زبدة التّفاسير - ج ٦

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٦

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-08-6
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٤٠

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) فتستقرّون فيها. وقرأ الحرميّان وأبو عمرو وابن عامر : مهادا. (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) تسلكونها (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لكي تهتدوا إلى مقاصدكم ، أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك.

(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) غيثا (بِقَدَرٍ) بمقدار ينفع ولا يضرّ ، بأن يسلم معه البلاد والعباد (فَأَنْشَرْنا بِهِ) فأحيينا بذلك المطر (بَلْدَةً مَيْتاً) أرضا جافّة يابسة ، بإخراج النبات والأشجار والزروع. وتذكير الميّت لأنّ البلدة بمعنى البلد والمكان. (كَذلِكَ) مثل ذلك الإخراج والإنشار (تُخْرَجُونَ) تنشرون من قبوركم. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وضمّ الراء.

(وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أصناف المخلوقات ، فمن الحيوان الذكر والأنثى ، ومن غيره ممّا هو كالمقابل ، كالحلو والمرّ ، والرطب واليابس ، وغير ذلك (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) ما تركبونه ، على تغليب المتعدّي بنفسه ـ وهو الركوب على الأنعام ـ على المتعدّي بغيره ، وهو الركوب على السفينة ، إذ يقال : ركبت الدابّة ، وركبت في السفينة. أو المخلوق للركوب على المصنوع له. أو الغالب على النادر. ولذلك قال :

(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) أي : ظهور ما تركبون. وهو الفلك والأنعام. وجمعه للمعنى. (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) مقاومين في القوّة. من : أقرن الشيء إذا أطاقه. وأصله : وجده قرينته ، إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف.

(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أي : راجعون. واتّصاله بذلك لأنّ الركوب للتنقّل ، والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله في مركب الجنازة. أو لأنّه مخطر نفسه ، فكم

٢٤١

من راكب دابّة عثرت به أو شمست (١) أو تقحمّت ، أو طاح من ظهرها فهلك. فكان من حقّ الراكب أن لا ينسى عند الركوب يوم هلاكه ومنقلبه إلى الله ، حتّى يكون مستعدّا للقاء الله بإصلاحه من نفسه ، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله وهو غافل عنه.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم الله. فإذا استوى على الدابّة قال : الحمد لله على كلّ حال ، سبحان الّذي سخّر لنا هذا إلى قوله : لمنقلبون ، وكبّر ثلاثا ، وهلّل ثلاثا. وإذا ركب في السفينة قال : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).

وروى العيّاشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ذكر النعمة أن تقول : الحمد لله الّذي هدانا للإسلام ، وعلّمنا القرآن ، ومنّ علينا بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وتقول بعده : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) الآية».

وعن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : «أنّه رأى رجلا ركب دابّة فقال : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا). فقال عليه‌السلام : أَبهذا أمرتم؟ فقال : وبم أمرنا؟ قال : أن تذكروا نعمة ربّكم».

كان قد أغفل التحميد فنبّهه عليه. وهذا من حسن مراعاتهم لآداب الله ، ومحافظتهم على دقيقها وجليلها. جعلنا الله من المقتدين بهم ، والسائرين بسيرتهم.

فما أحسن بالعاقل النظر في لطائف الصناعات ، فكيف بالنظر في لطائف الديانات؟

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ

__________________

(١) شمس الفرس : منع ظهره ، وكان لا يمكّن أحدا من ركوبه ، ولا يكاد يستقرّ. وتقحّم الفرس براكبه : ألقاه على وجهه.

(٢) هود : ٤١.

٢٤٢

لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥))

ثمّ عاد سبحانه إلى ذكر الكفّار الّذين تقدّم ذكرهم ، فقال : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً). هذا متّصل بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي : ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض ليعترفنّ به ، وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده ولدا ، فقالوا : الملائكة بنات الله ، فوصفوه بصفات المخلوقين. وسمّاه جزءا كما سمّي

٢٤٣

بعضا ، لأنّه بضعة من الوالد. وفي هذه التسمية دلالة على استحالة الولد على الواحد الحقّ في ذاته. وقرأ أبو بكر جزءا بضمّتين.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) ظاهر الكفران. ومن ذلك نسبة الوالد إلى الله ، لأنّها من فرط الجهل به والتحقير لشأنه ، وهو أصل الكفران.

ثمّ أنكر سبحانه عليهم قولهم ، فقال : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ). معنى الهمزة في «أم» الإنكار والتعجّب من شأنهم والتجهيل لهم ، حيث لم يقنعوا بأن جعلوا له جزءا ، حتّى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخسّ ممّا اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم ، بحيث إذا بشّر أحدهم بها اشتدّ غمّه به ، كما قال :

(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) بالجنس الّذي جعله له مثلا وشبها ، إذ الولد لا بدّ وأن يماثل الوالد. والمعنى : أنّهم نسبوا إليه هذا الجنس ، ومن حالهم أنّ أحدهم إذا قيل له : قد ولدت لك بنت (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) صار وجهه أسود في الغاية ، لما يعتريه من الكآبة وفرط الغمّ (وَهُوَ كَظِيمٌ) مملوء قلبه من الكرب غيضا وتأسّفا. وفي ذلك دلالات على فساد ما قالوه. وتنكير «بنات» وتعريف «البنين» ، وتقديمهنّ في الذكر ، لما مرّ في قوله : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (١).

ثمّ وبّخهم بما افتروه ، فقال : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي : أو جعلوا له ، أو اتّخذ من يتربّى في الزينة والترفّه ، يعني : البنات (وَهُوَ فِي الْخِصامِ) في المخاصمة (غَيْرُ مُبِينٍ) أي : ليس عندهنّ بيان ، ولا يأتين ببرهان يحججن به من يخاصمنه ، لضعف عقولهنّ ، ونقصانهنّ عن فطرة الرجال ، وضعف رأيهنّ. فهذا مقرّر لما يدّعيه من نقصان العقل وضعف الرأي.

ويجوز أن يكون «من» مبتدأ محذوف الخبر ، أي : أو من هذا حالة ولده.

__________________

(١) الشورى : ٤٩.

٢٤٤

و «في الخصام» متعلّق بـ ««مبين». وإضافة «غير» إليه لا تمنعه ، لما عرفت.

وقرأ حمزة والكسائي وحفص : ينشّأ ، أي : يربّى.

وعن قتادة : قلّما تكلّمت امرأة فأرادت أن تتكلّم بحجّتها إلّا تكلّمت بالحجّة عليها.

وفيه أنّه جعل النشء في الزينة والنعومة من المعايب والمذامّ ، وأنّه من صفة ربّات الحجال ، فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه.

ثمّ بيّن كفرا آخر تضمّنه مقالتهم الشنيعة ، فقال : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) أي : جعلوا أكمل العباد وأكرمهم على الله تعالى أنقصهم رأيا وأخسّهم صنفا. فهم جمعوا في كفرة ثلاث كفرات ، وذلك أنّهم نسبوا إلى الله الولد ، ونسبوا إليه أخسّ النوعين ، وجعلوه من الملائكة الّذين هم أكرم عباد الله على الله ، واستحقروهم واستخفّوا بهم.

وقرأ الحجازيّان وابن عامر ويعقوب : عند الرحمن ، على تمثيل زلفاهم واختصاصهم.

ثمّ ردّ ذلك عليهم بقوله : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) أحضروا خلق الله إيّاهم فشاهدوهم إناثا ، فإنّ ذلك ممّا لا يعلم إلّا بالمشاهدة. وهو تجهيل وتهكّم بهم.

يعني : أنّهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم ، فإنّ الله تعالى لم يضطرّهم إلى علم ذلك ، ولا تطرّقوا إليه باستدلال ، ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ، فلم يبق إلّا أن يشاهدوا خلقهم ، فيخبروا عن هذه المشاهدة. وهذا كقوله : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) (١).

وعن نافع : أشهدوا على افعلوا ، بضمّ الهمزة وسكون الشين ، وقبلها همزة الاستفهام مفتوحة ، ثمّ تخفّف الثانية بين بين. وآأشهدوا ، بمدّة بينهما برواية قالون.

__________________

(١) الصافّات : ١٥٠.

٢٤٥

(سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) الّتي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم (وَيُسْئَلُونَ) أي : عنها يوم القيامة. وهذا وعيد.

(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ) أي : لو شاء عدم عبادة الملائكة (ما عَبَدْناهُمْ) وذلك لزعمهم الباطل أنّ عبادتهم بمشيئة الله (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي : لا يعلمون صحّة ما يقولون ، فقولهم باطل ، لأنّه لم يصدر عن علم (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) كاذبون ، كما يقول إخوانهم المجبّرة. ولا دليل على أنّهم قالوه مستهزئين لا جادّين ، ليكونوا عند المجبّرة مؤمنين ، وادّعاء ما لا دليل عليه باطل. على أنّ الله قد حكى عنهم على سبيل الذمّ والشهادة بالكفر : أنّهم جعلوا له من عباده جزءا ، وأنّه اتّخذ بنات وأصفاهم بالبنين ، وأنّهم جعلوا الملائكة المكرّمين إناثا ، وأنّهم عبدوهم.

وأيضا لو كانت هذه الكلمة الّتي نطقوا بها هزءا ، لم يكن لقوله تعالى : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) معنى.

ولمّا بين أقوالهم الزائغة ، ونفى أن يكون لهم بذلك علم من طريق العقل ، أضرب عنه إلى إنكار أن يكون لهم سند من جهة النقل ، فقال :

(أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) بذلك الكتاب متمسّكون. ومعلوم أنّهم لم يمكنهم ادّعاء أنّ الله تعالى أنزل بذلك كتابا ، فعلم أنّ ذلك من تخرّصهم.

ولمّا لم يكن لهم على ذلك حجّة عقليّة ولا نقليّة ، جنحوا إلى تقليد آبائهم الجهلة ، كما حكى الله سبحانه عنهم بقوله : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) أي : ملّة وطريقة تؤمّ ، أي : تقصد ، كالرحلة للمرحول إليه (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ).

ثمّ سلّى سبحانه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ التقليد في نحو ذلك ضلال قديم ، وأنّ مقدّميهم أيضا لم يكن لهم سند منظور إليه ، فقال :

(وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ) في مجمع من الناس (مِنْ نَذِيرٍ) أي :

٢٤٦

نذيرا ، لأنّ «من» زائدة (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) متنعّموها الّذين أترفتهم النعمة ، أي : أبطرتهم ، فلا يحبّون إلّا الشهوات والملاهي (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) تخصيص المترفين إشعار بأنّ التنعّم وحبّ البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد. وقوله : (عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) خبر لـ «إنّ» ، أو الظرف صلة لـ «مقتدون».

ثمّ قال للنذير : (قالَ) لهم (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) أي : أَتتّبعون آباءكم ولو جئتكم (بِأَهْدى) بدين أهدى (مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) من دين آبائكم. وهو حكاية أمر ماض أوحي إلى النذير. وفيه حسن التلطّف في الاستدعاء إلى الحقّ ، وهو أنّه لو كان ما يدّعونه حقّا وهدى ، وكان ما جئتكم به من الحقّ أهدى منه ، كان أوجب أن يتّبع ويرجع إليه. ويجوز أن يكون ذلك خطابا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويؤيّد الأوّل أنّه قرأ ابن عامر وحفص : قال.

وقوله : (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أيّها المرسلون (كافِرُونَ) أي : إنّا ثابتون على دين آبائنا ، لا ننفكّ عنه وإن جئتنا بما هو أهدى. وهذا إقناط للنذير من أن ينظروا أو يتفكّروا فيه.

ثمّ ذكر سبحانه ما فعل بهم ، فقال : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بالاستئصال (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) لأنبياء الله والجاحدين لهم ، فلا تبال بتكذيبهم. وفي هذا إشارة إلى أنّ العاقبة المحمودة تكون لأهل الحقّ والمصدّقين لرسل الله.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

٢٤٧

(٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥))

ثمّ دلّ على بطلان التقليد بقوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) واذكر وقت قوله هذا ليروا كيف تبرّأ أشرف آبائهم عن التقليد وتمسّك بالدليل ، حيث قال (لِأَبِيهِ) أي : لعمّه الّذي هو بمنزلة أبيه في تربيته (وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) بريء من عبادتكم أو معبودكم من الأصنام والكواكب. مصدر نعت به ، ولذلك استوى فيه الواحد والمتعدّد ، والمذكّر والمؤنّث.

(إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) منصوب على أنّه استثناء منقطع ، كأنّه قال : لكن أعبد

٢٤٨

الّذي فطرني (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) أي : سيثبّتني على الهداية على الاستقبال ، كما هداني في الماضي والحال. أو سيهديني إلى ما وراء ما هداني إليه. ويحتمل أن يكون مجرورا بدلا من المجرور بـ «من» ، على أنّه استثناء متّصل. وذلك لأنّهم ـ كما قيل ـ كانوا يعبدون الله مع أوثانهم. وأن تكون «إلّا» صفة بمعنى غير ، على أن «ما» في «ما تعبدون» موصوفة ، تقديره : إنّني براء من آلهة تعبدونها غير الّذي فطرني.

فهو نظير قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١).

(وَجَعَلَها) وجعل إبراهيم أو الله كلمة التوحيد (كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) في ذرّيّته ، فيكون فيهم أبدا من يوحّد الله ويدعو إلى توحيده (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحّده وتاب عمّا هو عليه.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الكلمة هي الامامة إلى يوم القيامة».

وعن السدّي : أنّ المراد بالذرّيّة هم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثمّ ذكر سبحانه نعمه على قريش ، وهم من أعقاب إبراهيم ، فقال :

(بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ) أي : هؤلاء المعاصرين من قريش (وَآباءَهُمْ) بالمدّ في العمر والنعمة ، ولم أعاجلهم بالعقوبة لكفرهم ، فاغترّوا بذلك ، وشغلوا بالتنعّم واتّباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ) دعوة التوحيد أو القرآن (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر الرسالة بما له من المعجزات البيّنة. أو مبين للتوحيد بالحجج والآيات.

(وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) لينبّههم عن غفلتهم (قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) أي : زادوا شرارة ، فضمّوا إلى شركهم معاندة الحقّ والاستخفاف به ، فسمّوا القرآن سحرا وكفروا به ، واستحقروا الرسول.

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) من إحدى القريتين :

__________________

(١) الأنبياء : ٢٢.

٢٤٩

مكّة والطائف (عَظِيمٍ) بالجاه والمال ، كالوليد بن المغيرة المخزومي من مكّة ، وعروة بن مسعود الثقفي ، وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي ، وعتبة بن أبي ربيعة من مكّة ، وكنانة بن عبد ياليل من الطائف. وكان الوليد يقول : لو كان حقّا ما يقول محمّد لنزل هذا القرآن عليّ أو على أبي مسعود الثقفي ، فإنّ الرسالة منصب عظيم لا يليق إلّا بعظيم. ولم يعلموا أنّها رتبة روحانيّة تستدعي عظم النفس بالتحلّي بالفضائل والكمالات القدسيّة ، لا التزخرف بالزخارف الدنيويّة.

فردّ الله سبحانه ذلك عليهم ، فقال إنكارا وتجهيلا وتعجيبا من تحكّمهم : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) أي : النبوّة (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهم عاجزون عن تدبيرها ، وهي خويصّة (١) أمرهم وما يصلحهم في دنياهم ، ولو وكلهم إلى أنفسهم وولّاهم تدبير أمرهم لضاعوا وهلكوا. فإذا كانوا في تدبير أمر المعيشة الدنيّة في الحياة الدنيا على هذه الصفة ، فما ظنّك بهم في أن يدبّروا أمر النبوّة الّتي هي أعلى المراتب الإنسيّة ، ورحمة الله الكبرى ، ورأفته العظمى ، وما يتبعها من الفوز والفلاح في دار السلام.

إن قيل : المراد بالمعيشة ما يعيشون به من المنافع ، فمنهم من يعيش بالحلال ، ومنهم من يعيش بالحرام ، فإذن قد قسّم الله الحرام كما قسّم الحلال.

فأجيب بأن الله قسّم لكلّ عبد معيشته ، وهي مطاعمه ومشاربه وما يصلحه من المنافع ، وأذن له في تناولها ، ولكن كلّفه أن يسلك في تناولها الطريق الّتي شرعها ، فإذا سلكها فقد تناول قسمته من المعيشة حلالا ، وسمّاها رزق الله ، وإذا لم يسلكها تناولها حراما ، وليس له أن يسمّيها رزق الله. فالله تعالى قاسم المعايش والمنافع ، ولكنّ العباد يكسبونها صفة الحرام بسوء تناولهم ، وهو عدولهم عمّا شرعه الله إلى ما لم يشرعه.

__________________

(١) أي : الّذين يختصّ بهم. وهي تصغير خاصّة.

٢٥٠

(وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) بأن أوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره ، فجعلنا منهم أقوياء وضعفاء ، وأغنياء ومحاويج ، وموالي وخدما (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) ليتسخّر بعضهم بعضا في أشغالهم وحوائجهم ، فيحصل بينهم تآلف وتضامّ ينتظم بذلك نظام العالم ، لا لكمال في الموسع ، ولا لنقص في المقتر (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) يعني : النبوّة وما يتبعها (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حطام الدنيا.

ثمّ أخبر سبحانه عن هوان الدنيا عليه ، وقلّة مقدارها عنده ، فقال :

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) لولا كراهة أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفّار في سعة وتنعّم لحبّهم الدنيا ، فيجتمعوا عليه (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) بدل من «لمن» بدل الاشتمال. ويجوز أن يكون علّة ، مثل اللامين في قولك : وهبت له ثوبا لقميصه ، أي : لأجل قميصه. (سُقُفاً) جمع سقف. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : سقفا ، اكتفاء بجمع البيوت. (مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) ومصاعد. جمع معرج. (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) يعلون السطوح ، لحقارة الدنيا (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) أي : من فضّة. حذفت اكتفاء بذكرها أوّلا. (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ).

(وَزُخْرُفاً) وزينة ، عطف على «سقفا». أو ذهبا ، عطف على محلّ «من فضّة». وفي معناه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء».

وإنّما لم يوسع الدنيا على المسلمين ليرغب الكفّار في الإسلام ، لأنّ التوسعة عليهم مفسدة أيضا ، لما تؤدّي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا لا محض القربة ، فكانت الحكمة فيما دبّر ، حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء ، وغلّب الفقر على الغنى.

(وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) «إن» هي المخفّفة ، واللام هي الفارقة. وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه : لمّا بالتشديد ، بمعنى «إلّا» ، و «إن» نافية.

٢٥١

(وَالْآخِرَةُ) والجنّة الباقية (عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) خاصّة لهم. وفي الآية دلالة على اللطف ، وأنّه تعالى لا يفعل المفسدة وما يدعو إلى الكفر ، وإذا لم يفعل ما يؤدّي إلى الكفر فلأن لا يفعل الكفر ولا يريده أولى.

(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩))

ولمّا تقدّم ذكر الوعد للمتّقين ، عقّبه بذكر الوعيد لمن هو على ضدّ صفتهم ، فقال :

(وَمَنْ يَعْشُ) يتعام ويعرض (عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي : يعرف أنّه الحقّ ثمّ يتجاهل ويتغابى (١) ، كقوله : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٢). وذلك لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات. (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) نقدّر له ، بمعنى : نخذله ونخلّ بينه وبين الشيطان ، كقوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) (٣) (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) يوسوسه ويغويه دائما. وقرأ يعقوب بالياء ، على إسناده إلى ضمير الرحمان.

(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ) جمع الضمير للمعنى ، إذ المراد جنس العاشي

__________________

(١) أي : يتغافل.

(٢) النمل : ١٤.

(٣) فصّلت : ٢٥.

٢٥٢

والشيطان المقيّض له. والمعنى : أنّ الشياطين المقيّضين ليصدّون العاشين (عَنِ السَّبِيلِ) عن الطريق الّذي من حقّه أن يسبل (وَيَحْسَبُونَ) ويحسب العاشون (أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) أنّهم على الهدى فيتّبعونهم.

(حَتَّى إِذا جاءَنا) أي : العاشي. وقر الحجازيّان وابن عامر وأبو بكر : جاءانا ، أي : العاشي والشيطان (قالَ) أي : العاشي للشيطان (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) بعد المشرق من المغرب ، والمغرب من المشرق. فلمّا غلّب المشرق ، وجمع المفترقين بالتثنية ، أضاف البعد إليهما. (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) أنت.

(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) أي : ما أنتم عليه من تمنّي مباعدة القرين (إِذْ ظَلَمْتُمْ) إذ صحّ أنّكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا. بدل من اليوم. (أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) لأنّ حقّكم أن تشتركوا أنتم وشياطينكم في العذاب ، كما كنتم مشتركين في سببه ، وهو الكفر. ويجوز أن يسند الفعل إليه ، بمعنى : ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب ، كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه ، لتعاونهم في تحمّل أعبائه ، وتقسّمهم لشدّته وعنائه ، وذلك أنّ كلّ واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته.

(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥))

٢٥٣

روي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجدّ ويجتهد ويكدّ روحه في دعاء قومه ، وهم لا يزيدون على دعائه إلّا تصميما على الكفر وتماديا في الغيّ ، فأنكر سبحانه عليه بقوله : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) إنكار وتعجّب من أن يكون هو الّذي يقدر على هدايتهم ، بعد تمرّنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال ، بحيث صار عشاهم (١) عمى مقرونا بالصم (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين.

وفيه إشعار بأنّ الموجب لذلك تمكّنهم في ضلال لا يخفى ، فلا يضيقنّ صدرك تصميمهم على الكفر ، فإنّه لا يقدر على هدايتهم إلّا الله وحده على سبيل الإلجاء والقسر ، كقوله : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٢).

ولمّا وصفهم بشدّة الشكيمة بالكفر والضلال ، أتبعه شدّة الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة ، فقال :

(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) «ما» مزيدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكّدة. والمعنى : فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ، ونشفي صدور المؤمنين منهم (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) بأشدّ الانتقام في الآخرة. كقوله : (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٣).

(أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب. وقرأ يعقوب برواية رويس : أو نرينك ، بإسكان النون. وكذا : نذهبن. (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) لا يفوتوننا.

قال الحسن وقتادة : إنّ الله أكرم نبيّه بأن لم يره تلك النقمة ، ولم ير في أمّته

__________________

(١) عشي يعشى عشا : ساء بصره بالليل والنهار.

(٢) فاطر : ٢٢.

(٣) غافر : ٧٧.

٢٥٤

إلّا ما قرّت به عينه. وقد كان بعده عليه وآله السلام نقمة شديدة. وقد روي أنه صلوات الله عليه وآله أري ما تلقى أمّته بعده ، فما زال منقبضا ، ولم ينبسط ضاحكا حتّى لقي الله تعالى.

وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : «إنّي لأدناهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع بمنى ، حتّى قال : لألفينّكم ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة الّتي تضاربكم. ثمّ التفت إلى خلفه فقال : أو عليّ أو عليّ ، ثلاث مرّات. فرأينا أنّ جبرائيل غمزه ، فأنزل الله على أثر ذلك : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) بعليّ بن أبي طالب».

وقيل : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أري الانتقام منهم ، وهو ما كان من نقمة الله من المشركين يوم بدر بعد أن أخرجوه من مكّة ، فقد أسر منهم وقتل مع قلّة أصحابه وضعف منّتهم (١) ، وكثرة الكفّار وشدّة شوكتهم.

ثمّ أمره سبحانه بالتمسّك بالقرآن ، فقال : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) فكن متمسّكا بما أوحينا إليك من الآيات والشرائع وبالعمل به (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لا عوج له ، ولا يحيد عنه إلّا ضالّ شقيّ. فزد كلّ يوم صلابة في المحاماة على دين الله ، ولا يخرجك الضجر بأمرهم إلى شيء من اللين والرخاوة في أمرك.

(وَإِنَّهُ) وإنّ الّذي أوحي إليك (لَذِكْرٌ) لشرف (لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) أي : عنه يوم القيامة ، وعن قيامكم بحقّه ، وعن تعظيمكم له ، وشكركم على أن رزقتموه وخصصتم به من بين العالمين.

(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال ، لإحالته ، بل في الكلام مضاف مقدّر ، تقديره : واسأل أممهم وعلماء دينهم. فإذا سألهم فكأنّه سأل الأنبياء. وقرأ ابن كثير والكسائي بتخفيف الهمزة. (أَجَعَلْنا

__________________

(١) المنة : القوة.

٢٥٥

مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) هل حكمنا بعبادة الأوثان؟ وهل جاءت في ملّة من مللهم؟

وقيل : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع له تسعون نبيّا ـ منهم موسى وعيسى ـ ليلة الإسراء في بيت المقدس فأمّهم ، وقيل له : سلهم ، فلم يشكّ ولم يسأل.

وقيل : السؤال مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم ، هل جاءت عبادة الأوثان قطّ في ملّة من ملل الأنبياء؟ وكفاه نظرا وفحصا نظره في كتاب الله المعجز المصدّق لما بين يديه ، وإخبار الله فيه بأنّهم لا يعبدون إلّا الله. وهذه الآية كافية في نفسها ، لا حاجة إلى غيرها. والسؤال الواقع مجازا عن النظر ، حيث لا يصحّ السؤال على الحقيقة ، كثير منه مساءلة الشعراء الديار والرسوم والأطلال. ومنه قول من قال : سل الأرض من شقّ أنهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك؟ فإنّها إن لم تجبك حوارا (١) أجابتك اعتبارا. والقول الأوّل قول أكثر المفسّرين.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا

__________________

(١) أي : مخاطبة بالنطق ، ومجاوبة للكلام.

٢٥٦

قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦))

ولمّا تقدّم سؤال الرسول عن أحوال الرسل وما جاؤا به ، اتّصل به ـ استشهادا بصحّة دعوته إلى التوحيد ـ حديث موسى وعيسى ، لأنّ أهل الكتابين إليهما ينتسبون ، فذكر قصّتهما مع أمّتهما تصديقا لنبيّه في دعواه ، فقال :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي : أشراف قومه. وخصّهم بالذكر وإن كان مرسلا أيضا إلى غيرهم ، لأنّ من عداهم تبع لهم. (فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) أرسلني إليكم.

(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا) وأظهرها عليهم (إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) أي : فاجئوا وقت ضحكهم استهزاء بها أوّل ما رأوها ولم يتأمّلوا فيها.

(وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) إلّا وهي بالغة أقصى درجات الإعجاز ، بحيث يحسب الناظر فيها أنّها أكبر ممّا يقاس إليها من الآيات. والمراد وصف الكلّ بالكبر. يعني : أنّ الآيات موصوفات بفرط الكبر ، لا يكدن يتفاوتن فيه. وكذلك الأشياء الّتي تتلاقى في الفضل ، كقولك : رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض. أو إلّا وهي مختصّة بنوع من الإعجاز مفضّلة على غيرها بذلك الاعتبار. فلا

٢٥٧

يقال : إنّ هذا الكلام متناقض ، لأنّ معناه : ما من آية من التسع إلّا وهي أكبر من كلّ واحدة منها ، فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة.

(وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) كالسنين والطوفان والجراد (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي : على وجه يرجى رجوعهم.

(وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) نادوه بذلك في تلك الحال لشدّة شكيمتهم وفرط حماقتهم. أو لأنّهم كانوا يسمّون العالم الماهر ساحرا ، لاستعظامهم السحر ، فلم يكن صفة ذمّ. (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) فيكشف عنّا العذاب (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) بعهده عندك من النبوّة كما زعمت. أو من أن يستجيب دعوتك. أو أن يكشف العذاب عمّن اهتدى. أو بما عهد عندك فوفيت به ، وهو الإيمان والطاعة. (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ).

وقال بعضهم (١) في تطبيق تسميتهم موسى بالساحر مع قولهم : «إنّنا لمهتدون» : إنّ قولهم هذا وعد منويّ إخلافه ، وعهد معزوم على نكثه ، كما دلّ عليه قوله : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) بدعاء موسى (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) فاجئوا نكث عهدهم بالاهتداء. فما كانت تسميتهم إيّاه بالساحر بمنافية لقولهم : (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ).

وفي هذا تسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ المعنى : اصبر يا محمد على أذى قومك ، فإنّ حالك معهم كحال موسى مع قومه ، فيؤول أمرك إلى الاستعلاء على قومك كما آل أمره إلى ذلك.

(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) جعلهم محلّا لندائه وموقعا له. والمعنى : نادى فرعون بنفسه في مجامع قومه عند عظماء القبط ، فيرفع صوته بذلك فيما بينهم ، ثمّ ينشر عنه في جموع القبط ، فكأنّه نودي به بينهم. أو أمر بالنداء في مجامعهم من نادى بذلك ، فأسند النداء إليه ، كقولك : قطع الأمير اللصّ ، إذا أمر بقطعه.

(قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ) أنهار النيل. ومعظمها أربعة

__________________

(١) الكشّاف ٤ : ٢٥٧.

٢٥٨

أنهر : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنّيس. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) تحت قصري ، أو سريري ، أو أمري ، أو بين يديّ في جناني. والواو إمّا عاطفة لـ «هذه الأنهار» على «ملك مصر» و «تجري» حال منها. أو «هذه» مبتدأ ، و «الأنهار» صفتها ، و «تجري» خبرها. (أَفَلا تُبْصِرُونَ) هذا الملك العظيم ، وشدّة قوّتي وتسلّطي ، وضعف موسى.

(أَمْ أَنَا خَيْرٌ) مع هذه المملكة والبسطة (مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) ضعيف حقير لا يستعدّ للرئاسة. من المهانة ، وهي : القلّة. وقيل : المهين الفقير الّذي يمتهن نفسه في جميع ما يحتاج إليه ، ليس له من يكفيه أمره. (وَلا يَكادُ يُبِينُ) الكلام ، لما به من العقدة الّتي في لسانه ، فكيف يصلح للرسالة؟ يريد : أنّه ليس معه من العدد وآلات الملك والسياسة ما يعتضد به. وهو في نفسه مخلّ بما ينعت به الرجال من الفصاحة. وكانت الأنبياء أبيناء (١) بلغاء.

وعن الحسن : كانت العقدة زالت عن لسانه حين أرسله الله ، كما قال مخبرا عن نفسه : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) (٢) ، ثمّ قال : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٣).

ولكن لم يعلم قومه بذلك ، فعيّره بما كان في لسانه قبل.

وقيل : كان في لسانه لثغة (٤) ، فرفعها الله تعالى وبقي فيه ثقل مّا.

و «أم» منقطعة ، والهمزة للتقرير ، إذ قدّم أسباب فضله ، من ملك مصر وجري الأنهار تحته ، ونادى بذلك في مجامعهم وقال : أنا خير. كأنّه يقول : أثبت عندكم واستقرّ أنّي أنا خير؟ أو متّصلة ، على إقامة المسبّب مقام السبب. والمعنى : أَفلا تبصرون ، أم تبصرون فتعلمون أنّي خير منه؟ فوضع موضع : تبصرون ، قوله : «أنا

__________________

(١) أبيناء جمع بيّن ، من : بان الشيء : اتّضح ، مثل : هيّن وأهيناء.

(٢) طه : ٢٧ و٣٦.

(٣) طه : ٢٧ و٣٦.

(٤) اللثغة : النطق بالسين كالثاء ، أو بالراء كالغين ، إلى غير ذلك. أو ثقل اللسان بالكلام.

٢٥٩

خير».

ولمّا وصف نفسه بالملك والعزّة ، ووازن بينه وبين موسى عليه‌السلام ، ووصفه بالضعف وقلّة الأعضاد ، اعترض فقال :

(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) أي : فهلّا إن كان صادقا ألقى الله عليه مقاليد الملك وسوّده وسوّره ، إذ كانوا إذا سوّدوا رجلا سوّروه وطوّقوه بطوق من ذهب. وأساور (١) جمع أسورة ، جمع سوار. وقرأ يعقوب وحفص : أسورة. (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) مقرونين يعينونه ، أو يصدّقونه. من : قرنته به فاقترن. أو متقارنين ، من : اقترن بمعنى : تقارن.

(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) فطلب منهم الخفّة ، وحملهم على أن يخفّوا له في مطاوعته. أو فاستخفّ أحلامهم. (فَأَطاعُوهُ) فيما أمرهم به (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.

(فَلَمَّا آسَفُونا) أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان. منقول من : أسف إذا اشتدّ غضبه. (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أي : لمّا أفرطوا في المعاصي والعدوان ، فاستوجبوا أن لا نحلم عنهم ، فنعجّل لهم عذابنا وانتقامنا. ومعنى غضبه على العصاة إرادة عقابهم ، كما أن رضاه عن المطيعين إرادة ثوابهم الّذي يستحقّونه على طاعاتهم. وقيل : معناه آسفوا رسلنا ، لأنّ الأسف بمعنى الحزن لا يجوز على الله تعالى. (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) في اليمّ ، ما نجا منهم أحد.

(فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) قدوة لمن بعدهم من الكفّار يقتدون بهم في استحقاق مثل عذابهم. مصدر نعت به. أو جمع سالف ، كخدم وخادم. وقرأ حمزة والكسائي بضمّ السين واللام جمع سليف ، كرغيف ورغف ، أو سالف كصابر وصبر ، أو سلف كخشب وخشب. والمعنى : وجعلناهم متقدّمين إلى النار. (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) عبرة

__________________

(١) أي : في قراءة : أساور.

٢٦٠