف مبلغ صحة هذه الفرضية ، ولكن الأغنام تأكل فعلا أوراق هذه النبتة.

إن الطبيب المصري صالح صبحي الذي زار الحجاز بتكليف من حكومته في سنة ١٨٩١ وسنة ١٨٩٤ يرى سبب الأوبئة في منى. وأطباء مكة الذين تسنى لي أن أتحادث معهم في هذا الصدد ، وكذلك سكان مكة الأكثر ثقافة وإطلاعا ، يعتبرون هم أيضا أن الوباء عاقبة لتلوث الهواء من جيف الأغنام المتفسخة والمتعفنة في منى. أما سواد السكان والحجاج ، فهم يرون في الكوليرا عقابا من الله وحسب.

ماذا تمّ فعله حتى الآن

للتجهيز بالمرافق الصحية

١ ـ منذ سنة ١٨٦٦ بدأ تطبيق قاعدة تفرض على الحجاج تقديم أضاحيهم في الأمكنة المعينة وحدها دون غيرها وطمر الجيف فيما بعد في حفر مهيبة سلفا. ولكن هذا التدابير ، وأن كان يبلغ هدفه من حيث الأساس ، لم يوضع البتة تقريبا موضع التنفيذ ؛ صحيح أن الحفر قد حفرت ، ولكن الحجاج كانوا يستغلون غياب المراقبة ويفضلون الذبح قرب خيامهم. يستفاد ، مثلا ، من أقوال محمد صادق باشا الذي زار

٣١٣

الحجاز في سنة ١٨٨٠ أن الحجاج لم يرموا في الحفر المحفورة وراء المسجد غير بضعة خرفان ، بينما ملأت الجيف الباقية كل المدى بين الخيام ؛ بل أن خيمة الشريف وخيمة الوالي كانتا محاطتين أيضا بجيف متفسخة ومتعفنة ؛ ومنذ الساعة ١٢ من اليوم الأول من الإقامة في منى بدأت تنتشر رائحة كريهة رهيبة. وفي السنة الجارية ، كما سبق أن اشرت ، جرى الطمر بصورة سطحية جدّا وببالغ الإهمال.

٢ ـ في زمن الحج يرسلون في مأمورية ثلاثة أطباء إلى مكة وطبيبا إلى المدينة المنورة ؛ وفي كل من هاتين المدينتين ، يوجد ما يسمى بالمحجر الصحي («الكرنتينة») ، وتوجد لوازم لأجل مستشفى متنقل يتسع لثلاثين سريرا يتعين فتحه في الخيام إذا ما نشب وباء. والمحجر الصحي المكي ينتقل مع الحجاج إلى عرفات ، ثم ينتقل معهم إلى منى حيث يوجد مبنى مكيف خصيصا من أجله. وفي هذين المكانين ، وكذلك في مكة ، يعطي المستشفى الادوية مجانا ويقدم الاسعاف الطبي الجوال للحجاج المرضى. ومن النافل القول أن المستشفى الذي يتسع لثلاثين شخصا يكون عاجزا تماما إذا ما نشب وباء جدي ، خطير بين مثل هذا العدد من الحجاج.

بوسع هذا المستشفى المتنقل أن يعود بمزيد من النفع في المدينة المنورة ، إذ انه لا يحدث تجمع كبير جدّا من الحجاج هناك ، وإذ انه يمكن ، بإغلاق البوابات ، عزل المدينة كليا عن العالم الخارجي.

عدا الأطباء الأربعة المذكورين سابقا ، يأتي أيضا ، في زمن الحج ، طبيبان مع المحملين السوري والمصري.

٣ ـ في كل من مكة والمدينة المنورة يوجد مستشفى دائم لأجل الفقراء فيه ٣٠ سريرا. وفي هذين المستشفيين يجري أيضا استقبال المرضى بطريقة المستوصف وإعطاء الأدوية مجانا. وفي السنة الجارية كان في مستشفى مكة طبيبان وفي مستشفى المدينة المنورة طبيب واحد.

٣١٤

٤ ـ في جميع البواخر التي تقوم بنقل الحجاج يوجد أطباء يسعفون الركاب المرضى مجانا وتحت تصرفهم صيدليات صغيرة.

٥ ـ ضمن حدود البحر الأحمر انشئت لأجل الحجاج يوجد محاجر صحية في جدّة وكمران والطور وأبو زليم.

٦ ـ يبقى أن نشير أيضا إلى انه قامت محاولة لإنشاء مقصورة بخارية في جوار مكة لأجل تعقيم البسة وأمتعة الحجاج العائدين من منى. ولكن مبنى المقصورة الذي انتهى بناؤه للتو دمره البدو في سنة ١٨٩٥ حين كان الحجاج عند عرفات ؛ ولذا لم يتسن لهم اختيار هذه الوسيلة. وحين يشاهد المرء آثار المبنى المدمر ، يعجب عفو الخاطر ويتساءل : بأي نحو كانوا يفترضون أن يتسنى لهم في هذه المقصورة الصغيرة أن يعقموا مثل هذه الجمهرة الضخمة من الحجاج العائدين معا ، دفعة واحدة ، إلى مكة. أغلب الظن انه كان تعين كبحهم بالقوة المسلحة في غضون بعضة أيام في منى وتعريضهم لجميع فظائع الإقامة في هذه المحلة المشؤومة. أضف إلى ذلك انه إذا ما نشب وباء ، فإن التعقيم ما كان ليبلغ الهدف لأن العدوى ، ناهيك عن الحجاج ، تنتقل إلى مكة مع الماء بكل سهولة ؛ وإذا ما هطلت أمطار غزيرة ، فإن السيول ستجرف جميع النفايات من منى إلى مكة.

ما هي التدابير الصحية الضرورية الأخرى

التدابير المذكورة أعلاه لا بعد بالطبع من أن تكون كافية لقيام نظام صحي مرض إلى هذا الحد أو ذاك في الحجاز. وهذه التدابير ، على ما يبدو ، قد وافقت الحكومة التركية على معظمها بأقصى التردد وعد الرغبة ، تحت الضغط الخارجي ، كما أنها موضع تنفيذ بقدر أقل من الرغبة والحرص ، وذلك لمجرد «رفع العتاب». وإذا لم تتخذ تدابير أشد

٣١٥

جذرية وحزما لأجل تنظيم أوضاع الحج الصحية ، فإن الحجاز سيشكل دائما خطرا على البلدان الأخرى.

وفي عداد هذه التدابير يجب ، برأيي ، أن ترد في المقام الأول التدابير التالية :

في منى :

١ ـ إقرار نظام لمنع التلوث من جيف الأغنام. وقد يكون حرق الجيف أسلوبا اصوب ، أكثر عقلانية ؛ وهذا الأسلوب يدعمه الدكتور صالح صبحي بشدة ، وتم تطبيقه جزئيّا في سنة ١٨٩٦ ؛ ولكن توقف العمل به لسبب ما. وإذا بقي النظام السابق للطمر ، فمن الضروري نقل الحفر إلى أبعد عن المقام السكني وعن الماء ، وحفر حفر أعمق ، والطمر بمزيد من العناية ، واستعمال وسائل التعقيم.

٢ ـ إنشاء خزانات لأجل الماء أكثر تجاوبا مع مقصدها من الأحواض المكشوفة المتواجدة حاليا ، وتأمين الأدوات لاستقاء الماء دون استعمال الدلاء.

ومن الممكن ، مثلا ، إنشاء خزانات لأجل احتياطيات الماء في مكان أعلى من منى زهاء فرستا اثنين أو ثلاثة ، ومد أنابيب من هناك إلى حنفيات لتوزيع الماء مركبة في أماكن مختلفة.

٣ ـ إنشاء بيوت خلاء عامة أفضل على الصعيد الصحي وبأعداد أكبر ، وتعقيمها بدقة وعناية أحيانا كثيرة ومنع إقامة المراحيض الموقتة قرب الخيام.

٤ ـ نصب خيام الحجاج بموجب خطة مرسومة سلفا وحسب نظام معين لا يحول دون تيارات الهواء ، ويسهل الرقابة على الخيام. ومنع نصب الخيام في الأحواش المغلقة وفي الشوارع.

٥ ـ نقل السوق الذي يتاجر باللحوم إلى خارج المقام السكني.

٣١٦

٦ ـ أبعاد جميع الجمال طوال مدة إقامة الحجاج في منى إلى مكان ما في الضواحي.

٧ ـ بسط رقابة في منتهى الدقة والصرامة على النظافة سواء في الشوارع والأحواش أم بين الخيام ، وبخاصة على نوعية المأكولات والمشروبات المباعة في السوق.

٨ ـ بما أن الحجاج الذين يقيمون في الخيام طوال أيام الإقامة الثلاثة في منى يعانون ، أشد ما يعانون ، من الحرارة العالية ، فإن إنشاء أكواخ ما أو سقائف ما تحميها جيدا من الشمس من شأنه أن يعود نفع أكيد.

٩ ـ من المرغوب فيه توزيع الأطعمة الجاهزة على الحجاج المعدمين ومنعهم من تناول لحوم الأضاحي.

عند عرفات :

١ ـ من الضروري إغلاق الأحواض المبنية لأجل الاستحمام الذي لا تنص عليه أية شعائر دينية.

٢ ـ من الضروري ، كما في منى ، توفير أدوات لاستقاء الماء من الحنفيات.

٣ ـ يجب نقل سوق اللحوم بعيدا ، في منحى عن موقع مخيم الحجاج وإنشاء مسلخ.

٤ ـ يجب إنشاء مراحيض عامة خشبية منقولة وتعقيمها بدقة وعناية ؛ ويجب في الوقت نفسه منع إقامة بيوت الخلاء قرب كل خيمة.

٥ ـ بما أن المكان عند عرفات رحب كفاية ، فمن المرغوب فيه نصب مخيم الحجاج بمزيد من السعة ، حسب خطة مرسومة وحسب نظام معين.

٦ ـ وأخيرا من الضروري أقصى الضرورة فرض رقابة عامة في

٣١٧

منتهى الدقة والصرامة على النظافة سواء بين خيام الحجاج أم ، بصورة خاصة ، في الأسواق ، وفرض الرقابة على المشروبات والأطعمة المباعة.

في مكة :

التدابير الضرورية في مكة هي التالية :

١ ـ تأمين حنفيات لتوزيع الماء ، وأن ، مثلا ، من النوع المستعمل في المدينة المنورة ، ومد أنابيب مخفية عوضا عن المزاريب المكشوفة.

٢ ـ أسلوب نزح مواد برازية أكثر عقلانية من الأسلوب القائم حاليا ، تعقيم بيوت الخلاء أحيانا كثيرة وبدقة وعناية ، وبخاصة منها العامة.

٣ ـ نظرا لا مكان تسرب الأقذار عبر التربة من البالوعات إلى الماء ، من الضروري ، على الأقل ، بناء البالوعات الواقعة حول المسجد الكبير أو قرب خط أنابيب الماء على أساس من الأسمنت ، الأمر الذي يستطيع الحجارون المحليون صنعه بنحو ممتاز من المادة المحلية بالذات.

٤ ـ نقل أسواق اللحوم إلى أماكن أبعد عن الحرم.

٥ ـ مراقبة التكيات ، وإقرار معدلات لعدد النازلين يتعين على نظار هذه المؤسسات عدم تجاوزها.

٦ ـ رش بعض الشوارع الرئيسية ، وبخاصة حول الحرم وفي الأسواق حيث تقوم الحركة الاشد إنتعاشا.

٧ ـ تبليط الأسواق والشوارع حول الحرم.

٨ ـ المراقبة الصارمة والدائبة على النظافة في المدينة ، تكنيس الشوارع بانتظام ، رمي النفايات في عربات خاصة تطوف في المدينة عوضا عن رميها في الشوارع.

٩ ـ جمال القوافل المتوافدة إلى مكة يجب أبعادها الزاما إلى خارج المدينة.

٣١٨

١٠ ـ نزع جميع المنشآت الخشبية التي تصعّب المرور في الشوارع الضيقة ، ومنع سد الشوارع بالرحال وما إلى ذلك.

١١ ـ نقل المسلخ إلى مسافة أبعد خارج المدينة وتعقيم البقايا.

في المدينة المنورة :

بصدد التدابير الصحية الضرورية في المدينة المنورة ، يتعين تكرار ما قبل فيما يتعلق بمكة. بعض هذه التدابير تحققت في المدينة المنورة كحنفيات توزيع الماء مثلا ، والأرصفة ؛ بينما يتعين تنفيذ بعضها الآخر وأن لم يكن بنفس القدر من الألحاح والسرعة كما في مكة.

في ينبع :

ينبع : كما سبق أن قلنا ، من مدن الحجاز من حيث التجهيز بالمرافق ومن حيث الظروف المناخية الوخيمة ، وهنا ينقص شرط من أهم شروط الحياة ، وهو الماء الصالح للشرب إلى هذا الحد أو ذاك. ولهذا يجب في المقام الأول :

١ ـ تأمين التزويد بالماء. اقرب الينابيع التي تعطي الماء الجيد تقع على بعد ٢٠ ـ ٢٥ فرستا تقريبا إلى الشرق من ينبع في بلدة ينبع النخلة الواقعة في ارتفاع عن سطح البحر أعلى بكثير من ينبع الأولى. وفي حال انفاق مبلغ معين ، يمكن جر الماء بالأنابيب.

٢ ـ تطبيق أسلوب احدث لنزح المواد البرازية مع نقل الزبالة إلى خارج المدينة.

٣ ـ بما أن بيوت المدينة لا يمكنها أن تتسع لجميع الحجاج الذين يتجمعون هنا ، يتعين ، إذا ما رغب جميعهم في استئجار الغرف ، بناء سقائف أو شيء ما من هذا القبيل لأجلهم.

٤ ـ تحاشيا لتلوث الشوارع ينبغي بناء مراحيض عامة.

٣١٩

٥ ـ هنا ينبغي أكثر مما في سائر مدن الحجاز فرض الرقابة بمنتهى الدقة والعناية على النظافة في المدينة وفي البيوت الخاصة ، ولا سيما في السوق.

٦ ـ أخيرا ، الحجاج محرومون أثناء إقامتهم في ينبع من كل أسعاف طبي ؛ والمرضى الخطيرون الذين لا يقبلونهم في البواخر لا بد من تركهم لرحمة القدر عند ما يرحل رفاقهم. ولهذا من الضروري أقصى الضرورة هنا طبيب لأجل الحجاج ، ومستشفى صغير ، يتسع على الأقل لخمسة عشر سريرا ، والاسعاف المستوصفي ، وتوزيع الأدوية.

في جدة :

مدينة جدّة ، المرفأ الرئيسي في الحجاز ، تعاني ، بمجب الأوصاف والأحاديث ، نفس الظروف الصحية السيئة التي تعاني منها ينبع ؛ ومن الضروري في جدة اتخاذ نفس التدابير كما في مكة.

في نقاط صعود الحجاج إلى البواخر :

على البواخر التي تنقل الحجاج ، يقبلون ، كما سبق أن أشرنا ، عددا من الركاب أكبر بكثير مما تتسع له الباخرة ومما يرد في وثائق الباخرة. وهذا الضيق الخارق ، والقيظ الدائم ، وبخاصة في غرف العنابر ، يضعفان إلى أقسى حد المسافري ، ويعرضانهم سلفا لخطر شتى الأمراض. اما بأي قدر تكتظ البواخر بالركاب ، فمن الممكن تكوين فكرة عن ذلك ، مثلا ، من الواقع التالي : على متن ١٩ باخرة نقلت هذه السنة الحجاج من الحجاز إلى الطور ، كان بموجب وثائق البواخر ١٤٢٩٠ شخصا ؛ أما عند تعدادهم في المحجر الصحي ، فقد تبين أن عددهم ١٦٩١٠ أشخاص أي ما يزيد ٢٦٢٩ شخصا. يجب الظن أن هذا الفرق يبلغ أرقاما أكبر أيضا أثناء الرحلات إلى الحجاز. ولهذا من الضروري فرض رقابة اصرم على البواخر المعنية.

٣٢٠