الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

عبد العزيز دولتشين

الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

المؤلف:

عبد العزيز دولتشين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٦

فهي الحجر والآجر المحروق ، المرصوصان في الأغلب على الطين ؛ وكذلك الخشب ، المستورد على الأغلب من جزر الزوند ، والخشب الروسي (الألواح) المستورد من القسطنطينية. والبيوت مبنية الواحد بلصق الآخر ، دون فجوات ، سواء من حيث الواجهة أم من حيث الجانب الخلفي ، دون أن تترك أي فناء. الطابق الأسفل ليس معدا في المعتاد للسكن ، ويقوم جزئيّا مقام الفناء ويستعملونه لأجل إيداع الأشياء الضخمة ؛ والطوابق العليا تتشكل من شقات غير كبيرة ، كل شقة من غرفتين أو ثلاث ومعزولة تماما عن الشقات الأخرى ، ومزودة بالمرافق اللازمة. فوق السقف تنتصب الجدران نحو ثلاثة ارشينات مشكلة بالتالي طابقا مكشوفا آخر ، يستعملونه للراحة الليلية. ولأجل مجرى الهواء يتركون في هذه الجدران فتحات عديدة فيها شبكة من آجر محروق ملون بارز بسطوع على خلفية الجدران البيضاء ، والسلالم ، وكذلك الأرضية في بعض الأماكن مغطاة باسمنت خاص مجبول من الكلس والرماد والرمل ، ويتميز بقدر كبير من الصلابة. ومن هذه المادة يبنون في بعض البيوت خزانات لأجل المياه أيضا.

الخاصة الرئيسية التي تختص بها البيوت المكية الغنية إلى هذا الحد أو ذاك إنما هي المشروبيات المبنية على طول الجدار الواجهي. هذه النوافذ تقام في الأطراف الناتئة لعوارض الأرضية وتشكل بالتالي ضربا من شرفات مغلقة تبرز من وراء جدران المبنى مقدار ارشين ونصف أرشين تقريبا ، وتغلقها صفوف من حصائر صاعدة ونازلة. المشربيات يضعون في داخله دواوين واطئة ومخدات ؛ وبما انه ابرد مكان في الغرفة فإنه يشكل زاوية مفضلة. وفي بيوت أقل غنى ، يصنعون مشربيات صغيرة أو نوافذ بسيطة ؛ وفي مكة لا يعرفون زجاج النوافذ.

١٨١

المباني العامة

بين المباني العامة ، عدا الحرم الشريف الذي سنحكي عنه في الفصل التالي ، يبرز مبنى السراي الكبير ، الوحيد الطابق ، أي مبنى إدارة الولاية ، بهندسته المعمارية الأوروبية الجميلة. وإلى جانبه ينتصب مبنى التكية المصرية الشاسع حيث يقدمون ، من مال الأوقاف الواصل سنويا من مصر ، وقدره ١٦٠٩١٢ قرشا (١) (حوالي ١٦ ألف روبل) ، أثناء الحج ، في كل صباح ، للحجاج المعدمين ، طعاما مؤلفا من رغيفين غير كبيرين ومن الحساء. وابعد قليلا ، توجد مؤسسة خيرية دينية مماثلة تمولها الأوقاف التركية. ولكن خير مبنى في مكة إنما هو ، بلا ريب ، المبنى الضخم من طابقين المنتصب عند المخرج ، والمكتمل بزينة ، والمعد ، كما أوضح لنا بانيه ، لأجل إيواء الحجاج الذين لا مأوى لهم ؛ وهذا المبنى مربع الشكل ، وفي داخله حوش ، وطول واجهته زهاء ٧٠ ساجينا ؛ وهو بالفعل مبنى متين جدّا فيه قاعات عالية شاسعة ، وسلالم مريحة ، وحمامات ، وخلاف ذلك. ونظرا لموقعه في طرف المدينة وترتيب الغرف المطلة على رواق مشترك ، يمكن أن يقوم بدور مستشفى ممتاز. أما الحجاج الفقراء ، فهو بالنسبة لهم بذخ مفرط ؛ ونظرا للبعد عن الحرم حيث يتوفر لهم الغذاء والمبيت ، من المشكوك فيه أن يذهبوا إليه طوعا واخيارا. ويستفاد من أقوال الباني أن الحكومة التركية اعتمدت للبناء ٤٥ ألف ليرة (حوالي ٣٨٠٠٠٠ روبل) ؛ ولكن نظرا للتأخير في تقديم التسليف ، يدوم البناء للسنة السادسة.

بين مجموعة البيوت الخاصة في مكة ، تةجد أيضا كثرة من بيوت الأوقاف تبرع بها الحجاج الأغنياء لاستعمالها بصفة مدارس دينية أو على الأرجح ، بصفة «تكيات» أي بصفة مساكن في ومن الحج للحجاج من

__________________

(*) كتاب «دليل الحج».

١٨٢

أبناء القومية التي ينتسب إليها المتبرع. وهكذا توجد تكيات هندية وماليزية وقشغرية وافغانية وقازانية وقرغيزية والخ ..

الشوارع

لا تتميز شوارع مكة ، لا بإستقامة التخطيط ولا بدقته. الشوارع الرئيسية على ما يكفي من العرض بوجه عام ، ٦ ـ ٨ ساجينات بالمتوسط. ولكن البيوت تتقدم تارة ، وتتأخر طورا عن الخط العام ولذلك يختلف عرض الشارع الواحد ذاته في مختلف الأماكن. وعدا هذا ، تنتصب في الشوارع أكشاك خشبية ملتصقة بالمباني ويحولونها في زمن الحج إلى دكاكين ؛ وأحيانا تحفل الشوارع بشقادف لا عدّ لها تابعة للقوافل القادمة ؛ كذلك يصف هنا التجار طاولاتهم ، ولذا تبدو الشوارع أضيق ، ونظرا لعدم وجود الأحواش والأفنية يرمون كل الزبالة والنفايات في الشارع رأسا. وللسبب ذاته ، يحتفظون هنا كل الدواجن ؛ وهنا أيضا يحلبون الأبقار والعنزات. والشوارع هنا ، كما في القسطنطينية ، هي مرتع أسراب كبيرة من الكلاب الشاردة. ولا وجود في مكة للشوارع المصوفة ؛ ولا وجود للرش ؛ وللإنارة ، يعلق السكان أنفسهم هنا وهناك مصابيح الكاز.

السكان

تحسب السلطات التركية أن عدد السكان يتراوح بين ١١٠ و ١٢٠ ألف نسمة ، بينما يحسب السكان أنفسهم أن عددهم يتراوح بين ٧٠ و ٨٠ ألف نسمة ؛ وهذا الرقم الأخير يبدو لي أقرب إلى الحقيقة.

إن سكان المدينة الدائمين هم خليط مبرقش من أبناء جميع القوميات التي تدين بالإسلام ؛ وعدا السكان المحليين العرب الذين يؤلفون زهاء ثلاثة أخماس عدد السكان الإجمالي ، يوجد هنا عدد كبير من

١٨٣

الماليزيين الزنوج والأحباش والمصريين والهنود والعرب الأفارقة والأتراك وكذلك السرت والفرس والتتر والقرغيز وغيرهم. ومن بين العرب المحليين ، كما أوضحوا لي ، ينتمي قليلون إلى سكان البلد الأصليين ؛ فهم بمعظمهم قادمون من الخارج ، واستعربوا كليا مع مر الزمن ولذلك تتنوع قسمات وجوههم وبشرتهم من جميع التلاوين بدءا من الأبيض تماما كما عند الأوروبيين حتى الداكن البرونزي كما عند الأحباش. والشريف وأولاده وكثيرون من الأسياد الذين يعتبرون أنفسهم عربا يسيل في عروقهم دم عربي أصيل تماما إنما لون وجوههم أبيض نقي لا عيب فيه. ولا ريب في أن المحظيات من شعوب القفقاس يلعبن دورا كبيرا في هذا المجال.

أحدث عرب مكة في نفسي على العموم إنطباعا جيدا جدّا ؛ فهم أذكياء ، لطفاء جدّا في التعاشر والتخاطب ، متأدبون ومجاملون مع مسحة من بعض الاعتزاز ، مضيافون ، انيسون ، مع احتفاظهم دائما بشعور الكرامة الشخصية ؛ وهم منعّمون كبار ، يطيب لهم أن يرتدوا الثياب الفاخرة ، ويفرشوا بيوتهم بالمفروشات الجيدة ، ويأكلوا جيدا ، ويستقبلوا الضيوف ويحلوا ضيوفا في أحيان كثيرة.

تتألف البسة العرب من قميص تيلي طويل وضيق ، ذي طوق قائم يرتدون فوقه صدرة حريرية يزررونها بكثرة من الأزرار الصغيرة ؛ وفوق الصدرة يلبسون ما يشبه البشمت (العنترى) وعلى الرأس طاقية بيضاء مستدقة. وحين يغادرون البيت ، يشدون العنترى بزنار حريري ؛ وفوق الالبسة يرتدون رداء ضيقا أو «الجبّة» ، ويستعيضون عن الطاقية فوق الكلسات.

بلدلة الطبقة الفقيرة من نفس التفصيل ، ولكن بدون جبة وعنترى. يفرشون الغرف في البيوت بتخوت واطئة ومخدات لأجل الجلوس ؛ الأرضية يغطونها كليّا بالسجاجيد والحصائر؛ زينة الجدران

١٨٤

تتألف من آنية مختلفة ـ ، من البورسلين والمعدن ، والسماورات الروسية الجديدة الموضوعة في فجوات خاصة أو على رفوف ـ ومن مرايا معلقة عديدة ، ومن مختلف الأقوال المأثورة المكتوبة على ورق ملون ومركبة في اطر.

لوازم النوم يخفونها بعناية في غرف خاصة ، لأنهم يعتبرون عرضها تبذلا كبيرا.

والمطبخ هو في المعتاد عبارة عن غرفة من الغرف الأمامية يضعون فيها المناقل لتحضير الأطعمة ؛ وقد أذهلتني كثيرا وفرة الطعام الدهني ، المؤلف أبدا ودائما من الرز المحمّر مع اللحم والتوابل ومن المآكل اللحمية الثقيلة الأخرى ، علما بأن العرب يقبلون على هذا الطعام الدهني ، رغم المناخ الحار ، مرتين في اليوم ، ـ حوالي الظهر ، وفي المساء ، بعد غياب الشمس ؛ والماء ، المبرّ في اباريق وجرار مسامية موضوعة في مجاري الهواء في المشربيات هو المشروب العادي. وفي ساعات معينة من اليوم أو في حال مجئ الضيوف ، يقدمون القهوة المحضرة على الطريقة الشرقية. وفي الآونة الأخيرة ، بدأوا يستعملون الشاي (الأسود) كثيرا الذي يشربه العرب ، مثل الفرس ، ثقيلا جدّا وحلوا جدّا ، وبمقادير صغيرة جدّا. الجميع تقريبا يدخنون التبغ ، وعلى الأغلب بالنارجيلة.

النساء عند العرب ، كما عند الشعوب الإسلامية الأخرى ، يرتدين الحجاب ، ولكنهن يتمتعن بقدر من الحرية أكبر بكثير ، مثلا ، مما عند التتر. وهن يترددن على الجوامع على قدم المساواة مع الرجال ، ويشغلن فيها مكانا مخصصا لهن ، ويذهبن وحدهن إلى السوق لشراء الحاجيات ؛ وهناك نساء عديدات يتعاطين في الشوارع التجارة بالمفرق ، وغالبا ما تقع العين عليهن في المحكمة أمام القاضي ، حاملات الشكاوي أحيانا على أزواجهن.

الحياة الفكرية عند هذا الشعب القدير واللطيف لم تتقدم منذ ذلك

١٨٥

العهد المجيد الذي كان فيه العرب يسيرون في طليعة الحضارة ، وليس هذا وحسب ، بل على العكس تراجعت أيضا ؛ وتلك العلوم التي ابتدعوها وطوروها فيما مضى لفها النسيان تماما في الوقت الحاضر. بل أن التعليم الأولى البسيط ـ مجرد القراءة والكتابة ـ محصور ضمن حلقة ضيقة جدّا ؛ وأشراف مكة الذين يقومون بدور قادة الحجاج أثناء القيام بمراسم الحج لا يعرفون بأغلبيتهم الساحقة لا القراءة ولا الكتابة. وفي المدارس الدينية المحلية ، كما في جميع المدارس الدينية في أي مكان آخر ، يعلمون العلوم الرتيبة الدينية ذاتها بتفاصيلها الدقيقة جدّا وغير الضرورية ، مزدرين المواد الضرورية كالحساب والجغرافية مثلا. ولكن المدارس الدينية أيضا تحفل بالناس القادمين ، غير المحليين ، بينما المحليون استثناء فيها.

يرد إلى مكة عدد بسيط جدّا من الجرائد المصرية وعدد أقل من الجرائد التركية ؛ وفي الحال يصبح مضمونها معروفا في المدينة كلها ، نظرا لشدة تحرقها إلى الأنباء وبالغ اهتمامها بالحياة السياسية للشعوب الأخرى.

عرب مكة سنّيون جميعهم ، وأغلبهم من أنصار الشافعي ، ولا يتميزون كثيرا بالتقوى والتديّن. ويترددون على المساجد بحماسة وغيرة طالما الحجاج لم يعودوا إلى ديارهم. وإذ ذاك ، يبدأون يفضلون المقاهي وغير ذلك من الاجتماعات. وكثيرون منهم ينتسبون إلى مختلف شيع النساك ، وبخاصة إلى أنصار الرفاعي ؛ وما يجتذبهم إلى هذه الشيع ، بقدر ما استطعت أن ألاحظ ، ليس الشعور الديني بل احتمال الاشتراك ، أثناء حقبة السكون ، أي بعد رحيل الحجاج ، في مختلف المواكب والاجتماعات وما إلى ذلك. وبما أن سكان مكة الأصليين ليسوا مفركين في التدين والتقوى ، فهم كذلك براء من التعصب ؛ وأن دورا كبيرا في ذلك ، أيضا في تطورهم الفكري العام ، يعود ، كما يخيّل إليّ ،

١٨٦

إلى أسفار أغلبية سكان هذه المدينة إلى البلدان الأخرى ؛ فبعد رحيل الحجاج ، يقومون برحلات إلى جميع البلدان التي يعيش فيها المسلمون لكي ينالوا «البدل» أي التكليف بالقيام بفرائض الحج بالنيابة عن أحد ما لقاء مكافأة معينة ؛ وبما أنهم شعب محب للمعرفة والاستطلاع وحساس جدّا ، فإنهم يهتمون بكل شيء ويتفحصون كل شيء ، وأحاديثم عن الأمم الأخرى غالبا ما تكون صحيحة وصائبة ودقيقة جدّا.

يبقى أن أقول أن العرب حرفيون ممتازون في الشغل على الحجر وعلى الخشب ، ويملكون ذوقا رفيعا جدّا. ومباني الحرمين الشريفين في مكة المكرّمة والمدينة المنورة تتميز بعمل بارع جدّا. والمباني بالأسلوب الأوروبي مبنية جميعها بأيادي الاساطين العرب.

المرتبة الثانية من حيث العدد يشغلها في مكة الماليزيون أو «جاوة» كما يسمونهم هنا نقلا عن اسم جزيرة جاوة. وهم يبرزون جدّا بملامحهم المتميزة ، ولذا من الممكن معرفتهم من النظرة الأولى رغم أنهم بأغلبيتهم يرتدون الألبسة العربية. ويقدّرون عدد الماليزيين بخمس عدد السكان الإجمالي في مكة أي قرابة ١٤ ـ ١٦ ألف نسمة ؛ وقد علمت من الأحاديث أن «جاوة» شرعوا يتوافدون إلى مكة في السنوات العشرين الأخيرة على الأخص بعضهم بدافع الشعور الديني وبعضهم الآخر بدافع المصالح التجارية. ويبلغ عدد الماليزيين الشبنا الذين يتعلمون هنا قرابة الفين ؛ وهناك بضع عشرات من المعلمين الماليزيين يتعاطى ثلاثة منهم خصيصا ترجمة الكتب العربية إلى لغتهم. ويتصف الماليزيون بسمة مميزة ، هي الطبع الهادئ ، المسالم ، الذي دخل هنا في الحديث العادي ، إذ يقولون «طيب ومسالم مثل جاوة» ، وكذلك التضامن المذهل فيما بينهم ؛ فإن الجاوة المحليين يعيشون جميعهم مشاعيات كبيرة ، بإشراف مدبّر ـ سيّد مشترك واحد منتخب لكل الجالية. أبناء القوميات الأخرى ، وبخاصة العرب ، يعاملون الماليزيين ببعض التعالي.

١٨٧

والأتراك هم على الأغلب مستخدمون في مختلف المؤسسات الخيرية والتعليمية التي تتشكل بمعظمها من الأوقاف التركية ولا تقبل السكان المحليين.

أبناء القوميات الأخرى هم بوجه الحصر تجار أو نظار في تكيات قومياتهم ؛ ومن عداد المسلمين من رعايا روسيا الذين يعيشون دائما هنا ويشرفون على التكيات ثماني عائلات تترية ، وعائلتان من القرغيز وسبعة تلامذة في مدرسة دينية.

أشغال سكان مكة

يمكن وصف أشغال سكان مكة بايجاز بالغ ـ يعيشون على الحجاج وقبل الإسلام أيضا ، كانت مكة مركزا تجاريا لعموم الجزيرة العربية ، وكان زمن الحج في الوقت نفسه زمن السوق التجارية السنوية. وهذا الطابع بقي حتى الآن ؛ وأثناء تواقد الحجاج ، تتحول المدينة إلى بازار هائل ينتشر من أبواب الحرم بالذات في جميع الشوارع والأزقة.

علاوة على استيراد كمية كبيرة من المنتوجات المعيشية ، لتلبية حاجات جموع الحجاج البالغ عددها أكثر من مائة ألف ، يستجلبون إلى هنا كمية كبيرة من شتى البضائع من القسطنطينية ومصر والبلدان المجاورة في آسيا ، وذلك مع قوافل الحجاج أو البواخر إلى جدّة.

والقسطنطينية هي الوسيط الرئيسي في تجارة البضائع الأوروبية ؛ ومنها تحصل مكة على كل الاحتياطي من الأقمشة القطنية والصوفية والأحذية والخردوات والبقالة والطحين الروسي وكاز باكو وخلافها.

مصر تقدم على الأغلب المنتوجات المعيشية : الحنطة ، الفول ، الشعير ، الذرة الصفراء ، العدس ، الرز ، السكر ، زيت الزيتون ، وما إلى ذلك.

١٨٨

١٨٩

سوريا ترسل مع المحمل الدمشقي وبحرا ، عبر بيروت ، كمية كبيرة من البضائع الحريرية، والألبسة الحريرية الجاهزة ، والمناديل المطرزة بالحرير ، والفواكه المجففة ، والفالوذة.

بغداد والبصرة ترسلان مع قوافل الحجاج البضائع الحريرية والصوفية ، والرز ، والسمنة البقرية والسمنة الغنمية.

بلاد فارس ترسل السجاد والحصائر والعباءات وغير ذلك من البضائع الصوفية.

الهند ترسل البضائع المستعمرية ، والآنية من النحاس والبورسلين ، والمطبوعات والمرجان والمواد العلاجية والمواد العطرية ، وخلافها.

اليمن ترسل البن ، وعين الشمس ، والعقيق.

جزر السند ترسل الكندر.

في مكة ينتجون كمية تافهة جدّا من الأشياء التي يجري تصريفها بين الحجاج القادمين؛ والمقصود هنا المسابح المخروطة من الصدف وغير ذلك من المواد ، والخواتم من الزخارف الفضية المنتزعة كل سنة من الحرم ، كما يصنعون آنية من الصفيح لأجل نقل مياه زمزم ، وما إلى ذلك.

ثم أن سكان مكة يكسبون مبلغا كبيرا من النقود بتأجير الحجاج الغرف والشقات وقيامهم بدور المرشدين في حال إداء الفرائض والمراسم ، وتأجير الحمير التي تحظى دائما بطلب كبير نظرا لعدم وجود عربات الحوذيين ، وما إلى ذلك.

أثناء الحج ، لا يتعاطى السكان المحليون وحدهم التجارة ، بل يتعاطاها كذلك تجارة قادمون كثيرون. وهناك تجارة أكبر ، كما قالوا لي ، في ايدي الهنود ؛ ولم يتسنّ لي أن أعرف مقدار التبادل التجاري. من الممكن بصورة تقديرية جدّا تخمين المبلغ الذي يخلفه الحجاج سنويا في مكة بين ٥ و ٨ ملايين روبل.

١٩٠

أسعار السلع المعيشية أثناء تجمع الحجاج تتقلب كثيرا تبعا لحركة الاستيراد وعدد القادمين ، مثلا :

النظام النقدي

جميع العمليات التجارية في الحجاز تجري عدا ونقدا ؛ والليرة التركية الذهبية هي الوحدة النقدية الأساسية ، وتبلغ قيمتها حسب نقدنا ٨ روبلات و ٥٠ كوبيكا ؛ ولكن أقيم هنا لأجل الحسابات الصغيرة نظام نقدي معقد ومشوش إلى حد أن التجار والصرّافين أنفسهم يرتبكون ، ولا يستغنون عن القلم والورق عند إجراء الحسابات. فإن الليرة تتألف من ١١٠ قروش كاملة ، ولكن يوجد أيضا إلى جانبها قرش ناقص تحتوي الليرة منه ١٤٩ قرشا. سعر الليرة يتغير باستمرار ، ويختلف باختلاف النقاط في الحجاز. وليس في كل مكان يقبلون النقود النحاسية التركية.

عدا النقود التركية ، يشمل التداول هنا النقود الذهبية والفضية ، لا من البلدان التي جاء منها الحجاج وحسب ، بل أيضا من دول لا وجود فيها لأي مسلم ، مثلا ، الين الياباني. وأوسع النقود استعمالا ، القرش الفضي الهولندي والقرش الفضي المكسيكي أو كما يسمونهما هنا «الريال» أو «البورون» ؛ وقيمة كل منهما هنا ١٠ ـ ١١ قرشا كاملا تركيا.

لا يقبل البدو غير هذه النقود ، ويرفضون الذهب ، ولذا تحسب

١٩١

بدلات إيجار الجمال ، وكذلك جميع الأثمان غير الكبيرة في البازار بالريالات بوجه الحصر.

كذلك توجد قيد التداول سنداتنا المالية التي تحظى هنا بالثقة الكبيرة والتقدير الرفيع ؛ فبمقابل مائة روبل من السندات المالية تقاضيت هنا زهاء ٩٠ روبلا ذهبيا. وسعر العملات، كما سبق أن قلت ، يتقلب دائما. في سنة ١٨٩٨ تواجدت الأرقام المتوسطة التالية :

تجارة الرقيق

يوجد في الحجاز نوع آخر من التجارة ، نادر في الوقت الحاضر ، وينتعش كثيرا أثناء تجمع الحجاج ، هو تجارة الرقيق (النخاسة).

الارقاء الذين يباعون في الحجاز ينتمون بوجه الحصر إلى قوميتين : الزنوج السود تماما من السودان الذين يعتبرونهم في الحجاز أفضل الكادحين ، والذين يشترونهم ، سواء منهم الرجال أم النساء ، لأجل العمل فقط ، ثم الأحباش ، وهم أقل سوادا ؛ ويشترون النساء منهم كمحظيات.

يستجلبون الارقاء من الساحل الافريقي للبحر الأحمر ؛ وهناك ، أغلب الظن ، نظام متكامل لإيصالهم إلى السوق الرئيسية في مكة. والارقاء الحاليون هم بمعظمهم أولاد مخطوفون يشتريهم في محالهم تجار محتكرون يجلبونهم إلى الساحل ثم ينقلونهم بحرا وخفية على سمابك إلى سواحل الجزيرة العربية ، حيث يشتريهم بسعر يتراوح للواحد منهم بين ٥ و ١٥ ليرات تركية وهناك وسطاء يتعاطون نقلهم لاحقا.

١٩٢

لم أستطع الحصول على معلومات دقيقة نوعا ما عن مقادير هذه التجارة ، ولكن يقال أن عدد الارقاء المباعين في السنوات المؤاتية حين يحالف التوفيق أعمال السرقة ، ولا تعترض السلطات في مرفأ سواكن مجموعاتهم في الطريق ، يلغ زهاء ٢٠٠٠ شخص. سعر الفتاة الزنجية الراشدة حوالي ٢٠ ليرة ، وسعر الفتاة الحبشية الراشدة ٣٠ ـ ٤٠ ليرة ؛ وسعر الكادح الجيد الزنجي او الحبشي ٣٠ ـ ٤٠ ليرة أيضا ؛ وسعر الأولاد ذكورا وإناثا ١٠ ـ ١٥ ليرة.

أما الشراة فهم ، على العموم ، سكان الجزيرة العربية ، وبخاصة سكان الحجاز ، سواء منهم السكان الأصليون أم القائمون هناك موقتا. وفي مكة والمدينة لا يوجد أي بيت ليس فيه عبد وعبدة يقومان بجميع الأعمال البيتية ، ومنها جلب الماء ، وتحضير الطعام ، وغسيل البياض ، والعناية بالأطفال ، وما إلى ذلك. وكذلك الرحل يعهدون إلى الارقاء بعمل أصعب. ومعاملة الارقاء حيث تسنى لي أن أراقبها ، طيبة ، إنسانية.

كذلك يشتري الحجاج العبيد لكي يعتقوهم ، لكي يعيدوا إليهم الحرية ، لأن إعتقاء العبد يعتبر ، بموجب تعاليم الإسلام ، من أكثر أنواع الإحسان ارضاء للرب. وفي جميع مدن الحجاز وفي جميع القبائل البدوية يوجد عدد كبير من الارقاء السابقين الذين اعتقهم أسيادهم أو أفتداهم الحجاج ؛ وبلدة خيبر الكبيرة الواقعة في جوار المدينة المنورة تتألف حصرا من الارقاء السابقين. والاعتاق ترافقه وثيقة خطية خاصة ينظمها القاضي المحلي ؛ وإذا كان الرقيق المعتق قاصرا ، فيوضع تحت وصاية شخص ما حتى بلوغه سن الرشد.

وعلى طرق القوافل يجري ، أغلب الظن ، توريد الأمات إلى البلدان المجاورة. وفيما يخص السبل البحرية ، تسنى لي أن أسمع أن هذه العملية نادرا ما يحالفها النجاح إذ أن السلطات الإنجليزية أو المصرية تنتزع الأمة بموجب تصريحها الأول. وبالفعل ، شاهدت في

١٩٣

الطور إمرأة مسافرة مع مغربي ؛ وإذا بها ، بعد انتهاء الحجر الصحي ، تعلن أن هذا المغربي اشتراها في مكة وانه يقودها الآن بالعنف ؛ ورغم جميع احتجاجات سيدها وزعمه انه قد تزوج منها ، انتزعوها منه.

يشغل سوق النخاسة في مكة حوشا مفتوحا غير كبير ، تطل عليه أبواب غرف يحبسون فيها المباعين لقضاء الليل. وعندما زرت هذا السوق ، كان هناك زهاء ٨٠ شخصا معظمهم شابات حبشيات مع اثنين أو ثلاث منهن أطفال رضع ، وجميعهن مزيّنات ومصفوفات فرقا على دواوين طويلة ؛ وكان هناك مقعدان يجلس عليهما كادحون راشدون من الزنوج ، لابسون بعناية ومقصوصو الشعر ؛ والباقون كانوا أولادا من ذكور وإناث يلعبون بمرح وهناء في أماكنهم. أشرف على البيع تاجر عربي نشيط راح يمدح بصوت مدو مزايا بضاعته. اختار بعض الشراة من البدو النساء ، وتفحصوا عيونهن وافواههن ، واجبروهن على خلع ملابسهن. وقد تركت زيارة هذا السوق في نفسي إنطباعا كئيبا ومرهقا جدّا.

إن الشريعة ، كما هو معلوم ، لا تجيز الا استعباد أسرى الحرب ، ولذا ليس لهذا النوع من امتلاك العبيد الموجود في الحجاز ، أي مبرر على الاطلاق من جهة نظر الشريعة أيضا ؛ والذرائع التي يسوقها السكان المحليون للدفاع عن انفسهم. ، ومفادها أن الناس المباعين هم من ذرية عبيد سابقين ، وانهم يبيعونهم كعبيد ، وأن الشاري لا يعرف بأي طريقة تم الحصول على هؤلاء العبيد ـ إنما هي تناقض في منتهى الجلاء. ولكن الحجازيين أنفسهم يشكون ، على ما يبدو ، في شرعية حقوقهم ؛ وبما أنهم لا يملكون القوى والشجاعة للتخلي كليا عن هذا الكدح الرخيص ، فإنهم يعتقون بعد مرور عدد معين من السنين الارقاء الذين اشتروهم ، ويعقدون عقود الزواج من النساء تخوفا من الشرعية المعاشرة.

ذات مرة ، قامت الحكومة التركية بمحاولة لاغلاق سوق النخاسة ،

١٩٤

١٩٥

فصدر أثر ذلك ، في سنة ١٨٥٥ ، فرمان سلطاني خاص ؛ ولكن هذا الفرمان استثار إنتفاضة في عموم الحجاز. وفي سنة ١٨٥٨ قتلوا في جدّة جميع الأوروبيين الذين كانوا يعتبرونهم عن حق وصواب مسؤولين عن صدور القانون الجديد ، كما قتلوا القنصل الفرنسي في جدّة ؛ وفي السنة التالية ، ١٨٥٩ ، ألغي الفرمان وبقي امتلاك العبيد قائما على أسسه السابقة.

الظروف الصحية في مكة. الماء

تستعمل مكة الماء من نوعية جيدة وبكمية كافية. ولا يحدث نقص في الماء حتى إذا كان تجمع الحجاج كبيرا.

والماء يساق من على بعد ٧٠ فرستا ، من نبع عين [...] يقع على التلال السفحية من جبل القرى ، ثم يلتقي مجروره مع ساقية تنطلق من وادي النعمان ، فيطلق عليه اسم عين الزبيدة ، باسم زوجة خليفة بغداد الشهير هارون الرشيد التي سيق الماء للمرة الأولى في عام ٨٢٧ بفضل أموالها حتى جبل عرفات ؛ وفي عام ١٥١٩ ، في عهد السلطان سليمان القانوني ، تم تمديد مجرور الماء حتى مكة ، ولكن الأمطار الوابلة كانت تفسده دائما ، ولذا كان يتعطل في غالب الأحيان. وللمرة الأخيرة جرى اصلاحه بأموال مجموعة من الحجاج وتبرع بها مختلف الناس في عهد والي الحجاز عثمان باشا ؛ وبهذا النحو لا يزال يؤدي وظيفته في الوقت الحاضر.

يتألف مجرور الماء من أنبوب واسع مركب من أحجار مشدودة بالكلس وممدود على القطاع الأكثر إنخفاضا في فج وادي منى ، بمحاذاة الطريق المنطلقة من مكة إلى الطائف ؛ وفي بعض الأماكن ، يمتد الانبوب بصورة غير عميقة جدّا بحيث تظهر قبته العليا ؛ ولكن متوسط العمق يتراوح بين ساجين وساجينين ؛ وفي بعض الأماكن انشأوا منافذ

١٩٦

هواء بصورة آبار مكشوفة مبلطة بالحجر ويستفاد منها في الوقت نفسه لاستخراج الماء. وعند جبل عرفات يمر الماء عبر بضعة أحواض مكشوفة طويلة مبنية لأجل استحمام الحجاج. ولاستعمال الماء عبر بضعة أحواض مكشوفة طويلة مبنية لأجل استحمام الحجاج. ولاستعمال الماء ضمن حدود المدينة ، انشئت أحواض خاصة بشكل حفر واسعة مبلطة بحجر منحوت يتراوح عمقها بين ساجين و ٣ ساجينات ، ومزودة بسلالم حجرية عريضة وبأرضية مفروشة بالبلاط. يمر الماء عبر مزراب منحوت من الأرضية ؛ يستقون الماء من هذا المزراب ببواط مربعة الزوايا من الصفيح لأن أي شكل آخر للاناء لا يصلح نظرا لأن علو سيل الماء تافه. وعدا ذلك ، انشئت في أعلى الجدران بضع آبار ذات بكرات معدنية لأجل استقاء الماء بالدلاء ، دون النزول إلى أسفل ، إلى المزراب. عدد جميع نقاط استقاء الماء في مكة ٤٠. يجري توزيع الماء على البيوت في قرب كبيرة ؛ وهذا العمل المرخق يقوم به الارقاء ، الحقيقيون أو المعتقون ، الذين يكسبون رزقهم بهذه الطريقة. وفي البيوت يحفظون الماء في قلل طينية خاصة تتسع كل منها لزهاء ١٠ دلاء.

حالة البيوت

البيوت في مكة نظيفة جدّا ؛ الجدران مبيّضة دائما من الداخل ومن الخارج ؛ الغرف والسلالم مكنّسة بعناية ؛ بيوت الخلاء الواقعة في السلالم أو في إحدى الغرف الأمامية لها دائما أرضية من الأسمنت ، وتتصف ببالغ النظافة ، ولكن بنيان ونظام تنظيف البلوعات رهيبان للغاية ؛ فقرب جميع البيوت توجد في الشارع خنادق ذات مقاييس متنوعة ، مفروشة بالحجر ومسدودة من فوق بأحكام ؛ وإلى الخندق يتجه الغائط من جميع بيوت الخلاء في البيت وإليه تنسكب أيضا عبر بيوت الخلاء ذاتها كل الغسالة ؛ ومرة في السنة ، وعادة بعد رحيل الحجاج ، يجري

١٩٧

تنظيفها ؛ ولهذا الغرض يستأجرون الزنوج ؛ وهؤلاء يحفرون سلفا على مقربة في الشارع حفرة جديدة ، وينقلون إليها كل مضمون البالوعات ثم يطمرونها ؛ وليس من المتبع استعمال الكلس أو وسائل معقّمة أخرى. في البيوت الخاصة ، لا يحس المرء في بيوت الخلاء برائحة شديدة ، ومرد ذلك على الأرجح ، إلى أن الناس لا يسكنون في الطوابق السفلى القربية من الحفر. ولكن بيوت الخلاء العامة تطلق رائحة كريهة رهيبة ، فلا يمكن المرور بقربها دون سد الانف.

حالة الشوارع والبازارات

الشوارع ، كما قيل أعلاه ، تشكل مكانا لرمي كل ضرب من الزبالة ونفايات المطابخ ؛ وفي الحال تنقض الكلاب المتشردة والمواعز على كل ما يصلح للأكل منها. مرة في اليوم يكنسون الشوارع الرئيسية ، ولكن الزبالة تتكوم في الأزقة طوال أشهر ، وتهترئ الحيوانات الميتة ، ويعتبر السكان كل هذا أمرا طبيعيا تماما ، ولا يرتكبون البتة من الرائحة الكريهة ؛ وفي هذه السنة بقي جمل ميت ٦ أيام في أحد الشوارع الرئيسية ، قرب قصر الشريف ، ورفعوه ونقلوه حين جف كليا تقريبا.

ومفهوم أن تكون الشوارع مغبرة جدّا من جراء الحركة الكبيرة ومن جراء عدم رشها أبدا ، ولأنها غير مزفتة وغير مبلطة.

وعن البازارات ينبغي أن نقول الشيء نفسه ؛ فهي في كل مكان قذرة ، ومغبّرة جدّا.

المسلخ

يقوم المسلخ خارج المدينة ؛ وهو قذر جدّا ، كما كان يصح أن أتوقع. وطر البقايا يجري ببالغ الاهمال وبرمي شريحة طفيفة من التراب.

١٩٨

المقبرتان

توجد في مكة مقبرتان غير كبيرتين ، تقعان على طرف المدينة. وبما أن المحلة لا تتيح توسيع المساحة التي تشغلها المقبرتان ، فإنهم يحفرون مدفنا فوق آخر ، ويستخرجون عظام المدفونين سابقا ويجمعونها في حفر ترابية مهيأة خصيصا تسمى الواحدة منها «مخزن». وإذا أخذنا بالحسبان النسبة الكبيرة على العموم من الوفيات بين الحجاج والأوبئة المتكررة ، فلا بد من الافتراض أن عدد المدفونين هنا يبلغ رقما ضخما جدّا. وإداء لمراسم الجنازة ، يحملون الموتى إلى الكعبة ، ثم ينقلونهم بعد مرور بضع دقائق إلى المقبرة حيث توجد بضع حفر جاهزة لأجل الدفن. عمق الحفرة حتى صدر الإنسان. ولا وجود البتة لنقل الموتى من خارج المدينة ، ولا حتى من أماكن قريبة مثل منى (٦ ـ ٧ فرستات).

الظروف المناخية في مكة

المناخ الحار في الحجاز تشتد وطأته في مكة من جراء انحصار المحلة بشدة بين الجبال ، وتزاحم البيةت ، وعدم إستقامة الشوارع ، والغبار الدائم ، رغم أن مناخ هذه المدينة يعتبر صحيا بالنسبة لمن اعتادوا عليه.

وحسب مراقباتي ، كان متوسط الحرارة في مكة (علوها ٩٣٠ قدما فوق سطح البحر الأحمر) في نيسان (ابريل) وأوائل أيار (مايو) ، في غرفة من طابق متوسط محمي جيدا من الشمس ٣٠ درجة ريومور فوق الصفر وكانت ترتفع نهارا إلى ٣٢ ـ ٣٣ درجة ، وتهبط قبيل الصباح إلى ٢٧ ـ ٢٨ درجة ؛ وفي تموز (يوليو) ، كما أفادني ، بلغت الحرارة في النهار هناك ٣٧ درجة ريومور فوق الصفر.

ويستفاد من المعلومات الواردة في كتاب «الحجاز» أن متوسط الحرارة في مكة هو التالي : كانون الثاني (يناير) ١٨ درجة فوق الصفر ،

١٩٩

شباط (فبراير) ٢٠ درجة ، آذار (مارس) ٢٣ درجة ، نيسان (ابريل) ٢٤ درجة ، أيار (مايو) ٢٧ درجة ، حزيران (يونيو) ٢٩ درجة ، تموز (يوليو) ٢٩ درجة ، آب (اغسطس) ٣٠ درجة ، أيلول (سبتمبر) ٢٨ درجة ، تشرين الأول (اكتوبر) ٢٥ درجة، تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٤ درجة ، كانون الأول (ديسمبر) ٢٠ درجة.

ويستفاد من أحاديث الطبيب عثمان أفندي الذي تسنى لي أن أتحادث معه أحيانا كثيرة أن المرض الأكثر إنتشارا في زمن القيظ ، وبخاصة بين الحجاج القادمين من الشمال هو «أبو الركب» وهو ضرب من الانفلوانزا (أصلها أنف العنزة) وكذلك اختلال في أعضاء الجهاز الهضمي يتخذ أحيانا شكل الزحار (الدوسنطاريا) ؛ وسبب المرض الأخير الذي ذكره الطبيب قد اعاده جزئيّا إلى استهلاك الماء من بئر زمزم بدون اعتدال وإلى الطعام الثقيل الذي يستجلبه الحجاج معهم من أوطانهم ؛ وغالبا جدّا ما يحدث مرض الحصوة ؛ وفي الشتاء غالبا ما تصاب أعضاء التنفس.

المستشفى والصيدليات

لتوفير العلاج في المستشفى والمستوصفات لأجل الطبقة الفقيرة ، وتوزيع الأدوية مجانا ، يوجد مستشفى من ٣٠ سريرا ، ويعمل فيه طبيبان وصيدلي واحد على حساب أموال الأوقاف التي تبرعت بها والدة السلطان عبد المجيد. يقع المستشفى في وسط المدينة في مبنى خاص به ؛ ومفروشاته جيدة نسبيّا ؛ فتحت تصرف المرضى اسرّة ملائمة ، ولوازم فراش نظيفة وطعام جيد ؛ ويلقون عناية جيدة. وحين زرت المستشفى كانت جميع الأماكن مشغولة. وكان المرضى يعانون بأغلبيتهم من أمراض التهاب المعدة. وقد قال الطبيب أن هذه المؤسسة العلاجية تستطيع في أقصى الضرورة أن تقبل حتى ٦٠ مريضا.

٢٠٠